اقتباس - كما يحلو لكِ - النسخة العامية
اقتباس
كما يحلو لكِ
الفصل العشرون
النسخة العامية
اتجه إلى مكان قريب منه حتى يتضح له رؤية كلاهما دون أن يتضح
هو لهما، انتظر كيف ستتزين له، ما الذي سترتديه، وكيف ستتعامل معه، ولا يغفل أن كل
نظرة منها ستكون مدروسة وكل كلمة ستكون مُنتقاة بمنتهى الدقة والعناية حتى لا
تدفعه لتصديق عينيه والإيمان بظنونه.
رآها تدخل، تسير بنفس الثقة الغريبة التي لم تتغير قط
بها، شعرها يُداعب كتفها الأيمن بثوب أبيض فضفاض لا يُظهر منها سوى القليل من
ساقيها، وحذاء منزلي شفاف تمامًا، لا ترتدي أي حُلي، ولا أي مساحيق تجميل، ولماذا
تحتاج إليها وهي تبدو كالعروس بليلة زفافها.
خطواتها، تحركاتها، كل ما بها يبدو عفويًا ولا يُثير أي
من شكوكه، نفس تلك الهيئة اللعينة أوقعته مرارًا، دائمًا أبدًا كان ولا يزال يُفتن
بها، تخطف الأعين بطريقة تحبس الأنفاس، لقد كان مُحقًا عندما أخبرها أنها تُشبه
الملائكة!
ولكن هناك حقيقة واحدة تعرفها البشرية بأكملها منذ فجر
التاريخ، بل وما سبقها من الكائنات، لقد كان إبليس يومًا ما واحدًا من الملائكة،
أو على الأقل كان يُخالطهم، وبجملة واحدة منه، بمنتهى الثقة والتحدي، عصى، وتحول من
ملاك إلى شيطان، أو ليصيغها بشكل أدق وأشمل في نفس الوقت استنادًا على الكثير من
الأدلة التي تنفي كونه ملاك من الأساس، لقد نُفي إبليس من الجنة وكل ما ينتظره هو
العذاب المُقيم الأبدي، مثل ما ينتظر عاصيته الفاتنة ذات البهاء الملائكي!!
جلست أمامه، بأنوثتها المعهودة غير المبتذلة والتي لا
يرتاب أحد بكونها فطرية عكست ساقًا فوق الأخرى، يا لها من قديرة باستخدام أسلحتها الفتاكة،
ويا لها من زوجة بريئة بما تبدو عليه، ولكنه تعلم أن قمة الخطأ تكمن في الوثوق
بامرأة، ولقد غرق في الخطأ حتى أصبح هو والقاع قطعة واحدة بمنتهى الغباء.
-
خلاص اخيرًا فضيتيلي، ناوية نعمل اللي اتفقنا عليه امتى؟
اتفاق، متى حدث؟ وأين كان هو؟ المحامي المخضرم ابن
المحامي القدير اللذان بالكاد يخسران أمام خصم بالمحكمة، لقد كان مغفلًا على ما
يبدو، كما تحاول أن تجعل منهن مغفل الآن وهو يشاهدها تبتسم له بمنتهى الرسمية
الشديدة، ولكن لن تنطلي الخُدعة عليه.
كاد هذا الغبي أن يقول شيئًا ولكنها سرعان ما لحقته
بنبرة تتخبط بين العفوية والتحذير:
-
متقلقش، هكلملك الناس وهنتفق على كل حاجة، هو أنا بس
قلقانة عشان بيزنس جديد عليك خالص.
بما أن حيلتها لم يُصدق منها حرف واحد بعد تلك الملامح
التي رآها متوردة في غاية التوتر منذ قليل وهو يلمسها بمنتهى الاريحية، فإذن لابد
أن الحقيقة ستضح على وجهه الكريه، فسرعان ما حرق وجهه ذلك الفحم المتأجج بعينيه
ليجد علامات الاستغراب مرتسمة على ملامحه كالأبله تمامًا، هنا تكمن الحقيقة بأم
عينيها، هناك أمرًا تدعيه هي وتكذب به لدرجة أن هذا الوغد لم يفهم ما ترمي إليه!
سافرت مقلتيه بسرعة الضوء لوجهها، ابتلعت، أجلت حلقها،
ثم اشفقت على عقله الغافل لشهور في غباء العشق والوله بمزيد من الأدلة الدامغة
التي تُبين توترها، والكثير من الكلمات التي تؤكد له أن هناك ما يحدث بينهما
بالفعل ولا يعرف هو عنه شيء:
-
قولتلك أنا هخلصلك الموضوع، بس اكيد بكرة في المكتب لما
تجيلي التفاصيل بعد ما نناقشها مع الإدارة هتكون أوضح بكتير، استنى بس ارجع من
اجازتي وكله هيبقى تمام، البيت مش مكان الشغل يا يونس، وأنا اللي فكراك كنت هتجيب
يارا والولاد معاك وتيجو تزوروني وكده بما إني رجعت من السفر، فعلًا عمرك ما بيفرق
معاك غير مصلحتك، المهم تاخدها بأي طريقة!
لقد كُشف بتنصته عليهما، تلقى الرسالة منها بوضوح،
وخصوصًا وهي تُشدد على نطقها بأن البيت ليس بمكان للعمل، البيت الذي يقطن به زوجها
المُغفل بالطبع، كما تلقاها هذا الحقير، أخيرًا فعل، وآخرًا سيفعل هو به الكثير، وبعدها
سيحتفل بالتمثيل بجثته المغادرة للحياة بالتأكيد!
جابت عسليتيها الصافيتين المكان وهي تبحث عنه، لا تدري
أين يقف تحديدًا ولكنه رأى الرعب بهما، فابتسم لتوترها الهائل الذي سيفتك بها عما
قريب، كما رفع هذا المخـ.نث حاجبيه ثم اخفضهما في ادراك ما ترمي إليه، وما أكد له
المزيد من ظنونه بشأن ما يدور بينهما هو تلك الحسرة المرتسمة على وجهه وزفرة
الإحباط التي اطلقها وهو يقول بانزعاج:
-
ماشي، هستنى لبكرة، بس لما نشوف الموضوع هيمشي ولا لأ!
قريبًا..