اقتباس - الفصل الرابع والاربعون - نعيمي وجحيمها
اقتباس
الفصل الرابع والأربعون
تسمر محله وخبئت ضحكاته لعدة لحظات بعد أن عرفها، قبل أن يتحرك بخطواته نحوها على تردد:
- ااا السلام عليكم.
القى التحية وردت هي بأسلوبها الناعم دائمًا:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ازيك يا عماد هو انت مش عارفني؟
تبسم باضطراب ليرد غير مستوعب ما يراه أمامه منها من تواضع في رد التحية وبل وسؤالها عنه وعن أحواله، رغم معرفتها الضعيفة والسطحية جدًا به:
- لا حضرتك طبعًا وهل يخفى القمر، انتِ ميرفت هانم، بس انا بقى اللي مستغرب انك تفتكري موظف غلبان زيي، خرج من شركة الريان بقالوا شهور.
رفعت النظارة السوداء عن عينيها لتُظهر التعاطف في كلماتها إليه:
- ازاي بس ما افتكركش؟ هو انت ناسي انك صلحتلي الكمبيوتر بتاعي قبل كدة، انا منساش اي وش شوفته أبدًا خصوصًا لما يكون إنسان على خلق زيك، دا غير كمان يعني.....
صمتت قليلًا لتبدوا وكأنها تبحث عن كلمات، قبل أن تستطرد بلهجة خبيثة:
- بصراحة انا مقدراش انسى الظلم اللي وقع عليك من جاسر الريان لما ضربك وطردك قدام الموظفين كلهم من غير سبب .
أظلم وجهه بعد تذكيرها الصريح لما حدث له من هذا الرجل ومازال يترك في قلبه وجيعة حتى الاَن، ولا يظن أنه سيشفى منها أبدًا، فرد بنبرة تحمل بداخلها الألم مشمول بإحساس الظلم الذي يشعر به:
- ربنا ينتقم منه بقى، طردني ظلم من شركته بعد ما خطف مني حب عمري، واتجوزها غصب عنها منه لله.
انتبهت لعبارته الأخيرة فانطلقت برأسها إشاراتٍ لحديث مشوق، فتمالكت لتسأله بنبرة تبدوا عادية رغم اللهفة الشديدة بداخلها:
- خلي بالك من كلامك يا عماد، إيه اللي انت بتقوله ده؟ وهو جاسر الريان هين عشان يتجوز سكرتيرته غصب عنها؟
تشدق لها قائلًا بانفعال حقيقي من واقع ظنه:
- عليا النعمة زي ما بقولك كدة، الباشا اتلم على والدها وربط معاه بغير رضاها، انا عارف انها كانت بتحبني، غادة بنت عمتها أكدتلي بكدة لما حكتلي، بس هي قالتلي انه راجل عربي ومقالتش على إسمه أكيد من الخوف.
شعور بالفرحة غمرها غير طبيعي وهي تردد بداخلها،
- حبيبتي ياغادة، حبيبتي!
أما هو فاستطرد:
- على العموم انا سيبت عزبته اللي فرحان بيها وربنا كرمني بشغل هنا في المستشفى، لكن حقي في سرقة اللي بحبها لا يمكن هاسامح فيه.
رسمت على وجهها التأثر مع قصته، رغم دفوف الفرح التي تدوي بداخلها بصخب يجعلها تود الرقص بوسط المشفى وأمام الجميع، وردت برزانة:
- أكيد طبعًا الأرزاق على الله، بس انت ماقولتليش،
شغال إيه هنا بقى؟
أشار لها بيده الحرة نحو إحدى الغرف القريبة:
- انا بشتغل هنا بوردية الصبح، مراقب ع الكاميرات اللي بتشمل المستشفى كلها.
ذهبت بأنظارها نحو الغرفة التي يشير إليها، قيمتها سريعًا بنظرة متفحصة قبل أن تعود إليه، تعتلي وجهها إبتسامة مصطنعة تردف له بدعم:
- يا ماشاء الله، ربنا يوفقك بجد، انت تستاهل كل خير، هاتصدقني لو قولتلك اني ضميري كان مأنبني دايمًا عنك، وكان نفسي الاقيك وامسكك أي شغل يخصني، بس انت قولت الارزاق على الله، ربنا يوفقك.
استجاب يرد لها بابتسامة ودودة:
- ربنا يبارك فيكِ يا هانم، صحيح على رأي اللي قال، صوابع الإيد مش زي بعضها، يعني شوفي اهو انتِ متواضعة ازاي؟ وصاحبنا دوكها مفتري ازاي؟ مع أنكم من نفس الطبقة.
أردفت تنهي حديثها بالسؤال الأهم برأسها قبل تستدير وتتركه:
- عماد هو انت لو جاتلك الفرصة عشان تقابل زهرة، هاتحاول تاني معاها؟ ولا انت خلاص استسلمت للأمر الواقع؟
أجابها على الفور بحميتهِ القديمة وتهوره الذي أدى لصرفه من العمل قبل ذلك:
- أكيد طبعًا هاكلمها واحاول معاها تاني، دي وحشاني قوي وجاسر الريان فارض عليها حراسة ومضيق عليها من الكل النواحي عشان ماتخرجش من إيده ولا عن طوعه، بس انا حاسس إنها لو لقت فرصة ممكن تحاول المرة دي وتختار اللي هي عايزاه، ياما نفسي تتخلى عن خوفها وماتبقاش بقى جبانة كدة على رأي غادة .
- تاني غادة.
غمغمت بها مرة ثانية بداخلها قبل أن تنهي المقابلة معه وتكمل بابتسامة منتشية
- انا قولت من الأول، حبيبتي والله .
يتبع