الفصل السادس (الحجاج بن يوسف الثقفي) - طغاة التاريخ
الفصل السادس
الحجاج بن يوسف الثقفي
مينفعش نبقى بنتكلم عن طغاة التاريخ ونغفل عن طغاة العرب علشان كدا احنا هنتكلم النهاردة عن رجل المتناقضات الأول في العالم الإسلامي الرجل الذي قام بعمل كل شيء وعكسه كان قاتل سفاح سفاك دماء لدرجة أنه قتل حوالى ١٢٠ ألف واحد ويقال ١٣٠ ألف وفي نفس الوقت كان حافظ للقرآن الكريم متصدق على الفقراء وقام بعمل أعمال جليلة جدًا لسة بنستفيد بيها لحد النهاردة وإلى الآن اختلف المؤرخين في وصفه هناك من يصفه بأبشع الصفات وهناك من يرتفع به لمصاف الأتقياء.
هو "الحجاج بن يوسف الثقفي"
اسمه بالكامل "أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل الثقفي
الحجاج ليس اسمه الحقيقي لأن والده اطلق عليه اسم"كليب" عند ولادته ولكن لما كبر لم يعجبه الاسم فقام بتغيره وأطلق على نفسه اسم الحجاج.
أما عن صفاته ذُكر أن الحجاج كان قبيح الوجه وصغير الجسد ولكن كان فصيحًا وبليغًا وخطيبًا جبارًا.
ولد الحجاج في منازل ثقيف في الطائف عام ٤١هجرية ٦٦١م والعام الذي ولد فيه عرف ب "عام الجماعة"
كان والده من حفظة القرآن الكريم وكان يقوم بتحفيظ الأطفال للقرآن الكريم بدون أجر علشان كدا الحجاج كان حافظ للقرآن الكريم والأحاديث النبوية.
تتلمذ في البداية على يد والده وبعد ذلك بدأ يذهب إلى حلقات علم لصحابة كثيرين من ضمنهم "عبد الله بن عباس" و "أنس بن مالك" و "سعيد بن المسيب" وغيرهم من الصحابة.
أما عن أمُّه فكانت تدعى "الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي" يعني جده لأمه كان الصحابى الجليل "عروة بن مسعود".
لما كبر الحجاج بدأ هو كمان يعلم الأطفال القرآن الكريم والأحاديث النبوية لحد ما بقى عنده ٢٠ سنة بس مكانتش عاجباه مهنته وحب يغيرها مع إنها أثرت في شخصيته جدًا وفضل لحد وفاته يعظم القرآن الكريم.
❈-❈-❈
قرر الحجاج أن يهاجر إلى الشام، ليه بقى؟ أقولكم ليه في الوقت ده كانت الدولة الإسلامية مقسومة نصين جزء يبايع "عبد الله بن الزبير" لتولي لخلافة والجزء الثاني يبايع "مروان بن الحكم" ومن بعده ابنه "عبد الملك بن مروان" وكان الحجاز والطائف يتبع عبد الله بن الزبير والشام يتبع عبد الملك بن مروان وكان الحجاج من مؤيدي بني أمية فقرر يروح الشام.
لما وصل إلى الشام وكان شابًا صغيرًا في أوائل العشرينات التحق بالشرطة والتي كانت وقتها تعاني من مشاكل كثيرة جدًا منها سوء التنظيم، و استخفاف أفراد الشرطة بالنظام، و قلة المجندين، فبدأ يثبت نفسه شيئًا فشيئًا إلى أن لفت نظر "روح بن زنباع" وهو كان قائد الشرطة في ذلك الوقت.
أعجب روح بن زنباع بالحجاج جدًا وبدأ يرقيه وبدأ الحجاج هو كمان يثبت كفاءته وكانت شخصيته قوية وحازم جدا مبيهزرش.
بدأ يعامل الجنود بالشدة مفيش دلع اللي يغلط يتحبس علطول وفي وقت قليل كان سيطر على الشرطة وبقى فيه نظام محدش يقدر يخالفه.
بعد ذلك ومن كثرة ذكاؤه قام بن زنباع بتقديمه للخليفة عبد الملك بن مروان ورشحه أن يقوم بتعينه أميرًا على الجند وبصراحة عبد الملك أعجب بيه جدا وقربه منه وخلاه من رجاله المخلصين.
الحجاج كان صارم جدًا مع الجند لا يتهاون معهم أبدا وفي مرة وصل جبروته إن كان فيه جماعة في الشرطه قرايب بن زنباع وكان معدي الحجاج من عليهم كانوا بياكلوا أمرهم يبطلوا أكل لأنه ممنوع وقت العمل وأمرهم كمان إنهم يقفوا لما يشوفوه بس هما مسمعوش كلامه واستخفوا بيه وطلبوا منه ينضم إليهم ويشاركهم الطعام.
عمل إيه بقى؟ راح حابسهم وحرق السرادق بتاعتهم وطبعًا بن زنباع غضب جدًا وراح اشتكى للخليفة ولما الخليفة جابه وسأله قاله:
- لست أنا من فعل ذلك يا أمير المؤمنين إنه أنت إنما أنا يدك التي تبطش وسوطك الذى يضرب.
طبعا عبد الملك فرح جدًا بكلامه ده وقاله:
- قم بتعويض ابن زنباع دون كسر أمرك.
بعد كدا عينه عبد الملك قائد في الجيش الأموي وكان وقتها عدد الجيش قليل فأصدر قرار بأن التجنيد إجباري وأي حد وصل سن التجنيد في الشام يقدم نفسه ومن يتخلف فله مهلة ثلاثة أيام وبعد ذلك يقتل فورًا وفعلا نفذ القرار وأعدم واحد تخلف عن الجيش وقتها الشباب كلهم راحوا غصب عنهم وانضموا للجيش وزاد عدد الجيش جدا.
❈-❈-❈
فى أوائل عام ٧٢ هجرية ذهب مع الجيش للقضاء على "مصعب بن الزبير" في العراق وبالفعل تمكن الجيش من القضاء عليه وضم العراق لبني أميه ومكانش فاضل في الوقت ده غير الحجاز بس هو اللي تحت يد عبد الله بن الزبير.
لما أثبت الحجاج قدرته القيادية في العراق قرر عبد الملك بن مروان إنه يسند ليه قيادة الجيش اللي هيروح الحجاز علشان يقضى على عبد الله بن الزبير وفعلا راح وعمل حصار على مكة اللي كان موجود فيها عبد الله بن الزبير وأتباعه واستمر الحصار ده ٩ شهور منع فيهم دخول أي أكل أو مياة للناس وكانوا بيشربوا من ماء زمزم.
من كتر الحصار بدأ أتباع بن الزبير ينفضوا من حوله شوية بشوية لحد ما مفضلش معاه غير حاجة وسبعين واحد وفي نفس الوقت كان الحجاج زهق من كتر الحصار فقرر يعمل أكتر عمل بشع ممكن حد يعمله قرر إنه يقذف مكة بالمنجنيق بما فيها الكعبة المشرفة اللي اتهد جزء كبير منها ومات ناس كتير جراء هذا القذف الغاشم.
لما لقى سيدنا عبد الله بن الزبير إن مفيش مفر راح لأمه السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها (ذات النطاقين) وقال لها:
- لو خرجت إليهم قتلوني ومثلوا بي.
وهنا قالت له جملتها الشهيرة:
- وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها.
خرج فعلا سيدنا عبد الله بن الزبير للحجاج وده كان عام ٧٣هجرية وكان سيدنا عبد الله بن الزبير عنده في الوقت ده ٧٢سنة وفعلا قتله الحجاج وصلبه وعلق جثته ٣ أيام لدرجة إن أتباعه نفسهم وجعهم المشهد جدا وقالوله ينزله قالهم لا مش هنزله إلا لما تيجى أمه بنفسها وتتوسل إلي أن أنزله.
"شوفتوا الجبروت"
وطبعا السيدة أسماء بنت أبي بكر لم تذهب إليه وهنا ارسل لها رسالة وقال فيها:
- لتأتيّن أو لأبعثن من يسحبك بقرونك.
ردت على رسالته قائلة:
- والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني.
وبعد يأسه من ذهابها إليه قرر يذهب إليها هو وكان لقاء قوى جدا بينهم بالرغم من أن السيدة أسماء فى ذلك الوقت كانت قاربت على المائة عام وكانت كفيفة البصر لكن لم تخف منه ومن جبروته
عندما رأته قادم إليها وهو على فرسه قالت له:
- أما آن لهذا الفارس ان يترجل.
اما هو فأول ما رآها قال لها:
- كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟
قالت:
- رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، فقد كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم من النمل ونطاق لا بد للنساء منه.
وقال لها أيضًا:
- إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم.
قالت:
- كذبت، بل انت المنافق وإنما هو كان بارًا بوالديه، صوامًا قوامًا، ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير.
"ومبير بمعنى مهلك ومبيد وسفاك دماء"
أما الكذاب الأول فهو "المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب" والذي كان واليًا على العراق وادعى النبوة وقال أن جبريل ينزل عليه بالوحي.
والثاني المبير هو "الحجاج بن يوسف الثقفي"
سمع منها الحجاج هذا الكلام ولم يقدر أن ينطق بحرف وتركها وذهب.
عندما علم عبد الملك بن مروان بما حدث وأنه اهيىًا تخلص من عبد الله بن الزبير فرح جدا وقرر مكافئة الحجاج بأن قام بتعينه والي على الحجاز كله وهذا كان بيشمل مكة والمدينة والطائف واليمامة واليمن.
طبعا أهل الحجاز غضبوا جدا من قرار عبد الملك وكانوا بيكرهوا الحجاج جدا علشان اللي عمله وهو كمان كان ببعاملهم بالبطش والشدة لكن في نفس الوقت أعاد بناء الكعبة المشرفة اللي هو كان سبب في هدمها من الأول.
كان عايز يعمل إيه بقى؟ قال إيه كان عايز يدخل فيها حجر إسماعيل ويعملها بيضاوية الشكل، لكن الناس غضبت وبعتت لعبد الملك بن مروان اللي بعتله رسالة علشان يخلى كل حاجة زي ما هي ويعيد بناء الكعبة زى ما كانت.
كمان بنى مسجد ابن سلمة في المدينة المنورة وحفر الآبار، وشيد السدود.
استمر حكم الحجاج فى الحجاز سنتين اتنين من
٧٣ هجرية ل ٧٥ هجرية لحد ما الناس فاض بيها ومباقتش قادرة تستحمله وفي الوقت ده راح عبد الملك بن مروان لأداء فريضة الحج فاشتكى الناس الحجاج وعلشان يرضيهم طلع عالمنبر وأعلن خلع الحجاج من الولاية وعلشان ميزعلش ولاه العراق اللي استمر والي عليها ٢٠ سنة لحد ما مات واندفن فيها.
❈-❈-❈
وصل الحجاج للعراق وكانت وقتها العراق منقسمة لولايتين الكوفة، والبصرة أو كما يقولون "عراق العرب" و "عراق العجم" وصل الأول للكوفة عام ٧٥هجرية وكان أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثمًا بعمامة حمراء، وصعد على المنبر وجلس وظل واضع إصبعه على فمه ولا يتكلم إلى أن مل الناس من سكوته وهنا خلع عمامته فجأة وقال خطبته المشهورة التي بدأها بقول:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
ثم أكمل خطبته وإليكم بعض مما جاء بها
"أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.
ثم قال:
- والله يا أهل العراق إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مكسراً، فوجهني إليكم، ورماكم بي. يا أهل العراق يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن الغي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل،
إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟. يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والإهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله. ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأذفر، وإنما أنتم كما قال الله: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" والتفت إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار"
اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام: فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت، فقال:" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة."
زي ما قرأنا كدا كانت الخطبة عبارة تهديد بحت بيوريهم العين الحمرا زي ما بيقولوا وبيدبحلهم القطة وكان الحجاج بيكره أهل العراق جدا وهما كمان مكانوش بيطيقوه كانوا عاملين زي القط والفار.
بدأ بقى علشان يثبت حكمه ويستتب الأمن في البلد حكم بالحديد والنار زي ما بيقولوا وعمل التجنيد الإجباري ومشاهم عالعجين ميلخبطوهوش وبعدين راح البصرة وعمل زي الكوفة بالظبط ولما استتب الأمن بدأ بقى في قتال الخوارج علشان يدعم الدولة الأموية ويقضى على أي تهديد ليها.
في أواخر رمضان عام 75هجرية بعث الحجاج جيش بقيادة "المهلب بن صقر" و "عبد الرحمن بن مخنف" لقمع الخوارج "الأزارقة" الذين كانوا بقيادة "قطري بن فجاءة" ودارت بينهم حروب كتيرة جدا استمرت لحد بدايات عام 78 هجرية، ومتمش قمعهم إلا لما حصل خلاف بينهم وانقسموا وده اللي خلى الغلبة تبقى لجيش بنى أمية.
وفي عام 76هـ وجه الحجاج "زائدة بن قدامة الثقفي" لقتال "شبيب بن يزيد الشيباني" زعيم الخوارج "الحرورية" وكانت الغلبة في الأول من نصيب شبيب اللي قدر يهزم جيش الحجاج هزيمة نكراء.
و في العام التالي بعث الحجاج "عتاب بن ورقاء الرباحي" و "الحارث بن معاوية الثقفي" و "بو الورد البصري" و "طهمان مولى عثمان" لمحاربة شبيب لكن شبيب قتلهم جميعا وانتصر عليهم وقرر يخرج من الموصل لمواجهة الحجاج نفسه
لما عرف الحجاج بخروج شبيب من الموصل خرج هو أيضًا من البصرة لكي يسبقه للكوفة وحاول شبيب بكل الطرق أن يلحق بالحجاج قبل أن يدخل الكوفة ولكن الحجاج كان أسرع منه وسبقه بالفعل ودخل البلاد وذهب إلى قصر الإمارة لكي يتحصن به من جيش شبيب وهنا بقى شعراء العراق قالوا شعر كتير جدا يعايرون فيه الحجاج بهروبه من شبيب ومنهم "عمران بن حِطّان" وهو كان شاعر عراقي كبير وكان الحجاج أمر بالقبض عليه وهرب ولما عرف بهروب الحجاج قال:
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة ربداء تجفل من صفير الصافرِ
هلاّ برزت إلى "غزالة" في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارس تركت مدابره كأمس الدابر
وغزالة هذه كانت زوجة شبيب وكان يحبها جدا وياخذها معه في كل معاركه.
دخل شبيب الكوفة وتقابل مع جيش الحجاج وقدر يهزمه وعلى مدار سنتين كاملين قدر شبيب أن يهزم أكتر من ٢٠ جيش للحجاج وكان قاب قوسين أو أدنى أن يستولي على العراق كلها بس اللي قلب كفة الميزان لما أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان بعث جيوش كتيرة جدًا لمساندة جيوش الحجاج واستطاعوا بالفعل أن يهزموا شبيب وقتلت غزالة في المعركة وهرب شبيب للأهواز ومات هناك وبعد كدا قضى الحجاج على من تبقى من أصحابه.
و في عام 79 أو 80 هـ تم قتل قطرى بن فجاءة رأس الخوارج في معركة مع الأمويين بقيادة "سفيان بن الأبرد الكلبي" وأحضروا رأسه للحجاج وبكدا استطاع الحجاج أن يقضى على الخوارج الذين كانوا شوكة في ظهر الدولة الأموية.
عام ٨١هجرية بعث الحجاج "عبد الرحمن بن الأشعث" لسجستان لكي يحارب الملك بتاعها ويدعى "رُتبيل" وكان ابن الأشعث على رأس جيش ضخم وكان هذا الجيش يلقب ب "جيش الطواوييس" وبالفعل استطاع ابن الأشعث أن يحرز انتصارات لكن غرورة صورله أنه من الممكن ينقلب على الدولة الأموية فقرر عمل ثورة ودعى لنفسه بالخلافة وساعده كثير من أهل البصرة الذين كانوا يكرهون الحجاج ودخل في حرب مع الحجاج استمرت لعام ٨٣هجرية وكان النصر في معظم المعارك حليف ابن الأشعث لدرجة إنهم قالوا إن الجيشين تقابلوا في ٨٤ معركة انتصر ابن الاشعث في ٨٣ معركة منهم وكانت الغلبة لابن الأشعث إلى أن بعت الخليفة بمدد ضخم للحجاج واستماع أن يقضي على جيش ابن الأشعث في معركة اسمها "دير الجماجم" وهرب ابن الأشعث ولجأ لرُتبيل علشان يحميه من الحجاج بس الحجاج هدد رُتبيل بغزو بلاده إن ام يسلم إليه ابن الأشعث فقرر رُتبيل يستفيد من الوضع وعمل اتفاق مع الحجاج أن يسلمه ابن الأشعث مقابل أن يبتعد عن غزو بلاده لمدة عشر سنوات كاملة وبعد العشر سنين سيدفع للحجاج ١٠٠ ألف دينار عن كل هام قادم ووافق الحجاج ولكن الأخبار وصلت لابن الأشعث وعلم أنه سيتم تسليمه ل "عمارة بن تميم اللخمي" قائد جيش الحجاج، فقرر ينهي حياته بنفسه واستغل غفلة الحراس ورمى نفسه من فوق القصر ومات فورًا وهنا قطع رُتبيل رأسه وبعث بها للحجاج.
ومن هنا خضعت البلاد خضوع تام للحجاج ولم يستطع أي أحد أن يثور عليه مرة أخرى وبدأ أن يرسل حملات لتكملة الفتوحات الإسلامية.
عام ٨٥ هجرية بعث "قتيبة بن مسلم الباهلي" لولاية خراسان وأمره أن يستأنف الفتوحات الإسلامية وبالفعل أبلى بلاءً حسنًا، فنجح في فتح العديد من الممالك والمدن الحصينة، مثل بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية ك بخارى وسمرقند.
❈-❈-❈
عام ٨٦ هجرية توفي عبد الملك بن مروان وتولى بعده ابنه "الوليد بن عبد الملك" والوليد كان يحب الحجاج جدًا جدًا وأعطى له صلاحيات أكثر من التي كانت في يده في عهد والده وكان دائما يقول:
- لو كان أبى يقول على الحجاج إنه الجلدة التى بين عينيه فإن الحجاج هو جلدة وجهي كله.
و بالرغم من كره ولي العهد "سليمان بن عبد الملك" وابن عمه "عمر بن عبد العزيز" للحجاج إلا أن الوليد لم يهتم برأيهم أبدا وظل الحجاج أكثر واحد مقرب إليه.
عام ٨٩ هجرية بعث الحجاج ابن عمه "محمد بن القاسم الثقفي" لفتح بلاد السند وكان محمد هذا شاب صغير عنده ٢٠عشرون عامًا لكن كان قائد عظيم نجح فى خلال خمس سنين أن يفتح مدن وادي السند وبعث للحجاج يستأذنه أن يفتح "قنوج" أعظم إمارات الهند وهذه كانت تمتد بين الهند والبنغال وفعلا استجاب الحجاج لطلبه وشجعه عليه وقال له:
- ستتولى إمارة كل البلدان التي ستقوم بفتحها
كتب أيضًا لقتيبة بن مسلم والي خراسان:
- من يسبق منكم للصين فهو والي عليها.
وكان الحجاج يتابع سير الحملات بنفسه ويجهز لها كل المؤن والامتادات التي تحتاجها إلى أن وصلت الفتوحات الإسلامية لحدود الصين والهند وهذه كانت أكبر حدود وصلتلها الدولة الإسلامية على الإطلاق.
❈-❈-❈
أما بالنسبة للأعمال الداخلية للحجاج فعمل أعمال كثيرة جدًا وبذل جهود إصلاحية عظيمة خصوصا في العراق أثناء ولايته عليها وشملت الإصلاحات هذه النواحي الاجتماعية، والصحية، والإدارية، وغيرها، فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت(محدش يصوت على الميت) وأمر بقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر ببناء الجسور على الأنهار، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وأيضًا أمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
ومن أعماله الكبيرة أيضًا أنه أمر ببناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها المكان التي تقع به وبدأ في بنائها عام (83هـ 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها بعد هذا مقرًا لحكمه.
وكان الحجاج يختار ولاته وعماله بدقة شديدة وكان يختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، وبيراقب أعمالهم، ويمنع أي تجاوزات ممكن أن يفعلوها مع الرعية وأدت هذه السياسة لإقرار الأمن الداخلي ومنع اللصوص وقطاع الطريق.
من أهم الأعمال وأجلها في تاريخ الحجاج أنه أمر بتنقيط حروف المصحف الشريف كانت الحروف في القرآن الكريم مكتوبة من غير نقط الباء زي التاء زي الثاء وهكذا فعندما ذهب إلى المدن حديثة العهد بالإسلام وجدهم يقرأون على هواهم وهذا كان من ممكن أن يؤدى إلى تحريف في القرآن الكريم فقدم إلى عبد الملك بن مروان فكرة تنقيط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته وأسند المهمة خذه إلى "نصر بن عاصم"
ينُسب إليه أيضًا تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن، وثلثه، وربعه، وخمسه، وأحب ان يوحد القراءات فأخد بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
كما أنه ساهم فى تعريب الدواوين، وسك العملة العربية وضبط معيارها.
من أشهر الروايات التي قيلت عن الحجاج بن يوسف أنه كان متزوج من "هند بنت أبي المهلب بن صفرة" وهند هذه كانت جميلة جدًا من أجمل بنات العرب وعندما سمع الحجاج بجمالها وحسنها بعث لكي يتزوجها وطلبها من والدها ولكنها رفضت الزواج منه فلقد كانت تكرهه جدًا لكن والدها لم يستطع رفضه خوفًا من بطش الحجاج فتزوجته غصب عنها وكانت هند معروف عنها فصاحة اللسان ونظم الشعر وبعد عام من الزواج كانت واقفة أمام المرآة فلمحت الحجاج داخل إلى الغرفة فقالت بصوت عالى لكي يسمع.
"وما هند إلا مـهـرة عــربـية سـلالة أفـــراس تحللـها بـغـل فإن ولدت فحلاً فللـه درهـا وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل"
بالطبع غضب الحجاج غضبًا شديدًا عندما سمع الشعر وقام بتطليقها فورًا وعندما علمت بالخبر فرحت جدا واعطت لمن أوصل لها الخبر عشرون ألف دينار ألا وهما مؤخر مهرها من كثرة فرحتها بخبر طلاقها وكانت دائما تلقبه ب "كلب ثقيف"
عندما وصلت هذه الأخبار لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان أعجب بهند جدا وبفصاحة لسانها وعندما سمع عن جمالها وحسنها بعث لها رسالة يطلبها فيها للزواج ولما وصلتلها الرسالة بعثت له رسالة مكتوب فيها:
"بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد، فاعلم يا أمير المؤمنين أن الكلب ولغ في الإناء"
طبعا عبد الملك عندما فهم معنى كلامها لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك ورد عليها برسالة مكتوب فيها حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
" إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب ثم قال: اغسلي القذى عن محل الاستعمال"
وافقت هند على الزواج من أمير المؤمنين ولكن كان لها شرط واحد لإتمام الزواج فبعتتله رسالة ثانية مكتوب فيها:
"بعد الثناء على الله تعالى يا أمير المؤمنين إني لا أجري العقد إلا بشرط فإن قلت ما الشرط؟ أقول: أن يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها ويكون حافياً بملبوسه"
وللمرة الثانية يسقط أمير المؤمنين من كثرة الضحك وأرسل الى الحجاج لكي ينفذ طلبها وطبعا لم يستطع الحجاج أن يرفض أمر أمير المؤمنين وقاد موكبها جارر العربة التي تحملها بنفسه وهو حافي القدمين وكانت طوال الطريق تسخر منه هى والجوارى الخاصة بها وفي نصف الطريق أمرت جارية من الجواري أن ترفع الستار الذي بينها وبين الحجاج تشاهده وهو يجر العربة وظلت تضحك بصوت عالٍ وهنا نظر إليها الحجاج وقال لها:
"فإن تضحكي يا هند رب ليلة تركتك فيها تسهرين نواحـا"
فردت عليه وقالت أبيات الشعر هذه:
وما نبالي إذا أرواحنـا سـلـمـت فما فــقدناه مـن مـــال ومـن نـــسـب ..
المال مكتسب والعـز مـرتـجـع إذا اشتفى المرء من داء ومن عطب
عندما وصل الموكب ودخل الحجاج على أمير المؤمنين الذي كان يقيم وليمة للزفاف ولما دعا الحجاج لمي يأكل من الوليمة قال له:
- اعذرني يا أمير المؤمنين لا آكل من إناء سبقني أحد وأكل فيه.
طبعا كان يقصد هند وأنه تزوجها قبله وفهم عبد الملك التلميح وحزن جدًا لدرجة إنه لم يذهب لعروسه التي بذكاءها فهمت السبب وأرسلت إليه لكي يذهب إليها وعندما ذهب إليها عبد الملك ورآها ورأى جمالها لم يستطع مقاومتها ونسي كل حديث الحجاج ودخل بها وبهذا تكون هند انتصرت على الحجاج واستطاعت أن تنتقم منه بطريقتها.
توفي الحجاج فى ٢١رمضان عام ٩٥هجرية ٧١٤م ويقال أن سبب وفاته سرطان المعدة وكان آخر موقف في حياة الحجاج هو موقفه مع "سعيد بن جبير" الذي دعى عليه ويقال إن دعوته هذه هي السبب في موته.
كان السعيد بن جبير فقيه عظيم وعالم جليل لكن كان مناوئ لبنى أمية ورافض البيعة لهم وكان يهرب من مكان لمكان خوفًا من بطشهم ولكن استطاع الحجاج أن يقبض عليه عام ٩٥ هجرية وحصل بينهم اللقاء المشهور عندما سأله الحجاج ما إسمك؟
قال له:
سعيد بن جبير.
رد عليه الحجاج قائلًا:
- بل "شقي بن كثير"
قال له بن جبير:
- والله أمى أعلم بإسمي منك.
قال له:
- ماذا أنت بفاعل إن أمرت بقتلك الأن.
رد ابن جبير:
- ستفسد علي دنياي وسأفسد عليك آخرتك.
وبعد مشادة كلامية كبيرة كانت الغلبة فيها لسعيد بن جبير اغتاظ الحجاج وأمر رجاله لكي يقتلوه فدعى سعيد بن جبير على الحجاج وقال:
- اللهم لا تمكن الحجاج من أحد بعدي أبدا.
وفعلا بعدها بدأ الحجاج في الانهيار كوابيس وهو نائم ويسمعه الحراس وهو يصرخ ويقول:
- مالي وابن جبير.
بمعنى انا كان مالي ومال ابن جبير وتوفي بعدها وفعلا كان سعيد بن جبير آخر من قتله الحجاج.
دفن الحجاج في مدينة واسط في قبر غير معلوم لا أحد إلى الآن يعلم مكان قبره بالضبط فمن كثرة كره الناس له خافوا أن يقوموا بنبش قبره والتمثيل بجثته فأخفوا القبر عن الناس.
ومن ضمن الكلام الذي قيل عليه:
"كان الحجاج يصعد على المنبر فيقول كلام الملائكة وينزل من عليه فيفعل افعال الشياطين"
ومن أشهر كلامه:
- من تكلم قتلناه ومن سكت مات بدائِه غما.
"يعنى إللى هيتكلم هقتله واللي هيسكت هيموت بغيظه"
وآخر جملة قالها قبل أن يموت:
- اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل.
ويروى أنه قيل له قبل وفاته: ألا تتوب؟ فقال:
-إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع.
ويقال إنه قال أبيات الشعر هذه:
يا رب قد حلف الأعداء و اجتهدوا أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ما ظنهم بعظيم العفو غفار.
ترك الحجاج وصيته، وفيها قال:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف: أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك، عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث.. الخ"
كلنا شوفنا أعماله الجيد منها والبشع وكما ترك ميراث ضخم من الفتوحات الإسلامية والأعمال الجليلة ترك أيضًا ميراثًا من الظلم وسفك الدماء لم يسبق له مثيل.
كما انه خلف في قلوب الناس، حتى الأمويين، كرهًا له وحقدًا عليه وعلى لأفعاله، وأهمها حرب ابن الزبير وقتله له في مكة، وما فعله في واقعة دير الجماجم.
حقد عليه الخوارج لعظيم فعله بهم، والشيعة لعدم احترامه ل آل البيت.
ميراث الحجاج موجود إلى الآن ولازالت سيرته موضع خلاف بين الباحثين ما بين مؤيد ومعارض ويراه معظم الباحثون في التاريخ السياسي نموذجًا للطاغية الظالم سفاك الدماء.
الحجاج كان مؤمن بمبدأ الإخلاص التام للحاكم وأي خروج عنه هو بمثابة خروج عن الدين ومن أجل ذلك كان يحارب أي خارج عن الدولة ويقضي عليهم بضمير مرتاح بحجة أنهم مرتدين عن الإسلام طالما خرجوا على الحاكم وهذا هو الكلام الذي قاله للسيدة أسماء بنت أبي بكر "رضي الله عنها"
وفي النهاية أحب أن أقول أنه له ما له وعليه ما عليه وحسابه بيد المولى عز وجل.
يتبع