الفصل الثاني والعشرون - آنين وابتهاج
الفصل الثاني والعشرون
_قد آتت الفرصة المناسبة
لإلغاء العقل بينهما تمامًا
وظهور الحب الحقيقي الذي يصل بهم الى الطريق المناسبة لهما_
❈-❈-❈
كان عمر في طريقه صوب غرفة آلاء مباشرة وبداخله شحنة كبيرة من الغضب، فهو يعلم جيدا أنها هي مَن فعلت ذلك، لم أحد يجرؤ على فعل تلك الفعلة معه سواها هي فقط.
لكن قبل أن يصل نحو غرفتها استوقفته والدته التي طرحت سؤالها بدهشة، وهي لا تعلم سبب عودة ابنها المنزل في ذلك الوقت
:- ايه يا عمر، أنتَ ايه اللي رجعك يا حبيبي، في حاجة حصلت معاك؟
ضغط فوق أسنانه بقوة مفرطة في محاولة منه لكبت غضبه؛ حتى لا يظهره أمام والدته لا يريدها أن تعلم شئ عن فعلة آلاء، ثم تمتم يتحدث بهدوء زائف
:- مفيش يا ماما متشغليش بالك أنتِ، دة أنا نسيت ورق مهم، وهقعد اراجعه تحت في المكتب.
اومأت له برأسها إلى الأمام بهدوء، ثم سارت تستكمل طريقها، بينما هو وصل أمام غرفة آلاء التي كانت تقطن بداخلها تخشى أن يأتي إليها، تجلس تشعر بالخوف ينهش في قلبها الذي كاد أن يتوقف في أي ثانية.
كانت تلعن عدي في سرها ألف مرة؛ لأنه هو مَن اقنعها بفعل ذلك وأغلق الهاتف معها في النهاية من دون أن يطمئن عليها أو يرى ما الذي يحدث معها، تتذكر نظرات عمر الغاضبة المشتعلة التي حدقها بها عندما ترجل من سيارته، كم كانت نظراته مليئة بالتوعد والغضب؟!..
تمتمت توبخ ذاتها بضيق وعدم رضا، وهي تضع يدها فوق صدعيها بتعب
:- انا غبية وغلطانة عشان اعمل حاجة زي كدة وأوافق على كلام عدي، اهو هو قفل في الآخر وسابني لوحدي، اعمل ايه مع عمر دلوقتـ..
قطعت حديثها مع ذاتها، وانتفضت تقف مسرعة بإرتباك ما أن رأته يفتح باب الغرفة خاصتها، واغلقه خلفه بقوة شديدة غاضبة جعلت جسدها بأكمله ينتفض.
أسرعت تتحدث بتوتر جلى على جميع اوتارها وفشلت في اخفاءه، بعدما تسارعت دقات قلبها كأنها تتسابق معا، وهي تذدردر ريقها بخوف
:- إ... ايه دة يا عمر، أنتَ ازاي تدخل عليا كدة اوضتي من امتى أصلا؟
لم يعطِ لحديثها اهتمام بل تعامل كأنه لم يستمع إليها، واقترب منها يقطع أي مسافة توجد بينهما، غمغم بحدة وغضب، وهو يضغط فوق زراعها بقوة مسبب لها ألم شديد فشلت اخفاءه فقد صدر عنها تأوه خفيض الصوت محاولة التمسك بثباتها أمامه
:- دة أنا هعرفك حالا عمر هيعمل إيه، بقى حضرتك بتسغفليني وجاية تاخدي الأوراق بتاعت المناقصة خلاص للدرجادي مبقاش عندك ضمير عشان تعملي حركة زي دي، ويا ترى فرحانة بقى ولا لأ، وإيه رد فعل عمتك لما تعرف أنك عملتي كدة؟
حاولت أن تفك قبضته القوية من فوق زراعها الذي يؤلمها بشدة، لكنها فشلت فهو كان يثبت قبضته عليها ويطالعها بأعين غاضبة الشرر يتطاير منهما، لم تجد حل سوى أنها ردت عليه بكذب وهي تحاول التمسك بأي شئ من قوتها امامه
:- إيه اللي بتقوله دة ياعمر، أنا معملتش حاجة على فكرة، وليه بتقول أنه أنا، أنتَ جاي تضحك عليا وخلاص ما يمكن يكون أي حد غيري من الشركة، ولا هو أنا بس عاوز تبوظ صورتي قدام الكل وخلاص.
تحاول أن تظل قوية أمامه وألا تعترف بفعلتها، لكن عن أي قوة تتحدث، فعينيها قد تحدثت وكشفت كل ما حدث، مهما حاولت أن تكذب عليه..
طالعها بنظرات حادة اخترقتها، ثم جذبها خلفه بقوة وهو لازال يضغط فوق زراعها، حتى وصل بها نحو غرفة المكتب التي دلفتها امس.
بينما هي كانت تحاول الفرار من بين قبضته لكنها فشلت فحاولت أن تسرع من خطواتها؛ حتى تستطع أن تلحق بخطواته السريعة.
تركها بعدما اغلق باب الغرفة خلفهما، ثم بدأ يعبث في الحاسوب الخاص به الذي كان يوجد فوق مكتبه لبضع لحظات، وولاه أمامها حتى تستطع أن ترى ما به بوضوح، وغمغم بحدة وسخرية
:- امسكي وشوفي قد ايه أنتِ فعلا معملتيش حاجة، خدي اتأكدي ان انا فعلا بظلمك يا آلاء هانم.
وجهت بصوها نحو الحاسوب وتفاجأت بفيديو يوضح كل ما فعلته أمس، شحب وجهها بشدة كشحوب الاموات ولم تقوى أن تتحدث وتتفوه بحرف واحد، بل ظلت صامتة كما تتطلع أمامها بدهشة...
غمغم هو بتهكم ساخرا، يقطع ذلك الصمت الذي ساد في الغرفة بينهما
:- لا دة واضح أوي ان أنا ظالمك فعلا، وإنك آلاء بنت خالي اللي عمرها ما تخو'ن حد زي مانا عارفها، دة حتى الفيديو موضح كل حاجة.
شحب وجهها كشحوب الموتى وفرت الدماء هاربة منه أثر صدمتها وحديثه لها، وأخيرا قد خرج صوتها تمتمت بتوتر وصوت منخفض
:- عـ...عمر على فكرة أنتَ فاهم غلط والله، مكنش قصدي كل اللي بتقوله دة، أنا بس كنت بساعد عدي عادي، وبعدين ما أنتَ كمان بتنجح بنفس الطريقة دي يعني محصلش حاجة.
ضرب بيده بقوة شديدة فوق سطح المكتب، مما جعلها تعود الى الخلف بفزع وقلق من هيئته الغاضة، لكنه اقترب منها مرة أخرى وأردف بنبرة حادة قاسية ويضغط فوق زراعها، ثم حدقها بنظراته المليئة بالغضب والضيق
:- أنا عمري ما عملت الحركة ال* دي وأنتِ عارفة كدة كويس أوي، أنتِ بس اللي عاوزة توهمي نفسك بكدة، واوعي تفتكري اني هنسى العاملة السودة دي، اولا بقى مفيش عدي تاني خالص ولا اسمع سيرته على لسانك، وشغل اسم لنفسي والكلام دة مليش فيه دي حاجة متخصنيش، الشركة بتاعتك موجودة ومستنياكي دة لو عاوزة تشتغلي غير كدة مفيش.
حاولت أن تتخلص من قبضته فوق زراعها لكن بلا فائدة، فلم تجد أمامها سوى أن ترد عليه، تمتمت بتحدي وعند
:- لأ طبعا مش موافقة على كلامك دة، أنتَ مين عشان تتحكم فيا بالطريقة دي، أنا حرة اشتغل في المكان اللي يعحبني مع اللي يعجبني، ماشي انا غلطانة في إني صورت ورقك واديته لـعدي و معنرفة بغلطي من غير ما تقول حاجة، بس برضو ملكش اي حق إنك تتحكم فيا وتمنعني اشتغل عنده ولا لأ، ثم إن عدي عاوز يتجوزني اصلا ومتفق معايا أنه هيجي يتقدملي وأنا على فكرة موا..
زمجر بصزت مسموع غاضب يمنعها من مواصلة حديثها، فقد استمعت إلى صوت صك اسنانه الذي ضغط عليهما بقوة للتو، وتحدث بحدة ونبرة قاسية والشرر يتطاير من عيناه بغضب، وعروقه بارزة فمن يراه يقسم أنه سيقـ'تل أحد
:- اخرسي خالص تعرفي تسكتي دلوقتي، مش عاوز اسمع صوتك احسن.
بينما هي انكمشت على ذاتها بخوف من هيئته المرعبة، وتمتمت بخفوت معترضة محاولة أن تتحدث في الأمر
:- في إيه يا عمر أنتَ بتكلمني كدة ليه، هو مش أنتَ خطبت خلاص وبتشوف حياتك، كل واحد بيشوف حياته ودة طبيعي على فكرة، مجاتش عليا أنا كمان من حقي اشوف حياتي مع عـ...
ترك زراعها الذي كان لازال يضغط عليه وقطعها بحدة ونبرة قاسية يملأها الغضب والتوعد، يحاول السيطرة على ذاته حتى لا يتهور عليها
:-لو مستغنية عن عمرك، عيدي كلامك دة تاني، اه صح من حقك تشوفي حياتنا مش حياتك، عشان كدة انا هشوفها واخليكي تشوفيها كمان، فرحنا هيكون بعد اسبوعين من دلوقتي.
وقع عليها حديثه كالصاعقة التي شلت جميع أطرافها، لا تعلم لماذا حديثه جعلها تضعف من جديد؟!.. شعرت بدقات قلبها تزداد بداخلها، لكنها سرعان ما فاقت من افكارها لاعنة ذلك الضعف الذي اجتاحها لوهلة.
وضعت يدها فوق خصرها، ثم تمتمت بسخرية لاذعة وهي تضحك عاليا ظنا منها أن حديثه لم يكن سوى مزحة يمزحها معها
:- حلوة النكتة دي لأ بجد ضحكتني، متقولهاش تاني بقي فاكر نفسك دمك خفيف، قال فرح بعد اسبوعين وبعدين حياتنا إيه، لأ هي بقت حياتي انا بس، وحياتي أنا قررت انها هتبقي مع عد..
:- معايا.. حياتك هتبقي معايا أنا يا آلاء.
قطعها مرة أخرى وهو يشدد على أحرف كلمته، ثم واصل حديثه بجدية وغيظ من دون ان يمهلها فرصة للرد أو الإعتراض
:- اه نكتة حلوة صح، بس هتبقي احلى يا ست آلاء، لما يعدي الاسبوعين ونتجوز هتبقي نكتة تضحك فعلا، و حياتك الللي بتتكلمي عنها دي مش ليكي لوحدك لأنها حياتنا، وبدل ما تقعدي بقى تسربي اوراقي بحيل هبلة استعدي لجوازنا عشان انتِ عارفاني كويس مش بهزر.
طالعت آلاء عمر بعدم رضا وضيق، ثم صاحت ترد على حديثه بغضبٍ ساخرٍ، وهي تلعن طريقته تلك التي يتحدث بها معها
:- والله تهزر ولا لأ، حاجة متخصنيش اصلا، بس هو مين قالك إن أنا موافقة ولا هوافق اصلا على جوازنا دة، عمر أنتَ لو آخر واحد في الدنيا مش هوافق بقا اصلا.
أنهت حديثها بضيق، وعقدت زراعيها أمام صدرها الذي كان يعلو ويهبط بعنف بسبب الغضب الذي يصعف في عقلها.
رد عليها ببرود، وحدة طفيفة، وهو يضع يديه في جيب سترته ببرود، ويعتلي ثغره ابتسامة خفيفة
:- لا هتوافقي تحبي تعرفي ليه يا آلاء هانم، لأن موافقتك دي هتكون قدام إني موديش الفيديو بتاعك وأنتِ بتسرقيني دة للبوليس، آلاء هانم الحامدي بنت خالي حرامية وبتسرقني أنا، هسجنك يا آلاء، ودة آخر كلام عندي.
وقفت آلاء تستمع إلى حديثه بعدم تصديق، تشعر بالذهول يجتاح كل ذرة في عقلها، ظلت في صدمتها تلك، فاقت سريعا من شرودها مع ذاتها ودوامة أفكارها التي تذكرت بها كل ما حدث فيها معها، تلك الدواة الكبيرة التي مرت داخل عليها..
شحب وجهها كالأموات وفرت الدماء هاربة منه، ثم تمتمت بنبرة خافتة يجتاحها الذهول و عدم التصديق
:- لـ...لأ طبعا يا عمر، أنا عارفاك كويس، أنتَ استحالة تعمل فيا كدة صح؟
أولاها ظهره يتهرب من عينيها، ثم رد عليها بغضب وحدة، وعضلات وجهه بأكملها متشنجه بغضب
:- لأ هعمل يا آلاء، زي ما أنا كنت عارف انك استحالة تعملي زي ما عملتي وعملتي فالاخر، أنا كمان هعمل كدة ولو موافقتيش هودي الفيديو للبوليس زي ما قولتلك..
دبت هي الأرض بقدمها بغيظ شديد، ولم تجد ما ترد عليه به فتوجهت صوب الباب لتخرج تاركة إياه، وهي تتأفأف عدة مرات بغيظ وضيق.
لكن قبل ان تخرج من الغرفة وتغلق الباب خلفها، اردف بسخرية لاذعة وهو يضحك
:- متنسيش تبقي تكلمي عدى تشتكيله بقى قد إيه أنا قا'سي ومتخلف معاكي، بس دة لو عرف يرد عليكي للأسف.
اغلقت الباب خلفها بقوة وصوت مسموع وهي تتأفأف بغضب، توجهت مباشرة نحو غرفتها تبكي بضيق، هي تشعر أنها وقعت في مأزق لا تعلم كيف ستخرج منه، بالطبع هي لن تريد أن تتزوج منه بعدما جر'حها بتلك الطريقة...
❈-❈-❈
ترجل تامر من سيارته بعدما وصل أمام المطار، كان يشعر بمشاعر متعددة غير مُرتبة بداخله، لا يعلم ماذا يفعل وهل ما يفعله سيكن صحيحًا أم لا؟!..
دلف متوجه بخطواته صوب الداخل؛ حتى يرى بسملة ويستقبلها كما طلبت منه عندما تحدثت معه.
لا يعلم لماذا شعر ان تلك الفعلة البسيطة ثقيلة على قلبه بشدة، يوجد شئ بداخله يجبره على العودة وعدم التقدم إلى الأمام، يريد أن يرحل من المكان بأكمله.
لكنه فجاة لا يعلم كيف قد أتى إلى عقله صورة فريدة، نعم صورتها تتجمع بداخل ذهنه بوضوح، لم يشعر بنفسه سوى عندما خرج مرة أخرى من المطار، وركب سيارته منطلقا بها صوب المنزل.
لا يعلم لماذا تراجع عن استقابلها على الرغم من أنه ينتظر رجوعها وعودتها منذ زمن طويل، لا يعلم لماذا قلبه لم يرتاح لفعلته الذي كان يتمناها؟!
لم يجد أمامه سوى حل واحد فقط، يرفض ان يصدقه أو يقتنع به وهو الإبتعاد عنها.
بعد مرور دقائق متعددة من رحيله من أمام المطار استمع إلى صوت رنين هاتفه الذي صدح، بالطبع كان يعلم هوية المُتصل، يعلم أنها هي التي بالتأكيد تفاجأت من عدم وجوده كما اتفق معها، تناول هاتفه وقام بالرد عليه وتمتم بنبرة هادئة آسفة متصنعة
:- معلش يا بسملة معرفتش اجي، بس بجد عندي ضغط شغل كبير، عمال اعمل ومفيش حاجة بتخلص، كتزعليش مني، هحاول أعوضك عن انهاردة.
امتعضت ملامح وجهها بحدة وغضب، وهي تلعنه عدة مرات بداخلها، قبل ان تتحدث بحزن مزيف تدعيه في نبرتها باتقان
:- خلاص يا تامر ولا يهمك، أنا بس كان نفسي أشوفك أول ما أنزل وارجع عشان وحشتني أوي، بس أنا واثقة إنك هتعوضني يا حبيبي.
همهم يجيبها مؤكدا حديثها بضيق لا يعلم سببه، ثم أغلق معها مدعي الإنشغال بأمر هام يخص عمله، يشعر بأنه كالطفل التائه، لا يعلم لماذا يشعر أن حديثها كالحِمل الثقيل فوق قلبه؟
كل ما يحدث معه شئ غير معتاد عليه، على عكس الفرحة الذي كان شعر بها من قبل خاصة عندما يحدثها هي تحديدا، لا يعلم ما الذي غيَّره الآن؟ وما الذي جدَّ في حياته؟؟!..
حياته مثلما كانت من قبل، لكن ما الذي زاد عليه هي "فريدة" يعلم أنها هي الوحيدة التي جدَّت على حياته، لكن لا يعلم هل هي السبب في ذلك التغير الذي حدث له؟!...التغير الذي لم يعلم عنه شئ سوى الآن.
توجه نحو الفيلا بجسد مرهق ووجه مكهفر غاضب، فمنذُ اخر مناقشة تمت بينه وبينها، وهو لم يعود إلى الفيلا متحججا بأن لديه أمر هام يعمل عليه.
في ذلك الوقت كانت فريدة تجلس فوق الفراش بتعب، الإرهاق يبدو بوضوح فوق قسمات وجهها، حيث كان العرق يتصبب من فوق جبينها، تشعر أن الدنيا تدور بها وضعت يدها فوق صدعيها بوهن، تحاول أن تقاوم شعور التعب الذي يصيبها.
بينما هو وقف يشاهد هيئتها المتعبة بأعين ينهشها القلق...القلق والخوف اللذان يصيبانه من دون أن يعلم السبب أو حتى يعلم تفسيره.
هرول سريعا يقترب منها يقطع أي مسافة بينهما حتى وصل لها، كانت مازالت تغمض عينيها بتعب لم تشعر بوجوده، وقف وهو يشعر بالتردد ينهش قلبه بداخله، لأول مرة يخشى ويتردد في فعل شئ، لكنه اخيرا حسم أمره، ووضع يده فوق كتفها يهزها برفق وتحدث بصوت حاول بصعوپة ان يصبغه بالخشونة والجدية معها
:- في إيه يا فريدة مالك، في حاجة تعباكي؟
اﻧتفضت سريعا مبتعدة عنه كمن لدغتها حية، و طالعته بدهشة وكأن وجوده في الغرفة معها اصبح امر مدهش غير طبيعي، وقطبت ما بين حاجبيها باستغراب وكأن عيناها تسأل عن سبب وجوده معها في الغرفة، لكنها اعتدلت في جلستها و اجابته بعدم اكتراث
:- الحمد لله أنا كويسة، متقلقش اوي كدة اتعودت أصلا.
علم مغزى نظرتها وسؤالها الذي يطرح في عقلها ولظ تتفوه به؛ لذلك أردف بصوت اجش يبرر سبب غيابه و هو يطالعها باشتياق شديد، لا يعلم منذُ متى و هو يشتاق اليها وإلى وجودها معه
:- كان عندي شغل الكم يوم اللي فاتوا دول عشان كدة معرفتش اجي البيت.
لوت فمها باستهزاء، وردت عليه باقتضاب حاد وهي لازالت تشعر بالتعب
:- أنا مسألتش على فكرة، ومش مهتمة إني اعرف متشغلش بالك مش مضطر إنك تكدب على الفاضي.
قبض فوق زراعها بقوة وغضب، وهو يتمتم بحدة ويصيح باسمها بنبرة غاضبة، ويتحدث من بين أسنانه وهو يضغط فوق كل حرف يتفوه به
:- فريدة اتعدلي أنا مش ناسي العاملة السودة اللي عملتيها من ورايا ولا من غير ما اعرف حاجة، كأن الحياة حياتك أنتِ بس.
تملصت بين قبضته في محاولة ان تجعله يتركها، ولكن محاولتها باءت بالفشل، فردت عليه بصوت خافت يملؤه التعب
:- أنا اتعدلت فعلا، وبعدين العاملة السودة اللي بتتكلم عليها دي هتيجي تنور حياتي فعلا، وأنا مغلطتش اصلا، كان لازم اعملها من زمان، كفاية تبقي اناني عاوز تحرمني من حاجة جميلة هتسعدني وجاي بكل برود تقولي تنزليه، روح الطفل بالنسبالك لعبة مش مهمة، بجد مش مصدقة إنك كدة.
انهت حديثها وهي ترمقه بإحتقار، شعر أن نظراتها له كالسهام الحادة التي تخترق قلبه قبل ان تخترق جسده، المته نظراتها بشدة، لكنه قرر ألا يبدي شئ عليه، وتمتم ببرود طغى على نبرته بأكملها
:- و أنتِ كدة مش انانية يا فريدة، أعتقد ان احنا الاتنين بنفس الانانية يا هانم، فبلاش تتكلمي كتير، ويلا ننام عشان أنا تعبان بجد وواضح إنك أنتِ كمان تعبانة.
اختفي ما أن أردف جملته، ودلف المرحاض يأخذ حمام دافئ لعله يهدئ من تلك المشاعر التي تشتعل بداخله نحوها، خرج وجدها مازالت ممددة فوق الفراش بتعب، فلم يتحدث معها أغلق النور وتوجه صوب الفراش بجانبها.
وضع يده فوق خصرها يقربها منه أكثر، وهمس بصوت أجش أمام وجهها، ولوعة اشتياقه لها لم تنطفئ بداخلها
:- وحـشـتيني أوي على فكرة.
اقترب منها أكثر وكاد أن يلتقط شفتيها في قبلة حانية مشتاقة، لكنها همهمت بصوت خافت معترضة وهي تحاول الإبتعاد عنه
:- تامر أنا تعبانة بجد مش قادرة ومش عاوزة أصلا.
صمتت لوهلة واكملت حديثها، بنبرة مغزية تخفي خلقها غيرتها المشتعلة في قلبها الذي تحول إلى اشلاء صغيرة
:- أعتقد إن البنت اللي كنت معاها في اليومين دول كفاية أوي ولا إيه.
انفرجت شفتيه بابتسامة ساخرة، وهو يحرك رأسه عدة مرات بعدم تصديق مما تفوهت به للتو، ثم تحدث بجمود حاد
:- بنت إيه وزفت إيه أنتِ مصدقة اللي بتقوليه دة،
أنا عمري ما فكرت في اللي بتقوليه دة، اصلا مكنتش هعمل حاجة من اللي في دماغك دة، أنا عارف وملاحظ إنك تعبانة.
كان يطالعها بعتاب، ألهذا الحد لم تثق به؟! و لكن كيف ستثق به وهو لم يزرع بداخلها الثقة، يطلب منها أن تفعل شئ لم تعتاد عليه، أولته ظهرهأ بعدم اكتراث وصمتت.
وبالفعل لا يوجد شي تفعله في وضعها سوى الصمت، لم تنكر أن قلبها ارتاح قليلا، عندما علمت أنه لم يكن مع أحد كما كان يصور لها عقلها..
❈-❈-❈
كانت آلاء طوال الليل تحاول الوصول إلى عدي لكن باءت جميع محاولاتها بالفشل، أغمضت عيناها ضاغطة فوقهما بضيق، تعلم أن عمر كان يتحدث بجدية ولن يتراجع مهما حدث، لكن ماذا ستفعل، هل ستستسلم لواقعها وحديثه وتوافق من الزواج به، ولكنها كيف ستنسى جرحه لها، و كيف ستنسى انه فضَّل عليها واحدة مثل نهي وقام بخطبتها؟!
شعرت أن عقلها سينفجر من التفكير الذي استحوذ عليه، حاولت أن تنم قليلا؛ حتى تهرب وتريح عقلها الذي لم يتوقف عن التفكير ولو لوهلة واحدة.
في الصباح
استيقظت آلاء من نومها الذي قد حصلت عليه بصعوبة، وسارت نحو أسفل مقررة أن تتحدث مع عمر مرة أخرى على الرغم من علمها انه لن يتراجع عن قراره لكنها قررت أن تحاول لعلها تصل معه إلى نتيجة، لكن قبل أن تصل إلى غرفته، رأت تامر الذي كان سيتجه الى اسفل حيث تجلس والدتها، فتمتمت باسمه مسرعة توقفه
:- تامر استنى عاوزة اتكلم معاك.
التف اليها وابتسم في وجهها بلطف، ثم سألها بحنان اخوى تفتقده
:- في حاجة يا آلاء ولا إيه، مش مرتاحلك ولا مرتاح لشكلك الهادي دة.
فلتت منها ضحكة مدوية قبل ان تضع يدها فوق فمها نحاول أن تخفض من صوت ضحكتها، وتمتمت بصوت منخفض وهي تتنهد بصوت مسموع تنهيدة حارة تعبر عن النيران التي بداخلها
:- آه بصراحة فيه، تعالى بس معايا عشان عاوزاك تتصرفلي مع اخوك احسن أنا هتجنن منه خلاص.
سار معها بالفعل حتى دلفت مرة اخرى به نحو غرفتها وجلست أمامه بتوتر، ثم بدأت تسرد عليه كل ما يحدث بداية من مساعدتها لعدى حتى يفوز في الصققة وقرار عمر بزواجهما الذي اتخذه.
طالعها تامر بعدم تصديق، شعر لوهلة انه يتخيل واذنيه تكذب، و ما قصته عليه مُجرد خدعة، لكنه تمتم بذهول، وغضب طفيف بعدما رأى حالتها
:- أنتِ بتهزري يا آلاء، ازاي تدي لواحد زي دة ورق شغل عمر، وتعملي حاجة زي كدة، بعدين حبتيه ايه أنتِ لحقتي تحبيه اكيد مش للدرجادي، وأصلا واحد زي عدي مينفعش يبقي جوزك، ازاي تبقي حرم عدي السعدني، آلاء فوقي لنفسك ومتنسيش أنتِ مين ولا خالي كان نفسه في إيه، دة أنتِ آلاء الحامدي يعني مش أي حد.
هو مُحق في حديثه معها، نـعـم هي اخطأت عندما اعطت الاوراق لعدي وساعدته وأوهمت ذاتها أنها تحبه، عقدت زراعيها أمام صدرها وتمتمت بعدم رضا
:- تامر بعيدا عن كل دة أنا عارفة أن معاك حق وعارفة أني غلطت، بس أنا مش موافقة على جوازي من عمر، مش عاوزه اتجوز غصب عني، ولا بالطريقة دي أنتَ فاهمني صح؟
اومأ لها برأسه الى الأمام بتفهم، فهو أكثر واحد يفهم شعورها في ذلك الوقت، فهو ايضا قد فُرِض عليه الزواج من فريدة؛ لذلك يفهم جيدا ما تشعر به، رد عليها بهدوء وثقة
:- متقلقيش يا آلاء اهدي شوية، وأنا هروح اشوف عمر، هتكلم معاه وهحاول اتصرف، بس خليكي عارفة أن اللي هيحصل ليكي دايما هو الأفضل.
هزت رأسها إلى الأمام بصمت، بينما هو سار نحو الخارج ما أن انهي حديثه، تتمنى أن يستطع تامر اقناع عمر في التراجع عما يريد فعله، لا تريد أن توافق على شئ بالإجبار.
جلس تامر مع عمر يحاول يحدثه في ذلك الامر، فتمتم بهدوء يخفي خلفه التوتر الذي يشعر به من رد فعله عندما يتحدث
:- عمر آلاء كلمتني وحكيتلي عن اللي حصل، يعني أنا عاوز اقولك أن مينفعش خالص تهددها انك هتحبسها أنتَ فاهم بتقول إيه، دي بنت خالك يعني غلطت وخلاص المفروض الموضوع اتقفل لكن أنتَ مش ساكت لا بتهـ..
شعر عمر بالغضب ما أن استمع إلى حديثه، قطعه وغمغم بحدة وغضب من فعلتها
:- تامر لو سمحت اسمت دلوقتي، أنا فاهم أنا بعمل ايه كويس، اطلع أنتَ من الموضوع دة، قولتلك قبل كدة عارف أنا بعمل إيه كويس، وكل حاحة بعملها انا مرتب ليها وفاهمها.
أنهى حديثه وانصرف من أمامه تارك إياه خلفه يحاول أن يفهم معنى حديثه، توجه نحو غرفة آلاء حيث تجلس بداخلها.
هبت واقفة ما أن رأته يدلف عليها بتلك الطريقة، ظنت لوهلة أن الباب سيقتلع في يديه، اقترب منها بعدما اغلق الباب خلفه، و تمتم بحدة صارمة وهو يصيح بصوت مرتفع
:- إيه للدرجادي فكراني عيل صغير أنا هتراجع عن كلامي لما تامر يكلمني مثلا.
اغمضت عينيها بضيق، ولأول مرة تخونها ثقتها وقوتها ويبدو ضعفها أمامه، فدموعها قد خانتها و نزلت امامه تلك المرة، لعنت دموعها وضعفها ثم بدات تميحها سريعا وهي تتمنى الا يلاحظ عليها شئ.
لكنه كان رآها ورأى دموعها التي كانت اشبه بالخنجر الحاد الذي طُعِن في قلبه، فتنهد عدة مرات في محاولة منه لكبت غضبه وتهدئة ذاته، ثم اقترب منها وربت فوق ظهرها بحنان، ثم جلس بحانبها وتمتم بهدوء عاصف وهو يجلس بجانبها فوق الفراش
:- طب بصي يا لولى اهدي بس دلوقتي وبطلي عياط أنا هفهمك كل حاجة وركزي معايا، بس عاوزك تعرفي في الاول إني مش بحبِك لأ دة أنا بعشقك، أنتِ اصلا قلبي اللي عايش بيه، ومقدرش استغنى عنك، أنتِ اهم حاجة في حياتي كلها.
_سيظل العشق الصادق لن يُمحى من القلب
إن مُحي فلم يكن عشق من الاساس
بل سيكون وهم من الأوهام التي توجد بداخلنا_
يُتبع..