-->

رواية عقوق العشاق- بقلم الكاتبة هدى زايد- الفصل الأخير الجزء الثاني

 

رواية عقوق العشاق 

بقلم الكاتبة هدى زايد 




الفصل الأخير

  الجزء الثاني

رواية 

عقوق العشاق 


داخل شقة فارهة رغم بساطة المنطقة، إلا إن بها أثاث من أفضل الماركات، كان  زكريا جالسًا

يستمع لتوسلات أمه التي تعزف طربًا على اوتار قلبه، كم تمنى هذه اللحظة، كم تمنى يرأها ذليلة تشحذ منه ما يكفيها قوت يومها.

و بعد توسلاتٍ لا حصر لها يأمرها بمغادرة المكان دون أن تأخذ جنيهًا واحدًا، لكن اليوم تحد يدًا يريدها تبكي،  تسقط أسفل قدماه، و تُقبلها  ليرضى أن يُعطيها القليل من المال،  كان يتناول وجبة الغداء خاصته أمامها،  طعًام لم ترأه في حياتها قط فقط تشاهدهُ على شا شة التلفاز،  مررت لسانها على شفتيها و هي تتضور جوعًا، أما هو عاد بظهره للخلف و على ثغره شبح إبتسامة سألها بنبرة ذاهلة مصطنعة 

- بقالك أسبوع مأكلتيش فعلا ؟! 


اجابته بضيق من معاملته و قالت 

- ايوة يا زكريا يا ابني أنا تعبانة و الدكتور كتب لي على علاج قبل العملية و قالي إني محتاجة لغذا 


أشار زكريا لـ الجرو الذي أتى على الفور، بدأ النباح عليها كالعادة منعه زكريا من الإقتراب منها قائلا 

- اهدأ يا ريكس هي ماشية خلاص 


تابع بنبرة تملؤها الإشمئزاز 


-  بلاش تاكل لحم رخيص  يتعب لك معدتك و أنت مش واخد على كدا 


ردت نجاة بنبرة غاضبة قائلة

- اخس عليك و على البطن اللي شالتك، تقول على امك لحمها رخيص !! هي دي التربية اللي ربتها لك ؟!


سألها بشبح إبتسامة جانبية قائلا

- أنتِ مصدقة نفسك إنك ربتيني بجد ؟! 


ردت على سؤاله بسؤالًا آخر قائلة

- اومال مبن اللي رباك ؟! 


أجابها بصوتٍ و نبرة تملؤها الغيظ الشديد قائلا

- ستي،  خالتي،  و الشارع يا نجاة 

- هما فين ستك و لا خالتك دول و بعدين تعال هنا قل لي مش دي  خالتك اللي خلت جوزها يـ.....


وثب عن مقعده الوثير بهرجلة مما أدى لإهتزاز المقعد اقترب منها حد الالتصاق، وجه إصبع الشهادة نصب عيناها،  نظر بأعين يتطاير منها الشر و  الغضب ثم قال:

- إياكِ تتكلمي تاني عنها بالشكل دا،  خالتي عمرها ما كانت شبهك،  أنتِ رخيصة بشكل محدش يتصوره و جوزها دا أنا ها عرف أخد حقي  اللي أنتِ ضيعتي زمان هاعرف اخده منه و منك  كويس اوي.


ختم حديثه قائلا بنبرة آمرة 

- و دلوقتي اطلعي برا و إياكِ تيجي هنا تاني صدقيني مش هاتردد لحظة واحدة في قتـ لك 


خرجت والدته دون أن تحصل على النقود اللتي تحتاج إليها، تنفس بعمقٍ شديد راحة يشعر بها دائما بعد إذلاله لأي امرأة تشوبه نجاة،  كرهُ للنساء عدا خالته يزداد يومًا بعد يوم،  خرج من شقة والده التي حصل عليها بالإجبار بعد أن طرد منها من يقطن فيها،  تحولت حياته مئة وثمانون درجة بعد هذا الحادث،  يُعاني من ماضٍ مؤلم، حاضر مخجل،  و مستقبل مظلم،  استقل سيارته  متجهًا حيث المدرسة الحكومية التي يعمل بها،  كاد أن يصطدم بأخته غير الشقيقة،  نظرات طويلة بينه و بينها تريد أن تحدث و هو لا يمانع هذا ما دامت تتذلل و تتوسل إليه،  لكنها لن تفعلها لن تذهب إليه  و تتحدث معه،  غير مسارها حتى لا يكرر فعلته 

هي طالبة بالصف الأول  الثانوي في نفس المدرسة 

التي يعمل بها، دائما تحصل على المراكز الاولى، ذات سُمعة طيبة بين المعلمين،  المعلمات، و الطلبات  حتى حارس المدرسة يحترمها و يبتسم في وجهها كلما نظر إليها.


وصلا الأثنان معًا ولج هو ثم ولجت خلفه لم يعيرها أي اهتمام  كذلك هي،  ناداتها صديقتها بصوتٍ مرتفع 

- سارة يا سارة 


وضعت سارة كفها على عيناها لتحجب أشعة الشمس عن عسليتها،  عرفت مكان صديقتها اتجهت لهن   ابتسمت على مزاح إحداهن و قالت بتساؤل 

- اومال ورد فين ؟ 


ردت إحداهن قائلة

- ما أنتِ عارفة عليها درس عند مستر طلال المحمدي و بعدها هتروح البيت تجيب شنطة المدرسة و تيجي بس مش عارفة اتأخرت ليه ؟ 


ردت سارة قائلة

- مستر طلال بيشرح بضمير و ممكن يقعد بالساعتين و نص يعني هي كدا متأخرتش 

- زي المتمرد  هو كمان شرحه روعة  و مابيخليش حاجة تعدي من تحت ايده كدا 


ردت صديقتها قائلة بحسرة 

- مش قصدك مستر زكريا

- ايوة هو 

- عيني و على حظي الفقري رحت عشان اخد عنده قال لي خلاص ماعنديش مكان و المجموغات كلها اتقفلت  مع إن رحت له في شهر تمانية !! 

- يا عبيطة دا بيبدأ من شهر ستة يلا عوضيها بقى في الإجازة 


سألتها إحداهن قائلة

- يا بختك تلاقي بيشرح لك الدرس و اي حاجة بتقف قصادك بتسألي عادي 


أجابتها سارة بإيماءة بسيطة من رأسها ساخرة ثم قالت:

- ايوة بسأله عادي، عادي اوي كمان 

- طب و هو في البيت عصبي زي المدرسة و لا في البيت حاجة تاني ؟ 


ردت سارة بإبتسامة واسعة و هي تتحدث بكذب قائلة:

- هو صحيح في المدرسة عصبي احيانا و في البيت بردو بس في الضحك و الهزار يا روحي عليه 


ضحكت  الفتيات و من بينهن اخته سارة، كانت ضحكتها مجرد ستار تتوارى خلفه الدموع و خيبات الامل من اخيها غير الشقيق الذي ودت أن تعتبره سندًا لها في الحياة


صباحكم ورد يا بنات 


قالتها ورد  و هي تلتقط انفاسها بصعوبة بالغة كاد أن يغلق البوابة الرئيسية للمدرسة، لكن لحُسن دخلت قبل اغلاقها بثوانٍ معدودة .


ظلت تتحدث معهن حتى دوى ناقوس الحصة الاولى  تفرقت الفتيات عدا سارة و ورد،  سألتها بنبرة هادئة قائلة

- عليكِ إيه دلوقتي ؟ 

- عندي يا اختي مستر مرسي انجليزي  و أنتِ ؟ 

- مستر طلال عربي 


رفعت ورد يدها و قالت بإبتسامة واسعة 

- يارب تغيب النهاردا يا مستر مرسي احسن أنا دماغي واجعني و مش قادرة اتحمل رغيك طول الحصة عن اهم انجازتك و أنت في سننا 


ردت سارة ضاحكة و هي تقول 

- اسكتي دا مسخرة مافيش فصل ما دخلش في ماقلش الكلمتين بتوعه دول ! 

- حقه يا ستي مش تعب و شقي عشان يبقى مدرس أول لازم بقى يعيش الدور علينا 


❈-❈-❈


أنا آسفة كنت فاكرة إن محدش دخل الفصل لسه 


أردفت أناهيد عبارتها و هي تتراجع خطوة للوارء،  ابتسم طلال بخفة ثم قال بهدوء كـ عادته

- مافيش مشكلة اتفضلي وياريت متتكررش  تاني 


تنحنحت أناهيد و هي تخبره بصوتها الرقيق قائلة: 

- بس أنا مش في سنة أولى أنا في سنة تالتة أنا بس كنت جاية اطلب طلب من اختي بعد أذن حضرتك يا مستر 


وقفت شقيقتها و هي تتأفف و ملامح تتبدل في ثوانٍ معدودة، سارت تجاهها و على وجهها إبتسامة مزيفة قبضت على ساعدها بقوة، و قالت بعتذار له 

- آسفة يامستر طلال هاشوف اختي عاوزة إيه 


حرك رأسه علامة الموافقة متحفظًا تلك المعاملة التي تعامل بها شقيقتها الكبرى،  بدأ بكتابة عنوان الدرس على اللوح الكتابي  وصل إلى مسامعه حديثها و هي تحدثها بنبرة مغتاظة حاولت إخفائها لكنها فشلت فشل ذريع 

- عاوزة يا زفتة أنتِ مش كفاية الفضايح اللي عاملها في المدرسة و مش عارفة امشي مع صحابي بسببك جاية كمان لحد عندي 


لاحت إبتسامة على جانبي شفتاها و قالت بسخرية 

- و لا لما سمعتي إن في مدرس جديد حلاوية بعيون خضرا بيدرس لسنة أولى، قلتِ  الحق دا كمان 


ربت على كتفها خاتمة حديثها قائلة

- ريحي دماغك باين عليه ابن ناس اوي و مستحيل يبص لـ خلقتك أنتِ مش شايفة شكل اللبس اللي بيلبسه و لا الريحة اللي حاطها و جايبة آخر المدرسة 


تنهدت شقيقتها وهي تنظر إليها سألتها بهدوء 

- خلصتي يا ورد و لا لسه ؟ عمومًا مش فارق لي ما هو جاية من أول السنة اشمعنى يعني هاجي دلوقتي و اجاي اتملى في جماله و جمال عينه الخضرا !! 


ردت " ورد " على سؤالها  بسؤالا آخر 

- عاوزة إيه يا أناهيد ؟ 

- عاوزكِ  تروحي لوحدك النهاردا 

- اشمعنى ؟ 

- عشان عندي درس بعد المدرسة 


ردت " ورد" بنبرة متعجبة قائلة 

- جبتي فلوسه منين إذا كان بابا مـ


قاطعت نفسها و هي تسخر منها للمرة الثانية 

- وقعتي على مدرس جديد يصرف عليكِ ولا تاخدي عنده درس ببلاش ؟! 


ردت " أناهيد " وقالت 

- مش هرد عليكِ عشان ردي عيب وخسارة عمومًا عرفي بابا إني هتأخر عشان كلمته فضل يتخانق معايا و معرفش إني هتأخر كل اللي كان همه مين ها يدفع فلوس الدرس سلام عشان متتاخريش على حصتك 


استوقفتها " ورد " وقالت 

- بما إن معاكِ فلوس هاتي عشرين جنيه اللي عليكِ 

- هي عشرة بس عشان مش ها يتبقى فلوس معايا اركب 


قبضت عليها واخذتها وقالت وهي تلج بسرعة 

- ابقي خديها مشي المشي رياضية يا نونه 


انتهت مشاجرة أناهيد و ورد أخيرًا،  و لجت الفصل و عاد إليها تركيزها مرة أخرى، كان طلال يسير بين الطالبات يحاول أن يحصل على تركيزه من جديد لكن فضوله كان أقوى منه  تُرى ما سر العلاقة بينهما لأول مرة يرَ تلك الفتاة على الرغم أنه يُدرس هنا منذ أكثر من سنة تقريبًا، ماذا دهاك يا طلال ألهذه الدرجة فضولي !! 


❈-❈-❈


نصيحة مني يا طلال لو البت دي حاولت تقرب لك ابعد لأنها مش محترمة و من الآخر كدا بتاخد المدرس من دول لفة و بعدها تخلع 


أردف أحد المعلمين عبارته و هو يسير حذاء طلال جنبًا إلى جنب، سأل بعفوية دون أي مقدمات ليجد ما هو أسوء مما يتوقع، رد طلال بنبرة ذاهلة قائلا:

- معقول في بنت كدا مع إن شكلها صغيرة و باين عليها في حالها 


رد زميله قائلا بنبرة جادة 

يا ابني أناهيد دي بت مش تمام اسمع مني فضلت ماشية مع المدرس اللي كان قبلك و نجحت في أولى و تاتية و تالتة قالت له بالسلامة جت تعمل كدا مع مدرس تاني معرفتش قام مسقطها سنتين ورا بعض عقاب ليها عشان راحت وقعت بينه و بين مراته 


سأله طلال بعدم استيعاب قائلا: 

- ازاي بنت بالبراءة دي تعمل كل دا !! 

- براءة ايه بس يا طلال دي بت من الآخر كدا المصلحة عندها أولًا اهي بقالها سنتين بتعيد تالتة اما نشوف بقى هتعمل ايه السنة دي عموما أنا حذرتك النهاردا جت لك الفصل بكرا تخليك تلف وراها المدرسة. 


تركه زميله في حالة من الدهشة و الذهول يردد كلماته عله يعي ما يدور حوله، كيف لـ فتاة في عمر الزهور تفعل كل هذه الافعال الشيطانية ؟! على ما يبدو أن الأمر يحمل بين طياته الكثير و الكثير .


❈-❈-❈


على الجانب الآخر من نفس المكان، كان زكريا 

جالسًا على المقعد يمر بين المنشورات بمللٍ كبير هدوء تام يعم المكان كأنه يجلس بمفرده على الرغم من أنه يجلس داخل أحد فصوله بالصف الثالث، لكن اليوم يوم الأختبار المفاجئ، البكاء هو الحل الوحيد لـ لطالبات هذا الفصل، مد يده ليلتقط قدح القهوة الساخنة خاصته، ارتشف عدة رشفات، نظر في ساعة معصمه ثم قال بهدوئه المعتاد 

- باقي خمس دقايق و الم الورق 


ردت إحداهن قائلة 

- بس يا مستر حضرتك قلت الامتحان الحصة كلها 


نظر زكريا نظرة هادئة لكنها كافية لتُشعلها في مكانها و تحولها لرمادًا، لم يحدثه أحد او يعارضه أحد و تجرأت  تلك الحمقاء و عارضته 

لم تخفض ناظريه خوفًا منه كما تعلفن زميلاتها  بل تنتظر ردًا لسؤالها، شبح إبتسامة ظهر على جانب فاه، وثب عن مقعده متجهًا تجاه أول منضدة و بدأ في لملمت الأوراق دون سابق إنذار، إن كان مجذوب فـ عليه أن يُعالج و إن كان مريضًا نفسيًا فـ يجب أن يذهب لطبيب أمراض نفسية،  و لا يجب عليه أن يخرج عقدهُ على الآخرين .


توقف زكريا عند الحمقاء التي لا فائدة منها و التي يومًا ما سـ يفصل رأسها عن جسدها إن لازم الأمر، سحب الورقة و قال بصوتٍ مرتفع 

- قلت مليون مرة توقعوا الإمتحان في أي وقت


تابع بنبرة ساخرة قائلا:

- ما هو أنا مش هجاي اقول بعد أذنك يا أناهيد هانم أنا هعمل امتحان النهاردا 


ختم حديثه بعصبية مفرطة قائلا:

- المفروض إنكم مذاكرين و إن أنا شرحت الدرس مليون مرة كون إنكم مش مستعدين فـ مش مشكلتي دي مشكلتكم إنتوا !!


عاد لمقعده و هوى بجسده عليه لملم متعلقاته ثم بدأ يسأل عن الغائبات، دون بعض البيانات و طلب من الطالبة التي تحمل دفتر الغياب اليومي للفصل ذهبت إليه أناهيد ووضعته أمامه بكل هدوء و احترام،  سأل عن إحداهن قائلا:

- هي سميرة فين ؟ 


ردت أناهيد قائلة :

- هي حضرت يا مستر الحصص اللي فاتت بس نزلت تكلم الأخصائية الإجتماعية و جاية على طول 


هدر بصوته المرتفع قائلا:

- و المفروض إنها كدا حضرت حصتي يعني ؟!  البنت اللي تتأخر خمس دقايق عن حصتي تبقى غايبة يا أستاذة باقي الحصص إنتوا أحرار فيها 


تابع و هو يوجه حديثه للجميع قائلا:

- الكلام ليكم إنتوا كمان مش هي بس 


ثبت اسمها في دفتر الغياب الخاص بالفصل  و دفتره،  وقع عليه و غادر من حيث أتى،  تنفست أناهيد الصعداء و قالت قبل أن تعرف أنه مازال في الرواق و لم يغادر لم تكن تعلم أنه يستمع لـ سخريتها في تقليده و هي تقول 

- المفروض إنكم مذكرين و عارفين إن دايمًا بعلم امتحانات مفاجئة 


ضحكت الفتيات عليها، بينما تابعت هي بفضول قائلة: 

- امو ت و أعرف أمه استحملته ازاي تسع شهور في بطنها دا احنا مش مستحملينه خمسة و أربعين دقيقة، دا لو اتجوز هيربى لمراته الرعب 


ردت زميلتها و قالت 

- مين قال لك كدا النوع اللي زي دا يا حبيبتي بيعامل مراته زي البسكوتاية اسأليني أنا عندي بابا نفس النوعية و شوفي مع ماما عامل ازاي 


سألتها أناهيد بنبرة ساخرة 

- قصدك تقولي إن النوع دا بيبقى أسد و لما بيتجوز بيقلب قطة بلدي صح ؟! 


ردت صديقتها قائلة بذات النبرة 

- قصدك قط 


دوت ضحكات الجميع على سخرية أناهيد من المُعلمين و المعلمات، مشاكسة من الدرجة الأولى، ذكية، مرحة،  جميلة، و لكن كل هذا لم يشفع لها عند معظم معلمين و معلمات المدرسة تضامنًا مع مديرة المدرسة،  عادت لمقعدها جلست تراجع مراجعة أخيرة قبل دخول مُعلمة اللغة الإنكليزية،  تأسست في هذه اللغة بشكلٍ صحيح و السبب يرجع في ذلك لأحد المقاطع القصيرة التي تتابعها على مواقع التواصل الإجتماعي.


أناهيد أناهيد 


قالتها ورد و هي تقف أمامها لاول مرة تأتي إليها دائما تبتعد عنها،  مالذي حدث حتى تأتي لـ هنا نزعت السماعات  من أذنيه و قالت بقلق 

- ورد في أيه ؟! 


جلست حذائها و قالت بهمس 

- بصي انا محتاجة منك حاجة ضروري 

- قولي يا بنتي في إيه ؟ 

- مستر طلال 

- ماله ؟! 

- قال إنه عامل حاجة اسمها جروب على البتاع دا اسمه إيه 

- واتساب و لا تليجرام ؟ 

- و دا إيه دا بقى دا كمان ؟! 


ابتسمت أناهيد ملء شدقيها و قالت و بهدوء 

- ياما قلت لك الدنيا كلها بقت ماشية بالسوشيال ميديا و أنتِ زي ما أنتِ تليفون بزراير بقاله سبعتلاف سنة 


ردت ورد بقلة حيلة و قالت 

- و أنا اعمل إيه يعني شايفة الحال عِدل اوي يعني ثم أنا مش عاوزة حاجة تشغلني عن المذاكرة 


سألتها اناهيد بنبرة متعجبة قائلة

- يا بنتي نفسي افهم مين قال لك إنه هايشغلك بس ما أنا هو مبذاكرش غير منه و اتأسست في الانجليزي بسببه و حاليا الفرنساوي نفسي افهم بس ازاي أنتِ عايشة في العصر دا ؟!


أجابتها ورد بهدوء 

-عايشة زي باقي البشر عادي 


تابعت بجدية قائلة

- المهم سيبك مني و قولي لي ينفع تاخدي الملفات اللي مستر طلال بيقول عليها دي ؟ 


ردت اناهيد بمشاكسة قائلة

- تتدفعي كام ؟ 


دست ورد يد ها في جيب قميصها الأبيض و قالت 

- مش معايا غير عشرة جنيه بس ؟! 


ابتسم أناهيد و قالت بنبرة ناعمة مربتة على يد ورد 

- خليها معاكِ أنا كنت بهزر معاكِ، خُدي التليفون اهو خلي ينقلك كل الملفات و ابقي احفظيها 


ردت ورد قائلة بنبرة حائرة 

-بس انا مش بعرف اتعامل عليه اقولك استني 


اخرجت ورقة صغيرة وقالت 

- دا رقم مستر طلال اللي بينزل عليه الملفات  و الحاجات المهمة شوفي كدا هو عامل جروب فين و ادخلي هاتي لي منه الحاجات 


تركت أناهيد القلم فوق الدفتر، ثم تناولت منها الورقة بدأت تتدون الرقم، ظهر أمامها التطبيقات التي تحمل نفس الرقم، نظرت لأختها و قالت 

- طب هو دلوقتي عنده تليجرام و واتساب هو بقى عامل جروب فين بالظبط ؟ 

- مش عارفة ! 

- مش عارفة ازاي بس اومال عارفة إيه بس، اقول لك روحي اسألي أو خلي حد من البنات صحابك اللي في الجروب تعملي إضافة و بعدها تعالي لي احمل لك اللي يعجبك 


سألتها ورد بإبتسامة واسعة 

- يعني أخد تليفونك عادي ؟ 


ردت أناهيد قائلة

- اه عادي مافيش مشكلة


غادرت ورد تاركة أختها تتابع ما كانت تفعله ركضت نحو صديقتها، طلبت منها أن تضيف رقم شقيقتها ففعلت بدأت ورد تستمع لجميع التسجيلات الصوتية التي كانت تسجلها إحدى صديقاتها ثم تقرأ الرسائل الهامة التي كان يرسلها طلال،  حتى كتب رسالة يخبر فيها الجميع  كاتبًا 

( السلام عليكم جميعًا، عارف إن النهاردا مافيش درس بس انا عندي مشكلة مع التطبيق كل ما بحلها بتبوظ تاني فـ عذرًا لو معرفتش ارد على حد تقدروا تتواصلوا معايا على حسابي الشخصي على الفيسبوك، و دا اللينك بتاع صفحتي، و اول ما المشكلة تتحل هنرجع تاني للواتساب طبعًا )


توجه الجميع لمراسلة الأستاذ طلال على حسابه الشخصي كما قال، ضغطت ورد على زر إضافة صديق لأن حسابه ليس حسابًا مشتركًا بين أختها و بينه،  هي لا تعرف أنها كان من الممكن أن تراسله دون أن ترسل له طلب الصداقة وافق عليه كما فعل مع الباقية، بناءً على طلب ورد عندما أخبرته،  أضاف الجميع داخل مجموعة ليرسل حديثه مرة واحدة توفير للوقت و الجهد .


❈-❈-❈


بعد مرور عدة أسابيع 


مرت كالبرق في سرعته على الجميع عدا سيدرا التي كانت تشعر بأن الوقت يعاندها و لا يريد المرور، و أخيرًا تبقى من الزمن ثلاثون يومًا فقط، كانت مدللة أبيها، صديقة أخيها، و طبيبة لمن يريد أن يشفي من جروحهِ  ستغادر المكان الذي عاشت فيه اكثر من خمسة و عشرين عامًا تقريبًا، جلست ترتب حجرتها كـ عادتها يوم الجمعة من كل أسبوع،  طرقت والدتها الباب قبل دخولها، و لجت و على ثغرها إبتسامة خفيفة، جلست على حافة الفراش حدثت ابنتها عن عدة موضوعات لم تتفاجئ بعقل سيدرا الذي يتجاوز عمره أحيانا في بعض الأمور الهامة، ربتت على هدها و قالت بنبرة حانية 

- كبرتي يا ديدا و بقيتي عروسة حلوة حد يصدق إن بنتي حبيبتي تكبر و تبقى قمر كدا و كمان هتتجوز و تسبني 


ردت سيدرا بإبتسامة عريضة قائلة بحماس 

- أنا كمان مش مصدقة نفسي يا ماما و حاسة إن الأيام مش عاوزة تعدي نفسي الشهر دا يجري بقى و اشوفني بالفستان 


سألتها رُبى بإبتسامة واسعة قائلة:

- مش مكسوفة و أنتِ بتقولي كدا ؟ 


أجابتها بخجل قائلة: 

- الله بقى يا ماما مش حضرتك اللي سألتيني عن احساسي !!


ردت رُبى بجدية مصطنعة قائلة

- اه لو نوح يسمع غشان يعرف إن أنا و بس اللي باقية له و.. 


ردت سيدرا مقاطعة والدتها قائلة 

- ماما من فضلك بلاش بابا يسمع احسن دا الغيرة عنده بقت زيادة اوي من ساعة ما حددنا معاد الفرح و كل ما الوقت يقرب كل ما هو بيتعصب و خايف يفركش الفرح في الآخر 


سحبتها رُبى لحضنها و قالت بنبرة حانية مطمئنة إياها 

- لا يا روحي متقلقيش مايقدرش يعملها 


تابعت بجدية مصطنعة قائلة 

- و لو  هعملها انا أول واحدة هاقف له فيها دا أنا ماصدقت الطريق يفضى لي و كنان هنسلط عليه ولاء 


أنا بحبك اوي يا مامي ربنا يخليكم ليا و مايحرمنيش منكم أبدًا.


أردفت سيدرا عبارتها و هي تحاوط خصر والدتها بقوةً و كأنها ستهرب منها، ربتت رُبى على رأسها بحنانٍ بالغ ثم طبعت قبلتها و غادرت المكان تتابع ما كانت تفعله منذ قليل .


❈-❈-❈


داخل غرفة صفوان و طلال 


حلو القميص  دا ماشي مع البنطلون دا  يا طلال هاخدهم لفة وا رجعه لك تاني 


قالها صفوان و هو ينظر نظرة متفحصة لملا بس أخيه الجديدة،  كاد أن يخرج من الغرفة ليُحضر الأشياء التي تناسبه كالساعة و الخاتم و العطر الجديد، استوقفه طلال قائلا بنبرة جادة: 


- استنى عندك يا صفوان 

- نعم 

- اطلع بال 150 جنية حق الطقم اللي معاك 

- هتاخد مني حق الطقم يا جدع 

- دا أنا هاخد منك نور عينك يا حبيبي هو أنت فاكرني مدرس محترم و ها تكسف منك و اقول اخويا!! 

- لأ يا تيتو متقلش علي نفسك كدا ياحبيبي  أنت محترم  

- حلو اوي كدا مش أنا محترم  ؟ 

- اه 

هات بقى بالذوق حق إيجار الطقم لمدة ساعتين، ساعتين و دقيقة هتدفع غرامة تأخير 


دس صفوان يده في جيب سرواله، ثم وضع النقود في يد أخيه و قال بنبرة مغتاظة


- خُد دا أنت يهـ ودي  اعوذ بالله عليك 


استوقفه طلال قائلا بتذكر: 

- بقلك 

-قول 

- كانت في ساعة و نضارة عندك عاوز اخدهم لفة عشان اروح  بيهم المدرسة يوم الحد 

- ماشي بس دول إيجارهم غالي عليك 

- مافيش حاجة تغلى عليا يا حبيب اخوك كام يعني ؟ 

- 300 جنيه  للنضارة وزيهم للساعة 

- ليه إن شاء الله ساعة الملك رمسيس التاني !! 

- و هو رمسيس كان بيلبس ساعات يا خفيف الظل 

- مثلا يعني !!

- دي ماركة يا حبيبي كل ساعاتي  و نضارتي مستوردة من برا ماركات أنت نفسك ها تتلغبط في نطقها عجبك عجبك مش عجبك ملوش لازمة تشكك في نزاهتي و اختياراتي للساعات و النضارات بتاعتي 

- طب مشيها بالحب مع اخوك 

- جبت منين الكلمة دي ؟! 

سمعت بنت بتقولها لصاحبتها في المدرسة المهم  اديني الساعة والنضارة الاتنين بـ 150 جنيه  


ليه قالوا لك عليا حرامي و لا اكون بطلبهم و بخلي ابوك هو اللي يحاسب ؟! 


صفوان حبيبي  أنت بتقفش ليه كدا أنا تيتو حبيبك و عديها لي مرة عشان  انا كمان اعديها لك مرة 


مش أنت متربي و بابا مقصرش في تربيتك ؟ 


اه 

أنا بقى ماشفتش بربع جنيه تربية و لاعدت عليا 

تجيب فلوس الحاجة الحاجة تطلع متجبش ماشفش وشك قدام دولابي  واسطوانة صلة الرحم واننا اخوات دي تنساها عشان مش  هتاكل معايا نهااااائي 


سأله صفوان للمرة الأخيرة قبل أن يغادر قائلا:

- ها هتاخدها و لا البسهم أنا ؟! 


رد طلال بضجر قائلا:

- هالبسهم طبعًا 


سحب صفوان النقود من يد أخيه و قال بإبتسامة واسعة 

- المال الحلال عمره ما يضيع أبدًا يا تيتو ثواني و الحاجة تبقى عندك قبل ما اسافر 


خرج صفوان من الغرفة ثم طرق غرفة أخته سيدرا، ولج ما إن سمحت له بالدخول سألته عن سبب بحثه في الأشياء التي نظمتها له منذ فترة فقال 

- المكان مش مكفي خالص يا ديدا ما تشوفي لي درج تاني و لا رف مش عاوزاه 


نهضت سيدرا قائلة بإبتسامة واسعة 

- و الله يا نانو عندي بدل الرف تلاتة و كلهم فاضيين خالص قلت اسألك قبل ما اسأل آدم و باسل إن كانوا عاوزين و لالأ 


رد بتوسل قائلا 

- أنا محتاجهم أنا في حاجات جاية لي النهاردا 

و مافيش مكان واحد حتى احط في ساعة واحدة 


بسطت يدها و قالت بإبتسامة ماكرة 

- ايدك على الف جنيه و خد الرفين لمدة شهر 

- الف جنيه في شهر ليه إن شاء الله ما كنت شيلتهم في شقة تيتا احسن 

- شيلهم يا حبيبي بس متسألنيش عن الحاجة اللي تضيع منك لكن هنا مستحيل حاجة تضيع و أنت عارف دا كويس 


سألها صفوان بنبرة مغتاظة قائلا: 

- هو أنتِ مبتعمليش حاجة لوجه الله أبدًا 


أجابته من بين أسنانه مداعبة خديه قائلة

- بعمل يا روحي اومال أنا بستر عليك ازاي و أنت بتسرق الفيزا من بابا بقالك شهر 

- عرفتي ازاي ؟! 

-سمعتك و أنت بتقسم عليك أنت و اخواتك الأيام و أنا لأ هو أنا مش زيهم و لا أنا مش زيهم يعني ؟!!


رد صفوان و قال بتوجس من ردة فعلها إذا رفض 

- لأ ازاي دا أنتِ ست البنات ابقي خُدي لك يوم من الأيام 


استدارت سيدرا بجسدها كله تجاه أخيها قائلة

- يوم واحد بس  دا أنا عروسة و في حاجات كتيرة عاوزة اشتريها !! 

-  لأ ازاي يومين عشانك بس أبو س ايدك ما تتكلميش بصوت عالي الحج لو عرف هايعلقنا كلنا .


❈-❈-❈


طب دلوقتي في مشكلة 

مشكلة إيه ؟! 

أنا سرقت كهربا من شقة جدو عابد  جدو مالك كل مايفتح باب الشقة يتكهرب ليه بقى ؟! 


أردف " طلال " عبارته  وهو يجلس بين أشقائه حاملًا فرعين من الزينة الملونة، ضرب " آدم" بكفه على وجهه وقال بغضبٍ واضح من تصرفات أخيه الأكبر

- الله يحر  قك أنت مابتفهمش في الكهربا بتعملها ليه بس، هي أي حاجة تحشر مناخيرك فيها والسلام ؟ 


رد " طلال"  بجدية محاولا البحث عن حلًا آخر ربما يعرف كيف يُصلح الأمر 

- ياعم اصبر بس أنت عليا وأنا هاظبط كل حاجة  احنا عاوزين نعلق الزينة اهم حاجة 


رد " باسل "  وقال بتحذير واضح لأخيه بعد حماقاته تلك 

- طلال أنا مش هضرب تاني من بابا،  ولو علقنا والله لاعترف من اول قلم واخلص نفسي 

- أصيل أنت يا باسل طول عمري بقول عليك ونعمه الأخ  


خرج " صفوان" من شقة الجدة وهو يحمل بيده بعض المأكولات الشهية وقف ينظر للزينة ثم نظر لأخيه وقال 

- بس أنت كل سنة بتخلي جدو عابد ومالك يدفعوا السنة دي طلعتهم من حسابتك ليه


رد " طلال" بنبرة مغتاظة قائلا 

- أنا كنت حاططهم في حساباتي بس جدو مالك قالي روح لجدك ياحبيب جدك مليش في ولما رحت لجدو عابد قالي وأنت فاكرني اهبل وهاشيل حق الزينة لوحدي والله ما أنا دافع غير لما جدك يدفع مش زي كل سنة أنا ادفع وهو ينام على الفلوس قمت سرقت الكهربا من عندهم هما الاتنين بس مش عارف مالها ملغبطة ليه معايا !! 



ربت " صفوان " على  كتف أخيه وقال بجدية مصطنعه 

- والله يا ياطلال يا اخويا لبابا يعلقنا كلنا عمومًا أنا عملت اثبات حالة ودخلت المطبخ أكل واشرب مع تيتا دور بقى على مكان تنام في النهاردا 

- يعني إيه يعني محدش هيقف معايا زينة رمضان !! 


رد " باسل" ضاحكًا وقال 

- متقلقش بابا هيعلقنا مكانها وهنبقى الفانوس الناطق 



هدر " مالك "  بصوته العالِ وقال من النافذة المطلة على سلالم الدرج 

- والله ياطلال لو ما بطلت اللي بتعمله دا لاجاي اعلق بنفسي  أنت ياواد عاوز انزل وخايف افتح الباب 

متخافش يا جدو أنا فصلت الكهربا عندك ولو خايف انزل من على السلم الخشب 

هو أنا فيا حيل 


خرج " بيجاد" من شقته على إثر صوت ابيه، نظر له وهو يحاول كبح ضحكاته،  تنحنح بجدية وقال 

صباخ الخير يا بابا 


رد والده بغضبٍ جم 

صباح الزفت على دماغك، بقى أنا اتحبس من شوية عيال لا راحوا ولا جم،  والواد الفاسد اللي اسمه طلال دا يسرق كهربا أنا لو شفته هطلع عينه 


بلع " بيجاد " لعابه وقال 

- معلش حصل خير دلوقتي هابعت اجيب الكهربائي واخلي يظبط الدنيا 


هبط " نوح"  وهو يسأل اخيه عن سبب إنقطاع التيار قائلا 

- هو النور ماله مطول ليه كدا أول مرة يعملها ويقطع كتير كدا ؟! 


رد بيجاد وقال بكذب 

- مش عارف بس تقريبا في عطل عندنا احنا المهم اتصل أنت بالراجل يجي يحلها عان مشغول وشوفه هايدفع كام وابقى احاسبك 

- ما تتصل أنت وابقى بردو اخاسبك 

- يااه يا نوح بتددق على تافهات 

- هي هي نفس التفاهات اللي أنت بتددق فيها 

- خلاص خلينا قاعدين في الضلمة 

- ياسلام احلى حاجة على الاقل يبقى جوا رومانسي 

- خلاص اتصل بالراجل وخلي يحل المشكلة، قبل الوقت ما يعدي ويقولك هتسحر ومش عارف إيه 

- خلاص خليك معايا ونحلها سوا اهو على الاقل تشوف الراجل بيعمل إيه وتدفع 

- مش هاتكبر بقى يا نوح احنا خلاص كبرنا وولادنا بقوا في جامعات وأنت لسه بتشك فيا 

- إن شاء الله يبقوا جدود حتى وبعدين هانبعد بعيد ليه لما عمك عابد يأمن لأبوك ابقى أنا أأمن لك  


اخس عليك ياقليل الادب بقى بتقول عليا حرامي 

بابا !! أنا آسف يا بابا والله ماقصدي بس ابنك شبهك دايما بيسرقني 


رد مالك مدافعًا عن حاله قائلا 

- لا وأنت الصادق أنت وابنك الملعون اللي شبه عمك عابد تقتلـ وا القتيـ ل وتمشوا في جنازته 


سأله نوح قائلا بنبرة مغتاظة قائلا 

- وابني ماله بالموضوع يابابا وبعدين ملقتش إلا طلال طب دا الأخلاق والاحترام طلال طب كنت باسل ولا صفوان أو حتى آدم كنت اصدقك 


رد بيجاد ضاحكًا وقال 

-  يؤسفني اقل لك إن ولادك الصبيان كلهم اشتركوا في الجر يمة عمومًا تكفل بقى أنت بالموضوع كله لوحدك 


هدر " نوح " وقال بصوتٍ مرتفع هرع على إثره ابنه الأكبر وقال من بين أنفاسه المسموعة 

- نعم يابابا 

- خد تعال هنا إيه اللي أنا سمعته دا أنت صحيح اللي حشرت مناخيرك في كهربت البيت


تراجع " طلال " للوراء محاولا الابتعاد عن أبيه وهو يقول بتلعثم 

- ماهو هو بص ماهو أنا هاقل لك 

- قل لي 

- هافهمك 

- فهمني يا خويا 

- أصل أصل أنا لما عرفت إن بكرا رمضان قلت ياواد دخل السرور على قلب المسلمين وعلق زينة رمضان 


ظل يدور نوح محاول الاقتراب من ابنه وهو يبتعد عن قبضته وتابع حديثه وهو يقف خلف عمه وقال 

- بس جدو عابد قالي لما جدك الحرامي يدفع قصاد عيني ابقى ادفع أنا قربت اموت ولسه باخد على قفايا من ولادي واخواتي، فقلت ياواد اتصرف 


رد والده وقال 

-واتصرفت يافالح دا أختك فوق الكهربا مسكتها فكرتها بترقص وقلت لها رمضان جانا يا اختي وأنتِ مش جاية معاه ولا إيه 



رد " طلال" بنبرة مغتاظة قائلا 

- وأنا اعمل إيه بس يا بابا محدش راضي يدفع وأنا حاطط لوحدي فلوس قد كدا حتى تيتا قالت لي أدي دقني اهي لو لقيت راجل في البيت كله دفع دول بخلا  قمت قلت لأ متقوليش كدا يا تيتا دول كُرما جدا وهايدفعوا اكيد قالت بلاش الجلالة تاخدك ولادي وأنا عارفاهم قلت لها هايدفعوا ولو مدفعوش ابقي قولي عليا الفت   وفي الا خر لبست أنا وتيتا في الرايحة والجاية تقولي قومي اغسلي الطبقين اللي في الحوض يا الفت  و مش سايباني في حالي يابابا فقلت اتصرف ياواد وكفاية ال75 جنيه اللي دفعتهم لحد دلوقت 


خلع " نوح" نعليه والقى به في وجه ابنه وهو يقول بغضبٍ جم 

- بقى عشان دفعت  75 جنيه هتخلينا نجيب الراجل وياخد فوق ال 500 جنيه 


رد طلال بغيظٍ مكتوم 

- ماهو إنتوا لو بتتدفعوا بالذوق مكنش حصل اللي حصل الحق عليا اللي كنت عاوز احسسكم بطعم رمضان 


يا الفت تعالي تليفونك بيرن  


تابع بغيظٍ شديد قائلا 

- شايف يا بابا اهي تيتا على كدا من الصبح ارحمني بقى من اللقب دا بقى 


رد نوح قائلا بنفاذ صبر قائلا:

- يا اخي ارحمني أنت من اختراعاتك دي يا اخي هو أنا عملت إيه ياربي في دنيتي عشان يرزقني بعيال زيكم كدا 



بعد مرور عدة ساعات 


داخل منزل أناهيد كانت جالسة تتدون بعض بمراجعة الدورس  الخاصة بمادة اللغة العربية 

حتى لا تقع في مأزق مع ذاك غريب الأطوار الذي يُدعى زكريا الصفتي و لقبه المتمرد .


توقفت لحظة عند ذاك اللقب سألت نفسها كثيرًا عنه لما لقب بهذا الأسم  ؟ دائما يوقع مذكراته بهِ و ما سبب عصبيته الزائدة، هل كل من يود الهروب من ماضيه يتوارى خلف ستار الغضب الشديد مثله كـ مثل ورد، المتمرد، و طلال ؟! العجيب أن جميعهم لدية نظرة مشتركة  نظرة الحزن البادية في اعينهم و التي يراها أي شخص بالعين المجردة لكن لا يعرف سببها .


عادت تراجع آخر ورقة قبل شروق الشمس 

كانت ورد في سباتٍ عميق،  حين دخل والدها 

و قال بضيق 

- هو أنتِ كل يوم تذاكري بليل لحد وش الصبح اومال بتعملي إيه طول النهار !! 

- مبعرفش اذاكر بالنهار يا بابا ما أنت عارف 

- عارف إيه بس اللي اعرفه إن فاتورة الكهربا ها تيجي قد كدا آخر الشهر ما عندك  ورد اهي بتذاكر بالنهار و لا هي تلكيك و السلام يا ست أناهيد !


دخلت صفاء زوجته لتفض النزاع اليومي الذي لن ينتهي إلا بتتدخلها حين تقول 

- صباحك ورد يا كرم كل سنة و أنت طيب يا خويا النهاردا أول يوم رمضان مش عاوزينه نكد صل على النبي كدا و روح شغلك بالسلامة و أنا بنفسي هاطفي نور البيت كله 


رد كرم بغضبٍ شديد 

- خليكِ أنتِ كدا قلبك ضعيف مش عارفة تمشي بنتين ملوشهم لازمة 


استيقظت ورد على المشاجرة و قالت بضيقٍ 

- و هو أنا عملت حاجة يابا ما أنا نايمة في حالي !! و لا هو جر شكل و السلام 


لم يتحمل كرم كلمات ابنته إثر الصداع النصفي الذي يصفع برأسه، فـ دفعها على حافة الفراش سقطت ورد و الدموع تتكون في ملقها لم تكن مرتها الأولى التي تتلقى من والدها فيه الضرب لكنها كانت الأخف على الإطلاق .


❈-❈-❈


في مساء نفس اليوم 


كانت ورد تستذكر دروسها على كشاف هاتف أختها كادت أن تفقد بصرها من وراء حرص والدها الزائد،  تُعاني لدرجة أنها تريد ترك الدراسة بأكملها،  بينما كانت اناهيد جالسة تشاهد المارة في الحارة و هم يلعبون بالفانوس و يستمتعون بالاجواء الرمضانية، كانت ترتشف من قدح قهوتها رشفات سريعة و متتالية لاحت إبتسامة واسعة ما إن تذكرت حياتها في الصغر و الرفاهية التي كانت تعيش فيها مع والديه لم تكن تعلم أن والدها حريص بهذا الشكل إلا بعد إنفصال والدتها، تشفق على ورد أكثر منها لأنها عاشت هذه الحياة لأكثر من سبعة عشر عاما.


ها هو المتمرد الكائن الليلي يظهر أمامها،  يرتدِ

جلبابًا أبيض متجهًا نحو المسجد،  ابتسمت إبتسامة ساخرة و قالت 

- أول مرة أشوف شيطان يدخل الجامع !!


انتشلتها شقيقتها من شرودها حين قالت لها 

- اناهيد في رسالة جت لي من مستر طلال و مش عارفة افتحها شوفي في إيه كدا ؟ 


تناولت منها الهاتف و بدأت تمرر إبهامها على الشاشة لتعرف ما الذي حدث، نظرت لها ثم قالت 

- المساحة عندي مليانة على الواتساب خلي يبعتها الماسنجر 


وضعت الهاتف مرة أخرى في يد اختها لكنها قالت لها 

- انا مكسوفة اقل له بصراحة هو مشغول في فرح اخته و بيفتح بالعافية مافيش حاجة تاني نتصرف منها؟! 

- خلاص خلي حد من صحابك يبعت لك بدل منه 

- ينفع ؟!

- اه يا بنتي في إيه ؟! 

- معلش أصل مليش في البتاع و مش عارفة 


مر الوقت و نفذت ورد إقتراح اناهيد، نفذت الباقة الشهرية لدى أختها بسببها،  فقررت أن تجددها من مالها الخاص،  ارتدت جلباب  الصلاة ثم خرجت من البيت متجهة لأقرب محل متخصص في شحن الباقات، يبعد عن منزلها بحاولي عشر دقائق سيرًا على الأقدام 

كان هذا المحل يُعرض هواتف محمولة و غيرها من الأجهزة الالكترونية.

وقفت تنظر و تقرأ سعر الهواتف،  نظرت لهاتف أختها ثم عادت ببصرها للمعروض وجدته يتجاوز الالفين جنيهًا .


أخذت عدة ثوانٍ تفكر فيها كيف لها أن تدبر المبلغ فهي لم تجد أمامها سوى قيرط من الذهب خاص بوالدتها،  ولجت المحل وجدت صفوان يقف مع صديقه يحدثه عن امكانيات هاتفه الجديد الذي سيبتاعه منه، توترت قليلًا 

نظر الشاب الواقف مع صفوان لها قائلا بهدوء 

- خير يا أستاذة ؟ 

- ثواني بس لو سمحت اسأل على حاجة 


تركه ثم اتجه لها، بينما صفوان حاول إشغاله حاله متظاهرًا بعدم الإهتمام بينما كانت أذنيه تسترقان السمع و علم ما تريد، غادرت المكان بعد أن تحطمت آمالها، ولجت محل المصوغات 

أما صفوان فـ سأله قائلا

- هي عاوزة إيه ؟ 


رد صديقه قائلا 

- عاوزة تاخد تليفون تمنه 3000جنيه بالفين  ليه بيبع لعب اطفال أنا و لا إيه !! لا و عاوزاه قسط كمان !!


رد صفوان قائلا بجدية 

- طب بيع لها تليفوني بالرقم اللي قالت عليه و من غير قسط 


سأله صديقه قائلا

- بتهزر يا صفوان تليفونك فوق ال6000جنيه و لسه مبقاش له معاك غير ست شهور بس عاوز تبيعه بالفين !! 


أجابه صفوان قائلا 

- و أنت مالك أنت حاجتي و حر فيها 

- لو على كدا أنا اشتري منك و بـ....


قاطعه صفوان قائلا بنبرة لا تقبل النقاش 

- سمعت قلت إيه ؟! بيعه ليها هي مش ليك و 


ولجت مرة أخرى و هي تجمع النقود في يدها 

و قلبها في اليد الأخرى،  لم تكن تعلم أن بيع قطعة من مصوغات أمها يُعني بيع جزء من قلبها  وضعت المبلغ و قالت 

- هات التليفون من فضلك 


غادر صفوان بعد أن رأها تدفع المبلغ و تتسلم هاتفه القديم،  تعامل معها كأنها فتاة عادية لا يعرفها كما فعلت هي، أما هي عادت لبيتها و بيدها كنزًا دفعت جزء من روحها مقابل إقتنائه


جلست على حافة الفراش ترد على اسئلة اختها و هي تقول 

- هو التليفون اغلى من اللي معاكِ ؟ 


ردت أناهيد قائلة 

- طبعا يا بنتي أنتِ وقعتي عليه منين دا !! دا اكيد ربنا بيحبك عشان يقع تحت ايدك تليفون تمنه 6000 و تاخدي بالفين دا لقطة 


تابعت بحماس قائلة:

- استني استني هحمل لك عليه كل حاجة و اظبطه لك 


بدأت ورد تجمع الخيوط ببعضها البعض، حتى تأكدت من ظنونها،  جذبت الهاتف من أختها ثم قالت 

- التيلفون دا لازم يرجع 

- أنتِ يا بت يا مجنونة حد يرجع تليفون دا طب أنا هاشتري منك خدي 


بعد مرور نصف ساعة 

ولجت المحل قائلة بهدوء 

- سلام عليكم 

- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته، خير يا آنسة  التليفون في حاجة ؟ 

- اه أنا عاوزة ا رجع التليفون دا و عاوزة فلوسي لو سمحت 

- ليه ؟ 

- كدا انا عاوزة فلوسي 

-طب خلاص سبيي و بكرا عدي عليا تاخدي فلوسك 

- معلش عاوز فلوسي دلوقتي 

- حضرتك اللي خد فلوسك مشي بكرا إن شاء الله هاجيبه و اخد منه فلوسك 

- خلاص عاوزة ورقة تثبت إن ليا الفين جنيه 


بعد شد و جذب بينها و بين صاحب المحل، اتصل بـ صفوان و سرد له ما حدث، فقرر أن يأتي في الحال،  مر الوقت و انتظرته أكثر من عشر دقائق أخرى فوق العشر دقائق الماضية 

صف سيارته أسفل إحدى البنايات،  سارت تجاهُ وضعت له الهاتف و قالت 

- اتفضل يا أستاذ صفوان 


نظر لهاتفه بين يدها ثم عاد ببصره و قال 

- ليه ؟ 


ردت على سؤاله بسؤالًا آخر قائلة:

- هو إيه اللي ليه ؟ 

- ليه عاوزة ترجعي التليفون ؟ 

- أنا عرفت تمنه الحقيقي و عرفت إنه حتى لو هو مستعمل ماينزلش من تمنه الحقيقي الفرق دا كله و عشان كدا أنا آسفة مش هقدر اشتري 


حك صفوان لحيته النامية قليلًا ثم قال بإبتسامة خفيفة و هو ينظر لها 

- هو أنا مش عارف أنتِ بتفكري ازاي بس عمومًا كان نفسي ارد لك فلوسك لكن للأسف اتصرفت 


ردت بنبرة داهشة و قالت 

- لحقت تصرفها ؟!!


أومأ لها برأسه علامة الإيجاب و قال بكذب 

- أنتِ عارفة إن اختي على وش جواز و أحنا بنجهزها و أنتِ عارفة جهاز البنات 


تابع بحزن مصطنع 

- اومال أنا كنت ببيع تليفوني ليه ؟!!


تأثرت داخليًا من حديثه و صدقت ما قاله كونه ممثل بارع في أدائه، ردت عليه بما لايتوقعه حين وضعت الهاتف على سطح السيارة و قالت بإستسلام 

- طب مافيش مشكلة خلي التليفون مع حضرتك ووقت ما تيجي لحضرتك فلوس رجعها لي سلام عليكم .


كان يقف ذاهلًا مما فعلته بهِ إلى أي مكان تريد أن تأخذهُ ببرائتها تلك، صدقت ما قاله و تركت له الهاتف مع إضافة اعتذر عن مابدر منها 


عاد يجر خيبات الأمل خلفه و هي لم تختلف عنه كثيرًا جلس كلًا منهما يسرد لشقيقه عن ما حدث .



بعد مرور يومين 



واقفة كدا ليه يا اناهيد ؟ 

قالها أحد الأساتذة و هو يمر على الطابق الذي تدرس فيه أناهيد، بينما ردت هي بنبرة مختنقة قائلة 

- مستر طلال طردني برا


سألها بنبرة متعجبة قائلًا 

- وهو مستر طلال عندكم بيعمل إيه و هو مش بيدي سنة تالتة ؟! 

- واقف احتياطي و كانت البنات كلها بتتكلم قام زعق للبنات كلها و طردني أنا !!

- كدا على طول يا اناهيد و لا عملتي حاجة ؟ 


و الله العظيم يا مستر أحمد ما عملتش حاجة

حتى  اسأل البنات كلهم 

- طب تعالي ورايا نشوف الموضوع دا 



طرقات خفيفة ثم ولج بعدها الأستاذ أحمد و خلفه أناهيد،  وقف طلال احترامًا لسنه صافحه الأستاذ أحمد ثم قال: 

- صباح الخير يا أستاذ طلال  

- صباح النور يا أستاذ أحمد 

- أناهيد جاية تعتذر لحضرتك و دي آخر مرة و مش هتتكرر تاني صح يا أناهيد 

- صح يا مستر 


نبرتها وهي ترد بطريقة لم تعجبه صوتها الرقيق المبالغ فيه جعله ينفذ صبره و هو بعتذار 

- أنا آسف جدًا يا أستاذ بس حقيقي لو دخلتها ابقى ظلمت كل اللي المطردوين و ادخلهم بقى 


نظر الأستاذ أحمد لـ اناهيد و قال بتساؤل 

- أنتِ يا بت مش قلتِ إنه طردك لوحدك ؟ 

اه و الله يا مستر طردني لوحدي 

لو أنا طردتك لوحدك اومال صحابك اللي برا بيعملوا إيه ؟ 

- صحابها مين يا طلال البنت كانت لوحدها برا 

- ازاي إذا كنت طردت أربعة غيرها 



ردت عليه بذات النبرة و هي تعد على اصبع يدها قائلا بتساؤل 

- قصدك ليلي و ميرڤت و سهام و نادية ؟ 

- اه 

- دول نزلوا يشتروا حاجات و قالوا إنهم استأذنوا من حضرتك 


شفت بقى يا طلال اهي البنت احترمت وجودك وفضلت واقفة برا معملتش  زي البنات دخلها بقى عندنا مراقب بيلف و أنا دايخ من الصبح و الله 


لم يكن باليد حيلة كما يقولون وافق رغمًا عنه حتي يحرج زميله في العمل،  أشار لها بالدخول ثم قال بنبرة هادئة 

- خلاص عشان خاطرك أنت بس يا مستر أحمد 


بعد مرور عشر دقائق  


غادر طلال الفصل،  و عاد إلى محله في غرفة المدرسين،  كان يجلس حذاء زكريا لكنه لم يحدثه نهائيًا، فـ بدأ طلال حديثه هو قائلا بتعبٍ 

- هو لسه فاضل كتير على اليوم ؟ 


سأله زكريا بنبرة ساخرة 

- هو أنت أول مرة تعرف احنا بنروح إمتى ؟ 


أجابه بنبرة منهكة 

- لأ بس تعبان شوية و مش مركز معلش 


 

قرر طلال  أن يغادر الغرفة لـ يستعيد نشاطه من جديد،  غسل وجهه ثم رأسه، وقف في الهواء لعدة دقائق قبل بدء الحصة القادم  أتت

أناهيد بخطواتها الواسعة و السريعة قبل ان يغادر و قالت 

- على فكرة كان ممكن اقول للأستاذ أحمد إنك طردتني عشان عملت لك بلوك بس أنا فضلت ساكتة عشان هيبتك قدامه مترحش 


رد طلال و قال بنبرة واثقة 

و سكتي ليه روحي قولي للمدرسة كلها عادي و لابتفرق معايا أساسًا

- ماشي على العموم أنا هاشيل البلوك النهاردا عشان أختي تحضر درسها و بعد كدا هرجعك تاني 


لا خليني زي ما أنا في البلوك عشان ارتاح من وشك و بوستاتك التافهة اللي شبهك و عموما أنا مستعد اشتري لاختك تليفون بدل وجع الدماغ دا 


و لما هو وجع دماغ يا أستاذ على ما استاذ الرياضة يجي بتطلب مني افضل فاتحة لحد الفجر عشان حضرتك بتخلص ما تخلص و ابقى ابعته براختك وبعدين ابعتها و لا هو نظام  قلة أدب 


رد طلال قائلا بنبرة مغتاظة 

- تصدقي إنك فعلا قليلة الأدب قدامي على مدير المدرسة 

- موافقة يلا بينا و بالمرة يشوف الرسايل و القلوب اللي بينا في الشات  يا مستر 

- أنتِ طلعت لي من انهي داهية 

- من نفس الداهية اللي طلعت لي منها 

- أنتِ عاوزة إيه بالظبط ؟!!

- أنت هتتعدل معايا و تتكلم عدل و لا نروح للمدير يحل مشكلتنا و دخل اصحابك و ادخل صحابي و يبقى فرح العمدة ؟ 

- اتفصلي يا أستاذة اناهيد خير ؟! 

حاليًا مش عاوزة منك حاجة بس جايز في المستقبل ابقى محتاجة منك حاجة دا اولًا 


سألها بنبرة متعجبة قائلا 

- هو لسه في ثانيًا ؟! 

 ردت أناهيد متجاهلة سؤاله قائلا 

- ثانيًا بقى زي ما قلت لك قبل كدا هاشيل البلوك و اختي هتحضر الدرس عادي جدًا و هرجعك تاني قايمة البلوكات و أنت زي الباشا 

متشكر لحضرتك و الله دا كرم منك كبير عليا 


ثالثا بقى و دي الأهم تكلم المتمرد يشيلني من راسه  بدل ما احطه أنا في راسي 


اموت و اعرف الثقة اللي بتتكلمي بيها دي جايبها منين و أنتِ كلك على بعضك شبر إلا ربع 


عموما أنامبتكلمش معاه شوفي حد غيري يتكلم معاه


هتتكلم و لا ننزل للمدير  ونكلمه احنا ؟!!


أنتِ عصبية ليه بس ما كل شئ بالعقل انا بهزر معاكِ هو الواحد مايعرفش يهزر معاكِ !!


أنا مبحبش الهزار مع حد غريب و ياريت تحط حدود للكلام ما بينا أنا واحدة مبتحبش الناس يتكلموا عليها  بس أنت اللي اجبرتني على كدا 

ولولا اللي حصل صدقني مكنتش كلمتك بالطريقة دي و لا هددتك بحاجة أنازمجبرة أبقى كدا عشان ارجع حقي و أنت دخلت اللعبة غلط زيي بالظبط عمومًا اعمل اللي يريحك أنا مش عاوزة منك حاجة و مش عاوزك تكلم حد أنا هاحلها بطريقتي .

بس ارجوك ماتجبش سيرة لورد باللي حصل هي متعرفش و لو عرفت مش ها تسكت و أنا حاليا محتاجة الهدوء عشان أعرف افكر كويس 


عن أذن حضرتك 


سأل طلال حاله قائلا بنبرة حائرة 

- و بعدين فيكِ يا ست أناهيد أنتِ ؟! أنتِ كويسة زي ما المدرسين  و المدرسات بتقول 

و لا وحشة  و دا قناع ؟!



داخل مزرعة نوح 

كان صفوان يمتطى مُهرته يركض بها حيث يشاء كانت الأجواء جميلة، جميلة لدرجة أنه يريدها  الآن يريد أن يخبرها بعشقه لها، جديتها و حدودها التي دائمًا تضع مع الآخرين  تجعله يشعر بعائقًا بينه و بينها، هدأ الركض حتى توقف تمامًا ربط الخزام على أحد فرع الشجرة التي يستظل بها،  تحسس جبهة الجواد مستندًا برأسه على خاصتها ثم قال 

- آآه يا ورد لو تشوفيها، هاتقعي في حبها زيي كدا و يمكن أكتر، آآآه لو بس تديني فرصة واحدة اعبر لها عن حبي كنت عرفتها قد إيه أنا بحبها 


رفع رأسه قال بتساؤل 

- تفتكري هايجي اليوم دا ياورد ؟!و لا هايكون في أحلامي وبس ؟


ختم حديثه قائلا بإبتسامة جانبية 

- عارفة ياورد لو عرفت إني بحبها مظنش هكون عايش وقتها مش عارف ليه، حاسس إنها بعيد و قريبة في نفس الوقت تفتكري ممكن ديدا تحكي لها حاجة ؟ نفسي تحكي لها و نفس الوقت خايفة تبعد لما تعرف، دي رجعت التليفون لمجرد فهمت إني ممكن اكون بعاكسها بالطريقة دي مابالك بقى لو ديدا حكت لها، لالا كدا احسن على الأقل بوفها مرتين في الأسبوع الله اعلم لو حكت لها هايحصل إيه ؟ كفاية عليا بنطق اسمها براحتي و أنتِ معايا و قال يعني اسمك أنتِ 



لكزته المُهرة حين داعبها عند رأسها، ضحك عليها و قال 

- الله الله احنا بنغيير بقى و لا إيه ؟! عمومًا يا ستي متقلقيش غلاوتك عندي من غلاوتها لأن اسمك على اسمها، عقبال اسمي مايبقى على اسمها 


❈-❈-❈


في ليلة عيد الفطر 

كان الليلة الأخيرة للعروس في بيت عائلة المحمدي تضحك و تمرح و ترقص احيانًا مع الجدة ولاء التي لم ترحم أحد،  أتى اشقائها الأربعة بعد قضاء اعمالهم، تجمعوا في شقة الجدة بدأ الجلسة بالمزاح و الفرح و الغناء، ثم انهتها سيدرا قائلة بمللٍ 

- يلا نلعب الشايب بقى أنا زهقت 


كانت تلك الجملة هي الجملة الملعونة بالنسبة لـ طلال دائمًا تقولها و يقع هو بين براثن الأحكام الجميع عدا صفوان الذي دائمًا يرد له الصاعين صاعين .


صفوان متهزرش رقص إيه اللي ارقصه !!


قالها "طلال" وهو يحاول بشتى الطرق تغيير حكم أخيه عليه لكن فجأه " صفوان" ببروده وهو يشير بسبابته تجاه أخيه" آدم" وقال بغطرسة 

- أنا مبهزرش صفوان باشا المحمدي ماعندوش وقت يهزر بي معاك يلا ارقص مع آدم راقصة رومانسي 


اقترب " آدم " من " طلال" وقال بجدية مصطنعه وهو يضع رأسه على كتف أخيه وقال 

- يلا يا تيتو ضميني وانسي الدنيا ضميني وانسى الناس 


ابتعد " طلال" وهو يدفع  برأس" آدم " بعيدًا عن كتفه وقال بعصبية شديدة 

- دنيا مين وناس إيه اللي هنساها معاك يا متخلف !!


تنفس " باسل " بعمق وهو يشير بيده لأخيه وقال بغضبٍ جم 

- ياعم خلص أنا رجلي وجعتني  من الواقفة  ضمه يا عم آدم خلينا نخلص 

- ما هو أنا بضمه وهو مش راضي يضم اعمل إيه تاني 

- اضمك إيه ياحيوان هو أنت مراتي عشان اضمك ابعد كدا مبحبش التلزيق دا  


وقف صفوان عن المقعد وقال بجدية مصطنعة 

- أنا شايف في تهريج كتير والموصوع خدنا لمنحى تاني نفذ الحكم يا طلال واخلص دا لو عاوز تخلص 


رد طلال وقال من بين أسنانه 

- والله وبالله وتالله لو وقعت في ايدي يا صفوان ما هرحمك وهخليك تعد النجوم بالواحدة 


نظرت " سيدرا" وقالت بشفقة وعطف 

- يا حرام كفاية كدا يا صفوان تيتو اتعصب بجد  


نظر لها صفوان وقال

- بهزر أنا ؟ شايفاني بهزر مثلا ؟  دا حكم و لازم يتنفذ و دول عشر احكام واحنا يادوب في الحكم الأول 


خرجت الجدة من غرفتها على إثر صوت الأحفاد  تسألت بقلق بالغ 

- مالكم يا ولاد في إيه ؟! 


تناولت سيدرا يدها وقادتها حيث الأريكة المفضلة لديها ساعدتها في الجلوس ثم رفعت لها ساقيها وهي تقول 

- متقلقيش يا ناناه دا احنا كنا بنلعب لعبة الشايب وتيتو كان معاه الشايب وصفوان حكم عليه يرقص وهو مش راضي 


ضحكت الجدة على مزاح حفيدها الثقيل بينما تسألت بجدية مصطنعه 

- مش عاوزة ترقصي ليه يا ألفت ؟ تعبان ولا إيه !


ازداد غضب طلال ووصل عنان السماء، بينما حاول اشقائه كبح ضحكاتهم حتى لا ينفجر فيهما لم يتنازل صفوان ولم ينجح طلال في إقناعه بشتى الطرق حتى عرضه المالي المغُري لم يضعف أمامه ولأول مرة،   نفذ الحكم وهو يحذر آدم بوعيد رافعًا سبابته 

- اقسم بالله لو قلت ضميني وانسي الدنيا دي تاني لا انسيك أنا بقى الناس بمعرفتي واجبلك فقدان في الذاكرة وراسك دي متتحطش على كتفي أنت مش مراتي يا قمور 


ابتسم آدم ملء شدقيه ثم عناق طلال وقال 

- خبيني جوا حضنك يوم ودفيني 


كاد أن يكمل اغنيته لكن قاطعه نوح وهو يقف على اعتاب باب الشقة وقال بنبرته الساخرة

- يخبيك فين وحضن مين اللي تتدفى في يا نجس  منك لي أنا اساسًا كنت شاكك فيكم من البداية 



انتفضوا جميعًا و ترجعوا للخلف ما إن شاهدوا 

حزام بنطال نوح في يده،  أشار بيده تجاههم و قال 

- بقى دا منظر عيال الواحد يتباهى بيهم وسط الناس 


تابع بنبرة مغتاظة قائلا 

- بقى أنا تسرقوني و تاخدوا الفيزا بتاعتي و مقسمينها بينكم كل واحد يومين ليه هااا


رد الجميع في آنٍ واحد بنبرة مرتعشة

- مش احنا والله يا بابا دا دا دا صفوان 


ابتسم نوح ساخرًا و هو يقول 

- اهلا صفوان بيه الحرامي اللي بيشتري لبس و يقل لي دي هديتك اهلا يا بيه يا حرامي 


رد صفوان معترضًا على اللقب قائلا 


ولازمتها ايه بيه اتفضل خد احترامك يا بابا  احنا مش بنشحت 


رفع الحزام ثم سقط به على جسده و قال بغيظٍ شديد 

- و كمان ليك نفس تهزر ! 


ردت الجدة ولاء رافعة ذراعيه مانعة نوح يضرب ولده قائلة

- لم ايدك عن الواد يا واد أنت 


استغل صفوان الموقف و قال بتأواه 

- آآه يا تيتا بابا ايده تقيلة اوي 


أشار نوح بيده و قال بنبرة مغتاظة 

- خد تعال هنا يا صفوان عاوزك خد هاقل لك متخافش 


كاد أن ينفلت طلال من الجلسة لكن قبضة والده منعته و هو يقول ساخرًا 

- على فين يا مُعلم يا قدير ياللي على آخر الزمن بقيت حرامي !  


رد طلال بنبرة متلعثمة قائلا 

- عندي تصحيح يا بابا !!

- دا أنا اللي هاصحح لك نظرك دلوقت يا حرامي أنت و هو و هو وهو 


كاد أن يتحدث لكن قاطعه ناقوس الباب أشار بيده لصفوان و قال 

-افتح الباب 


فلت من ضربة والده بإعجوبة،  وجد مندوب 

سأله عن صفوان نوح المحمدي، أشار برأسه علامة الإيجاب ترك له الصندوق بعد أن دفع حسابه  استدار صفوان ثم القى بالأشياء قائلا 

- اللي عايز يهادي و اللي عايز يراضي و اجري من و بابا يا واد أنت و هو الساعة دي خد فكرة و اشتري بكرا 


كاد أن يقف والده لكنه جذب باب الشقة و غادر البيت بأكمله بعد أن أخذ ما يلزمه من الصندوق .


❈-❈-❈


في ليلة الزفاف 


كان صفوان ينظر لصورته المنعكسة في المرآة

بإبتسامة واسعة،  كان نوح ينظر لابنائه الأربعة و عيناه تكاد تدمع من فرط سعادته، ما أعجب هذا الزمن الذي جعل اصغار شبابًا، من كان يضعهم على فخذيه أمس اصبحوا رجالًا اليوم 

دائما جدته تحدثه عن الحسد و هو لا يؤمن بهِ لكن اليوم هو فعلا بحاجة أن يضع ابنائه داخل قلبه لكن كما يقول دائما لا رعاية كـ رعاية الرحمن و حفظه، وقف وسط اولاده يحدثهم و يمزح معهم ثم طلب منهم مغادرة المكان لعدم تأخرهم عن الحفل أكثر من ذلك 


ولجت سيدرا و هي تتشبث بيد و الدها و الجهة و على يمينها و شمالها اخواتها الأربعة 

كانت ليلة اسطورية جمعت كل من عشقتهم و بادلوها العشق،  اليوم ودعت حياتها في بيت أبيها و تذهب لبيت زوجها .


مرت ساعات الزفاف على الجميع في سعادة و فرح  و جاء وقت مغادرة العروس،  استقلت سيارة صفوان الكاشفة جلست مع زوجها و الإبتسامة لا تفارق شفتاها،  وضعت يدها على كتف اخيها و قالت بسعادة غامرة 

- يعيش أحلى صفوان في الدنيا كلهاااا 


حقق لها رغبتها و جلست على سيارة كاشفة رغم إعتراض والدتها،  كانت رُبى تضع يدها على قلبها و تدعو الله بأن يمر الوقت و تصل بسلام  وضع نوح يده على يد زوجته و قالت بإبتسامة رغم القلق الذي يعتري قلبه 

- متقلقيش يا حبيبتي صفوان سواق شاطر 


رددت ربى بخفوت 

- ربنا يحفظك يا صفوان يا ابني أنت و اختك و عريـ....



لم تكنل دعوتها بل حلت مكانها صرخات من حدبٍ و صوب توقفت السيارات فجاة بعد انقلاب سيارة العروسان اكثر من مرة، بعد إصطدامها بسيارة نقل أخرى، تحولت الحادث الصغير لآخر كبير تسبب في عرقلة الطريق و تدمير أكثر من سيارة على الطريق السريع  تفرق كل جسد عن الآخر،  سقطت العروس و تلخط فستانها باللون الأحمر، بينما العريس فكان بالقرب من السيارة يحاول الزحف بعيدًا عن صفوان تاركًا يعافر بجسده الخروج قبل إنفجار  السيارة .


هرع نوح تجاه السيارة مع أولاده لكن منعه الأهالي من التدخل لأنهم يحاولون فك الحديد عن باطن صفوان الذي فقد الوعي، الوقت يمر و ذاك الشاب يفعل المستحيل ليخرجه بسلام 

فعل و ابتعد به أقل من ثلاثة أمتار ثم انفجـ رت السيارة تم نقلهم جميعًا بسيارة الإسعاف 

بدأ الإسعافات الأولية لهم، و دخول ثلاثة من الجرحى غرفة العمليات .



بعد مرور عدة ساعات من القلق الشديد 

خرج الطبيب و قال بأسف 

- للأسف في حالتين مقدرناش نلحقهم و التالت محتاج معجزة عشان يعيش 


تعالت الأصوات ودوى الصراخ قبل أن يعرفوا من هم و تعالت أكثر حين قال

- العريس توفى  وواحد تاني و في حالة واحدة محتاجة معجزة حقيقـ ....


بُتر باقي حديثه ما إن إطلاق صافرت الإنذار 

ولج الطبيب غرفة الرعاية المشددة، يحاول إنعاش قلب صفوان،  حاول الطبيب اكثر من مرة معه بالصدمات الكهربائية،  نظر للشاشة 

التي لم تغير ذاك الخط اللعين الذي يؤكد بأن القلب توقف عن العمل نهائيًا.


كادت تسقط رُبى على الأرض لكن لحق بها نوح الذي يحاول التماسك لكن كل شئ حوله يخبره بأنه رحل عن عالمه من كان يحول حزن لسعادة وقفت هاجر ابنة أخيه بيجاد و قالت بصراخ قبل أن تسقط أرضًا 

- سيدرا ماتت يا عمــي 


نظرت رُبى لها ثم نظرت لزوجها وهدرت بصوتها حتى شعرت أن أحبالها الصوتية قد  تأذت قائلة بصراخ

- عيــــــالـــي 




               الــــنــهـــايــــة