رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل السادس
رواية لا أحد سواك رائفي بقلم الكاتبة سماح نجيب
تعريف الرواية...
دائماً ما تأتينا المنحة من قلب المحنة ، فأحياناً كثيرة ننظر للإبتلاء على أنه نهاية العالم ، ولكن ربما يجعل الله إبتلائك سبباً لسعادتك ، ويمنحك ما كنت تبحث عنه طويلاً وسط الزحام
لم يكن فارس أحلامها سوى أعرج وسيم ، وقع له حادث أدى لفقدانه الثقة بكل من حوله ، فهو لا يريد أن يكون عبئاً على أحد ، ولكن كيف سيجعل قلبه يطيعه بألا يقع بعشقها ؟ فلم يجد سوى أن يحاول إخراجها عن طورها بأفعاله ، لعلها تترك المنزل وترحل عنه
ولكن قد فات الأوان ، فعشقه أحتل قلبها ، وجعل كل نبضة من نبضاته تهتف بإسمه ، حتى باتت تنشد منه أن يرحم قلبها وحبها ، حتى أعلنتها صريحة بأن يرأف بها
فماذا سيحدث بين عاشقة لا ترى غيره فارسها ، وعاشق فقد الثقة حتى بنفسه ؟
تصنيف الرواية ....
إجتماعى _ رومانسى _ كوميدى _ دراما
السرد ....
باللغة العربية
الحوار......
عامى باللهجة المصرية
❈-❈-❈
الفصل السادس
٦– " لقاء مع الغرباء "
وقع بصر ماهر على زوجته ووالدته ، الجالستان تتحدثان وربما نسيتا أمره ، وهو جالس بالخارج بإنتظارهما ، أن تسمحا له بالدخول ، فوجد زوجته كانت منهمكة بالحديث مع تلك الفتاة ، التى فطن من تكون قبل أن تخبره زوجته ووالدته ، فذلك الوجه البهى الطلة ، لن يكون لأحد سوى تلك الفتاة ، التى تحدثت عنها والدته وولده أكرم
سمعت هدى صوت زوجها ، فوضعت يدها على فمها ، كتأنيب لها على تركه ونسيان أمره ، فردت قائلة بإعتذار :
– معلش يا حبيبي الكلام اخدنا ونسيت انادى عليك
تقدم ماهر بخطواته داخل الغرفة ، فإستيقظت نعمة على الأصوات الدائرة بالغرفة ، فرأت خالتها وإبنها وزوجته ، فوقف ماهر قريباً من سرير المشفى المستلقية عليه نعمة بوجه شاحب أقرب للموتى
فخرج صوته حانياً ومواسياً :
– ألف سلامة عليكى يا نعمة ربنا يشفيكى ويعافيكى يارب
ردت نعمة بصوتها الذى خرج بالكاد من بين شفتيها الثقيلتان بالألم والمرارة:
– الله يسلمك وتسلم يارب وتسلموا على مجيتكم لهنا
أقتربت هدى وربتت على كتفها وهى تبتسم إبتسامة صافية ، ولكن بعينيها سحابة من الألم على رؤيتها لها هكذا:
– إحنا قولنا نيجى نشوفك والف سلامة عليكى وربنا يشفيكى ويعافيكى يارب وتقومى بالسلامة
أسرعت سجى بمساعدة والدتها لتعتدل بجلستها فى الفراش ، فردت نعمة بعدما إستطاعت الجلوس براحة :
– تسلموا يا رب من كل شر وتسلموا على اللى انتوا بتعملوه معانا
رد ماهر مبتسماً:
– متقوليش كده احنا اهل هى العسولة دى بنتك
نظرت نعمة لإبنتها وهى تقول بإبتسامة فخورة :
– أيوة دى سچى بنتى
رمقها ماهر بود وهو يقول :
– أهلا يا سچى الف سلامة على مامتك
أبتلعت سجى ما أمكنها من لعابها ، تشعر بدماء الخجل تكاد تلهب وجهها وهى تجيبه بصوت منخفض :
– الله يسلمك واهلا بحضرتك نورتونا أتفضلوا أقعدوا
بعدما أخذ كل منهم مكانه ، عاود ماهر سؤالها :
– وأنتى بتدرسى فى كلية ايه يا سچى ؟ لأن شكلك كده بيقول أنك لسه بتدرسى
أماءت سجى إيماءة خفيفة وهى تقول بتهذيب كعادتها:
– أيوة لسه بدرس فى كلية علاج طبيعى
نظرت لها هدى قائلة بإعجاب :
– بسم الله ماشاء الله ربنا يوفقك يا حبيبتى وتتخرجى على خير
أهدت سجى هدى إبتسامة خجولة وهى تقول:
– شكراً وتسلمى يارب
كلما وجدتها هدى تتحدث وتعاود تخفض بصرها أرضاً ، تبتسم تلقائياً ، فكأن برؤيتها لسجى ، أحييت بنفسها تلك الأمنية ، التى كانت تحلم بها ، من أن يرزقها الله بإبنة ، ولكن أراد الله لها أن تنجب أولادها الذكور الثلاثة ، فتذكرت عندما أخبرتهم والدة زوجها ، بأن إذا أراد الله لنعمة بالرحيل عن هذا العالم ، ستحيا سجى بكنفهم ، فأشفقت على حالها وهى ترى والدتها هكذا ، ولكن الله قادر على كل شيء
خرجت هدى من شرودها على صوت زوجها وهو يقول :
– طب انتوا محتاجين اى حاجة انتوا بس تؤمروا
ردت نعمة قائلة بإمتنان :
– ربنا يباركلك يا رب
حثتها صفية على إن كان لديها ما تريده ، فما عليها إلا أن تخبرهم به وسيكون لها ما أرادت :
–لو محتاجة اى حاجة يا حبيبتى قولى متنكسفيش دا إحنا أهلك
ربتت نعمة على صدرها وهى تجيبها :
– ربنا يباركلكم يارب وتسلموا على زيارتكم ، وربنا يزيدكم من نعيمه
بعد مرور ساعة تقريباً ، نهض ماهر من مكانه وتبعته زوجته ووالدته ، فهم أطمأنوا على تلقى نعمة لكل وسائل الراحة بالمشفى ، وأنصرفوا عائدين للمنزل ، مع وعد بمجيئهم مرة أخرى لزيارتها ، فبعد رحيلهم جلست سجى بجانب والدتها على الفراش ، وظلتا تتحدثان وقتاً لا بأس به ، حتى عادت نعمة لنعاسها ثانية ، وعادت سجى تجلس على الأريكة تقرأ القرآن الكريم ، وبعد ذلك بدأت بقراءة أحد الكتب ، التى أوصت جارتهما عزة بإحضارهم لها ، لتقضى أوقات فراغها بقرائتهم ، فهى تعشق القراءة
❈-❈-❈
ظل شادى يتابع ردود أفعال شقيقه رائف ، فوالدته قد أوصته بضرورة حضور الجلسات معه ، ليتفادى وقوع شجار بينه وبين الطبيب ، الذى ينفس به رائف جام غضبه وضيقه ، فهو يعلم أن شقيقه يصيبه السأم ، بسبب تلك الجلسات ، التى لا يرى منها فائدة ، ولكنه يخضع لها إرضاءًا لوالديه
بعد إنتهاء الطبيب ، نظر لرائف قائلاً بهدوء:
– تمام كده احنا خلصنا النهاردة
– فى تحسن فى حالته يا دكتور
قالها شادى وهو ينظر لرائف بحذر
فأجابه الطبيب وهو يومأ برأسه :
– أيوة طبعا بس لو رائف يبطل عصبية ونرفزة يبقى أحسن
أشتعلت عينى رائف بالغضب ، ورد قائلاً بإنفعال عصبى :
– وأنا عملت ايه ما أنا بعمل الجلسات وأنا ساكت أهو ومتكلمتش
شد شادى على كتف شقيقه وهو يقول بلين :
– مش كده يا ابيه ميصحش كده
رد الطبيب متفهماً :
– وهو ده اللى بقول عليه انك بتعمل الجلسات تقضية اوامر مش برغبة منك
وصل رائف لحافة صبره ، فرد قائلاً بنزق :
– أظن أنت ملكش حق تدخل فى رغباتى أنت تشوف شغلك وبس أنت فاهم
شهق شادى بخفوت ، وحاول التخفيف من حدة أقوال شقيقه ، فنظر للطبيب مقدماً إعتذاره نيابة عن شقيقه:
–سورى يا دكتور على عصبية أخويا ، أتمنى متزعلش منه
لملم الطبيب المعالج أغراضه ، فأجابه بطيف إبتسامة :
– أنا مقدر حالته واللى هو فيه لأن فى مهنتى قابلت زيه كتير ، فربنا يشفيه عن اذنكم
خرج شادى برفقة الطبيب وهو يقول :
– مع السلامة يا دكتور
بعدما أنهى شادى مهمته بإيصال الطبيب لباب المنزل ، عاد لشقيقه مرة أخرى ، وساعده بالذهاب لغرفته ، واجلسه بمقعد بجوار فراشه ، فنظر له قائلاً بعتاب:
– إحنا قولنا ايه يا ابيه وبعدين بقى انت بقيت عصبى جداً يا
صاح رائف بوجه شادى قائلاً:
–فى ايه انت كمان ، اوووووف كله عمال يقول عصبى عصبى ومحدش حاسس باللى انا فيه
أقترب شادى من مقعده وجثى على ركبتيه بجواره ناظراً له بحنان وقال :
–والله يا ابيه عارفين وحاسين وعايزين نساعدك بس انت مش بتساعد نفسك
أراد رائف أن ينهى الحديث ، فرفع يده يشير لشادى بأن يكف عن الكلام ، فقال بأمر :
– كفاية كلام يا شادى اسكت بالله عليك انا مش ناقص اللى فيا مكفينى
ألتزم شادى الصمت ، فهو لا يريد أن يثير المزيد من حنق وإستياء رائف ، والذى ربما وصل لحافته الآن ، ولكن لم يدوم الصمت بينهما طويلاً ، إذ وجدا والدتهما وجدتهما تدلفا الغرفة ، بعد عودتهما من المشفى
فوضعت هدى حقيبة يدها ، وأقتربت من رائف وقبلته على رأسه وهى تقول بحنو بالغ:
–حبيبى عامل ايه دلوقتى يا قلب ماما
رد رائف قائلاً بفتور :
– الحمد لله يا ماما
أقتربت صفية من شادى وهو تقول :
– هو الدكتور مشى ولا ايه يا شادى
حرك شادى رأسه صعوداً وهبوطاً وقال :
– أيوة مشى بس بعد ما أبيه اداله دش بارد كالعادة وخلاه خارج قفاه يقمر عيش من الإحراج
زفرت هدى بتعب من أفعال رائف ، فرمقته قائلة بعتاب :
–وبعدين يا رائف فى اللى انت بتعمله ده هو ده اتفاقنا مع بعض
أطرق رائف برأسه أرضاً قائلاً بإحباط:
– فى ايه يا ماما بس انا معملتش حاجة هو اللى بيدخل فى حاجات ملوش فيها
دلك شادى مؤخرة عنقه وهو يقول:
–هو عايز يساعدك يا ابيه علشان تخف بسرعة
رد رائف بعصبية كعادته :
–خلاص بقى بالله عليكم ارحمونى شوية انا مبقتش مستحمل كلام من حد
تتابعت لمسات هدى الحانية على كتف رائف ، لتجعله يهدأ فقالت بإستسلام :
– خلاص هنسيبك ترتاح بس حاول يا حبيبى تبطل عصبية
أتخذ رائف الصمت ملاذاً له ، فهو لا يرغب بأن يفه بكلمة أخرى ، فالكلمات صارت شاقة على لسانه ، كأن الحديث أصبح يسبب له الألم والوجع أكثر من الصمت
حاول شادى تغيير دفة الحديث ، فنظر لجدته متسائلاً:
– صحيح قريبتك يا تيتة عاملة ايه دلوقتى
كسا الحزن وجه صفية وردت قائلة وهى تبحث عن مقعد لتريح عظامها الهرمة :
– والله دى تعبانة أوى يا شادى وحالتها صعبة أوى
قالت هدى هى الأخرى :
– ربنا يشفيها دى صعبت عليا أوى فعلاً ربنا يشفى كل مريض
فقال شادى ممازحاً ، لعله يصرف عنهما الحزن :
شادى.....وبنتها عاملة ايه هى كمان ، حلوة يعنى يا ماما علشان تجوزيهالى وتفرحى بيا
تبسمت هدى على مزاح شادى فردت قائلة :
– الحمد لله دى طلعت بنت يا شادى الله اكبر عليها ادب واخلاق وتدين وهى عسولة ، بس دى اكبر منك يا شادى
أكسب شادى صوته نبرة درامية :
–يا خسارة يا ماما ليه كده تواجهينى بالحقيقة ، أن أنا لسه صغير
قرصت هدى وجنته قائلة بلطافة :
– بس انت خلص كليتك الأول يا فالح
أسند رائف رأسه لطرف مقعده وهو ينظر لوالدته متسائلاً:
– هو بابا فين هو مش كان معاكم فى المستشفى
أجابته والدته :
– راح الشركة يخلص شغل مهم
نهضت صفية من مكانها وهى تقول بصوت مرهق :
– أنا هروح أوضتى أرتاح شوية عن اذنكم
نظر لها هدى وردت مبتسمة :
– أتفضلى يا ماما
عادت ببصرها لولديها وقالت وهى تمسد على خصيلات رائف ، الذى عمل على إغلاق عيناه :
– أجبلكم حاجة تاكلوها يا حبايبى
رد شادى قائلاً بتفكه :
–ياريت يا ماما والله انا شايف ديك رومى فى التلاجة ياريت تجبيه نتسلى فيه كده شوية
فتح رائف عيناه ونظر لشادى قائلاً بغرابة :
– هتتسلى بديك رومى بحاله يا شادى ، طب فى العشا هتعمل إيه هتاكلنا
قهقه شادى على قول شقيقه ، فرد قائلاً وهو يمسح بيده على بطنه المسطحة :
– هنقنق كده على ما بابا وابيه اكرم ييجوا انت عارف بقى انى بجوع بسرعة الصاروخ
هزت هدى رأسها بيأس من مزاح ولدها الصغير ، إلا أنها قالت بإبتسامة هادئة:
– خلاص هخليهم يعملولكم شوية ساندوتشات تتسلوا بيها وابعتلكم معاها عصير الفراولة اللى رائف بيحبه
أصدر شادى صوتاً بشفتيه ، كأن يتلذذ بمذاق الطعام قائلاً:
– ياريت يا ماما يكون برميل عصير الجو حر ، أى حاجة تطرى على قلب الواحد
لم يفلح رائف بكتمان إبتسامته على ما قاله شادى ، فهو لا يمل من المزاح والتفكه بنوادره ، طالماً هو جالساً معهم ، فشادى لا يعد كونه شقيقه الأصغر فقط ، ولكن يشعر بأنه ولده ، الذى قام بتربيته ودلاله بجانب أبيه ، وكونه الصغير بالمنزل حصد محبة الجميع ، فلا أحد منهم يستطيع أن تحيا بدون سماع طرائفه ، أو تلك النكات التى يلقيها عليهم ، حتى تجاربه المعملية والتى تنتهى بكارثة ، أصبحوا معتادين عليها ، ويشعرون بأن يومهم ينقصه شئ هام ، إذا لم يجرى شادى إحدى تجاربه
❈-❈-❈
كأن ما أصاب خطيبها والذى كان من المفترض أن يكون زوجها بعد بضعة أشهر ، لم يعد يعنيها ، فهى مازالت ترتاد النادى الرياضى ، وتقيم تلك الجلسات الفكاهية مع أصدقاءها ، فهى لا تبالى بأحد ، فما تضعه بأولوياتها هو كيفية الترفيه عن ذاتها غير عابئة أو مبالية بأحد أخر ، ولكن أفعالها تلك لم تزد صديقتها نيللى سوى سخطاً عليها
ولكنها إستطاعت الحفاظ على هدوء نبرتها وهى تقول بتساؤل :
–يعنى انتى يا مايا مشفتيش رائف خالص بعد الحادثة ولا روحتى اطمنتى عليه لما رجع البيت
حركت مايا رأسها برتابة وهى تنظر لوائل فقالت ببرود :
–لا مشفتوش من ساعة ما قالى على اللى حصله وانه ممكن ميقدرش يمشى على رجله
عقدت نيللى حاجبيها وقالت بإمتعاض :
–ازاى يعنى ده خطيبك وانتى لازم تطمنى عليه دى الحادثة بقالها حوالى ٣ شهور ده كله ومبتسأليش عليه خالص ليه كده يا مايا
خلع وائل نظارته الشمسية وهو يقول بسخرية :
–يعنى انتى عيزاها تدفن عمرها وشبابها مع واحد مبيمشيش وعاجز انتى هبلة ولا ايه دى تعيش أميرة مش تعيش معاه ممرضة تخدمه
تجاهلت نيللى قول وائل ، فعادت ببصرها لمايا وتساءلت :
– هو انتى مش بتحبيه يا مايا ؟
إرتشفت مايا من كوب المشروب البارد ، فقالت وهى تنظر لنيللى بتمعن :
–اظن هو فهم دلوقتى ان اللى بينا انتهى خلاص انا مقدرش اتحمل ده كله وانتى عارفة انا مليش فى جو التضحيات ده
رمقتها نيللى بإشمئزاز قائلة :
– دا أنتى طلعتى أنانية أوى معقولة فى كده
ألتوى ثغر مايا بإبتسامة وقالت بسخرية :
– دا أنتى بقى صحيح زى ما قال وائل ان كانت عينك منه
رفع وائل يده وأشار لنيللى وهو يقول :
– مش قولتلك مصدقتيش انتى مشفتيش كانت بتبصله ازاى
صفعته نيللى على ظاهر يده وهى تصيح بوجهه :
– ياريت تخرس أنت يا استاذ لولو بلاش أنت تتكلم أحسن وأنت اصلا الواحد يحس أنك لا مؤاخذة يعنى متفرقش كتير عن البنات
لمست مايا ذقن نيللى بطرف سبابتها ، فقالت بعدم إكتراث:
–على العموم يا حبيبتى أهو عندك اشبعى بيه أنا خلاص مبقتش عيزاه لو عيزاه اتفضليه بالهنا والشفا على قلبك يا روحى
ردت نيللى قائلة وهى تزيح يد مايا بجفاء :
–حد قالك أن أنا باخد فضلتك يا مايا انا كان بس صعبان عليا انه حبك وانتى فى اول اختبار ليكى بعدتى واتخليتى عنه ومهتمتيش بحاجة غير نفسك وبس
أنكمشت ملامح وجه مايا بتعبيرات الأسف المصطنعة وقالت :
– ياريت بلاش الحكم والمواعظ دى خليها لنفسك تنفعك احسن مش انتى اللى هتحاسبينى او توعظينى يا ست نيللى
قطع حديثهما صوت رنين هاتف مايا ، فرفعت الهاتف عن الطاولة وإبتسمت لرؤية إسم هانى يضئ شاشة الهاتف ، فوضعته على أذنها وهى تقول برقة ونعومة:
– هاى يا هانى
جاءها صوته متلهفاً متسائلاً:
– أنتى فين دلوقتى يا مايا وحشتينى أوى
داعبت أطراف شعرها المسترسل على كتفها وهى تقول بغنج :
– فى النادى مش هتيجى ولا ايه ، تعال بسرعة ومتتأخرش
رد هانى قائلاً:
– شوية وجايلك يا قمر مسافة السكة
بعد أن أنهت مكالمتها ، حدقت بها نيللى من رأسها لأخمص قدميها وتعبيرات الإشمئزاز والإستياء جلية على وجهها ، فقالت بسخرية فجة :
–مضيعتيش وقتك سيبتى رائف لقيتى بديل بس يا خسارة البديل اللى لقتيه ميجيش حاجة فى رائف
نفخت مايا بضيق ، فصاحت فى وجهها بغضب :
–على فكرة أنا ابتديت اتخنق منك لو كده بلاها الصحوبية دى خالص انتى زهقتينى
نهضت نيللى من مكانها وأخذت حقيبتها ، وقالت وهى تنظر لها بإحتقار :
–على رأيك انا منفعش اصاحب واحدة زيك انانية ومعندهاش دم ولا اخلاق
ذهبت نيللى وتركت مايا مذهولة من حديثها ، فتأكل مايا الغيظ مما سمعته منها ، ودل على ذلك ملامح وجهها التى أحتقنت بدماء الغضب ، يكاد عقلها يحرضها على الذهاب خلف نيللى وأن تتشاجر معها رداً على إهانتها لها
إلا أن وائل حاول صرف غضبها ، بأن قال بتملق كعادته :
–سيبك منها دى بت حقودة وبتغير منك علشان انتى احلى منها ، متفوريش دمك اهى غارت فى داهية
أطاحت مايا بكوب مشروبها وهى تقول بغيظ :
– أنا اللى غلطانة أن أنا صاحبت واحدة زيها اصلاً ، فى ستين داهية أنا مش عارفة ايه الاشكال دى لاء وكمان عمال تدينى حكم ونصايح
ربت وائل على يدها بنعومة وهو يقول بنبرة ذات مغزى ولا تخلو من الإطراء :
– دى هبلة أصلها مش عارفة أنك أميرة وهتفضلى أميرة على طول ، غيرة بنات بقى يا ستى ، المهم متزعليش نفسك أنتى
سحبت مايا يدها من أسفل كفه ، فهى بدأت تشعر بالقلق من تلك اللمسات الحانية ، فهى وإن كانت تعلم أنه يفعل ذلك من باب الترويح عنها وجعلها تنسى ما حدث بينها وبين نيللى ، إلا أن القلق تسرب لداخلها ولا تعلم سبباً له ، ولكن ما أنقذها من أفكارها هو مجئ هانى ، الذى أتخذته حجة للقيام من مكانها وترك وائل ، الذى ظل جالساً مكانه يرمقها بنظرات مبهمة
❈-❈-❈
بات الحزن رفيقها بكل أوقاتها ، فمنذ علمها بما حدث مع شقيقتها وزوجة أبيها الأولى ، وهى أصيبت بحالة من الحزن والإكتئاب ، علاوة على جفاء والدتها معها ، فهى أتخذت من غرفتها ملجأ لها بعيد عنها ، حتى لا تتصادم معها بشجار أو ما شابه مثلما يحدث منها بالعادة ، ولكنها تركت غرفتها مكرهة من أجل تناول الطعام ، ولشعورها بالإطمئنان لوجود أبيها
ظلت أروى تناول طعامها بصمت ، إلا أنها حاولت إستعطاف والدتها بقولها :
– ماما أنتى مش هتروحى تشوفى طنط نعمة فى المستشفى دى تعبانة أوى
أبتلعت فادية ما بجوفها من الطعام ، فتشدقت بسخريتها :
– وأروح ليه يعنى هى بتحبنى أوى أروحلها ولا بطيق تبص فى وشى
وضع حامد الملعقة من يده وهو يقول بنهدة حزينة :
–بس دى تعبانة أوى ومحدش ضامن عمره يا فادية
ردت فادية بعدم إكتراث:
– ربنا يشفيها يا سيدى عايز حاجة تانية بقى ، سيبونى أكل اللقمة بقى أنت وبنتك بلاش السيرة الغم دى على الأكل
رمقت أروى والدتها وقالت بحزن :
– سچى صعبانة عليا أوى نفسيتها تعبانة خالص بسبب حزنها على مامتها
قالت فادية وهى تشهق وتبتسم بسخرية :
– ميصعبش عليكى غالى يا حبيبتى صحيح يا حامد لو نعمة ماتت بنتك هتروح فين وهتعيش فين
ردت أروى قائلة برجاء :
–خليها يا بابا تيجى تعيش معانا هنا مينفعش نتخلى عنها او نسيبها فى محنتها
ألقت فادية ملعقتها على الطاولة وهى تصيح بإعتراض :
– نعم تيجى فين يا حبيبتى ان شاء الله ايه اللى انتى بتقوليله ده يا بت انتى
زفر حامد تباعاً ، فرد قائلاً بإستياء واضح :
– ريحى دماغك يا فادية ومتخافيش أوى كده نعمة موصيانى لو جرالها حاجة انى اخلى خالة نعمة تاخد سچى تعيش عندها
قطبت فادية حاجبيها وتساءلت :
– خالة نعمة مين دى كمان ؟
أجابها حامد بصوت منخفض :
حامد.....دى خالتها الوحيدة وهى موصياها على سچى انها تخلى بالها منها لو جرالها حاجة ، وتاخدها تعيش معاها
أطمأنت فادية بعد سماع قول زوجها ، فردت قائلة وهى مطمئنة البال :
– طيب إذا كان كده ماشى ربنا معاها
عند هذا الحد ، وأنفجرت أروى بحديثها المستهجن لأقوال وأفعال والدتها :
– ارتحتى لما سمعتى انها مش هتيجى هنا مع ان ده بيت ابوها واولى بيها ، ومبسوطة أنها راحة تعيش فى وسط ناس أغراب عنها وأبوها لسه عايش على وش الدنيا
نهضت فادية من مكانها بعدما رآت إبنتها تنظر لها كهرة متوحشة ، فهدرت بصوت العالى :
–بيت أبوها مين يا عنيا ده بيتى أنا وأنتى بقيتى تقلى أدبك احترمى نفسك احسن ما اربيكى من اول وجديد ، ويلا غورى روحى على أوضتك عيلة قليلة الأدب
دبت أروى الأرض بقدميها ، فإلى متى ستظل تعانى من أفعال والدتها ؟ فهى فقدت شهيتها على الرغم من شعورها القارص بالجوع ، ولكن لم تعد تحتمل الجلوس معها بمكان واحد وترى بوادر السعادة على وجهها ، من أن سجى ستحيا بكنف الغرباء ولن تحيا معهم هنا بمنزل أبيها ، والذى كان أحق بها من أى مكان أخر ، ولكنها تعلم خير العلم ، أن ذلك لن يحدث طالما أبيها مازال خانعاً وخاضعاً لوالدتها ولا يرد لها أمراً
❈-❈-❈
ذهبت ريهام للاطمئنان على أحوال سچى ووالدتها بعد علمها أنها تم حجزها بمشفى أخر ، بعد تدهور أوضاعها الصحية ، فهى زارتها من قبل بالمشفى الحكومى ، ولكنها علمت أنها أنتقلت لمشفى أخر تابع لأحد أقاربها ، ولكنها أرجأت سؤال سجى عن ذلك ، حتى يحين الوقت المناسب
إبتاعت لسجى الحلوى التى تحبها ، فهى تشعر بالحزن الشديد لما أصاب صديقتها المقربة ووالدتها ، فسجى لا تعد كونها صديقتها فقط ، فهى شقيقتها التى لم تنجبها والدتها ، فهى الأقرب لها ، بل وأنها صديقتها الوحيدة
ولجت ريهام الغرفة ، وألقت التحية على سجى ، وأقتربت من فراش نعمة وقبلتها على وجنتها وهى تقول بحنان :
– ألف سلامة عليكى يا طنط نعمة ربنا يشفيكى ويعافيكى يارب وتقومى بألف سلامة
ربتت نعمة على يد ريهام وقالت مبتسمة :
– الله يسلمك يا بنتى وتسلمى يارب
إلتفتت ريهام لسجى وهى تسألها بإهتمام :
– عاملة ايه يا سچى دلوقتى ؟
ردت سجى قائلة بعد أن زفرت بإرهاق نفسى وبدنى :
–الحمد لله نحمد ربنا يا ريهام
أقتربت منها ريهام ووضعت إحدى يديها على كتف سجى فقالت بإبتسامة :
– أنا جيت اطمن عليكى وكمان افرحك ان النتيجة طلعت
تألقت عينىّ سجى ببريق الإنتظار ، فسألتها بلهفة :
– بجد وعملنا ايه فى النتيجة ، والتقدير ايه يا ريهام
إزدادت إبتسامة ريهام إتساعاً وردت قائلة:
ريهام..... الحمد لله يا سچى نجحنا و التقدير جيد جداً لينا احنا الاتنين
رفعت سجى كفيها وهى تتضرع بالشكر لله :
– الحمد لله ألف حمد وشكر ليك يا رب الحمد لله
أبتهجت نعمة لسماع تلك الأنباء السعيدة ، التى ربما جاءت بوقتها ، فهى كانت تريد أن تستمع لخبر نجاح إبنتها ، قبل أن يوافيها الأجل ، الذى تشعر بدنوه منها
فرفعت رأسها قليلاً عن الوسادة وهى تقول بسعادة :
– ألف مبروك يا حبايبى عقبال التخرج ان شاء الله ، الحمد لله أطمنت على نتيجتك يا سجى
رفعت ذراعيها ودعت إبنتها لتقترب منها ، فلبت سجى نداءها وغاصت بين ذراعىّ والدتها ، التى راحت تقبل رأسها مراراً وتكراراً ، وهى تردد عبارات الشكر والحمد لله ، فبعد اطمئنان ريهام عليهما وتفقد أحوالهما عادت الى منزلها ، فسچى وإن كانت سعيدة بنجاحها ، إلا أن الحزن يكتنف روحها وعينيها التى لا تكف عن ذرف الدموع
سمعت صوت أذان العشاء ، فقامت وتوضأت وأدت فرضها كعادتها ، وبعد أن انتهت ، سمعت صوت والدتها تناديها :
–سچى سچى
أقتربت سجى منها وأنحنت إليها قائلة بطاعة :
–أيوة يا ماما عايزة حاجة يا حبيبتى
أماءت نعمة برأسها وقالت بوهن :
– عايزة اتوضا علشان أصلى أنا كمان
مسدت سجى على رأس والدتها وقالت بحنان :
– بس أنتى مش هتقدرى تقومى أنا هجبلك حاجة تتوضى وأنتى على السرير ماشى
ساعدتها سچى بالوضوء ، فجلست نعمة بالفراش وأدت صلاتها ، وبعد إنتهاءها من الدعاء لإبنتها ، أشارت لمكان بجوارها ، فنادت سجى لتجلس بجانبها
فبعد أن أتخذت سجى مكانها بجوار والدتها ، طوقتها نعمة بذراعيها وجعلتها تتوسد صدرها ، فظلت تربت عليها بحنان وهى تقول وعيناها تنسكب منها الدموع:
– سچى يا حبيبتى انا عيزاكى تاخدى بالك من نفسك ، وعيزاكى تسمعى كلام خالتى صفية ماشى يا حبيبتى،اسمعى كلامى يا سچى علشان أنتى معاها هتبقى فى الحفظ والصون وربنا يا بنتى يكتبلك الخير والسعادة دايما اوعدينى يا سچى انك تسمعى كلامها ولو مت يا سچى أبقى خليهم يدفنونى جنب امى الله يرحمها
وصايا والدتها لم تزدها سوى شعوراً بالقلق والخوف ، فأنهمرت دموعها وهى تقول بنهنهة :
سچى بقلق.....بتقولى ليه كده يا ماما متقلقنيش عليكى ، و متقوليش كده محدش هياخد باله منى غيرك انتى يا حبيبتى ان شاء الله ربنا هيشفيكى وتقوميلى بالسلامة
مدت نعمة يدها ومسحت دموع سجى وإبتسمت فى وجهها وهى تقول :
– المهم يا حبيبتى زى ما وصيتك اسمعى كلامها ماشى يا سجى أنا عارفة أنك مطيعة وهتنفذى كلامى
حركت سجى رأسها بالإيجاب وقالت بصوت متحشرج :
– حاضر يا ماما هسمع كلامها
قالت نعمة وهى تبتسم برضا :
– أنا دلوقتى أرتحت أنا عايزة أنام
تركت سجى مكانها ودثرت والدتها بغطاء الفراش الخفيف ، فأنحنت وقبلت جبينها وهى تقول بوداعة :
– نامى يا حبيبتى ولو عاوزة أى حاجة نادى عليا
تأملتها نعمة ملياً ، وتلك الإبتسامة الهادئة لم تفارق شفتيها ، ولكن بعد برهة أسدلت جفنيها بعد دعاءها لإبنتها بصلاح الحال ، ونطقت الشهادتين بصوت منخفض وأسلمت روحها لبارئها بعد أن أذن الله لها بالرحيل عن هذا العالم
جلست سجى على الأريكة الجلدية المواجهة للفراش وهى يتأكلها القلق والخوف ، بل أن الوساوس ظلت تنخر عقلها ، فكلما تدرأها عنها وتستعيذ بالله ، يعود ويصرخ ذلك الصوت بأذنيها بأن والدتها قد فارقت الحياة ، ولكن تعود وتمنى نفسها بأن والدتها غافية بسبات عميق وهادئ ، ولكن بتزايد شعورها بالقلق
أقتربت من الفراش وهى تناديها بصوت منخفض :
– ماما ماما
ولكن لم يأتيها رداً منها ، فأعادت الكرة مرة أخرى وهى تمد يدها توكز كتفها برقة :
– ماما ردى عليا انتى مبترديش عليا ليه ماما ماما
نهش الخوف قلبها ، وبدأت أدمعها تتساقط بغزارة ، فأخذت يد والدتها وعندما أفلتتها ، سقطت على الفراش دون حراك ، معلنة أن والدتها قد فارقت الحياة
ركضت سجى خارج الغرفة كالمجذوبة ، بعد تلك الصدمة التى تلقتها ، لعلها تجد طبيب يخبرها بأن والدتها ربما بغيبوبة ويكذب حدسها ، فوجدت أكرم أتياً عبر الرواق
فأقتربت منه وهى تقول بلهفة ورجاء :
– دكتور أكرم لو سمحت تعال معايا شوف ماما فيها ايه
هرول أكرم بخطواته وتبعها حتى وصلا للغرفة ، فأقترب من سرير المشفى وبعد أن تم فحصه لنعمة ، أعتلت وجهه ملامح الأسف ، ولكن علمت سجى أنه سيخبرها الآن بما حاولت هى تكذيبه ونفيه
فوضعت يدها على فمها ووجنتيها رطبتان من أثر دموعها ، فقالت برجاء :
– أبوس ايدك بلاش تقول إنها ماتت
رد أكرم قائلاً بأسف :
– أنا اسف البقاء لله
صرخت سجى وأنحنت على جسد والدتها تضمها وصوتها يمزق نياط القلوب :
– لااااااء ماما ردى عليا هتسبينى لمين ماما ماما
حاول أكرم منعها مما تفعله ، فهتف بها بلين أمراً إياها بلطف:
– مينفعش كده يا أنسة سجى لكل أجل كتاب شدى حيلك أنتى مؤمنة ودا أمر الله
كفت سجى عن الصراخ ولكنها لم تبتعد عن والدتها ، فظلت تبكى بصمت فى حين أن أكرم هاتف والده وأخبره بما حدث ، فأسرع ماهر وزوجته ووالدته بالذهاب للمشفى ، وذهب حامد وأروى بعد علمها بخبر وفاة نعمة
جلست سجى بصمت ، كأنها أصيبت بضربة قوية على رأسها أصابتها بما يشبه الغيبوبة ، فهى تنظر لكل الحاضرين وكأنها لا ترى أحد ، فهذه اطول ليلة مرت عليها بحياتها ، ومرت كأنها دهر بأكمله ، فعندما أتى الصباح ، كان جثمان نعمة جاهزاً لمؤاها الاخير ، فتم دفنها بجانب والدتها مثلما أوصت إبنتها قبل مماتها
وقفت سجى كالأموات ، فهى لا تعى سوى شىء واحد ، وهو أن من كانت تنير حياتها قد ذهبت إلى غير عودة ، فبعد أن تم دفن والدتها الحبيبة وذهب الحاضرين ، جثت على ركبتيها أمام قبر والدتها ، تشعر كأن روحها هى من غادرت جسدها
فمسدت بيدها على التربة الرطبة بحنان وهى تقول ببكاء :
– كده يا ماما سبتينى وأنتى عارفة إن أنا مليش غيرك أعيش ازاى فى الدنيا دى من غيرك هسمع مين بيدعيلى اشوف مين بيضحك فى وشى كل يوم الصبح لما افتح عينى ، الله يرحمك يا ماما ويصبرنى
وضعت وجهها بين راحتها وأجهشت بالبكاء المرير ، فأشفقت صفية على حالها ، فجلست بجانبها وضمتها إليها تربت عليها بعطف وهى تقول بحنو بالغ:
– قومى يا حبيبتى كفاية كده يلا علشان نمشى ، وإستهدى بالله يا سجى
إستكانت سجى بين ذراعىّ صفية وقالت بفؤاد ممزق :
– ماما خلاص سابتنى فى الدنيا دى لوحدى
راحت صفية تمحى دموع سجى بكفها وقالت :
– متقوليش كده انا جنبك وكلنا هنبقى معاكى يا حبيبتى يلا بينا
نهضت صفية من مكانها وأخذت كف سجى بين يدها الحانية ، فعلى الرغم من شعورها بالألم والمرارة لفراق والدتها ، إلا أنها شعرت بحنان ومودة صفية ، وهذا ما جعلها تأمن جانبها بعد خوفها ، فبعد قضاءها ايام العزاء بقلب ممزق وروح تهفو الى والدتها وعيون باكية ، حتى أصبحت بلون الدم ، اصرت سچى على عدم ترك منزل والدتها الا بعد مرور شهر على الأقل ، فهى تريد ان تحيا مع ذكريات والدتها
إلا أن صفية حاولت أن تثنيها عن قرارها فهتفت بها بلطف :
– العزا خلص يا حبيبتى يلا علشان نروح البيت عندنا
أطرقت سجى برأسها أرضاً وقالت بإستحياء :
– ممكن بس أفضل هنا شوية أنا مش هقدر أسيب البيت وأمشى دلوقتى ومش همشى من هنا إلا بعد شهر
نظر لها ماهر متسائلاً:
– ليه يا بنتى عايزة تقعدى لوحدك ده كله ؟
قبل أن تهم سجى بالرد عليه ، قالت هدى بتشجيع :
– مينفعش تقعدى لوحدك يا حبيبتى ، وأنتى إن شاء الله هتبقى مبسوطة بالقعدة عندنا
طال صمت سجى ، فهى لا تعلم كيف تخبرهم بأنها يشق عليها الخروج الآن من المنزل وترك حياتها وذكرياتها ، فهى ليست على إستعداد للذهاب لمنزل لم تراه من قبل ، فحدقت بها صفية بتفهم ، ووافقت على مطلبها حتى انها ستظل معها بالشقة حتى لا تشعر بالوحدة
فنظرت صفية لولدها وزوجته وقالت بهدوء :
– خلاص سبوها براحتها وأنا هفضل هنا معاها لحد ما تبقى مستعدة انها تيجى تعيش معانا
نهض ماهر من مكانه وأشار لزوجته بالنهوض قائلاً :
–ماشى يا امى ولو عايزين حاجة ابقى اتصلى عليا
أماءت صفية برأسها ونظرت لهدى قائلة :
– ماشى يا حبيبى وأنتى يا هدى ابقى ابعتيلى مع السواق هدوم بكرة
ردت هدى مبتسمة :
– حاضر يا ماما عن اذنكم
تركت سجى مقعدها ، فرمقتهم بنظرات ممتنة وهى تقول بشكر :
–مع السلامة ومتشكرة جدا على وقفتكم معايا
لم تكن هدى تنصرف ، قبل أن تضع قبلة حانية على وجنة سجى ، ومسدت على ذراعيها وهى تقول بعطف :
– متقوليش كده ربنا يرحمها ويصبرك يا حبيبتى
ذهب ماهر وزوجته ، فألحت صفية على سجى بأن تنال قسط من الراحة ، التى لم تعد تشعر بها منذ وفاة والدتها ، فأطاعتها تنفيذاً لوصية والدتها الحبيبة ، فصفية شديدة الطيبة فهى تعاملها بكل ود وحب ، حتى أن سچى أحبتها ، فهى لم ترى جدتها الحقيقية ، ولكن إستطاعت صفية تعويضها عن هذا الأمر
فعندما انقضت المهلة ، التى كانت تريدها سچى ، اجتمع كل من حامد وأروى وماهر وهدى وصفية بمنزل نعمة ، للبت فى تلك الوصية ، التى تركتها نعمة ، بضرورة ذهاب سجى لمنزل خالتها عوضاً عن منزل أبيها
ولكن طبقاً للعادات والأصول ، أرادت صفية أن يمنحها حامد الإذن أولاً ، فنظرت إليه وقالت بحكمة ورصانة :
– لو سمحت يا ابو سچى نعمة كانت موصيانى ان اخد سچى عندى البيت وأنها تعيش معانا ، بس لازم الأول استأذنك توافق علشان أنت فى الأول والأخر أبوها
ضم حامد كفيه وأخفض وجهه ، كأنه يتهرب من نظرات إبنته ، فرد قائلاً بعد أن حمحم عدة مرات :
– عارف وهى قالتلى قبل ما تموت ووصتنى انى معارضش وعارف يا ست صفية أنك هتحافظى عليها وأنا معنديش مانع انها تروح معاكى
رمقته سچى ببرود وجمود ، فهى لآخر لحظة ، كانت تتوقع أن يعلن رفضه لهذا الأمر ، وسيتملكه الإصرار على أنها لن تذهب لأى مكان سوى منزله
ربت ماهر على كتف حامد ، نظراً لقربه منه بالمجلس قائلاً:
– وأنت برضو لو حبيت تطمن عليها تشرف فى أى وقت البيت بيتك
قبضت هدى على كف سجى وهتفت بفرحة لا تعلم لها سبباً :
– وسچى هتبقى فى عنينا الاتنين ومتخافش عليها
هز حامد رأسه دليلاً على أنه يعلم صدق أقوالهم ، فرد قائلاً بصوت لا يخلو من الشعور بالخجل :
– عارف أنكم ولاد أصول وهتحافظوا عليها
بعد أخذهم الإذن بالموافقة من حامد ، نظرت صفية لسجى وهى تقول بمحبة :
– خلاص يا حبيبتى قومى جهزى نفسك علشان نمشى
تركت مكانها والصمت يغلف أفعالها ، فقامت بلم أغراضها ووضعتها بحقيبة كبيرة ، فإن كان أبيها لا يريدها ، فلتستمع لوصية والدتها ، فهى لا يصح لها أن تعيش بمفردها ، خاصة أن والدها لم يبذل جهد فى أن يحاول أخذها الى بيته ، فكل شئ لم يعد له معنى بعد رؤية خذلان أبيها لها للمرة التى لا تعلم عددها
ولجت صفية الغرفة بعد تأخرها بجلب أغراضها ، فهتفت بها بقلق :
– ايه يا حبيبتى اتأخرتى ليه كده ؟
ردت سجى بهدوء :
– خلاص انا خلصت هو ممكن اخد قطتى معايا ولا حضرتك تضايقى
ردت صفية مبتسمة :
– لاء يا حبيبتى دا أنا حتى حبيت مشمشة خالص خلاص هاتيها معاكى
وضعت سجى هرتها بقفص صغير خاص بها ، لتأخذها معها لذاك المنزل ، الذى لا تعلم حتى الآن ، كيف سيطيب لها العيش به وهى لم تطأه بقدميها من قبل ، حتى إن توسمت الخير والمحبة بساكنيه
بعد نصف ساعة تقريباً وبعد أن ودعت سجى منزلها ، جلست بجوار صفية بتلك السيارة السوداء الفارهة ، والتى يقودها ماهر وتجلس بجانبه زوجته ، التى لم تكف عن الابتسام لها أو حديثها من خلال مرآة السيارة ، شعرت بالخجل يكاد يسحق خلاياها ، فنظرت من نافذة السيارة ، لعل الهواء يرطب وجنتيها الملتهبتان بدماء الخجل
ولكن سمعت صوت ماهر وهو يقول بترحيب :
– أنتى هتنورى البيت يا سچى ، والبيت هيزيد نوره بوجودك
إزدردت سجى لعابها وقالت بصوت منخفض :
– متشكرة جدا لذوق حضرتك
إستدارت هدى برأسها إليها وقالت :
– أنتى هتبقى بنتى اللى مخلفتهاش أنتى متعرفيش كان نفسى قد ايه اخلف بنت بس ربنا اراد يرزقنى باولادى الثلاثة فأنتى هتعوضينى احساس ان يكون عندى بنوتة
قالت صفية بتفكه ، لتخفف من شعور سجى بالخجل :
– دى هتعمل جو حلو بدل الخناشير اللى احنا عايشين معاهم يا هدى
شهق ماهر بصوت درامى ورد قائلاً:
– كده يا أمى احنا خناشير
قهقهت هدى ومسدت على ذراع زوجها وهى تقول:
– هى متقصدكش انت يا حبيبى هى تقصد ولادك هو فى خناشير غيرهم
ابتسمت سچى رغما عنها ، فهى شعرت ببعض الراحة من حديثهم الودى وتفكهم بالحديث ، فبقرارة نفسها أثنت على تلك الطيبة التى يتحلون بها ، فبعد أن وصلوا لمنزل ماهر ، تعجبت سجى من تلك الرفاهية ، التى تراها بكل وضوح متمثلة بحديقة واسعة وغناء ومليئة بمختلف الأشجار والزهور ، ومنزل رابض على مساحة كبيرة ، كأنه قطعة من الجنة ، فهى لم تضع ببالها أن خالة والدتها وإبنها يمتلكون كل هذا الثراء خاصة وأنهم يتعاملون مع الأخرين بطيبة وتواضع
ترجلت سجى من السيارة ، تشعر بإرتجاف أطرافها كأنها بيوم شديد البرودة ، ويرجع أثر ذلك لشعورها بالخوف مما هى ستقدم عليه
إلا أن هدى جذبت مرفقها وقالت بلطف :
– نورتى البيت والدنيا كلها يا حبيبتى
بللت سجى شفتيها الجافتين وردت قائلة بصوت يكاد يتلاشى :
– شكراً لحضرتك
رفعت صفية يدها وأشارت لها بالدخول وهى تقول:
– أتفضلى أدخلى يا سچى ، دا بقى بيتك دلوقتى
خطت سجى خطواتها بحذر ، كأنها تخشى أن تتعثر بمشيتها ، فذلك الشعور الذى نبت بقلبها ، من أنها بعد أن تطأ المنزل بقدميها ، ستتغير حياتها للأبد ، ولا تعلم سر هذا الشعور الذى سيطر على حواسها بأكملها
فوضعت قدمها اليمنى وهى تقول بهمس :
– بسم الله الرحمن الرحيم
لم تمنع عيناها من التجول والنظر لما حولها ، لعلها تجد ما يجعلها تشعر بالراحة التى فقدتها منذ أن وعت مدى ثراء ورفاهية هذا المنزل ، الذى من المفترض أنه سيصبح مأوى لها ، ولكن إصطدم بصرها بأكرم الجالس بالصالة ويجلس معه شاب أخر يصغره بعدة أعوام ، ولا تعلم من يكون ؟
فترك أكرم مكانه وأقترب منها مرحباً بها :
– أزيك يا انسة سچى نورتى البيت
فما لبث أن ادنى بوجهه من جدته وقبلها على وجنتها مستأنفاً حديثه:
– تيتة وحشتينى أوى
ضمته صفية إليها مربتة على ظهره بحنان قائلة :
– وأنت كمان وحشتنى يا حبيب تيتة
أخذت سجى أنفاسها ، التى كاد يسلبها منها الخجل ، فردت قائلة بصوت شبه هامس :
– الحمد لله يا دكتور أكرم
تقدم شادى هو الأخر قائلاً بفكاهة كعادته :
– إيه ده آنسة ودكتور أنتى قوليله يا أكرم وأنا معنديش مانع أنك تقوليلى يا واد يا شادى عادى ، كده يا صفصف تسيبينى شهر بحاله
فتحت صفية ذراعيها لحفيدها الصغير ، الذى شعرت بالإشتياق إليه وهى تقول :
– أنا رجعت اهو يا روح صفصف
تفقد ماهر وجود رائف معهما ، ولكنه لم يجده بالصالة ، فنظر لأكرم متسائلاً:
– هو فين رائف يا أكرم مش شايفه قاعد معاكم
أشار أكرم لغرفة رائف قائلاً:
– فى أوضته جوا يا بابا
سألت هدى بحذر :
–عمل حاجة تانى فى الدكتور النهاردة يا شادى
حرك شادى رأسه صعوداً وهبوطاً وقال:
– كسفه واحرجه واتعصب عليه بس غير كده معملش حاجة تانى
رفعت صفية حاجبها وقالت :
– وانت عايزو يعمل ايه تانى أكتر من كده
وضع أكرم يديه بجيبى سرواله البيتى وهو يقول:
– أنا الصراحة خايف الدكتور يزهق وميرضاش ييجى تانى دا اشتكالى كتير من عصبيته
وقفت سجى بالمنتصف ولم تفهم شيئاً مما يقولونه ، فمن يكون رائف؟ وماذا يفعل ؟ وما قصة الطبيب ؟ ولكنها إستطاعت أن تتذكر بأن ماهر لديه ثلاثة من الأبناء الذكور ، وربما رائف هو الإبن الثالث لتلك العائلة والشقيق الصغير لأكرم وشادى
رأت سجى تحرك مقبض إحدى الغرف دليلاً على أن أحداً سيخرج منها ، فرآت شاب يستند بثقل على عصا ،ولكنه لم يكن شاباً صغيراً مثلما أفترضت هى ، بل أنه يبدو عليه أنه الإبن البكر لماهر، وعلى الرغم من أن أكرم وشادى من ذوات القامة الطويلة إلا أنه يفوقهما طولاً
فاقترب منهم وعلامات الألم والوجع بادية على وجهه وخطواته بطيئة بسبب إصابته ، إلا أنه إستطاع القول بترحيب هادئ خلافاً للترحيب الحار من شقيقيه:
– اهلا يا أنسة نورتى البيت
ردت سجى قائلة بتوتر وإرتباك :
– ششكراً دا نورك
غرزت أظافر يدها اليمنى بظاهر كفها الأيسر ، فهى كيف سيطيب لها المقام بهذا المنزل ، وبه ثلاث من الشباب ، فأصغرهم لا تكبره هى سوى ببضعة أعوام ، فكأنها سيتم تقييد حريتها ، فهى لم تعتاد أن تجلس بمكان واحد مع شاب من قبل ، فكيف الأمر وهم ثلاثة ؟
أفاقت من أفكارها على صوت صفية وهى تقول:
– قوليلهم يا هدى يحضروا العشا بسرعة على ما أغير هدومى أقعدى يا سجى ثوانى وجيالك يا حبيبتى
بعد ذهاب هدى للمطبخ وذهبت صفية لغرفتها ، بل أن ماهر هو الآخر ذهب لغرفته من أجل تبديل ثيابه ، وجدت نفسها بموقف لا تحسد عليه ، فبالرغم من أنها تنكس رأسها أرضاً ، إلا أنها تشعر أن هؤلاء الثلاثة ينظرون اليها بتمعن ، ففركت يدها بتوتر شديد ، فلو كان الأمر بيدها ، لكانت فرت هاربة من مكانها ، وخاصة بعد شعورها بالخوف يسرى بمفاصلها ، وهى متيقنة من أن ذلك الجالس بكل هدوء ، يراقبها بعينيه التى تشبه عيون الصقر ، كأنه يضمر لها شيئاً
فأراد شادى كسر حاجز الصمت ، فقال متفكهاً :
– إيه يا بنتى انتى مبتنطقيش ليه للدرجة دى وسامتى وحلاوتى توهتك
نظر إليه أكرم قائلاً بتحذير :
–بطل ياض انت هزارك الرخم ده
رفع شادى شفته العليا قائلاً بإمتعاض :
– أنا قولت افك القعدة شوية دى عاملة زى مايكون مقبوض عليها في القسم وباين على وشها الخوف
قال رائف بهدوء وعيناه لم تحيد عنها :
– بس يا شادى أسكت بقى وبلاش هزارك ده دلوقتى
أبتلعت سجى لعابها للمرة التى لا تعلم عددها ، فخوفها بدأ بالتزايد خاصة بعد سماعها صوته العميق ، والذى حمل بين طياته نبرة تدل على أنه يجب أن يُطاع فيما يقوله
سمع ثلاثتهم صوت مواء هرة ، فتعجبوا من الصوت ، كونهم لا يملكون هرة بالمنزل ، فقال شادى وهى مقطب الجبين
– هو أنا سامع صوت قطة ولا دى تهيؤات أخر الليل
نظر أكرم حوله قائلاً هو الآخر:
– يبقى بيتهيألى انا كمان لانى سامع صوتها
أشار رائف للقفص الصغير الموضوع بجانب الأريكة وحقيبة سجى :
– لاء يا حبيبى انت وهو مش تهيؤات دى قطة بجد هناك أهى جمب الكنبة
قفزت شادى من مكانه يبحث عنها ، فوجدها بداخل الصندوق ، فرفعه وهو يبتسم قائلاً :
– الله دى شكلها حلو أوى هو ينفع ألعب معاها
فركت سجى يديها وقالت بتوتر :
– هى مش بتاخد على حد بسرعة وبتخربش أى حد غريب يقرب منها
داعب شادى الهرة من فتحات القفص ، فرأى تململها ورغبتها بخدشه ، فقهقه قائلاً:
– باين عليها قطة شرسة بجد بس حلوة مش كده يا أبيه رائف
إسند رائف مرفقه لطرف مقعده ، بينما نقر بأصابعه على طرف ذقنه قائلاً:
– هى فعلاً حلوة وحلوة أوى يا شادى
لا يعلم ماذا يقصد بعبارة الإطراء التى قالها ، هل يخص بها الهرة حقاً أم صاحبتها ؟ فلم ينقذه أحد من أفكاره تلك إلا صوت الخادمة تعلن عن أن الطعام صار جاهزاً وتم وضعه على المائدة
جلست سجى بجوار صفية ، ولكنها لم تستطع إبتلاع لقمة واحدة بفمها ، حتى أنتبه عليها شادى ، فنظر إليها قائلاً:
– أنتى مش بتأكلى ليه ، لو مأكلتيش هأكل أنا أكلك وأنتى حرة بقى
خشى ماهر أن تشعر سجى بالإستياء من مزاح شادى ، فهى لم تعرف طباعه الفكاهية ، فتبسم لها وهو يقول:
– متأخديش على كلام شادى هو بيحب يهزر وأوعى تزعلى منه ، لما تعرفيه هتعرفى أنه مبيقولش كلمتين جد على بعض
إبتسمت سجى وردت قائلة:
– ربنا يباركلك فيه يا رب هو فعلاً دمه خفيف
رفع شادى يديه ودب على صدره قائلاً بصوت درامى :
– أه يا أنى ياللى ملقتش حد يقول عليا كلمة حلوة فى البيت ده يا أنى ودايما يزعلونى
قهقهوا جميعهم على قوله ، فداعبت صفية شعره وهى تقول بحب :
– محدش يقدرك يزعلك يا حبيب قلبى
أهداها قبلة بالهواء وهو يقول :
– شوفى مفيش غيرك انتى يا صفصف اللى ليا فى البيت ده
شهقت هدى وضيقت عينيها لقول ولدها الصغير وقالت :
– بقى كده ماشى يا شادى
ترك شادى مقعده على الفور وأقترب من والدته وهو يقول:
– دا كله إلا أنتى يا جميلة الجميلات ، طب هاتى بوسة بقى يا دودو
بسماع هدى ذلك اللفظ التحببى ، الذى نادها به شادى ، نظرت لرائف بحب وحزن لعدم سماعها منه منذ أن وقع له هذا الحادث المرير ، الذى أخذ معه إبتسامته ومرحه ، فقالت بإبتسامة حزينة :
– محدش كان بيقولى يا دودو غير رائف
أنتبه رائف على قول والدته ، فخفض بصره ينظر لمحتوى طبقه ، فكيف يخبرها بأنه لم يعد كسابق عهده ؟ فكل ما بداخله من شعور بالسعادة أو البهجة ، قد تم دفنه بغياهب ذكرياته ، ولم يعد يتبقى سوى شبح يشبهه بالإسم والملامح ، فعندما رفع وجهه ثانية ، ألتقت عيناه بعينىّ سجى ، التى يبدو عليها أنها كانت تراقبه ، فخفضت بصرها بسرعة ، وهى تشعر بحرارة قوية تغزو وجهها من فرط سريان دماءها الحارة المعبأة بشعور الخجل ، إلا أنه عقد حاجبيه بتعجب من أفعالها ولكنه تذكر حديث والدته وجدته عنها ، من كونها فتاة خجولة
❈-❈-❈
جلست فادية تناول العشاء بشعور طاغى بالسعادة ، فما أرادته حصلت عليه ، فنعمة قد وافتها المنية وسجى ستحيا بمنزل أخر بعيداً عن هذا المنزل ، ولكن تكدرت ملامحها بعد سماع قول إبنتها أروى ، التى تركت مقعدها ووقفت بجانب أبيها تستجديه
– يا بابا لازم سچى تيجى تعيش معانا هاتها يا بابا أبوس ايدك
رد أبيها بألية لعلمه بما سيحدث من فادية:
– أمها وصتنى إن أنا اوافق انها تعيش مع خالتها
عندما يأست أروى من الحصول على جواب يرضيها عادت لمقعدها ثانية ، فإبتسمت فادية بشعور قوى بالحقد :
–اه يا ترى هيعملوا معاها ايه اكيد هيشغلوها ويطلعوا عينها
ردت أروى قائلة بضيق :
– مظنش انهم يعملوا كده ، دا حتى باين عليهم انهم ناس أغنياء ،العربية اللى كانوا ركبينها غالية اوى كمان ، حتى المستشفى اللى كانت فيها طنط نعمة الله يرحمها بتاعتهم
شخصت فادية ببصرها لزوجها وتساءلت :
– هما صحيح اغنيا اوى كده يا حامد ؟
حرك حامد رأسه بالإيجاب قائلاً بصوت هادئ :
– أيوة خالتها كانت متجوزة راجل غنى وأبنها عنده شركات ومصانع
لم تستطع فادية إخفاء نبرة صوتها الحقودة وهى تقول :
–آه يا بنت نعمة يابنت المحظوظة وهو ابنها ده عنده ولاد
أماءت أروى برأسها وهى تشعر بالتشفى لإحباط والدتها وقالت :
– أنا شفت واحد منهم دكتور على ما اظن اسمه أكرم دا لو أتجوز سجى هيبقوا عسلات أوى
صاحت والدتها بها بعصبية :
– خلاص كلوا وبطلوا كلام مش هنفضل نتكلم عن الست الدكتورة ومزاجها طول الليل
تفجرت براكين من الغيرة بقلبها خاصة بعد إستماعها لحديث إبنتها وزوجها عن تلك العائلة ، التى ستحل سجى ضيفة عليها ، فهى ظنت أن سچى ستعانى بحياتها بعد موت والدتها ، ورفضها هى أن تحيا معهم بهذا المنزل ، ولكن يبدو أن سجى ستنعم بحياتها مع هؤلاء الغرباء
❈-❈-❈
بعد إنتهائهم من تناول العشاء ، جلست سجى تفكر كيف تخبر صفية بأمر أنها لن تستطيع أن تحيا هنا بهذا المنزل ، فالأمر صار بغاية الصعوبة ، خاصة بعدما تعرفت على أفراد الأسرة ، فهى لن تقضى أوقاتها مقيدة بنظرات ذاك الوسيم ، والذى لم يحاول أن يتحدث معها ثانية مثلما فعل أكرم وشادى
خرجت من أفكارها على قول صفية وهى تشير إليها بالنهوض :
– تعالى يا حبيبتى إرتاحى فوق انا خليتهم جهزولك اوضة هتعجبك اوى
نهضت سجى ولكنها رفضت التحرك ، فأدنت برأسها من صفية وهى تقول بصوت منخفض
– ممكن أتكلم مع حضرتك شوية أنتى وطنط هدى
نظرت هدى لصفية بقلق ، إلا أنها لم تفه بكلمة ، فدخلن لغرفة المكتب ، لتستطيع سجى التحدث بحرية ، فأحثتها صفية على قول ما لديها :
– خير يا حبيبتى فى ايه مالك حصل حاجة ؟
قالت هدى هى الأخرى :
فى حد ضايقك يا سچى ، ولا حاجة حصلت زعلتك ، لو ضايقك هزار شادى وكلامه معاكى انا هخليه يحترم نفسه
أسرعت سجى قائلة بنفى :
– لاء حضرتك ابدا والله ، دا دمه خفيف ربنا يباركلك فيه
مدت صفية يدها ورفعت وجه سجى لها فنظرت لها بتمعن متسائلة:
– طب فى إيه يا حبيبتى ؟
أغلقت سجى عينيها وسرعان ما فتحتهما فقالت بإرتباك ظاهر :
– أنا أسفة أنا مش هقدر اعيش فى البيت هنا
تغضن جبين صفية بتقطيبة عميقة وهى تقول بدهشةٍ:
– ليه كده يا حبيبتى إيه اللى حصل
يتبع...