-->

رواية صمت الفتيات - بقلم الكاتبة خديجة السيد - الفصل الثاني والثلاثون والاخير

 رواية صمت الفتيات بقلم الكاتبة خديجة السيد



الفصل الثاني والثلاثون (والاخيره)
رواية صمت الفتيات


مرت أسابيع قليلة بينما كنت اقضى الوقت بين الدعاء او تلاوة أيات من الذكر الحكيم او الصلاه أو النوم حتى يرتاح جـ..ـسدى ،والطعام كان يقدم لي ثلاث مرات لكني كنت اتناول منه فقط سوي عباره عن رغيف من الخبز ،وقطعه جبن صغيره تكفي معدتي للبقاء علي قيد الحياة..  

وفى نهاية مده الحبس الخاص بي قد تعودت على العزله وتلك الحياه وتمنيت انتهاء مدة العقوبه هنا حتي يتم تنفيذ الحكم بالاعدام عليا حتي بعدها ارتاح عندما اذهب الي العادل المولي هو "الله".

كان الجميع بحاله ذهول من حالتي تلك يعتقدون إنني أمتلك شجاعه لا مثيل لها حتي اكون بذلك الثبات.

بينما كان في الوقت الجميع معجبة بمدي اصراري وقوتي، ويضربون الامثال بالشجاعتي كنت أنا حزينة علي نفسي .. لم يشعر أحد ما بداخلي من نيران مشتعلة طوال الوقت، لم يدرك ٱحد بأن صمودي ليس باختياري.. ٱنني مجبرة علىٰ هذا الثبات وهذه القوة ..أنا بداخلي محطمة تماماً ولكني للأسف لا ٱملك رفاهية الإنهيار ..فلا تصدقوا ما ترون امامكم في هذه الحياة، إن ما نخفيه في صـ..ـدورنا أثقل مما يتصوره احد وخلف أقنعة الضحك و الابتسام يختبئ الكثير والكثير من الالام..!!!   

في اليوم التالي.

وقف حمزه علي الفور عندما وجدني قادمه إليه لـ يتطلع اليه عدة لحظات بتردد وانا اقف خلف القضبان الحديدية الفاصل بيننا و عينيه كانت تلتمع بالقلق عليه قبل ان يهز برأسه لي قائلا بتردد

= ازيك يا ريحانه عامله ايه انتي كويسه؟ 

تقدمت أقف خلف القضبان الحديدية انا الأخري، وتنفست بعمق قبل ان اهمس بصوت جعلته مقضطب خالى من اى تعبير او انفعال

= هتعدم كمان يومين المفروض هكون عامله ازاي؟ عادي مش حاسه بحاجه او مش عاوزه احس مش فارقه وده اللي انا كنت عاوزه من الاول، وانا قلت لك قبل كده ما فيش ميت بيموت مرتين وانا مت من زمان واتوجعت أوي واكيد المـ..ـوته الثانيه مش هتكون قد الوجع اللي حسيته في الاول بيتهيالي هتكون راحه بعد كده.. ايوه راحه انا مش هكون وسط العالم ده ثاني بس انتم هتفضلوا زي ما انتم و مفيش حاجه هتتغير

قبض يده علي الحديد ونظر لي يبتلع بصعوبة الغصة التى تشكلت بحلقه عندما رأي نظرتي المليئه بالاحباط واليأس التى ارتسمت بعيني قائلا بصوت مرتجف

= ريحانه انا اسف

هززت رأسي بالنفى قائلة بصوت مختنق

=اسف على ايه؟ و انت ذنبك ايه عشان تتاسف انا اللي اتوجعت وانا اللي بتعاقب دلوقت عشان قتلت 

قد فقد السيطرة علي اعصابه تماماً و قد احمر وجهه و احتقن من شدة الانفعال و الضغط الذي يـ..ـمارسه على نفسه من تانيب الضمير والتفكير به 

= بس اديتك امل ووعدتك ان هيجي يوم و براءتك هتظهر وهتخرجي من هنا، بس للاسف ده ما حصلش وانا ما طلعتش قد وعدي

همست بكلمات متقطعة وأنا ضاغطة بيدي علي قلبي للتخفيف من الالم الذي لا يعصف بي 

= انت ملكش ذنب يا حمزه على الاقل انت حاولت وساعدتني فعلا ووصلت حكايتي للناس بره وانا متاكده إذا ١٠٠ واحد طنش اكيد فيه غيره حتى لو واحد في المئه بس هيهتم ويقرا ويستفاد و ان شاء الله كله ياخذ حذروا وما يسكتش زيي

لكن كلماتي جعلت الدماء تفر من عروقه و قد هدد الضغط الذي قبض علي صدره بسحق قلبه.. و قد انسابت الدموع بصمت على وجنتي من جديد لي اكمل هامسه بتعب وضعف 

= تخيل انسان عمري بينتهي وهو منتظر عشان يلاقي قلوب تحن عليه وتديله ترخيص انه اخيرا بقى لي حق ان يرفض حد ينتهك جسده رغم عنه ويقول لا

تجمدت الدماء بعروق حمزه فور سماعه كلماتي تلك لتتسارع انفاسه و احتدت بشدة شاعراً كأن ستار اسود من الغصب اعمى عينيه.. نظر إليه يشاهدني في حالتي تلك باعين غائمة بالدموع بينما قلبه يؤلمه بحزن نحوي.

= بس انتي ما تستهليش كده انتي مكانك مش هنا انتي الضحيه انتي المظلومه يا ريحانه، ما ينفعش تكون دي النهايه خالص مش قادر اصدق انك بعد الظلم إللي ظلمتيه انتي في النهايه برده اللي بتتعاقبي طب ازاي وليه؟؟ هو معقول احنا ظالمين قوي للدرجه دي و وحشين عشان ما حدش فينا قادر يعترض ويساعدك ده ظلم

حاولت رسم ابتسامه صغيره، ومسحت وجهي بيدي المرتجفة و أنا اهز رأسي هاتفه

= مين قال لك انك مش هتقدر تساعدني انت وغيرك حتى بعد ما اموت انت لسه قدامك حاجات كثير تعملها ،افضل مستمر تهاجم اللي بيدافع عن المتـ..ـحرشين والمـ.ـغتـ..ـصبين وافضل كمان اتكلم مع البنات انهم ما يسكتوش وافضل كرر حكايتي للعالم كله والناس عشان الكل يخاف ان يوصل لي أنا وصلتله، والاهلي لازم تفهم احنا لينا حق والمفروض ناخذه مش هم اللي يديروا علينا كاننا وصمه عـ..ـار خايفين مننا .. ومين عارف جايز يكون موتي هيصحي ضمير ناس كثير ويكون علامه امل لناس تتكلم 

مرر نظراته بلهفة وقلق عليه من وراء الاسلاك الحديديه الفاصله بيننا قائلاً بصوت اجش يملئه القلق عليا و الغضب في نفس الوقت من مما قالته و أننا سوف أفارق الحياه لأجل كسر قواعده الصمت 

= أنا فعلا عمري ما هانساكي وهفضل فاكر كل كلمه قلتهالي.. بس هيكون الثمن غالي اوي يا ريحانه، هو احنا لازم تحصل مصيبه ولا كارثه ولا ناس تضحي بحياتها عشان نتحرك 

تراجعت للخلف هامسه بصوت مختنق وأنا اشعر باني على وشك الانهيار ولا ارغب ان يراني بحالتي تلك

= هو ده حال الدنيا للاسف.. اشوف وشك بخير مع السلامه، شكلها هتكون آخر مرة اشوفك فيها.. الوداع

❈-❈-❈

علي صوت زقزقة العصافير، وطلوع الشمس لتسطـع بنورها الذى ينير علي البيوت كان بداخل منزل إسماعيل يسود الصمت التام بالمنزل فاليوم هو موعد تنفيذ حكم الاعدام على ريحانه! 

في الداخل عند نشوي كانت تجلس علي الفراش وهي شارده في الماضي في نفس المكان التي تجلس عليه الآن لكن قبل سنوات طويلة.

تنهدت بسعاده بينما تحمل بين ذراعيها صغيرتها ريحانه التي كانت تبلغ من العمر عشرة اشهر بينما تراقبها باعين مليئه بالشغف وهي تتنمي داخلها ان تكبر بسرعه حتي تراها اجمل عروسه ،حيث كانت نشوي تقوم بإطعام صغيرتها في ذات الوقت من صحن الطعام الخاص بها ..لتكمل بينما تضع ملعقه من الطعام بفم طفلتها مره اخرى التي اخذت تصفق بيديها بفرح بينما تمرغ فمها بوجه والدتها التي أخذت تغني بسعاده ومرح معها وهي كل حين تقـ..ـبلها بحنان.

انفجرت نشوي باكية وهي الآن تتمنى أن ظلت طفلتها صغيره ولا تكبر مطلقاً وتتذوق الوان العذاب التي مرت بها ...

بعد لحظات نهضت نشوي من أعلي الفراش بثقل تشعر بألم بجـ..ـسـدها لتسير نحوي المرحاض.. أغلقت نشوي الباب خلفهـا، تتنهـد بقـوة، تمنـع دموعها من الهطول بصعوبـة ثم اغتسلت ثم توضـأت بسرعة وخرجـت تؤدي فردها وتبكي بحرقه بالسجود اصـدرت انينًا خافتًا متألمًا تعبر عن مدى الحزن الذى يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقـت علي شفتيها بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول لكنها لم تستطع منع نفسها من البكاء والحزن! 

ابتسمـت بسخرية مريرة، فهذا كل ما تملكـه، هذا يعـد كل ممتلكاتـها في هذه الحياه التي سلبت منها كل شيئ حتي ابنتها الوحيدة، ولكن يظل دائما الدموع والحزن، ثم بدأت تؤدى فريضتها بخشـوع، وبالطبع لا تخلو من دعاءها لي ابنتها مثل كل يوم لكن عند هذه النقطه تذكرت انها بعد يوم سوف تدعي اليها بالرحمـه..!!!

يا له من احساس مؤلم كانت قبل شهور تجهز ابنتها لحفل زفافها بسعاده لكن اليوم ستجهز ابنتها الى حكم الـمـ..ــوت.

❈-❈-❈

في الـخـارج.

هوي " اسماعيل " علي الكرسي الخشبي بثقل جسده حتي اصدر صوتًا، نظراته مثبتة علي برواز صور ابنته الذي يحمله بيده وهي تضحك ببراءة عندما كان يحملها هو ويرفعها في الهواء بيده ويلتقطها مره ثانيه بامان، كانت نظراته تقول الف كلمة واولهم الي متي سيظهـر القوة وبداخله يتآكل كالصدئ في الحديد، الي متي سيتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوه بأتهـام شنيـع بسبب ما عرفوه الجميع عن ابنته، وكأنه يحمل وصمة عـ..ــار ابديـة، تشنـج وجهه و الدمـوع متحجرة في عينيه و لا ولن يسمح لها بالحرية ابدًا

ليس عار عليه إنما يكفي من الالام يظهرها وهو مصدر القوه الان الى اسرته لكن اين أسرته تلك لم يتبقي منهم اليوم الا زوجته فقط وابنته خلال لحظات سوف ترحل الى وجه كريم احن عليها من الجميع حتى هو نفسه، آآه من ذلك الفراق الذي كان كالسهام السامة تنغرز في قلبه وقلب زوجته كلاهما بلا رحمة، تتشنـج جميـع اجزاء جسده بمجرد سماعه صوت بكاء زوجته يأتي من الغرفه كعادتها، حاول ان يعتاد علي هذا الوضع لكن لم يفلح ،فـ دائمًا كان حبه لابنته يصبح كالمطهـر وسرعان ما يمحى كل الحزن و القسوه لتطبـع وشمًا ابديًا .. وهو الفرح والسعاده عندما يلقي بنظره واحده الى وجه ابنته ريحانه.

لكن اليوم سوف تفارق الحياه ولم يعد هناك من يمحي ذلك الحزن من حياته أبدا و لطالما كان فخور بها ويتمنى ان يفعل كل ما بواسعه ليسعدها وكان يعتقد بالفعل ان يوفر لها كل ما تحتاجه ولكن كانت مجرد اوهام داخله لا اكثر.. ألقي نظرة اخيـرة على منزله الصغير الهادئ، وكأنه يبحث عن طيف سعادة كانت بـه يومًا، ولكن الان صار كالسجـن يخنق كل من يدخلـه .. 

يشعـر بالإنكـسار يحتاجه كلما تذكـر ماساة ابنته التي حدثت جزء منها هنا دون علمه، لا شك انه اخطا خطا فادح ليس عـاديا.. ولكن كم الضغوطات من حوله تفوق قدرة اى بشـر، تنهد بيأس لينظر مره ثانيه الى البرواز إلي صوره ابنته ويشرد في تلك الذكرى.. 

تعالت أصوات ضحكات ريحانه وهي تركض تقهقه بسعاده ووالدها خلفها يركض مبتسماً علي فرحتها ليحملها فجاه بين ذراعيه في الهواء ليرفعها بقوه الى اعلى ويتركها تسقط لكن يلتقطها بسرعه لتصرخ ريحانه بخوف وقلق عندما فعلها مره ثانيه بمسافه اعلى 

= بابا نزلني هقع بااابا ..انا خايفه لااا كده هقع منك

لكن اسماعيل لم يرد عليها وفعلها مره ثانيه وثالثه قبل ان يلتقطها بحـ..ـضنه بحنان وهي أقتـربت منه تحـ..ـتضنـه وتلف ذراعيهـا تطوقه بقـوة، لتختبئ في حصـن منيـع لحمايتها وهي تنظر اليه بعبث طفولي، ابتسم اسماعيل بشده عليها وهو يضحك علي زهرته المتفتحة قائلا بعتاب

= وانتي تفتكري ابوكي هيسيبك تقعي وتتالمي وهو واقف يتفرج عليكي؟

نظرت إليه ريحانه مبتسمة عندما هـز رأسه نـافـي وأردف والدها بحب وهو يـ..ـقبل وجنتيها بلطف ليتـابع والدها قائلا بحنان

= لا يا حبيبتي انا عمري ما هاسيبكٍ تتوجعي ابدا .. اوعدك يا ريحانه عمر الخوف ما هيكون لي مكان في حياتك طول ما انا موجود جنبك يا حبيبتي

الان..

أخفض اسماعيل وجهه ليظهر الحزن الذى كـاد يفترش علي قسمـات وجهه، ثم قال بصوت مغلف بالوهن الذى اكتسحه:- "لم اوفي بوعدي يا ابنتي الحبيبه".

لينهض فجاه واستطـاع بمهـارة انتشـال الألم من خلجات وجهه، كـان يتطلع أمامه بذهـول أحقا سوف يترك ابنته بتاتًا ضحيه للبشر لتكن جزء منفصل عنه،  ليظهر بعينيه السوداء توحـي بأنذار الخطـر الذى سيهب حتمًا، أستـدرك نفسه بسرعه فيجب عليه أستخدم فرصه ثانيه حتى لو ستكون بعدها الفرصه الاخيره.

وسـار متجه للخارج من العمـارة الي عمـاره أخري والتي يقطنون بها في الدور الارضي عائله بدر! ليطرق باب المنزل عده مرات بعنف ،فتحت رحاب الباب بسرعة دون ان تنظر من العين السحرية بقلق ، و اقتربت منه متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجه اسماعيل الأسمر وحالته المتجمد تلك، إبتلعت ريقها بتوتر قائله

= خير يا أستاذ اسماعيل عاوز حاجه! 

خـرج بدر من الخلف فجاه رفـع حاجبـه الأيسـر، ينظر له بنصف عين، ليقول بجدية 

= اسماعيل انت بتعمل ايه هنا تاني؟ مش سبق وجيت وانا قلتلك طلبك مش عندي 

حـدق اسماعيل في الذي يقف أمامـه بهيئتـه الجامد و دامـت لثوانى فقط، وسرعان ما اقترب بقوة يصطدم بجسده ليرتطـم بـدر بالأرضيـة بقوة و صرخ من الألم، وفى لمح البصر كان يهبط بجسده أمامه ويلكمه بقوة، قبل أن يضرب انفه لينزف بينما صرخت زوجته من الصدمه بعدم تصديق وقلق من المفاجاه.

ظل بضربه اللكمات بينما الاخر علي الأرضية متأوه من الألم.

اقترب اسماعيل لمستواه وامسك برقبـة يرمقـه بنظرات دبت الرعب في اوصاله ليرتعد من هيئتـه الغاضبـة وعينيه الحمراوتيـن مثل وجهه من كثرة الإنفعـال، ثم صاح بأنفاس لاهثـة بتهديد

= اسمع انت غصبا عنك برضاك هتيجي معايا القسم يعني هتيجي معايا، انا بنتي مش هتتعدم مش هقف اتفرج عليها وهي بتروح مني بسببي أنا وبسببك 

كاد يختنـق بدر وحاول إبعـاد يده عنه وهو يجيبـه بتعب حقيقي 

= أبعد عني آآه هـ..ــمـوت

حدقـه اسماعيل بقوة وبرقت عينـاه وراح يتخيله هو نفسه مكانه وهو يهـزه قائلا بلوم وعتاب

= هي كانت عملت ايه غير انها نقذت بنتك ولولا اللي عملته كان زمانك دلوقت قاعد زي الفئران مستخبي في بيتك وخايف تطلع للناس من الفضيحه والعار، هو ده رد الجميل يعني بنتي تضحي بنفسها عشان خاطر  بنتك وانت تخاف تنطق بحرف واحد عشان جبان، ايوه جبان

تركه اسماعيل ليجلس جانبه بضعف و إبتلع ريقه بإزدراء و الدموع ملات عيناه بحسره ثم قال متألم

= بطل جبن وقوم و واجه نفسك بالحقيقه انت السبب في اللي هي فيه، حرام عليك انت ما عندكش قلب ولا رحمه ازاي عاوز تـحـرمـنـي مـنـهـا .. انت ما فيش في قلبك ذره رحمه ولا حاسس باللي انا فيه وربنا ما يجيب اللي انا فيه لاحد عشان ماتحسش فعلا بالكسره 

ظلـت رحاب تعود للخلف شيئ فشيئ، تشربـت ملامحها الخوف والجزع وهي تبكي بشده عليه وتشاهده في تلك الحاله.. و في نفس اللحظه خرجت بناتها الاربعه وهم ينظرون اليها بحزن شديد وعتاب.

سحب بدر نفسه يعتدل بثقل وهو يتنفس الصعداء بصعوبة بالغة من ألم جـ..ـسده.. 

نظرت رحاب الي بناتها بتفحـص بتردد قليلا، ثم اقتربت رحاب من اسماعيل الجالس بالأرض دموعه تتساقط بعجز وقله حيله، ثم هـزت رأسهـا ونظرت له بحـزن قبل ان تهمس بألم تجـ..ـسـد في نبرتها

= اهدا يا استاذ اسماعيل حقك علينا، اهدا وما تخافش بنتك ان شاء الله هتطلعلك وهترجع لحضنك ثاني وانا بنفسي هاخذ بنتي تشهد بالحقيقه، انا مش قادره على تانيب الضمير وعمري ما هسامح نفسي اني بنتك هتموت بسبب انها نقذت بنتي وانا بدل ما اشكرها باسيبها للمـ..ـوت ،عشان كده هظهر الحق واللي يحصل يحصل

انتفض اسماعيل فزاع من مكانه فور سماعه كلمات رحاب ليتقدم منها بعدم تصديق ولهفه شديده هاتفاً بصوت مبحوح 

= بتتكلمي بجد هتعملي كده ولا بتاخذيني على عقلي.. ابوس ايدك اعملي اي حاجه انا بنتي خلاص فاضل ليها لحظات وحبل المشنقه يتلف حوالين رقبتها

هزت راسها رحاب بالايجابي وهى تردد بانتحاب

= ايوه بتكلم بجد يا استاذ اسماعيل ده اللي كان لازم يحصل بنتك ما ينفعش تتعدم لمجرد انها حاولت تدافع عن بنتي وانا يكون ردي للجميل اسيبها تـ..ـموت، غير ان ده لو سبته يحصل مش هقدر اعيش بعد كده من تانيب الضمير ولا احط عيني في عين وأحده من  بناتي،و ولا واحده منهم هتقدر بعد كده هتشتكي وتفتح بقها لو حصل ليها حاجه بعد اللي عملناه في بنتك ،وهم شايفينا خائفين اد ايه من كلام الناس

تنفس بدر الملقي بالأرض الصعداء بصعوبة بالغة من الام جسده وعندما سمع كلمات زوجته وانها سوف تذهب الى القسم وتكشف الحقيقه، مما جعل الدماء تفر من عروقه وحاول أن ينهض يعنفها لكنه لم يستطع ليقول بصوت ضعيف 

= رحاب آآه انتي بتقولي ايه انا مش هاسمحلك تعملي كده آآ مش هتروحي في حته

تشدد جـ..ـسد اسماعيل بخوف مرة اخرى أن تتراجع زوجه بدر عن حديثها لكنها لم تهتم إليه، ثم تراجعت رحاب للخلف عدة خطوات قائله بحزم

= استناني هنا يا استاذ اسماعيل لحظه هالبس بسرعه والبس البنت واجيبها معايا وهنروح القسم

هز رأسه اسماعيل عده مرات بامتنان لها و عينيه تلتمع بسعادة غامرة وهو يخرج هاتفه من جيبه قائلا بفرحه

= تمام متشكر جدا مستنيكي و هتصل بسرعه بي رشوان وهقول له ان احنا جايين عشان يحاول يوقف الحكم

تحركت رحاب من امامه واخذت بناتها الى الداخل، بينما اتصل اسماعيل بصديقه وانتظر حتى اجاب عليه ليقول بسرعه ولهفه وهو يتنفس بصعوبة بالغة

= رشوان مش هتصدق ولدت دهب وافقت انها تيجي معايا القسم وتخلي بنتها تعترف بالحقيقه.. خلاص الحقيقه هتظهر يا رشوان.. وبنتي هتطلع براءه وهترجع لحضني ثاني انا وامها، رشوان! انت مش بترد ليه؟؟ اعمل اي حاجه حاول توقف الحكم لحد ما نيجي

إبتلع اسماعيل ريقه بتوتر شديد عندما لم تاتي اجابه منه لكن بعض لحظات اجابه رشوان بصوت حزين قائلا 

=يا ريتك كنت اتصلت بدري شويه يا اسماعيل حكم الاعدام خلاص اتنفذ من حوالي ربع ساعه!! وريحانه تعيش انت...!! 

تحول شحوب وجه اسماعيل الى لون رمادى فور ان انتبه الي كلماته الصادمه وان ابنته قد فارقت الحياه وانتهى الامر ولم يعد هناك اي فرصه للعوده!! أبعد الهاتف عن أذنه ليسقط من يده بالأرض بقوة ليتحطم، وشحب وجه إسماعيل بعدم استيعاب شاعراً بألم يكاد يحطم روحه الي شظايا و هو يشعر بوحدة لم يشعر بها من قبل.. 

بدأت عيناه تدمع حرفيًا بغزارة.... فرفع رأسه للسماء وكأنه يناجي ربه باحتراق روحه مع روح أبنته الراحله! وهو يصرخ بصوت مذبذب متوجع بحسرة 
=يــا رب........

يـتـبع...
انتظروا الخاتمه.