-->

رواية القانون لا يحمي المغفلين - بقلم الكاتبة آية صبري - الفصل الأخير

 

رواية القانون لا يحمي المغفلين

بقلم الكاتبة آية صبري




الفصل الأخير

" نهاية غير منطقية "

رواية

القانون لا يحمي المغفلين



مرت عدة أيام كانت الأوضاع بها هادئة جدًا بين " نجمة " و " سيد " الذي أكتشف بها العديد من الصفات الجميلة التي أبهرته، حتى أنهُما تبادلا أرقام الهواتف وبالتدريج بدأ يشعر بالألفة تجاهها ويُحب محادثتها، كما أنه قام بتوصيلها للمنزل عدة مرات وبالطبع لم ينسى أن يحضر لها " الأيس كريم " الذي أصبح حلواهُما المُفضلة معًا، أقترب منها كثيرًا حتى باتت " نجمة " كالإدمان بالنسبة إليه، لقد صدق حديث السيد " صابر " من قبل عندما أخبره أن ابنته ليست كما تحاول أن تُظهر، كان يقف بالمطبخ يقوم بتقطيع اللحوم بعقلٍ شاردٍ، يُفكر في مشاعره التي يشعر بها للمرة الأولى تجاه فتاة، لم يكُن " سيد " شاب متعدد العلاقات ولم يحاول يومٍ أن يقترب من إحداهُن لكن ما يشعر بهِ مع " نجمة " يُربكه كثيرًا ولا يجد تفسيرًا لهُ، أنتبه أنها لم تأتي حتى الأن على غير عاداتها فهي فاجأته أيضًا بأنها مُنضبطة بمواعيدها كالسيف، ترك ما يفعله وتوجه إلى هاتفه يلتقطه ويقوم بطلب رقمها، ثوانٍ وأتاه الرد فهتف قائلًا بلهفة لم يستطيع أن يتحكم بها:- إيه يا " نجمة " إنتِ إتأخرتي أوي كدة ليه!! 

أجابت قائلة بعفوية:- معلش كنت في مشوار مع " قمر " وجاية في الطريق أهو. 

أبتسم براحة لأنها بخير وهتف قائلًا:- ماشي أنا مستنيکِ متتأخريش. 

أغلق معها الأتصال وعلى وجهه أبتسامة واسعة لكنها أختفت سريعًا عندما صدح صوت " كرم " الذي كان يقف جانبه قائلًا بخُبثٍ:- الله الله الله على الأبتسامات والهمسات يا جدعان. 

توتر " سيد " قليلًا لكنهُ هتف قائلًا بثبات:- مش فاهم، قصدك إيه يعني! 

غمزهُ " كرم " قائلًا بمرح:- قصدي إن شكلك وقعت وحلمي بيتحقق أهو بيتحقق. 

أزداد توتره أكثر عندما تذكر حلم " كرم " وتيقن من أن الحلم يتحقق الأن، شحبت ملامحه وتسارعت نبضات قلبه، أنتبه صديقه إلى ملامحه وأدرك ما يُعانيه لذلك أقترب منهُ وربت على كتفه قائلًا بهدوء جاد:- أنا حاسس بيک بس خوفك من إنك تحب وتتحب وتبني حياة وأسرة دة غلط، ربنا زي ما خلق الحياة خلق الموت وأنت راجل مؤمن وعارف كدة، متخليش وفاة والدك ووالدتك يأثر فيک بطريقة غلط، سيب نفسك يا " سيد " وسيب قلبك يحبها دة إذا مكنش حبها أساسًا. 

نظر إليه " سيد " بألم وكاد أن يتحدث لكن صدح صوتها قائلة بمرحٍ وهي تقتحم المطبخ بصخبها المُعتاد:- صباح الخير والجمال. 

نظر إليها سريعًا لكنهُ تجمد عندما رأى أبتسامتها الجميلة ترتسم على شفتيها، كانت خلابة بفستان أخضر بلون الزرع بأكمام طويلة، ضيق من عند الصدر وينزل بأتساع من الخصر، كان يليق كثيرًا مع تقسيمة جسدها الممتليء، بينما خصلاتها السوداء القصيرة تركتها حُرة كما هي ولم تضع مساحيق تجميل كعاداتها، كانت ناعمة وجذابة، بهذه اللحظة أدرك أنها خطفت قلبه ولم يعُد ملكهُ، أنتبه " كرم " إلى حالة صديقه فخشى أن نتنبه هي الأخرى إليه لذلك صاح قائلًا بأبتسامة:- صباح النور يا " نجمة ". 

أبتسمت لهُ برقة ثُم نظرت إلى ذاك الذي ينظر إليها بصمتٍ وملامح بلا تعبير، حركت كفها أمام وجهه قائلة بتعجُب ومازالت تحتفظ بأبتسامتها الرقيقة:- هاي! إيه يا " سيد " أنت نايم وأنت واقف ولا إيه! 

أنتبه إلى حالته ولعن نفسه على وقوفه كالأبله أمامها هكذا، تنحنح قائلًا بتوتر:- لا صاحي، حمدالله على السلامة. 

لم ينتظر إجابتها بل تحرك من أمامها وأنشغل بالعمل بملامح واجمة صامتة، تعجبت " نجمة " كثيرًا وبداخلها شعرت بالحُزن لتجاهله لها، لوهلة أعتقدت أنها أصبحت قريبة منهُ، كما أنها بعد تقاربهُما الملحوظ بدأت تشعر تجاهه بشيءٍ لا تفهمه لكنهُ يدغدغ مشاعرها، لكن على ما يبدوا أن الأمر بأكمله وهميًا وبخيالها هي فقط، أنتبهت إلى " كرم " يستأذنها بالعودة إلى عمله كمدير المطعم بينما هي تنهدت بحُزن وذهبت لتُبدل ثيابها وتعود تقف بجانبه وتبدأ هي الأخرى بتقطيع الخضروات من أجل قائمة طعام اليوم، كان الصمت حليفهُما ومع وجود أثنان من المُساعدين معهُما لم تستطيع أن تسأله عما بهِ، أستمر الصمت حتى أتى وقت أستراحة العمل لكن " نجمة " كانت قد وصلت إلى أقصى درجات غضبها من صمته وتجاهله لها لذلك رفضت أن تأخذ أستراحتها وأستمرت بعملها بينما هو كان قد لاحظ غضبها فأمر المُساعدين بالذهاب ووقف هو بجانبها يُراقبها وهي تعمل حتى همس قائلًا بعدم فهم مُصطنع:- هو في حاجة مزعلاکِ! 

نظرت إليه بطرف عيناها وكادت أن تتجاهله كما تجاهلها طوال اليوم لكنها أجابت بالنهاية قائلة ببرود:- لأ، وهو في إيه يزعل يعني! 

أدرك أن غضبها وصل للقمة وقبل أن يجيب كانت تصدر منها صرخة ألم مكتومة نتيجة جرح أصبعها بالسكين الحاد، أقترب منها سريعًا ألتقط كفها بلهفة قائلًا:- أتعورتي جامد! واريني كدة. 

كان إصبعها ينزف دمٍ بغزارة، سحبها نحو صنبور المياه وقام بغسل كفها لكن الدم لم يتوقف، توجه إلى المرحاض الخاص بالعاملين وأحضر علبة الأسعافات الأولية وبدأ في تضميد الجرح جيدًا، وأثناء أنشغاله هتف قائلًا بتوتر:- هيوجعك شوية بس هيخف إن شاء الله، مش تخلي بالك يا " نجمة "! 

كانت " نجمة " مشدوهة حقًا من نظرات الرُعب التي ظهرت بعيناه، فالألم بإصبعها طفيف وهي مُعتادة على مثل هذه الأصابات لكن هو من أذهلها، أصابعه التي ترتعش وهو يُضمد جرحها خوفٍ من أن يؤلمها أكثر، نبرته التي ظهر بها قلقه عليها بشدة دون أن ينتبه، كل هذا شيءٍ ولمساته الحانية على بشرتها شيءٍ أخر، للمرة الأولى تختبر معنى " اللمس " من رجُلًا غير والدها، تواثبت دقات قلبها وأهتز جسدها بأكمله بينما ملامحها كانت مُرتبكة تشوبها البلاهة، في تلك اللحظة أنتبه هو إلى صمتها، رفع نظراته إليها ليتفاجيء بملامحها الشاحبة، تصنم أمام نظراتها التي تلتمع ببراءة خطفت لبُه، كان قريبًا منها كثيرًا حتى أن أنفاسهُما تكاد أن تتمازج سويًا، شعاع المُغيب مُسلطٍ عليهُما من خلال نافذة المطبخ مما أعطاهُما أجواءً دافئة دغدغت مشاعرهُما معًا، همس " سيد " بنبرة خافتة ناعمة دون أن يشعر بما يتفوه:- إنتِ جميلة أوي يا " نجمة ". 

عضت على شفتيها بخجلٍ بالغٍ وأخفضت نظراتها عن عيناه الجريئة بحياءً أذابه، تجمد جسدها وكتمت أنفاسها عندما وجدته يرفع كفها أمام شفتيه ويقوم بتقبيل إصبعها المُصاب، كانت قُبلة ناعمة، دافئة أصابت قلبها برعشة لم تختبرها من قبل، سحبت كفها سريعًا ووقفت وهي تنظر بجميع الأتجاهات عداه، وجنتيها باللون الأحمر القاني من شدة خجلها وبدون أية مقدمات كانت تركض نحو الخارج بأقدام هلامية، في البداية صُدِم من هروبها منهُ لكن بعد ثوانٍ أبتسم بأتساع وهو يتذكر خجلها اللذيذ الذي أعجبه وملامحها المُتوترة، شعر برغبة عارمة في أن يحيا وأن يقوم ببناء أسرة بالتحديد معها هي " نجمة "، ضرب كفيه ببعضهُما قائلًا بحماس وسعادة مفرطة:- على خيرة الله.


بعد عدة ساعات كانت " نجمة " تعمل لكن بتوتر وخجلٍ بالغان، لا تصدق إنها نفسها من كانت مُستسلمة بين يديه منذُ ساعات ولم تصفعهُ على وجهه لتجاوزه معها، لماذا أستسلمت، لماذا لم تصفعه، أيُعقل أنها تحبه! شهقت بقلقٍ عند هذه الخاطرة، قاطع مجرى أفكارها وقوفه بجانبها وهو يهمس قريبًا من أذنها بلؤمٍ لذيذ:- خلي بالك لتنجرحي تاني مع إني حبيت الموضوع أوي. 

نظرت إليه بصدمة فغمزها بشقاوة وتحرك مُبتعدًا عنها كأنهُ لم يفعل شيءٍ، كادت أن تبتسم إلا أنها نهرت نفسها وعادت إلى ملامحها الجادة من جديد، لم يتركها " سيد " الساعات المُتبقية من وقت العمل بل أستمر بمشاكسته لها حتى أنتهى الدوام أخيرًا، بدلت ملابسها سريعًا فهي تُريد أن تهرب منهُ قبل أن يراها، لن تحتمل المزيد من مشاكساته اليوم، كانت تنظر خلفها وهي تخرج من باب المطعم بحذرٍ لكنها أصطدمت بجسدٍ صلب كالجدار، شهقت بهلعٍ وتراجعت إلى الخلف لكن ضغطت على طرف الفستان فكادت أن تسقط على ظهرها، قبض " سيد " على ذراعيها وقربها منه قائلًا بأبتسامة بريئة لكنها تعرف إنها ليست بريئة تمامٍ:- ماشية بتبُصي وراکِ ليه، بتهربي من حد ولا حاجة! 

توترت وتلجلجت كثيرًا وهي تهمس قائلة بخجلٍ:- لا، ههرب من إيه! 

قربها منهُ أكثر قائلًا بخُبثٍ:- مني مثلًا! 

عضت شفتيها بخجل دون أن تجيب ليضحك هو قائلًا:- مش مصدق إن جيه اليوم اللي عجزتي فيه عن الرد وأتكسفتي زي البنات! 

زمت شفتيها بضيقٍ وحاولت أن تفلت ذراعيها من بين قبضتيه فأفلتها هو بإرادته، تراجعت إلى الخلف مُبتعدة عنه لتعدل من هندامها وبعد أن أنتهت حاولت أن تتخطاه لترحل لكنه وقف أمامها قائلًا بشقاوة:- أنا هوصلك النهاردة. 

كادت أن تعترض لكنه منعها قائلًا:- قبل ما تعترضي أنا أتصلت بوالدك وطلبت منه أوصلك عشان الوقت أتأخر وهو وافق.. 


بعد قليل كانت تسير بجانبه صامتة، خجلة بينما هو ينظر إليها هي دونٍ عن سواها يُلقي بجملة تجعلها تخجل أكثر أو يصدر صفير ناعم من بين شفتيه وكأنهُ سعيد، حتى أنهُ بدأ يدندن الأن أغنية لـ " إيهاب توفيق ".. 


كل يوم يحلو.. 

قولولوا بقا يهدى، أنا تعبت.. 

ما تخلوا يستهدى، مبقتش من الشوق خلاص بهدى.. 

وغلُبت بقا كلام ومناهدة.. 

نفسي يتأنى في الجمال سِنة، كدة كتير.. 

هو كل يوم.. 

كل يوم يحلو.. 


كادت أن تضحك لكنها تصنعت الجدية والحزم ووقفت قائلة:- بقولك إيه أوعى تفتكر إن أنا سهلة ولا هاجي بكلمة ولا أغنية، لأ يا حبيبي مش أنا. 

نظر إليها بأبتسامة واسعة قائلًا بنبرة عميقة جعلتها تنكمش على نفسها:- ومين قال إن عايزك تيجي! دة أنا اللي جيت ووقعت وطبيت خلاص. 

زاغت نظراتها بتوتر قائلة:- قصدك إيه! 

أنحنى إليها فهي قصيرة القامة نسبةٍ إليه، أكثر ما يعجبه بها أنها بالكاد تصل إلى صدره، نظر إلى عمق عيناها قائلًا بخفوت ناعم:- قصدي إني راجل دوغري وهتفهمي كلامي لما ترواحي. 

وعلى هذا النحو قام بتوصيلها إلى منزلها ورحل بعد أن رمقها بنظرة حاولت أن تتجاهل معناها لكن بمجرد أن صعدت إلى منزلها حتى تفاجأت بعمتها السيدة " صابرة " تنقض عليها وتحتضنها بقوة وهي تكاد تجِن من فرط سعادتها:- مبروك يا حبيبة قلبي، ألف مبروك يا " نجمتي ". 

كادت " نجمة " أن تختنق من شدة ضغط عمتها على جسدها وهتفت قائلة بنبرة مكتومة:- يا عمتي هتخنق سبيني أتنفس، في إيه، حصل إيه! 

أجابتها عمتها بسعادة بالغة:- " سيد " طلب إيديك من أبوکِ ومستني رأيك عشان يجي يتقدم، الواد عارف لسانك اللي عايز قاطعه وبرضه طلب إيديك، دة باينه من الفدائيين يابت يا " نجمة "! 


❈-❈-❈


" في البلدة "


=يعني هو دة يصح يا أمي، الست هانم بيت عمها موجود وهي بتبات قال عند إيه صاحبتها، الناس تقول علينا إيه! 


هدر " خالد " بهذه الجملة بعصبية بالغة، منذُ اليوم الذي واجهته " سعدية " بحقيقة نظرته إليها والاهم حقيقة مشاعرها تجاهه ومن ثُم ركضت وتركته يقف مصدومٍ، خرج ذلك اليوم من المنزل وبعد الكثير من السير وحيدًا شاردٍ أدرك أنهُ أحب " سعدية " كثيرًا خلال هذه المُدة القصيرة التي قضاها معها، لقد أظهرت إليه شخصية كان يتمناها بشريكة حياته، قرر أن يعود إلى المنزل بوقتها ليعترف لها بحبه حتى أنهُ قرر أن يُخبرها عن " ريتا " التي تركته بعد أن طلب منها أن تعود معه إلى مصر ليتزوجها وتعللت بأنها لن تستطيع أن تعيش بعيدًا عن وطنها فتركها وعاد ليُقابل " سعدية " التي رفضها بزمانٍ وأحبها بزمانٍ أخر، وعندما عاد تفاجيء بوالدته تجلس وحيدة ليسألها عنها فتُجيب بما جعل الدماء تغلي بعروقه حيثُ هتفت قائلة ببساطة:- " سعدية " في بيت " صباح " هتنام عندها كام يوم عشان البت " صباح " بتتجوز وهي بتساعدها. 

حينها رفض مبيتها خارج المنزل لكن والدته أخبرته بحزم غير مباشر أنها المسؤولة الأولى والأخيرة عنها ولا يحق لهُ التدخل فأثر الصمت وقرر أن يتركها حتى تهدأ ومن ثُم سيواجهها ويعترف لها بحقيقة مشاعره تجاهها، عاد من شروده عندما هتفت والدته قائلة بنبرة عادية وهي تنتظر غليان القهوة على " الباجور " النحاسي القديم:- قطع لسان اللي يقول كلمة على " سعدية " تربية الست " إبتهال " يا ابن بطني، محدش يقدر يفتح بوقه بنُص كلمة واللي أنت متعرفوش إن " سعدية " و " صباح " أكتر من الأخوات ومش أول مرة يناموا عند بعض، ريح حالك أنت بس. 

زم شفتيه بضيقٍ بالغٍ وهتف قائلًا بنفاذ صبر:- طب بعد إذنك أتصلي بيها خليها ترجع الليلة البيت، قوليلها إني هروح أخدها دلوقتي، مينفعش تبات أكتر من كدة عند الناس. 

نظرت إليه بنظراتٍ باردة أثارت دهشته ثُم همست قائلة:- أنا مش فاهمة أنت تاعب روحك ليه يابني، مانا قولتلك قبل سابق ملكش دعوة بيها وأنا المسؤولة الوحيدة عنها. 

جز على أسنانه قائلًا:- هو أنا مش ابن عمها وليا حق عليها، ولما أشوف حاجة غلط مش من حقي أتكلم ولا إيه! 

وضعت القهوة بالفنجان الصغير الذي بيدها وهتفت قائلة بلامُبالاة:- لا حقك طبعًا، بس دة لما يبقا في حاجة غلط تتكلم عليها من الأساس. 

هدر قائلًا بغيظ:- يعني أنا بتبلى عليها وبقيت الشرير في البيت دة، صح! 

لم ينتظر إجابتها بل خرج صافعًا باب المنزل خلفهُ بعنفٍ وهو يكاد يغلي من الغضب، بينما والدته أبتسمت قائلة بخُبثٍ وهي ترتشف من كوب قهوتها:- ولسة، أنت شوفت حاجة يا ابن بطني! خليك كدة ميت عليها عشان تعرف قيمتها بعدين. 


على الجانب الأخر خرج " خالد " من المنزل غاضبٍ ويشعر بالقهر الشديد لعدم وقوف والدته بجانبه ودعمه، كان يعتقد أنها سترفض أمر مبيتها خارج لكنها تدعمها بشدة، زفر بضيقٍ ووقف بطريقٍ زراعي مُظلم يُفكر ماذا يفعل، يجب أن يتحدث معها اليوم وإلا سيموت من القهر لغيابها وهو يعلم أنها حزينة.. بسببه هو.. 

بعد قليل كان يقف أمام باب منزل " صباح " الذي تعيش بهِ مع والديها، كان المنزل مكون من طابقين وبطريقة ما أستطاع أن يعرف أين تقع نافذة الغُرفة التي تنام بها " سعدية "، ألتفت حوله ليتأكد من أن لا أحد يراه وما خدمهُ أكثر أن سُكان البلدة منذُ غروب الشمس ويستقرون بمنازلهُم فتصبح شوارع البلدة خالية تمامٍ من الناس، جمع عددًا من الأحجار وبدأ يُلقي بها على النافذة، بعد دقائق قليلة أنفتحت النافذة ليراها تطُل عليه منها وتبحث عن الفاعل، تأكد من أن لا أحد يراه وظهر لها من خلف الشجرة التي كانت تخفيه، صُدمت " سعدية " من وجوده وكادت أن تدخل وتُغلق النافذة لكنهُ هتف قائلًا بخفوت:- أقسم بالله لو قفلتي الشباك هنادي عليکِ بعلوّ صوتي وتبقا فضيحة بقا. 

تمسكت بحافة النافذة وهمست بنبرة خافتة قائلة بغيظ:- إيه اللي أنت بتعمله دة! أمشي قبل ما حد يشوفك. 

همس قائلًا بعِناد:- أنزلي عشان عايز أتكلم معاكِ. 

أتسعت عيناها قائلة بصدمة:- أنزل فين، أنت مجنون! 


=أة مجنون ولو منزلتيش دلوقتي هتشوفي الجنان اللي بجد يا " سعدية ". 


تأففت بضيقٍ ولم تُجيب ووقف هو بعِناد البغال ينتظر قرارها، نفخت أوداجها وأغلقت النافذة وأنتظر هو عدة دقائق حتى وجد الباب يُفتح وتخرج منهُ وهي تلتفت خلفها خوفٍ من أن يراها أحد، وقبل أن يتحدث سحبته من معصمه وسارت بهِ نحو الباحة الخلفية للمنزل، توقفت خلف جذع شجرة ضخمة تخفيهُما عن الأنظار، نظرت إليه بغضب وهتفت قائلة:- إيه اللي أنت بتعمله دة! لو فاكر إن الحياة سهلة ومُنفتحة زي بلاد برة تُبقا غلطان و اا.. 


= " سعدية " أنا بحبك. 


توقفت عن الحديث بصدمة، أتسعت عيناها بفزعٍ وإزدادت ضربات قلبها بعدم تصديق، حاولت أن تستجمع شتات نفسها وتنطق بحرفٍ واحدًا لكن لم تستطيع بينما هو كان ينظر إليها بحُب وعندما رأى حالتها تلك أشفق عليها بشدة وهتف قائلًا بحنو:- أهدي وخُدي نفسك، أنا مش مستغني عنك ياقلبي. 

شهقت بعدم تصديق ولكن بعد دقائق قليلة تماسكت وقالت من بين أسنانها:- أنا مش مستنية شفقتك عشان تجيلي وتقولي بحبك وأنا بقا زي الهبلة هصدق. 

أغتاظ بشدة من غبائها، ألا ترى هذه الغبية النيران التي تحرق صدره لغيابها، ألم تراه خلال الشهر الماضي بأكمله يركض خلفها هُنا وهُناك ليقترب منها، هل هي غبية إلى هذه الدرجة أم تتصنع الغباء! وبدون أن يشعر هدر قائلًا بجنون:- شفقة إيه ونيلة إيه على دماغك، هو في حد مجنون يحب حد شفقة برضه! هو إنتِ غبية للدرجادي ومش شايفة إني بقالي شهر بلف وراكِ في كل حتة وبحاول أقربلك، بقالي شهر سايب شغلي وحالي ومالي وقاعدلك هنا لأجل ما البعيدة تفهم وتحس بس إنتِ جبلة. 

سخرت منهُ قائلة:- وياترى جاي بأمر خالتي ولا جاي تقولي الكلام دة من نفسك! 

صاح قائلًا بغضب:- " سعدية " خدي بالك بتقولي إيه وأستوعبي كلامك، أنا مش ابن أُمي ولا بمشي بشورة حد ولا أنا عيل صغير عشان حد يتحكم في حياتي ويحفظني الكلام اللي أقوله. 

عضت على شفتيها بندم وصمتت لكن لم تستطيع أن تتمالك أكثر وأنفجرت في البُكاء بألمٍ أدمى قلبه بسببها، دفنت وجهها بين كفيها تبكي، أشفق عليها كثيرًا وأمام نحيبها لم يستطيع أن يتمالك نفسه، أقترب منها وقبض على ذراعيها وقربها من صدره حتى أستقرت عليه، حاوطها بذراعيه بقوة وتركها تبكي كما تشاء، وكانت هي تبكي دون أن تشعر بما يحدث، هي فقط تُعاني وتشعر بالضغط الشديد من كل شيءٍ حولها وأرادت أن تُخرج ما بداخلها، بعد قليل أنتبهت إلى وضعهُما فأبتعدت عنهُ سريعًا بخجلٍ بالغٍ، توردت وجنتيها بحُمرة الخجل فأبتسم هو حتى يُخفف عنها الموقف وهتف قائلًا بمزاح:- لأ أنا مش هعتذر لأني كنت عايز أحضنك وحضنتك، وعايز أتجوزك وهتجوزك. 

نظرت إليه بحُزن ولم تُجيب فتنهد هو بألم لأجلها قائلًا بنبرة عميقة:- بُصي يا " سعدية " أنا بحبك وعايز أتجوزك، مش شفقة ولا بضغط من حد لأ، إنتِ لفتي نظري من أول ثانية شوفتك فيها وقربتلك ولما قربتلك حبيتك وأكتشفت إني كنت غلطان زمان لما رفضت جوازنا وسافرت، مش عيب إن الأنسان يغلط بس العيب إنه ميتعلمش من غلطه، وأنا مش ناوي أكمل في غلطي دة وأسيبك تضيعي مني، قولتي إيه! 

أطرقت برأسها قليلًا تفكر في حديثه وكم أرادت الأن لو تعترف لهُ بحبها الذي جعلها تسهر ليالٍ طوال لكنها ببساطة لا تثق بهِ، هي كطفلة تحبو تجاهه على الرغم من حبها القديم والشديد لهُ بينما هو يركض نحوها بأقصى سرعة بالرغم من حبهُ الحديث لها، عندما طال الصمت هتف قائلًا بجدية لأقناعها:- إيه رأيك نعمل خطوبة ولو مرتاحتيش معايا نسيب بعض بالرغم إن دة مش هيحصل يعني حتى لو أضطريت أخطفك. 

نظرت إليه بذهول ليبتسم ببراءة وينتظر قرارها، أشاحت بنظراتها بعيدًا عنهُ قائلة بهدوء:- أنا مليش رأي في الموضوع دة، الرأي رأي خالتي. 

أبتسم بأتساع لموافقتها الغير مُباشرة وهتف قائلًا بلهفة:- طب أطلعي جيبي حاجتك ويلا عشان نرجع البيت. 


=لا مش هينفع، أهل البيت ناموا دلوقتي وعيب يصحوا يلاقوني مشيت من غير ما أقولهُم. 


تنهد بضيق وهتف قائلًا:- ماشي بس أعملي حسابك إن بكرة هترجعي البيت والمشغل اللي إنتِ بطلتي تروحيه دة كمان. 


أبتسم لهُ بهدوء وأومأت برأسها بصمت، أبتسم هو لأبتسامتها الجميلة وتنهد براحة يشعر بها للمرة الأولى منذُ زمنٍ.... 


❈-❈-❈


" منزل آل شندويلي "


مرت الأيام بهدوءً على الجميع، كانت العلاقة بين " نجمة " و " سيد " هادئة على غير المُعتاد، منذُ أن عادت إلى المنزل وعلمت بأمر خطبته لها في البداية ثارت ولكن ليس رفضٍ بل خوفٍ من الدخول في علاقة ما، لكن بعد ذلك هدأت وعندما سألها والدها عن رأيها لا تعرف كيف نطقت بالموافقة، ومنذُ ذلك اليوم وهي أصبحت " نجمة " أخرى، أكتشف " سيد " صفات كثيرة بها، ومن أهم هذه الصفات " الأهتمام " كانت تهتم بهِ كأنها والدته وهو طفلها وكم عشق أهتمامها لكنهُ حتى الأن لم يعترف لها بالحب على الرغم من أن حبهُ ظاهر للعيان ولا يحتاج لتأويل.. 


العلاقة بين " شهاب " و " قمر " كانت من ألطف العلاقات التي قد تراها العين، كان الأول يعمل كل ما بوسعه لإسعادها، كان ذائبٍ بعشقها ويترجم مشاعره على هيئة أفعال حتى أن جميع من بالجامعة أنتبهوا إلى علاقتهُما التي يحسدهُما عليها الجميع، بينما " قمر " صُدمت من مشاعر " شهاب " القوية تجاهها، كما أنها أكتشفت بهِ الكثير من الصفات التي جعلتها تقع في غرامه، كان يهتم بها ويدللها، لم تكُن تكاد أن تتمنى شيءٍ حتى يكون بين يديها، كما أنهُ كان داعمٍ لها بدراستها وبحلمها أفتتاح مركز لتعليم اللغة الإنجليزية وأتفقا على تحقيق هذا الحلم سويًا يومٍ ما.. 


عاد " خالد " إلى المدينة ليتابع أعماله بالمطعم بعد أن صارح والدته بمشاعره تجاه " سعدية " وكم كانت سعادتها عارمة عندما علمت أن ولدها الوحيد سيتزوج من اختارتها لهُ زوجة، بينما " سعدية " كانت مُرتبكة ومتوترة بالبداية وكانت تراقب تصرفات " خالد " بتوجس من أن يكون لا يكن لها أية مشاعر وإنما قرر الزواج منها شفقة فقط لكن بالتدريج بدأت تميل وتشعر بحبهُ تجاهها بعد أن كان يفعل كل ما بوسعه ليجعلها تطمئن، وبعد عدة أيام عقد قرانهُما..


كان " كرم " يشعر بالإعجاب ناحية " سما " لكنهُ كان يخشى أن يُصارحها فتعتقد أنهُ يتلاعب بها لذلك قرر أن يتقدم لخطبتها من والدها ويعرف رأيها منهُ، ها هو السيد " صابر " يجلس أمامها يخبرها برغبة " كرم " بينما هي وجنتيها متوردتين من شدة الخجل وصامتة حتى هتف والدها قائلًا بتفحص لردة فعلها:- ها يا " سما " قولتي إيه يابنتي، موافقة ولا إيه! 

عقدت حاجبيها بحيرة قائلة:- مش عارفة يا بابا، طب أنت شايف إيه! 

أبتسم لها والدها بحنان قائلًا بنبرة حكيمة:- والله أنا شايف إن هو طالما دخل البيت من بابه يبقا راجل كويس ومش بتاع لف ودوران، وإنتِ شوفتيه كتير الفترة اللي فاتت في المطعم عند " نجمة " ولو حاسة بقبول ناحيته يبقا نوافق ونعمل خطوبة، أرتاحتي معاه كملي مرتاحتيش يبقا كل واحد يروح لحاله، قولتي إيه! 

أطرقت برأسها بخجلٍ ثُم همست قائلة بأبتسامة خجول:- اللي تشوفه حضرتك يا بابا. 

أبتسم لها أبتسامة واسعة وربت على رأسها بحنو قائلًا:- ربنا يفرحني بيكُم ويخليكُم ليا يا حبايبي. 

أحتضنته " سما " بقوة وهي تدعو الله أن يحفظهُ إليها هي وشقيقتيها.... 


اليوم قراءة فاتحة " سيد " على " نجمة " كان حفل بسيط يضُم العروسان وأصدقائهُما وأهل " نجمة " ووالدة " خالد " التي أتت من البلدة برفقة " سعدية " لحضور قراءة الفاتحة، لقد أتفق العروسان على قراءة فاتحة بسيطة وبعد عدة أشهر يكون حفل عقد القران ومن بعدها بمُدة حفل الزواج، كان صاحب هذا التخطيط " سيد " الذي أصر وتمسك برأيه بالرغم من رفض " نجمة " في البداية إلا أنهُ أستطاع أقناعها وأخيرًا، ها هو يقوم بتلبيسها الشبكة وسط سعادة الجميع وبمُجرد أن أنتهى قامت " هنا " بإطلاق الزغاريط فرحة وسعادة بخطبة صديقتها الوحيدة، أقتربت من العروسان قائلة بأبتسامة مرحة:- أخر حاجة كنت أتوقعها بس فرحانة ليكُم أوي. 

أبتسم لها " سيد " ونهض حتى يقوم بتحية " طارق " زوجها الذي أتى لمُباركة العروسان بينما " نجمة " أبتسمت بسعادة قائلة:- وأنا كمان دي أخر حاجة كنت أتوقعها والله. 

ضحكت " هنا " بقوة قائلة:- دة نصيب ياختي ونصيبك هيصيبك لو إيه حصل. 

تنهدت بأبتسامة هادئة قائلة:- معاکِ حق فعلًا. 


على الجانب الأخر كانت تقف " سعدية " بزاوية وحيدة بعد أن باركت للعروسان لتشعر بهِ يقف بجانبها، نظرت إليه بخجل ليهمس هو قائلًا بهيام:- الجميل واقف لوحده ليه! 

أبتسمت قائلة بخفوت:- خالتي سابتني وقاعدة مع الست " صابرة " فقولت أسيبهُم يتكلموا براحتهُم ولاقيتك مشغول مع صحابك فقولت أسيبك براحتك أنت كمان. 

تصنع الدهشة قائلًا:- أخس عليا وحش، إزاي أسيب القمر دة يوقف لوحده كدة! 

ضحكت برقة على طريقته بالحديث فهمس هو قائلًا بحُب:- كلها أيام وهتبقي حرم " خالد " الشرقاوي ومش هنسيب بعض خالص بعدها إن شاء الله. 

كادت مفاصلها أن تُذاب من شدة خجلها ليرحمها هو ويتحدث معها بأشياءٍ أخرى حتى لا يُخجلها أكثر لكن لا مانع ببعض المُشاكسات بين الحين والأخر.. 


أستأذن " شهاب " من " كرم " وتوجه نحو " قمر " التي كانت تتذوق بعض الحلويات التي أمامها بالبوفيه، كان يتقدم منها وهو ينظر إليها بحنو، لقد أكتشف أنها تعشق الحلويات أو بالأحرى تعشق الأكل بالعموم، توقف جانبها قائلًا بأبتسامة واسعة:- ولما وزنك يزيد شوية ترجعي تعيطي. 

أبتلعت قطعة الحلويات التي كانت بين يدها ونظرت إليه شزرٍ قائلة بشفتين مزمومتين كالأطفال:- ولو وزني زاد يعني هتبطل تحبني ولا إيه! 

أرتسمت عيناه على هيئة قلبين باللون الأحمر وهتف قائلًا بهيام:- أنا بحبك في كل حالاتك يا حتة من قلبي. 

عضت على شفتيها بخجل لكنها همست قائلة بحُب:- وأنا كمان بحبك يا كل قلبي.. 


كانت " سما " تجلس بجانب والدها تتابع ما يحدث بسعادة وحماسٍ، ألتقطت العديد من الصور للعروسان وللجميع ثُم جلست تُتابع الحفل بحماسٍ، نهض والدها من جانبها وبعد دقيقة واحدة شعرت بـ " كرم " يجلس بجانبها، كادت أن تنهض لشعورها بالخجل منهُ لكنهُ هتف قائلًا بلهفة:- أستني أنا أستأذنت من باباکِ إني أكلمك شوية، لو معندكيش مانع طبعًا! 

نظرت أمامها بخجل وفركت أصابعها بتوتر ثُم هزت رأسها بمعنى " لا " بصمت وأنتظرت أن يتحدث، أبتسم هو بحنان لخجلها اللذيذ الذي خطف قلبه وهتف قائلًا:- باباکِ بلغني موافقتكُم، إنتِ مش متخيلة أنا مبسوط إزاي عشان وافقتي عليا، ربنا يقدرني وأسعدك. 

أبتسمت برقة دون أن تجيب أو تنظر إليه فتساءل هو قائلًا:- مش حابة تسأليني على حاجة قبل ما أجي أتقدم رسمي؟! 

إلى الأن لم تنظر إليه لكنها همست قائلة بخفوت:- هو أنت بتصلي؟! 

أبتسم لها بحنان حتى لو تكن ترى أبتسامته وهتف قائلًا:- بصلي الحمدالله، هو صحيح أوقات بقطع ومش بصلي الفروض في ميعادها عشان أغلب اليوم برة بس أنا عندي أمل إني أنتظم أكتر، إيه رأيك تساعديني في دة! 

نظرت إليه بطرف عيناها وأومات برأسها قائلة بسعادة:- موافقة. 


كانت السيدة " صابرة " تجلس برفقة السيدة " إبتهال " تتحدثان بأمورٍ عامة لكنها صمتت ونظرت إلى أبناء شقيقها الغاليات، نظرت إلى السعادة التي ترتسم على وجوههن ودمعت عيناها بتأثُر، لم يرزقها الله بالأطفال وتوفى زوجها بعد سنوات قليلة من زواجهُما ورفضت هي الزواج من بعده ليعوضها الله بثلاثة فتيات من صُلب شقيقها الغالي ليكُن كأبنائها وأكثر، تنهدت براحة وهمست قائلة:- الف حمد وشكر ليک يارب على نعمك.. 


❈-❈-❈


" بنهكة الحُب " 


بعد مرور ستة أشهر اليوم تحديدًا يوم عقد قران " سيد " على " نجمة "، من الطبيعي أن يكون العروسان الأن يستعدان لعقد قرانهُما إلا أن بطلينا مُختلفان تمامٍ، كانا يقفان بالمطبخ الخاص بالمطعم يقومان بتجهيز المأكولات والحلويات الخاصة بالحفل الذي سيُقام الليلة بمطعمهُما الصغير، ذلك المطعم الذي كان السبب في تعارفهُما وبداية لقصة حُبٍ لم تكُن متوقعة بتاتًا، كانت " نجمة " تقوم بإعداد المشويات و " سيد " بجانبها يُساعدها، يرتديان زيّ الطُهاة باللون الابيض وعلى رأسيهُما " الطاقية " الخاصة بالزيّ، وأثناء أنشغالهُما توقف " سيد " ونظر إليها بأبتسامة يتخللها العشق ثُم همس قائلًا:- مصدقة إن النهاردة كتب كتابنا! 

تركت ما تفعله وألتفتت إليه حتى واجهته بجسدها ليفعل هو المثل ثُم أبتسمت أبتسامة أذابت قلبه من شدة حلاوتها قائلة:- لا مش مصدقة، مش مصدقة إن أنت تحديدًا هتبقا جوزي بعد كام ساعة. 

ضحك بخفوت على جملتها التي تذكره ببداية تعارفهُما ثُم هتف قائلًا بمزاحٍ:- اللي يشوفنا أول معرفتنا ببعض ميقولش إن دي هتكون النهاية أبدًا.

ضحكت " نجمة " برقة قائلة بمرحٍ:- فعلًا نهاية مش منطقية إطلاقًا.

نظر إليها بنظرات هائمة جعلتها تتورد ثُم همس قائلًا بخفوت ناعم:- أنا بحبک، بحبک يا " نجمة سمايا ". 

أرتعشت بتأثر من هذا اللقب الذي أصبح يُناديها بهِ مؤخرًا وكادت أن تُٔجيب لكن قاطعها صوت " خالد " الذي أقتحم المطبخ صائحًا بغيظ:- حرام عليكُم أنتوا لسة مجهزتوش، دة كتب كتابكُم لو محدش قالكُم يعني. 

ألتفت إليه " سيد " مُغتاظٍ لأنه قطع عليه هذه اللحظة التي ينتظرها منذُ أشهر وهدر قائلًت بشراسة:- أنت إيه اللي دخلك دلوقتي، أمشي أطلع برة يالا. 

كاد " خالد " أن يجيب لكن قاطعه صوت " كرم " وهو يهتف بمرحٍ:- يلا يا جماعة عشان نتصور صورة كلنا مع بعض. 

صفقت " نجمة " بمرح وهتفت قائلة وهي تسحب " سيد " من معصمه إلى الخارج:- إيه دة بجد! يلا بينا. 

مر " سيد " بجانب " خالد " ونظر إليه بغيظ وقبل أن يخرج قام بلكمه في كتفه وتوعد لهُ.. 


بالخارج كان الجميع يقفون بجانب بعضهُم البعض بأنتظار " سيد " و " نجمة "، كانت " سما " تقف خلف الكاميرا في أنتظار أن يأخُذ الجميع وضعية التصوير، هتفت السيدة " صابرة " قائلة بسعادة:- تعالو أنتوا يا عرسان في النص وخلونا أحنا حواليكم. 

ضحكت " نجمة " ووقفت بجانب " سيد " في المنتصف وجميع العائلة حولهُم، حددت " سما " وقت ألتقاط الصورة وركضت لتقف بجانب " كرم " بالجانب الأيمن، بتلك اللحظة نظرت " نجمة " إلى " سيد " الذي كان ينظر إلى الكاميرا وهمست بنبرة شغوفة خافتة لم يسمعها سواه:- على فكرة أنا كمان بحبك. 

تجمد " سيد " بتلك اللحظة ونظر إليها بعدم تصديق لكن قبل أن يجيب كانت الصورة قد ألتقطت وهي تنظر إليه ضاحكة وهو يبادلها النظرات بأُخرى مصدومة.... 


" الحُب هو الإحساس الوحيد الذي لا يستطيع المرء التحكُم بهِ، كاذب من قال أنهُ لا يبحث عن الحُب أو لا يعيش من أجله، جميعنا نعيش لأجل الحُب وبالحُب، بالحُب تستطيع أن تتحمل الكثير وتقاوم، وفي الغالب يسقط القلب في غرام من لم تتوقعهُ يومٍ، فبالنهاية نصيبک سيُصيبک أينما كُنت.. "


الــــنــــهــــايــــة

*تــمــت بــحــمــدالــلــه*