-->

رواية القانون لا يحمي المغفلين - بقلم الكاتبة آية صبري - الفصل السادس

 

رواية القانون لا يحمي المغفلين

بقلم الكاتبة آية صبري




الفصل السادس 

رواية

القانون لا يحمي المغفلين 




" أول مرة تدُق ياقلبي "


كان نهارًا صعبٍ بعد أن رحل " خالد " وتركهُ، فهو أقرب شخصٍ إليه والوحيد الذي يفهم مابداخلِه، بعد أن قام " كرم " بتوصيل " خالد " عاد إلى " سيد " فوجدهُ يجلس حزينًا، أقترب منهُ قائلًا بمرح:- يعني هو أنا مش مالي عينك عشان تفضل قاعد مبوز زي الولية الأرملة وفي رقبتها 6 عيال مش عارفة تعمل فيهم إيه! 

أبتسم " سيد " رغمٍ عنهُ قائلًا:- ياحبيبي أنت على عيني وعلى راسي بس أنت تافه يالا وهتفقعلي مرارتي. 

نظر إليه بوجه جرو حزين ثُم هتف قائلًا:- الله يسامحك يا قاسي. 

نظر إليه بصدمة ثُم أنفجر ضاحكًا ليشاركهُ الضحك " كرم " وبعد دقائق قليلة تساءل قائلًا:- هتروح المطعم النهاردة؟! 

لمعت عيناه بإصرار وأجاب قائلًا:- أكيد هروح أمال هسيب السلعوة دي تستفرد بيه لوحدها. 

هتف " كرم " بهدوء:- لا بقولك إيه أنا عايزك هادي خالص كدة ومتعملش مشاكل وتقرفنا معاك عشان أحنا أساسًا قرفانين. 

نظر إليه " سيد " بصدمة ثُم جز على أسنانه قائلًا:- قوم يالا غور من هنا مش عايز أشوف وشک تاني. 


بعد ساعة دلف " سيد " برفقة " كرم " إلى المطعم ليتفاجئا بـ " نجمة " تقف مع عددًا من العُمال وتُملي عليهُم أوامرها، أقتربا منها وهتف الأول قائلًا بهدوء خطير:- بتعملي إيه! 

ألتفتت إليه لتراه يقف كالحائط المنيع أمامها، كان فرق الطول بينهُما شاسعٍ مما جعلها ترفع أنظارها إليه لتهتف قائلة بنبرة باردة:- هكون بعمل إيه يعني! بشرف على العُمال. 

جز على أسنانه قائلًا:- وتوقفي تشرفي على العُمال ليه وأحنا موجودين! 

عقدت حاجبيها بضيق قائلة:- أوووف، وفيها إيه يعني، أنت جاي تعصبني وتحرق دمي! 

كاد أن يُجيب لكن " كرم " منعهُ قائلًا بتوتر:- " سيد " مش قصده يا أنسة " نجمة " هو بس خايف عليکِ من رخامة العُمال. 

نظرت إلى " سيد " شزرٍ قائلة:- يخاف على نفسه مش عليا. 


=إنتِ إيه يابت السخافة اللي إنتِ فيها دي! 


=بقولك إيه، لسانك الطويل دة لو ملمتوش هقطعهولك، سامعني! 


=تقطعي إيه دة أنا هـ اا.


صرخ " كرم " قائلًا بشراسة:- بس بقا أنتوا الأتنين، فرجتوا الناس علينا. 

نظرا إلى العُمال من حولهُما وقد تركوا كل أعمالهُم وأنتبهوا إلى مُشاجرتهُما الطفولية تلك، نظرت إليه " نجمة " قائلة بنبرة خافتة من بين أسنانها:- بقولك إيه أنا مش عايزة كُل شوية مشاكل وخناق وسُمعة المطعم تبوظ من قبل ما نبدأ، خليك في حالك وأنا في حالي. 

نظر إليها بنصف عين ثُم زفر بضيق دون أن يُجيب، تركتهُ " نجمة " وتجولت بين العُمال تُتابع ما يفعلونه، نظر " كرم " إلى " سيد " قائلًا بغيظ:- يابني هو أحنا مش متفقين من قبل ما نيجي إنك هتبقا هادي ومحترم ومتربي! 

هتف قائلًا بغيظ أشد:- مش عارف بقا، أنا لما بشوفها بتعصب. 


=ليه! ليه بس ما هي زي القمر أهي! 


لكزهُ " سيد " في كتفه قائلًا بغيظ:- ولا بقولك إيه أحنا جاين نشتغل مش نشقط. 


=طب ممكن بعد الشغل أشقط! 


نظر إليه بغيظ دون أن يُجيب وذهب خلفها ليرى ماذا تفعل ومر اليوم على ذلك بين تجديدات المطعم ومشاجراتهُما سويًا.... 


❈-❈-❈


سقط " خالد " فوق هذا الشخص وقبل أن يُدرك ما حدث صدحت صرخة أنثوية من أسفله جعلت عيناه تتسع وينتبه إلى طراوة الجسد المُتسطح فوقهُ، بلحظة كان يُزيح شال الرأس الذي كان يخفي وجهها عن عيناه، كان المكان مُظلم لكن قبسٍ من نور القمر كان يُنير المكان، أسفل نور القمر، بين الخُضرة والزرع، كانت لحظة سريعة مرت عليهُما لم يستطيع أن يتأمل ملامحها حيثُ قاطعهُ شهقة عالية وصوت حاد يهتف بغضب:- يا واقعة سودة، مين دة يابت يا " سعدية "!.

أنتبه " خالد " إلى وضعهُما فأنتفض سريعًا ليقف وهو يُحاول أن يُلملم شتات نفسه، شهق الصوت مرة أخرى قائلًا بعدم تصديق:- " خالد " ولدي! 

ألتفت " خالد " ليرى والدته العجوز تقف بجلبابها الأسود أمام باب المنزل الصغير وتمسك بعصاة خشبية بين يديها، دمعت عيناه أشتياقٍ لها فأقترب منها سريعًا وأنحنى مُقبلًا كفها المُجعد ثُم أنتصب في وقفته ليحتضنها بقوة بينما هي حاوطته بذراعيها تتحسس جسده لتتأكد من سلامتِه وهي تبكي بشوقٍ وراحة لعودة ابنها الوحيد، همست قائلة بنبرة مبحوحة:- أتوحشتك أوي أوي ياولدي، حمدلله على السلامة. 

طبع قُبلة على جبهتها قائلًا بنبرة مُتحشرجة:- وإنتِ كمان وحشتيني أوي يا أمي، أنا أسف على الغيبة دي كلها، غصب عني يا غالية والله. 

ربتت على كتفه قائلة بحنو:- المهم رجوعك بالسلامة لحضني تاني. 

كاد أن يُجيبها لكنها قاطعته وهي تنظر خلف كتفه قائلة بدهشة:- هو أنت قابلت " سعدية "!

ردد خلفها الأسم ببلاهة قائلًا:- " سعدية "!


=أيوة دي" سعدية " بنت عمك " وهدان " الله يرحمه، ياحبة عيني من بعد موت أبوها ومبقاش ليها حد تعيش معاه فخليتها تيجي تيجي تعيش معايا وأهو تونسني في غيابك. 


كانت " سعدية " تقف تراقب ما يحدث بين الأم وولدها بعد عودته بعد غياب طويل وعندما ذُكِر أسمها تدخلت في الحوار قائلة بهدوء:- حمدلله على سلامة ولدك يا خالتي، أنا هروح أنام عند " صباح " وهطُل عليکِ الصُبحية، عايزة مني حاجة! 

هتفت السيدة " إبتهال " بعتاب قائلة:- كيف يعني هتنامي عند " صباح " وبيتي موجود، يلا يابت أنجري على جوة ومش عايزة حديت ماسخ.

أجابت " سعدية " قائلة بنفس هدوئها:- معلش يا خالتي أنا كدة هكون مرتاحة أكتر. 

زمجرت السيدة " إبتهال " قائلة:- قصدك على " خالد " يعني! إنتِ في مكانك جوة الدار وهو هينام في الأوضة اللي في الجنينة الخلفية، ويلا نوضبها ليه قبل الوقت ما يتأخر. 

لم تستطيع أن تُجادلها أكثر ورضخت لأوامر هذه السيدة الحنون التي أحتوتها بعد وفاة والديها ولم تترُكها وحيدة بين جدران منزلها، بينما " خالد " كان يقف متوترًا، مشدوهًا من هول المشاعر التي شعر بها فور وقوعه فوقها بهذه الصورة، بالرغم من الظلام إلا أنهُ أستطاع أن يلمح لون عينيها الخضراء كمزارع الزيتون، عاد من شروده وهي تمر بجانبه لتدلف إلى المنزل فأستغل هذه اللحظة وهمس قائلًا بخفوت:- إحم أنا أسف على اللي حصل دة من شوية. 


=حصل خير. 


عقد حاجبيه بتعجُب عندما لمح نبرة البرود بصوتها لكنهُ أقنع نفسه أنهُ يُهييء إليه لا أكثر.. 


في صباح اليوم التالي أستيقظ " خالد " على صوت زقزقة العصافير، كان يتأفف بضيقٍ واضحٍ لأستيقاظه مُبكرًا لكن ما لم يكن يدركهُ أن أذان العصر قد أقترب، أنتفض بهلعٍ عندما رأى كم الساعة بهاتفه وعلى الفور كان يتوجه إلى حقيبته ويقوم بأخراج زيّ رياضي مُريح ويدلف إلى المرحاض الصغير المُلحق بالغُرفة، بعد قليلٍ من الوقت كان قد أنتهى من حمامه وقام بتصفيف شعره أمام المرآة، خرج من الغُرفة ليكون بالحديقة الصغيرة المُلحقة بالمنزل، أستنشق هواء الريف النقي وتأمل الزهور المزروعة بالحديقة بألوانها المُبهجة اللطيفة، بدأ بالسير وهو يتأمل الزهور لكنهُ عقد حاجبيه بتعجُب قائلًا:- هي من أمتى أمي بتحب الورد وبتزرعه كمان! 


=دي " سعدية " هي اللي بتحب الورد وزرعاه يا ولدي. 


ألتفت ليرى والدته تقف خلفهُ وتبتسم لهُ بحنان، أقترب منها وأنحنى ليُقبل كفها قائلًا بأبتسامة واسعة:- صباح الخير يا أمي. 

ردت عليه تحيته ثُم هتفت قائلة بتساؤل:- عجبك الورد؟! 

نظر إلى الورد بأبتسامة قائلًا:- أة أوي، بس هي بتزرعه عندنا ليه ومش بتعمل كدة في جنينة بيتها؟! 

تنهد السيدة " إبتهال " بصبر قائلة:- وأنت عايزني أسيب بنت عمك تعيش وحدانية في بيتها، هنا بيتها كمان وبإذن الله مش هتخرج منه غير على بيت جوزها. 

حاول أن يتجاهل النبرة المُبطنة في حديثها وهتف قائلًا بتساؤل:- أمال هي فين صحيح؟! 


=في الشُغل. 


أتسعت عيناه على وسعهُما قائلًا بعدم تصديق:- هي بتشتغل؟! 

أردفت السيدة " إبتهال " بنبرة فخورة قائلة:- طبعًا دي فاتحة مشغل كبير خاص بكل أنواع الخضروات وكمان بتدير المزرعة الصغيرة بتاعت أبوها الله يرحمها وبتصدر ألبان ومشتقاتها لناس كتير وبيجيلها زباين من كل حتة. 

لم يكُن يُصدق ما يسمعهُ، لقد كانت صورة " سعدية " التي أرتسمت بخياله على مدار سنوات حياته مُختلفة تمامٍ عن الصورة التي يسمع عنها الأن، أزداد فضوله نحوها ولم يستطيع كبح زمام لسانه وهو يهتف قائلًا:- وهترجع أمتى بقا من الشغل؟! 


=قُرب المغرب. 


عبس قائلًا:- لوحدها؟! 

وبنفس الغرور أجابت:- " سعدية " ميتخافش عليها، دي بـ 100 راجل. 

صمت على مضض وحاول أن يُشغل نفسه على مدار اليوم بأي شيءٍ أخر لكن رُغمٍ عنهُ كانت تأتي بتفكيره حتى نهر نفسه ذات مرة قائلًا:- في إيه ياعم " خالد " دة أنت مشوفتهاش غير من كام ساعة وياريتك حتى شوفت ملامحها والفضول هيقتلك عشانها كدة، مش دي " سعدية " اللي مكنتش بتطيق تسمع أسمها وأمك بتحكيلك عنها في التليفون وأنت في القاهرة أو برة مصر، إيه اللي حصلك بس! 

تأفف للمرة التي لا يتذكر عددها وقرر أن يخرج قليلًا ليتفحص أحوال القرية وهل هي مثل ما كانت أم هُناك ما تغيير.... 


❈-❈-❈


" في المشغل "


كانت شاردة منذُ الصباح أو بالأحرى فهي لم تنم منذُ الأمس، تفاجأت بوصوله ليلة البارحة، توترت وخجلت لكنها أمامهُ كانت صامدة، ثابتة، والأهم باردة، أخر ما تتمناه أن يعرف بمشاعرها تجاهه، ليس بعد أن رفضها منذُ سنوات، كانت تعرف أن والديها يرغبان في " خالد " زوجٍ لها كما أن والدته لها نفس الرغبة أيضًا وهي لن تكذب هي أيضًا كانت تتمناه وترغبه زوجٍ لكنهُ كان بعيدًا.. بعيدًا عنها جدًا، حياته بالقاهرة جعلتهُ يتمرد على الحياة بالريف وهي من وقت أن عرفت برفضه لها وهي تتجنب حتى التفكير بهِ، لدرجة أنها سعدت بأمر سفره إلى الخارج لكنهُ عاد وعادت معهُ أحزانها.. 


=سرحانة في إيه يا " سعدية "! 


عادت من شرودها على صوت " صباح " صديقتها الوحيدة، نظرت إليها بأنتباه قائلة:- ها، لا ولا حاجة يا " صباح ". 

نظرت إليها " صباح " بخبثٍ قائلة:- ولا حاجة برضُه، عليا أنا يابت! دة أحنا هنشوفك سرحانة كدة كتير الأيام الجاية. 

هتفت قائلة بلامُبالاة مُصطنعة:- ليه يعني إن شاء الله! 


=مممممم، يمكن عشان حبيب القلب رجع من بلاد برة مثلًا! 


أنتفضت من مكانها قائلة بغضب مكتوم:- بت يا " صباح " عارفة لو أتكلمتي في الموضوع دة تاني هقُص لسانك. 

زمت " صباح " شفتيها قائلة:- هي كدة دايمًا كلمة الحق بتزعل. 

لكزتها " سعدية " في كتفها قائلة بغيظ:- ومين طلب منك كلمة الحق دي يا مقصوفة الرقبة إنتِ! 


=وهو إنتِ لازم تطلُبيها يعني، أنا صاحبتك الوحيدة ولازم أواجهك بالحقيقة المُرة، إنتِ بتحبي الجدع اللي أسمُه " خالد " من زمان وهو عديم الأحساس، غلطت في إيه أنا بقا! 


=مساء الخير. 


صدمت الفتاتين عند سماعهُما هذا الصوت فنظرت " صباح " إلى هذا الذي يقف خلف " سعدية " وأتسعت عيناها بأعجاب ثُم نظرت إلى الأخيرة التي تقف مُتخشبة كالتمثال بأبتسامة خبيثة وهمست قائلة بنبرة خافتة لم تصل إلا لها:- إيه فلقة القمر دة يابت! ليکِ حق توقعي على بوزك زي البقرة. 

جزت " سعدية " على أسنانها وهي تتوعدها فيما بعد بنظراتها لكن الأن عليها أن تتماسك، أخذت نفسٍ عميقٍ ثُم ألتفتت إليه وهي ترسم أبتسامة صلبة على شفتيها قائلة:- مساء النور يا أستاذ " خالد "، نورت المكان أتفضل. 

خطى إلى الداخل وهو يهتف قائلًا بمرحٍ:- أستاذ إيه وأحنا ولاد عم يا " سعدية "، قولي " خالد " بس زي مانا بقولك يا " سعدية ". 

أبتسمت على مضض ولم تُجيب بينما هو نظر إلى " صباح " التي تقف خلفها تبتسم بخجل فطري وهتف قائلًا بأبتسامة جذابة:- مين القمر دي! 

أتسعت عيناهُما بدهشة من جراءتِه لتجيب " سعدية " بنفس أبتسامتها المُصطنعة قائلة:- دي " صباح " صاحبتي. 

" خالد " بنفس أبتسامته الجذابة:- أهلًا وسهلًا يا أنسة " صباح ". 

عضت على شفتيها قائلة بنبرة خجولة خافتة:- أهلًا بيک. 

كاد أن يتحدث لكن قاطعته " سعدية " قائلة بأندفاع:- هو أنت إيه اللي جابك؟! 

" خالد " بدهشة:- نعم!! 

أدركت مدى فظاظتها عندما رأت معالم الدهشة ترتسم على وجهه الجميل فتوترت بشدة وهمست قائلة:- قصدي يعني عرفت المكان إزاي، وبعدين هي خالتي كويسة! 

أبتسم على توترها الذي أعجبه وأجاب قائلًا بنبرة عميقة:- أيوة هي كويسة وهي كمان اللي قالتلي على المشروع بتاعك عشان كدة حبيت أشوفه. 

أومأت لهُ بهدوء قائلة:- نورت المكان. 

أبتسم لها قائلًا:- مش هتفرجيني على المكان! 

نظرت إلى " صباح " تستنجد بها لكنها بادلتها النظرات بأخرى صامتة لم تنفعها بشيءٍ فلم تجد بد من أصطحابه معها بجولة في المشغل لعل وعسى بعد أن ينتهي يرحل ويتركها بسلامٍ، تجول معها بالمشغل وأعجب كثيرًا بفكرة مشروعها كما أعجب بذكائها وطريقتها الجادة الحازمة في الحوار، نظر إليها وهي تتحدث ودون أن ينتبه كانت تنفلت دقة من دقات قلبه من بين عقالها.... 


❈-❈-❈


" منزل آل شندويلي "

أختبأت أشعة الشمس خلف القمر وأسدل الليل ستائره، كان المنزل هادئًا على غير المُعتاد بينما بغُرفة " نجمة " كانت تتجول بالغُرفة ذهابٍ وإيابٍ وهي تشتعل من الغيظ وتجلس أمامها " سما " وبجانبها " قمر " التي صاحت قائلة بضجر:- يابنتي فرهدتينا حرام عليکِ، إنتِ إيه بس اللي مضايقك دلوقتي! 

نظرت إليها بغضب قائلة:- يعني مش عارفة إيه اللي مضايقني، البني أدم دة بيتدخل في كُل حاجة بقولها أو بعملها في المطعم، كل حاجة عايز يشاركني فيها! 

ردت " سما " قائلة بعفوية:- يمكن عشان هو شريك فعلًا معاکِ! 

نظرت إليها نظرة صاعقة لتخاف " سما " وتضع أصابعها على فمها وهي تهتف قائلة:- خلاص سوري مش هتكلم تاني. 

عادت " نجمة " إلى أفكارها الشريرة من جديد ثُم هتفت قائلة بتوعد:- والله ما هسيبه يتهنى بالمطعم وعليا وعلى أعدائي. 

نظرت " سما " إلى " قمر " بتوجس لكن الأخيرة نهضت من مكانها قائلة:- بقولكم إيه أنا داخلة أنام عشان عندي جامعة الصبح. 


=خديني معاکِ يا " قمر " أنا كمان عايزة أنام. 


تركاها وحيدة تُرتب وتُخطط لأنتقامها من " سيد قشطة " كما تسميه.. 


على الجانب الأخر دلفت " قمر " إلى غرفتها حتى تنام لكن صدح صوت رنين هاتفها، نظرت إلى الرقم الغير مُسجل لديها بتعجُب لكنها فتحت الأتصال وأنتظرت حتى أتاها الرد من على الجانب الأخر قائلًا:- " قمر "! 


=أيوة " قمر " إنتِ مين! 


=أنا فاعلة خير ومتصلة عشان أقولك أرجوكِ ألحقي " شهاب " لأنه بيضيع نفسه بسببك. 


صُدمت " قمر " قائلة:- إنتِ مين وماله " شهاب "! 


= " شهاب " أتلم على شلة مش كويسة وفاكر إن كدة هيقدر ينساکِ، أنا واحدة أعرفه وأعرفك وعارفة هو بيحبك قد إيه، أرجوکِ ألحقيه، هو هيسهر النهاردة معاهُم في "...."، ألحقيه. 


أغلقت الهاتف بوجهها دون أن تسمع أجابتها، وقف " قمر " حائرة، مصدومة لا تعرف ماذا يجب عليها أن تفعل لكن تفكيرها لم يستمر طويلًا، في خلال دقائق كانت قد أرتدت ملابسها سريعًا وتوجهت نحو غُرفة العمة " صابرة " التي كانت تجلس في غُرفتها تقرأ في كتاب الله، فزعت العمة من دخول " قمر " المُفاجيء وقالت:- في إيه يابنتي " نجمة " قتلت شريكها! 


=لا لسة يا عمتو بس أنا واقعة في مشكلة ومش عارفة أتصرف إزاي. 


تركتها السيدة " صابرة " تحكي ما حدث وبعد أن أنتهت هتفت قائلة بجدية:- أستني أنا هلبس وهاجي معاکِ. 

" قمر " بتوتر:- طب ما تخليکِ مرتاحة وأروح أنا. 

نظرت إليه شزرٍ قائلة:- لا ياختي هرتاح أكتر لو جيت، روحي إنتِ قولي لأبوکِ عايزين مفتاح العربية عشان رايحين نشتري طلبات وتعالي. 


بعد مرور أقل من نصف ساعة كانت " قمر " تقود سيارة والدها الصغيرة وبجانبها تجلس عمتها وهي تدعو الله أن تمر هذه الليلة بخير، وصلا إلى وجهتهُما فهتفت السيدة " صابرة " قائلة بتساؤل:- إنتِ متأكدة إن هو جوة؟! 


=أيوة البنت اللي كلمتني قالتلي إن هو هيسهر مع الشلة دي هنا النهاردة. 


=طب يلا ننزل نشوفه. 


ترجلا من السيارة ودلفا إلى المكان الذي كان عبارة عن ملهى ليلي يضُم عددًا من الشباب الشبه مُغيبة عن الواقع، نظرت إليهُم السيدة " صابرة " بصدمة قائلة:- لا حول ولا قوة إلا بالله، هي العيال دي أهاليها فين! 

لم تنتبه إليها " قمر " بل كانت تبحث عنه بعيناها حتى وجدته يجلس بين أصدقاء " حسن " وعلى الرغم من هذا الجمع حوله إلا أنهُ كان يبدوا عليه الحُزن بشدة، أشارت إلى عمتها قائلة:- أهو هناك يا عمتو. 

نظرت إليه عمتها فهتفت هي قائلة:- خليکِ هنا يا عمتو، أنا هروح أتكلم معاه وهاجي. 

وقفت تنتظرها وتراقبها وهي متوجهة إليه، صُدم " شهاب " عندما رأها أمامهُ بالتحديد بهذا المكان المشبوه وأنتصب واقفٍ وهو يهتف قائلًا:- " قمر "، إنتِ بتعملي إيه هنا! 

نظرت إلى المناظر المُخيفة من حولها وهتفت قائلة بتوتر:- عايزة أتكلم معاك. 

أقترب منها وسحبها من يدها ورحل بها إلى زاوية هادئة، أوقفها أمامهُ ولم يترك يدها بل ضغط عليها بقوة قائلًا من بين أسنانه:- إنتِ إزاي تيجي مكان زي دة حتى لو عشاني! 

نظرت إليه هي الأخرى بغضب مكتوم قائلة:- وأنت برضه إزاي تيجي مكان زي دة حتى لو عشان تنساني! 

ألجمته بحديثها وأستغلت هي صمته وهتفت قائلة بجدية:- إيه اللي بتعمله في نفسك دة يا " شهاب "، مفيش حاجة مستاهلة ولا حد مستاهل إنك تضيع نفسك عشانه. 

أغمض عيناه بتعبٍ ثُم فتحهُما بعد دقيقة قائلًا بألم:- مش إنتِ بس اللي واجعاني يا " قمر "، أنا كل حاجة في حياتي واجعاني، أنا وحيد أوي فوق مما تتخيلي، إنتِ متعرفيش أحساس إنك تعيشي من صُغرك لوحدك بعد ما أهلك كل واحد فيهُم راح أتجوز حد تاني وسابوکِ وكل العلاقة اللي بينكُم شوية فلوس بس بتتبعتلك كل شهر في ميعادها عشان متفكريش تتواصلي مع حد منهُم في يوم. 

شعرت بالقهر والألم لأجله وتعجبت من نفسها كثيرًا، إذا كانت تهتم لأمره بهذا القدر لماذا رفضته من البداية! تنهد هو قائلًا بتعب:- أمشي يا " قمر " وسبيني في حالي لو سمحتِ. 

كادت أن تُجيب عندما قاطعها صوت السيدة " صابرة " وهي تهتف قائلة بهدوء:- معلش لو هقاطعكُم يعني بس أحنا لازم نمشي عشان أبوکِ ميعلقنيش أنا وإنتِ على باب الشقة. 


=ياعمتو دة وقته، أستني شوية.


=أستنى إيه يا مقصوفة الرقبة إنتِ، دلوقتي الواقفة معاه بقت حلوة! 


شهقت " قمر " بخجل بينما " شهاب " كان ينقل نظراته بينهُما بصدمة ثُم هتف قائلًا:- إنتِ جايبة عمتك معاکِ مكان زي دة، يعني مش كفاية إنتِ! 

نظرت إليه العمة " صابرة " بأعجاب قائلة بحنان أمومي:- بسم الله ماشاء الله والنبي أنت شاب زي القمر وعيل حلو أمال حبيت إيه في المزغودة دي! 

هتفت " قمر " بغيظ:- عمتو إيه اللي بتقوليه دة! 


=بس يابت أسكتِ، المهم يا حبيبي لما أنت بتحبها كدة مجتش خطبتها ليه! 


نظر إليها بألم لم يستطيع أن يخفيه وأجاب قائلًا بخفوت:- مش كل حاجة بنتمناها بناخُدها.. نظر إلى " قمر " وهو يكمل حديثه:- هي رفضتني وأنا مش هقدر أجبرها. 

برمت السيدة " صابرة " شفتيها قائلة:- أنت متقدرش أنا أقدر ياحبيبي. 

" قمر " بغيظ أشد:- عمتو أسكتِ فضحتيني. 

سخرت منها قائلة- هو مش دة اللي جيتي عيطتيلي عشانه وكنتِ خايفة عليه عشان هيضيع نفسه، دلوقتي مكسوفة! 

نظر إليها " شهاب " بصدمة قائلًا:- إنتِ عيطتي عشاني بجد! 

خجلت كثيرًا ولم تعرف بماذا تُجيب فتولت عمتها دفة الحديث قائلة بلهفة:- دي أتفتحت في العياط ولا الولية اللي جوزها سايبها ومسافر عقد عمل في الخليج، وتقولي رفضتك ومعرفش إيه، دة دلع بنات أسمع مني. 

ضربت " قمر " الأرض بقدميها قائلة بنبرة على وشك البكاء:- والله يا عمتو مش هاخدك معايا في حتة تاني، أنا ماشية. 

ركضت إلى الخارج لتضحك عمتها عليها ثُم نظرت إليه قائلة بسعادة:- هستناك بقا تيجي تطلب إيد المجنونة دي وربنا يعينك على أبتلاءك. 

تحركت إلى الخارج لكنها عادت إليه قائلة بصرامة كأنها والدته وتوبخه:- يلا أمشي من المكان دة وأوعى تيجي مكان زي دة تاني. 

أومأ لها ببلاهة وعدم تصديق أن " قمر " بكت لأجله هو وبعد أن أختفت السيدة " صابرة " من أمامه نظر حوله بضياع وأدرك أن هذا المكان ليس مكانه الحقيقي بالفعل، خرج دون أن ينظر خلفه وهو يشعر بسعادة لا مثيل لها ويحمد ربه أنه عاد إلى رشده قبل فوات الأوان.... 



يُتبع