-->

رواية القانون لا يحمي المغفلين- بقلم الكاتبة آية صبري - الفصل السابع

 

رواية القانون لا يحمي المغفلين 

بقلم الكاتبة آية صبري




الفصل السابع 

رواية 

القانون لا يحمي المغفلين 




" جمد قلبك اللي جاي أتقل vs تعيشي وتاخدي غيرها "


مرت عدة أيام وأنتهى تجديد المطعم وجاء وقت الأفتتاح الذي مر بسلام إلى حد ما ولم يقتُلا بعضهُما البعض، حتى " خالد " حضر من البلدة هو ووالدته و " سعدية " التي رفضت القدوم في البداية لكن تحت إصرار السيدة " إبتهال " وافقت وكانت سعادة الأول عارمة بموافقتها وبعد أن أنتهى الأفتتاح عاد معهُما إلى البلدة بحجة أن والدته بحاجته لكنهُ في الواقع كان يريد أن يتقرب من " سعدية " أكثر وعاد تارکًا كل شيءٍ على رأس " سيد "، حتى أتى اليوم الأول للعمل بالمطعم وكان هذا اليوم لـ " سيد " بكل أسف، وقف الأخير أمام طاقم العمل وهو يرتدي الزي الخاص برئيس الطهاة قائلًا بلهجة حازمة:- أول حاجة لازم تعرفوها إن أهم حاجة عندي نضافة المكان ونضافتكُم الشخصية، بالنسبة لمجموعة الويترز أنا مش عايز أي تأخير على أي زبون، وعايزكُم تقابلوا الزباين بأبتسامة لطيفة ووو.. 

أستمر " سيد " بألقاء أوامره عليهُم وبعد أن أنتهى طلب منهم البدء بأعمالهُم، نظر هو مرة أخرى إلى جدران وزوايا المطعم بفخر وراحة ومن ثُم توجه إلى المطبخ ليبدأ عملهُ، أنقضى الوقت وهو يقف يطبخ أشهى الأطعمة حتى حان وقت تقديم الطعام للزبائن، ترك ما يفعلهُ وتوجه إلى الخارج ليرى أن المطعم يقتظ بالناس أبتسم بسعادة وعاد إلى عمله، لكن دقائق ودلف إليه نادلٍ قائلًا بفزع:- ألحق يا مستر " سيد " الناس بتسيب الأكل وبتمشي. 

نظر إليه بصدمة وتوجه معهُ إلى الخارج ليرى نظرات الأشمئزاز على وجه الزبائن فأوقف أحدهُم قائلًا:- خير يافندم هو في مشكلة في الأكل! 

أجاب الرجل بضيقٍ قائلًا:- الأكل كله ملح وشطة زيادة، إيه القرف دة بس. 

وخلال دقائق كان المطعم يعود خاويًا من جديد و " سيد " يقف بين الطاولات يكاد يجن مما حدث لكن أتت رسالة نصية على هاتفه أوضحت لهُ الأمور " جمد قلبك اللي جاي أتقل " 

جز على أسنانه بغضب بالغ قائلًا:- يا بنت الـ**** والله ما هسيبك، مش إنتِ عايزة تلعبي، أنا بقا بدأت لعب. 


" اليوم التالي " 


كان اليوم الأول لـ " نجمة " بالعمل في المطعم، توجهت إلى هناك ومعها " سما " التي كانت تشعر بحماسٍ شديد بينما الأولى تشعر بالحماس والتوتر من ردة فعله معًا، أرتدت الزي الخاص برئيس الطهاة وكان باللونين الأحمر للسترة والأسود للبنطال على عكس زي " سيد " الذي كان باللون الأبيض بالكامل، وقفت أمام طاقم العمل وأعطتهُم تعليماتها لكن قاطعها صوت " سما " التي كانت قد سبقتها إلى المطبخ قائلة بهلعٍ:- ألحقي يا " نجمة " في مصيبة. 

سقط قلبها بين قدميها وركضت إلى داخل المطبخ لتتفاجيء بأسلاك الغاز مقطوعة بالكامل وبالطبع لن تستطيع أن تطبخ اليوم قبل أن تقوم بأصلاحها وهذا الأمر يتطلب الوقت.. 

جزت على أسنانها قائلة:- والله ما هسيبه ولا هسكتله. 

صدح صوت وصول رسالة نصية على هاتفها وكانت تعلم أنها منهُ " تعيشي وتاخدي غيرها " 


" بعد يومين "


=اللي بيحصل دة مينفعش، دة شغل عيال مش شغل ناس كبيرة وعاقلة وناضجة. 


كان هذا صوت السيد " صابر " الذي كان يجلس على طاولة بمنتصف صالة المطعم وأمامه يجلسان كلًا من " سيد " و " نجمة " وعلى جانبيه " كرم " و " سما ".. 


أستكمل السيد " صابر " حديثه قائلًا بضجر:- أنا تعبت معاكُم، والمرادي بتكلم بجد لو متعدلتوش وأحترمتوا نفسكُم أنا هقفل المكان دة، فاهمين ولالا! 

جز " سيد " على أسنانه قائلًا:- هي اللي بدأت الأول. 

نظرت إليه " نجمة " بشر قائلة:- هو اللي كان بيضايقني أيام توضيب المطعم، يعني هو اللي بدأ الأول. 


=أنا مش عايز أعرف مين اللي بدأ، أنا عايز أشوف قدامي بعد كدة ناس ناضجة وعاقلة مش عيال صغيرة. 


=حاضر/طيب.. 


تنهد السيد " صابر " قائلًا بحزم:- أنا شايف إن موضوع كل واحد يوم دة مش نافع، أحسن حاجة إنكم تشتغلوا مع بعض. 


=يعني إيه! 


=يعني طول الأسبوع هتشتغلوا مع بعض، بالطريقة دي هتخافوا على الشغل ومش هتعملوا المقالب السخيفة دي في بعض تاني. 


هتف " سيد " بضجر قائلًا:- أنا معنديش مانع، أنا راجل عايز يشتغل مش يلعب. 

نظرت إليه بسُخرية قائلة:- وأنا كمان موافقة، أنا واحدة عايزة تشتغل مش تلعب. 


=على خيرة الله. 


بعد قليل رحل السيد " صابر " وتركهُم معًا ليبدأوا العمل، وقفت " سما " أمامهُما وهتفت قائلة بهدوء:- يلا نبدأ من جديد، قوموا كدة فرفشوا وخلونا نشوف إيه المنيو بتاع النهاردة. 

وقف " كرم " بجانبها وهو يهتف قائلًا بإعجاب لم يستطيع أن يخفيه:- والله عين العقل يا " سما "، إسمحيلي أقولك يا " سما " كدة من غير ألقاب بما إننا هنُبقا أهل يعني! 

نظرت إليه بعدم فهم وهتفت قائلة ببراءة:- أهل إزاي يعني مش فاهمة! 

وقبل أن يجيب نهض " سيد " من مكانه قائلًا من بين أسنانه:- مش قصده حاجة يا " سما " هو وراه شغل وهيروح يشوفه أهو. 


=إيه ياعم سيبني ماسكني زي الحرامية كدة ليه! 


هتف " سيد " قائلًا بجنون بعد أن قام بسحبه بعيدًا عن الفتاتين:- أنت مجنون يالا، بتشقطها قدام أختها! 


=مش لو كنت أنت ناصح كان زمانك شاقط أختها! 


أتسعت عيناه بشراسة وجنون وهتف قائلًا بنبرة خطيرة:- أنت عايزني أنا أقرب من السلعوة دي، أنت أتجننت! 

أبتسم " كرم " أبتسامة واسعة قائلًا:- طب إيه رأيك إن أنا حاسس إن أخرتك هتبقا على إيد اللي بتقول عليها سلعوة دي. 

زجره " سيد " ولم يجيب بل رحل وتركه يقف يُتابع " سما " الرقيقة من بعيد وهي تُعيد ترتيب الطاولات ويشعر بأن دقات قلبه تنفلت رويدًا رويدًا، وضع قبضة يده أسفل ذقنه قائلًا بهيامٍ:- شكلك وقعت ولا إيه يا منيل! 


❈-❈-❈


" في البلدة " 


أستيقظ " خالد " صباحًا وهو يشعر بنشاطًا شديدًا، أرتدى ملابس مُريحة وخرج من غرفته لتقع عيناه على منظر جعلت الأبتسامة تشمل وجهه بأكملِه، لقد رأى " سعدية " تقف أمام الزهور ترويها بالماء وهي تبتسم بجمالًا، لم تكن قد أنتبهت إليه حتى وجدته يقف أمامها يبتسم بأتساع، أختفت أبتسامتها سريعًا وعبست ملامحها وهذه المرة لاحظها هو لتختفي أبتسامته هو الأخر لكنه همس قائلًا:- صباح الخير يا " سعدية ". 

" سعدية " بهدوء:- صباح النور، دقايق وهحضرلك الفطار. 

نظر حوله قائلًا بتساؤل:- أمال أمي فين؟! 

أجابت دون أن تنظر إليه قائلة:- راحت السوق وزمانها جاية. 

لاحظ أنها تتجاهله وتُجيب بأقتضاب وهذه ليست المرة الأولى بل دائمًا تتجاهله بينما هو يلهث خلفها بكل مكانٍ بفضولٍ وكأنه طفلًا يكتشف لعبة جديدة أُهديت لهُ، وقف أمامها يمنعها من الأسترسال فيما تفعله لتفزع هي وتشهق قائلة بغضب:- إيه اللي بتعمله دة، أنت أتجننت! 

أبتعد عدة خطوات إلى الخلف قائلًا بوجوم:- أسف. 

نظرت إليه بضيق ولم تُجيب فلم يتحمل نظرتها لينظر إليها بتفحص قائلًا بنبرة جادة:- " سعدية " هو أنا مضايقك في حاجة! 

توترت بشدة وتلجلجت بالحديث وهي تُجيب قائلة:- لا وأنت هتضايقني في إيه يعني! 


=مش عارف، أنا حاسس إنك دايمًا بتتجاهليني وبتحاولي تتجنبي الكلام معايا. 


هتفت قائلة بأستخفاف:- وأنا المفروض أخدك بالأحضان أول ما أشوفك ولا إيه! 

أجابها قائلًا بأبتسامة واسعة:- ياريت. 

نظرت إليه بشر ليسرع بالقول قائلًا بخوف:- أسف أسف. 

لم تُجيب وعادت لتكمل ما كانت تفعله قبل أن يقاطعها، ليهتف هو قائلًا بحيرة:- بس أنا برضه لسة عندي رأيي، أنا متأكد إنك متغييرة ناحيتي في حاجة، وحاسس إني عملت حاجة ضايقتك مخلياکِ مش طايقاني كدة. 

تنهدت قائلة بجدية:- أنت ولا مضايقني دلوقتي ولا قبل كدة، شيل الأوهام دي من دماغك. 

صمتت وصمتت هي أيضًا وساد الصمت بينهُما لعدة دقائق حتى قطعه " خالد " قائلًا بنبرة عميقة:- تعرفي يا " سعدية " إني كنت مُتخيلك بصورة تانية خالص. 

تألمت بداخلها لأنها تعرف ما هي تلك الصورة لكنها لم تظهر على ملامحها أيًا مما تشعر بهِ بل أرتسمت السُخرية على وجهها وهي تُجيب قائلة:- كنت فاكر إنك هتيجي البلد تلاقي واحدة فلاحة بضفيرتين وجلابية كلها ورد ومنديل على راسها ومبهدلة في نفسها وريحتها تقرف ومبتعرفش حتى تفک الخط، لا وبتكلمك فلاحي وأبتسامة هبلة مرسومة على وشها مفتونة بجمال حضرتك، لا وممكن كمان تقولك " نورت بلدك يا ابن البندر " مش كدة برضه! 

كانت عيناه على وسعهُما أثناء حديثها، لقد أنفجرت بالحديث دون أن تشعر وكأنها كانت تنتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر حتى تنفجر بهذه الطريقة، هتف قائلًا بعدم أستيعاب:- كل دة في قلبك وساكتة، هو دة السبب اللي مخليکِ بتتجاهليني وتعامليني بالطريقة دي! 

أتسعت عيناها هي الأخرى لكن بإدراك لما فعلته، لقد أخرجت كل ما كان بجبعتها منذُ سنوات مضت بلحظة واحدة، أبتلعت ريقها بتوتر وهتفت قائلة:- لا طبعًا إيه اللي بتقوله دة! دة كان مجرد تخمين عادي. 

جز على أسنانه قائلًا:- لا مش تخمين عادي، أنا دلوقتي بس فهمت كل حاجة، وعرفت إنتِ بتتهربي مني ليه! 

إلى هُنا ولم تحتمل حقًا، لقد جاهدت نفسها لسنوات حتى لا تبكي أو تظهر بمظهر المُتألمة لكنهُ لا يعطيها فرصة الأن لتحمي نفسها وقلبها المُدله بحبه، أنفجرت قائلة بغضب بينما عِبراتها تنهمر على وجنتيها:- أنت إيه يا أخي، مش بترحم ليه! مستني إيه من واحدة رفضتها من سنين وفضلت عايش في القاهرة ومش في دماغك تأثير رفضك دة عليها عامل إزاي، فاكر إن كلامك في التليفون مع والدتك ورفضك ليا بينك وبينها مش هيوصلني! خالتي " إبتهال " كانت دايمًا بتحاول تظهرلي العكس بس أنا كنت حاسة لغاية ما أمي الله يرحمها سمعتها بتكلمك في التليفون وبتتحايل عليك تيجي تتجوزني عشان ترضا عنك، وأمي جات بلغتني باللي حصل، وبعدها حضرتك سافرت برة مصر وعيشت حياتك عادي وأنا كمان عيشت حياتي وكنت راضية بنصيبي، بس أنت من ساعة ما رجعت بتضغط عليا، كنت فاكر إنك أول ما تيجي هتلاقي البت الفلاحة الهبلة اللي أمك عمالة تترجاك تتجوزها قاعدة لسة مستنية حضرتك تحِن عليها بموافقتك، صح! 

نظر إليها بعدم إستيعاب لمدى الألم الذي تعيش بهِ، ألم لأنها ببساطة تحبه وهو كالغبي رفضها، وقبل أن يتحدث أو يبرر لها أي شيءٍ كانت تتركهُ وتركض مُبتعدة عنهُ تمامٍ.. 


❈-❈-❈


" عودة إلى المطعم "


دلف إلى المطبخ وهو يبلطِم بضيق وغيظ من أفعال " كرم " لكنهُ تفاجأ بها بالداخل تقف تتطلعُ بكُلِ شيءٍ حولها بعينين دامعتين، تتأمل ما حولها بنظراتٍ مُتحسرة، للمرة الأولى يشعر بالشفقة تجاهها كما أنهُ أدرك أن " نجمة " أيضًا كان لديها حلمٍ مثلهُ لكنها على حين غرة أُختُطِفَ من بين يديها، أدرك أيضًا أنها ليست مثله، هي بالأخير فتاة ولم ترى من الحياة شيءٍ بعد لذلك لا تتقبل الأمر بسهولة على عكسه هو الرجل الذي رأى من الحياة ما رأى لذلك بدأ يتقبل الأمر ويعمل لكي يقف على قدميه من جديد، تنهد بتعبٍ من كل ما يحدث وأقترب منها لتراه وتحاول أن تمسح عِبراتها لكنهُ هتف قائلًا ببساطة:- مفيش داعي تمسحي دموعك، أنا شوفتك خلاص وإنتِ بتعيطي. 

نظرت إليه بشر وقبل أن تنطق أبتسم هو بهدوء قائلًا:- هو إنتِ على طول مكشرة كدة وعينيك بتطلع شرار، أبتسمي دة البسمة في وجه أخيك صدقة.

زمت شفتيها بضيق ولم تُجيب، تنهد مرة أخرى وقرر أن تكون هذه اللحظة لحظة صراحة بينهُما ليرتاح الجميع وهتف قائلًا بهدوء جاد:- أنا عارف إنك مش قادرة تتقبلي اللي حصل وشايفة إن حلمك ضاع، على فكرة حقک جدًا مش هقدر أقولك حاجة، بس اللي عايزك تعرفيه إن هي دي الحياة مش هتفضل تضحكلك طول الوقت، إنتِ لسة صغيرة ومش مُدركة لحاجة زي دي بس أنا راجل أكبر منك وعيشت وشوفت أكتر منك، إنتِ متعرفيش أنا شوفت إيه وأتبهدلت إزاي في بلد غريب عشان أجمع فلوس المطعم دة وبالرغم من الضربة الأخيرة اللي أخدتها بس أهو بحاول أقاوم وأقف تاني على رجلي. 

أنهمرت عِبراتها أكثر دون أن تشعر فأشفق عليها كثيرًا وحاول أن يُخفف عنها الأمر قائلًا بمرحٍ:- وبعدين ياستي جربيني مش جايز أطلع شريك حلو ولو ربنا كرمنا هنا نتشارك في مطعم تاني. 

وللمرة الأولى تبتسم بل ضحكت ضحكة بصوتٍ طفولي بريء وتوردت وجنتيها بحُمرة لذيذة كحبتيّ من الفراولة جعلتهُ يقف أمامها مشدوهًا كالأبله، أبتلع ريقه بتوتر وهمس بينه وبين نفسه قائلًا بخوف:- أجمد كدة يا " سيد " مش ضحكة هي اللي هتعمل فيك كدة. 

همست هي قائلة بنبرة هادئة يسمعها منها للمرة الأولى:- أنا أسفة على كل اللي عملته معاك من أول ما أتقابلنا لغاية دلوقتي وبتمنى نفتح صفحة جديدة مع بعض. 

أبتسم هو الأخر أبتسامة رجولية جذابة وهتف قائلًا:- وأنا كمان أسف ومعنديش مانع نبدأ من جديد يا شــريــكــتــي. 

أبتسمت " نجمة " بسعادة وشرعا في العمل سويًا، مر اليوم بينهُما لطيفٍ جميلًا خالي من المُشاجرات والمُشاحنات وبعد أن أنتهى الدوام كان الجميع قد رحل عداهُما، أغلق " سيد " باب المطعم بنسخته الخاصة من المفتاح وألتفت ينظر إليها بأبتسامة لم تغيب عن وجهه منذُ الصباح، كانت صغيرة جدًا على الرغم من أنها لا تُصنف من الفتيات أصحاب الأجساد النحيفة إلا أن قُصر قامتها يُعطيها هيئة طفولية وهذه الهيئة الأن تُثير بداخله أمرٍ ما لا يفهمه، نظرت إليه هي قائلة بهدوء:- أنا همشي بقا عشان أتأخرت، عاوز حاجة! 

أومأ لها قائلًا بهدوء مُماثل:- محدش هيجي ياخدك ولا إيه!

زمت شفتيها قائلة بضيق:- " سما " الندلة سابتني ومشيت وبعدين أنا مش طفلة عشان حد يجي ياخدني! 

ضحك بخفوت قائلًا:- بالبوز دة طفلة وستين طفلة والله. 

نظرت إليه شزرٍ ليضحك أكثر فكادت أن تتحرك وتتركه وترحل لكنهُ أوقفها قائلًا بأبتسامة جذابة:- طب ينفع أنا أوصلك! 

أصابها توتر بالغ وهتفت قائلة:- لا مفيش داعي، أنا بعرف أرواح لوحدي. 

هتف قائلًا بنفس أبتسامته:- أنا عارف بس الصراحة أنا مش هقدر أسيبك ترواحي بالليل لوحدك كدة. 

وبعد كثير من الأقناع وافقت أخيرًا على أن يقوم بتوصيلها إلى منزلها بعد أن هاتفت والدها تطلب منه الإذن وسمح لها بذلك، سارا سويًا بجانب بعضهُما البعض حتى يعثرا على سيارة أجرة وبطريقهُما قابلا عربة لبيع المُثلجات، نظر إليها " سيد " بأبتسامة وطلب منها أن تنتظره لدقيقة، ذهب إلى العربة وطلب أثنين من مخروط الأيس كريم وعاد إليها، لمعت عيناها بسعادة طفولية وهتفت قائلة وهي تتناوله منه:- شكرًا أوي بجد، أنا بحب الأيس كريم جدًا. 

شعر بالسعادة لسعادتها وسار بجانبها وهما يتحدثان بمواضيع فرعية حتى هتف قائلًا بتساؤل:- بس أشمعنا المطبخ والطبخ يعني يا " نجمة " اللي قررتي تتخصصي فيهُم؟! 

توقفت عن تناول المخروط وهتفت قائلة بأبتسامة يشوبها الشجن:- ماما الله يرحمها كانت بتحب المطبخ أوي، كان شغفها وهوايتها الطبخ وأنا كنت بقف معاها كتير في المطبخ وأتفرج عليها وهي بتطبخ لغاية ما وقعت في غرام الطبخ زيها، دخلت سياحة وفنادق وأتخصصت مطبخ بس هي أتوفت قبل ما أتخرج وتشوفني شيف شاطرة زيها بسنة واحدة. 

شعر بالحُزن وألامٍ تغزو قلبه لأجلها، يبدوا أن هذه الصغيرة بداخل قلبها جرحٍ مشابه لجرحه، حاول ألا يتطرق لهذا الأمر وتنهد قائلًا بهدوء:- الله يرحمها، على فكرة هي أكيد شايفاکِ دلوقتي وشايفة قد إيه إنتِ بنوتة شاطرة وناجحة وبتحققي أحلامك بنفسك وشايفة قد إيه إن لسانك طويل وشيبتي شعر راسي الأيام اللي فاتت. 

أنفجرت " نجمة " ضاحكة وأبتسم هو بسعادة لأنهُ أضحكها، أوقف لها سيارة أجرة وأستقلاها سويًا حتى منزلها ثُم ودعها ورحل هو الأخر إلى منزله بينما أبتسامتها لم تغيب عن عقله.... 


❈-❈-❈


" منزل آل شندويلي " 


مرت عدة أيام حتى أتى اليوم الموعود وهو اليوم الذي سيأتي بهِ " شهاب " ليتقدم إلى خطبة " قمر " أخيرًا، كان يجلس الأول أمام السيد " صابر " وهو في غاية التوتر، يحتضن باقة من الورد الأحمر الچوري ويضغط عليها بأنفعال دون أن يشعر لتتساقط أوراقها على السجادة حتى أوشكت على الأنتهاء، نظر إليه السيد " صابر " بتفحص ولاحظ مدى توتره فقرب كف يده منه بهدوء قائلًا:- عنك أنت بوكيه الورد دة عشان قرب يخلص ومش هتلاقي حاجة تقدمها للبت. 

وسريعًا كان يناوله الباقة وعاد لتوتره وصمته من جديد، أشفق عليه الرجُل كثيرًا فتنهد قائلًا بنبرة حانية:- أنت متوتر كدة ليه بس يابني، خد نفس عميق كدة وأبدأ كلامك وأنا هسمعلك. 

نظر إليه " شهاب " ببعض الخوف ثُم هتف قائلًا بخفوت:- إحم، أنا.. أنا.. أنا.. 


=أعوذ بالله من كلمة أنا، اللي بعدها إيه وبسرعة الله يباركلك عشان عندي شغل الصبح بدري. 


تجرأ " شهاب " وهتف قائلًا بأندفاع قبل أن تخذله شجاعته:- أنا جاي أطلب إيد " قمر " من حضرتك، ينفع! 

ضحك السيد " صابر " قائلًا:- شوفت الجُملة سهلة إزاي! 

أبتسم " شهاب " ببعض التوتر وأنتظر إجابته ليتحدث السيد " صابر " قائلًا بهدوء حازم:- شوف يابني أنا بناتي مش بيخبوا عليا حاجة و " قمر " فعلًا حكيتلي عنك بس أنا مستغرب إنك جاي لوحدك من غير حد من أهلك معاك! 

أبتلع " شهاب " غصة مريرة وهو يجيب قائلًا:- أنا وحيد أهلي ومن صُغري وهما منفصلين وكل واحد عايش في بلد تانية مع شخص تاني وأنا أتربيت على إيد المُربية بتاعي، كل علاقتي بأهلي هي الفلوس اللي بيبعتوهالي كل أول شهر وبقالي سنين مشوفتش حد فيهُم. 

على الرغم من الشفقة التي أصابت قلب السيد " صابر " على حاله إلا أنه تماسك وهتف قائلًا بثبات:- طب لو أنت أب ومكاني ودخل عليك واحد كدة بطوله من غير أهل وطلب منك إيد بنتك هتوافق! 

شعر " شهاب " بالأحباط لكنهُ هتف قائلًا بلهفة:- صدقني أنا بحب " قمر " ولو لافيت العالم كله مش هتلاقي حد يحبها قدي، أنا هحطها في عيني ومش هحرمها من حاجة أبدًا بس أرجوك وافق وصدقني أنا هخليها أسعد أنسانة في الدنيا، أنا بشتغل في شركة ترجمة وبقبض اا. 

قاطعه السيد " صابر " قائلًا بحزم:- شوف يابني أنا ميهمنيش أنت بتقبض كام أو عندك إيه لإن بأختصار أنا بنتي مش سلعة تتباع للي معاه أكتر، أنا بدوار على راجل يحبها ويتقي ربنا فيها ومتنامش في يوم حزينة أو دمعتها على خدها، فاهمني! 


=فاهم أنا بس كان قصدي إني اا. 

قاطعه للمرة الثانية قائلًا بأبتسامة مازحة:- وأنت شكلك فيك المواصفات دي. 

أتسعت عيناه بصدمة وهتف قائلًا بعدم تصديق:- يعني حضرتك موافق! 


=موافق على خطوبة مبدئية بس لو بنتي جاتلي في يوم وقالتلي مش مرتاحة ومش عايزة أكمل هقولك مع السلامة ياحبيبي. 


لم يصدق ما يسمعه أخيرًا سيتزوج " قمر " بعد قليل كانت تجلس بجانبه كما من المفترض أن يتحدثان لكن الخجل والرهبة هما المُسيطران على الأجواء، نظر إليها " شهاب " بسعادة جمة وهتف قائلًا:- ألف مبروك يا " قمر "، بإذن الله ربنا يقدرني وأسعدك، أنا هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أخليکِ تحبيني زي ما بحبک.. 

تسارعت ضربات قلبها بعُنفٍ وتوردت وجنتيها بحُمرة الخجل حتى أنها لم تستطيع أن تتحدث وتُخبره أنها تقريبًا.. تقريبًا " تحبه ".... 



يتبع