رواية ذنبي عشقك - بقلم الكاتبة ميرا كريم - الفصل الثامن
رواية ذنبي عشقك
بقلم الكاتبة ميرا كريم
الفصل الثامن
رواية
ذنبي عشقك
ليس العجب ممن عطب كيف عطب،
ولكن العجب ممن نجا كيف نجا
— ابن دريد
❈-❈-❈
خرجت من غرفتها في طريقها لشقة "حكمت" ولكن ما وطأت قدمها مقدمة الدرج استمعت لصوت غليظ تعلم صاحبه تمام المعرفة لتتعالى دقات قلبها ويشـ حب وجهـ ها حين اشرأبت برأسها و وجدت "صابر" ومعه شقيقها...نعم شقيقها لم يكن يهيأ لها لا والأنـ كى أنه في طريقه لها
شهقة مـ رتعبة فلتت من فمها كتـ متها بيدها ثم تراجعت تلتصق بالحائط خلفها تتمنى لو ينـ شق ويخـ فيها فحتى قلبها تبرأ من شجاعتها وهوى بين ضلوعها مع كل خطوة لأقدامه نحوها وكأنه ينذرها أن لا مهـ رب أمامها...
فقد اغمضت عيناها بقوة تشجع ذاتها ثم بسُرعة متناهية جرت اقدامها نحو شقة "حكمت" تضغط جرس الباب بأيدي مرتعـ شة وإن فتحت لها دفعتـ ها ودخلت واغلقت الباب بِرَوية خلفها فقد شهقت "حكمت" متفاجئة بفعلتها وتسائلت:
-في ايه يا "شمس"
اندفعت "شمس" تكمم بيدها المرتعشة فم "حكمت" ثم نطقت بصوت يرتجف:
-"صالح" هنا
برقت عين "حكمت" تزامنًا مع طرق باب شقتها لتشهق "شمس" وتنفي برأسها لكن "حكمت" ازاحت يدها عن فمها وهمست لها:
-متخـ افيش...خشي جوة وإداري وانا هتصرف
نفت من جديد برأسها ولكن "حكمت "طمئنتها مجددًا ودفعتها للداخل قبل أن تتناول طرحتها وتضعها على شعرها ومن بعدها توجهت تفتح الباب هاتفة:
-يووه في ايه هي الدنيا طارت
اعتلى جانب فمه وتسائل بصوته الغليظ:
-خشي اندهي ل" شمس" يا ولـ ية انتِ قوليلها اخوكِ عايزك
واربت بابها واشرأبت برأسها ترد عليه بنبرة عدائـ ية كارهـ ة:
-ولـ ية دي إيه ما تتكلم عدل يا راجل أنت وبعدين انا معنديش حد جوه و" شمس" اوضتها فوق انت غلطت في العنوان
احتدت نبرة "صالح" وهو يخبرها:
-بقولك ايه يا ست أنتِ أنا مش عايز لـ ف ودوران في واحد من الرجالة شافها امبارح وعرف أنها ساكنة هنا والراجل الكبارة صاحب البيت أكد كلامه وقال كمان انها مش بتفارقك وعلطول عندك وانا بقول تقـ صري الشـ ر وتخشي تناديها من جوه
لعنـ ت "حكمت" بسرها ذلك ال "صابر" وردت تصمم على إنـ كارها وهي تكاد تغلق الباب:
_مليش دعوة بكلام حد وقولتلك مش هنا هو انت مبـ تفهمش يلا اتوكل على الله
لم يعجبه انكـ ارها لذلك حاول ازاحـ ت جـ سدها الذي يـ سد مدخل الباب زاعـ قًا:
_ بالذوق او بالعافية مش همشي غير لما اخد اختي معايا يا شمــــــــــس
كان يصرخ بأسمها ويحاول بأي شكل ان يدفع جسـ د "حكمت" ولكنها كانت تتصدى له وتدفعه وإن يأست صرخت بعزم صوتها:
-يالهــــــ ــــــــوي انت جاي
تتهـ جم عليا اكمني وحدانية وربنا
لافضـ حك وألـ م عليك أمة محمد لو ما مشيتش من هنا
رد هو بتـ بجح مقيـ ت:
_مهما تعملي مش همشي غير بيها
وكان ردها أنها صرخت وصرخت بعلو صوتها وهي تتـ علق بحاشية ملابسه تؤرجـ حه منها:
-يالهــــ ـــــــــوي يالهـــ ـــــــوي
الــ حقوني يا ناس الراجل الـعـ رة
بيتـ هجم عليا وعايز يضـ ربني
ثوانِ معدودة وكان اهل المنطقة يتجمهرون امام بنايتها والرجال منهم يجذبوه لخارج البناية فمنهم من تطاول عليه باليد ومنهم من تطاول عليه بالقول وفي أخر المطاف أخبرتهم "حكمت" ان يتركوه ليغادر تحت نظرات "صابر" الذي وقف على أعتاب جزارته يلـ عن غـ بائه فكان يظن انه حين يؤكد لشقيقها تلك المعلومة التي وصلته بذلك سيفشي غليله من تطاول "سليم" عليه ولكن خابـ ت كافة آماله وهو يرى "حكمت" تقف في شرفتها و تنظر له بأنتصار تلـ عب حاجبيها
تــ سخر منه.
❈-❈-❈
ارتـ مت على أحد المقاعد بالكاد تستطيع تنظيم انفاسـ ها بعد مغادرته فكان "حسام" ينظر لها نظرة مُتعاطفة بعد أن أتى على صـ راخ والدته وشارك مع الرجال في ردع شقيقها فقد ناولها كوب من الماء وحثها:
-اشربي يا "شمس" واهدي خلاص مشى ومش هيقدر يهـ وب ناحية هنا تاني
وضـ عت يدها على خافـ قها تحثه على الصمود وإن كادت تأخذ من يده سبقتها "حكمت" وتجرعتها دفعة واحدة أمام نظراتها وفور أن انتهت انزلت الكوب وجلست بجوارها تقول وهي تلهث:
-انا اللي عايزة اهدى...ده اخوكِ ده بجـ ح وحـ رق دمــ ي
عقبت "شمس" بامتنان وهي تربت على سـ اق "حكمت":
-حقك عليا والله ما عارفة من غيرك كنت عملت ايه
-ولا يهمك يا بت المهم دلوقتي هتعملي ايه بعد ما عرف طريقك؟
احتل الحُزن معالم وجهها وشردت في نقطة بعيدة لثوانِ قبل أن تقول بقلة حـ يلة وبنبرة مخـ تنقة تُشيع بها رفـ ض كبريائها:
-هروحله يا"حكمت" هو الوحيد اللي يقدر يحميني.
❈-❈-❈
في المساء وخاصًة داخل تلك المنطقة الشعبية التي يقطن بها ذلك ال"صالح" الذي لم ينل شيء من اسمه.
فكان يجلس بين رجال "سلطان "على المقهى حين أكد احدهم:
-ازاي معرفتش تجيبها ده انا شوفتها بعيني يا" صالح"
ليعقب آخر:
-غلـ طان انك روحت لوحدك كان مفروض خدتنا معاك نسـ د
وهنا رد "صالح" بشجاعة لا تمت له بِصلة:
-انا كنت هقوم بيهم بس هما تكتروا عليا
بالكاد كبتوا ضحكاتهم ورد احدهم بسخرية مُبطنة لم ينتبه لها:
_ لأ ما إحنا عارفين انك أدها
ليتسائل هو بتوجس بعدها:
-طب ايه العمل ده المعلم هيطـ ين عيشتي لو مجبتهاش
-متقلقش رجالتنا هناك مرشقين في المنطقة وأول ما تظهر هيجيبوا قرارها
هز رأسه ونطق بـ غل وهو يتحـ سس كـ دمة فكه التي نالها من أحد رجال المنطقة بفضلها:
-والولية بنت***عايز اربيـ ها دي
اتـ هجمت عليا وخليتهم قلوا مني
وهنا أنفـ جر الرجال ضاحكين ومنهم من سخر:
-عـ يب عليك والله لما واحدة ست تعلم عليك كده
اسـ تنكر هو بصوته الغـ ليظ المنفعل:
-محدش علم عليا وكل واحد يحط لسانه في بوقه وحد فيكم يقوم يجبلي حاجة أكلها ولا اشربها
ليرد أحد آخر متهكمًا:
-طب دي أحنا ملناش فيها المعلم قالنا ندور معاك على اختك مش نبقى صبيانك في غيابه
ليباغته كبيرهم ويسمى "جلال" وهو يعتبر ذراع "سلطان" الأيمن ومن ينوب عنه في غيابه:
-بلاش تعيش الدور يا "صالح" علشان المعلم لو عرف أنك لغاية دلوقتي مش عارف تلاقيها هيخلينا ندفـ نك مكانك
هـ ددهم "صالح "بغـ شم وبثقة زائـ فة يتحلى بها أمامهم:
-محدش فيكم هيقدر يقوله
أكد" جلال" وهو ينهض يربت على كتفه متهكمًا:
-لأ هنقوله علشان بصراحة أنت محسوب علينا وعايزين نخلص منك بأي طريقة
ألقى "جلال" جملته قبل أن يغادر هو الرجال تاركينه يعض أنامله من شدة خوفه فنعم ذلك سيكون مصيره المحتوم إن لم يجدها فإن لم يفعلوا هم بالتأكيد سيفعلها "سلطان" إن خرج لذلك لابد أن يعثر عليها فهي الورقة الوحيدة الرابحة التي ستجعل "سلطان" ذاته طوع بنانه.
❈-❈-❈
خرج من القسم بعد انتهاء نوبة عمله ثم توجه نحو سيارته المصفوفة وقبل أن يفتح بابها وجد فتاة تقف أمامه ترتدي جلباب اسود ونقاب يخفي وجهها ويكشف فقط عن عيناها...لثوانِ تركزت نظراته الضيقة عليها وهو لديه يقين أن تلك العيون ذات الوميض التي تنظر له مباشرةٍ يعرف صاحبتها...ودون أن تنطق بشيء هدر هو آمرًا قبل أن يصعد لسيارته:
-اركبي يا "شمس"
تفاجأت كيف علم هويتها بعد أن نفذت حيلة "حكمت" وارتدت الـ نقاب واخفت وجهها حتى لا يتعرف أحد عليها ولا يتتبعها، فكيف ميزها وهي حتى لم تنطق بحرف من شدة حرجها...تناولت نفس عميق تشجع به ذاتها حين وجدته كعادته الملولة اشعل محرك سيارته وعلى وشك الانطلاق
لتهرول مُسرعة وتصعد بجانبه دون حديث فقط كل ما فعلته أنها تنفـ ست الصعداء ورفعت وشاح وجهها دون أن تنطق بشيء وكذلك هو وكأن كل منهم يحتاج للهدوء كي يرتب افكاره المبعثرة اولًا.
❈-❈-❈
توقف أمام منزله وحثها بصوت عميق رغم خفوته إلا انه ارهـ ب اعماقها بكل سلاسة:
-انزلي
نظرت على مرمى بصرها للبيت ثم احتضـ نت حقيبتها الصغيرة و تدلت من السيارة ليلحق خطواتها وإن وقفت على أعتاب البيت
تسـ مرت بمكانها ليفتح هو بواسطة مفتاحه ويشير لها أن تدخل ولكن هي كانت متيبسة والتوتر ظهر جلي على ملامح وجهها، ليزفر بقوة ويتقدم عنها هاتفًا بأسم والدته:
-يا "ليلى" أنتِ فين؟
بشكل ما فعلته تلك راقت لها وشعرت أنه أراد طمئنتها ولكن بطريقته المحسوسة وحين وقع بصرها على والدته تتقدم منه بواسطة كرسيها المدلوب تنهدت براحة ثم تقدمت بخطواتها للداخل...وحين فعلت رأت اغرب شيء بحياتها، رأت وجهه الثلجي الصلب التي اعتقدت من قبل انه لا يلين سوى بمعجزة يبتسم بسمة واسعة بشوشة للغاية وهو يميل على والدته يقـ بل رأسها ويـ ربت على كـ تفها يسألها عن حالها، وللغرابة وجدت عيناها تتعلق به لحين قالت "ليلى" ترحب بها:
-اهلًا يا بنتي
ابتسمت وقالت بلطف وهي تفرك بيدها متوترة:
-اهلًا بحضرتك
-تعالي يا بنتي قربي
أومأت لها بطاعة وتقدمت تصافحها بأدب لتشملها "ليلى" بنظراتها ثم تعقب بعدها:
-متخافيش هترتاحي معانا اوي
ابتسمت من جديد ولم تجد كلمات مناسبة تنطق بها لتكمل "ليلى":
-حابة اعرف عنك اكتر بس هنأجل الكلام لبعدين لتوجه حديثها له:
_ خدها يا" سليم" وديها الأوضة اللي هتقعد فيها علشان ترتـ اح
وافق دون حديث ليسير وتسير هي خلفه وحين وصلوا لتلك الغرفة التي تقصدها حثها قائلًا:
-هي دي الاوضة
هزت رأسها بأمتنان ثم نطقت بتردد وهي مازالت تفرك بيدها:
-انا كنت عايزة اقولك اني...
قاطعها هو بإقتضاب:
-الصبح هنتكلم
أومأت برأسها وحين ولاها ظهره قالت هي بخفوت شديد من شدة حرجها:
-شكرًا
لم يعقب بل التفت نصف التفاتة لها وقال قبل أن يتوجه لغرفة "ليلى":
-مفتاح الأوضه في الباب من جوه
تنهدت براحة لاحتياطه للأمر ثم دخلت الغرفة تغلق بابها وتدير المفتاح توسدها ومن بعدها استندت على الباب بظهرها تطالع تلك الغرفة الواسعة بنظرات راضية فقد جلست على طرف الفراش تتحـ سس الغطاء بنظرات ساهمة وشيء واحد يدور بعقلها
ان ذلك ال "سليم" غريب لحد كبير؛ افعاله تخبرك بأنه شخص جيد قلبه رحيم ويحمل ضـ مير يقظ ل، ولكن طريقته في التعبير وانتقاء الكلمات على النقيض تمامًا فحديثه دومًا لاذع يفـ تقر إلى اللياقة ورغم أنها تجد صعوبة في تقبله إلا أن الأمر لم يستحوذ على اهتمامها فسوف تعرف تُجاريه فيكفي أنه سيمنحها تلك الحماية التي هي بأَمس الحاجة لها.
ذلك ماكانت تفكر به قبل ان تتمدد بتعب و تسقط في سبات عميق لاتحسد عليه.
❈-❈-❈
في الصباح وقبل ذهابها لعملها قصدت تلك الورشة التي يعمل بها هو وفور أن رأته تسائلت بقلق:
_"عماد" هو اللي صالح قاله ده بجد "شمس" هربت
تنهد "عماد" وترك لوح الخشب الذي كان يثبته من يده ثم أخبرها بنبرة بائسة:
_ اه صح وقبل ما تسألي انا معرفش عنها حاجة ومش عارف ادور عليها فين "شمس "ملهاش حد تلجأ ليه واللي
هيـ جنني انها حتى متصلتش بيا لغاية دلوقتي
_يمكن مش عايزة تورطـ ك أنت عارف أن" صالح" من آخر مرة وهو مستحلف لك
_انا مقـ هور عليها يا "بدور" ومش عارف لغاية امتى هتفضل على كده
_مـ نه لله "صالح"واللي زيه اللي محسوبين علينا رجـ الة بالأسم بس
_ لو احتاجتي حاجة أنتِ و" رامي" أنا موجود
_اصيل وابن اصول و الحمد لله مستورة انا بس خايـ فة تتصل علشان تطمن على "رامي" والتليفون مع "صالح"
أصله خده مني وقالي انها اكيد هتتصل
فلو كلمتك قولها بالله عليك متكلمنيش عليه وخليها متشغلش بالها بينا المهم تاخد بالها من نفسها
هز "عماد" رأسه بتفهم وإن غادرت لعملها تابع ما كان يفعله ولكن بعقل شارد يفكر في "شمس" وكيف تدبرت أمرها.
❈-❈-❈
رفرفت بأهدابها الكثيفة لعدة مرات لحين استفاقت بالكامل على صوت نقر على باب غرفتها
فقد شهقت وانتفضت من الفراش تبحث بعيناها عن ساعة الحائط لتجدها الثامنة صباحًا لتضرب جبهتها تلـ عن غبائـ ها وفي غضون ثوانِ كانت تفتح الباب
لتجده أمامها تقهقرت بخطواتها واخذت تعدل من خصلاتها متوترة ثم نطقت بصوت يحمل بقايا نعاسها:
_ صباح الخير....اسفة انا في العادة بصحى قبل كده
_قدامك عشر دقايق هستناكِ في اوضة المكتب
قال جملته بإقتـ ضاب وبنبرة ثلجية باردة لا يستنبط منها شيء قبل أن يوليها ظهره ويبتعد بخطواته لتتنهد هي وتبحث عن المرحاض بعيناها وإن وجدته غسلت وجهها ومشطت شعرها ثم في غضون ثوانِ كانت تتوجه للغرفة كي تبدل جلبابها التي لم تستبدله قبل نومها، وإن انتهت وقفت في منتصف الردهة تبحث عن غرفة مكتبه بعيناها وهي ضائعة لتقترب من أحد الغرف وإن كادت تطرق بابها وجدت الباب يفتح بعنف ويظهر هو كادت ترتطم به لولآ أنه تدارك الأمر وتراجع للخلف خطوة بينما هي أطرقت رأسها وقالت بخجل:
- كنت بدور على الأوضة
زفر انفـ اسه النافذة وافـ سح لها المجال لتدخل وفور أن وقفت أمام مكتبه أمرها حاسمًا:
-اقعدي علشان عايز اعرفك النظام
هزت رأسها وجلست على أقرب مقعد ليقول بملامح صلبة كالجليد وهو يجلس على المقعد المواجه لها:
-"ليلى" بيكون ليها علاج قبل الأكل و بعده والورقة دي كتبتلك فيها كل التفاصيل واسامي الادوية ومواعيدها
مد يده بالورقة لترفع نظراتها له باهتمام وتأخذها منه تتمعن بها ليتابع هو ويملي تعليماته عليها:
-انا برجع من شغلي الساعة ٩ وساعات بعد كده الفترة اللي بغيبها ما تفارقيش "ليلى" وتاخدي بالك منها
تنهدت وهزت رأسها بملامح ثابتة ليكمل هو:
-البيت ٦ أوض وعندك اتنين حمام واحد في اوضة "ليلى" والتاني جنب اوضتك
في اتنين حرس على الباب بيبدلوا مع بعض واحد الصبح والتاني بليل وأي حاجة عايزاها للبيت تكتبي ورقة بيها وهما هيجيبوها...وفي اتنين بنات بيجوا ينضفوا البيت مرتين في الاسبوع يعني
مش مطلوب منك تعملي حاجة غير اللي قولتلك عليها
اومأت له دليل على فهمها ثم نهضت متسائلة بنبرة تحمل شيء لم يعجبه بين طياتها:
-في أي تعليمات تانية
انعقد حاجبيه الكثفين ثم ضاقت عيناه عليها قائلًا بنبرة حادة لاذعة:
-انا مش بثق في حد بسهولة و عايزك تكوني حريصة في تصرفاتك وتأكدي أنك علطول هتكوني تحت عيني
لم تهاب نظراته المُـ رعبة بل وجدت ذاتها تنظر بنصف عتمة عينه بنبرة واثقة:
-حقك وعذراك انت دخلتني بيتك وأمنتني على والدتك بس صدقني الايام هتثبت ليك أني أهل للثقة دي
انفكت عقدة حاجبيه شيء فشيء واتسعت عيناه الضيقة لثوانِ قبل أن يرجع ظهره للخلف بأريحية أكثر هادرًا بعنجهيته الغاشمة:
-مفيش قدامك غير كده لأن ببساطة مفيش عندي مجال للغلط
زفرت انفاسها ولم تجب، ليفرك شعيرات ذقنه الناعمة ويتابع:
-روحي استكشفي البيت بنفسك وبعد كده افطري وحضري فطار ل "ليلى"
هزت رأسها ودون حديث انصرفت من أمامه، ليفتح هو هاتفه يتأكد من ذلك الشيء الذي فعله عن عمد كي يساعده أن ينتزع تلك الأفكار السوداوية عن رأسه ويأمل أن يفيده ويجعله يثق بها.
❈-❈-❈
استكشفت البيت كما أمرها وتفقدت اماكن كل شيء وأول شيء فعلته هو ترتيب الدواء وعمل جدول منظم كي لا تخطئ كما نبهها وهاهي بعد أن حضرت الفطور تجلس بجوار "ليلى " التي أصرت عليها أن تأكل معها فما كان منها غير أن تنصاع لرغبتها
فكانت تلوك الطعام ببطء حين سألتها "ليلى ":
ـ امبارح كنتِ لابسة نقـ اب وكاشفة عن وشك وكنت حابة اسألك بس مرضتش احرجـ ك
_لا ابدًا ولا حـ رج ولا حاجة كل الحكاية أن" حكمت" جارتي هي اللي اقترحت عليا البسه علشان اخويا خوفت يكون بيراقبني
_متأكدة انه اخوكِ من امك وابوكِ؟
هزت رأسها ببسمة مريرة تؤكد لها:
_اه اخويا الله يسامحه بقى
_ ربنا يهديه ويصلح حاله
_يارب
لتحثها "ليلى" بود:
_طيب احكيلي شوية كده عن نفسك ومتتكسفيش انا زي امك
تناولت" شمس" أحد الشطائر وناولتها إياها قائلة بصدق استشفته "ليلى" بوضوح:
_ اصلَا انا حبيتك اوي من اول ما شوفتك وفكرتيني بأمي كانت طيبة كده شبهك وحنينة
نظرت لها" ليلى" نظرة مُتعاطفة وقالت:
_ربنا يرحمها
_يارب.
_اتوفت وانتِ صغيرة؟
احتل الحُزن معالم وجهها وهي تجيبها:
_اه كان عندي خمستاشر سنة لما مـ اتت وبعدها بكام شهر حصلها جوزها من كتر حزنه عليها ومن ساعتها وانا مسؤولة عن اخواتي ومن صغري وانا بشتغل
كادت تسرد لها باقي قصة كفاحها ولكن ليلى" استوقفها شيء ما بحديثها ولذلك تسائلت:
_هو انتِ عندك اخوات غير "صالح"
ابتلعت غصتها ولم تجب لثوانِ وإن فعلت غيرت سير الحديث:
_هروح اجيب الدوا وافرجك نظمت المواعيد ازاي وكمان هعملك عصير فرش هيعجبك اوي
ابتسمت "ليلى" واحترمت عدم جوابها ولكن بينها وبين ذاتها تيقنت ان تلك المسكينة لم تحظى بشيء غير الشقاء مُنذ صغرها.
❈-❈-❈
ــ احلف ان ده اللي حصل
نطق بها "نضال" مفحومًا من الطرف الأخر بعد أن قص عليه "سليم" كل ما حدث خلال تلك المكالمة الهاتفية التي بادر بها هو حين غادر المنزل، فقد تنهد بقوة واجابه بسأم:
-انا عارف مش هخلص منك ولا من بواختك
كرر "نضال" بعدم تصديق غير عابئ باسـ تيائه:
-يعني هي عندك في البيت دلوقتي؟
أجابه بنفـ اذ صبر:
-ايوة امال انا بحكيلك ايه من بدري
طال صمت "نضال" وكأنه يستوعب الأمر ثم قال بعقلانية بعدها:
-أنت كده بتـ ورط نفسك افرض اخوها عرف طريقها هتعمل ايه معاه.
زمـ جر "سليم" قائلًا:
-يبقى يفكر يقرب منها تاني علشان اكون معلمه الأدب
تسائل "نضال "بريبة من الطرف الأخر حين لاحظ عصبيته الزائدة:
-اول مرة اشوفك محموق كده لواحدة يا" سليم" وبصراحة نفسي افهمك غلط
لـ عن بداخله ثم أغمض عيناه بقوة قبل أن يرد بعنجهية الغاشـ مة:
-مفيش مجال للغـ لط معايا أنت عارف صاحبك كويس
كل الحكاية إنها صعبت عليا وكمان كنت محتاج حد يقعد مع "ليلى" لغاية ما "صباح" تتحسن
تابع "نضال" مستغربًا وكأن ما قاله صديقه لم يقنعه:
-بس مش غريبة دي انت مش بثق في صوابع ايدك ازاي دخلتها بيتك
غاب رده فهو ذاته لا يعلم كيف قَبل بذلك وكيف انفلت ذلك القرار متواريًا خلف قواعده الثابتة، مهلًا لم يتوارى هو اتخذ القرار بمحض ارادته ولكن بالطبع رفض أن يعترف به لذلك قال مستنكرًا:
-ده كان اقتراح "ليلي" مش قراري بس البنت تحت عيني دايمًا ونفسي تغلط علشان ابقى مزعلتش" ليلى" و خلصت ضميري
وهنا تسائل "نضال" متهكمًا:
-متأكد أن ضميرك بس اللي عايز يرتاح مش حاجة تانية
ابتلع ريقه رد بثبات يتقنه:
-اعتبر ده سؤال ولا تشكيك لو كنت بتشكك فأنت تبقى غبـ ي وخـ سارة عشرتي ليك
رد "نضال" بخفة ساخرًا:
-ياعم واللهِ سؤال...هو الواحد حرام يسأل صاحبه سؤال بريء
-لأ مش حرام بس بعد كده اسأل اسئلة منطقية علشان خلقي ضيق
تابع "نضال" سـ خريته العابثة:
-هو في حاجة مزهـ قاني غير خلقك الضيق ده… انا نفسي يبقى استرتش علشان اعرف اخد وادي معاك
شاكسه "سليم" بطريقته الغاشمة:
-اعملك انت اللي حواراتك كترت و موضوع ارتباطك بالبشمهندسة
ده رجعك مراهق تاني
لم يسـ تاء "نضال" من صراحته الزائدة بل برر الأمر بمنظوره هو دون تعقيد وببساطة متناهية:
-ليك حق تقول اكتر من كده وانا نفسي حاسس إن عقلي مبقاش فيا بسببها بس ده من فرحتي يا غـ شيم أنا كل حاجة بعيشها معاها كأنها أول مرة بطعم مختلف عمري ما جربته قبل كده…ليتنهد مُسهدًا ويضيف بصدق:
_ الحب ده بيسلب الواحد إرادته و بيهاجم العقل والقلب وكل الحواس في وقت واحد من غير أي معاير ولا قوانين ثابتة و كل الحكاية ببساطة أن ربنا هو اللي بيؤلف القلوب على بعضها
كان يستمع له في هدوء دون أن يقاطعه كعادته يتسائل كيف لتلك الكلمات البسيطة أن تجعله يتمعن بها فصدقًا تلك أول مرة يستوقفه شيء ينطق به صديقه ولذات السبب تعجب" نضال" متسائلًا من الطرف الأخر:
_ يا دي النيـ لة كل ما اقول مش هفتح بوقي معاك مفيش فايدة وبنسى انك
جِـ احد… طب يلا زي ما عودتني سمعني واحدة نحنوح كده قبل ما اقفل
ابتسم"سليم" وشاكسه:
_ اخيرًا اعترفت بنفسك من غير ما اقولك
_مش هرد عليك ويلا انا هقفل بكرامتي احسن علشان اشوف شغلي مش هبقى مراهق و نحنوح وعاطـ ل كمان
-لأ وانا ما يرضنيش يلا اقفل سلام
اغلق معه وعلى وجهه بسمة عابرة اندثرت تدريجيًا حين ترددت جملة صديقه برأسه لتتجهم معالمه ويشعر بعدم الارتياح لسبب هو ذاته مازال يجهله.
❈-❈-❈
كانت منهكة في عملها على المكينة داخل مصنع الملابس التي تعمل به كي تقتات قوت يومها وتعود لصغيرها التي تركته مع واحدة من جيرانها التي تثق بهم.
ففي وقت الراحة المخصصة للغداء مالت "بسمة" التي تعمل معها بذات المصنع قائلة:
-عرفتِ اللي حصل
تنهدت "بدور" وقالت بضـ جر:
-ايه اللي حصل يا "بسمة"
لوت "بسمة "فمها وقالت بصوت جهوري كي يصل للجميع:
-بيقولوا" شمس" هربت والحتة كلها بتتكلم انها شافتلها شوفة
هبت "بدور" مدافعة:
-قـ طع لسـ ان اللي يجيب سيرة "شمس "بسوء
تخابثت" بسمة" تحاول بخ سمها:
-وانتِ محـ موقة ليه يا "بدور" ده المفروض تفرحي للفضـ يحة وتشـ متي فيهم أن ربنا ردلهم... ده أنتِ ياما اخوها فرج عليكِ الحتة
هدرت "بدور" مستنكرة بشدة بعدما تجمهر الكل حولها:
-اللهم لا شـ ماتة...انا مش زيك يا "بسمة "الـ غل والـ حقد مالي قلبي وبعدين" شمس" هي الحد الوحيد اللي وقف جنبي انا وابني ومستحيل اسمحلك تسؤي سمعتها
"شمس" اشرف من الشرف ولو فعلًا سابت البيت فهو علشان افترى "صالح" عليها
تخصرت "بسمة" أمامها متهكمة:
-اهو كلام والله اعلم فين الحقيقة
وهنا لم تبخل عليها "بدور" وتهكمت:
-الحقيقة الاعمى شايفها الدور والباقي على اللي الـ غل والسـ واد عامـ ي بصيرته
احتدت نظرات "بسمة" وتسائلت بعصبية:
-قصدك ايه؟
مالت "بدور" على اذنها هامسة بنبرة مُبطنة تحمل بين طياتها الكثير من الخفايا:
-قصدي اللي بيته من ازاز ميحدفش الناس بالطوب واظن انتِ فهماني كويس ومتخلنيش افضح المستور
ابتلعت غصة مدببة بحلقها وزاغت نظراتها ونطقت بتراجع متخوفة:
-مش ههون عليكِ انا وانتِ تربية ملجأ واحد واتربينا مع بعض
أكملت "بدور" الحديث بالنيابة عنها:
-وكنا اصحاب لغاية ما هانتِ نفسك عليكِ ومسمعتيش النصيحة تبقي تتحملي بقى
ألقت حديثها الـ مُلغم وغادرت لتستأنف عملها تاركة "بسمة" شاحبة كالمـ وتى وكأن حتى دمـ ائها الشـ حيحة فرت خوفًا من توابع فعلتها فإن انكشف سترها قبل أن يعود الغائب سيكون المـ وت اهون لها.
يُتبع..