رواية في غياهب القدر - للكاتبة بسمة بدران - الفصل السابع
رواية في غياهب القدر
للكاتبة بسمة بدران
في غياهب القدر
الفصل السابع
انتقام 2
ابلغ عزيزا في ثنايا القلب منزله
اني وان كنت لا القاه القاه
وان طرفي موصول برؤيته
وان تباعد عن سكناي سكناهم
يا ليته يعلم اني لست اذكره
وكيف اذكره اذ لست انساه
(المتنبي)
❈-❈-❈
في مشهد مهيب تجمع سكان أهل الحي بأكملهم وعلى رأسهم الشيوخ والشباب وكذلك النساء والأطفال تلبية لدعوة عمار ذلك الشاب المحبوب هو وعائلته من الجميع.
يقفون يترقبون ما يحدث بأعين فضولية
فلماذا جمعهم ذلك الشاب يا ترى ما الذي يحدث؟
هل حدث مكروه أم هناك شيئا يريد أخبارهم به؟
كل تلك التساؤلات دارت في عقول الحضور.
صمت أطبق على الجميع عندما هتف بصوته الجهوري: يا رجاله اسمعوني وأنا راضي بحكمكم.
توجهت جميع أبصار الجميع نحوه فاستطرد حديثه بغل دفين: لو عرفت إن حد اتهجم على واحدة من أهل بيتكم هيبقى إيه رد فعلكم؟
هتف أحد الرجال بعصبية: هقطعه بسناني طبعا ودي محتاجة كلام.
هتف آخر: ده أنا أخليه عبرة عشان ما يفكرش مجرد التفكير أنه يكررها تاني لا هو ولا غيره.
ظهرت ابتسامة رضا على شفتيه ثم هتف بهدوء ما يسبق العاصفة: وهو كده اللي أنا عملته كلكم سمعتو عن اللي حصل لصَبا بنت عمتي واللي أنتو برده كلكم عارفينها وعارفين أخلاقها وطباعها
عمرها ما أزت حد. كانت دايما في خدمة الجميع عمرها ما ردت حد مكسور الخاطر صحيح.
غمغم الجميع بصوت مرتفع: حصل.
وقع قلب المعلم فكري في قدميه وهو يرى انكشاف الحقيقة تقترب منه رويدا رويدا فشعر أن دلو ماء بارد يسكب عليه في شهر أمشير.
فأجفل على صوت عمار الجهوري: يا رجاله هاتوا الأمانة الأولى.
وما هي إلا ثواني حتى تقدم ثلاثة من الرجال يحملون شيئا مغطى ووضعوه أرضا.
ثواني وأخرجها الرجال من مكانها بعد أن أزالوا عنها الغطاء.
فهتف عمار يخاطبها بأمر: قوليلي يا أم إسماعيل مين اللي وزك على صَبا بنت عمتي.
أجابته أم إسماعيل برعب عظيم: الست حسناء مرات المعلم فكري يا باشمهندز.
ارتفعت همهمات الجميع في سخط فمنهم من شعر بالغضب ومنهم من شعر بالحزن ومنهم لم يبالي أصلا بما يحدث.
فوجه حديثه للمعلم فكري هادرا بعنف: ودلوقتي بقى يا معلم فكري أنا راضي بحكمك
يا رجاله اللي ما يقدرش يحكم أهل بيته يبقى مش إيه؟
صمتا الجميع في خزي فتابع هو: يبقى مش راجل عدم اللامؤاخزة يا معلم
دلوقتي أنت حريمك اعتدوا على أهل بيتي وأنا راضي بحكم كبارات المنطقة واللي هيأمروني بيه أنا هنفزه
أما عن الست دي فالبوليس هو عرف شغله معاها خدرها.
انصاع الرجال لأوامر سيدهم وأخذوها بالقوة رغم اعتراضها الواهي وصراخها عليه بأن يتركها ويسامحها.
لكن هيهات فليس عمار هنداوي من يغفر لأحد تعرض لشخص يخصه
❈-❈-❈
أما عن صبا
فقد كانت تشعر بسعادة لا مثيل لها لأول مرة ترى ذلك الجانب منه دفاعه المستميت عنها جعلها تعشقه أكثر فأكثر
رباه فعشقها لذلك الرجل ملأ قلبها وفاض منه.
استفاقت من هيامها على وكزه من ابنة خالها عبير التي هتفت بحزن: الحمد لله يا صَبا انك بقيتي كويسة منهم لله.
أومأت لها ولم تعقب فقد كان نظرها ما زال متعلقا بمعذب فؤادها.
بترت كلامها عندما استمعت إلى صوت أخيها الجهوري يناديها لتتقدم منه.
فعلى الفور انصاعت لأوامر أخيها الأكبر.
وها هي ذي تقف أمامه تنتظر أوامره.
جذبها يطوق كتفها بأحد ذراعيه هاتفا بقوة وشراسة: ودلوقتي جينا للموضوع التاني أختي اللي كانت عايشة برنسيسة في بيت أبوها جوزناها لواحد كنا فكرينه ابن ناس لكن للأسف طلع كلب وبدل ما كان يشيلها فوق دماغه ويعاملها بما يرضي الله كان بيصبحها بعلقة ويمسيها بعلقة ده غير المخدرات اللي كان بيشربها ومضيع عليها فلوسه ومجوعها عشان كده أنا أخدت قرار وعايزه يتم قدامكم كلكم.
وجه حديثه للرجال الذين يقفون بعيدا يخاطبهم بأمر: هاتوا الأمانة التانية.
دنوا منه وهم يحملون شخصا لم يتعرفوا على هويته فأزالوا عنه الغطاء.
فرمق عمار بنظرات عدائية لو كانت تقتل لوقع صريعا في الحال
هاتفا بغل: هتدفع تمن اللي عملته ده غالي يا عمار يا هنداوي.
ابتسم بسخرية لاذعة هاتفا وهو يركله في معدته وهو مزجي أرضا: وكمان لك عين تهدد يا روح أمك ده انا هخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك يا عرة الرجالة.
وقبل أن يستوعب حديثه هتف مخاطبا شقيقته بأمر: اضربيه زي ما كان بيضربك.
ازدردت ريقها برعب ووزعت بصرها بينهما وهي تهز رأسها بعنف: لا لا لا مش عايزة يا عمار.
صاحا بضراوة أفزعتها هي وجميع الحضور: بقول لك اضربيه.
انحنت بجزعها إلى مستواه وصفعته صفعة قوية.
ثواني وقفزت أمام عينها صورها معه تارة يضربها وتارة يهينها ناهيك عن حرمانها من كل شيء تحبه فراحت تنهال عليه بالصفع وسط ذهول الجميع.
شعر بعض الرجال بالاستنكار فمهما حدث سيظل زوجها وما فعله عمار هنداوي إهانة لرجولته وكبريائه.
بينما رأت النساء أن هذا ما يستحقه ذلك اللعين فأطلقت إحدى النساء زغروطة يبدو أنها تعاني مما عانته عبير هاتفة بصوت رفيع: تسلم يا ابن هنداوي.
أما عن عبير فابتعدت عنه بضع خطوات وهي تلهث وتشعر لأول مرة بالظهر والسند.
فقد برهن لها شقيقها أنها كنز ثمين وان مهما حدث سيبقى أمانها وحمايتها.
أجل يا سادة فالأخ هو العزوة والسند تجده كلما إحتجته
يكون أبا عند اللزوم. صديقا عند الحاجة. هكذا هو الأخ.
جذب أخته مرة أخرى إلى صدره هاتفا باشمئزاز: ودلوقتي طلق اختي.
تطاير الشر من مقلتيه هاتفا بشراسة: انتي طالق يا عبير طالق بالتلاتة بس اقسم لك بالله ما هعدي اللي انت عملته ده يا عمار ولو كانت اخر حاجة هعملها في عمري.
قهقهة بلا مرح هاتفا بتحدي: وانا مستني اشوفك هتعمل ايه يا سيد الرجالة.
قال جملته الاخيرة بسخرية لازعة جعلت جميع الحضور يضحكون بسخب.
شعر الحاج هنداوي بالفخر من ابنه البكري لطالما كان يفتخر به ويشعر بانه احسن تربيته.
وللحقيقة لن يخذله عمار قط لطالما كان رجلا بما تحمل الكلمة من معنى.
ولم يشعر بنفسه إلا وهو يدنو من ولديه يحتضنهما بقوة ويشكر الله بداخله على هذه النعمة التي منحه اياها.
❈-❈-❈
عاد وليد أدراجه فهو قد شاهد العرض منذ بدايته وعلى الرغم من الغل والحقد الذي يكنهم لعمار إلا أنه شعر الإعجاب الشديد مما فعله.
فاي رجل مكانه سيفعل ما فعله عمار وأكثر.
استقل سيارته وهو يفكر في حل وطريقة للوصول إلى حبيبته لكن ماذا عساه أن يفعل وهو يعلم أن قلبها ليس ملكها بل ملك شخص لم يشعر بوجودها من الأساس.
ظلم كبير لتلك المخلوقة الرقيقة ان تعيش حب من طرف واحد تعاني بمفردها.
يعلم كجميع البشر أن مشاعرنا ليست بأيدينا لكن أين كان عقلها كيف لم تدافع عن حبها؟
فلربما نهرا ذاته عندما وصل تفكيره إلى هنا فماذا يقول؟ أيريدها ان تكون لعمار!
إذا ماذا عنه هو؟
تحدث مع نفسه أليس من المفترض أن من يحب يتمنى السعادة لحبيبته حتى لو كانت مع غيره؟
كل هذا هراء حبر على ورق ليس يمت لقانون الواقع بصلة.
فمن يحب يريد وصال حبيبه يتمنى قربه يفضل البقاء معه طوال الوقت يمازحه يدلله يسمعه أعزب كلمات الغزل يعبر له في كل لحظة ودقيقة عن مدى حبه وشوقه له.
إذا ماذا عن الحب دون أمل
فمن وجهة نظري هذه المقولة خاطئة بكل المقاييس.
فعندما نحب نفكر في نفسنا نحن ومن نحب ولا نفكر في طرف واحد من العلاقة.
فمن يضحي بحبيبه فهو لم يحب
فكيف أضحي به واتركه يذهب لغيري وأقول إنني أحبه.
أليس الحب امتلاك أنانية في بعض الأحيان غيرة اشتياق.
كل هذه التساؤلات تدور في خلدي أنا وليس وليد بمفرده.
ضرب مقود السيارة بقبضة يده مرارا وتكرارا ظنن منه أنه بتلك الطريقة سيخرج ما بداخله من حيرة وعذاب.
لكن كلا يا صديقي فمن أراد شيئا عليه أن يسعى ويسعى للحصول عليه.
وكما يقال كل شيء مباح في الحب والحرب.
❈-❈-❈
ليلا
تتقلب على فراشها وكأنها تتقلب على جمرات من نيران.
فكلما تذكرت نظرات صَبا لزوجها تشعر بنيران تتأجج في صدرها.
نظراتها نظرات إمرأة عاشقه حتى النخاع.
تكاد تجزم أنها لم تنظر لزوجها تلك النظرات من قبل
تلك الفتاة خطيرة بما تحمل الكلمة من معنى وعليها التخلص منها في أقرب وقت فزوجها تخلى عنها الليلة من أجل انعقاد مجلس مع كبار المنطقة لحل مشكلة تلك البلهاء وإلى الآن لم يعد.
فكانت تخطط لها بفضيحة كبيرة في كل المنطقة لكن تحذيرات والدتها منعتها
والدتها على حق فعمار إن كشف خطتها سيتركها بالتأكيد فهي اولا واخرا للاسف من باقي عائلته لذا عليها ان تجد حلا بديلا وبسرعة.
هبت واقفة وابتسامة ظفر تزين محياها فهي الآن ستجعل صَبا مجرمة في اعين الجميع وبالاخص والديها.
مدحت ذكائها وراحت تعمل على تنفيذ خطتها بإحكام شديد.
❈-❈-❈
وفي شقة الحاج سعد هنداوي وبالتحديد غرفة المعيشة.
يصطف مجموعة لا بأس بها من كبار رجال المنطقة يتناقشون في مشكلة الحاج فكري وما فعلته زوجته بتحريض المدعوة أم إسماعيل على صبا.
نكس المعلم فكري رأسه أرضا فهو أمام الجميع ليس برجل
نسائه يتحكمن به ويفعلن ما يحلو لهن وهو غافل عنهن.
لو كان بيده لذهبا إليهن وقطع أجسادهن إربا إربا انتقاما على هذا الموقف الذي هو فيه الآن.
شعر الحاج سعد بالشفقة على ذلك الرجل فهو يؤمن بمقولة ارحموا عزيز قوم ذل.
فتنحنح يخشون: اسمعوني يا رجاله دلوقتي البنت بقت كويسة والحمد لله وأنا من رأيي ان احنا نلم الموضوع وبلاش ندخل ما بينا البوليس والنيابة.
والمعلم فكري عرف غلطته وهو هيتصرف مع أهل بيته.
إيه رأيك يا عمار؟
على الرغم من الرفض الذي يعتريه إلا أنه لم يستطع كسر كلمة أبيه أمام الجميع.
فأومأ على مد موافقا.
رمقه والده بامتنان حقيقي وقال بابتسامة: ودلوقتي بقى نشرب الشاي ونقوم ننام عشان أنا راجل بصحى بدري عشان أصلي الفجر.
أيدوا الجميع حديثه وراحوا يتناقشون في عدة أمور مختلفة.
والحاج فكري يشكره بداخله لكن شعوره بالغل تجاه عمار ازداد كثيرا.
فهو قام بفضيحته أمام أهل المنطقة بأكملهم وبعد الآن لم يستطع رفع رأسه أمامه.
فبعد ما كان رجلا ذو هيبة ونفوذ أصبح عديم القيمة لذا أقسم بداخله لن يدفعه الثمن غاليا كي يشفي غليله.
❈-❈-❈
بجد يا صَبا كل ده حصل وأنا ما اعرفش!
صمتت تستمع ردها على الطرف الآخر تهتف بابتسامة: أيوة والله يا غزل حتى جابلي حقي قدام المنطقة كلها ومش بس كده كمان خلى جوز عبير يطلقها.
شهقت غزل بقوة عندما استمعت إلى كلماتها الأخيرة هاتفة بعدم تصديق: إيه بتقولي إيه يا صَبا عبير انطلقت ليه وعمار عمل كده عشان إيه حتى لو ضايقها متوصلش للطلاق برده وخربان البيوت.
قاطعتها على الطرف الآخر: ما هو انت ما تعرفيش إللي كان بيعمله فيها يا غزل تعالي لما احكي لك.
وعلى الجانب الآخر كان يجلس في غرفة المعيشة يشاهد مباراة بين فريقه المفضل ريال مدريد وبرشلونة
لكنه أجفل على صوت قرع جرس الباب فهب واقفا وهو يظفر بحنق متجها ليرى من الطارق.
ثواني وأبصرها تقف أمامه بهيئة تخطف الأنفاس ترتدي منامه بيتية باللون الفيروزي تظهر بياض بشرتها عارية الأكتاف بالكاد تغطي ركبتيها هاتفة بنعومة اذابته: مساء الخير.
ازدرد ريقه بصعوبة مغمغما: مساء النور.
تفحصته بعينين تشعان إعجابا مغمغمة في نفسها: يا الله! لك شو هيدا الرجال يشبه ممسلين هوليود.
استفاقت من شرودها به على صوته الرجولي اؤمريني يا مدام.
قاطعته بلهفة: رغد. اسمي رغد.
أومأ لها بخفة.
فاستطردت: أنا كان بدي احكي مع مدام غزل هي موجودة.
أبوه بس معها تليفون تحبي تتفضلي لحد ما تخلص تليفونها ولا.
قاطعته بسرعة: إيه بتفضل لبين ما تخلص بنطرها عندكن هون.
افسح لها الطريق لتلج مغلقا الباب من خلفها.
تقدمته للداخل فاستمعت إلى صوت التلفاز فتلقائيا اتجهت نحو الصوت ابتسمت بخفة مردفه بحماس: واو مباراة كرة قدم مين بتشجع أنت؟
أجابها بحماس مبالغ فيه: ريال مدريد طبعا.
ان شالله بيفوزوا منشان ما تزعل.
منحها ابتسامة جميلة أظهرت غمازتيه المحفورتين بدقة في وجنتيه: أشكرك جدا يا مدام رغد.
جلست برفقته تتأمله لوقت لا بأس به.
حتى أبصرتها تخرج من غرفة نومهما تهتف: رامي حبيبي اسكت شفت اللي حصل...
بترت باقي كلماتها عندما أبصرتها تجلس برفقة زوجها ترتدي مثل ذلك الثوب.
فصكت على أسنانها هاتفة بغضب: خير يا مدام رغد عايزة إيه المرة دي توم ولا إيه؟
لا إختي بس كان بدي احكي معك بموضوع مهم باخد رأيك فيه.
سألتها باقتداب: وما كنش ينفع الموضوع ده يعني يتأجل للصبح.
هزت رأسها نفيا.
فدنت منها تجذبها من يدها بقوة؛ طيب تعالي نتكلم في شقتك عشان رامي ما بيحبش الروشة وهو بيسمع الماتش.
أومأت لها موافقة ودلفت للخارج بصحبتها وهي تحسدها بداخلها على زوجها الوسيم والمكتمل الرجولة.
❈-❈-❈
على حافة فراشه يجلس واضعا وجهه بين راحتي يده وشعور بالغضب يعتريه فبعد ما عرفه اليوم عن المعاناة التي عانتها حبيبته وهي في بيت زوجها
يشعر بالغضب من نفسه ومن ضعفه وجبنه.
فماذا كان سيحدث لو صارح صديقه بعشقه لأخته فلربما أيده ووافق على زواجه منها.
لكنه اتخذ الطريق الأسهل ألا وهو الصمت خشية أن يخسر صديقه الوحيد ويتهمه بأنه كان يشاغل أخته وهو ائتمنه على بيته.
والذي اكتشف أنه ارتكب خطأ كبيرا فخسرها وتزوجت من غيره بسبب غبائه وجبنه.
لكن لن يتركها بعد الآن فهي الآن حرة سيبذل قصارى جهده ليكون معها لكن عليه أن يتمهل قليلا ريثما تنتهي عدتها الشرعية وبعدها سيفاتح أخيها وليحدث ما يحدث.
ان الطريق إليها صعب جدا خاصة بعدما حدث من زوجها الساب فلربما باتت تكره جميع الرجال وللحق هي محقة في ذلك.
لكنه سيفعل المستحيل كي تستعيد ثقتها في نفسها مرة أخرى
سيتزوجها ويجعلها تحبه كما يعشقها.
رفع وجهه عندما استمع إلى صوت طرقات خافتة على الباب يليها ولوج أمه الحنون هاتفة بتساؤل: أنت لسه ما غيرتش هدومك يا رؤوف؟
هزة رأسه نفيا ولم يعقب.
فاستطردت حديثها: طيب يلة قوم بسرعة خد دش وتعالى عشان ناكل لقمة سوى أنا ما اتعشتش.
كاد أن يعترض لكنه لم يريد أحزان والدته فهب واقفا مصناعا لأوامرها وهو عازما على تمهيد الموضوع لوالدته حتى تكون معه في خطوته القادمة.
❈-❈-❈
ألقت نظرة أخيرة على مرآتها بعد أن أعدت نفسها لاستقبال زوجها
فهي عزمت أن تقضي برفقته ليلى جميلة.
عليها أن تتأكد من عشقه الدائم لها وتخرج جميع الشكوك من داخلها.
ألقت قبلة في الهواء ودارت حول نفسها تتأمل قميصها الأحمر الناري عاري الأكمام وبالكاد يغطي خصرها.
ووضعت أحمر شفاه من نفس اللون وتركت لخصلاتها البندقية العنان لتنسدل فوق ظهرها وكتفيها.
بابتسامة هادئة استقبلته بعد أن ولج إلى غرفتهما أطلق صفيرا هاتفا بإعجاب: إيه الجمال ده كله يا زوزو.
دنت منه بخطوات مغوية مطوقة عنقه بكلتا يديها هاتفة بدلال: بجد يعني عجبتك يا عمار.
اعتقل خصرها بيده وباليد الأخرى تلمس خصلاتها مجيبا إياها: أنت ليه بتسألي يعني يا زوزو هو أنا بشوف ست في الدنيا غيرك؟
ابتسمت بانتساء وبادرت هي بتقبيله حيث رفعت نفسها على أطراف أصابعها وضمت نفسها إليه ملتقطة شفتيه بخاصتها تقبله بجنون ولهفة.
أما عنه فلم يتردد لحظة واحدة في تلبية ندائها وغاصا سويا في عالم لا يعرفه سواهم.
❈-❈-❈
تنهيدة حارة خرجت من أعماقها وابتسامة صافية ارتسمت فوق كرزيتيها.
فهي لم تصدق حتى الآن أنها تخلصت من ذلك الكابوس وإنها ستحيا حياة كريمة كما كانت
ستعيش لنفسها فقط كما أنها ستبدأ من جديد.
ستعتزل جميع الرجال وتبقى بمفردها تحيا في كنف أبيها وأخيها الأكبر الذي ستعيش طوال حياتها ممتنة له على كل ما فعله اليوم من أجلها.
فقد أعاد لها ثقتها وكرامتها المهدورة كما أنه جعلها تشعر بأنها ليست بمفردها وأنه سيكون سندها دائما وأبدا.
ألقت بجسدها الصغير فوق فراشها فهي ستنام الليلة قريرة العينين
ستنام وتعلم أنها ستستيقظ وهي بخير ولن تكون بعد الآن ضعيفة أو مكسورة الجناح بل ستكون أقوى من ذي قبل.
بل ستحرص على أن تعيش لنفسها لنفسها فحسب.
❈-❈-❈
اتسعت حدقتاها في صدمة هاتفة بعدم تصديق: إيه بتقولي إيه انتي يا أختي جوزك خانك يا دي المصيبة ده اللي هو ازاي يعني لا مؤاخذة؟
إجابتها بدموع وشهقات عالية: أي متل ما بحكي لك يا غزل زوجي خاني مع رفيقتي.
لأ ومو بس هيك كمان طلقني ورماني بالشارع واتجوزا.
ضربت صدرها بيدها هاتفة بجزع: خبر اسود كمان طلقك واتجوزها دي شكلها إيه دي يا أختي لما أنتي كده وخانك آمال التانية شكلها أزلي.
نهايته ما تزعليش يا أختي وعارفة ان الموضوع ده مأسر فيكي قوي عشان كده اعتبريني أخت ليكي يا رغد ولو احتجتي أي حاجة ما تتردديش تكلميني بس على شرط أنا اللي هاجي ليكي هنا ماشي ما تأخزينيش يا أختي ما هو اللي اتلسع من الشربة ينفخ في الزبادي.
وعلى الرغم من أن رغد لم تفهم معظم حديث غزل إلا أنها أومأت عدة مرات بالموافقة.
بينما غزل لوت شدقها بحنق: يادي التيلة لما القشطة دي تتخان آمال الجعبيش اللي عندنا يعملوا إيه.
يلة رجاله عينيها فارغة.
❈-❈-❈
ممددا فوق فراشه ينظر إلى سقف غرفته في شرود تام.
فبعدما حدث اليوم شعر بإهانة كبيرة كما أنه سقط من أعين الجميع وكل هذا يرجع إلى عمار هنداوي وليس أحدا سواه.
صك على أسنانه بقوة حتى كاد أن يهشمها هاتفا بغل: مش هاسيبك يا ابن هنداوي وديني لاكون منتقم منك ومعرفك مين هو المعلم فكري هخليك ما تسواش حاجة في سوق الرحالة.
لا والله ده أنا همسحك من على وش الدنيا خالص.
قطع باقي وعيده على صوت رنين هاتفه زفر بحنق والتقطه بتكاسل من فوق المنضدة المجاورة للفراش.
فتح الخط بلهفة عندما عرف هوية المتصل واستمع إلى كلمة واحدة جعلته يستقيم جالسا بسرعة.
ألا وهي خلي الراجل بتاعك ينفذ بكرة يا معلم فكري.
يتبع...