رواية لا أحد سواك رائفي- بقلم الكاتبة سماح نجيب- الفصل الاخير والخاتمة
نظر عصام لتلك المحارم الورقية ، التى إستخدمها لمسح الدماء المنبثقة من فمه وشفتيه بعد لكم رائف له ، فهو إستخدم العديد من المحارم الورقية ، كأن هناك سيل من الدماء ، ورغم ذلك يأبى الذهاب للطبيب ، حتى لا يكتشف أحد أمر شجاره مع رائف ، فبعد عدة محاولات وباستخدام الإسعافات الأولية الموجودة بمكتبه ، إستطاع إيقاف نزيف الدم ، ولكن كل ما حدث لم يزده سوى سخط ونقم على ما فعله رائف به ، وبعد تحسن أحواله نسبياً أخذ هاتفه ، وبحث عن رقم هاتف مايا ، فهى لا بد أن تنال نصيبها من سخطه ، فهما لم يتفقان على أن تبوح بإسمه أمام رائف ، ولكن تلك الحمقاء أوقعته بشرك من صنع يده
ثوانِ وجاءه الرد على الطرف الآخر ، فصاح بجماع صوته الغاضب:
–مايا أنتى إزاى تقولى لرائف إن أنا اللى كنت بقولك أخباره هو ده اتفاقنا
ردت مايا قائلة بصياح هى الأخرى:
–خلاص يا عصام لا إتفاق ولا غيره أنا خلاص مش عايزة رائف يرجعلى ، كفاية اللى حصل ومش عايزة أعرفك أنت كمان أنا خلاص هسيبلكم البلد كلها وهسافر مع السلامة
أغلقت مايا الهاتف وألقته من يدها ، حتى كاد يسقط من على الفراش ، فدارت حول نفسها وهى تفكر بقرارها للسفر خارج مصر ، فوالدها يمتلك منزل آخر بإحدى الدول الأوروبية ، وهناك ربما ستبدأ حياة جديدة مع إناس جدد ، وستترك ماضيها هنا ، فرائف ليس من المقدر لها أن يكون من نصيبها ، فهى أيقنت أنه غارق بعشق زوجته ، وأنها لم يعد لها مكان بقلبه ، ومثلما هى تركته بمحنته ، تركها وهو بكامل صحته ولم يعد بحاجة إليها ، ولن يفيد ندمها بشئ الآن ، ولن يجمعهما طريق واحد بيوم من الأيام ، فهو أنتقى من ستسير معه بدربه للنهاية ، وعليها هى الأخرى أن تبحث عن رجل أخر ولتكون حذرة بأفعالها ، حتى لا تعض أناملها من الندم.
❈-❈-❈
لم يتبقى على إنتهاء إختبارات نهاية العام سوى ثلاثة أيام ، فسجى وريهام وشادى ، لم يتبقى على إنتهاء تحصيلهم الدراسى بالجامعة سوى بضعة أيام ، فشادى لا يترك غرفته إلا من أجل تناول طعامه أو الذهاب للجامعة ، فهو يريد الحصول على تقدير إمتياز ككل عام ، ويطمح بأن يكون معيداً بالكلية ومن ثم يعمل على تحضير الماجستير والدكتوراة ، فطموحه لا يقف على أن يعمل مدرساً بالجامعة ، بل يطمح بأن يكون أحد العلماء ، الذين برعوا فى مجال الكيمياء ، فمن يراه مشاغباً بالمنزل ، لا يصدق أن هذا الشاب من أفضل الطلاب بالكلية وخاصة إجتيازه الإختبارات كل عام بتقدير إمتياز ومحبوب من معلميه وأصدقاءه وعائلته أيضاً
عاد رائف هو وأبيه من عملهما ، فإنتبه رائف على الصمت والسكون الذى ساد بالمنزل على غير العادة ، فأقترب من والدته وجدته وقبل كل منهما وقال :
– هو البيت هادى ليه كده ، حاسس أن فى حاجة غريبة
إبتسمت والدته وردت قائلة:
– أنت عارف إن اللى بيعمل دوشة بيذاكر علشان الامتحانات
جلس ماهر بجوارها قائلاً :
– وأنا بقول برضه شادى مش باين ليه ، كنت دايما أدخل البيت ألاقيه مقابلنى على الباب
ردت صفية مبتسمة:
–ربنا يوفقهم كلهم ، شادى بيقول أنها أخر مادة وصعبة شوية وأنت عارفه لو مجابش إمتياز زى كل سنة مش هيسكت ويقلبلنا البيت ، وأنت عارف شادى ميتوصاش فى الدراما
أخذ رائف مكانه بجوار جدته وعيناه تبحث عن زوجته ، فنظر لوالدته متسائلاً:
– هى سچى فين ، مش شايفها هى كمان
ردت هدى قائلة:
–بتذاكر هى وريهام فى الإستراحة وزمانهم هييجوا دلوقتى علشان العشا
لم تكد هدى تنهى عبارتها ، حتى رآت سجى وريهام تدلفان من الباب ، فسجى تعلم بأى وقت يعود زوجها من عمله ، لذلك أنهت مذاكرتها وعادت سريعاً ، فقبل أن تقول شيئاً ، رآت ريهام زوجها يلج من الباب بعد عودته هو الأخر من مشفاه ، فألقى عليهم التحية وأرتمى جالساً بجوار والدته يشعر بالإرهاق
شعر رائف بالجوع الشديد ، فهتف بوالدته قائلاً:
–ماما لو سمحتى خليهم يحضروا العشا أنا جعان أوى
نهضت هدى من مكانها وهى تقول :
–حاضر يا حبيبى غيروا هدومكم والعشا هيكون جاهز
على السفرة
ذهب رائف لغرفته وأبدل ثيابه وخرج إليهم ثانية ، فكانت سجى وريهام تساعدان الخادمة بوضع الطعام على المائدة ، فألتفوا جميعهم حول المائدة الطويلة ، وخرج شادى من غرفته مسرعاً وهو يفرك يديه بحماس قائلاً:
– أنا عصافير بطنى هوهوت مش صوصوت بس
جلس على مقعده المعتاد وبدأ يأكل بنهم ، ففغر رائف فاه وقال:
– فى إيه يا بنى هتزور كده براحة هو فى حد بيجرى وراك ، بس أنت عامل ايه فى الامتحانات ياشادى
رد شادى قائلاً بتفكه :
– أصلى جعان أوى يا أبيه والمذاكرة بتجوع أكتر ، وبالنسبة للإمتحانات فأنا عامل بالنصيحة يا أبيه وساعات بعمل عبيط
صفعه أكرم بخفة على مؤخرة رأسه وهو يقول:
– إيه يا واد خفة الدم دى اللى أنت فيها ، هتجلطنا بدمك الخفيف ، وهو العبط بينفع فى الامتحان
قال شادى بعدما إبتلع ما بجوفه من الطعام:
– مقولكش دا العبط بيجيب تقديرات كمان
نظر إليه والده وهو يقول بحنان :
– ربنا يوفقك يا حبيبى ويوفق سجى وريهام فى إمتحانتهم هم كمان
رد شادى باسماً:
–تسلملى يا بابا ، وأفضل على طول كده مشرفكم ودوشكم كمان
مد أكرم يده من أسفل المائدة وقبض على يد ريهام قائلاً :
–والدكاترة بتوعنا عاملين إيه
إزدردت ريهام لعابها خشية أن ينتبه أحد على ما فعله أكرم فردت قائلة وهى تحاول الإبتسام :
– الحمد لله لا تقلق إن شاء الله نتخرج على خير
هز أكرم رأسه وأدعى الجدية وهو يقول:
–طالما قولتى لا تقلق يبقى لازم أقلق
ردت سجى قائلة بإبتسامة خجولة عوضاً عن ريهام ، التى راحت تمسح وجهها كأنه يتصبب عرقاً :
–لاء بجد الامتحانات لحد دلوقتى ماشية تمام
مال رائف برأسه إليها قائلاً بصوت خافت :
– بالتوفيق ان شاء الله وتعالى علشان أسمعلك اللى ذاكرتيه
لم يفرق حالها عن حال ريهام ، فإلتزمت الصمت حتى أنتوا من تناول العشاء وبعد ذهابها لغرفتهما ، أرادت إكمال إستذكار دروسها ، ولكنه أصر عليها بأن تنال قسط من الراحة ، فأبت سجى أن تستمع لحديثه ، وأخذت كتبها وجلست على الفراش ، وخشيت أن يبدأ مغازلتها ويتشتت إنتباهها ، ولكنه كان مراعياً لها ، بل جلس بجوارها يشجعها على المذاكرة ، فقضت بضع ساعات وهى تذاكر ، حتى أدركها النعاس وهى جالسة ، فإبتسم رائف وهو يراها نائمة بوضع الجلوس وتحتضن الكتاب ، فأخذه منها بحرص وجعلها تتمدد بالفراش ودثرها بالغطاء الخفيف ، وما أن إستلقى بجوارها حتى وجدها تلقى برأسها على صدره وتكمل نومها ، فإحتواها بين ذراعيه كأنها كنزه الثمين ، الذى ظفر به أثناء سيره بدربه الوعر من اليأس والإحباط وفقدان الأمل.
❈-❈-❈
أختمرت بعقله خططه الشيطانية لإيذاء رائف ، فمنذ شجارهما سوياً ، وهو يبحث عن الحل الأنسب لجعل رائف يعانى بحياته ولا يهنأ بحياته ، فهو أغلق باب العقل والتفكير السليم ، ولم يضع إعتبار لتلك الصداقة التى تربط والديه بعائلة رائف ، خرج من مقر عمله وإستقل سيارته للعودة لمنزله ، فظل طوال طريقه يفكر فيما إهتدى إليه بتفكيره ، وأن يجعل رائف يتكبد خسائر فادحة بعمله ، ولكن بإنغماسه فى التفكير لم ينتبه لتلك السيارة التى أعترضت طريقه فجأة ، مما جعله يحكم سيطرته سريعاً على مقود سيارته ، وإلا كان سيحدث تصادم بينه وبين تلك السيارة التى ظهرت له من العدم
أطفأ محرك السيارة وفتح بابها وترجل منها بعدما رآى أن سائق السيارة الأخرى لم يكن سوى ذلك الشاب المدعو هانى ويصطحب معه إثنان من الرجال يبدوا على وجهيهما سيمات الإجرام والوحشية
فصرخ عصام به قائلاً بنزق :
– عايز إيه ياض أنت ، وإيه العمايل اللى بتعملها دى
ألقى هانى سيجارته ودعسها بحذاءه وهو يقول بشر :
– ياض ! أنا هوريك أنا هعمل إيه أنا عايزكم تظبطوه
أشار هانى للرجلان الواقفان خلفه ، وما أن وعى عصام على ما سيحدث له ، أطلق لساقيه الريح ، ولكنه لم يكن سعيد الحظ ، إذ أمسكه أحد الرجلان ، وجاء الأخر وسرعان ما قاما بضرب عصام بمختلف أنحاء جسده ولكن كان لساقيه النصيب الأكبر من الضرب ، وبعد أن رآوا أنه أخذ كفايته تركاه الرجلان على قارعة الطريق غارقاً بدماءه ، فوجده أحد المارة وأخذه للمشفى وهو بحالة يرثى لها
إستفاق عصام بعد بضعة ساعات وجد طبيب يقف بجوار فراشه بالمشفى ، فنظر إليه الطبيب قائلاً:
– حمد الله على السلامة
إبتلع عصام لعابه قائلاً بصوت خافت :
– الله يسلمك أنا حصلى إيه ومين اللى جابنى هنا
رد الطبيب قائلاً بهدوء :
– فى واحد لقاك مضروب جامد فجابك هنا المستشفى ، والحمد لله جت سليمة ، بس كتر الضرب على رجليك ممكن يخليك تفضل فترة متقدرش تمشى عليها كويس
قال عصام بذعر وفزع :
– إيه أنا هبقى عاجز يا دكتور
ربت الطبيب على كتفه وهو يقول:
– إهدى يا أستاذ ، دا الموضوع مؤقت على ما تخف وهترجع تمشى تانى متقلقش ، هسيبك ترتاح
خرج الطبيب من الغرفة ، فما أن علم عصام بأنه أصيب بما سيمنعه عن المشى ، أدرك كيف كان شعور رائف عندما علم بأمر أنه أصبح عاجزاً ، وكأن الله أراد أن يجعله يتذوق مرارة ذلك الشعور ، لعله يكف عن التفكير بإيذاء غيره ، حضر والديه وأخذاه معهما للمنزل ، فما أن إستلقى على فراشه ظل يبكى بصمت على أنه منذ عدة ساعات كان متباهيًا ومتفاخرًا بماله ووسامته وجسده السليم ، وبلمح البصر صار طريح الفراش ، غير قادراً على أن يذهب للمرحاض بمفرده دون مساعدة ، فالأن فقط علم أن لا مال ولا سلطة تفيد صاحبها ، إذا أراد الله أن يبتليه ، فلاشئ يرفع البلاء سوى الدعاء وأن يكون ذو قلب نقى غير حاقد
❈-❈-❈
بعد أن وضعت أروى أخر قطعة من ثيابها الجديدة بتلك الحقيبة ، التى سترسلها لمنزل هشام ، خرجت من غرفتها وذهبت للمطبخ لتعد الطعام لأبيها ، ولكن عقلها لا ينفك عن التفكير بحال والدها بعد أن تتزوج ، فهى لم يتبقى على موعد زفافها سوى أيام قلائل ، وسيصبح أبيها وحيداً من دونها ، ولكنها تحدثت مع هشام بأمر أنها بعد الزواج ستخصص يوماً بأكمله كل أسبوع من أجل الذهاب لمنزل والدها لتعد له الطعام الذى يكفيه حتى تأتى ثانية وتضعه بمبرد الطعام ، وأن تنظف البيت ، فرحب هشام بقولها ولم يبدى إعتراضاً على ما تنتوى أن تفعله من أجل أبيها
سمعت صوت جرس الباب فخرجت من المطبخ ، وما أن فتحت الباب وجدت هشام ويبدو على وجهه أنه حدث أمر خطير ، وإلا ما كان جاء إليها بهذا الوقت وأبيها ليس بالمنزل ، فرمقته بقلق وتساءلت :
–خير يا هشام فى إيه مالك
هتف بها هشام بسرعة :
– أروى تعالى بسرعة مامتك فى المستشفى
دبت أروى على صدرها وقالت بفزع :
– فى المستشفى ليه إيه اللى حصل لماما يا هشام
رد هشام قائلاً بأسف :
– الواد اللى كان خطيبها ده ضربها بسكينة وسرق فلوسها ودهبها وولع فى البيت وهرب وهى دلوقتى فى المستشفى بين الحيا والموت
جفت الدماء من عروقها ، ولم تنتظر دقيقة أخرى ، فخرجت تركض من المنزل ، فأغلق هشام باب البيت وذهب خلفها ، وصلا للمشفى ، فولجت أروى تلك الغرفة التى تمكث بها والدتها ، فزعت أروى وهى ترى جسد والدتها قد أحترق بالكامل ووجهها الذى كانت تتباهى بجماله وحسنه لم يكن سوى جلد محترق ، فبكت أروى وأقتربت من فراشها
سمعت صوت والدتها وهى تقول بصوت خافت يكاد لا يسمع :
– أروى ، سامحينى يا بنتى على كل حاجة عملتها معاكى
ردت أروى قائلة بنهنهة :
– ألف سلامة عليكى يا ماما أنا...
لم تكمل أروى عبارتها حتى سمعت صوت صفير الأجهزة الطبية دلالة على أن والدتها قد فارقت الحياة ، فهزت أروى جسدها وهى تنوح :
–ماما ماما ردى عليا
نهرها هشام عن فعلتها وهتف بها بلطف:
– شدى حيلك يا أروى البقاء لله
تم تجهيز فادية لمأواها الأخير ، وتم دفنها بمقابر عائلتها ، فبعد علم سجى بالأمر ذهبت هى وزوجها لتقديم مواساتها وتعازيها لشقيقتها ، وما أن رأتها أروى أرتمت بين ذراعيها وهى تبكى وتنوح
فراحت سجى تمسد على رأسها وتربت عليها قائلة بحنان :
–حبيبتى شدى حيلك البقاء لله
ردت أروى قائلة بغصة قوية:
– ونعم بالله
قدم رائف تعازيه لحامد ، وأقترب من أروى وسجى قائلاً:
–البقاء لله يا آنسة أروى ، لو محتاجة أى حاجة أؤمرى
مسحت أروى وجهها بالمحرمة الورقية وردت قائلة:
–ونعم بالله ، الأمر لله وتسلموا يارب على ذوقكم
مسحت سجى وجه أروى وهى تقول بحنو بالغ :
– متقوليش كده يا حبيبتى أنتى أختى وحبيبتى
إحتضنتها أروى وقالت بنبرة ممتنة :
– ربنا ما يحرمنى منك أبداً يا سچى
قبل عودة سجى ورائف للمنزل ، أراد أبيها أن يتحدث معها بأمر هام ، فبعد جلوسهما بمفردهما أخرج حامد بعض الأوراق وناولها إياها قائلاً:
– الورق ده بتاع ملكية الورشة الجديدة أنا كتبتها بإسمك أنتى وأروى وأنا قولت لأروى على الموضوع ده
نظرت سجى بالأوراق وقالت :
– بس ليه كده يا بابا ، أنا الحمد لله جوزى مش مخلينى محتاجة حاجة
ربت حامد على يدها ورد مبتسماً:
– إعتبريه تسديد جزءمن دين عليا ، وتعويض بسيط على أى حاجة عملتها وزعلتك ،و على إن أنا مكنتش الأب اللى أنتى عيزاه ،و على اللى عملته فيكى وفى أمك ، وعلشان ضميرى يرتاح وربنا يسامحنى هو كمان ، صدقينى أنا هحاول اعوضك عن الإحساس ده اللى باقى من عمرى وعايزك تاخدى بالك من أختك أروى
أماءت سجى برأسها وقالت بهدوء:
– أروى فى عينيا ، وأنت فى الأول والأخر أبويا يعنى أنا مقدرش أفضل زعلانة منك
ما أن تركت مقعدها حتى باغتها أبيها بإحتضانه لها ، تعجبت سجى من ذلك الشعور الذى غمرها ، فهى لم تختبر حنان الأب من قبل ، فدمعت عيناها رغماً عنها ، وبعد أن خرجا من الغرفة ، وجدت زوجها بإنتظارها ، فهو من أتخذته زوج وحبيب وصديق وأب ، ولم يخفق بتأدية دور أى من تلك الروابط التى ناشدتها منه ، رفعت يدها وأحتضنت كفه وخرجا من المنزل ، وفتح لها باب السيارة ، فجلست بالمقعد المجاور لذلك المقعد الذى سيتخذه مجلساً له خلف المقود ، قاد رائف السيارة بهدوء وروية ، فوجدها تقترب منه تلقى برأسها على كتفه وهى تفكر بتلك الأيام القادمة والتى من المفترض أن تذهب الأسرة كلها لتأدية مناسك العمرة مثلما وعدها رائف، وبعد إطمئنانها لنتائح الإختبارات ، فهى وريهام أنهتا تحصيلهما الدراسى وحصلت كل منهما على تقدير جيد جداً بعامهما الدراسى الأخير.
❈-❈-❈
بقلوب ممتلئة بالسعادة والفرح وشعور روحانى سكن قلب كل منهم ، كان أفراد الأسرة يؤدون الشعائر الدينية ومناسك العمرة ، فتمنت سجى لو تظل عالقة بتلك الأيام لما تبقى من عمرها ، فماذا تبتغى أكثر من ذلك ، فهى الآن ببيت الله الحرام وبرفقة زوجها وباقى أفراد الأسرة ، التى سكنت محبة كل منهم قلبها ، فالله منحها أب وأم وجدة وشقيقان وصديقة ، ومنحتها الكبرى كانت زواجها ممن سطا بعشقه على قلبها دون إرادة منها ، بل سلبها الهوى حق الإعتراض وفرض عليها الخضوع لسلطان الغرام ، فظلت تدعو الله بأن يمن عليهما بالذرية الصالحة ، حتى تكتمل سعادتهما ، وبعد إنتهاء أيامهم المخصصة لتأدية مناسك العمرة ، عادوا جميعهم للمنزل وكل منهم يشعر كأنه عاد إنسان جديد ، على الرغم من أن ماهر وهدى وصفية لم تكن تلك مرتهم الأولى بالذهاب للأراضى المقدسة ، ولكن كل مرة كأنها المرة الأولى
بعد مرور شهر تقريباً ، بدأتا سجى وريهام تشعران بأعراض الحمل التى تمثلت بالقئ والإرهاق وعدم الرغبة بالنهوض من الفراش، وضعت ريهام يدها على جبينها وقالت بوهن :
–بت يا سچى أنا حاسة إن أنا تعبانة على بردانة على جعانة إحساسات غريبة كده
ردت سجى قائلة:
–وانا كمان مش عارفة إيه ده معقول نكون واخدين برد
هزت ريهام رأسها وهى تقول:
– معقولة إحنا الإتنين واخدين برد مع بعض ، بس تفتكرى إن إحنا نكون حوامل ، ودى أعراض الحمل
تألقت عينىّ سجى ببريق الأمل وقالت :
– تفتكرى يا ريهام أن نكون بجد حوامل دلوقتى
نهضت ريهام من مكانها وهى تقول:
– إحنا أحسن حاجة نروح نعمل تحليل حمل ونعرف ، ونعمل تحليل دم أضمن بس بلاش نقول لحد لغاية ما نتأكد
وافقت سجى على إقتراحها ، فذهبتا لمشفى أكرم دون علمه بوجودهما ، فبعد إجراء إختبار الحمل وظهور النتيجة إيجابية عادتا للمنزل وكل منهما لا تطيق صبراً حتى يعود زوجها وتخبره بتلك الأنباء السارة
فقالت سجى بسعادة غامرة:
–ريهام إحنا حوامل بجد ، أنا فرحانة أوى أوى
ردت ريهام قائلة بإبتسامة عريضة :
– وأنا كمان يا خبر أبيض لو خلفت عيل حلو كده زى أبوه دا انا أكله اكل كده ويطلع زيه عنده غمازات يا سلام
ذهبت كل منهما لغرفتها دون إخبار أحد بما تحمله من أخبار ستجعل المنزل يمتلأ بالبهجة والسعادة، فمن حق أزواجهما أن يكونا أول من يعلمان بشأن حملهما ، فعاد أكرم من المشفى وولج غرفته وجد ريهام جالسة على طرف الفراش كإنهاكانت بإنتظاره
فقزت على قدميها قائلة :
–أكرم أنا عايزة رنجة
لوى أكرم شفتيه قائلاً:
– عايزة إيه يا اختى رنجة واجبلك رنجة منين دلوقتى ، وفى حد ياكل رنجة بالليل
أقتربت منه قائلة :
– بلاش رنجة ،ممكن مانجة
رفع أكرم حاجبه وقال:
– إيه طلباتك الغريبة دى يا ريهام النهاردة
سأمت ريهام من عدم فهمه لمغزى حديثها فدفعته بصدره قائلة بإستياء :
–ما تفهم بقى يا دكتور بقولك عايزة رنجة طب مانجة انت مش فاهم دكتور إيه ده نفسى أعرف أنا حامل يا دكتور حامل فهمت بقى
إحتضنها أكرم ليصرف عنها إستياءها منه فرد قائلاً بحنان :
–طب ما أنا فهمت بس حبيت استهبل عليكى شوية ، دا أحلى خبر سمعته النهاردة إن أنا هيبقى إن شاء الله عندى أولاد منك
إبتسمت ريهام إبتسامتها البلهاء كالعادة وردت قائلة:
–بجد يا أكرم مبسوط ، بس مش أكتر منى أه لو يطلعوا بغمازاتك الحلوة دى
ضحك أكرم وقال:
– الغمازات وصاحب الغمازات تحت أمرك يا حبيبتى
لبث هكذا بعض الوقت وهى واضعة رأسها على كتفه وأمست تفكر بمولودهما ، وهو يردد الشكر والحمد لله على ما أنعم به عليه
وبغرفة رائف ظلت سجى تنظر للساعة تحث عقاربها على المرور بسرعة حتى يعود رائف وتخبره بما لديها من أخبار سارة ، فدقائق وولج الغرفة ولم يمهلها فرصة للحديث إذا أخذها بين ذراعيه يعانقها ، فتلك هى عادته دائمًا عندما يعود إليها
فهتفت به سجى قائلة بإبتسامة :
– أنتى كده يا رائف هتفعصنى ومش أنا لوحدى
إبتعد رائف عنها قليلاً وحدق بها متسائلاً:
– يعنى إيه مش فاهم
أخذت سجى أحد كفيه ووضعته على بطنها وهى تقول :
–يعنى هتفعصنى أنا وإبنك ولا بنتك اللى جوا دول
أرتجفت يد رائف بعد سماع قولها ، فأتسع بؤبؤ عينيه قائلاً:
– أنتى قصدك أنك حامل دلوقتى يا سجى
حركت سجى رأسها بالإيجاب وقالت:
– أيوة يا حبيبى أنا حامل وهتبقى أنت بابا وأنا ماما مبسوط يا حبيبى
حملها رائف ودار بها بحرص وهو يقول بنبرة نضحت بإنفعال شديد بالسعادة :
–بجد يا سچى بجد الكلام ده أنا هيبقى عندى أولاد منك ويطلعوا شبهك كده ، دا أنا مش مبسوط بس ، دا أنا هموت من الفرحة
طوقت سجى عنقه قائلة :
–بعد الشر عليك يا حبيبى
لا يستطيع أن يصف شعوره بتلك اللحظة ، فالله أنعم عليه بزوجة صالحة وبعد مرور بضعة أشهر ، ستأتيه منحة أخرى متمثلة بمولود صغير ، سيملأ حياتهما الزوجية سعادة وبهجة ، فلم يمهل نفسه دقيقة أخرى ، إذا خرج من غرفته يصيح بسعادة معلناً عن حمل زوجته ، فطارتا هدى وصفية فرحاً بعد علمهما بشأن حمل سجى وريهام ، التى أعلن أكرم عن حملها هى الأخرى ، فتنفس ماهر بعمق ودمعت عيناه لعلمه بأنه سيصبح لديه أحفاد يركضون هنا وهناك بالمنزل ، فأخر من ركض بالمنزل وهو صغير كان شادى ، الذى أنتهى من دراسته الجامعية ويتهيأ الآن لأن يشغل منصب معيد بالكلية فى القريب العاجل ومع بداية العام الدراسي الجديد.
❈-❈-❈
بعد مرور ما يقرب من الثمانية أشهر ، كانت أروى واقفة أمام المرآة بأحد صالونات التجميل ، تتأمل ثوب زفافها الرقيق ، وزينة وجهها التى أنتهت منها أخصائية التجميل ، فهى بعد وفاة والدتها أرجأت حفل زفافها لبضعة شهور ، حتى تستطيع تجاوز تلك المحنة ، خاصة وأنها لم تنسى وجه والدتها وقت أن وافتها المنية ، شعرت بيد تحط على كتفها ، فإتسعت إبتسامتها وهى ترى إنعكاس وجه شقيقتها سجى بالمرآة ، فهى لم تتركها دقيقة واحدة بهذا اليوم المميز بحياتها ، بل ظلت طوال اليوم تحاول أن تهدئ من خوفها خاصة أن اليوم هو الفيصل بين حياتها القديمة وحياتها الجديدة عندما ستصبح زوجة لهشام بكل ما تحمله الكلمة من معنى
طوقت سجى كتفىّ أروى قائلة بسعادة :
– ألف مبروك يا حبيبتى ربنا يتمم بخير ويسعدكم يارب
أسندت أروى رأسها لرأس شقيقتها وقالت بحب :
– تسلميلى يا سچى وربنا يقومك بالسلامة يارب أنتى فاضلك قد إيه وتولدى
سحبت سجى يديها من حول شقيقتها ومسدت على بطنها المنتفخ قائلة بحنان :
– هانت فاضل شهر ويشرف الأستاذ إن شاء الله
إستدارت لها أروى قائلة بإبتسامة :
– يعنى شهر إن شاء الله وأشوف حبيب خالتو
أماءت سجى برأسها وهى تقول:
– ان شاء الله وربنا يكرمك أنتى كمان ويرزقك الذرية الصالحة وأبقى أنا كمان خالتو
دقائق وحضر هشام برفقة رائف ، الذى أصر على المجئ لأخذ زوجته وأروى بسيارته الفارهة ، فما أن رآى هشام أروى فغر فاه من أن تلك الجميلة ستصبح اليوم زوجته ومعشوقته ، فقبل جبينها وتأبطت ذراعه وذهبوا جميعهم للقاعة المقام بها حفل الزفاف
إستمر الحفل لساعات طويلة ، وما أن تم الإعلان عن إنتهاء الوقت لذهاب العروسان لعش الغرام الخاص بهما ، أخذ هشام أروى وذهب لمنزله ، فدعاها للدخول وهو يقول باسماً:
– أتفضلى يا حبيبتى ومبروك
ولجت أروى المنزل وردت قائلة بصوت خجول:
– الله يبارك فيك يا حبيبى
قال هشام وهو يغلق باب المنزل :
– حبيبى ! إيه الكلمة العسل دى ، أنا أول مرة أسمعها منك ، بس طالعة من بوقك زى العسل
فركت أروى يديها بتوتر وإرتباك وهى تقول:
– بس بقى ما تكسفنيش يا هشام
أخذها هشام من يدها وذهبا لغرفة النوم خاصتهما ، فنظر إليها قائلاً بإبتسامة:
– القمر بيتكسف أوى كده
لم تفه أروى بكلمة ، فأنتبه هشام على فركها ليديها وعينيها الزائغتين ، فحاول أن يبث بها الأمان والإطمئنان ، فدعاها لتبديل ثيابها لأداء صلاتهما الأولى سوياً ، فأمتثلت أروى لقوله ، وبعد أن تبديل ثيابهما وأسبغا وضوءهما ، شرعا بصلاتهما بتأنى وخشوع وبعد إنتهاءهما ، ماهى إلا دقائق حتى غرقا سوياً بنهر الحب الحلال ، الذى أحله الله لهما لتسكن إليه ويسكن إليها
بعد إنتهاء حفل الزفاف كانت سچى قد عادت للمنزل هى وزوجها وباقى أفراد الأسرة ، فبعد ذهاب كل منهم لغرفته ، أصر رائف على أن يحملها وهو يلج الغرفة ، فما أن رفعها بين ذراعيه ، حتى لفت ذراعيها حول عنقه وأسندت رأسها على كتفه العريض ، فدلف للغرفة وأغلق الباب خلفه بإحدى قدميه
فقالت سجى بصوت خافت :
– هو أنا بقيت تقيلة أوى من الحمل يا رائف
قطب رائف حاجبيه متسائلاً:
– ليه بتقولى كده ؟
ردت سجى مبتسمة:
–مش عارفة حاسة إن أنا تقلت أوى
ضحك رائف ورد قائلاً:
–دا أنتى زى ما تكونى حامل فى زتونة يا سچى بطنك مش كبيرة ولا حاجة بس الصراحة الحمل مخليكى شكلك حلو اوى عايزة تتاكلى أكل
وكزته سجى بكتفه قائلة بخجل :
– بطل قلة أدب بقى يا رائف إيه ده دايما تكسفنى كده
أقترب من أذنها هامساً:
– أنتى لسه كل ده وبتخجلى وبتنكسفى منى يا قمر
عبست بوجهها بطرافة وهى تقول:
– هى طبيعتى كده ربنا خالقنى كده ، أعمل إيه يعنى
أجلسها رائف بمنتصف الفراش وجلس أمامها قائلاً بحب :
–ودى أحلى حاجة بحبها فيكى ولما كانوا بيتكلموا عنك قبل ما تيجى تعيشى معانا هنا كان فضولى بيزيد إن أشوف البنت اللى كانوا بيحكوا عنها وبيقولوا بتنكسف وبتتكلم وهى باصة فى الأرض ، لما تيتة كانت تحكى عنك كنت أستغرب وأسأل نفسى هو لسه فى بنات بالشكل ده والإحترام ده فكنت عايز أشوفك وفعلاً أنتى جيتى هنا وشوفتك وعرفتك وحبيتك وعشقتك ، بحبك أوى يا سچى ، أول مرة فى حياتى أحب بالشكل ده والهوس والغيرة يحرقوا قلبى بنارهم
مررت يدها على لحيته وهى تقول بصوت متهدج :
– للدرجة دى ! أنا كمان أول مرة شوفتك فيها خوفت ،لما دخلت البيت هنا حسيت إن حياتى هتتغير مكنتش عارفة ليه الإحساس ده ، بس لما فتحت أنت الباب وخرجت وشوفتك حسيت باحساس غريب ، حسيت إن انا خوفت جامد ، وكنت كل ما أشوفك أخاف ، بس بعد كده عرفت إن احساس الخوف ده كان بسبب إن أنا حبيتك ، وخوفت متكنش من نصيبى ، بس ربنا حققلى أمنيتى وبقيت مراتك وهبقى أم إبنك إن شاء الله ، علشان كده أنا بحبك وبعشقك بجنون يا رائفى
ما أن يسمع ذلك اللفظ التحببى لإسمه منها ، والذى تفردت هى فقط بقوله ، لا يستطع إلجام ذراعيه عن تطويقها بحب وبجنون ولهفة عاشق ، فماذا ستفعل به أكثر من أن تفقده عقله بحضرتها ؟ فهو بات يعد الأيام ليحين مجئ صغيرهما لهذا العالم ، الذى سيكون تتويجاً لقصة عشقهما الفريد
فمرت الأيام ، وجاء سجى المخاض فبعدها بدقائق تبعتها ريهام التى ملأت أرجاء المشفى صراخاً وصياحاً ، خلافاً لسجى التى أكتفت بالبكاء بصمت وأنينها الخافت
أفزعت ريهام زوجها وهى تناديه قائلة بصياح :
–هو فين هو فين اللى كان السبب فى اللى أنا فيه يا أكرررررررررم
أقترب منها أكرم بسرعة ومسد على رأسها قائلاً:
– إهدى يا روحى فضحتينى يا قلبى ميصحش كده ، هتخلى فضحتى بجلاجل قدام الدكاترة والممرضين والمرضى كمان
قبضت ريهام على ياقة قميصه وصرخت بوجهه قائلة :
–ميصحش كده ويصح الوجع اللى أنا فيه يا أبو غمازات أنت ااااااااه ألحقونى
أدنى أكرم برأسه من أذنها هامساً محاولاً كبت ضحكته :
– الله فى إيه يا ريهام ما كل حاجة كانت بمزاجك ، هو أنا كنت غصبتك على حاجة ، وإسكتى بقى ، طب هتعملى إيه فى الست عيال اللى فاضلين مش أنا متفق معاكى على سبعة
تتابعت أنفاسها ، محاولة إلتقاطها بصعوبة ، فردت قائلة بصوت خافت :
– دا لو لحقت أولد ده الأول
جففت والدتها وجهها المتعرق بغزارة وهتفت بها بلطف:
– بس بقى يا ريهام ، إن شاء الله هانت يا حبيبتى
نظرت ريهام لوالدتها قائلة بصعوبة بالغة من شعورها المتزايد بالألم :
– مش قادرة يا ماما حاسة إن أنا هموت
دمعت عيني أبيها وقبل رأسها قائلاً بحنان :
– بعد الشر عليكى يا حبيبة أبوكى
على الجانب الآخر ، كان رائف متعجباً من صمت زوجته ، فهى تحملق فى وجهه بصمت وعيناها تنسكب منها الدموع ، فزاد خوفه أكثر ، فهو يسمع صوت زوجة شقيقه يملأ أرجاء المشفى كافة ، خلافاً لزوجته التى لا تفعل شئ سوى قضم شفتها السفلى ، تحاول كتم صوت أنينها وصراخها
فأخذ يديها بين كفيه قائلاً بقلق :
– حبيبتى مالك أنتى بتعيطى جامد ليه كده
أغمضت عينيها محاولة أن تتنفس براحة ، ولكن شق عليها فعل ذلك ، فردت قائلة بصوت واهن :
– تعبانة أوى يا رائف لدرجة إن مش قادرة أتكلم ولا يطلعلى صوت
مسح وجهها بكفه الحانى وهو يقول بحنو بالغ:
– إن شاء الله هانت يا عمرى ، وهتقومى بألف سلامة أنتى وإبننا
وصلا حامد وأروى للمشفى بعد علمهما بأن سجى ستضع مولودها الأول ، فأسرعا بالذهاب لتلك الغرفة ، التى تمكث بها قبل دخولها غرفة الجراحة ، فخطى حامد تجاهها قائلاً بلهفة :
– سجى ! إن شاء الله تقومى بالسلامة يا حبيبتى
ردت سجى قائلة بإبتسامة واهنة :
– تسلم يا بابا
أقتربت أروى منها هى الأخرى وقبلت جبينها وهو تقول :
– حبيبتى تقومى بألف بالسلامة يارب
شدت سجى على يد شقيقتها وقالت :
–تسلميلى يا أروى وعقبال عندك يا حبيبتى
إشتدت الآلام المصاحبة للمخاض وماهى إلا دقائق معدودة حتى وضعت كل من سجى وريهام مولودهما الأول ، فخرجتا ممرضتان وكل منهما تحمل مولوداً ، فناولتهما لأباءهما ، اللذان راح كل منهما يأذن بكلتا أذنىّ صغيره
فأقترب منهما أبيهما وقال بسعادة غامرة:
– ألف مبروك يا حبايبى ، يتربوا فى عزكم يارب
أسرعت هدى بتقبيل الصغيران وهى تقول بحب :
– حبايب قلب تيتة ، عسلات ماشاء الله عليهم
ربتت صفية على كتف رائف وأكرم وقبلت الصغيران قائلة بحنان وسعادة :
– ألف مبروك عشت وشوفت ولادكم يا حبايبى
أنحنى إليها رائف وقبل رأسها قائلاً:
– ربنا يباركلنا فى عمرك يا تيتة
فرك شادى يديه بحماس بعدما قبل الصغيران ، فنظر لشقيقه متسائلاً:
–هتسموا ولادكم إيه ، يا حبايبى يا ولاد أخواتى دا أنا ههنيكم دا كده العض هيبقى على ودنه من خدودهم الحلوة دى
إبتسم أكرم ورد قائلاً:
– إن شاء الله هسميه أمير ، وأنت حر عضه وأنت عارف ريهام مش بعيد أجيبك من حمام السباحة وهى مغرقاك
خفق قلب رائف بعدما داعب يد صغيره ، فقبض الصغير بكفه الطرى على سبابة أبيه ، فأغرورقت عيناه بالدموع ورد قائلاً:
– وأنا إن شاء الله هسمية باسل ، بس إياك تقرب منهم وتعضهم يا شادى
قهقه شادى وقال:
– طب عضة صغيرة بس كده على الماشى يا أبيه ، وأه أنا عارف ريهام مش بتسكت ، خلاص هعض باسل سچى غلبانة ومش هتعمل حاجة
طوق ماهر كتفى شادى قائلاً:
– عقبال ما نفرح بيك أنت كمان يا حبيبى
فنظر لأكرم ورائف وأضاف:
–يتربوا فى عزكم يارب ويجعلهم ذرية صالحة
رد رائف قائلاً:
– ويتربوا فى عزك وخيرك يا بابا
ولج أكرم تلك الغرفة التى ستمكث بها ريهام لحين عودتهم للمنزل ، فنظرت إليه بإبتسامة وهى تقول بصوت خافت :
– حلو إبننا يا أكرم مش كده
أماء أكرم برأسه باسماً ، وأقترب من فراشها ووضع الصغير بين ذراعيها وهو يقول:
– أيوة أميرنا حلو زى أمه
ضمت ريهام صغيرها وقبلته على رأسه وهى تقول:
–حبيب ماما ، دا بغمازات زيك يا أكرم
جلس أكرم على طرف الفراش بجوارهما ، فأنحنى إليها وقبل رأسها قائلاً:
–شوفتى بقى ربنا مش حارمك من حاجة مع أنك فضحتينى فضيحة بجلاجل وأنتى داخلة تولدى
ضحكت ريهام بصوت خافت وردت قائلة:
–ميبقاش قلبك أسود بقى يا دكتور
أشار أكرم لنفسه وهو يقول بزهو ومداعبة :
– دا أنا قلبى زى اللبن الحليب
رمقته بنظرة عاشقة وهى تقول بصوت مفعم بالصدق:
– طبعاً يا حبيبى علشان كده أنا بموت فيك يا كرومتى
قبل أكرم وجنة الصغير ورد قائلاً:
–روح كرومتك أنتى يا أم أمير
أنتشت ريهام من سماعه يناديها بإسم صغيرهما ، فقالت بحب :
– أم أمير ! أحلى لقب ده ولا إيه يا ناس
بالغرفة الأخرى الخاصة بسجى ، دلف رائف وهو يحمل الصغير ،فأقترب من فراشها ووضعه بين ذراعيها ، فراحت سجى تحتضنه وتقبله بلهفة وهى تبكى ، فمسد رائف على رأسها قائلاً:
– بتعيطى ليه يا روحى
إبتسمت سجى من بين دموعها وردت قائلة بسعادة :
–دى دموع الفرح يا حبيبى إن أنا بقى عندى إبن منك أنت، بس دا صغنون أوى يا رائف
مرر رائف يده على رأس الصغير ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:
–ربنا يباركلنا فيه و بكرة يكبر يا روحى وتشوفيه أحلى عريس
قبضت سجى على يد زوجها وقالت :
– إن شاء الله ، أنا عيزاه يطلع زيك فى كل حاجة فى حنانك وخوفك على اللى بتحبهم وغيرتك على أهل بيتك بس بلاش عصبيتك ونرفزتك ، أحسن لما يكبر يتعصب ويعور اللى قدامه
لمس أرنبة أنفها بطرف سبابته وقال مازحاً:
– هو أنا اتعصبت عليكى وعورتك قبل كده ، بلاش إفترا بقى
ضحكت سجى وقالت:
– لاء يا حبيبى أنت كنت بتخاف عليا أكتر لما كنت بتتعصب ، ربنا ما يحرمنا منك ابدًا يا رائف
داعب وجنتها بلطف ورد قائلاً:
–أنا معنديش أغلى منك فى حياتى أخاف عليه ، ودلوقتى بقى عندى حد تانى أخاف عليه إبننا ، ربنا ما يحرمنى منكم أبداً يارب
وصلتا سچى وريهام إلى المنزل وكل من هما تحمل صغيرها بين ذراعيها ، وابتسامة عريضة تزين وجهيهما ، من أنهما عادتا للمنزل وكل منهما تحمل ثمرة عشقها لزوجها ، فكانت الأشهر الأولى من حياة الصغيران بمثابة إرهاق لهما ، من عدم حصولهما على القسط الكافى من النوم
فتحت سجى عينيها بصعوبة وهى تنظر لريهام قائلة :
–لاء دا أنا كده هموت من قلة النوم ، وحاسة إن هيجيلى هلاوس
حركت ريهام رأسها بضعف وهى تقول:
–ومين سمعك طول الليل عياط وينام بالنهار وحاجة قلق بعيد عنك ، طب وبعدين الحل إيه أنا بقيت شبه الزومبى من قلة النوم
شعرتا هدى وصفية بالشفقة عليهما ، فهتفت بهما هدى قائلة :
–خلاص سيبوا أمير وباسل معانا وروحوا ناموا شوية ، هاتوهم وروحوا ناموا يلا
قالت صفية باسمة :
– أيوة روحوا ناموا وأنتوا شكلكم يرعب كده
نهضت سجى من مكانها ووضعت الصغير بين ذراعىّ صفية وهى تقول بإمتنان :
– ربنا يبارك فيكم يارب خدى يا تيتة باسل أهو
ناولت ريهام صغيرها لهدى وهى تقول بتفكه :
– اه والله دا أنا هنام على باب الأوضة ، إن مكسلتش أطلع الأوضة وأنام على السلم
صعدت ريهام الدرج كأنها بسباق ، تريد الوصول للفراش ، فهى بدت منهكة القوى من قضاءها ساعات طويلة بالليل وهى مستيقظة من أجل صغيرها ، وأسرعت سجى الخطى ، حتى وصلت غرفتها وما أن وصلت للفراش أرتمت عليه غير قادرة على خلع حجابها ، فهى لا تشتهى سوى أن تغرق بسباب عميق
بعد بضع ساعات ، دلف أكرم الغرفة وضغط على زر المصباح الكهربائى ، فأنتشر النور بالغرفة ، وأقترب من ريهام وناداها بلطف :
– هاى صح النوم
فتحت ريهام عيناها بصعوبة وقالت بتثاؤب :
– إيه ده هو أنا نمت ده كله
حرك أكرم رأسه بالإيجاب قائلاً:
– أه يا روحى وأمير شكله جعان عمال يعيط تحت قومى يلا
جلست ريهام بالفراش ووضعت يدها على فمها وقالت :
– حاضر قايمة أهو
تركت الفراش وذهبت للمرحاض من أجل أن تغتسل ، لتطرد عن عينيها النعاس ، ولكن ما أن جلست بالمغطس ، حتى غفت ثانية ، ولم تستيقظ ، إلا بعد نداء أكرم لها مراراً وتكراراً
دلف رائف الغرفة وجد زوجته نائمة ، أقترب منها وجلس بجوارها ، فمرر يده على وجهها ، وما أن شعرت بلمسة يده إبتسمت وهى مغمضة العينين ، فهى شمت رائحته التى ملأت الغرفة منذ دخوله
فقالت بصوت ناعس :
– حبيبى
إبتسم رائف وقال:
– صح النوم نمتى كويس
جلست سجى بالفراش وتمطت بذراعيها وقالت بشعور طفيف من الراحة :
– أه شوية ، أنا كنت خلاص هموت من قلة النوم ، هو أنت جيت من بدرى
هز رائف رأسه نفياً وهو يقول:
–لسه جاى من شوية شفت باسل وأمير مع ماما وتيتة سألت عليكى قالولى نايمة بس باسل شكله جعان ، صوته جايب أخر الدنيا
أسرعت سجى بترك الفراش وهى تقول :
–خلاص أنا هروح ليه أهو ، بس هاخد شور علشان أفوق وأعرف أسهر مع سيادته بالليل
رمقها رائف بهدوء و قال :
–لو تعبانة كده نجيب مربية علشان ترتاحى
إبتسمت سجى وردت قائلة:
–هو تعب أه بس تعب لذيذ ثم ده أبنى محدش ياخد باله منه غيرى
ترك مكانه وألتقط يدها قبل أن تبتعد وإبتسم لها قائلاً:
–طب وأبوه مين اللى ياخد باله منه
زاغت بعينيها وهى تقول:
– أنا برضه يا روحى مفيش أهم منكم عندى ، ويلا بقى علشان ألحق أخرج لباسل
بعد أن أفلت يدها ذهبت لغرفة الثياب وأخذت ثياب نظيفة وذهبت للمرحاض ، أنهت إغتسالها فما لا يزيد عن عشر دقائق من أجل أن تذهب لصغيرها ، وما أن خرجت ومشطت شعرها وهمت بالخروج من الغرفة سمعت صوت زوجها وهو يقول:
–سچى أنتى نسيتى تقفليلى زراير القميص يا عمرى ، اه ما أستاذ باسل اخدك منى خلاص ومبقتيش تفكرى فى حد غيره
تركت مقبض الباب وعادت إليه وبدأت بإغلاق أزرار قميصه وهى تقول باسمة :
–على أساس إن باسل ده مش إبنك أنت كمان ، دا زمانه جاب لطنط هدى وتيتة الصداع بسبب عياطه هو وأمير ، ثم أنت غيران من إبنك يا حبيبى
إحتضنها بتملك ورد قائلاً :
–ماهو علشان هو إبنى أنا ساكت ومش قادر أتكلم ، وأه أنا غيران بس متقوليش لحد خلى الكلام فى سرك
ما أن أنتهت من إغلاق أزرار قميصه ، أصاب صوته الخفوت ، ولكن لم يكن لشئ ، إلا أنه يعلم مدى تأثير صوته العاشق على حواسها ، فدائمًا ما يصيب أطرافها بالضعف وتخذلها سريعاً ، وتنهار مقاومتها الهشة وتصبح طوع بنانه ، ولكن لا تعلم أنها هى من تصيب قلبه بالإنصهار ما أن يقترب منها ، ويمنى نفسه بالحصول على إحدى هداياها ، والتى لا تكفيه واحدة أو إثنتان منها بل يريد المزيد والمزيد
بالصالة خرج شادى من غرفته ، وأقترب من والديه وجدته ، وهو يبتسم ملأ فاه ويفرك يديه بحماس من رؤية الصغار ، فناشد والدته قائلاً برجاء :
– حبايب عمو هاتيهم يا ماما أرجوكى عايز أشيلهم شوية
نظرت إليه هدى بحذر وهى تقول:
–بلاش عض يا شادى أنت شايف هم مش ساكتين اصلاً
حرك شادى رأسه قائلاً بطاعة :
– حاضر والله ما هعضهم ، أنا هشيلهم بس ، ثم لسه بدرى عليهم فى مرحلة العض ، دلوقتى هبوس بس
جلس شادى بجوار والدته وحمل الصغيران ، وقبل رأس كل منهما ، فنظرت إليه صفية قائلة بحنان :
– عقبال عندك لما نفرح بيك يا حبيبى ونشوف ولادك أنت كمان
رد شادى باسماً:
– ربنا يباركلنا فيكى يا تيتة بس لما أخد الدكتوراة الأول
داعبت هدى وجهه وهى تقول بحب :
– أحلى دكتور فى مجال الكيميا يا ناس
رمقه والده بنظرة حانية متسائلاً:
– أنت قدمت على الماجستير خلاص يا شادى
هز شادى رأسه قائلاً:
– أيوة يا بابا خير البر عاجله
رفعت صفية يديها وقالت :
– إن شاء الله تبقى أشهر عالم فى الدنيا يا حبيبتى
شعر شادى بتململ الصغيران ، فراح يهز ذراعيه حتى يستطيع إسكاتهما ، فنظر لجدته وهو يقول:
– أيوة كده أدعيلى يا تيتة وركزى فى الدعاء ليا أوى
وزع نظراته بين الصغيران وأستأنف حديثه مازحًا :
– فى إيه يا بنى أنت وهو ، عمالين تفركوا ليه كده ، هتسكتوا ولا أوديكم المعمل
ضحك شادى على ما قاله ، فما أن رآى شقيقه وزوجاتهما ، حتى ناول كل منهما صغيره ، فطالعتهم هدى بمحبة ، لا تصدق أنها الآن صارت جدة ولديها حفيدان وحصدا محبتها كما حصدها والديهما من قبل ، فهى لا تحب أبناءها فقط ، بل هى تعشقهم وتعشق وجودهم بقربها وحنانهم الدائم لها ولأبيهم وجدتهم
فبعد مرور سنوات ، كان الله رزق سجى بأطفال أخرين تمثلوا بإنجابها لتؤام ولدًا وبنتًا ، وأطلقت عليهما " حور وتيم " وانجبت ريهام بنتًا أسمتها " مريم " ، وأيضاً أنجبت أروى بنتان " جودى وبسملة " فمنح الله وعطاياه لا حدود لها
مدت هدى يدها وقبضت على يد زوجها وهما ينظران لأحفادهم ، الذين يركضون بالحديقة ، فالمنزل لا يخلو من الضحكات والشجارات اللطيفة بين الصغار ، ولكن كان جميعهم ينصتون بطاعة لأوامر جدهم وجدتهم والجدة الكبيرة ، التى جلست بجوار إبنها ، وعدلت من وضعية نظارتها الطبية ، فالزمن لا يرحم ، وصفية قد نال منها الكبر ، ولكن مازالت تلك المرأة الحنون ، التى يهرول إليها الكبار والصغار من أجل الإستماع إلى نوادرها وقصصها الشيقة
لوحت ريهام بتلك العصا الرفيعة التى تحملها وهى تقول بصوت جهورى :
–يلا يا حبايبى قولوا ورايا سمكة يعنى fish طبق يعنى dish يلا قولوا
لوت سجى شفتيها وقالت :
– أنتى بتعملى ايه يا ريهام أنتى دماغك لسعت ، دا الحمد لله أنك مش مدرسة دا أنتى فاشلة ، دى العيال بيتكلموا انجليزى أحسن منك
رفعت ريهام حاجبها الأيسر قائلة :
– بتسلى يا سچى يا حبيبتى اعمل ايه ماهو الشغل ومش عارفين نشتغل بسببهم فبمارس مهنة التعليم ، وبتقولى عليها فاشلة يلا خدى ولادك من هنا مش هذاكرلهم ، يلا يا ولاد سجى من هنا اخرجوا برا الفصل بتاعى ناو
أخرجت سجى لسانها لتغيظ ريهام وهى تقول:
– بتطرديهم منين ، إحنا قاعدين فى الجنينة ، مش بقولك فاشلة يا فاشلة يا فاشلة
– ماشى أنا هوريكى يا سچى
قالتها ريهام وركضت خلف سجى ، كأن عادتهما لن تتغير مهما مضت الأيام عليهما ، فلم تنتبه سجى وإصطدمت بذلك الرجل الطويل ، الذى تأسرها رؤيته وابتسامته حتى بعد مرور تلك السنوات
أحكم رائف ذراعيه حولها حتى لا تسقط ، فنظر إليها متسائلاً:
– بتجروا ورا بعض ليه كده ؟
إعتدلت سجى ووقفت خلف ظهره قائلة بإبتسامة :
– إلحقنى يا رائف دى عايزة تضربنى
نظر رائف لأكرم قائلاً بجدية مزيفة:
–سكت مراتك يا أكرم ومتخلهاش تضرب مراتى أحسن اضربك أنت
شهق أكرم قائلاً:
– الله وأنا مالى يا لمبى ، تضربنى أنا ليه ، عجبك كده يا ريهام هتجبيلى الضرب بعد العمر ده كله
طوق رائف كتف شقيقه وهو يقول:
– هو أنا أقدر أضربك برضه يا أكرم دا أنت حبيبى
أشارت ريهام لسجى بالخروج من خلف ظهر زوجها وهى تقول:
– سيبونا بقى نصفى خلفاتنا براحتنا تعالى هنا يا سچى
نظرت إليها سجى وقالت بتحذير :
–إياكى تمدى إيدك عليا يا ريهام أنتى فاهمة
إبتسمت لها ريهام وردت قائلة:
– وأنا أقدر أضربك يا قمر
نظرت ريهام لبوابة المنزل الكبيرة وقالت :
– هو شادى كل ده ولسه موصلش
سمعوا جميعهم صوت زمور تلك السيارة التى أرسلها ماهر للمطار ، فشادى عاد لمصر اليوم بعد إنتهاءه من حضور إحدى المؤتمرات العلمية الهامة ، فترجل شادى من السيارة وهو يصيح بسعادة:
–أهلى وحبايبى والمجتمع والناس وحشتونى
أقترب منه رائف وأحتضنه بشوق قائلاً:
–حمد الله على السلامة يا عالمنا الكبير
أخذ أكرم دوره بالترحيب بشقيقه وهو يقول:
–حمد الله على السلامة يا زويل
رد شادى قائلاً بإبتسامة عريضة:
–الله يسلمكم يا حبايبى أحلى حاجة الواحد يرجع ويشوفكم
أقترب من والديه وقبل كل منهما بحنان ، فدمعت عينىّ هدى وقالت بمحبة :
–أنا فرحانة أوى وجه اليوم اللى شوفت فيه أحفادى مالين عليا البيت وأبنى حبيبى رجع بالسلامة وبقى إسمه مسمع فى كل مكان
قال ماهر بحب :
–البيت بقى زى الجنة يا هدى ، حبيب بابا حمد الله على السلامة
قال شادى وهو يربت على ظهر والده :
– تسلمولى كلكم فين تيتة
سمع شادى صوت صفية وهى تقول:
– أنا أهو يا واد يا شادى
أقترب شادى من مجلسها وجثى على ركبتيه أمامها وقبل يديها وهو يقول باسماً:
–لسه بتقولى يا واد يا صفصف بعد العمر ده كله ، دا حفيدك كان ملعلع فى المؤتمر وكمان هتكرم من الدولة قريب
أحتضنت وجهه بين يديها الهرمتين وهى تقول بمحبة :
– حتى لو بقيت إيه هقولك يا واد يا شادى ومش أنت بس أنت ورائف وأكرم كمان
شهق رائف ممازحًا:
–الله دى تيتة هتضيع هيبتنا قدام العيال خالص ليه بس كده يا صفصف
جلس أكرم على حافة مقعدها وطوقها كتفيها قائلاً:
–يعنى يرضيكى يا تيتة العيال تقولى يا بابا يا واد
ربتت صفية على ساق أكرم وهى تقول:
– أنتوا حبايب قلبى وعشت لليوم اللى شفت فيه ولادكم قبل ما أموت
أقترب منها رائف هو الأخر قائلاً بحنان :
–ربنا يباركلنا فى عمرك يا تيتة وتعيشى وتجوزيهم كمان
صفقت هدى بيديها لجذب إنتباههم وهى تقول:
– يلا عملالكم حفلة شوا صغيرة كده احتفالاً برجوع شادى
ترك شادى مكانه وخلع سترته وشمر عن ساعديه قائلاً بحماس :
–يلا بينا دا أنا هموت من الجوع وأنا اللى هشويلكم اللحمة والفراخ
نظرت صفية لوجهه الرجولى المليح وتساءلت :
– أنت مش ناوى تتجوز بقى يا شادى أنت كمان
رد شادى مبتسماً:
–لسه ملقتهاش يا تيتة لسه صاحبة النصيب مجاتش مش عارف أتأخرت ليه كده
ضحكت ريهام وقالت :
– جايز المواصلات زحمة يا شادى
حك شادى رأسه وقال مازحاً:
– تقولى وأنا أبعتلها هليكوبتر على حسابى ، على العموم خلينا فى الشوى دلوقتى أنا جعان ، وأنا لما بجوع مبشوفش قدامى
إبتسمت سجى إبتسامة هادئة وقالت:
– وتأكل اللى تشويه صح يا شادى زى ما كنت بتعمل دايمًا
قهقه شادى وقال:
– يااااه أنتى لسه فاكرة يا سچى
مال أكرم برأسه لرائف وهمس له قائلاً:
– وفاكر أنت كمان يا رائف لما كنت قاعد هتولع لما سچى كانت بتضحك مع شادى ، دا أنت فى الأيام دى كنت فظيع يا أخى وكنت مجننى برضه
دفعه رائف بخفة وهو يقول:
–أخرص ياض أنت ، هو أنت بتنسى كل حاجة وتفتكر اللى كنت بعمله بس ، ثم أن خلاص بقى يا أكرم دى أيام وعدت
ربت أكرم على كتف شقيقه قائلاً بمحبة :
– ربنا يسعد أيامك يارب دايما
إبتسم رائف وقال:
–ويسعدك أنت كمان أنت ونعم الأخ والصديق يا أكرم
حمحم أكرم قائلاً بزهو :
–شوفت بقى من غيرى ما تعرفش تعيش
لوى رائف شفتيه قائلاً:
– أنا غلطان إن أنا قولتلك كلمتين حلوين يا أكرم
سرعان ما ضحك رائف على ما قاله ، فحقاً هو لا يتخيل حياته دون وجود عائلته ، وخاصة شقيقه أكرم ، الذى إستطاع أن يتخذه شقيق وصديق وناصح له رغم أنه هو الشقيق الأكبر ، ولكن دائما أكرم حليمًا ومتأنياً بأقواله وأفعاله ، خلافاً لطباعه هو التى تتحكم بها العصبية أحياناً ، وكأن كل منهما مكملاً لطباع الأخر
جن الليل عليهم ، فما أن ولج أكرم الغرفة وجد ريهام بإنتظاره وهى تبتسم بإتساع علاوة على إرتداءها لثوب رائع ، فنظر إليها بعينان ناعستان وهو يقول:
–ها خير عايزة تقولى إيه يا ريهام ، إيه طلباتك
فغرت ريهام فاها وتساءلت بدهشة :
– وأنت عرفت منين إن أنا هطلب منك حاجة
قرص أكرم وجنتيها وهو يقول:
– علشان عارفك كويس طالما بتبتسمى الابتسامة العريضة دى وعايزة تغرينى ، يبقى فى حاجة أنتى عيزاها ، فبقولك خير
عبث ريهام بياقة قميصه وهى تقول :
– أنا عايزة أشتغل يا أكرم زهقت من قعدة البيت ، الأولاد بيبقوا فى المدرسة وأنا وسچى بنبقى قاعدين مبعملش حاجة
لم يملك حيلة للرفض ، فيكفى رائحة عطرها التى سلبته عقله ، فأزدرد لعابه وهو يقول:
– خلاص أنتوا تيجوا بس هتشتغلوا ساعتين أو تلاتة وتروحوا علشان الأولاد
صفقت ريهام بسعادة وردت قائلة:
–ماشى يا حبيبى أى حاجة المهم شوية تغيير
جذبها إليه وهو يقول :
–زهقتى يا قمر ، على فكرة وحشتينى يالمضة أنتى
لفت ذراعيها حول عنقه وإبتسمت بوجهه وقالت بصوت هامس:
–مزهقتش منك أكيد يا أبو غمازات أنت ، أنا بس قاعدة البيت بتزهق ، وأنت كمان وحشتنى أوى يا أكرم
شعورها نحوه كالموجة العاتية ، التى ما أن تضرب قلبها ، حتى يزداد خفقانه ، أرادت أن تغرق بنهر رقته وحنانه ، فما زالت نظرة الحب الأولى بينهما تشتعل بداخلها ، و ستتحول إلى نار حارقة من لهيب العشق كلما مرت الأيام ، إنه لها ، ولن تسمح لأحد أو أى شئ فى الدنيا بأسرها بأن يغير تلك الحقيقة الراسخة بقلبيهما وعقلهما . حاولت مقاومته قليلاً من أجل أن تمزح معه ، ولكن سرعان ما إستسلمت لعناقه ، إنه زوجها الذى ستظل تريده دائمًا وأبدًا وغرقا سوياً فى بحر من الحنان والهمهمات العاشقة
خرجت سجى من غرفة أطفالها بعدما أطمأنت لخلودهم للنوم ، فأكملت سيرها حتى وصلت غرفة النوم الخاصة بها وبزوجها ، دلفت للداخل وأغلقت الباب خلفها ، وجدت رائف ينهى بعض أعماله ، فجلست أمامه ووضعت يدها أسفل ذقنها وإبتسمت له قائلة :
– رائف أنا عايزة أروح أشتغل فى المستشفى
رفع رائف وجهه لها ورد قائلاً:
–بس هتعرفى توفقى بين الأولاد والشغل
أماءت برأسها إيماءة خفيفة وردت قائلة بهدوء:
– أنا هشتغل بس كام ساعة فى اليوم مش أكتر ولو حسيت إن الموضوع هيأثر على الأولاد خلاص مش هروح تانى ، بس أنت مش هتضايق ؟
رد رائف باسماً
–خلاص ياعمرى أعملى اللى يريحك ، ثم إيه اللى هيضايقنى أهم حاجة انك انتى تكونى مبسوطة يا قلبى
مدت سجى وأغلقت الحاسوب وهى تقول بدلال :
– أنا مفيش واحدة أسعد منى علشان أنت حبيبى وجوزى وأبو ولادى
وجدت نفسها بين ذراعيه وأطبق عليها بقوة جاذبًا اياها نحوه ، فتذكرت كل تفاصيل حياتهما معاً منذ أن جاءت إلى هذا المنزل حتى الآن ، فهى لا تريد شئ سوى أن تكون بين ذراعيه تلتصق به حتى يعلم مدى عشقها له
ضمها إليه وطوقها بذراعيه قائلاً بعشق :
– أنا بحمد ربنا إنه خلاكى أنتى من نصيبى ، وكمان بقيتى أنتى أم أولادى اللى واثق إن شاء الله إنك هتربيهم أحسن تربية وهيبقوا أحسن الناس بأخلاقهم وتربيتهم ، بحبك
إرتجفت بعد سماع كلمته الأخيرة ، وكأن تلك السنوات التى قضتها برفقته مازادتها إلا خجلاً وتعلقاً به ، فردت هامسة بصوتها الخجول ، الذى كاد يطيح بعقله :
– وأنا كمان يا حبيبى بعشقك وخصوصاً لما أشوفك بتبتسم إبتسامتك دى بتخلى قلبى يدق جامد كأنه هيخرج من مكانه ، لحد أخر لحظة فى عمرى وآخر نبضة من نبض قلبى بحبك يا رائفى
عانقها بحرارة وسمعته يقول بصوت مرتجف :
– أحلى إسم بسمعه منك أنتى ولما تقوليلى رائفى بحبك أكتر وأكتر ياقلب رائفك
إزدادت إقتراباً منه وتألقت عيناها ببريق السعادة والحب وهى تقول بصوت متهدج بفعل تلك العاطفة الجياشة التى تشعر بها نحوه :
– أنت أعز الناس وأغلاها يا حبيبى وهفضل أقولك رائفى طالما لسه قلبى بينبض بحبك أنت
فإبتسمت عندما تذكرت مضايقته لها ببداية لقاءهما ، فهى الآن أقتنعت بأن أفعاله وتصرفاته الفظة ، لم تكن سوى عقاباً له ولها كتحذير لكى لا تقترب منه ، رافضاً كل القيود ، وكان إنطواءه على نفسه عقبة قامت بينه وبين ذلك الحب الذى تكنه له ، ولكن العقبة زالت وأصبح زوجاً عاشقاً لها . فتشبثت به بعد إصابتها بموجة الضعف العذبة التى أعترتها ، وكادت تقضى على أنفاسها ، فهما عرفا الحب والحنين فى أقصى درجاتهما ، وتنعمت هى بحبه الخالى من كل شائبة ، وعوضاً عن نيل جزء فقط من عواطفه ، نالت قلبه وعقله ، وبخضم أفكارها شعرت بأن تياراً خفياً من المشاعر أصابها ، جعلها تلقى برأسها على كتفه و تعانقه عناقاً حاراً وشددت من لف ذراعيها حول عنقه ووقفت على أطراف أصابعها وراحت تصب بأذنيه عبارات عاطفية ، وختمت حديثها بهاتان العبارتان التى ضمنتهما كل رقة ونعومة صوتها العذب " أحبك أنتَ " و " لا أحد سواك رائفى "
تمت بحمد الله ❤️