-->

رواية ذنبي عشقك - بقلم الكاتبة ميرا كريم - الفصل الحادي عشر

 

رواية ذنبي عشقك

بقلم الكاتبة ميرا كريم



الفصل الحادي عشر

رواية

 ذنبي عشقك 


إذا حاولت التوقف عن التفكير لعدة دقائق , ستجد نفسك محاصراً بالأفكار من جميع الجهات.

 - جورج برنارد شو

❈-❈-❈

كان ساهم بنظراته داخل الورق أمامه  في محاولة بائسة منه كي يؤدي مهامه…  فمن يراه من بعيد يظن أنه يفعل ولكن في حقيقة الأمر هو كان شارد في تلك البسمة الرائقة التي لأول مرة يراها ترتسم على وجهها. فنعم توقع أن تشكره ولكن لم يظن أن ما فعله سيفرحها لذلك الحد.

 وهنا سؤال واحد كان يدور برأسه هل حقًا فعل ذلك من أجل والدته وحفاظًا على بقائها أم 

لسبب آخر هو ذاته مازال لا يستطيع  تحديد هويته،  حسنًا و إِن كان يجهل للآن لمَ تمسك بوجودها واخفى عنها أمر شقيقها…حقًا لا يعلم ولا يريد أن يفكر في الأمر فطالما كان التفكير بها يشتته فقد زفر انفاسه دفعة واحدة نافض معها أفكاره بعيدًا قبل أن يفقد صوابه تزامنًا  مع دخول      

 زميله مكتبه وملامح الاحباط ترتسم على وجهه ليرجع ظهره للخلف يمسد جبهته  ويتسائل مترقبًا:

-مالك يا "احمد" ايه اللي حصل


-"صالح" أنكر يا "سليم" بيه وبيقول انه عنده شهود بيقولوا انه كان متواجد معاهم وقتها 


احتدت نظراته وقال بضجر:

-وبعدين 


-النيابة عطيته اربع ايام استمرار لغاية مايتعرض على قاضي التجديد و وقتها الله اعلم هيديه إخلاء سبيل ولا هيجددله خمستاشر يوم كمان


صمت لثوانِ يمرر أنامله بشعيرات ذقنه ثم تسائل من جديد:

-والولد عامل ايه دلوقتي؟

 

-كويس و الدكاترة بيقولوا احسن وكام يوم وهيخرج من المستشفى

 

-طيب انا عايز عينك  على "صالح"

 وتـ قرفوه اخر قرف جوه الحبس  وتعرفلي قبل الجلسة  مين اللي كان معاه … ليضيق عينه بتفكير ويضيف توقعه:

_  تقريبًا هيبقوا صحاب الشقة اللي جبناه منها 


-تحت أمرك يا "سليم "بيه ومش عايزك تقلق  احنا عملنا معاه الواجب وشوية زيادة علشان خاطرك


-تمام يا" احمد" روح شوف شغلك وبلغني لو في جديد

  

غادر "أحمد" تاركه يسند ظهره أكثر على مقعده ثم يلاعب القلم بيده بنظرات شاردة في نقطة وهمية في فراغ فإن حالف الحظ ذلك ال صالح وخرج من هنا دون عقاب سيغضب كثيرًا وسوف ينشغل باله على تلك البائسة طليقته وهنا استرجع ما حدث  في الأمس حين ذهب لهناك 

flash back 

فقد كلف أحدهم أن يأتيه بمحل عملها وإن وصل لهناك استند على  مقدمة سيارته ينتظر خروجها بعد أن اوصى أحد العاملين أن يحضرها من الداخل وها هي تخرج له متوجسة بـ ارقة العينين، حين قال هو:


-أنتِ "بدور" طليقة "صالح عابد" 


أكدت له ثم تسائلت بريبة:

-ايوة انا "بدور" هو في ايه يا بيه 

ومين حضرتك


-مش مهم أنا مين المهم إني جاي من طرف "شمس" وبعتاني علشان اطمن عليكم


تهللت أساريرها وتسائلت بلهفة:

-بالله عليك جاي من طرف "شمس" طب طمني عليها ده انا هـ تجنن من ساعة ما عرفت اللي حصل 


-هي كويسة متقلقيش


-ربنا يطمن قلبك يا بيه بالله سلملي عليها وقولها متشلش همنا إحنا عايشين وفي نعمة الحمد لله وكفاية اوي اللي حصلها بسببنا


جعد حاجبيه والفضول بداخله يتفاقم وقبل أن يتسائل استرسلت هي بكل تلقائية وكأنها تحادث ذاتها:

-دي باعت التاكس علشان تكمل اللي ناقصنا وتسد ديون اللي ميتسماش بس هي بت بمية راجل باعته ولا همها وحرقت قلبه عليه


مثيرة للدهشة تلك الشمس فهي  أبية تضحي من أجل غيرها وتجازف حين تكون على حق دون أن تخشى العواقب وذلك بشكل ما اعجبه وجعل بسمة عابرة تنمو على ثغره حتى انه لم ينتبه لظهورها إلا بعد سؤال" بدور":

-هي قاعدة فين يا بيه اوعى تقول سافرت تاني 


حسنًا هناك الكثير والكثير من التساؤلات تدور برأسه الآن نحوها فمجرد فكرة أنه يجهل حياتها السابقة وجد ذاته حانقًا فقد دثر بسمته وأجابها بإقتضاب يصر على التكتم على مكانها:

-مسافرتش...كل اللي اقدر اقولهولك هي بخير 


هزت رأسها بتفهم ليتسأل هو بأهتمام  كي يريح ضميره:

-قوليلي هو "صالح" اتعرضلك ولا ضايقك


-هو جه مرة وخد مني التليفون وقال إن "شمس" اكيد هتكلمني عليه لكن غير كده محصلش ده حتى مش بيسأل على ابنه وملهوش دعوة بيه من يوم ما اتطلقت   


تنهد بضيق و قال ما جاء من أجله وهو يخرج هاتف صغير من جيب سترته:

-خدي  ده تليفون صغير خليه معاكِ و"شمس" هتكلمك عليه


تناولت من يده وقالت متوجسة:

-خايفة "صالح" ياخده زي اللي قبله


-قولتلك متقلقيش ولو حصل أي حاجة تعاليلي القسم وانا هتصرف معاه قوليلهم بس انا عايزة اقابل  سليم الكومي وهيدخلوكِ ليا علطول 


شهقت "بدور" بخفوت  حين علمت هويته وشحب وجهها ليخرج هو حفنة من المال ويمد يده بها قائلًا:

-خدي دول كمان "شمس" بعتتهم ليكم 


نظرت ليده وقالت بحرج:

-انا مش عايزة حاجة المهم تكون هي بخير يا بيه 


رد بنفاذ صبر:

-هي بخير وخدي انا مش هفضل مادد ايدي كتير


تناولت من يده وقالت داعية:

-والله ما عارفة اودي جمايلها دي كلها فين ربنا يجبرها زي ما علطول جابرة بخاطري انا وابني 


ليرفع هو سبابته بوجهها ويقول بنبرة جادة محذرة: 

_ متجبيش سيرة لأي مخلوق إني جيت هنا واتكلمت معاكِ… فاهمة

هزت رأسها وقالت بطاعة: 

_ فاهمة يا بيه متقلقش هو انا اقدر افتح بوقي 

ذلك أخر شيء استمع له منها قبل أن يغادر ويتركها تعود لعملها.

افاق من شروده متنهدًا فمهما حاول نفض أفكاره عنها تأتي لتشتته وتقحم برأسه تلك  التساؤلات التي يرغب في إجابة وافية لها ولكن أيحق له من الأساس ان يطالب بها، لا بالطبع لا لذلك كان حانقًا وبشدة ليس لعدم احقيته بل لذلك الفضول اللعين الذي لم ينتابه من قبل نحو أي انثى غيرها.

❈-❈-❈

في المساء 

كانت تجلس تنتظر عودته كي تشكره بعد أن اطمأن قلبها على ابن شقيقها فطالما كانت أفعاله  تدهشها  فرغم  رصاص كلماته  الجارحة إلا أن أفعاله تنبأك أنه شخص جيد ولكن فقط لم يستطيع صياغة الكلمات ولكن مهلًا مازالت تراه مُـ رعبًا.

ذلك ما كانت تحدث بها ذاتها حين استمعت لصوت فتح  الباب لتتأهب بوقفتها وتحاول تشجيع ذاتها 

أما عنه فقد

عاد إلى منزله بعد يوم طويل بالعمل فكان يشعر بالارهاق الشديد ويود فقط لو ارتمى على الفراش لينعم بالراحة...فكان الهدوء يعم البيت ليُقن أن والدته قد خلدت للنوم ليخطو نحو غرفتها يلقي عليها نظرة ليطمئن ثم من بعدها كاد يدخل غرفته لولآ أنه وجدها تقف على اعتاب غرفتها تفرك بيدها ويظهر التوتر جلي على تقاسيمها وهي تقول:

-ماما "ليلى" نامت من بدري 

ومقدرتش تستناك


هز رأسه متفهمًا ثم تسائل بحيرة:

-ايه اللي مسهرك منمتيش ليه؟


اجابته بخجل وهي تتحاشى النظر له:

-مستنياك.


جعد حاجبيه وتسائل مستغربًا بملامح متهدلة من شدة الارهاق:

-في حاجة حصلت...او محتاجة حاجة

 

نفت برأسها وقالت وهي تقترب بخطواتها المتعثرة منه:

-استنيتك علشان اشكرك على  التليفون وعلى اللي عملته مع" بدور" 


-اطمنتي عليهم 


هز رأسها ببسمة مُرتاحة ثم أكدت بنبرة تتراقص نبراتها:

-اه وكلمت "رامي "كمان والحمد لله بخير


-طيب الحمد لله 

قالها وهو بفتح باب غرفته وكاد يدخل لولا سؤالها:

-انت هتنام!


التفت يستغرب لتفرك هي يدها ببعضها وتلعن غباء سؤالها بسرها ثم تضيف بسلامة نية:

-قصدي مش هتاكل الأول!

لتتناول نـ فس عميق تشجع به ذاتها وتتابع كي لا يسـ يء فهما كعادته ويلقي عليها رصـ اص كلماته:

-انا عارفة أنك قولتلي قبل كده انك بتعمل حاجتك بنفسك بس مفهاش حاجة لو 

كـ سرت القاعدة  أنت شكلك تعبان و انا ممكن اسخنلك… ده يعني لو حابب


حسنًا ما تفوهت به هو الغباء بعينه ولكن ماذا تفعل في لين قلبها فقد لاحظت إرهاقه البائن وأردت فقط المساعدة عرفانًا بما فعله معها  لذلك كان تقابل صمته 

المُريـ ب بترقب شديد بينما هو تركزت نظراته عليها يستغرب اهتمامها وخاصًة بعد عـ جرفته السابقة معها لذلك لم  يكن لديه أي نية للرفـ ض حين  قال:

-مش عايز اتعبك 


-مفيش تعب ولا حاجة 


هز رأسه دون اعتراض لتخطو هي نحو المطبخ بينما هو كان ساهم النظرات ينظر لإثارها قبل أن ينتبه على حاله ويدخل غرفته ليبدل ملابسه.

❈-❈-❈

حضرت الطعام وقبل أن تنتهي وجدته يمتثل أمامها، تراجعت تفسح له المجال ليجلس...بينما هو كان يتناوب نظراته بين الطعام وبينها لتتلعثم وهي تضع أخر طبق أمامه:

-ماما" ليلى" قالتلي أنك بتحب سلطة الزبادي مع ورق العنب 


أفعلتها حقًا من أجله...

وذلك الطعام هل صنعته من أجله ايضًا هل "ليلى" من أخبرتها أنه يعشق ملفوف ورق العنب أم ذلك اختيار موفق منها نفض افكاره بعيدًا وهو يستغرب ماذا حل بعقله فمع وجود تلك ال"شمس" ينقلب راسًا على عقب ولم يستطيع السيطرة على أفكاره وذلك بشكل ما لم يروق له

فقد تنهد بعمق يستعيد رباط جأشه ثم شكرها بنبرة ثابتة:

-تعبتك يا "شمس" 


ردت ببسمة هادئة لم يعتاد عليها:

-مفيش تعب المهم الأكل يعجبك 


مهلًا أ تخصه هو بتلك البسمة الرائعة، أم يهيء له...لا من المؤكد انه جن على الأخير فماذا يفكر هو ولمَ استحوذت تلك ال "شمس" على كامل تفكيره هكذا ترى اتلك بوادر لشيء! لا…. بالطبع لا هو فقط مشتت ليس إلا…

ذلك ما كان يحاول اقناع ذاته به  قبل أن يلهي عقله بالنظر للطعام ويبتعد عن مرمى عيناها.

وهنا لاحظ أن جميع الأصناف يعشقها ابتدائاً من الدجاج المحمر وشوربته التي يتفاقم منها البخار  إلى سلطة  المخفوق والخيار وحتى الرقاق بحشوته المفضلة    انتهائاً بملفوف ورق العنب باليمون الذي يعشقه وهنا دون قصد لاحت بسمة هادئة على فمه حين راودته تلك الذكرى البعيدة حين رآها لأول مرة وجابهته بحديثها... وعلى ذكر الملفوف تذكر صديقه  وشهيته الغريبة وقتها ابتلع ريقه بإشتهاء ودس شوكته بداخل الطبق ثم رفعها على فمه لتنعقد حاجبيه وهو يلوك الطعام ببطء ثم تنفك عقدته شيء فشيء تنبأ أن الطعام نال على استحسانه، لذلك نطق دون تفكير وهو يوجه نظراته لها:

_ تسلم ايدك

 

رفعت زيتون عيناها له لثوانِ تستوعب كونه مدحها لتخجل قائلة:

-تسلم...تشابكت نظراتهم لوهلة من الزمن قبل أن تخفض نظراتها و تهمس هي:

-تصبح على خير 


عقله اللعين كاد يعصاه و يعترض على انسحابها ويطلب منها أن تظل ولكنه استنكر رغبته وعجز عن التفوه بشيء سوى:

-وأنتِ من أهل الخير


خطت بعيد عنه في طريقها لغرفتها بينما هو ظلت عيناه تتابع خطواتها وشيء بداخله يؤكد له أن ما ظل لسنوات يخشاه ويشيد في حصون منيعة ضـ دده أتت تلك ال "شمس" لتزعزع ثباته وتهدد صلابته.

❈-❈-❈

مرت عدة أيام بروتينية أصبحت محببة له ينتظر الصباح كي يكون أول  شيء يراه هو وجهها  لذلك كان يتعمد ان يتأخر في الخروج من غرفته كي تسبقه ويستطيع التحدث معها وبالفعل وجدها تقف تواليه ظهرها وتدون شيء داخل ورقة، 

تحمحم كي لا يفزعها اولًا ثم تمتم بهدوء:

-صباح الخير


ردت تحية الصباح بإقتضاب ثم سحبت الورقة وكادت تخرج من المطبخ لولآ انه استوقفها:

-رايحة فين؟


اجابته بعفوية وهي تضع غرتها خلف اذنها: 

-عايزة شوية حاجات وكنت هقول لعم "عيسى" يجيبهم 


اخبرها هو متحججًا:

-عم "عيسى" ميقدرش يسيب البوابة لغاية ما التاني يجي يستلم مكانه أخر النهار


تنهدت بتثاقل وقالت وهي تمط فمها:

-طيب أنا محتاجة الحاجات دي ضروري  علشان ألحق اعمل اكل ل ماما "ليلى" لتصمت لهنيهة مترددة ثم تطلب متوجسة:

_ هو ممكن تجيبهم انت 


لا رجاءٍ أيها العقل لا تعلن عصـ يانك وتنصاع لها تماسك ولا تتأثر فقط تحجج بأي شيء وانسحب بهدوء دون مماطلة.


ذلك ما كان يقرر فعله ولكن ما صدر منه كان: 

-ممكن بس تيجي معايا 


رفعت عينيها له متوجسة ليوضح وهو يلعن بسره:

-مش هعرف لوحدي… صدقيني 


حاولت التحجج وهي تفر من نظراته الثاقبة:   

-بس ماما "ليلى" هتصحى مش هتلاقيني


برر الأمر بكل اريحية:

-مش هنتأخر هي لسه أدمها اكتر من ساعة علشان تصحى هنكون احنا روحنا ورجعنا


هزت رأسها دون حديث ثم ذهبت لتستعد بينما هو سبقها على السيارة وقام بتشغيل مقودها لحين أتت واستقرت بجانبه 

فكانت طوال الطريق ساهمة لم تنطق بشيء لحين بادر هو:

-على فكرة النهارده كتب كتاب صاحبي في القاهرة واحتمال اتأخر 


هزت رأسها بتفهم ليضيف هو:

-عايزة حاجة من هناك اجبهالك 


نفت برأسها ثم شردت قليلًا ببسمة حالمة استغربها وجعلته يتسائل :

-لو عايزة حاجة قولي متتكسفيش


أجابته بذات الابتسامة: 

-لأ مش ناقصني حاجة بس بقالي مدة طويلة مزورتش السيدة زينب ولا صليت هناك


-لو" ليلى" توافق اخدكم معايا 


-هيبقى تعب عليها 


-طب خلاص وعد هخدك مرة لهناك

 

-بجد ينفع


هز رأسه يؤكد لها قبل أن يتوقف بسيارته أمام أحد المراكز التجارية الكبيرة 

فقد تدلى من السيارة وتبعته هي وفور أن دخلوا القسم المخصص للطعام اخبرها أن تجلب ما تحتاجه وبالفعل فعلت بينما هو اكتفى بتتبعها يدفع عربة المشتريات وعيناه دون قصد تعـ صاه وتراقب كل خلجة بها اثناء تفقدها للمنتجات الغذائية وانتقائها لها...وبعد دقائق معدودة التفت نصف التفاتة حين انتشله صوت رفيع يطن بالأذن يعلم صاحبته:

-"سليم "ازيك بتعمل ايه هنا؟ 


اجابها بملامح ثابتة وهو يمد يده ليصافحها:

-ازيك يا" ميسون".


-تمام انت اخبارك ايه وطنط "ليلى"

 

اجابها بإقتضاب وعينه مازالت تتابع "شمس": 

-الحمد لله "ليلى" بخير


مالت برأسها  وتسائلت متهكمة:

-اول مره اشوفك هنا مش غريبة دي


تجهمت معالمه واجابها بنبرة حادة على حافة الانفعال:

-ايه الغريب مش فاهم؟ 


وهنا اقتربت "شمس" تضع ما بيدها داخل العربة دون أن تعير "ميسون" أي اهمية ليعتلي حاجبي الأخرى قائلة:

-اه قول أنك مش لوحدك كده مبقتش غريبة خالص...لتبتسم بأصفرار وتضيف بذات التهكم ولكن أكثر لذوعة:

-ازيك يا "شمس "يظهر أنك قدرتي تغيري حاجات كتير بوجودك معاهم وحتى ماما" ليلى" بطلت تكلمني و قدرتي تقنعي حضرة الظابط يسيب مهامه العظيمة ويتواجد معاكِ هنا بصراحة انا مصدومة إزاي  طلع تأثيرك جبار كده براڤو عليكِ 


تهكمها أثار حفيظته وجعل معالمه تتجهم أكثر حتى  كادت تفلت اعصابه ويرد عليها ولكن "شمس" بادرت ببسمة واثقة وعيناه يلمع بها ذلك البريق المتحدي الذي يعجبه:

-انا كمان اتفاجأت أصل بصراحة استغربت وجودك هنا يعني متهيئلي واحدة زيك كل حاجة بتجيلها على الجاهز ومستحيل تدخل المطبخ ولاتعرف تميز الكوسة من الخيار 

بس كويس أن طلع تخميني في محله إلا كنت هتصدم  أكتر منك بصراحة

قالت أخر جملة وهي تنظر بداخل سلة مشترياتها التي تضم تضم أنواع عدة من مستحضرات العناية والتجميل ذات الماركات الباهظة التى من وجهة نظر "شمس" رفاهية لم تنعم بها لذلك تبعت نظراتها ببسمة ساخرة  جعلت ميسون تجز على أسنانها من شدة غيـ ظها فلم تنطق بشيء فقط كانت ترشقهم بنظراتها لحين ودعتها "شمس" ببسمة مفتعلة قبل أن تتخطاها:

-عن اذنك مش عايزين نتأخر على ماما "ليلى"


أما هو وقف كالمشـ دوه أمامها فما فعلته اعجبه بشدة حتى دون قصد تسللت بسمة على ثغره دثرها سريعًا قبل أن يلقي السلام ويلحق بها تارك "ميسون" تقف مذهولة متيبسة بأرضها.    

❈-❈-❈

طوال الطريق يحاول كبت بسمته بينما هي كانت تنظر من النافذة وتربع ذراعها  ويظهر معالم الاستياء عليها وفور أن توقف أمام المنزل  قال بهدوء وبشبه بسمة فشل في كبتها واستفزتها بشدة: 

_ وصلنا 


زفرت انفاسها ثم هدرت بنبرة مغتاظة: 

_ ممكن اعرف بتضحك ليه! 


أجابها يعبر عن اعجابه بتصرفها: 

-بصراحة الموقف وردك عليها خلاني مذهول


-هي اللي كلامها مش مريح وكان لازم اوقفها عن حدها 


-أنتِ صح


لتبرر دفعة واحدة و بعفوية شديدة:  

-على فكرة انا مش بحب أبقى قليلة الذوق مع حد بس بجد هي حد متكلف ومصطنع بطريقة مسـ تفزة ده حتى اسمها كمون يعني تدخل على أي اكلة تغير معالمها و مفيش اكتر من كده استفزاز 


وهنا لم يتحمل ووجد ذاته ينفجر ضاحكًا بعد حديثها، لتهز رأسها وتبتسم ولكن قبل أن تعلق عيناها به وشيء واحد يدور برأسها كيف لرجل مُـ رعب مثله  أن يمتلك ضحكة كتلك.

هدأت ضحكته تدريجيًا حين لاحظ نظراتها ليبتلع ريقه ويتيه في زيتون عيناها التي يقسم أنه رأى براعم تنمو وتذدهر على اغصانها.

ظلت نظراتهم متشابكة قبل أن تدارك هي الأمر وتخفض عيناها بخجل،  ليلعن بداخله فليس عقله فقط من يخفق بل عينه ايضًا تعصاه وترفض أن يشيح عنها ليزفر أنفاسه ويقول بثبات وهو ينظر لكل شيء عداها هي:

-انزلي أنتِ علشان "ليل"ى وانا هخلي عم" عيسى" يدخل الحاجة


اومأت له بطاعة ودون أن ترفع نظراتها له نزلت من السيارة تهرول للداخل تحت نظراته وأفكاره المتصارعة فماذا يحدث له كيف له ان يفقد السيطرة على  كل شيء في وجودها 

فتلك ال"شمس" حالة منفردة غريبة كلما اقترب من وهجها يشعر بالدفء يتسربل لدواخلك ولكن ترى ماذا سيحدث إن تعدى هالتها الأمنة؛ هل سيندثر صقيعه ويذوب جليد قلبه بـ نارها، أم سيطفئها هو ويكون سبب هلاكها بإخماده لوهجها.

❈-❈-❈

أجواء هادئة مفعمة بالأُلفة والسَكينة جمعت الأهل والأقارب احتفالًا بعقد قرانهم داخل أحد بيوت الله حسب رغبتها التي احترمها و لم يريد أن يعارضها بها، فكانت هي ترتدي فُستان  أبيض شاهق اللون بوردات من الچيبير المتناثرة وياقة عالية و بأكمامه من الشيفون المُبطن المتسع الذي يزم من عند رسغها وينساب برقة تليق بها...وقد تركت خصلاتها البندقية  تنساب بحرية  

على ظهرها و وضعت وشاح من نفس اللون عليهم احترامًا لحُرمة المكان وقد اكتفت بالقليل من مساحيق التجميل التي برزت شجن عيناها وملامحها الهادئة.

فكانت بارعة الجمال وكان يطالعها وكأنها اثمن واقيم أشيائه التي فاز بها.

وبعد الأنتهاء من مراسم عقد القران و خروجهم للساحة الخارجية وتلقيهم للعديد من المباركات اقتراب "سليم "الذي اتى خصيصًا كي يشارك صديقه الوحيد فرحته:

-مبروك يا دكتور ال...


اعتدل "نضال" في وقفته وقاطعه قبل أن يسترسل باقي جملته:

-الله يبارك فيك يا وَحش وحشتني هو لازم اتجوز علشان اشوفك


رد "سليم " مبررًا: 

-الله غالب ما انت عارف مسؤوليات صاحبك


أجابه  "نضال" بغمزة من عينه وهو يتحسس بروز بطن "سليم" بمكر:

-عارف حتى بأمارة ورق العنب اللي بان عليكِ


نكزه بكتفه وهدر من بين أسنانه:

-طيب احترم نفسك بدل ما اسيحلك قدام المدام


وهنا تراجع "نضال"  ببسمة واسعة ورفع يده مستسلمًا:

-لا يا وَحش أنا أسف الله يكرمك بلاش دبش من بتاعك دي ليلة مفترجة 


قهقه "سليم" بخشونة  واعتلى حاجبيه الكثيفين و همس بمكر:

-طب هسكت بس على الله ترفع راسنا يا دكتور الحريم


-أنا كنت بحلم باليوم ده يا" سليم "ولغاية دلوقتي مش مصدق انها بقت ليا

  

قالها بتنهيدة مُسهدة وهو ينظر لموضعها بين أطفالها التي ألتهت بهم عن حديثهم بنظرة فاضت بلهفة قلبه وتوقه لها ليعتلي حاجب "سليم" من جديد ويلتوي فمه ببسمة صادقة ويحثه بعينه أن يذهب لها وبالفعل ذلك ما فعله فقد أقترب منها وتوسط ابنائها ثم عانق يدها من جديد لتتشابك نظرتهم لثوانِ معدودة وتتحاكى بالكثير قبل أن يستقبلون العديد من المباركات  ببسمات ودعوات مُستبشرة  أما هناك بأحد الزوايا  مالت والدتها على أُذن تلك التي تكاد تموت قهرًا وتتأكلهم بنظراتها:

-شايفة بيبصلها إزاي ده هيكولها بعنيه…


همست "هاجر "والندم يقطر من عيناها:

-اسكتي يا ماما ومتزودهاش عليا


-وازودها ليه يا خايبة ما انتِ اللي سبتيه وكنتِ مستعجلة على الخلفة وبخيبتك كنتِ مفكرة انك اتجوزتي اللي احسن منه وأهو اتطلقتي للمرة التانية وخربتي بيتك وقعدتي في اربيزي انتِ وابنك

 

تأففت حانقة:

-يوووه بقى يا ماما كفاية انا هسبقك بدل ما تقعدي تحـ سريني اكتر من كده


قالت جملتها وهي تسير مغادرة جارة ابنها صاحب الخطوات المتعثرة خلفها، 

أما عنهم كان لايشغلهم شيء سوى سعادتهم  فقد تشابكت بالفعل أقدارهم  ومنحه الله إياها ليكتفي بها هي وأطفالها وها هو يتوسطهم ببسمة واسعة ويسير معهم لسيارته وهو لا يصدق ان تلك الأمنية  البعيدة التي كان يظن أن يستحيل تحقيقها قد كافأه الله بها.

❈-❈-❈

بينما على الجانب الأخر وقف يشعل سيجارته ويستند على مقدمة سيارته يطالع عن بُعد صديقه وهو يودع المدعون ويساعد الصغار في صعودهم للسيارة ليهز رأسه ويقول ساخرًا:

-العيال معاك في يوم زي ده  والله شكلك هتكسفنا يا دكتور الحريم 


وأثناء تطلعه لهم اندثرت بسمته حين لفت نظره " هاجر" تطالعهم عن بعد والحسرة تكسو معالم وجهها، ورغم معرفته أنها ابن خالة صديقه ومن الوارد وجودها  ولكنه استغرب حضورها  فا نظراتها تنبأ أنها لم تستطيع تخطيه للآن حتى بعد زواجها من أخر وانجابها… حقًا لا يشفق عليها فهي تستحق أن تجني ثمار افعالها.

تنهد بعمق ومازالت عينه مصوبة عليها لحين وجد نظراتها تحيد عن "نضال" وتتركز على الجانب الأخر، جعد حاجبيه يتبع مرمى عيناها ليجد شخص يقف متواري مثلها وحين امعن النظر عرف هويته  فهو ذاته ذلك المتبجح طليق "رهف "تأهب بجسده واخذ قرار الهجوم قبل  أن يبادر ذلك المتبجح  بشيء ويعكر صفو صديقه وإن كاد يخطو نحوه وجد شخص يتحدث معه ويحاول جذبه بالقوة لأحد السيارت المصفوفة تمهل قليلًا  بخطواته لحين رآهم صعدوا للسيارة بالفعل وتحركوا بها. 

 ليتنهد براحة ويعود ادراجه لموضع سيارته يلوح ل" نضال" الذي مر من أمامه بسيارته ليبتسم بسمة صادقة تنم عن سعادته لصديقه قبل أن يصعد لسيارته وينطلق بها. 

❈-❈-❈

اطمأنت على أطفالها داخل غرفهم التي قام بتجيهزها خصيصًا لهم داخل تلك الڤلا الصغيرة التي وقع اختيارهم عليها واتخذوا منها مَسكن لهم.

فحين تأكد من استغراقهم بالنوم سحبها خلفه متلهفًا وما أن دخل بها غرفة نومهم طالعت الفراش بتوتر شديد وهي ترى أحد قمـ صانها الحريرية التي ضبطهم بذاتها في الخزانة مفرود على الفراش  لتبتلع ريقها وتتسائل بتوتر بالغ:

-مين اللي طلع ده!


أجابها بكل وضوح وعينه تفضـ ح 

لهـ فته:

-أنا بصراحة عجبني اوي علشان ناعم ورقيق زيك وحسيت إني هيحصلي حاجة لو مشوفتهوش عليكِ… يرضيكِ


قطـ مت شفاهـ ها واخذت تفرك يدها

 بـ خوف من رهـ بة الموقف التي هي بصدده فكيف لها أن تكشف عن جـ سدها بتلك الـ جرأة بأول يوم معه وكيف ستتعامل مع ذلك التواصل الجـ سدي… هي ذاتها تعلم أنها ستتعود عليه وسيندثر خجلها ورهبـ تها مع الوقت ولكن رغم عنها تشعر أنها حديثة عهدها، شهقت بخفوت وانتباتها القشـ عريرة حين حـ اوط ذراعها وهمس بأسمها بنـ ظرات تقطر بلهفته وتـ وقه لها:

-"رهف"


قالها وهو يزيح وشاحها ويـ مرر يده بين خصلاتها البندقية، لتتقهقر هي خطوة للخلف وتواليه ظهرها تحاول أن تتمالك زمام نفسها وتتخلى عن توترها لكي تتشجع لمواكبة تلك المـ شاعر العاصـ فة التي يلفحها بها، ليتنهد هو ويـ ضمها 

ليلـ صق ظهرها بصدره ويهمس وهو يضع قـ بلة اعلى  خصلاتها:

-خايفة مني!


هزت برأسها و تلعثمت:

-مش خايفة بس...

ابتلعت باقي حديثها ولم تستطيع أن تعبر عن شعورها، ليتنهد هو ويديرها إليه ليوجه نظراتها المهتزة بتفهم وبنبرة حانية وهو يداعـ ب وجـ نتها بحنان أسر قلبها:

-حبيبي أنا معاكِ وعمري ما هفرض عليكِ حاجة، كفاية إني هبقى جنبك


رفعت رماديتها له ببسمة ناعمة تشابه نسمات الربيع في روعة عبيرها فما كان منه غير أن يـ ضمها إليه كي يطمئن قلبه الذي ينتفض بين اضلعه، ويجعله يستكين بقربها، فقد دثرها بين احـ ضانه وهو مغمض العينين بنـ شوة عارمة، أما هي فكانت مازالت تنتـ فض لولآ أنه اجلـ سها معه على الفراش دون أن يفصل عـ ناقه و أخذ يـ مرر يده على طول ظـ هرها

 بـ حركات حانية مطمئنة خففت من توترها وشعرت بعد بعض الوقت أن كافة افكارها قد بدأت تتلاشى شيئاً فشيء وكأن شعور النقـ ص المرافق لها استطاعت تعويضه لتوها، 

ليهمس هو بجوار أُذنـ ها بنبرة دافئة

 حـ نونة خـ درت حواسها:

-"رهف" غمضي عينك واتكلمي  من غير تفكير وقوليلي أي حاجة حاسة بيها نفسي اسمعك


تنهدت تنهيدة  عميقة تنم عن راحة عارمة ثم انصاعت له واسترسلت براحة وهي  تبادله عـ ناقه بتلقائية وكأن جـ سدها  يتحرك من تلقائه:  

-عارف…في حاجات معرفتهاش غير معاك يا "نضال"...إنت خلتني اكتشف ان في حاجات كتير أهم من الحب علشان تقدر تربط مصيرك بطرف تاني وأولها الراحة والثقة والمودة اللي بلاقيها في كل تصرفاتك معايا والرحمة اللي سَكنا قلبك من ناحية ولادي، وضوحك وتفسيرك لكل حاجة ببساطة حتى من غير سؤالي

بجد حاجة حلوة اوي عمري ما جربتها وهي راحة البال 

ورغم خوفي من اللي جاي بس متأكدة أنك هتفضل جنبي وهتقويني…


لتفتح عيناها وتفصل العـ ناق متسائلة بعيون  متأملة:

-مش كده يا "نضال"


هز رأسه يؤكد لها بعيون لامعة من شدة سعادته باسترسالها وتسأل بعدها وخضراويتاه تتلهف لجوابها:

-يعني افهم من كده أن شعورك من ناحيتي مش مجرد شعور بالراحة بس! مش كده؟


هزت رأسها وابتسمت تلك البسمة التي تلفح قلبه بربيعها واجابته بصدق نابع من اقتناع قلبها بقرار عقلها:

-اللي متأكدة منه إن اللي فات قبلك ميتحسبش من عمري... لتتنهد تنهيدة مُسهدة وتستأنف وهي تتأمله وصولًا لعيناه الصادقة التي تـ هيم بها:

- ياريتني عرفتك من زمان يا "نضال". 

 

تزايد وجيب قلبه وكادت البسمة تـ شق وجهه من تصريحها فما كان منه غير أن حـ اوط خـ صرها بتملك وبتمسك شديد

وكأنه يؤكد أنه لن يخيب رجاءها ليتنهد براحة عارمة ثم يغمض عينه ويميل يسند جـ بهته على خاصتها هامسًا:

-بحبك يا "رهف"...أنتِ حلم عمري والدعوة اللي ربنا استجاب ليها بعد سنين…

ردت بصدق وهي تستند بكفوفها على ذراعيه مغمضة العينين مثله:

-لو اللي بحسه معاك ده اسمه حب فأنا محبتش غيرك يا "نضال"


فتح عيناه التي دمعت من شدة سعادته ثم همس ومازال يستند بجبهـ ته على خاصتها:

-هنعوض العمر اللي فات واوعدك هعمل المستحيل علشان اسعدك 


هزت رأسها وفرت دمعة من عيناها متأثرة بوعده الصادق ثم همست بثقة وقد تلاشى توترها وخوفها وحل محله راحة  عارمة:

-متأكدة انك هتعمل كده…


تعالت وتـ يرة أنـ فاسه وعينه أخذت تتفرس بوجهها وصولًا لثـ غرها، لترتبك هي وتتعالى وتيرة انـ فاسها وكونها تعلم انه لن يبادر إلا برغبتها كما وعدها، بادرت هي وتشجعت حين تعـ لقت بعنقه ببسمة رغم رقتها إلا انها كانت اكثر من مغوية بالنسبة له، ليلبي تلك الدعوة الصريحة منها ويميل عليها يلـ تقم 

شفاهـ ها بقـ بلة حـ ارة ملـ تهبة مُـ جأجأة بتلك المـ شاعر الكامنة التي يشعر كل منهم انها مرتهم الاولى في خوضها، فكانت هي تشعر بذلك الكمال الذي عوض نقصها  أما هو فكان يشعر أنه النعيم بقربها ويقسم أنه لن يدع  شيء يعكر صفو حياتها فسوف يقف بصدد أي شيء يخترق تلك الحصون الأَمنة التي سيشيدها حولها هي وابنائها.

❈-❈-❈   

عاد بوقت متأخر للغاية ليجد السكون يعم المكان ليغلق الباب بروية ويسير في طريق غرفته لولا أنه رأى انارة المطبخ ليتيقن أنها مازالت لم تنم، وهنا سحب نفس عميق يشجع به ذاته ثم توجه لهناك ليجدها تجلس في الشرفة تستند برأسها على الجدار مغمضة العينين غافية،  تنهد بعمق و وقف كالمسحور أمامها يتمعن بكل أنش بها خصلاتها البنية التي تتطاير مع الهواء اهدابها الكثيفة التي تزين غابات زيتونها المغلقة، أنفها المرفوع بعزة وكبرياء يليق بها  وجنتها الممتلئة وشفاهها الوردية التي يقسم أن الفتنة الخالصة تكمن بين رحيقها.

وعند تلك الفكرة اعتصر عينه بقوة ينفض أفكاره العـ ابثة التي لا تمت لشخصه بِصلة ثم استغفر ربه بسره وتحمحم اولًا كي لا يفزعها ثم همس بأسمها:

-"شمس"


رفرفت بأهدابها الكثيفة ثم افرجت عن زيتونها، ليتسائل هو:

-بتعملي ايه هنا الجو برد عليك


اعتدلت بجلستها تدلك عنقها ثم اجابته بنبرة ناعسة تحمل بقايا نعاسها:

-كنت بقرأ كتاب ونمت محستش


انحنى بجزعه يرفع الكتاب عن الأرض ويبدوا ان وقع من يدها بعد غفوتها ليقرأ اسمه بصوت متهكم قائلًا:

-(حب وكبرياء) دي رواية 


ضمت شالها على جسدها ثم بررت بخجل وهي تلملم غرته: 

-كنت زهقانة ولقيتها في المكتبة اللي في الصالة 


جلس على المقعد المقابل لها وقال وهو يلقيها على الطاولة أمامه بأهمال: 

-رواية بايخة ومفهاش حاجة واقعية 


رفعت منكبيها تُعارضه: 

-بالعكس الرواية  شدتني علشان بتتكلم عن التضحية 


-مفيش حب يستاهل التضحية 

قالها جملته بثقة و بملامح جليدية باردة يصعب اكتشاف ما يدور خلفها، لتمط فمها وتعقب بتلقائية: 

-نظرتك سوداوية اوي بس اكيد ليك كامل الحرية في قناعاتك 


نظر لها نظرة مُطولة قبل يشرد بنظراته في الفراغ وكأنه يتذكر أمر بعينه لتنتشله هي بسؤالها:

-قولي كتب الكتاب كان حلو


حانت منه بسمة عابرة وهو يجيبها: 

-حلو والاحلى أن اخيرًا "نضال" اتحققت امنية حياته 


لطالما قرأت وسمعت عن قصص الحب التي لم تحظى برفاهية واحدة مثلها طوال عمرها  لذلك دون قصد وبكل عفوية تسائلت: 

-كانوا بيحبوا بعض من زمان 


استغرب سؤالها وذلك الفضول الذي ينقط من عيناها فما كان منه غير أن يتخلى عن عقله الذي يحجمه ويسترسل معها لأول مرة: 

-لأ هو كان بيحبها من زمان لكن هي لأ

هي كانت جارتهم و وقت ما قرر يرتبط بيها ابوه اتوفى و والدته تعبت وانشغل معاهم لغاية ما هي اتجوزت مهندس زميلها وقتها ما تحملش خد امه وسافر وساب البلد


وضعت يدها على خدها بتنهيدة مطولة ثم تسائلت متشوقة لمعرفة المزيد: 

-هاا وبعدين


تسائل وحاجبيه يعتلي بمكر: 

-عايزة تعرفي بقية الحكاية! 


هزت رأسها بحماس جعل البسمة تتسلل لوجهه ويكمل لها:

-امه اصرت تجوزه بنت خالته وفعلًا نزل اجازة واتجوزها بس قعدوا سنين وربنا ما كرمهمش بأطفال وللأسف المشكلة كانت عند "نضال "


-هااا كمل

 

-جرحت فيه وطلبت الطلاق ورفضت تكمل معاه بحجة أنها محتاجة تبقى أم 

وافق هو واحترم رغبتها...وبعد سنتين تقريبًا من الطلاق استقر تاني هنا ورجعت "رهف" لبيت عمها واتقابلوا من تاني


تأهبت برأسها وتسائلت بريبة: 

-وجوزها! 


زفر انفاسه وأجابها بنبرة حانقة من سيرة ذلك المتبجح: 

-جوزها ده حكاية لوحده عايزة يوم من أول النهار وأنا تعبان وهموت وانام


اكتسح الإحباط وجهها ومطت فمها قائلة: 

-خلاص اللي يريحك مع إن الفضول

 هـ يموتني

 

لا يعلم ما به لمَ  يفقد ثبات قواعده هكذا بقربها ولمَ يشعر بتلك الراحة و كيف استرسل معاها هكذا دون أن ينفعل ويسأم كعادته، ولمَ تعصاه عيناه وتتأثر حتى  باستيائها.


تلك التساؤلات كانت تؤرق عقله ولكنه قرر أن يوقفه عن العمل من جديد حين استرسل مسالمًا:     

-طيب هكمل وامري لله


هزت رأسها في حماس رغم استغربها ليتابع هو: 

_ الوقت اللي رجعت بيت عمها كانت في مشاكل كتير بينها وبين جوزها وانا كنت شاهد عليها بحكم إني اتنقلت للقاهرة ٦ شهور في حركة التنقلات الأخيرة 

كانت عاملة حساب مشترك بينهم وعطياه كل فلوسها وهو مقدرش ثقتها وراح اتجوز عليها

 

تقلصت معالم وجهها وعقبت: 

-اخس عليه قليل الأصل 

 

-فعلًا وياريته اكتفى بكده ده اتعرضلها واتسبب في إجهادها 


شهقت متفاجئة ليسترسل هو:

-رفعت قضية علشان تطلق منه ولما حصل رجعت شغلها والصدفة جمعتها ب "نضال" من غير تخطيط ومن هنا كانت البداية


ابتسمت بسمة واسعة وغامت عيناها بنظرة حالمة وهي تقول:

-ربنا يسعدهم يارب ويحلي كل ايامهم اكيد ربنا هيعوضهم عن كل اللي مروا بيه


أمن على دعواتها: 

-يارب "نضال" حقيقي يستاهل كل خير 


-يظهر انك بتحبه اوي


اجابها بصدق وبنبرة رائقة للغاية: 

_ "نضال" بياخد كل حاجة ببساطة و الوحيد اللي  عارف انا ايه وعلشان كده صبور وبيتحمل طباعي  وعلى فكرة إحنا مش شبه  بعض في  حاجات كتير


_عارفة… 


قالتها بثقة اجفلته وجعلته يتسأل مترقبًا: 

_ يعني ايه عارفة!


قالت بتلقائية وهي ترفع منكبيها: 

_مش هو اللي كان  معاك يوم المطعم 


افحمته بقولها حتى أن نظراته برقت لا يصدق أنها تذكر الأمر ليتلعثم مترقبًا: 

_يعني أنتِ فــــــ… 

 

-فكراك 


قاطعته بكل ثقة ليبتلع ريقه ويتسأل: 

-بجد فاكرة! 


هزت رأسها تؤكد له واسترسلت: 

-اول ما شوفتك حسيت إني شوفتك قبل كده وحتى صوتك حسيته مش غريب عليا ولما جتلي المستشفى اتأكدت انه  انت نفسه اللي زعقلي واتعصب عليا يوم المطعم


تأهب بنظراته والتساؤلات تقطر من عيناه لتوضح هي:

-نظراتك كانت مُرعبة ومنكرش وقتها خوفت وقولت هينقطع عيشي لأني وقتها كنت في أَمس الحاجة للشغل وبصراحة محستش بنفسي غير وصاحبك الدكتور بيفوقني


قال والندم يظهر جلي بعيناه: 

-انا دورت عليكِ بعدها وروحت المطعم لأكتر من مرة وملقتكيش


استغربت ما تفوه به مكررة: 

-كنت بتدور عليا؟


أجابها بكل صدق متخلي عن عنجهيته: 

-أنا متسرع بس كفاية إني مش بنكر وبعترف بغلطي ولما ما لقتكيش افتكرت إني كنت سبب في طردك من المكان

 

-لأ مش أنت السبب ده الجرسون الله يسامحه كنت بغطي عليه وبشتغل شغله في غيابه ولما حس إني ممكن ابيعه وافتن عليه راح متبلي عليا والمدير صدقه 

وطـ ردني


وهنا طفقت أفكاره ونطق بها لسانه دون وعي: 

-أنت حد مكافح اوي يا "شمس" بجد أنا مستغرب ازاي واحدة في سنك الصغير ده تكون مرت بكل ده


-على فكرة انا مش صغيرة


-عارف ٢٩ بس برضو سنك صغير


استغربت كيف يعلم عمرها  وحين تسائلت بنظراتها جز على نواجذه قبل أن يوضح لها:

-بطاقتك كانت معايا...


هزت رأسها بتفهم ثم عقبت بتنهيدة مثقلة: 

-على العموم العمر الحقيقي  مش بيتحسب بالسنين ده بالمواقف الحلوة والازمات والتجارب اللي بنمر بيها 


أيد رأيها: 

-عندك حق

لتنهض وتضم شالها قائلة: 

-طيب تصبح على خير بقى

يدوب انام ساعة قبل اذان الفجر 


هز رأسه ببسمة رائقة للغاية جعلتها ترتبك  لثوانِ قبل أن تبتسم بخجل  و تخطوا بعيد عنه وتذهب لغرفتها تاركته يُقن أن ذلك  التشتت الذي يسكن  كيانه ويعبث بقواعده  ليس له إلا مسمى واحد فقط لا مفر من الاعتراف به. 

❈-❈-❈

تململت في نومها لتشعر بدفء ذراعـ يه حولها فكان يـ دفن وجـ هه بين تـ جويف عنقـ ها يستكين بملامح غافية مسالمة بين احضـ انها، مالت قليلًا برأسها حتى يتثنى لها رؤية وجهه ثم من بعدها رفعت أناملها تسير على معالمه وكأنها تحفرها على جدار قلبها، فكم هو حنون، ومتفهم ذلك ال "نضال" وكم أسرت أفعاله وخِصاله قلبها، لتحين منها بسمة خجلة للغاية فكم هو عابث عوضها فكانت تتأثر بهمساته وتتجاوب معه وكأن مشاعرها بكر ومازالت حديثة عهدها، سارت بأناملها وصولًا لشـ فاهه ليشتعل وجهها وتتعالى وتيرة انفاسـ ها فمن يراه مسالمًا لذلك الحد لا يصدق بتاتًا كونه كان بذلك العبث الذي كاد أن يثير جنونها.

-حبيبي

قالها بصوته الرخيم الذي لطالما زعزع ثباتها وهو يقبل اناملها التي تستقر على شـ فاهه لتبتسم هي تلك البسمة التي تأتي بربيعها وتهمس قائلة:

-أنت أزاي كده! 


من توهج وجهها فهم قصدها ولكنه أراد أن يشاكسها حين اعتلى أحد حاجبيه وتسائل  بمكر:

-كده إزاي؟ 


قطمت شفاهها واطرقت نظراتها وخجلت أن تكمل ليتابع هو بنبرة ماجنة:

-لأ حضرتك مش وقت كسوف ابدًا ده لسه في مفاجأت و انبهارات كتير جاية


-حضرتك هاااا


نفى برأسه وصحح بخفة: 

-لا انا وربنا بهزر بس انا لسه عند مبدأي كلمة حضرتك دي مبتنزليش من زور وعندي فويا وانا اسف اعتبريني مقولتش حاجة 


قهقهت هي من قلبها على طريقته ليهيم هو بها ويميل على شفاهها هامسًا:

-متيجي ابهرك مرة كمان


نكزته بدلال بصدره ليتأوه بخفوت ويهمس بخطورة أمام ثغرها:

-بقى كده طب وربنا لابهرك


 وقبل أن تستوعب حتى كان يلتـ قم 

شفاهـ ها ويسـ تحوذ على كيانها في عاصفة عشق هـ وجاء اطاحـ ت بكل حواسـ ها.   


يُتبع..