-->

رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل 31

 

قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ميرا كريم


الفصل الواحد والثلاثون

" في الليالي التي لا أستطيع النوم فيها، كهذه الليلة، و كليالِ عديدة ماضية، أتمنى لو أتمكَّن فقط من إطفاء عقلي كالمصباح "

-إيان ريد

❈-❈-❈

تسلل الضوء من خلال تلك النافذة الزجاجية التي تتوسط أحد جدران الغرفة التي يمكثون بها داخل المشفى، وهاهو بقربها يتأملها أثناء نومها بعد أن فر النوم من عينه رغم نعيم دفئها، وكيف تغمض عينه ويهنأ بالراحة دون أن يأخذ حقها، فكلما يفكر أنه كان من الممكن خسارتها بسبب مكيدة ذلك اللعين يجن جنونه وتثير ثائرة عقله رافضًا حتى مرور الفكرة مرور الكرام عليه فكيف كان يحيا دونها وكيف كانت سوف تشرق ايامه بلا وجودها وعند تلك النقطة اعتصر قاتمتيه بقوة يحاول جاهدًا نفض ذلك الشعور الموحش عنه و إطفاء عقله الذي يؤرقه بأفكاره السوداوية ولو قليلًا؛ قبل أن يخرجها ببطئ من بين أحضانه وينهض من جوارها يلتقط علبة سجائره من جيب سترته ويتوجه بها أمام النافذة يلقي نظرة شاردة على الخارج صحبتها تنهيدته المثقلة بعبء ما أصابها، فقد ضغط على قداحته وكاد يُشعل سيجارته لينفث بها لولا صوتها الناعم الذي يحمل بقايا نومها:

-مش اتفقنا بلاش سجاير على الريق 


التفت بعقل مشوش وقد عَقد حاجبيه لا يسوغ ما نطقت به، لتشير هي بعيناها على السيجاره التي يضعها بين شفاهه بنظرة مُعاتبة جعلته

يزفر أنفاسه دفعة واحدة نازع السيجارة من فمه واضعها هي وقداحته في جيب بنطاله يتدارك سهوه قائلًا:

-اتفقنا واصلًا مكنش ينفع ادخن هنا... 


أيدته بحركة بسيطة من رأسها  ليقترب ببسمة هادئة يُعدل من وضع الوسادة خلف ظهرها ويجلس جوارها متسائلًا بأهتمام:

-طمنيني حاسة بحاجة


نفت برأسها وطمأنته:

-شوية الم بس متقلقش اقدر استحمله


-طيب هروح اشوف الدكتور 

قالها بقلق وهو ينهض لكن استوقفته هي:

-لأ مينفعش تخرج كده

قالتها باستحياء وهي تنظر نظرة عابرة لذلك التيشرت القطني دون اكمام الذي كان يرتديه أسفل قميصه الذي نزعه عنه قبل أن يتمدد جوارها، ليعتلي ثغره بسمة هادئة ويؤيدها قبل أن يجلس من جديد يداعب بيده الحرة غرتها ويزيحها ليتأمل  غابات زيتونها:

-عندك حق...

اجفلت دون ارادة منها واخذت تنظر لكل شيء عداه هو بعد أن اكتسحت الحمرة وجهها وسارت قشعريرة لذيذة على سائر جسدها حين مر وميض تلك القبلة النهمة التي بادر بها ونبش عن طريقها مشاعرها الكامـ نة التي لأول مرة تكتشف مُتـعة ظـهروها حين بادلته بحياء لطالما كان يليق بها، بينما هو قال وكأنه قرأ أفكارها:

-"شمس" مش بتبصيلي ليه عايز نهاري يبدأ بضيك و لمعة عنيكِ


رفعت عيناها ببطئ بعدما راقتها كلماته الرقيقة التي لامست أوتارها، ليتابع هو  بعدما تشابكت نظراتهم:

-أنتِ شمسي انا وكياني وارضي بتدور حواليكِ

جملته كانت متملكة، آسرة جعلت خفقاتها تتسابق تفضح أمر عِشقها 

وكعادته وكأنه يقرأ افكارها كان يجيب بثقة وكأنه حصل على تصريحها:

-وانا كمان بحبك

لامس تصريحه للمرة الثانية  شغاف قلبها لتعلق عيناها بخاصته بنظرة حالمة وهي تقطم شفاهها بعفوية جعلت نظراته تتناوب بين زيتونها وثغرها فبعد نيله الترياق من بين شفاهها اصبح عليل يتوق كل التوق للمزيد من جُودها.

ليبتلع رمقه ببطء حين تذكر مذاقها وهنا فكرة واحدة سيطرت عليه ولكن اتى طرق الباب حائل لها، فقد اعتصر قاتمتيه بقوة قبل أن  ينهض يأذن للطارق بالدخول إذا ب"بدور" تدخل وتلقي السلام ومن بعدها تناوله ملابسه التي جلبتها له من المنزل كما أوصاها ليأخذها هو منها ويدلف للمرحاض بينما "بدور "اقتربت من "شمس" متسائلة بمحبة صادقة:

- عاملة ايه دلوقتي طمنيني والنعمة ما جالي نوم وقلبي واجعني عليكِ


طمئنتها "شمس" ببسمة مُرتبكة بعض الشيء وهي لم تتخطى تأثيره عليها بعد:

-الحمد لله...انا كويسة 


-اومال وشك ماله احمر ليه كده اوعي تكونِ سُخنة كفى الله الشر

قالتها بقلق وهي تضع يدها على جبهة الآخرى تتفقد حرارتها ولكن "شمس" أزاحت يدها تطمئنها:

-"بدور" انا كويسة...متقلقيش


تنهدت "بدور"وعقبت متحسرة بتلقائية:

-لأ اقلق لما يوصل بيكِ تضحي بروحك يبقى لازم اقلق يا "شمس"  انا عارفة ان الباشا جمايله علينا كتيرة بس.... 

قاطعتها "شمس"ببسمة راضية:

-من غير بس...انا مش ندمانة إني عملت كده وبعدين محدش بيموت ناقص عمر يا "بدور" والحمد لله بسيطة قدر ولطف 


هزت "بدور "رأسها بتفهم وعقبت على حديثها:

- ربنا كريم نجاكِ ونجاه  

لتلقي نظرة خاطفة على باب المرحاض وتتسائل بصوت خفيض:

-تفتكري "سلطان" ليه يد في اللي حصل؟


تنهدت براحة وقالت مُصدقة على حديثه السابق:

-لأ! سألته قالي ان كان بيجيله رسايل تهديد قبليها بحكم شغله 


هزت "بدور" رأسها بتفهم للمرة الثانية ودعت:

-ربنا ينتقم من كل ظالم 


أمنت "شمس" متنهدة لتتابع "بدور":

-يعني الباشا اتأكد أصل "سلطان" ده شر ويطلع منه اكتر من كده


اجابتها"شمس" بثقة وطيدة نابعة من أعماقها:

-أكيد اتأكد قبل ما يقولي لتتنهد بضيق من مجرد تخيلها للأمر وتتابع:

-عارفة لو كان ل "سلطان" يد في اللي حصل انا كنت مستحيل اسامح نفسي اني عرضته للخطر  بس الحمد لله "سليم" طمني وانا واثقة انه مستحيل يكدب عليا 


ابتسمت "بدور" بعد حديثها وربتت على يدها السليمة قائلة:

-ربنا كريم يا "شمس" وقادر يحفظكم و يعوضك بيه عن كل المرار اللي شوفتيه


-"سليم"كمل روحي يا"بدور" …وهو  الدعوة الحلوة اللي خرجت من قلبي و وصلت للسما وربنا استجاب لها 


قالتها بصدق نابع من اعماقها غافلة كونه خرج من المرحاض واستمع لمعظم حديثها بعد أن انتهى من ارتداء ملابسه فحين ذكرت أمر ذلك اللعين وثقتها العارمة به شعر بنصل حاد ينغرس بصدره  ولكنه بطريقة ما وجد  أن اخفائه للأمر كان لصالحها، ومع أخر جملة نطقت بها تراقص قلبه مع كلماتها الرقيقة التي خصته بها فقد تسللت البسمة على فمه قبل أن يتنحنح ليعلن عن اقترابه وإن فعل طالعها بنظرة مطولة قبل أن يقول:

-انا هطمن من الدكتور وبعد كده هروح المكتب ساعتين بالظبط وهرجع مش هتأخر

   

أومأت له ببسمة هادئة، ليقترب من موضع الفراش أكثر وينبه "بدور" بجدية:

-متسيبهاش يا "بدور "لغاية ما ارجع علشان لو احتاجت حاجة والحراسة هتفضل على الباب وانا منبه عليهم كويس من امبارح ميفرقوش باب الأوضة 

 

تقلصت معالم "شمس" تستغرب أمر الحراسة ولكنها لم تعقب بينما

قالت "بدور" بترحاب:

-عيني يا باشا مش هتحرك من هنا


ليهز رأسه ويضع قبلة على قمة رأس "شمس" قبل أن يغادر وهو ينوي عدم خذلانها فربما اخفى الأمر عليها ولكن يعلم الله أنه لم يريد أن يزيدها عليها فيكفي ما اصابها.

❈-❈-❈

فور أن استيقظ تعمد الذهاب لمن اوكله بالأمر ليستعلم عن تبعاته وها هو يطرق باب شقة "فريال" التي فور أن فتحت له سألها بنفاذ صبر:

-"حوكش" هنا يا بت 


لوت "فريال" فمها يمينًا ويسارًا واجابته:

-يا فتاح يا عليم هو انت شايفنا في منامك يا معلم ولا ايه


-بت متكتريش في الكلام هو هنا ولا لأ

زفرت انفاسها تفسح له المجال ليفوت للداخل قائلة:

-اه مبيت هنا من امبارح هدخل اصحيه

هتف بنظرة مشمئزة ما أن ولته ظهرها وتمايلت بجسدها أثناء سيرها:

-طيب انجزي  وبلاش لكاعة 


قلبت عيناها ولوت فمها ثم اسرعت تنصاع لطلبه  وبعد دقائق خرج الآخر له بتكاسل جعل "سلطان" يوبخه قائلًا:

-ناموسيتك كحلي يا خويا عملتلي البحر طحينة وفي الاخر طلعت اي كلام


زفر "حوكش" انفاسه واجابه وهو يلوح بيده:

-وانا اعملك ايه الباشا بتاعك بسبع ارواح 


-مين نفذ معاك


-"حازم "فايتر اكيد سمعت عنه بيفوت في الحديد


برقت عين "سلطان" وتوجس بسؤاله:

-الشمام!


-أهو الشمام ده هو اللي خلعنا وكان طاير بينا بالمكنة ولا الصاروخ


زفر "سلطان" انفاسه وتابع تساؤلاته: 

-والمكنة بتاعة مين؟


تحرك "حوكش" يجلس بأريحية على الاريكة وهو يجيبه:

-المكنة من غير نِمر وملهاش ورق اصلًا انا قولتله يعدمها بعدها وهو اكيد نفذ


هز "سلطان" رأسه متفهمًا وقال متمنيًا:

-ياما كان نفسي اخلص منه بس معلش تتعوض


اجابه "حوكش" بثقة:

-انا مقصرتش وكل حاجة كانت ماشية تمام التمام وكانت هتصيب لولا السنيورة بتاعتك رمت نفسها عليه وخدت تذكار


تقلصت معالم "سلطان" واقترب من موضع جلسته يستبين ما نطق به:

-قصدك مين "شمس"؟!  


أكد "حوكش" بعدما اعتلى جانب فمه:

-هو في غيرها يا معلم


جحظت عين "سلطان" ومال بجزعه يرفعه من جلسته لمستواه متسائلًا بغضب قاتل:

-انطق حصلها ايه؟


طمأنه "حوكش" وهو يزيح يده بعنف عن ملابسه: 

-متقلقش اوي كده رجالتي اطقسوا بعد ما راحت المستشفى وبيقولوا بسيطة


نفى "سلطان" برأسه بعدم اقتناع وقال مهددًا:

-عارف لو حصلها حاجة من تحت راسك هخلص عليك يا "حوكش"

 

عاتبه الآخر وهو يضيق عينيه:

-ده جزاتي يا "سلطان" ده انا كنت عايز اريحك وابرد نارك


زعق "سلطان" بعصبية تامة وهو يلوح بيده أمام وجهه:

-تقوم تصيبها مكانه يا غشيم


رد "حوكش" بصوت منفعل من ذلك اللقب المُهين لمسيرته الاجرامية الذي خصه به:

-انا مش غشيم ومكنتش هي المقصودة وقولتلك رمت نفسها عليه وفدته


ضرب "سلطان" على رأسه عدة مرات كأنه يحاول الاستيعاب متسائلًا:

-يعني ايه فدته!


أجابه الآخر بنبرة متهكمة وشبه بسمة شامتة:

-يعني كانت عايزة تضحي بحياتها علشانه يامعلم و يظهر كده والله اعلم أن الحب مقطع بعضه بينهم وشكل برضو الناس كان عندها حق انها كانت ملبساك هي واخوها العِمة وانت في السجن


زمجر "سلطان" وسبه من بين اسنانه المصطكة ببعضها من شدة الغيظ بعدما لكمه في فكه بغل:

-اخرس يا ابن* بدل ما ابلعك لسانك


ارتد الآخر أثر لكمته متأوهًا يمسح خيط الدماء الذي تسربل من فمه ثم قال بنظرة حاقدة تحمل بين طياتها الكثير من الشر:

-دي اخر المعروف على العموم هخرس يا "سلطان" بس يكون في معلومك هدفعك تمن مد ايدك عليا غالي اوي 


زمجر "سلطان" يدفعه بصدره بقوة غير عابئاً قبل أن يغادر، بينما الآخر طالع أثره وهو يتحسس جانب فكه متوعدًا أن يرد الصاع صاعين. 

❈-❈-❈

كانت تجلس على أحد المقاعد الخشبية في ساحة المشفى التي سمح لها الخروج منها للتو وهي متراخية الكتفين شاحبة الوجه تطالع تحركات المارة من حولها بعيون ساهمة تتجسد بها حسرتها، فلطالما كانت وحيدة بائسة مهمشة في نظر الجميع ولا أحد يهتم بحالها ورغم اعتيادها على الأمر إلا أن شعور موحش يفتك بها تود لو أن تحظى بشيء بسيط يشعرها بوجودها فمن فرطت من اجله بكل ما لها لم يكلف ذاته عناء السؤال عن حالها وربما إن كان قضى نحبها كان لم يلحظ غيابها وكأنها كانت حِفنة تراب خطى فوقها بحذائه وكل ما استطاع فعله هو نفضها بتقزز ولومها على الوسخ الذي لوث قعره.

فنعم تعترف بخطئها ولكن الذنب ذنب قلبها الذي انخدع بعد ثقتها.

-يلا علشان اروحك يا "بسمة" 


انتشلها صوته من دوامة افكارها لترفع عيناها متفاجئة لوهلة قبل أن تنمو بسمة بلهاء غير مصدقة على ثغرها:

-"عماد" أنت جيت علشاني؟ 


هز رأسه دون أن ينظر لها نظرة واحدة لتتابع هي بضعف بعدما اندثرت بسمتها اللحظية:

-بس انا مش عايزة ارجع البيت خايفة ومش عايزة ابقى لوحدي

 

زفر انفاسه وقال متهكمًا وهو يجلس جوارها ولكن على بُعد مناسب:

-خايفة منه؟


زاغت نظراتها البائسة واخبرته بصوت واهن موجوع ينم عن ضعف نفسها:

-ومن نفسي اكتر!


نصحها وقلبه يأن لوجعها رغم أفعالها:

-صالحي نفسك يا "بسمة"و واجهي مخاوفك وبلاش تهربي منها


غرغر الدمع عيناها البائسة وعقبت بقهر:

-انا اضعف بكتير من أي مواجهة يا "عماد" أنا منبوذة من الكل ومليش حد يقف في ضهري وخايفة " سلطان" يفضحني وينفذ تهديده

قالتها ودموعها تهطل من عيناها تنعي ما توصلت له بسذاجتها جاعلته يبتلع غصة في حلقه بمرارة الحنظل، فلولا محاولة الانتحار التي اقدمت عليها و انقذها منها بأعجوبة كان رده سوف يكون "تحملي وحدك عواقب أفعالك المخجلة" ولكن في وضع كذلك ناب بالرد قلبه الخائن المذنب بعشقها:

-هتكلم معاه ومستحيل اسمحله يعمل كده 


ابتسمت بسمة باهتة من بين شهقات بكائها وقالت بإمتنان:

-أنت طيب وجدع اوي يا "عماد" ياريت اخوك كان شبهك


وكأنها تتعمد أن توجعه بحديثها، فقد سكن الحُزن عينه الناعسة وقال بتهكم يشفق به على حاله قبلها:  

-لو كان شبهي كنتِ مستحيل هتحبيه

مسحت وجهها بكفوفها تزيح بقايا دمعاتها وتسألت وكأن عقلها الصدأ لا يكلف ذاته عناء العمل: 

-ليه بتقول كده؟


اعتلى جانب فمه ببسمة تحمل خذلان قلبه لكل شيء يتعلق بها وكان رده على سؤالها: 

-متشغليش بالك ويلا قومي خليني اوصلك علشان في شغل في الورشة متعطل بقاله كام يوم


قالها وهو ينهض ويحثها بحركة من يده أن تتقدم أمام لتنصاع له وجملته تدور وتدور برأسها تحاول تبرير قوله لها.  

❈-❈-❈

كان في طريقه لذلك المقهى المعتاد حين لمح "سلطان" يسير بخطى واسعة ليهتف بأسمه مُسرعًا وهو يهرول خلفه:

-صباحو يا "سلطان" على فين العزم

زعق "سلطان" به بنبرة منفعلة للغاية وهو يلوح بيده:

-ابعد عن سكتي يا "جلال "الساعة دي انا عفاريت الدنيا بتترقص قدامي

اوقفه "جلال" بعدما تشبث بذراعه يستفهم منه: 

-في ايه بس وحد الله يا معلم واهدى 


-ما انا هادي ولا شايفني بشد في شعري.

سايسه "جلال" بلين متخابث كل يبوح له:

-طيب على الهادي قولي مالك


زفر الآخر أنفاسه ورد بإقتضاب شديد:

-"شمس" اتصابت وبيقولوا انها في المستشفى وانا هروح ومفيش قوة تمنعني عنها 


- تروح فين ده زمان الباشا ملغم الدنيا برجالته واظن كفاية غشامة بقى


-هروح يا "جلال" مش هرتاح غير لما اشوفها بعيني 

قالها بإصرار عجيب بعدما دفع "جلال" عنه واكمل طريقه لعندها تارك "جلال "يزفر أنفاسه ويلعنه بسره  بملامح ممتعضة تدل على استياءه من تعقيده للأمر. 

❈-❈-❈

كان يجلس يهز ساقيه بحركة عصبية وهو يطالع المكان حوله ورغم اريحية المكان وذوقه العصري الراقي إلا أنه كان يشعر أن انفاسه تضيق به وغصة حارقة تسد حلقه وهو يطالع تلك الصور التذكارية المعلقة على الجدران وداخل الإطارات الفضية التي يمتلئ بها المكان فقد تناول نفسٍ عميقًا ناهضًا يقف بالقرب من أحد الصور التي لفتت نظره يرفعها من موضعها؛ ليرى اطفاله البسمة تشق وجوههم ويراها هي ايضًا تنظر لغريمه بنظرة يقسم إنه لم يراها في عيناها قط له أثناء تلك السنوات التي جمعت بينهم، ورغم حُرقته على فقدانه ما كان يملكه إلا أن عدة تساؤلات لاحت عليه ومنها: ترى هو حقًا لم يقدر نعمة وجودهم؟

ترى كان عادل حين مارس حقه الشرعي في التعدد، أم أنه اخطأ حين استغل الأمر لإرضاء ذاته ورغباته التي لم يحصد من خلفها غير الخيبات.

 حقًا كانت أفكاره متخبطة لا يجد إجابة وافية تريحه؛ لذلك دائمًا ما كان يفر من مواجهة ذاته ويلقي باللوم عليها كونها رفضت التغاضي كغيرها. 

-اهلًا وسهلًا يا بشمهندس البيت نور

قالها "نضال" مُرحبًا بعدما حضر لتوه و وجده يحملق في تلك الصورة المميزة التي تجمعهم، 

وضع "حسن" الإطار من يده بشيء من الارتباك حتى انه وضعه مقلوب على الطاولة ورغم أن "نضال" استشف ما يعتريه ولكنه لم يعقب على فعلته وتابع:

-اتفضل واقف ليه؟


طالعه "حسن" بنظرة تحمل الحقد بين طياتها قائلًا بعجرفة كعادته:

-زهقت من القعدة بقالي ربع ساعة قاعد مستني الولاد هما مش عارفين إني جاي


تنهد "نضال" ونزع نظارته الطبية يضعها بجيبه ثم مسد بين عيناه قائلًا بثبات انفعالي يحسد عليه:

-عارفين اكيد و ثوانِ ونازلين معلش عقبال ما لموا الحاجات اللي هيحتاجوها عندك

اتفضل اقعد وهخليهم يعملولك قهوة 


لوح بيده ورد بعجرفة جعلت "نضال" يضغط على أسنانه من شدة تحامله:

-شربت مش عايز بس ياريت تستعجلهم انا مش هفضل هنا طول النهار وتحت رحمتهم


زفر "نضال" أنفاسه دفعة واحدة ومرر يده على وجهه لعله يهدأ ذاته كي لا ينفعل عليه ويرد عليه الرد الذي يستحقه تزامنًا مع دخول "رهف" قائلة:

-الولاد خلصوا ونزلت الشنطة بتاعتهم لتمد يدها بورقة دونت بها الملاحظات والمواعيد وتتابع:

-والورقة دي كتبتلك فيها كل حاجة والدادة بتاعتهم فاهمة لو نسيت هي هتفكرك وكمان كلمت المسؤول عن bus المدرسة هيجي ياخدهم من عندك 


رشقها بنظراته ثم نزعها نزع من يدها متأفف:

-خلاص كده ولا في تعليمات تانية 

ابتلعت رمقها تبادل "نضال" بنظرات بررها هو ورد بالنيابة عنها قائلًا:

-لأ مفيش وهي مش بتديك تعليمات هي بس بتحاول توصلك نظام ولادك اللي متعودين عليه 

علشان تتأقلم معاه والولاد ميحسوش بتقصير منك


صدر من فمه ذلك الصوت الساخر الذي يشتهر به ثم هدر بعنجهية:

-لأ متقلقش مفيش تقصير وعن اذنكم بقى هاخد الشنطة اوديها العربية عقبال ما ينزلوا 


هز "نضال" رأسه بينما هو سحب الحقيبة وخرج بها من باب المنزل تاركه مفتوح خلفه في حين كانت هي شاردة في أثره لحين ربت "نضال" على كتفها و وضع قبلة حنونة مطمئنة على جانب وجهها:

-متقلقيش وأديكِ سمعتيه بيقول مش هيقصر معاهم 


هزت رأسها بتفهم وهمست متنهدة:

-مش قلقانة ده ابوهم واكيد هياخد باله منهم بس دي اول يبعدوا عني من يوم ما اتولدوا وعلشان كده حاسة قلبي واجعني


مال بخبث لكي يهون وطاة الأمر عليها وقال عابثًا:

-ليكِ عليا هدلعهولك احلى دلع


جعدت حاجبيها لم تستوعب ما نطق به:

-هو ايه ده يا" نضال"؟

-قلبك حبيبي سلامته ألف سلامة 

قالها بغمزة ماجنة من خضراويتاه وهو يحاوط خصرها لتبتسم و تهز رأسها بلافائدة وتهمس متيقنة وهي تستند على صدره بكفوفها:

-تصدق مفيش حاجة قلقاني غير أنك هتستفرد بيا في غيابهم وفي غياب ماما "كريمة" كمان


قهقه على حديثها وعقب عليه عابثًا:

-مشكلتك أنك علطول فهماني 

اتسعت بسمتها معه تزامنًا مع  تدلي الصغار الدرج بخطوات وئيدة لتهرول  عليهم تنحني لمستواهم وتحضنهم سويًا وتضع قبلات عدة على وجوههم توصيهم:

-هتوحشوني اوي خلي بالكم من نفسكم واسمعوا كلام بابي وبلاش شقاوة وانا هكلمكم كل يوم اطمن عليكم اتفقنا

هزوا الصغار رؤسهم وقبلوها وإن اعتدلت في وقفتها ضربت جبهتها متذكرة:

-يا خبر نسيت شواحن تلفوناتكم هطلع اجيبها بسرعة و انتم اسبقوني على بره بابي مستنيكم


كادوا يطيعونها الصغار ويتحركون لولا قول "نضال":

-ايه النداله دي مش هتسلموا عليا!

وقبل أن يكمل جملته كانوا يهرولون له يحتضنون ساقيه  لينحني "نضال" ويجلس القرفصاء أمامهم قائلًا:

-هتوحشني يا بطل وانتِ يا زئردة

 

قالوا بصوت واحد ظهر الحُزن جلي به:

-وانت كمان هتوحشنا اوي

ضاقت عين "نضال" يستغرب ما أصابهم وسأل مترقبًا: 

-مالكم مبوذين ليه؟

تنهد الصغير واجابه وهو يمط فمه:

-مش عايز اروح بيت بابي الست اللي هناك بتفضل تزعق وتقولنا بطلوا شقاوة وبتتخانق مع بابي

 

هزت "شيري" رأسها تؤيد شقيقها بينما هو تنهد بضيق قبل أن يوجهه:

-"شريف" مسمهاش ست عيب اسمها مرات بابي او طنط وبعدين انت قولت ان ابوك بيتخانق معاها يعني ما بيبقاش راضي عن اللي بتعمله

 

ايدوه  برأسهم ليتابع هو:

-ابوكم بيحبكم ومستحيل هيسمح لأي حد يزعلكم لأنه ملهوش حد غيركم أنتم اغلى شيء عنده 

وهنا نطقت "شيري"بنزق طفولي وهي تكتف ذراعيها امام صدرها:

-بس هو عنده "علي" وبيحبه اكتر مننا 


اجابها "نضال" وهو يحاول تبسيط مفراداته ليصل لمستوى برائتهم:

-لازم يحبه علشان هو كمان ابنه لكن مش اكتر منكم اكيد بدليل انه بقى مهتم و بيتصل بيكم علطول ويطمن عليكم ليوجه حديثه ل "شريف "يذكره:

-بأمارة ما كان بيجيلك التمرين ويشجعك 


زاغت نظرات "شريف" متذكرًا موقف أبيه السابق الذي مازال مترسخ في بواطنه:

-بس هو في الأول كان رافض وبيقولي الكورة دي كلام فارغ واهتم بدراستك احسن ده حتى في مرة ضيع الكورة اللي بحبها وزعق لمامي بسببي 


 تنهد "نضال" حين تذكر ذلك الموقف المخزي الذي حدث في الماضي وشَهد عليه وقال في محاولًا أن يدافع عن الآخر ويذكر محاسنه القليلة:

-"شريف" وقتها كان الوضع مختلف وبعدين هو نفسه بقى فخور بيك بعد البطولة اللي شاركت فيها ده حتى شكر مامتك على تعبها معاكم 


صمت الصغير لبرهة ثم هز رأسه يؤيده دليل على اقتناعه، ليتابع "نضال" ويوجه حديثه ل "شيري":

-وانتِ يا زئردة لما اتصلتي بيه وقولتيله عايزة اروح العرض وافق ولا لأ


أجابت "شيري" متحمسة:

-وافق وقالي اي حاجة عايزاها هعملهالك 


ابتسم "نضال "وعقب على حديثها:

-شوفتِ بقى أنه بيحبكم وعنده يعمل المستحيل علشانكم بابي يمكن مكنش عاطيكم من وقته زمان بسبب شغله وكان فاكره اول اولوياته لكن دلوقتِ هو اكيد عايز يعوضكم عن اللي فات بلاش تحبطوه وادوله فرصة يقرب منكم...

هزوا الصغار رؤوسهم بموافقة ليرفع هو كفه المفرود ببسمة مشاكسة:

-طيب وعد


ضربوا كفه بالتتابع قائلين ببسمة مرحة:

-وعد يا "نضال"

ليفتح ذراعيه على مصراعيها ويضمهم لصدره في عناق حاني وهو غافل تمامًا عن ذلك الذي تسمر بأرضه  مشدوه حين عاد لاصطحابهم وشَهد على حديثه معهم من بادئته لأخره. 

❈-❈-❈

تم اصلاح هاتفه وقد سلمه له زميله وفور أن دخل مكتبه وما أن قام بإعادة تشغيله قام بمهاتفة والدته كي يطمئنها وهاهو صوتها يصل له من الطرف الأخر معاتبة:

-كده يا "سليم" تسيبني قلقانة ومتكلمنيش


-حقك عليا يا "ليلى" والله غصب عني 


-طيب طمني يا ابني "شمس" عاملة ايه؟


-كويسة متقلقيش والدكتور طمني الحمد لله الرصاصة مكنتش في العضم وكمان هيكتبلها على خروج النهاردة وهترجع البيت وهتطمني عليها بنفسك


-ماشي يا ابني طمنت قلبي هستناكم 

قالتها تزامنًا مع طرق أحد معاونيه على باب مكتبه ليقول قبل أن يسمح له بالدخول: 

-تمام يا "ليلى" سلام دلوقتي علشان عندي شغل 

قالها واغلق الخط إذا بالآخر يقف أمامه ويخبره بملامح آسفة:

-فرغنا الكاميرات وللأسف موصلناش لحاجة


نفرت عروق "سليم " وكور قبضته بقوة يتحكم بصعوبة في زمام غضبه وبعد ثوانِ من الصمت التام استغرقها هو في التفكير قال:

-طيب اللي عمل كده اكيد سوابق ومتعود على سواقة الموتوسيكلات لأن سواقته مش سواقة عادية  لواحد غشيم ده فاهم هو بيعمل ايه


-فهمت حضرتك تقصد ايه


-طيب تجبلي الملفات والقضايا المشابهة وانا هدور فيها بنفسي 


-تحت أمرك يا "سليم" بيه

وبالمناسبة احنا افرجنا عن التلاتة اللي معاهم موتوسيكلات بنفس المواصفات لقينا ورقهم سليم ومفيش شبهة جنائية عليهم بس زي ماحضرتك أمرت هما تحت المراقبة.  


-تمام تقدر تتفضل معاك ١٠ دقايق  تحضرلي اللي قولتلك عليه


انصاع له الآخر وغادر مُسرعًا تاركه يغرق في تفكير مضني قاطعه صوت وصول رسالة نصية على هاتفه ففور أن قام بتفقدها و وقعت عينه على تلك الكلمات المقتضبة اشتعل فتيل غضبه وتوحشت نظراته و هب من مقعده يحشو رصاصات خِزانة سلاحه الناري قبل أن يغادر بخطوات واسعة يتأكلها الغضب.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كامل