رواية نعيمي وجحيمها - بقلم الكاتبة أمل نصر- اقتباس - الفصل الثامن والخمسون
رواية نعيمي وجحيمها بقلم الكاتبة أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها
اقتباس
الفصل الثامن والخمسون
ما قالك اطمن يا بني مافيش حاجة.
قالتها لمياء وهي تهبط الدرج من الطابق الثاني، تقدم نحوها جاسر ليتقفلها فور ان هبطت اقدامها على الأرض ليسألها:
- ما هو لا بيتكلم ولا بيريحني، اتكلمي انتي ياماما وريحيني، ولا اطلع انا بنفسي اطمن عليها .
أوقفته والدته بجذبه من ذراعه، وهي تخاطبه بمهادنة:
- طب اسمعني بس الاول قبل ما تطلعلها، وانا افهمك زي ما انت عايز، انا مصدقت انها نامت أساسًا.
تخشب محله وحديث والدته المبهم زاد من قلقه حد الموت، فهتف صارخًا:
-طب فهميني يا ماما أرجوكي، انا حاسس قلبي هيوقف من الخوف على مراتي وابني.
تنهدت بقوة لمياء في محاولة للسيطرة على توترها هي الأخرى، فهذه الساعات العصبية لم تصادفها من وقت مرض زوجها وحادثة ابنها قبل ذلك، فابتعدت قليلًا حتى جلست على أقرب كرسي وجدته أمامها، لتستطيع التماسك وإخراج الكلمات اَخيرًا:
- مراتك النهاردة وقعت مني في المول بعد ما اتعرضلها واحد بلطجي، انا مش عارفة ايه اللي حصل بالظبط لأني كنت داخل المحل بنقيلها كام فستان، وهي كانت بتكلمك في التليفون، بس لما اتأخرت وخرجت لها، لقيتها صرخت بأسمي على طول عشان ننقذها من الراجل اللي بعد ما شافني حاول يهرب على طول...
-والحرس البهايم راحوا فين وسابوكم؟
صاح بها بمقاطعة حادة، ردت والدته على الفور لطمأنته:
- يا حبيبي مكانوش واخدين بالهم من الزحمة وكانوا فاكرينها معايا في المحل، بس لما ندهت بإسمي وصرخت على البلطجي ده قدروا والحمد لله يمسكوه.
صمت قليلًا وكأن استيعاب فهمه لكلمات والدته أتي متأخر مع رفض عقله للتصديق، ثم ما لبث أن يردف سائلَا بعدها:
-اسمه إيه البلطجي ده؟
ردت لمياء:
- انا معرفش اسمه بالظبط؟ لأني كنت مشغولة مع زهرة، بس هي كانت بتخرف بأسم كدة....
أوقفت وهي تحاول التذكر فتدخل عامر والذي علم بالأسم من التحقيقات الأولية للشرطة:
-اسمه فهمي يا جاسر.
- أيوة فهمي .
هتفت بالأسم من خلفه لتتابع مرددة:
- بس زهرة كانت بتقول عليه فهمي برشام .
ردد جاسر أيضًا الأسم ولكن بغضب شديد:
- فهمي زفت اتجرأ واتعرض لمراتي انا؟
هدر من خلفه عامر:
- الواد ده لازم يتربى يا جاسر..
هن أن يرد جاسر ولكنه أجفل مع والديه على صوت صرخة قوية أتت من الطابق الثاني في الأعلى، ليتمتم جاسر سريعًا قبل أن يركض إليها في غرفتها:
- زهرة .
❈-❈-❈
وصل إليها وهي تصرخ بهيستريا مع انطفاء الضوء ليشعل عليها الأنوار سريعًا وينضم إليها على التخت ليضمها بقوة حتى يمتص زعرها الذي كان يُترجم بالصراخ الدائم والهذيان بالكلمات:
-الضلمة، الضملة لا ياخالي، الضلمة لأ يا جاسر، حد فيكم يلحقني، التعابين وفهمي برشام هيخنقني تحت بير السلم..
صرخ بصوته العالي مغ تشديده بذراعيه:
-اهدي يا زهرة اهدى، انا جاسر وانتي قاعدة في حضني.
مع صرخته الأخيرة صمت صوتها، ولكنها كانت ترتجف بحضنه وهي تبكي بحرقة وهو يزيد بضمها ومهادنتها بالكلمات المطمئنة حتى دلفت إليه والديه، ليصرخ برؤيتهم:
- مين اللي فيكم اللي طفي عليها النور يا ماما؟ انتوا مش عارفين ان زهرة بتخاف من الضلمة؟
ردت لمياء بارتياع لمشهدها المؤلم:
- أنا اللي طفيت النور يا جاسر عشان ترتاح، مكنتش اعرف ان عندها فوبيا من النور المطفي.
ررد بصوت متحشرج من وجع قد مس قلبه من الخوف عليها:
- دي بتترعب يا ماما، مش بتخاف وبس، بتترعب.
تسمر عامر وزوجته التي لم تقوى على كبح دموعها مع رؤية ابنها الذي يجاهد بشتى الطرق لتهدئة زوجته التي تهذي وتبكي دون توقفت وصوت نشجيها يجعل قلب الحجر يلين لها، ضم عامر المتماسك زوجته بذراعه من كتفيها ليردف لها هامسًا:
- يالا بينا يالميا، خلينا نسيبهم وحدهم .
اعترضت لمياء قائلة من بين بكاءها:
- نسيبهم ازاي انا خايفة عليها قوي؟ نطلبلها دكتور طب بهديها؟
هتفت بالاَخيرة نحو جاسر الذي تمدد باقدمه على الفراش، ليميل زهرة بين ذراعيه حتى تتمكن من النوم، فقال بصوت خفيض:.
- بعدين يا ماما، بعد ما تصحى مش دلوقت.
أومأ له عامر ليسحب زوجته ويخرج بها ضد ارادتها مع رغبتها الشديدة بعدم تركهم.
بعد مدة طويلة من الوقت وبعد أن غفت لفترة من الوقت وغفي هو معها أيضًا، وذراعه لم تتركها أو تبتعد عنها على الإطلاق، استفاقت اَخيرًا على رائحة عطر قميصه التي تخللت حواسها، ظلت لعدة دقائق تتطلع إليه صامتة، مستمتعة بدفء جسده والذي كان يبث إليها الاَمان بغمرته القوية لها، لا تريد الاستيقاظ وقد وجدت مسكنها بحضنه، تود أن تظل هكذا ولا تفترق عنه أبدًا.
يبدوا أنه قد شعر بتحديقها به فاستيقيظ هو الاَخر ليُقابل عينيها بخاصتيه ويظل حديث الأعين للحظات قبل ان يُبادر هو بقوله لها:
- إيه الأخبار؟
أومأت برأسها له كطفلة صغيرة تجيب أباها، تنهد بصوت عالي بارتياح ليُقربها إليه حتى يُقبلها على جبهتها قبلة طويلة وعميقة، حتى ظنت أنها لن تنتهي ليتركها اَخيرًا ويتطلع إليها بحنان بسؤاله لها:
- لسة حاسة نفسك خايفة برضو؟.
نفت برأسها أيضًا بصمت لتُثير ابتسامة مشاكسة على وجهه في مخاطبتها:
- إيه بقى؟ هي الحلوة هتفضل اليوم كله النهاردة تجاوب بدماغها بس من غير ما تتكلم؟
ردت بابتسامتها ولكن خرج صوتها باهتزاز متأثرًا بالأحداث السابقة:
-ما خلاص يا جاسر، هو انا لازم اقوله بلساني يعني؟
- اَه يا قلبي لازم تقولي بلسانك عشان اطمن امال ايه؟
وعشان كمان تحضري نفسك للأستجواب؟
قالها بلهجة عملية عن قصد، مما جعلها تعتدل عنه بجذعها لتسأله باستغراب:
- تستجوبني في إيه بالظبط يا جاسر؟
اعتدل هو الاَخر ليقابلها وليرد على سؤالها:
- استجوبك في اللي حصل يا قلبي، ما هو مش معقول يعني هنعدي الأمر كدة من غير ما اعرف الحيوان ده عمل معاكي، وازاي قدر يسببلك حالة الرعب الشديدة دي؟
اعتدلت متذكرة لتنفص صائحة بخوف:
- يانهار اسود، فهمي صحيح راح فين؟...
اوقفها فجأة بوضع كفه على فمها ليخاطبها بلهجة هادئة مطمئنة:
- اهدي يا زهرة، الزفت اتقبض عليه.
سالت دموعها حتى بللت كفه ليعود بسؤاله مرة أخرى بعد نزع كفه عنها:
- الهستيريا الشديدة ترجعني تاني لنفس السؤال، الزفت ده هددك بإيه عشان تخافي كدة؟
يُتبع..