-->

رواية نعيمي وجحيمها أمل نصر - اقتباس

  رواية نعيمي وجحيمها 

بقلم الكاتبة أمل نصر



رواية نعيمي وجحيمها


اقتباس

الفصل الثامن والستون


خرجتي ليه يابت بالواد؟ مش خايفة لتبردي؟

-وفيها إيه بس يا سيتي؟ الجو هنا دافي أساسًا. 

قالتها بحرج قبل أن يتناول منها عامر الطفل يضيف هو الاَخر:

-لا وكمان شايلاه بنفسك، مش تندهيني طيب عشان اساعدك، دا إيه التسيب ده؟ حبيب جدو .

قال الأخيرة مهللًا بمرح نحو الطفل، اعتلى وجه زهرة ابتسامة مشرقة لفرحة الرجل، وخطت لتنضم إلى مجموعة النساء لتُجفلها لمياء بندائها على زوجها:

-شيل الولد كويس يا عامر. 

اومأ لها بمهادنة، لتردف له باعتراض:

-طب انا عايزة افهم، هتشغل ع اللاَب  وانت شايل الولد ازاي بس؟.

رد عامر يعدل من وضع الطفل على حجره، بعد ان عاد لجلسته أمام الحاسوب:

-ملكيش دعوة، انا هعرف اخد بالي منه.

حدجته بغيظ ثم تمتمت بتحذير:

-طب خلي بالك بقى ليميل منك كدة ولا كدة.

أومأ برأسه مرة أخرى مكشرًا بوجهه بطريقة فكاهية اثارت الضحكات والإبتسامات منهن، حتى هي لم تقوى على كبح ابتسامة مستترة، فخاطبتها نوال بتأثر:

-شكله فرحان أوي ب مجد الصغير، ربنا يحرسه ويبارك فيه.

تنهدت لمياء لتقول لها:

-الله يبارك فيكي يا حبيبتي انتي كمان ويقومك بالسلامة، أكيد رقية هتفرح بيه، بس معتقدتش انها هتبقى مجنونة أوي كدة بيه زي صاحبنا ده.

قارعتها رقية بعفويتها:

-دا على أساس ان انتي اللي عاقلة أوي؟ اشحال إن ما كنتي بيتخانقي معاه يوماتي على شيلة العيل .

ردت لمياء تكبح ابتسامتها:

-يعني بتعيبي علينا يا رقية، طيب لما نشوف احنا العقل بتاعك ده مع الطفل اللي جاي.

شهقت رقية قائلة:

-ليه يا حبيبتي؟ لهو انتي فاكراني هسمح لحد تاني يشيله معايا عشان اديلوا فرصة إنه يتخانق اساسًا كمان؟

صدحت ضحكاتهن جميعًا على قول رقية لتردد لمياء خلفها:

-طب والله جدعة، ياريت اقدر اعملها مع عامر عشان اريح مخي بقى.

هتف عليها المذكور من محله وهو يقبل الطفل على وجنته:

-دا بعينك.

قالها وزادت ضحكاتهن حتى خرجت إليهن سمية من المطبخ الكبير وخلفها ابنتها فتمتمت بمودة:

-ربنا يدوم عليكم الضحك يارب 

قالتها ثم انضمت إليهن مع ابنتها لتردف:

-احنا حطينا الحاجة كلها في التلاجة وانا فهمت البت الطباخة جوا ازي تسخنهم.

عقبت لمياء بعدم استيعاب:

-طب والله انا ما فاهمة، إيه لزوم التعب بتاعكم ده؟ ما الخير الكتير يا جماعة، فرقت إيه يعني الفرخة اللي بنشتريها احنا من الفرخة اللي بتجيبوها انتم؟

ردت رقية بزهو:

-فرقت يا غالية إن انا اللي مربياهم، فراخ بلدي، عشان يرموا العضم، مش الحاجات البراني دي اللي بتتربى في المزارع، وما حد عارف هما بيعلفوها إيه؟.

توسعت عيناها لمياء بدهشة فتدخلت زهرة تقول بلطف:

-قصدها يا حماتي، إن دي عوايد نشأت عليها ومينفعش تتخلي عنها.

أومأت لها لمياء بتفهم، فقالت نوال لرقية:

-طب اعملي حسابك عليا أنا كمان وجهزي للحدث التاريخي من دلوقتي، انا ناوية أقعد عندك بعد ما اخلف عشان اَكل من فراخك اللي بتعمليها بالسمنة البلدي يا رقية.

-طبعًا يا بت دا لازم، لهو انتي فاكرة امك هتعرف تهتم بيكي اللي تأكلك الاكل اللي هيتخنك قدي، أكيد لا.

قالتها رقية بثقة وتفكه أضحكت الجميع وزادت من شعور الإعجاب لدى لمياء، التي اصبحت تندمج بالحديث الطريف معهن، حتى عاد جاسر من عمله مصطحبًا خالد معه، والذي هتف متفكهًا فور وصوله:

-يا هلا يا هلا، طب مش تقولوا يا جدعان إن المدام عندكم، يعني العيلة كلها هنا.

قالها واقترب ليرحب ممازحًا بزوجته ليتخذ مقعده بعد ذلك بجوار زهرة ووالدته، أما جاسر والذي قَبل رأس امرأته لتهديه ابتسامة رائعة منها، قبل أن يذهب نحو ابنه الذي يحمله والده على حجره، ليُقبله أيضًا ويداعبه فور أن وصل إليه، قبل أن يخاطب والده باستياء:

-تاني برضوا يا والدي شايل الولد، هو احنا جايبين المربية دي وظيفها إيه بالظبط؟

رد عامر بحزم:

-وهو شيل الولد شغلانة يا ولد انت، دا احب ما على قلبي جدو ده.

تبسم جاسر بابتهاج يغمر قلبه رغم التعب الذي كان باديًا على وجهه ف لفت انتباه زوجته إليه، وأبيه أيضًا فور أن توقف عن تقببل الطفل، فسأله بقلق:

- مالك يا جاسر؟ هو انت تعبان؟

سأله باندهاش:

- ليه بتقول كدة يا والدي؟

قال عامر بفراسة:

-عشان شكلك المتغير يا حبيبي، ولا انت مش واخد بالك من نفسك، دا انا بعرفك من ملامحك المشدودة ولا حواجبك دي اللي بتتعقد أكتر ما هي متعقدة.

تبسم جاسر لطرافة الحديث مع والده،  ونفى برأسهِ ليقول مطنئنًا:

- لا ماتقلقش نفسك انت يا باشا، دي شوية مشاكل بس في الشغل نتيجة الغياب في الكام يوم اللي فاتوا.

- ياراجل.

قالها عامر بعدم تصديق ليردف قائلًا:

-ع العموم تمام، ربنا يبعد عنك المشاكل والتعب يا سيدي.

أممم خلفه جاسر وارتفعت عيناه إلى الجهة الأخرى نحو زوجته بنظراتها المتسائلة، ليومئ لها بابتسامة جعلها تبدوا طبيعية حتى يطمئنها هي الأخرى، قبل أن يتجه بأنظاره نحو صفية والتي كانت منشغلة بالحديث الدائر بين خالد ومزاحه مع زوجته ووالدته، فتوقف قليلًا بتفكير قبل أن يهتف عليها بإسمها:

-صفية.

التفت إليه مجفلة ليفاجأها بقوله:

-ممكن معلش تيجي ورايا المكتب عشان عايزك دقيقتين.

قالها واستدار على الفور ذاهبًا، ليجعلها تغمغم مستغربة نحو زهرة:

-هو عايزني في إيه؟ 

مطت شفتيها زهرة واهتز كتفيها بعدم معرفة، فتدخل خالد والذي بدا أنه فهم مقصد جاسر ليقول لها:

-ما تروحي تشوفي عايز إيه؟ هو هياكلك، حركي رجلك يا بت اخلصي.

على صيحته الأخيرة، أذعنت صفية لتلحق بجاسر سريعًا.


وبداخل الغرفة الضخمة والمزودة بمكتبة ضخمة لمجموعة متنوعة من الكتب العربية والمترجمة، طرقت بخفة على بابها ثم تقدمت بعد ان سمح لها بالدخول:

-ادخلي يا صفية، إنتي لسة هتستأذني.

ولجت إليه بخطوات مترددة وحرج، عيناها ذهبت على الفور نحو المكتب الذي وجدته فارغ، وجاءها الصوت من خلفها:

-أنا هنا ياصفية، تعالي.

وجدته على الاَريكة الجانبية فتقدمت حتى جلست بحرج على الكرسي المقابل له، فبادرها على الفور قائلًا:

-صفية بلاش توتر وكسوف عشان عايزاك في حاجة مهمة، وياريت الكلام يبقى سر دلوقتي ولما تخرجي من عندي تخترعي أي حاجة غير اللي هقوله.

أومأت رأسها بتوتر تقول له:

-تمام حاضر، بس هو فيه أيه يعني انا بدأت اخاف.

تنهد جاسر يحاول السيطرة على أنفعاله حتى لا يخيف الفتاة، ثم خاطبها بحرص:

-كنت عايز أسألك يا صفية، هو انتي لسة بتروحي بيتكم القديم او الحتة نفسها؟

ردت بلهفة:

-ايوة طبعًا، مش كل صحابي اللي اتربيت معاهم هناك .

-تمااام.

تفوه بها بتفهم، ثم تابع بسؤاله الاَخر:

-طب انا كنت عايز أسألك عن الراجل اللي اسمه فهمي صنارة، تعرفي بقى إن كان رجع لنشاطه الإجرامي ولا بيع الب.....

-استنى يا عم جاسر .

قالتها صفية مقاطعة له لتتبع بسؤالها:

-انت مين قالك ان فهمي صنارة خرج من السجن؟

-ليه هو انتي متعرفيش انه خرج من السجن من اكتر من اسبوع؟

قالها جاسر باستغرابٍ ازداد بعد ذلك مع قولها:

-لا طبعًا معرفش،لأني كل يوم بروح الحتة ومع ذلك ولا مرة شوفته فيها، دا غير ان صحباتي نفسهم، مفيش واحدة فيهم قالتلي خرج.

ذهل جاسر من إجابتها الغريبة، ف افتر فاهه يناظرها صامتًا لعدة لحظات، ثم تمتم بفمه:

-يا سلام .


يُتبع..