رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران الفصل 21
رواية في غياهب القدر للكاتبة بسمة بدران
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
في غياهب القدر
قصه ورواية من قصص وروايات الكاتبة بسمة بدران
الفصل الحادي والعشرون
❈-❈-❈
طلقني.
ماذا جنيتُ لكي تمل وصالي؟
إني سألتك هل تجيب سؤالي!
حاولتُ أن ألقى لهجرك حجة
فوقعت بين حقيقةٍ، وخيالي
كنتُ القريب وكنتَ أنت مقربي
يوم الوفاق وبهجة الإقبالي
❈-❈-❈
ما أن أنهى جملته اتسعت حدقتاها في دهشة ثم غمغمت بعدم تصديق: بتقول إيه يا حاج؟
كاد أن يضحك بقوة على منظر وجهها الذي بات مضحكا للغاية لكنه تماسك بشكل يحسد عليه وأعاد كلماته مؤكدا: تتجاوزيني يا ست صباح؟
هي لا تنكر إعجابها الشديد به وبشخصيته وبسيرته الحسنة لكن تخاف أن ينفذ زوجها تهديده ويأخذ ابنتها ان علم بزواجها من رجل غيره.
ففتحت فمها لترفض لكنه سبقها مستطردا حديثه بثقة كبيرة: ما تخافيش من جوزك يا ست صباح أقصد طليقك مش هيقدر ياخد بنتك منك طول ما أنا عايش غير كده أنا مش هسمح له يقرب منك ولا منها انت هتبقي في حمايتي يا ست الصباح انت عرفاني كويس وسمعتي عني كتير ما يغركيش اني راجل كبير في السن لكن أنا قلبي شباب والله.
رغما عنها ابتسمت على حديثه العفوي ولم تتفوه ببنت شفه.
فهتف بصوت رخيم: ما ترديش عليا دلوقتي وخدي وقتك في التفكير وأظن انت عارفة مكاني لما توافقي تعالي لي المحل وقولي فلفل أسمر وقتها هعرف إنك وافقتي علطول.
للمرة الثانية تبتسم بقوة على حديثه المرح
فأومأت له موافقة ثم استأذنت بلباقة وانصرفت من أمامه
تابعها هو بعينيه حتى اختفت وسط الجموع ثم تنهد بقوة وسار تجاه منزله وهو يبتسم من وقت إلى آخر ولا يعرف لماذا طلب منها ذلك الطلب فهو لا يحبذ فكرة الزواج بعد زوجته الراحلة لكن رغما عنه شعر بالمسئولية تجاه تلك المرأة
ربما تعجبه شراستها وأخلاقها العالية
وعلى الرغم من لسانها السليط إلا أنها حرة شريفة.
نفض تلك الأفكار من رأسه وهو يمني النفس بأن توافق عليه سريعا.
لكن عليه أن يجد طريقة لأخبار أبنائه عن تلك الزيجة.
❈-❈-❈
ارتسمت ابتسامة شيطانية فوق محياه عندما استمع إلى موافقتها التي لم يتوقع أن تكون بتلك السرعة.
فغمغمة بعدم تصديق: بتقولي إيه؟
فاستمع صوتها على الطرف الآخر: بقول لك أنا موافقة على الجواز يا حسام بيه بس -من فضلك- اديني وقت لحد ما أمهد لعمار اني عايزة أسيبه وغير كده لسه في شهور العدة.
شعر بالغضب من حديثها الأخير بخصوص أنه مضطر أن ينتظر بضع شهور لكنه سرعان ما استعاد رباط أجشه وهتف بجدية: ما فيش مشكلة يا زينة خدي الوقت اللي انت عيزاه بس ما تتأخريش عليا لأني بجد محتاج لك جدا معايا.
قالا تلك الكلمة وهو يغمز لتلك الفتاة التي استيقظت من نومها للتو والتي سرعان ما التصقت به كالعلكة وراحت تمرر يـ دها على صـ دره العـ اري باغـ واء شديد مما جعله ينهي مكالمته الهاتفية سريعا وينغمس معها في المـ حرمات تاركا كل شيء خلفه.
ولما لا فهو سيحصل على كل ما أراد دون أدنى مجهود منه وكأن القدر يسر له كل شيء.
❈-❈-❈
في شرفة منزلها وقفت تنتظره كعادتها في الآونة الأخيرة ريثما يعود وها هو ذا يترجل من سيارته لكن أبصرت شيئا غريبا أبصرته يهاتف أحدهم
لم تكترث لهذا الأمر وركضت للخارج تستقبله.
وضعت يدها على مقبض الباب وادارته بحرص وسرعان ما غلا الدم في شرايينها وهي ترى زوجته تنتظره أمام باب شقتهم.
يبدو أنه كان يهاتفها هي أراد أن يتخلص منها نهائيا.
مدحت ذكاءه يا له من شخص داهية هاتف زوجته تنتظره أمام باب المنزل لأنه يعلم أنها ستطارده.
سكت على أسنانها بقوة ثم قبضت على يديها حتى خدشت أظافرها كفها وغمغمت بغل دفين: اوكي يا رامي بنشوف أنا أو انت وحياة الله راح خليك تدور حولين نفسك متل ما بتقولو.
فهي ليست امرأة رخيصة في وجهة نظرها يأخذ منها ما يريد ويتركها كالخرقة البالية عليه أن يعرف من هي رغد وما الذي يمكنها أن تفعل؟
أغلقت الباب الموارب بحرص وولجت للداخل وشياطين الأرض تلاحقها.
❈-❈-❈
بعد أن استمع إلى آذان العصر هتف بصوت مرتفع قليلا: بقول لك إيه يا ابني خلي بالك من المحل على ما أروح أأدي فرض ربنا وارجع ماشي.
أومأ له الصبي وراح يكمل عمله بهمة ونشاط.
بينما الآخر انطلق في طريقه إلى المسجد استوقفه صوت يعرفه جيدا: عم الحاج سعد.
استدار إليه يسأله بلهفة: رؤوف في حاجة يا ابني؟
هز رأسه نفيا ودنا منه متأبطا ذراعه: عايز أتكلم معاك في موضوع بس الأول نروح نصلي العصر واعزمك على فنجان شاي على قهوة المعلم فكري إيه رأيك؟
أومأ له موفقا وابتسامة صغيرة ارتسمت فوق شفتيه فهو يعلم مسبقا ما يريده منه ذلك الشاب الشهم لكنه بذكاء شديد ادعى عدم الفهم.
وما هي إلا دقائق حتى انتهيا من صلاة العصر وها هما يجلسان أمام أحد الطاولات في مقهى المعلم فكري
طلب رؤوف كوبين من الشاي ثم أخذ نفس عميق ووضع كلا ساعديه فوق المنضدة هاتفا بجدية بحتة: عم الحاج أنا عارف معزتي عندك قد إيه وإنك بتعتبرني زي عمار عشان كده اتجرأت اني أطلب منك الطلب ده.
تراقص قلب الحاج سعد فرحا فأخيرا ستجد ابنته السعادة التي تستحقها
لكنه رسم الدهشة ببراعة فوق قسمات وجهه سائلا إياه بجدية: ايه يا ابني قلقتني هو فيه حاجة؟
قاطعه بلهفة: لا لا لا خير إن شاء الله بص يا عم الحاج من غير مقدمات كده أنا طالب ايد بنتك عبير عارف أن عدتها لسه مخلصتش بس أنا حييت أبلغك عشان أول ما عدتها تخلص بإذن الله نتجوز أنا وهي.
شعر بالقلق عندما صمت الحاج سعد قليلا لكن سرعان ما تبدلت ملامحه إلى سعادة كبيرة عندما استمع إلى قول ذلك الرجل الطيب: وأنا مش هلاقي لعبير حد أحسن منك يا رؤوف أنا اللي مربيك بعد أبوك الله يرحمه عشان كده أنا هقرا معاك فاتحة دلوقتي وبعد ما عدتها تخلص نكتب الكتاب بإذن الله.
لولا خوفه من أن يقال عليه طفلا صغيرا لقفز في مكانه وصفق بحرارة فأخيرا سيتحقق حلمه ويتزوج ممن أحب طوال عمره.
فعبير حب صباه ومراهقته وشبابه.
❈-❈-❈
شعرا بالملل والاختناق فهو لم يعتد الجلوس في منزله مذ كان طفلا صغيرا فهتف بصوت مرتفع: زينة انت فين يا زينة؟
أتت إليه بخطوات بطيئة تسأله باقتضاب: أنا هنا يا عمار عايز حاجة؟
لم يلاحظ نبرتها المقتضبة وأجابها بحدة طفيفة: أنا زهقان من القعدة لوحدي تعالي اقعدي معايا قربت أكلم نفسي زي المجنون.
هتفت باختصار: أنا مش فاضية بنضف البيت.
دبة الذعر في قلبه عندما لاحظ تغير زوجته معه فيبدو أن صديقه كان على حق
فحاول تخفيف حدته هاتفا بهدوء مصطنع: طيب ما جبتيش الولادة ليه؟
كل ما أسألك تقولي لي هاروح أجيبهم وما بتجيبيهمش روحي هاتيهم أهم يسلوني.
صاحت بقوة وهي تضغط على كل حرف تتفوه به: عايرني أجيب الولاد ليه؟
عشان تعلمهم اليأس والإحباط ويشوفوك وانت عاجز مش قادر حتى تخدم نفسك آسفة يا عمار أنا مش هجيب ولادي عشان يتعذبو اسمعني كويس بما انك رافض أنك تتعالج عشان نفسك وما فكرتش غير في نفسك أنا آسفة أنا برضو هافكر في نفسي وفي عيالي.
فاضا الكيل منهم ومن الضغط عليه بتلك الطريقة فهدر بعنف: انتو عايزين مني إيه كلكو بتتكلموا ما حدش هيحس بيا علاج أنا مش هتعالج وده آخر كلام عندي.
أردفت بهدوء وبرتياح شديد يبقى أنت اللي اخترت يا عمار أنا هروح عند أمي اقعد معاها شوية عشان اتخنقت من العيشة اللي أنا عايشاها دي والولاد أنا مش هجيبهم وده آخر كلام عندي.
وقبل أن تستمع منه ردا اندفعت للخارج تاركة الآخر يبكي في صمت لكن تلك المرة رغما عنه راح يفكر في العلاج
زوجته على حق وأبنائه يستحقون التضحية كما أنه يريد أن يعود مثلما كان شابا قويا يعتمد عليه الآخرين وليس العكس
لكن ما لم يعرفه عمار هنداوي أنه أخذ قراره هذا متأخرا متأخرا جدا.
❈-❈-❈
لبسة كده ورابحة على فين يا حلوة؟
أجابتها وهي تنتعل حزاءها: زهقت من القعدة يا بيرو نازلة أشم هوا الحتة وحشاني والناس أصل انت مجربتيش الغربة
صحيح ما فيش أحسن من بلدك وانك تقعدي في وسط ناس يتكلموا زيك وطباعهم زي طباعك.
أجابتها بحماس: ناس إيه وطباع إيه يا بت هو فيه أحلى من الفلوس والعز ده أنت وشك نور وتخنتي وبقيتي بطة يا بطة تقولي لي ناس وطباع روحي روحي بلاش كلام فاضي.
استقامت واقفة وهي تهتف بجدية: طيب ما تيجي معايا انت مش خلصتي الأكل؟
تبدلت ملامح وجهها إلى الحزن هاتفة برفض: لا اعفيني يا عزة أنا ما ليش نفس أنزل روحي انت وخلي بالك على نفسك ولما أرن عليكي تردي بلاش انك تطنشي التليفون زي زمان تمام؟
أومأت لها شقيقتها وفتحت الباب وانطلقت للخارج ثواني واستدارت على صوت أختها تهتف بمرح: قلتي لجورك ولا هيجي يعمل مني بطاطس محمرة.
هتفت بتأكيد: امال يا هبلة استأذنت منه وهو قلي روحي عشان هو مش هيرجع من عند أهله غير بالليل يلا بلاش عطلة بقى.
خرجت من منزلهم وهي تنظر بشوق وحنين لكل مكان يقابلها المحالّ والشوارع اشتاقت لكل شبر في منطقتها التي تربت فيها
❈-❈-❈
وعلى الجانب الآخر رفع الشاب هاتفه بعد أن طلب رقمه هاتفا بخفوت: الهانم طلعت من بيتها يا باشا.
صمت يستمع أوامره على الطرف الآخر يقول: طيب خليك وراها وبلغني هي هتروح فين بالظبط أول بأول.
اغلق الهاتف بعد أن وعده بأنه سيفعل.
وعلى الطرف الآخر اغلق هاتفه وهو يبتسم بحنين: والله وهشوفك تاني يا عبير وحشيتني قوي.
استقام واقفا والتقط مفاتيح سيارته واندفع للخارج يلحق بها فعليه رؤيتها والتحدث معها.
❈-❈-❈
في مطبخ منزلها تقف وهي شاردة تماما تفكر في حديثه الذي تفوه به صباحا.
لا تنكر إعجابها الشديد به وبشخصيته وكذلك بسيرته الحسنة لكن ماذا عساها أن تفعل إذا علموا أهل زوجها بزواجها من آخر
بالطبع سيقتلوها أو ربما يختطفو ابنتها ويحرموها منها للأبد
فهم مثله تماما يتاجرون في الممنوعات ويسرقون وينصبون.
ابتسمت باتساع عندما تذكرت وعده لها بأنه سيحميها هي وابنتها
فأنهت جلي الأواني ثم أغلقت الصنبور وجففت يدها بقماشة نظيفة ثم انطلقت إلى الخارج تبحث عن ابنتها وتخبرها بما يدور معها.
فتحت غرفتها بعد أن طرقت طرقات خفيفة فابتسمت ابتسامة هادئة عندما رأت ابنتها منكبة على كتابها تستذكر دروسها بجد واجتهاد.
تعلم أن ابنتها هي الشيء الجيد الذي فعلته في حياتها وأقسمت بأغلظ الأيمان أنها ستوفر لها كل احتياجاتها كي تصبح شخصا فعالا في المجتمع وكما يقال الأهل لا يتمنون أحدا أن يكون أفضل منهم سوى أبنائهم
تركت نور المذاكرة ثم رفعت بصرها إلى والدتها تسألها باهتمام: في حاجة يا ماما؟
دخلت بخطوات مترددة ثم جلست فوق الفراش بجوارها ومسدت فوق جديلتها التي تصل إلى آخر ظهرها هاتفة بجدية: نور يا حبيبتي أنا عايزاكي تسمعيني كويس أنا عارفة أنك كبرتي وبقيتي واعية.
أعطتها الصغيرة جميع حواسها وغمغمت بلهفة وفضول يناسب عمرها: وقولي يا ماما عايزة تقولي إيه بالظبط اتكلمي علطول وأنا هفهمك.
أخذت نفس عميق وزفرته على مهل ثم راحت تقص عليها ما أخبرها به الحاج سعد صباحا وعلى الرغم من أنها كأي فتاة تحب والدتها رفضت أن يشاركها أحدا بها لكن رجاحة عقلها جعلتها تتغاضى عن كل هذا وتهتف بجدية: دي حياتك يا ماما وانت حرة فيها واللي انت شايفاه مناسب اعمليه.
❈-❈-❈
ما زالت تسير في الطرقات وابتسامة كبيرة تزين محياها ثواني واستمعت إلى صوت يناديها دون ألقاب لوهلة شعرت بالغرابة وراحت تتسائل بداخلها عن هوية ذلك الشخص الوقح من وجهة نظرها فليس من اللائق أن يناديها أحدهم باسمها هكذا بصوت مرتفع في الشارع.
استدارت لتوبخه لكنها سرعان ما تجمدت الحروف على شفافيتها عندما تعرفت على هويته فغمغمت بعدم تصديق: حسام!
دنا منها حتى قطع المسافة الفاصلة بينهما ثم أزال نظارته الشمسية وهتف وهو يبسط يده لتصافحه: عزة وحشتيني قوي عاملة إيه ما صدقتش نفسي لما شفتك رجعتي من السفر أمتى فرحيني وقولي لي إنك اتطلقتي.
رمقته بدهشة ولم تعقب.
فاستطرد هو: إيه مش هتسلمي عليا؟
وزعت بصرها بينه وبين يديه الممدودة إليها ثم هزت رأسها نفيا مغمغمة باعتذار: آسفة أنا ما بسلمش وانت عارف كده من زمان.
رباه تلك المرأة تبهره يوما بعد يوم عندما عشقها مذ كانت صغيرة كانت وقتها في الخامسة عشر ربيعا تلهو مع صديقاتها في الطرقات كان سيدعسها بالسيارة لكن لحسن الحظ استطاع أن يتحكم بها وترجل منها عازما على توبيخ تلك الفتاة الغير مسئولة لكن عندما أبصر نظراتها المذعورة واستمع إلى صوتها الرقيق وهي تغمغم باعتذار نسي كل شيء
كان وقتها يود لو أنه يختطفها داخل أحضانه كي تطمئن لكن لم يسعفه الحظ فهرولت من أمامه بسرعة البرق وقتها عرف أن علاقته بتلك الفتاة لم تنتهي هنا من.
استفاق من شروده بها على صوتها الناعم: فرصة سعيدة يا حسام وعلى فكرة أنا ما اتطلقتش ولا حاجة أنا جية علشان أطمن على عمار ومسافرة تاني مع جوزي يله بعد ازنك.
ألقت كلماتها دفعة واحدة وانصرفت من أمامه تاركة إياه يشتعل من الغيرة والغضب معا.
❈-❈-❈
تجلس برفقة غزل والفتاتان يتحدثون تارة ويلعبون تارة أخرى حتى هتفت بجدية: إيه يا رغد بقالك كام يوم كده ما بتجييش هو انت حاجة حصلت معاكي يا بنتي ولا إيه؟
هزت رأسها نفيا وغمغمت بنعومة: لا حبيبتي أنا بس كنت مريضة شوي.
ضربت غزل صـ درها بيدها هاتفة بلهفة: تعبانه ليه مالك يا بنتي تحبي اخدك للدكتور ولا حاجة؟
أجابتها باختصار: لا أنا صرت منيحة كنت مزكومة شوي وخلص.
تنهدت غزل بارتياح ثم نظرت إلى هاتفها بنفاذ صبر: اتأخر كده ليه ده قال لي إنه هيروح يبص على والدته وييجي بقاله أكتر من تلت ساعات.
ابتسمت رغد فهي قد أتت إلى هنا كي تستشف ملامح وجهه عندما يراها برفقة زوجته بعدما حدث بينهما ما حدث
وما هي إلا دقائق معدودة حتى ولجا من باب المنزل بعد أن فتحه بمفتاحه الخاص وفعلا صدق حدث رغد فعندما أبصرها أمامه تجمد الدم في عروقه وشحب وجهه شحوبا يحاكي شحوب الموتى كما أن الكلمات تجمدت على شفتيه.
فاستمع إلى صوت زوجته تقول: إيه يا رامي واقف عندك كده ليه تعالى سلم على رغد.
أومأ لها بخفة ثم دنا منهما بخطوات بطيئة فاستقبلته رغد بابتسامة ماكرة
تجاهلها هو وانحنى على عقبيه يقبل طفلتاه على حدى ثم استقام واقفا هاتفا باعتذار: سامحوني أنا داخل أغير هدومي.
شعرت غزل بالإحراج الشديد من جارتها وعزمت على توبيخ زوجها عما اقترفه في حق تلك المسكينة فغمغمت اعتذار: رغد حبيبتي ما تزعليش منه ممكن يكون في حاجة حصلت عند أهله ولا حاجة.
أومأت الأخرى بخفة وهبت واقفة تهتف بزعل مصطنع: ولا يهمك حبيبتي يلا تصبحي على خير أنا راح روح لابيتي.
حاولت غزل إثنائها عن قرارها لكن الأخرى تشبثت برأيها وانسحبت بهدوء فهي قد أتت إلى هنا لغرض معين وحصلت عليه ألا وهو تهديدها الصريح لذلك المتعجرف والذي يبدو أنه التقطه على الفور.
❈-❈-❈
أغلقت الهاتف مع والدتها بعد أن قصت عليها ما حدث بينها وبين المدعو حسام أبو الدهب وبالطبع والدتها لم تفوت هذه الفرصة وشجعتها على قرارها والذي ساعد زينة كثيرا في اتخاذ قرارها فهي كانت مترددة نوعا ما لكن بعد حديثه الأخير معها وحديثها مع والدتها حسمت قرارها.
هبت واقفة ثم اتجهت إلى غرفته وهي تجر ساقيها جرا فتحت الباب وولجت فأبصرته كعادته متسطحا على ظهره ينظر في سقف الغرفة بشرود.
فنادته بصوت متردد: عمار.
أدارة وجهه إليها يسألها بهدوء نعم يا زينة؟
أطرقت رأسها أرضا.
فشعر هو بالحزن عليها وكاد أن يخبرها بأنه سيخضع للعلاج من أجلها ومن أجل طفليه
لكنه شعر بالصدمة وجفا حلقه وماتت كل خلية في جسده عندما استمع إلى صوتها الخالي من الحياة تقول: عمار هنداوي طلقني.الفصل الحادي والعشرون.
طلقني.
ماذا جنيتُ لكي تمل وصالي؟
إني سألتك هل تجيب سؤالي!
حاولتُ أن ألقى لهجرك حجة
فوقعت بين حقيقةٍ، وخيالي
كنتُ القريب وكنتَ أنت مقربي
يوم الوفاق وبهجة الإقبالي
❈-❈-❈
ما أن أنهى جملته اتسعت حدقتاها في دهشة ثم غمغمت بعدم تصديق: بتقول إيه يا حاج؟
كاد أن يضحك بقوة على منظر وجهها الذي بات مضحكا للغاية لكنه تماسك بشكل يحسد عليه وأعاد كلماته مؤكدا: تتجاوزيني يا ست صباح؟
هي لا تنكر إعجابها الشديد به وبشخصيته وبسيرته الحسنة لكن تخاف أن ينفذ زوجها تهديده ويأخذ ابنتها ان علم بزواجها من رجل غيره.
ففتحت فمها لترفض لكنه سبقها مستطردا حديثه بثقة كبيرة: ما تخافيش من جوزك يا ست صباح أقصد طليقك مش هيقدر ياخد بنتك منك طول ما أنا عايش غير كده أنا مش هسمح له يقرب منك ولا منها انت هتبقي في حمايتي يا ست الصباح انت عرفاني كويس وسمعتي عني كتير ما يغركيش اني راجل كبير في السن لكن أنا قلبي شباب والله.
رغما عنها ابتسمت على حديثه العفوي ولم تتفوه ببنت شفه.
فهتف بصوت رخيم: ما ترديش عليا دلوقتي وخدي وقتك في التفكير وأظن انت عارفة مكاني لما توافقي تعالي لي المحل وقولي فلفل أسمر وقتها هعرف إنك وافقتي علطول.
للمرة الثانية تبتسم بقوة على حديثه المرح
فأومأت له موافقة ثم استأذنت بلباقة وانصرفت من أمامه
تابعها هو بعينيه حتى اختفت وسط الجموع ثم تنهد بقوة وسار تجاه منزله وهو يبتسم من وقت إلى آخر ولا يعرف لماذا طلب منها ذلك الطلب فهو لا يحبذ فكرة الزواج بعد زوجته الراحلة لكن رغما عنه شعر بالمسئولية تجاه تلك المرأة
ربما تعجبه شراستها وأخلاقها العالية
وعلى الرغم من لسانها السليط إلا أنها حرة شريفة.
نفض تلك الأفكار من رأسه وهو يمني النفس بأن توافق عليه سريعا.
لكن عليه أن يجد طريقة لأخبار أبنائه عن تلك الزيجة.
❈-❈-❈
ارتسمت ابتسامة شيطانية فوق محياه عندما استمع إلى موافقتها التي لم يتوقع أن تكون بتلك السرعة.
فغمغمة بعدم تصديق: بتقولي إيه؟
فاستمع صوتها على الطرف الآخر: بقول لك أنا موافقة على الجواز يا حسام بيه بس -من فضلك- اديني وقت لحد ما أمهد لعمار اني عايزة أسيبه وغير كده لسه في شهور العدة.
شعر بالغضب من حديثها الأخير بخصوص أنه مضطر أن ينتظر بضع شهور لكنه سرعان ما استعاد رباط أجشه وهتف بجدية: ما فيش مشكلة يا زينة خدي الوقت اللي انت عيزاه بس ما تتأخريش عليا لأني بجد محتاج لك جدا معايا.
قالا تلك الكلمة وهو يغمز لتلك الفتاة التي استيقظت من نومها للتو والتي سرعان ما التصقت به كالعلكة وراحت تمرر يـ دها على صـ دره العـ اري باغـ واء شديد مما جعله ينهي مكالمته الهاتفية سريعا وينغمس معها في المـ حرمات تاركا كل شيء خلفه.
ولما لا فهو سيحصل على كل ما أراد دون أدنى مجهود منه وكأن القدر يسر له كل شيء.
❈-❈-❈
في شرفة منزلها وقفت تنتظره كعادتها في الآونة الأخيرة ريثما يعود وها هو ذا يترجل من سيارته لكن أبصرت شيئا غريبا أبصرته يهاتف أحدهم
لم تكترث لهذا الأمر وركضت للخارج تستقبله.
وضعت يدها على مقبض الباب وادارته بحرص وسرعان ما غلا الدم في شرايينها وهي ترى زوجته تنتظره أمام باب شقتهم.
يبدو أنه كان يهاتفها هي أراد أن يتخلص منها نهائيا.
مدحت ذكاءه يا له من شخص داهية هاتف زوجته تنتظره أمام باب المنزل لأنه يعلم أنها ستطارده.
سكت على أسنانها بقوة ثم قبضت على يديها حتى خدشت أظافرها كفها وغمغمت بغل دفين: اوكي يا رامي بنشوف أنا أو انت وحياة الله راح خليك تدور حولين نفسك متل ما بتقولو.
فهي ليست امرأة رخيصة في وجهة نظرها يأخذ منها ما يريد ويتركها كالخرقة البالية عليه أن يعرف من هي رغد وما الذي يمكنها أن تفعل؟
أغلقت الباب الموارب بحرص وولجت للداخل وشياطين الأرض تلاحقها.
❈-❈-❈
بعد أن استمع إلى آذان العصر هتف بصوت مرتفع قليلا: بقول لك إيه يا ابني خلي بالك من المحل على ما أروح أأدي فرض ربنا وارجع ماشي.
أومأ له الصبي وراح يكمل عمله بهمة ونشاط.
بينما الآخر انطلق في طريقه إلى المسجد استوقفه صوت يعرفه جيدا: عم الحاج سعد.
استدار إليه يسأله بلهفة: رؤوف في حاجة يا ابني؟
هز رأسه نفيا ودنا منه متأبطا ذراعه: عايز أتكلم معاك في موضوع بس الأول نروح نصلي العصر واعزمك على فنجان شاي على قهوة المعلم فكري إيه رأيك؟
أومأ له موفقا وابتسامة صغيرة ارتسمت فوق شفتيه فهو يعلم مسبقا ما يريده منه ذلك الشاب الشهم لكنه بذكاء شديد ادعى عدم الفهم.
وما هي إلا دقائق حتى انتهيا من صلاة العصر وها هما يجلسان أمام أحد الطاولات في مقهى المعلم فكري
طلب رؤوف كوبين من الشاي ثم أخذ نفس عميق ووضع كلا ساعديه فوق المنضدة هاتفا بجدية بحتة: عم الحاج أنا عارف معزتي عندك قد إيه وإنك بتعتبرني زي عمار عشان كده اتجرأت اني أطلب منك الطلب ده.
تراقص قلب الحاج سعد فرحا فأخيرا ستجد ابنته السعادة التي تستحقها
لكنه رسم الدهشة ببراعة فوق قسمات وجهه سائلا إياه بجدية: ايه يا ابني قلقتني هو فيه حاجة؟
قاطعه بلهفة: لا لا لا خير إن شاء الله بص يا عم الحاج من غير مقدمات كده أنا طالب ايد بنتك عبير عارف أن عدتها لسه مخلصتش بس أنا حييت أبلغك عشان أول ما عدتها تخلص بإذن الله نتجوز أنا وهي.
شعر بالقلق عندما صمت الحاج سعد قليلا لكن سرعان ما تبدلت ملامحه إلى سعادة كبيرة عندما استمع إلى قول ذلك الرجل الطيب: وأنا مش هلاقي لعبير حد أحسن منك يا رؤوف أنا اللي مربيك بعد أبوك الله يرحمه عشان كده أنا هقرا معاك فاتحة دلوقتي وبعد ما عدتها تخلص نكتب الكتاب بإذن الله.
لولا خوفه من أن يقال عليه طفلا صغيرا لقفز في مكانه وصفق بحرارة فأخيرا سيتحقق حلمه ويتزوج ممن أحب طوال عمره.
فعبير حب صباه ومراهقته وشبابه.
❈-❈-❈
شعرا بالملل والاختناق فهو لم يعتد الجلوس في منزله مذ كان طفلا صغيرا فهتف بصوت مرتفع: زينة انت فين يا زينة؟
أتت إليه بخطوات بطيئة تسأله باقتضاب: أنا هنا يا عمار عايز حاجة؟
لم يلاحظ نبرتها المقتضبة وأجابها بحدة طفيفة: أنا زهقان من القعدة لوحدي تعالي اقعدي معايا قربت أكلم نفسي زي المجنون.
هتفت باختصار: أنا مش فاضية بنضف البيت.
دبة الذعر في قلبه عندما لاحظ تغير زوجته معه فيبدو أن صديقه كان على حق
فحاول تخفيف حدته هاتفا بهدوء مصطنع: طيب ما جبتيش الولادة ليه؟
كل ما أسألك تقولي لي هاروح أجيبهم وما بتجيبيهمش روحي هاتيهم أهم يسلوني.
صاحت بقوة وهي تضغط على كل حرف تتفوه به: عايرني أجيب الولاد ليه؟
عشان تعلمهم اليأس والإحباط ويشوفوك وانت عاجز مش قادر حتى تخدم نفسك آسفة يا عمار أنا مش هجيب ولادي عشان يتعذبو اسمعني كويس بما انك رافض أنك تتعالج عشان نفسك وما فكرتش غير في نفسك أنا آسفة أنا برضو هافكر في نفسي وفي عيالي.
فاضا الكيل منهم ومن الضغط عليه بتلك الطريقة فهدر بعنف: انتو عايزين مني إيه كلكو بتتكلموا ما حدش هيحس بيا علاج أنا مش هتعالج وده آخر كلام عندي.
أردفت بهدوء وبرتياح شديد يبقى أنت اللي اخترت يا عمار أنا هروح عند أمي اقعد معاها شوية عشان اتخنقت من العيشة اللي أنا عايشاها دي والولاد أنا مش هجيبهم وده آخر كلام عندي.
وقبل أن تستمع منه ردا اندفعت للخارج تاركة الآخر يبكي في صمت لكن تلك المرة رغما عنه راح يفكر في العلاج
زوجته على حق وأبنائه يستحقون التضحية كما أنه يريد أن يعود مثلما كان شابا قويا يعتمد عليه الآخرين وليس العكس
لكن ما لم يعرفه عمار هنداوي أنه أخذ قراره هذا متأخرا متأخرا جدا.
❈-❈-❈
لبسة كده ورابحة على فين يا حلوة؟
أجابتها وهي تنتعل حزاءها: زهقت من القعدة يا بيرو نازلة أشم هوا الحتة وحشاني والناس أصل انت مجربتيش الغربة
صحيح ما فيش أحسن من بلدك وانك تقعدي في وسط ناس يتكلموا زيك وطباعهم زي طباعك.
أجابتها بحماس: ناس إيه وطباع إيه يا بت هو فيه أحلى من الفلوس والعز ده أنت وشك نور وتخنتي وبقيتي بطة يا بطة تقولي لي ناس وطباع روحي روحي بلاش كلام فاضي.
استقامت واقفة وهي تهتف بجدية: طيب ما تيجي معايا انت مش خلصتي الأكل؟
تبدلت ملامح وجهها إلى الحزن هاتفة برفض: لا اعفيني يا عزة أنا ما ليش نفس أنزل روحي انت وخلي بالك على نفسك ولما أرن عليكي تردي بلاش انك تطنشي التليفون زي زمان تمام؟
أومأت لها شقيقتها وفتحت الباب وانطلقت للخارج ثواني واستدارت على صوت أختها تهتف بمرح: قلتي لجورك ولا هيجي يعمل مني بطاطس محمرة.
هتفت بتأكيد: امال يا هبلة استأذنت منه وهو قلي روحي عشان هو مش هيرجع من عند أهله غير بالليل يلا بلاش عطلة بقى.
خرجت من منزلهم وهي تنظر بشوق وحنين لكل مكان يقابلها المحالّ والشوارع اشتاقت لكل شبر في منطقتها التي تربت فيها
❈-❈-❈
وعلى الجانب الآخر رفع الشاب هاتفه بعد أن طلب رقمه هاتفا بخفوت: الهانم طلعت من بيتها يا باشا.
صمت يستمع أوامره على الطرف الآخر يقول: طيب خليك وراها وبلغني هي هتروح فين بالظبط أول بأول.
اغلق الهاتف بعد أن وعده بأنه سيفعل.
وعلى الطرف الآخر اغلق هاتفه وهو يبتسم بحنين: والله وهشوفك تاني يا عبير وحشيتني قوي.
استقام واقفا والتقط مفاتيح سيارته واندفع للخارج يلحق بها فعليه رؤيتها والتحدث معها.
❈-❈-❈
في مطبخ منزلها تقف وهي شاردة تماما تفكر في حديثه الذي تفوه به صباحا.
لا تنكر إعجابها الشديد به وبشخصيته وكذلك بسيرته الحسنة لكن ماذا عساها أن تفعل إذا علموا أهل زوجها بزواجها من آخر
بالطبع سيقتلوها أو ربما يختطفو ابنتها ويحرموها منها للأبد
فهم مثله تماما يتاجرون في الممنوعات ويسرقون وينصبون.
ابتسمت باتساع عندما تذكرت وعده لها بأنه سيحميها هي وابنتها
فأنهت جلي الأواني ثم أغلقت الصنبور وجففت يدها بقماشة نظيفة ثم انطلقت إلى الخارج تبحث عن ابنتها وتخبرها بما يدور معها.
فتحت غرفتها بعد أن طرقت طرقات خفيفة فابتسمت ابتسامة هادئة عندما رأت ابنتها منكبة على كتابها تستذكر دروسها بجد واجتهاد.
تعلم أن ابنتها هي الشيء الجيد الذي فعلته في حياتها وأقسمت بأغلظ الأيمان أنها ستوفر لها كل احتياجاتها كي تصبح شخصا فعالا في المجتمع وكما يقال الأهل لا يتمنون أحدا أن يكون أفضل منهم سوى أبنائهم
تركت نور المذاكرة ثم رفعت بصرها إلى والدتها تسألها باهتمام: في حاجة يا ماما؟
دخلت بخطوات مترددة ثم جلست فوق الفراش بجوارها ومسدت فوق جديلتها التي تصل إلى آخر ظهرها هاتفة بجدية: نور يا حبيبتي أنا عايزاكي تسمعيني كويس أنا عارفة أنك كبرتي وبقيتي واعية.
أعطتها الصغيرة جميع حواسها وغمغمت بلهفة وفضول يناسب عمرها: وقولي يا ماما عايزة تقولي إيه بالظبط اتكلمي علطول وأنا هفهمك.
أخذت نفس عميق وزفرته على مهل ثم راحت تقص عليها ما أخبرها به الحاج سعد صباحا وعلى الرغم من أنها كأي فتاة تحب والدتها رفضت أن يشاركها أحدا بها لكن رجاحة عقلها جعلتها تتغاضى عن كل هذا وتهتف بجدية: دي حياتك يا ماما وانت حرة فيها واللي انت شايفاه مناسب اعمليه.
❈-❈-❈
ما زالت تسير في الطرقات وابتسامة كبيرة تزين محياها ثواني واستمعت إلى صوت يناديها دون ألقاب لوهلة شعرت بالغرابة وراحت تتسائل بداخلها عن هوية ذلك الشخص الوقح من وجهة نظرها فليس من اللائق أن يناديها أحدهم باسمها هكذا بصوت مرتفع في الشارع.
استدارت لتوبخه لكنها سرعان ما تجمدت الحروف على شفافيتها عندما تعرفت على هويته فغمغمت بعدم تصديق: حسام!
دنا منها حتى قطع المسافة الفاصلة بينهما ثم أزال نظارته الشمسية وهتف وهو يبسط يده لتصافحه: عزة وحشتيني قوي عاملة إيه ما صدقتش نفسي لما شفتك رجعتي من السفر أمتى فرحيني وقولي لي إنك اتطلقتي.
رمقته بدهشة ولم تعقب.
فاستطرد هو: إيه مش هتسلمي عليا؟
وزعت بصرها بينه وبين يديه الممدودة إليها ثم هزت رأسها نفيا مغمغمة باعتذار: آسفة أنا ما بسلمش وانت عارف كده من زمان.
رباه تلك المرأة تبهره يوما بعد يوم عندما عشقها مذ كانت صغيرة كانت وقتها في الخامسة عشر ربيعا تلهو مع صديقاتها في الطرقات كان سيدعسها بالسيارة لكن لحسن الحظ استطاع أن يتحكم بها وترجل منها عازما على توبيخ تلك الفتاة الغير مسئولة لكن عندما أبصر نظراتها المذعورة واستمع إلى صوتها الرقيق وهي تغمغم باعتذار نسي كل شيء
كان وقتها يود لو أنه يختطفها داخل أحضانه كي تطمئن لكن لم يسعفه الحظ فهرولت من أمامه بسرعة البرق وقتها عرف أن علاقته بتلك الفتاة لم تنتهي هنا من.
استفاق من شروده بها على صوتها الناعم: فرصة سعيدة يا حسام وعلى فكرة أنا ما اتطلقتش ولا حاجة أنا جية علشان أطمن على عمار ومسافرة تاني مع جوزي يله بعد ازنك.
ألقت كلماتها دفعة واحدة وانصرفت من أمامه تاركة إياه يشتعل من الغيرة والغضب معا.
❈-❈-❈
تجلس برفقة غزل والفتاتان يتحدثون تارة ويلعبون تارة أخرى حتى هتفت بجدية: إيه يا رغد بقالك كام يوم كده ما بتجييش هو انت حاجة حصلت معاكي يا بنتي ولا إيه؟
هزت رأسها نفيا وغمغمت بنعومة: لا حبيبتي أنا بس كنت مريضة شوي.
ضربت غزل صـ درها بيدها هاتفة بلهفة: تعبانه ليه مالك يا بنتي تحبي اخدك للدكتور ولا حاجة؟
أجابتها باختصار: لا أنا صرت منيحة كنت مزكومة شوي وخلص.
تنهدت غزل بارتياح ثم نظرت إلى هاتفها بنفاذ صبر: اتأخر كده ليه ده قال لي إنه هيروح يبص على والدته وييجي بقاله أكتر من تلت ساعات.
ابتسمت رغد فهي قد أتت إلى هنا كي تستشف ملامح وجهه عندما يراها برفقة زوجته بعدما حدث بينهما ما حدث
وما هي إلا دقائق معدودة حتى ولجا من باب المنزل بعد أن فتحه بمفتاحه الخاص وفعلا صدق حدث رغد فعندما أبصرها أمامه تجمد الدم في عروقه وشحب وجهه شحوبا يحاكي شحوب الموتى كما أن الكلمات تجمدت على شفتيه.
فاستمع إلى صوت زوجته تقول: إيه يا رامي واقف عندك كده ليه تعالى سلم على رغد.
أومأ لها بخفة ثم دنا منهما بخطوات بطيئة فاستقبلته رغد بابتسامة ماكرة
تجاهلها هو وانحنى على عقبيه يقبل طفلتاه على حدى ثم استقام واقفا هاتفا باعتذار: سامحوني أنا داخل أغير هدومي.
شعرت غزل بالإحراج الشديد من جارتها وعزمت على توبيخ زوجها عما اقترفه في حق تلك المسكينة فغمغمت اعتذار: رغد حبيبتي ما تزعليش منه ممكن يكون في حاجة حصلت عند أهله ولا حاجة.
أومأت الأخرى بخفة وهبت واقفة تهتف بزعل مصطنع: ولا يهمك حبيبتي يلا تصبحي على خير أنا راح روح لابيتي.
حاولت غزل إثنائها عن قرارها لكن الأخرى تشبثت برأيها وانسحبت بهدوء فهي قد أتت إلى هنا لغرض معين وحصلت عليه ألا وهو تهديدها الصريح لذلك المتعجرف والذي يبدو أنه التقطه على الفور.
❈-❈-❈
أغلقت الهاتف مع والدتها بعد أن قصت عليها ما حدث بينها وبين المدعو حسام أبو الدهب وبالطبع والدتها لم تفوت هذه الفرصة وشجعتها على قرارها والذي ساعد زينة كثيرا في اتخاذ قرارها فهي كانت مترددة نوعا ما لكن بعد حديثه الأخير معها وحديثها مع والدتها حسمت قرارها.
هبت واقفة ثم اتجهت إلى غرفته وهي تجر ساقيها جرا فتحت الباب وولجت فأبصرته كعادته متسطحا على ظهره ينظر في سقف الغرفة بشرود.
فنادته بصوت متردد: عمار.
أدارة وجهه إليها يسألها بهدوء نعم يا زينة؟
أطرقت رأسها أرضا.
فشعر هو بالحزن عليها وكاد أن يخبرها بأنه سيخضع للعلاج من أجلها ومن أجل طفليه
لكنه شعر بالصدمة وجفا حلقه وماتت كل خلية في جسده عندما استمع إلى صوتها الخالي من الحياة تقول: عمار هنداوي طلقني.
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية