-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 2 - 2

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني



من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب

الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق


رواية جديدة

تابع قراءة الفصل الثاني

❈-❈-❈


العودة للصفحة السابقة


فكرت بالذهاب لعمرو بالشركة ، وتجعله يفض أمر تلك الزيـ ـجة ، فهى لن تتركه يتخذ الأمر جديًا ، وتجد نفسها بالأخير خطيبة أو زو جة لذلك الشاب الأرعن ، فأندست بين طيات أغطية الفراش وهى عاقدة العزم على أن تذهب لرؤية عمرو بالقريب العاجل ، ولكن كأن كثرة تفكيرها بالأمر ، جعلت من العسير عليها أن تنام براحة ، فظلت تتقلب بفراشها ، وهى تنفخ وتزفر بحنق ، حتى أدركها النوم بعد عدة ساعات قضتها بأرق أصاب أعصابها بالإنهاك والإرهاق ، ولكن لم يخلو نومها من إستيقاظها بنوبات فزع ، كلما رآت تلك الأحلام وهى مقيدة ولا تجد سبيل للفكاك من قيودها ، حمدت الله على أن شقيقيها جعلاها تفيق من نومها ، بعدما كانت تشعر بزهق أنفاسها من ذلك الشئ الذى جثم على صدرها ومنعها أن تتنفس براحة أثناء نومها ، فضوء الشمس الذى ملأ الغرفة ، جعلها تدرك أن الصباح أنبلج منذ وقت طويل ، ومازالت هى تتصارع مع أفكارها وحيرتها وأحلامها المزعجة

❈-❈-❈

جالسة على المقعد بشرفة الغرفة ، منكمشة على ذاتها وتضم ركبتيها لصـ ـدرها ، تلف حولها وشاح من الصوف ، فمن يراها من مكان بعيد ، يظن أنها تمثال من الشمع لا حياة به ولا روح ، فلا شئ يتحرك بها سوى بؤبؤ عينيها ورفرفة أهدابها ، كلما ضربت وجهها نسمة هواء قادمة من بعيد ، فإلى أى مدى وصلت عيناها ؟ للبحر الذى إستطاعت رؤيته من مكانها ، والشمس كادت تغطس بين أمواجه وهى تهم بالرحيل ، تاركة مكانها لأن يأتى الليل يرافقه القمر ، ليصطحبها هى بليلة جديدة من ليالى الشجن والحنين ، أنتقلت ببصرها من مراقبة غروب الشمس ، إلى تلك المنضدة الصغيرة الموضوعة أمامها ، فضرب الهواء أطراف تلك الرسالة الورقية ، الموضوعة على المنضدة ، والتى تم تثبيت أحد أطرافها بالهاتف الملقى بجانبها ، ولكن مع هبوب تلك الرياح الخفيفة ، إستطاعت إقتلاع طرف الرسالة من أسفل الهاتف ، فطارت حتى سقطت من المنضدة ، وإستقرت بجوار الباب الزجاجى للشرفة ، فزفرت حياء زفرة حارة ، وأسرعت بمسح تلك الدمعة التى إنسكبت من عينيها ، ولكن قبل أن تنخرط ببكاءها ، سمعت صوت طرق على باب الغرفة 


فردت قائلة بغصة مريرة:

- أدخل 


ظنت أن القادم سوزانا أو غزل ، ولكن تلك التى ولجت الغرفة ، لم تكن سوى بيرى إبنة عمها ، والتى ما أن رآتها حياء ، حتى نهضت وتركت مكانها ، فأسرعت كل منهما نحو الأخرى ، فأرتمت حياء بين ذراعيها وهى تبكى بقهر ، فراحت بيرى تربت عليها لعلها تهدأ وتخبرها بما حدث ؟ فتلك الرسالة النصية التى أرسلتها لها عبر الهاتف من ضرورة مجيئها ، جعل الخوف يسكنها 


أبعدتها بيرى عنها قليلاً وقالت وهى تتفرس بوجهها :

- حياء فى إيه ؟ أنتى قلقتينى عليكى بالرسالة اللى بعتهالى 


ردت حياء قائلة بنهنهة وصوت متحشرج من أثر بكاءها:

- راسل أخد سجود ومامته وساب البلد كلها يا بيرى ، سابنى ومشى ومش عارفة عمل ليه كده ، أنا هتجنن من ساعة ما عرفت 


وضعت يديها على فمها لتكتم تلك الشهقات ، التى سيبدأ صوتها يعلو رويداً رويداً ، وكأنها ستظل تبكى لما تبقى من عمرها ، فمنذ ذلك اليوم الذى تلقت به خبر موت عرفان ومديحة ،وهى باتت الدموع حليفتها ، فما إستطاعت إقتناصه من الزمن وتمثل بأوقات عشقها لزو جها ، لم يخلو الأمر من العثرات وحدوث خلافات بينهما تارة تهجره وتارة يهجرها ، وكأنهما لن يلتقيان بطريق واحد ويستمر الأمر على النحو الذى يريدانه ، بل دائمًا سيكون بينهما حالة من الشد والجذب ، التى لن تنتهى إلا بموت أحدهما


أخذت بيرى وقتاً كافياً لتعى مدلول قول حياء ، فما رآته من راسل أثناء إقامته بمنزل أبيها وما قصته عليها حياء ، يجعلها تجزم أنه يعشقها حد النخاع ، فرمشت بعينيها وتساءلت بشئ من البلاهة :

- سافر إزاى يعنى ، أنا مش فاهمة حاجة


لم تكن حياء بوضع يخولها أن تجادلها بشأن ما أعتراها من ذهول ، فأخذت الرسالة الورقية ووضعتها بيدها ، لعلها عندما تقرأها ستعى مدلول حديثها معها ، فقالت بصوت خافت :

- أقرى الرسالة دى جايز تفهمى 


وضعت بيرى الرسالة الورقية نصب عينيها وبدأت تطوف بين سطورها ، فما أن ختمت قراءة الرسالة ، ازاحتها من أمام وجهها ونظرت لحياء وهى تقول بذهول وعفوية:

- معقول جو زك طفش من البلد بحالها 


لو كانت حياء بوقت أخر ، وسمعت تلك العبارة منها ، لربما ضحكت بصوت صاخب ، ولكن لم يكن الوضع يسمح لها بأن تفعل ذلك ، حتى وإن كانت إبنة عمها قالت عبارتها بعفوية وتلقائية 


أنتبهت بيرى على ما أعترى وجه حياء من وجوم ، فمسدت على ذراعيها وهى تقول بندم :

- أنا بجد أسفة يا حياء مش قصدى حاجة ، الكلام طلع منى من غير ما أقصد ، بس هو ليه عمل كده معقول يكون عرف حاجة عن بابا أو ديفيد


تجعد جبين حياء ، بعدما أصابتها الدهشة من تخمين بيرى لرحيل راسل ، وبدت تلك الخطوط التى تكونت على جبهتها دليلاً واضحاً على أنها تفكر بجدية بما قالته 


فردت حياء بنبرة مفعمة بالحيرة والخوف :

- تفتكرى دى يكون السبب ، بس ليه مواجهنيش وقالى أنه عرف حاجة بخصوص باباكى أو ديفيد ، دا حتى أخر ليلة لينا مع بعض ، كان راسل كويس أوى معايا ، بمعنى أصح كانت ليلة ولا ألف ليلة وليلة ، وصحيت أكتشفت المصيبة ، يعنى كان بيودعنى وأنا مش عارفة ، وأفتكرت أنه كان مشتاقلى علشان كده كان بيتصرف برومانسية ، لأن من ساعة ما رجعنا من بيت باباكى وهو كان متغير ولما كنت أسأله كان بيقولى مفيش حاجة وأفتكرت أخر ليلة دى أعتذار منه ، طلع أنه كان عايز يأخد ذكرى معاه لما يسبنى 


رفعت وجهها لبيرى وأستأنفت حديثها بمرارة :

- هو أنا هفضل طول عمرى فى العذاب ده ، ومش مكتوبلى أفرح ، مرة أنا أسيبه ودلوقتى هو يسيبنى ، وده كله هيبقى برضه بسببهم ، أمتى بقى أخلص من الكابوس ده أمتى أمتى 


جثت حياء على ركبتيها وهى تصرخ بشق عبارتها الأخير ، وأنحنت بجزعها العلوى ، حتى كادت رأسها تلمس الأرض ، فأشفقت بيرى على حالها وجلست بجوارها وأخذتها بين ذراعيها فراحت تربت على ظهرها تارة وتمسد على ذراعها تارة أخرى ، لعلها تهدأ قليلاً ، ولكن كأن عدوى البكاء أنتقلت إليها ، فأنخرطت بالبكاء هى الأخرى ، عندما جال بخاطرها صورة معشوقها الغائب 


فقالت بحنان وهى تمسح دموعها:

- إهدى يا حياء ، أكيد باباه هيدور عليه ويعرف مكانه وساعتها أبقى روحيله وفهميه كل حاجة ، وهو أكيد بيحبك فهيسمعلك ويفهم كلامك ، دا على فرض أنه عرف حاجة بخصوص شغل بابا أو أن ديفيد هو اللى عذبه لما كان فى السجن فى إيطاليا ، وأنتى قولتيلى أن سيرة الموضوع ده بتعصبه ومبتخليهوش يعرف يفكر ، يعنى ممكن يكون عمل كده فى لحظة غضب وتهور ، ولما يهدى هيفهم إنك ملكيش ذنب فى حياة أهلك ، اللى أنتى أساساً لسه عرفاهم من وقت قريب 


إجتاح حياء شعور بالراحة والأمل من حديث بيرى ، فربما هى محقة بكل ما تفوهت به ، إبتعدت برأسها قليلاً ونظرت إليها قائلة بأمل يحدوها بجلاء سوء الفهم بينها وبين زو جها :

- بجد ممكن ده يحصل يا بيرى ، ممكن نعرف هو سافر فين ، وساعتها يعرف ويفهم أن أنا بحبه وكنت خايفة عليه ، وأن أنا مليش ذنب فى حاجة 


خشيت بيرى أن تهدم أمالها ، خاصة وهى تتحدث بتلك النبرة المفعمة بالأمل كطفلة ستحصل على أمنية راودتها طويلاً ، فإبتسمت بوجهها وحركت رأسها بالإيجاب وهى تقول بهدوء :

- أيوة يا حبيبتى ، أبو جو زك راجل واصل وله نفوذ يعنى ممكن يلاقيه بسهولة جدا ، المهم دلوقتى قومى إغسلى وشك وغيرى هدومك وتعالى ننزل نقعد فى الجنينة تحت شوية قبل ما أروح ، غيرى جو الأوضة الخنيق ده واللى ريحته زى ريحة المستشفى 


إبتسمت بيرى بأخر عبارتها لتضفى قليلاً من المرح على جلستهما الكئيبة ، فأمتثلت حياء لأمرها وأخذت ثياب نظيفة وولجت للمرحاض ، بينما ذهبت بيرى للشرفة وأسندت كفيها على السور وظلت تنظر لتلك المناظر الطبيعية الخلابة المتمثلة بالحديقة ورؤيتها للبحر ، فما أشبه الليلة بالبارحة ، عندما أصابتها تلك الحالة الصحية السيئة بعد رؤيتها لعبد الرحمن ومجئ حياء لمواساتها ، واليوم هى هنا من أجل مواساة حياء ، فكأن كل الأدوار تنعكس بصورة أو بأخرى ، وكأن الجميع يدور بدائرة مفرغة لا يعلمون أين بدايتها ولا كيف سيخرجون منها ؟


بعد خروج حياء من المرحاض تأهبت للخروج من الغرفة برفقة بيرى ، فتأبطت ذراعها وخرجتا من غرفتها ، هبطا الدرج بتأنى حتى وصلا للحديقة ، فأنضم إليهما سوزانا وغزل ، وظللن يتحدثن وقتاً طويلاً ، حتى أعلنت بيرى عن ضرورة عودتها للمنزل ، فودعتها حياء حتى أخذت سيارتها وخرجت من قصر النعمانى 


 أرادت حياء رؤية والد زو جها قبل عودتها لغرفتها ، فدلفت للداخل حتى وصلت لغرفة المعيشة الكبيرة ولكن قبل أن تلج الغرفة سمعت الحديث الدائر بين رياض وعاصم ، وما أن سمعت إسم راسل زو جها تسمرت قدميها وتوقفت عن التقدم لباب الغرفة


فسمعت صوت رياض وهو يصيح بغضب :

- يعنى إيه يا عاصم مش موجود فى لندن ، مش قولت أن تذاكر الطيران أتحجزت من هنا على لندن ، طب راسل راح فين 


رد عاصم قائلاً بإرهاق :

- والله يا عمى أنا عملت كل جهدى فى أن ألاقيه ، بس اللى لقيته أنه سافر على لندن ، وطبعاً كل حبايبنا اللى فى السفارة هناك كلمتهم علشان يعرفوا هو مقيم فين بالظبط ، قالولى أنه مقعدش فى لندن غير كام ساعة بس وبعدين أختفى حتى مش لاقين ليه أى حجوزات لفنادق أو حتى تذاكر طيران لبلد تانية ، أنا أصلاً مش عارف خرج من لندن راح فين وإزاى ، شكله واخد كل إحتياطاته زى ما قال علشان محدش يعرف يوصله ولا يرجع هنا تانى ، بس متقلقش يا عمى إن شاء الله هنلاقيه قريب بس عايزك ترتاح ومتجهدش نفسك ، وأنا هعمل كل جهدى وهلاقيه بإذن الله 


دب رياض الأرض بعصاه وقال بحنق من أفعال ولده :

- أنت لازم تجبهولى من تحت الأرض يا عاصم وبأى شكل ، حتى لو دورت عليه فى مشارق الأرض ومغاربها ، أنا عايزه يرجع هو وبنته ، أنا عارف أبو دماغ ناشفة ده مش هيسكت إلا لما يقضى عليا ويموتنى بس مش هكون المرة دى لوحدى ، دا كمان هيموت مراته من قهرتها عليهم ، هو فعلاً غلطة عمرى اللى عمرها ما هتتصلح أبدًا


أرتمى رياض على الأريكة ، يشعر بتخاذل قدميه عن حمل جـ ـسده ، بعدما أكتسحها ذلك الشعور بالضعف ، الناتج عن إشتياقه لولده وحفيدته الصغيرة ، التى لم تسنح له الظروف إلا بقضاء وقت قليل برفقتها 


فما أن أنتهى حديث رياض وعاصم ، ركضت حياء من أمام غرفة المعيشة وصعدت الدرج ، متفادية سقوطها الذى بدا حتميًا ، لتجمع العبرات بمقلتيها ، ورؤيتها المشوشة لكل شئ يقابلها ، فما أن وصلت للغرفة ، أسرعت بفتح الباب وولجت للداخل ، فهو أبر بوعده ورحل عنها ، وجعل والده يفشل بإيجاده ، ولكن هل بإمكانه أن يحيا بدونها ؟ ألن يشعر بوخز قلبه له من إشتياقه لها ويجعله يعود إليها ، فهى كانت مجبرة ومكرهة على تركها له بالمرة الأولى ، ولكن هو لم يجبره أحد على الرحيل ، بل أتخذ ذلك القرار بملأ إرادته الحرة ، فوقفت أمام المرآة لعلها تجد إجابة لتلك الأسئلة التى تكثفت بعقلها ، وما أن رآت وجهها الشاحب بالمرآة ، قذفت زجاجها بقنينة عطره دون أن تدرى ، فتهشم زجاج المرآة وتحطمت قنينة العطر ، وفاح أريجها بالغرفة ، تنبأها بأنها أيامها القادمة ستكون أيامها العجاف ، والتى لن يزهر بها ربيعها وتغاث روحها التى سيعتصرها الشوق ، إلا بعودة صاحب العطر

❈-❈-❈

بعد مرور ثلاثة أيام 


أنتهى راسل من رى الأشجار والزهور بحديقة المنزل الصغيرة ، فإلتفت برأسه للخلف وجد صغيرته تركض خلف هرة صغيرة إبتاعها لها تشبه تلك الهرة التى كانت تملكها بقصر النعمانى ، لعلها تلهيها عن سؤالها المتكرر عن حياء ، وربما أفادته حيلته قليلاً ، ولكن ليس لمعظم الوقت ، فما أن تأوى سجود لفراشها تظل تسأل عن والدتها ، ومتى ستأتى لتقص عليها حكايات قبل النوم ، ليستمر هو فى إخبارها بتلك الكذبة ، التى كان دائماً ما يخبرها بها ، حتى قبل رؤيته لزو جته حياء ، وهى أن والدتها سافرت من أجل أمر هام وستعود بالقريب العاجل 


- سيجو تعالى هنا متخرجيش برا


قالها راسل وهو يرى إبنته تكاد تقترب من الباب الخارجى من المنزل ، فترك ما بيده وأقترب منها ليلهو معها ، ركض خلفها فظلت تصيح هى بسعادة خشية أن يمسك بها ، وبذلك تخسر اللعبة ، ولكن أثار إنتباهه ظل شخص يقف قريباً من السياج المعدنى للحديقة ، ويبدو أنه ينظر لهما بتمعن وتركيز ، ولكن لم يستبين راسل ملامح وجهه ، فهو ملثماً ، ويغطى رأسه بغطاء تلك الكنزة التى يرتديها 


فأقترب راسل من السياج وهو يقول بإهتمام :

- من أنت ؟ ولماذا تقف هنا؟ ماذا تريد ؟



ما أن إستمع ذلك المجهول لصوت راسل ، ورآى إقترابه من السياج ، فر هارباً على الفور قبل أن يصل إليه ، فتعجب راسل من فعلته ، ولكن شب القلق بداخله ، فهل من الممكن أن يكون هذا الملثم له صلة بوالده ؟ على الفور أقترب من صغيرته وحملها بين ذراعيه وولج للداخل ، فتعجبت وفاء من ملامح وجهه التى شابها الإصفرار ، كأنه رآى شبحًا 


حدقت به وفاء وتساءلت بلهفة :

- مالك يا راسل فى إيه وشك مصفر ليه كده


وضع راسل سجود أرضاً ، ونظر لوفاء وقال بشعور مبهم :

- مش عارف يا ماما شوفت حد واقف جمب سور الجنينة ولما قربت منه خاف وجرى ، تفتكرى يكون من طرف رياض النعمانى وعرفوا إحنا فين ، لو كده لازم نمشى من هنا 


زفرت وفاء زفرات حارة وردت قائلة بهدوء :

- هو إحنا هنقضى حياتنا هروب ، وأنت بتهرب من إيه أصلاً ، بتهرب من حبك وقدرك ، ولا بتهرب من إيه قولى ، هو أنت فاكر أن الهروب حل ، دا هيعقد الأمور أكتر ويخلى سوء التفاهم بينك وبين مراتك يزيد وأنت مش عايز تقولى وتفهمنى إيه اللى حصل بينكم 


ما أن تبدأ وفاء بإلحاحها لمعرفة ما حدث جعله يأخذ قراره بالرحيل ، تكسو ملامح وجهه الضيق والوحشية ، ففضل أن يصمت حتى لا يتسبب بحزنها ، إذا خرج صوته حاداً أو غليظًا ، أو أن يسئ إليها بنوبة غصبه وهو لا يعى ما يفعل أو يقول ، فتركها وصعد لغرفته ، وقضى يومه بها يعبث بهاتفه تارة ، ويقرأ و يدلل صغيرته تارة أخرى ، فلم تفارقه سجود إلا بعدما أدركها النعاس ووضعها بفراشها 


 فعندما سأم من محاولاته الفاشلة واليائسة فى جلب النوم لعينيه ، ترك الفراش ووقف أمام النافذة وأزاح ستائرها ، فالليل قد إنتصف منذ ما يقرب من الساعتين ،ومازال هو مسهدًا ولم يغفو كإبنته ووفاء ، ولكنه لم يتعجب من حاله ، فهو منذ مجيئه لهنا وهو لم يحسن أن ينام بهدوء ، وكلما أغمض عينيه يمر طيف حياء بخياله وأحلامه 


تنهد بعمق وهو يغمض عينيه متذكرًا أوقاتهما الحالمة معاً ، فخدش زجاج النافذة بأظافره بغيظ ، من كون تلك الذكريات لا تتركه وشأنه ، بل تصيب قلبه باللوعة والإشتياق ، فأن تكون بين يديه كالحلم الجميل ، ويستيقظ على كابوس أخر من تلك الكوابيس ، التى حفلت حياته بهم ، فذلك أدعى لأن يشعر بالسخط على قلبه ونفسه الملتاعة والمشتاقة إليها ، ولكن كل هذا النقم والسخط على أفكاره ، لم يمنعانه من مناداة إسمها بهمس مراراً وتكراراً ، كأنه تعويذة سحرية وما أن يظل يردد الإسم ، سيجدها أمامه 


- حياء حياء حياء


ولكن إنتشله من تفكيره ، رؤيته لشبح يتحرك بحديقة المنزل الصغيرة ، يتجه صوب ذلك الجانب المطل على المطبخ بالطابق الأرضي ، ففتح عيناه وهو يقول بدهشة :

- إيه ده ، دا حرامى ده ولا إيه 


على الفور ترك مكانه ، وبحث عن سلاحه النارى الخاص ، وما أن وجده ، خرج من غرفته بحرص وحذر ، يخشى أن يكون المتسلل للمنزل لصاً محترفاً وتتأذى صغيرته أو خالته ، لم ينتعل بقدميه حذاءًا ، حتى لا يصدر صوتاً وهو يهبط الدرج بخفة ، رافعاً سلاحه النارى بوضع الإستعداد لإطلاق الرصاص ، وصل للطابق الأرضى ، وجد ذلك المتسلل بالمطبخ المفتوح على الصالة ، ففى ضوء الإنارة الخافتة إستطاع رؤية ذلك اللص وهو يرتدى كنزة سوداء بغطاء للرأس يخفى رأسه ووجهه


ضغط راسل على زر المصباح الكهربائي الخاص بالمطبخ ، فأنتشر الضوء ورفع سلاحه قائلاً بتهديد :

- فقط قف مكانك ولا تتحرك ، خطوة أخرى وسأطلق عليك النار


رفع ذلك اللص يديه بإستسلام وهو مازال يولى راسل ظهره ، فعاد راسل مكملاً لحديثه:

- تعال ، استدر وأرني وجهك


ظل اللص مكانه ولم يمتثل لأمره ، فأقترب راسل منه أكثر ، وما كاد يضع يـ ـده على كتفه ، لكمه ذلك اللص بمرفقه فى منتصف بطنه وحاول الفرار ، فتأوه راسل بخفوت ، إلا أنه إستطاع أن يعرقل حركته ، بأن جذب راسل بقدمه ذلك المقعد البلاستيكى الصغير ، وألقاه على ظهر ذلك اللص ، فأختل توازنه وسقط أرضاً ، فأنحنى إليه راسل وهو يرغب بنزع غطاء رأسه ، ليعلم من يكون هذا المتسلل ، والذى يجزم أنه هو بذاته من رآه صباح اليوم يتلصص عليه هو وإبنته ، ولكن قبل أن يضع يـ ـده عليه ، كان ذلك الشخص واقفاً محاولاً الفرار ، فجذب راسل ذراعه قبل أن يبتعد ، فركله ذلك الملثم بساقه ، ولكن لم تكن الركلة بالقوة التى تجعل راسل يتركه 


فإهتاج راسل أكثر من تصميم ذلك الملثم على الفرار منه فصرخ به :

- لن أتركك ما لم أعرف من أنت ؟ وماذا تريد مني ؟


ظل الشد والجذب بينهما قائماً ، وإستطاع ذلك الملثم تمزيق الجزء العلوى من ثياب راسل ، بينما سدد له راسل عدة لكمات بوجهه ، فتمنى ألا تفزع صغيرته ووفاء مما يحدث ، فالعراك بينهما أسفر عن تحطيم وتكسير بعض الأوانى بالمطبخ القريب من الصالة ، التى لم تخلو من الفوضى 


بالأخير إستطاع راسل إحكام ذراعه حول عنقه ، حتى كاد يخنقه ، ولكن رفع ذلك الملثم يـ ـديه دليلاً على إستسلامه للأمر ، وأن يتركه قبل أن يختنق ، ولكن راسل لم يكن يأمن جانبه ، لذلك عمل على طرحه أرضاً ، ولكن قبل أن يجثم على صـ ـدره ، ليكبل حركته ، طاح غطاء الرأس واللثام عن وجهه ، فبتلك اللحظة سرت رجفة قوية بأوصال راسل ، وتجمدت أطرافه تزامناً مع جحوظ عينيه وهو يرى تلك التى تنظر إليه من مكانها وهى تأخذ أنفاسها بوتيرة سريعة والدماء تسيل من أحد جانبى فمها ، فهو بإمكانه رؤية أثار يـ ـديه التى تركها على وجهها ، وليس هذا فقط فهو كان على وشك تحطيم عظام فكها أيضاً 


وضع راسل يده بالقرب من فمه ، معربًا عن دهشته بعد رؤيتها. فنظر إليها وقال بدهشة ممزوجة بصدمته:

– أنتِ



 يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة