رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 14
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الرابع عشر
صامتة، هادئة، بتفكير عميق ومشتت، تنظر حولها في جمبع الانحاء إلا عنه، فعيناه المصوبة نحوها تزيد من قلقها وتوترها، لا تدري بما تجيب عن طلبه المباغت لها.
- ها يا نهال، جولتي إيه؟
قالها للمرة الثانية او الثالثة لا يتذكر، فهو يتحرق لسماع إجابة منها تريح قلبه المعذب، يعلم أنه متسرع في طلبه منها، وربما هذا ما يجعلها بهذه الحيرة أمامه، ولكن هل كان بيده حيلة غير ذلك، يريدها، يريدها بحق، وهي حقه، ابنة عمه وهو الأولى بها، ولكن تكون لأحد غيره، إذن لماذا التأخير او حتى التفكير ؟
- وبعدين يا نهال، كل ده تفكير؟
قالها لترفع رأسها إليه، قائلة بانفعال:
- أمال عايزني اعمل إيه يعني، إنت خضيتني بطلبك المفاجيء ده، وانا بصراحة مش عارفة ارد واجولك إيه؟
- جولي اه
قالها اَمرًا بإلحاح جعلها تزم شفتيها عن ابتسامة ملحة، ولم تدري بما ترد، فهذا التعجل يربكها كما يربكها هو ايضًا بإلحاحه:
- رجعنا تانى للسكوت .
قالها ليزيد عليها، فهتفت به سائلة:
- أنت مش جولت هستناكى تقررى بنفسك؟ إيه لازمة الاستعجال بجى في طلبك؟ لا وعايز كمان دلوقتي حالا ارد عليك؟
أجاب ببساطة يُزهلها:
- كنت عيل يا ستي، ودلوك مش جادر اصبر تانى . ريحينى بجى يا بت عمى.
ضحكت بدون صوت، وقد تبين لها الاَن أن ابن عمها الطبيب الكبير، ما هو إلا طفل في هيئة رجل كبير، إذا أراد شيئًا بشدة نسى مركزه وهيبته في الإلحاح برجاء وربما انفعال من اجل تحقيق رغبته، وكم أسعدها ذلك أن تكون هي رغبته.
زام بصوت نزق بجوارها، يقول:
- يا بت الناس ريحيني بجى، إنت أساسًا ملكيش سكة ولا أي فرصة مع حد غيري، عشان تبجى عارفة.
قال الاَخيرة بوجه مشتد بدا عليه التصميم بعنف، تبتسم دون اردتها، حتى اطرقت برأسها تقول باستسلام:
- تمام خلاص.
ردد خلفها لعصبية :
- خلاص إيه بالظبط؟ وضحي
زفرت بضيق حقيقي، فهي بالكاد استطاعت أن تتفوه ل
بها، لماذا يصعب عليها هذا الأمر؟
- امممم
زام بها بصوته بجوارها، لترفع رأسها إليها قائلة بغيظ:
- ما خلاص يا عم جولت موافجة، فاضل إيه تاني؟
سمع منها وتبسم بعرض وجهه حتى ظهرت اسنانه، يردد بفرحة وعدم تصديق:
- إيه؟ سمعينى تانى كده ليكون سمعت غلط، سمعيني.
- لاه مش جايلة.
قالتها بتمرد وغيظ انساها خجلها، لتجعل السعادة تتراقص بقلبه، ليجلجل بضحكات عالية ساهمت في ازدياد اشتعالها، ف انتفضت بعدم احتمال مرددة:
- طب ماشى خليك اضحك انت هنا وانا جايمة.
تماسك ليوقفها فجأة بأن جذبها من كفها ليعيدها للجلوس مرة أخرى قائلًا:
- إستنى هنا رايحة فين؟ هو انتى زعلتى؟
عبست بوجهها تجيبه:
- لا مزعلتش بس انا هموت واشوف المهر الجديد.
شاكسها مدحت يقول:
- يعني مش مكسوفة وعايزة تهربي مني يا نهال؟
هنا قد فاض بها لتهتف بعصبية وهي تنهض منتفضة:
- يا بوى، انا مكنتش اعرف انك غلس كدة.
جلجل بضحكاته مرة أخرى وهو يتبعها:
- طب استني يا مجنونة، دا مش،طريق البيت .
- انا مش رايحة بيت جدي، انا رايحة اشوف المهر.
قالتها وهي تسرع بخطواتها أمامه، ولكنها تفاجأت به يتصدر أمامها فجأة يوقفها قائلًا:
- طب حاجة اخيرة عايز اعرفها منك، وبعدها هروح معاكي نشوف المهر الجديد . بس استنى هنا.
ناظرته بتساؤل صامتة فتابع لها:
- إنتى عرفتى منين حكاية جدك و الست رضوانة دي مراته الجديمة؟
اومأت برأسها وهي تتحرح بقدميها من جوارها تقول:
- هجولك، بس واحنا ماشين؟
وافق ليسير بجوارها يرافقها في طريقهم إلى الاسطبل:
وقالت هي:
- الموضوع ده انا عرفته بالصدفة، ومن غير ما حد يقولي كمان.
- ازاى يعنى مش فاهم؟
سألها بتفسير لتجيبه:
- يعنى كدة فى مرة كان جدى عندنا ونسى محفظته، لجيتها انا ع الكنبة بعد ما مشي، الطبيعي طبعًا كنت هنده على امي او ابويا اديها لحد فيهم، بس انا بجى خدتني الحماسى وقررت اجري وراه واحصله بيها، بس اللي حصل بجى هي انها وجعت مني على عتبة البيت بعد ما طلعت واتفتحت جدامي، فظهرت فيها صورة قديمه لواحده ست فيها، انا استغربت انى معرفتهاش، والفضول خلاني ارجع بيها لابويا واخليه يشوفها وهو طبعًا عرفها وجال على صفتها، ساعتها بجى أنا فهمتها لوحدى وبجيت الاعب جدى بعد ما شوفتها على الحجيجة وعرفتها .. ما هو مش معجولة يعني واحد هيحتفظ بصورة طليجته العمر دا كله الا اذا كان بيحبها؟
تبسم مدحت باستغراب يسألها:
- معقول! دي تعتبر غريبة عنه بعد ما طلجها، بس إنه يحتفظ بصورتها...... هو لدرجادى يعنى جدى كان بيحبها؟
قالت نهال وهي تتنهد بابتسامة متوسعة:
- يوووه امال لما تشوف لهفته على اى خبر عنها دا بيبجى زى العيل الصغير .
قطب جبينه وضاقت عينيه بتفكير سريع ليقول بتأثر:
- بس دا كده معانه انه اتعذب ببعاده عنها يا نهال، انتي مش واخدة بالك منها دي؟
ذهبت عن ملامحها العبث لتقول بجدية:
- تصدج اول مرة اخد بالى منها فعلا، انا دايما باخدها هزار مع جدى .
تابع سيره مدحت وخرجت منه تنهيدة طويلة يقول:
- عشان صغيرة ولسه مجربتيش.
- مجربتش!.... يمكن !
قالتها لتكمل طريقها معه، والعبارة تتكرر برأسها دون توقف.
❈-❈-❈
استنى اجف يا بني آدم انت، جطعت نفسي
هتف بها رائف حينما تمكن اَخيرًا من اللحاق بحربي الذي كان يعدو بخطوات سريعة غاضبة تماثل الركض، وتصدر له يوقفه:
- ما توجف بجى، خبر ايه؟ هو انت جطر؟
زمجر الاَخر بأعين يعميها الغضب صائحًا:
- نعم يا سي رائف؟ عايز ايه انت كمان؟ وبتوجفني ولا تحصلني ليه من أساسه؟
اشار له الاَخير يحدثه بمهادنة
طب براحة شوية وفهمني، انتي إيه اللي مزعلك؟
- يعنى انت مش عارف زعلان ليه؟ ولا بتستعبط وفاكرني مش فاهم؟
قالها بعنف جعل رائف يرتد بأقدامه للخلف قليلًا قبل أن يعود لمخاطبته بهدوء:
- ماشى انا فهمتك يا سيدي، بس متزعلش مني يعنى هى الدنيا وجفت على بدور؟
تكتف الاخر ليواجهه بقوله:
- لا هى ما وجفتش على بدور يا واد عمي، هى بس وجفت عند انا .
- تجصد ايه؟ انا مش فاهم.
سأله رائف باستفسار، تلقفه الاخر يهتف به:
- يا راجل، طب روح حصل اخوك جبل ما يكتب كتابه على بت عمه التانية، ما هو كل واحد فيهم حجزلوا واحدة.
صمت برهبة ليتابع بانفعال إكبر:
- يعنى هو خلاص، اخوك الدكتور كان جاعد مستنى نهال تكبر عشان يفتكر الجواز؟
على الرغم من عدم تقبل رائف لهذا الأمر، ولكنه لم يقوى على كبت اعتراضه:
- بصراحة بجى انا مش فاهمك يا حربي، هو انت عايز الاختين يعني؟ إن مكانتش نهال تبجى بدور او العكس، دا كدة يبجى انت عايز واحدة حلوة وخلاص من بنات نعمات.
سمع منه الأخر واحتدت عينيه بنظرة مشتعلة يردد:
- جصدك انى معنديش شخصية يا رائف، انت كد كلامك ده؟
تراجع الاَخير تقديرًا لغضب ابن عمه ومكانته الخاصة في قلبه، فقال يخاطبه بلهجة لينة بنصح:
- انا مش جصدى اهينك خالص على فكرة، انا بس عايزك تبص حواليك .الدنيا مليانة بنته حلوة يا واد عمي، يعني ما وجفتش على بنات نعمات يعنى، دا غير انك مكبر الموضوع ومفيش حاجة تمت من اللى فى مخك اساساً يا حربى .
بشبه ابتسامة لم تصل لعينيه قال حربي ساخرًا:
- لا يا رائف، انا مش مكبر الموضوع وانت عارف و شايف نظراتهم لبعض، بس يمكن مش فاهم او لسة مخدتش بالك، بس انا مش هستنى حد تانى.
سأله رائف:
- يعنى هتعمل ايه؟
- هتعرف بعدين يا عم رائف، ما هو مفيش حاجة بتسخبى..... سلام بجى .
قالها وتحرك على الفور تاركًا رائف متسمرًا محله، لمتابعة انصرافه متمتمًا من خلفه:
- وعليكم السلام.
❈-❈-❈
وعودة إلى الاسطبل.
وقد توقفت نهال أمام المهر الصغير تلامسه بفرحة شديدة ومدحت بجوارها يشاركها ما تشعر به ولكن من جهة أخرى حيث كان مع عاصم الذي كان قص عليه ما حدث منذ قليل وما تفوه به حربي من كلمات في حقه وحق نهال، وقال يسأله:
- طب وهو راح فين دلوك؟
اجابه عاصم:
- طلع غضبان وراح وراه اخوك رائف عشان يحصله ويراضيه.
أومأ مدحت وطرف إبهامه يتلاعب على عظام فكه بتفكير، ليقول:
- خلاص مش مهم وسيبك منه، انا النهاردة هكلم ابويا وجدى وان شاء الله الجمعة الجاية بعد موافجة عمى تبجى الخطوبة .
ردد خلفه عاصم بإعجاب اختلط بذهوله:
- وه، النهاردة النهاردة! دا انت على كدة خدت موافجتها بجى.
ضحك الآخر يجيبه بثقة متفكهًا:
- والبركه فى حربى اللى جطع علينا المشهد .
ضحك عاصم يضرب كفًا بالاَخر يعقب:
- يعني هو كان صادج على كدة فى حكاية الفيلم، طب والله تستاهل ان اضربلك تعظيم سلام، ما شاء الله عليك ما بتضعيش وجت، مع اني دمي اتحرق وقت ما سمعت كلامه لما جال انه فيلم.
قال مدحت بغضب:
- فيلم فى عينه، انا لولا بس فرحان دلوك لا كنت طلعت عينه ع الكلام ده.
- ربنا يفرحك يا واد عمى .
قالها عاصم من القلب، لتصل مدحت الذي قال محفزًا له:
- شد حيلك انت كمان، انا شايف ان البت ميلالك .
تنهد عاصم بتمني يقول:
- يا ريت، دا انا عايز النهاردة جبل بكرة، بس للأسف خايف من جدى ليعجد الموضوع عشان حربى، والكلام الاولاني بتاع انها متاخدتش حد من العيلة .
تفكر مدحت ليقول مشجعًا:
- انا هكلم جدى وان شاء الله فرحتنا احنا الاتنين تبجى فى ليله واحدة.
رفع عاصم كفيه للسماء مرددًا:
- ياارب، يارب يسمع منك
❈-❈-❈
- عجبك المهر؟
قالها مدحت مخاطبًا نهال، بعد ان انهي وقفته مع عاصم، لترد هي بعشق، وكفيها تلامس الغرة الأمامية القصيرة للحصان الصغير، وعظام وجهه المنحوته بأبداع الخالق:
- عاجبني وبس! دا انا بموت فيهم .
سألها بفضول وكفه هو الاخر تلامس الظهر ليعرف قوته:
- بتحبي الصغيرين بس؟ ولا الأحصنة عمومًا؟
تدخلت بدور تجيب عن سؤاله:
- والكبيره كمان، وياما حاولت تركب وتجري بيهم، خصوصًا مع الفرسة الكبيرة.
اضافت نيرة على قولها:
- ايوه صح دى، ما وجفهاش عن المحاولات، غير الوجعة الكبيرة اللي اتكسرت فيها رجليها.
التف إليها مدحت سائلًا مرة أخرى:
- يعني بتحبي ركوب الخيل ونفسك تبجي خيالة كمان.
اجابته بابتسامة متوسعة تهز رأسها، فرد يجيبها بجرأة اجفلت الجميع:
- من عيوني الجوز حاضر، اتجوزك بس واعلمك ركوب الخيل على اصوله .
صعقت بمفاجأة جعلت عينيها تبرق بعدم تصديق، امام شهقات الفتاتين بدور ونيرة، أما عاصم فظل يضحك مذهولا بجرأة ابن عمه وسرعته في الإنجاز
❈-❈-❈
في اليوم التالي .
- نهال .. نهال .. اصحى يا بت .
هتفت بها بدور بنزق وهي توقظها في نومتها، حتى استفاقت الأخرى لتقول مفزوعة:
- اييه فى ايه ؟.... حد يصحى حد كدة يا زفتة انتي؟
القت بدور بالهاتف بجوار رأسها لتهتف بتذمر:
- واعملك ايه يعنى؟ وانتى ولا كأنك ميتة حتى، مش سامعه تليفونك ده اللى مش مبطل رن، لما صدعني.
استفاقت تعتدل بجزعها لتقول بضيق:ا
- فين الإتصال؟ انا مش سامعة رن ولا حاجة؟
صاحت بدور وهي تضبط في حجابها أمام المراَة:
- الرنه خلصت يا ختى، دا انا بجالى ساعة بصحى فيكى.
قطبت نهال وعبس وجهها مع اثر النعاس، لتفتح الهاتف وتنظر به، ف عقبت بدور :
- شوفي يا ختي وطمني جلبك على حبيب الجلب اللي مش صابر على ما تصحي ده.
تطلعت نهال في سجل المكالمات لترفع رأسها وتقول بذهول
- إيه ده؟ دا رن اكتر من ٧ مرات، ليه دا كله؟...
وقبل ان تكمل اهتز الهاتف بالاتصال مرة أخرى، فقالت مجفلة:
- يا لهوى دا بيرن تانى.
ضحكت بدور وهي تتناول حقيبتها المدرسية لتعلقها على كتفها قائلة:
- طب والنعمة انا عمري ما كنت أتصور إن واد عمى الدكتور بالجنان ده؟ ردى يا ختى ردى وخدي راحتك، أنا ماشية على مدرستي وسيبهالك خالص.
❈-❈-❈
انتظرت شقيقتها تخرج قبل ان تجيب اتصاله:
- الوو.. صباح الخير.
هتف إليها من الجهة الأخرى بانفعال:
- اخيرا رديتى يا نهال، وانا اللى بجالى ساعه برن عليكى .
ردت تمتص غضبه بهدوءها:
-طب جول صباح الخير الاول، دا انا يدوبك جايمة صاحية ع الرنة بتاعتك وبرد عليك اها.
لهجتها الرقيقة جعلته يتحول على الفور، ليقول متغزلًا؛
- صباح الهنا والجمال كله، يعني توك ماصاحيه يا قلبى؟ بجى هى دى مواعيد الدكاتره برضو؟
ردت تجيبه بابتسامة مشرقة، وقد أسعدها قوله:
- ما انا معنديس دراسة طيب اصحى بدرى ليه بس،
جاءها رده:
- ياما كان نفسى اجضى اليوم دا معاكى، بس اعمل إيه بجى فى العيادة والعيانين؟
- ربنا يعينك يارب.
قالتها بعفوية لم تحسب حساب ما خلفها بعد أن صاح الاَخر كالمجنون:
- اه يانا ياما، انتى كنتى فين انتي من زمان بكلامك الحلو ده بس جوليلي:
ضحكت بصوت مكتوم، لتجعله يتابع مخاطبًا لها:
- ما ترد يا جميل ساكته ليه بس؟
ضغطت بأسنانها على شفتــ يها تجيبه بخجل:
- ارد اجول ايه بس؟
عقب على قولها بمرح-
- حلاوتك كدة وانتى مكسوفة، على العموم انا كلمت جدى امباح وهو اللى هيتصرف فى موضوعنا.
ظلت على صمتها غير قادرة على مجارته في هذا الموضوع، ليردف نحوها بانفعال:
- يا بت مالك سكتى ليه تانى؟
ضحكت تقول:
- ما انا مش عارفه ارد عليك بإيه طيب؟
زفر بتفهم لحالتها وقد اصبح يحفظ كل تصرف يصدر منها، وقال:
- ماشى يا نهال خلى الكلام بعدين، المهم دلوك، اول ما توصلى النهارده رنى عليا، ياما كان نفسى اخدك معايا
رددت خلفه:
- تانى كان نفسك.
هتف بصوته يجفلها:
- ايوه يا ختى كان نفسى، ونفسي فى حاجات كتيرة كمان، عايزة حاجة تاني؟ إجفلي يا بت إجفلي.
قالها وأنهى المكالمة، لتظل هي لفترة من الوقت تتطلع في الهاتف باستغراب وتغمغم:
- هو كدة من الاول مجنون ولا انا اللى ماكنتش واخده بالى؟
❈-❈-❈
-موضوعنا! دا على كده حربى مكدبش في كلامه، ولا كان بيهذي.
سمعها مدحت ليلتف نحو شقيقه الذي كان يدلف للغرفة بخطوات بطيئة ونظرات غامضة عقب قوله واضعا كفيه في جيبي بنطاله البيتي، توقف عما يفعله في لملمة متعلقاته الشخصية في حقيبته، وناظره بريبة يسأله:
- نعم عايز ايه يا رائف؟
تقبض الاَخير ليرد عن سؤاله بسؤال:
- انت صح عايز تتجوز نهال؟
أجابه مدحت على الفور ليعرف ما به:
- اه عايز اتجوز نهال في عند حضرتك مانع يا باشا؟.
قال رائف:
- لا يا سيدى ما عنديش مانع، بس سؤال يعنى، هو انت فعلا بتحب نهال عشان تجري كدة بسرعة وعايز تتجوزها؟
تنهد ليرد بسأم وابتسامة صفراء:
- مع انى مستغرب سؤالك وشايف إنه ميخصكش، بس اه يا سيدى بحب نهال فى عندك سؤال تانى؟
- طب و مها؟ نسيتها ؟!
قالها رائف يجفل شقيقه الذي انتفخت أوداجه واشتدت ملامحه بالغضب ليقول:
- وايه اللى جاب سيرة مها دلوك؟ انت مالك اساسًا يا رائف بالكلام ده؟
ناظره الاَخر بتحدي يردد:
- اللى جاب سيرة مها، هو انى على حسب ما سمعت انها اطلجت وعشان كده الست الوالده لما اصرت عليك المره دى تتجوز وافجت ب بدور العيلة الصغيرة عشان ماتضعفش وترجع لها .
اكمل على قوله مدحت:
- ولما جدى رفض يجوزهالى دورت عالبديل اللى هى نهال، مش دى هي وجهة نظرك يا رائف.
صمت الاَخير باعين متهربة فتابع مدحت:
- وانا اجول ليه رائف مزودها معايا؟ وحاسس بتصرفاتك الغريبة، وانا ظني انها غلاسة منك في الهزار.
قالها ليهبط بجســ ده على الفراش من خلفه بصدمة وقال الاخر مصرًا على رأيه؟
- ايه بكدب يعني؟! مش هو دا اللى حاصل فعلًا؟
بأعين يملأها العتب، ردد خلفه باستنكار:
- ايه هو اللى حاصل؟ وانت اللى بتخمن من مخك وتنسج في خيالك تحليلات، وانت مالك اساساً؟
- نهال بت عمى وتعز عليا .
قالها رائف بحمائية زادت على استفزاز الاخر، ف انتفض يلملم سلسلة مفاتيحه وأشياءه، حتى لا يرتكب جريمة مع شقيقه الاحمق، وقال على عجالة قبل ان يتناول حقيبته وسترته:
- لما تيجى تشتكيلك منى تبجى تجف معاها ضدى واعمل ما بدالك ساعتها، ماشى يا عم رائف، سلام .
قالها وانصرف مغادرًا على الفور، ف دلفت خلفه راضية التي سمعت بحديثهم بالصدفة خارج الغرفة، مخاطبة ابنها بلوم:
- ليه كدا بس يا ولدى؟ تكسر فرحة اخوك وتفكره بالقديم ليه بس ؟
قال رائف :
- ياما انا خايف ليكون لسه بيحب البت دى
و نهال بت عمى تتأذى، انا محملش عليها بصراحة.
رددت خلفه باستهجان:
- تتأذى ليه بس يا ولدى؟ انت مش شايف اخوك بجى كيف من ساعة ما شافها؟ دا رجع مدحت بتاع زمان، اللى بيضحك ويهزر وياخد ويدي معانا في الحديت ، البلد اللي مكانش بيعتبها بالشهور، دلوك مش بيستنى حتى اسبوع عشان يجيها، دا انا الجاهلة عرفت انه بيحبها وانت يا متعلم معرفتش .
قالت الأخيرة بانفعال جعله الاَخر يضحك:
- لا ياما معرفتش، باينى انا اللى جاهل مش انتى.
توقف ليغير حديثه، بعد ان شعر بخطأه:
- لكن هى البت نيره فين؟ ما شيفهاش يعني من الصبح!
ردت راضية وهي ترتب في الفراش وتلملم الملابس التي تركها ابنها الطبيب قبل خروجه:
- بايته عند اختك زهرة، عشان كانت تعبانة امبارح .. ما انت عارف حملها عفش.
- طب وهى رايجة دلوك ياما؟
- الحمد لله يا ولدى، نيره طمنتنى الصبح عليها وجالتلى انا جاية الضهر .
قال رائف بتهكم:
- يعنى على كده هى غايبة النهاردة من مدرستها، هى بت خايبة اساسا، وانا عارف من الأول إن اَخرها الجواز ، هى و بدور بت عمها .
مصمصت راضية بشفــ تيها تقول بامتعاض:
- ما هي كل البنته مسيرها للجواز، مخالفين هما يعني؟ المهم بلاش انت تزعل اخوك مرة تاني يا ولدى وسيبه بجى يعيش حياته، دا بجالوا سنين ما شاف الفرح ولا حسه. كل حياته شغل وبس.
قالت الآخيرة بلهجة مشفقة اثرت بالاَخر ليرضيها بقوله:
- حاضر ياما، مش هزعلوا تاني.
❈-❈-❈
في طريقها نحو المدرسة والذي كانت تقطعه اليوم وحيدة بدون رفيقتها الدائمة، نيرة ابنة عمها وصديقتها، كانت بدور على مقربة من الشارع الرئيسي حينما تفاجأت بمن يتصدر أمامها قبل أن تصل إليه؟
- ايه ده؟ هو انت جنيت ولا خبت؟
هدرت بها نحو الاَخر بإجفال وغضب، لتفاجأ بابتسامة سمجة منه وهو يجيب بكل هدوء:
- مش بعاده يعنى تمشى لوحدك من غير المحروسه بت عمك ؟
برقت بعينيها تصيح به:
- بعد عن طريجى يا معتصم، انا مش ناجصاك على اول الصبح .
سمع منها الاَخر ليقول بهيام غير مبالي بغضبها:
- يا بوى، حتى وانتى مكشرة ومبحلقة بعنيكى الملونه دى بتسحرينى .
ناظرته بازدراء وهمت أن تتحرك ولكنه تصدر للمرة الثانية حتى لا تتخطاه، فهتفت به رافعة سبابتها بوجهه بتهديد:
- اجصر الشر يا معتصم وبعد عن وشي، انا ناسى لو شموا خبر بس باللى بتعمله، الدنيا هتولع .
وكأنه لم يسمع، اقترب برأسهِ يسألها:
- طب جوليلى انتي الأول ليه ماحبتنيش يا بدور؟ هو انا عملت معاكى حاجة عفشة؟
- بطل كلامك البارد ده وحل عن طريجى .
قالتها وقد زاد الاحتقان بداخلها منه ومن فعله المتبجح، وهمت ان تتحرك ولكنها تراجعت على الفور ترتد بأقدامها للخلف،فور ان انتبهت لكف يــ ده التي امتدت نحوها، فصاحت بصوت قوي رغم ارتياعها:
- اقسم بالله لو لمستنى لاشندلك انت واهلك .
انفعل الاَخر وظهرت انيابه في الهتاف بها:
- فى ايه؟ الشده مش نافعه معاكى، والحنية مش نافعة، اعمل معاكى ايه بس؟ جوليلي.
خرجت الأخيرة بصوت عالي لتدب بقلبها الرعب، لقد تأكدت الاَن فقط، أنه ليس على وعيه الطبيعي، عينيه الحمراء، عدم اتزانه في الوقفة أمامها، كلها كانت شواهد تثبت لها أنه متعاطي او شارب شيئًا ما يذهب العقل، حتى يتجرأ ويفعل هكذا معها، ولكنها جاهدت حتى لا تُظهر أمامه خوفها، وعادت لتهدر به:
- بعد عنى يا معتصم احسنلك، وخليني اروح مدرستي انا مش فاضية لبرودك ده.
زاغت عيني الاَخر، وشعر بالإنتشاء حينما رأى نظرة الخوف بعينيها الجميلتين، وقال بوقاحة:
- وان مبعادتش هيحصل إيه؟
- انا اجولك هيحصل إيه ؟
صدر الصوت فجأة يجفل الإثنان، وشهقت بدور فور ان رأت مخلصها، والذي ظهر فجأة وكأنه خرج من الأرض، ليندفع فجأة وبدون مقدمات نحو معتصم، ويعتصر رقبته بذراعه التي التفت حولها، مرددًا:
- تحب اعرفك دلوكت هيحصل إيه؟
صرخ معتصم بصوت مختنق وهو يحاول بكل قوته نزع ذراع الاخر عنه
- بعد يدك عنى يا عاصم، انت نسيت انا مين ولا واد مين؟
شدد الاَخر يقول بفحيح بجوار أذنيه:
- طبعا انا عارف ان انت واد مين؟ ولسة كمان هتعرف بيك اكتر، روحى انتى ع البيت وبلاها مدرسة النهاردة.
هتف بالاَخيرة نحو بدور التي كانت تقف متخشبة وقد شلت تفكيرها المفاجأة، فخرج صوتها على الاَخير بصعوبة:
- ااا ياعاصم سيبك منه....
قاطعها بحدة وانفعال:
- بجولك روحى، يعني اسمعي الكلام وامشي عن سكات.
هنا لم تقوى على المجادلة، واستدارت على الفور عائدة لمنزلهم، وتاركه معتصم يقاوم حتى ينزع نفسه مرددًا:
- سيبنى يا عاصم، انا ورايا عزوه وبدنة يعنى لو لمستنى بس هتولع نار .
زاد من ضغطه عاصم ليقول بتسلية:
- ما انا عشان كده بجولك عايزة اتعرف عليك اكتر .. تعالى تعالى .
تفوه بالاخير وتحرك به يسحبه نحو طريق الزراعات، ليصرخ معتصم بارتياع:
- بعد عنى عاصم وسيبنى، انتى واخدنى ورايح على فين؟
صمت الاَخر ليتابع سحبه وذلك يردد بفزع يزداد مع كل خطوة يخطوها مجبرًا:
- واخدنى ورايح بيا على فين؟ ما ترد علي.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية