-->

رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران - الفصل 32

 

قراءة رواية في غياهب القدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية في غياهب القدر

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران 


الفصل الثاني والثلاثون

 مواجهة اثنان



‏قِف عن محاولة الدخول لأضلعي 

في أضلعي ما أكثرُ الأمواتِ


قِف عن توسلك الرقيق فأنني

لستُ التي تهتمُ بالكلماتِ


عُد حيث جئتَ وغِب طويلاً سيدي

لا فرق عندي راحلاً أم آتِ


لا تقتفي أثري، سترجعُ خائباً

إن الطريق معقّدُ الخطواتِ


يحتاج شعبيٌ زمان كاملا

كي يلتحق بقوافلِ الملكاتِ


منقول

❈-❈-❈


بكلمات غير مفهومة تغمغم وهي تلج إلى منزلها ضربت الأرض بساقها عندما تذكرت ذلك البغيض فهتفت بعصبية: زبالة مفكرني بت شمال طب وديني لهوريله.

 كادت أن تنصرف إلى غرفتها لكنها توقفت على صوت والدتها المندهش: بت يا نور بتكلمي نفسك يا بت الهبلة أنا قلت برضو هي الهبلة هتجيب دكتور!

 استدارت وهي ترمقها بعدم تصديق ثم انفجرت بالضحك وهي تهتف من وسط لهاثها: تصدقي بالله المثل ده ينطبق علينا جدا أنا فعلا هبقى دكتورة مش خلاص هدخل كلية الطب كمان كام يوم. 

رمقتها والدتها بحدة ثم انحنت وخلعت ما بقدمها فرفعت نور يدها باستسلام: الله! طب أنا قلت حاجة طه مش انت اللي قلتي عموما عادي عادي ما الأبهات بيشتموا عيلهم ويقولوا لهم يا ابن الكـ لب طيب هم العيال ذنبهم ايه ما الأبهات هم اللي بيشـ تموا نفسهم زي ما أنت كده قلت دلوقتي الهبلة هتجيب دكتورة يعني هو أنا كنت اتكلمت ولا كنت اتكلمت؟ 

أطلقت كلماتها دفعة واحدة ثم ركضت من أمام والدتها لكن سرعان ما أطلقت صرخة مدوية عندما اصطدم خف والدتها بظهرها فاستدارت لها مرة أخرى تلقي لها قبلة في الهواء ومن ثم هتفت بصوت أجش: تسلم أيدك يا سيد المعلمين. أكملت الطريق إلى غرفتها وهي تمسد على ظهرها الذي آلمها قليلا. 

أغلقت الباب ومن ثم اتجهت إلى فراشها وألقت بجسدها عليه وهي تحدق في السقف بشرود لكنها سرعان ما جلست مرة أخرى عندما لاحت صورته الجميلة أمام عينيها

 ضربت الفراش بقدمها ويدها معا عندما تذكرت وقاحته معها فهبت واقفة وهي تهتف بتوعد: ماشي وديني لاكون وخدة حقي منك تالت ومتلت وهعرفك مين هي نورهان وتقدر تعمل إيه.


❈-❈-❈


انتهت من تمشيط خصلات الصغيرة ثم أمطرتها بوابل من القبلات وهتفت بصدق حقيقي: إيه الجمال ده بس يا لاتين بجد انت زي القمر.

 قبلتها لاتين فوق وجنتها وهتفت بصوت طفولي محبب إلى القلب: شكرا يا صَبا انت كمان حلوة قوي.

 وجهت بصرها إلى الصبي الذي يجلس فوق الفراش يمسك بهاتفه لكن ما أدهشها بأنه لا ينظر إلى الهاتف بل إنه ينظر إلى نقطة وهمية.

 فهبت واقفة واتجهت صوبه ثم جلست بجواره وراحت تمسد فوق خصلاته الفحمية في حنو شديد وتساءلت باهتمام: ليث حبيبي انت سرحان في إيه؟ 

استفاق من شروده ورمقها بنظرات خاوية مجيبا إياها باختصار: مش سرحان ولا حاجة.

 كاد أن يتركها ويذهب لكنها استوقفته وجذبته برفق من ساعده ليجلس بمحاذاتها وهتفت بجدية: ليث انت يا حبيبي مش عاجبني اليومين دول على طول سرحان وأكلتك ضعيفة جدا ده انت حتى ما بقتش بتضحك ولا بتهزر زي زمان إيه اللي حصل لك يا ليث احكي لي يا حبيبي اعتبرني زي مامتك أو بلاش زي مامتك أنا عارفة ان ما فيش حد بيبقى زي الأم اعتبرني أختك.

 قاطعها بحزم: انت أحسن منها دي أصلا ما ينفعش تبقى أم أوعي تفتكريني عيل صغير يا صَبا أنا عارف ماما عملت إيه كويس جدا.

 فغرت فاهها بعدم تصديق من طريقة حديث الصبي الذي لا يتعدى العشر سنوات كيف له أن يتكلم بكل هذه المرارة وكأنه شابا في الثلاثين من عمره

 أطرقت رأسها أرضا فهي لا تعرف ماذا تقول له فيبدو أن ذلك الصبي يعلم أكثر مما ينبغي عليه فهمه.

 رفعت رأسها لتتحدث لكنها لم تجده أمامها وكأنه تبخر في الهواء هزت رأسها بقلة حيلة وعزمت على التحدث مع والده لعله يجد حلا لذلك الصبي الذي يبدو أنه تأثر بما فعلته والدته وإن لم يجدوا حلا له بالطبع سيعاني من عقدة نفسية ستلازمه طوال حياته.


❈-❈-❈


اتسعت حدقتاه في دهشة ثم أبعدها برفق وهو يتطلع إلى وجهها الجميل ويهتف بعدم تصديق: بتقولي إيه يا رغد!

 ضمت نفسها إليه مرة أخرى وهتفت بسعادة كبيرة: بقول لك أنا حامل يا رامي حامل وحياة الله لما جبت الاختبار وطلعت النتيجة إيجابية ما صدقت حالي والله العظيم فرحتي بها البيبي كبيرة لانك انت أبوه.

 زاغت عينيه وراح يتخيل رد فعل زوجته عندما ستعرف بذلك الخبر المشؤوم بالنسبة لها.

 أبعدها مرة أخرى وسارا للداخل بخطوات بطيئة وعقله يدور في جميع الاتجاهات فذلك الخبر كارثة وحطت على رأسه ماذا سيفعل الآن؟

 لا يستطيع التخلي عن رغد فهو أحبها بالفعل وفي نفس الوقت لا يستطيع مواجهة زوجته الآن فإن عرفت بمثل هذا الخبر ستقلب الدنيا رأسا على عقب وبالطبع ستتركه ولن تتفهم موقفه أبدا وهو أيضا لا يستطيع الابتعاد فهي زوجته وأم بناته ويحبها كثيرا. 

ألقى بجسده فوق أقرب مقعد واضعا رأسه بين راحتي يده وهو يتساءل بداخله

 إيه اللي عملته في نفسك ده يا رامي معقول كل ده يحصل في الفترة الصغيرة دي طيب وانت هتعمل إيه يا فالح هتتخلى عن رغد ولا عن غزل دلوقتي استحالة أنك تقدر ترضي الاتنين.

 بينما هي فتابعته للداخل وابتسامة خبيثة تزين كرزيتها وراحت تفكر في شيء تجعله ينتبه لها مدحت ذكائها عندما وجدت الحل فدنت منه بخطوات واسعة ورسمت الحزن جليا فوق قسمات وجهها الجميل وهتفت بصوت يقتر ألما: رامي.

 بهدوء شديد رفع وجهه إليها. 

فاستطردت حديثها وما زالت تتحدث بتلك النبرة المتألمة: لو بدك أنزل البيبي أنا مو عندي مشكلة أنا كل اللي بيهمني انت انت وبس. 

هزة رأسها نافيا وهب واقفا يصيح بعنف: إيه الهبل اللي انت بتقوليه ده اللي في بطنك ده يبقى ابني أو بنتي وأنا عايزه فاهمة يا رغد أوعي تأذي اللي في بطنك اللي في بطنك ده حتة مني ومنك. 

قطع المسافة التي تفصل بينهما واحتضنها بقوة هاتفا بتملك: انت بتعتي واللي في بطنك ابني وأنا بحبكم أنتو الاتنين ومن النهارده انتي زيك زي غزل بالظبط وأنا هشوف حل لكل اللي احنا فيه ده.

 ضحكت بدهاء وضمت نفسها إلى صـ دره أكثر وابتسامة الخبث تتسع رويدا رويدا فخطتها التي افتعلتها الآن نجحت وبشكل كبير فهي أرادت أن يعلن زوجها زواجهما أمام غريمتها فهي تعلم مسبقا رد فعل غزل بالطبع ستنفصل عن رامي عندما ستستمع إلى ذلك الخبر وهذا ما أرادته.


❈-❈-❈


ليلا يجلسون يلعبون الورق فهتف رؤوف بعد أن وضع آخر ورقة في يده: وادي ولد كمان أهو.

 هتفت بعبوث: ولد كمان ده رابع ولد انت واخد الولاد اللي في الكوتشينة كلها.

 راقص حاجبيه بمرح وهتف باستفزاز: اعمل إيه بقى مش ملاحق ولاد وبنات بيحبوني 

 ودلوقتي أنا كسبت الفورة يا حلوة يلا نفزي وعدك ليا بقى وتعالي اديني...

 قاطعته بصراخ: لا يا بابا أنت خمام وأنا مش هنفز رهان ولا وعد انت بتخووم يا رؤوف بتفكرني بعمار الله يمسيه بالخير برضو كان بيخم كده زيك بيخبي ورق الكوتشينة في كم البيجامة.

 رفع كلى حاجبيه هاتفا باستنكار: أنا بخبيء الورق في كم البيجامة ليه كنت انتي ولا إيه دي حركتك المعتادة وانت صغيرة كنت دايما تخبي الكومي في كم البيجامة بتاعتك لا بصي بقى بقول لك إيه احنا اتفقنا اتفاق ولازم تنفذيه يلا تعالي اتفضلي أنا مستني أهو.

 هزت رأسها نفيا هاتفة بعند: قلت لا أنا مش هعمل حاجة من اللي قلت عليها دي.

 فهبا واقفا يتقدم منها بهدوء مثير للأعصاب: خلاص يبقى أجي أنا بقى واخد البو سة. 

تراجعت للخلف وهي تهز رأسها نفيا: لا لا انت ولا أنا أنا مش هديك حاجة انت اللي حطيت الشرط وانت اللي...

 قاطعها بابتسامة: وانت وافقتي يبقى تنفذي اللي اتفقنا عليه وإلا هاخدها أنا ويبقى ذنبك على جنبك بقى. 

شهقت بقوة عندما التصق ظهرها بالحائط فرمقته باستعطاف هاتفة بنعومة: طيب خليك مكانك وأنا هنفز اللي اتفقنا عليه. 

قطع المسافة الصغيرة التي تفصل بينهما حتى لفحت أنفاسه الحارة وجنتها وهتف بمشاكسة: ماشي أنا مكاني أهو يلا اتفضلي. 

أغمض عينيه ينتظر فعلتها أو بالأحرى خطوتها الأولى التي ستقربها منه 

ظفر بنفاذ صبر عندما تأخرت ففتح عينيه مجددا هاتفا بحدة طفيفة: إيه هفضل مستني طول الليل أنا بقى ولا إيه؟

 أخفضت عينيها أرضا وراحت تفرك كلتا يديها في بعضهما وهي تهتف بتلعثم: أنا بصراحة يعني أصلي مكثوفة منك. 

أطلق ضحكة مجلجلة ثم اقترب منها وضمها إلى قلبه هاتفا بجانب أذونها: مكثوفة مني إيه بس يا عبير ده أنا زي جوزك برده.

 رفعت عينيها لتواجه عينيه عازمة على اثنائه على قراره المتهور ذاك لكن عندما التقت أعينهما تناسيا كل شيء وبقيت فقط سحر اللحظة التي يعيشوها لأول مرة

 أغمض رؤوف عينيه وكذلك هي ودنى منها عازما على تذوق قبـ لته الأولى لكن سرعان ما انتفضا كلاهما عندما استمعا إلى صوت قرع الجرس فلعن رؤوف بصوت مرتفع وراح يطلق سبابا بذيئا جعلها ترمقه بعدم تصديق وتهتف باستنكار: عيب كده يا رؤوف.

 رمقها بغضب ثم انصرف عازما على معرفة الزائر الوقح من وجهة نظره والذي قطع أهم لحظة في حياته

 وما هي إلا ثواني وأبصر والدته تقف أمامه تمنحه ابتسامة كبيرة وتهتف وهي تلج للداخل: بصراحة كده ما عرفتش أبات برة بيتي الواحد برضو ما بيرتاحش غير في بيته ولا إيه يا رؤوف لو هزعجكم أنا ممكن ارجع. 

قاطعتها عبير التي دلفت للتو: ما تقوليش كده يا ماما ده البيت بيتك برده.

 رسمت ابتسامة صفراء على شفتيها وهتفت بتأكيد: أمال طبعا يا حبيبتي البيت بيتي وبيتك انت كمان.

 ألقت الكلمة الأخيرة بسخرية مبطنا لم يلاحظها أحد منهما فبداخل كل منهما أفكارا خاصة به وحده

 فمثلا رؤوف شعر بالغضب لأن والدته جاءت بعد زواجه بيوم واحد وهو كان يريد أن يقضي وقتا أطول بمفرده مع زوجته كي تعتاد عليه.

 بينما عبير فقد كانت تشعر بعدم الراحة لأن والدة زوجها ترمقها بنظرات غير مفهومة لكنها سرعان ما كذبت نفسها وقررت ألا تظلمها وتبدأ معها صفحة جديدة 

لكن ما لا تعرفه عبير بأن تلك المرأة جاءت كي تنغص عليها حياتها.


❈-❈-❈


يتقلب في فراشه بعدم راحة وهو يفكر في تلك المصيبة التي حلت عليه ولم يحسب لها حساب 

رغد حامل في طفله أو طفلته الآن وعليه أن يعلن زواجه بها في أقرب وقت حتى لا يظن أحدا بها السوء وهي لا تستحق منه ذلك لقد أعطته كل ما تملك دون مقابل قبلت على نفسها ما لم تقبله أي امرأة على وجه الأرض

 قبلت أن تتزوجه سرا ضحت بكرامتها وسمعتها من أجله كما أنها تنازلت عن كامل حقوقها كي تبقى فقط معه لذا عليه ان لا يكون سيئا وهي لا تستحق إلا الاحترام والتقدير.

 استدار في الجهة المقابلة لزوجته النائمة وراحا يتأملها بافتتان شديد فهو يحبها أيضا وكثيرا ولا يعرف ماذا سيفعل إذا أخبرها بذلك الخبر يعرفها جيدا ويعرف أنها لن ولم تقبل ربما ستتركه للأبد أو ربما ستسامحه وتطلب منه أن يترك الأخرى وهو أيضا لا يستطيع فعل ذلك

 رفع يده بحذر وراح يتلـ مس زو جته وكأنه يحفر ملامحها بداخله فقلبه يخبره بأنها ستكون آخر ليلة بينهما على الأقل في الوقت الحالي وربما ستتحسن الأمور لاحقا أبعد يده من مكانها ثم دنا منها وطبع قبـ لة طويلة فوق جبينها ورفع رأسها وجعلها تتوسد ذراعه وهو يقـ بل كل إنش في وجهها وكأنه يودعها.

 بينما هي فتحت عينيها بتكاسل ومنحته ابتسامة رائعة ثم ضمت نفسها أكثر إليه واحتـ ضنته بقوة وسرعان ما غطت في سبات عميق تاركة إياه يتآكل من الحيرة والندم معا.


❈-❈-❈


في صباح اليوم التالي

 انتهى الطبيب من الفحوصات والأشعة التي طلبها من عمار ثم هتف بابتسامة: أنا سعيد جدا يا باش مهندس انك قررت تتعالج لما الحاج سعد ورؤوف كلموني في التليفون وقالوا لي إنك رجعت في كلامك وقررت تتعالج بجد فرحت جدا علشانك لنت شاب عندك إرادة وقوي وإن شاء الله التحاليل تتطلع كويسة واللي فيها هيبقى بسيط بإذن الله كل اللي أنا عايزه منك انك تصبر لأن العلاج الطبيعي وعلاج العضم بالذات بياخد وقت.

 أومأ له عمار بابتسامة صغيرة ثم شكره بهدوء.

 وجه الطبيب حديثه إلى صَبا هاتفا بإعجاب: والآنسة تبقى أختك؟

 اغتاظ عمار من نظرات ذلك الطبيب الوقـ حة والتي يبدو أنها نظرات إعجاب صريحة فهتف وهو يضغط على كل حرف يتفوه به: الآنسة دي تبقى مراتي يا دكتور.

 تنحنح الطبيب في حرج وغمغمة باعتذار: أسف أسف دلوقتي كل اللي أنا باطلبه أنكم تبدءوا تروحوا مع دكتور علاج طبيعي لحد ما نشوف النتيجة بتاعت الإشاعة والتحاليل وبعدها نقرر إيه اللي ممكن يحصل.

 سألته صَبا بهدوء: هو ممكن يبقى فيه تدخل جراحي يا دكتور؟

 أجابها بجدية: احتمال ليه لا لسه مش عارفين عموما الكلام ده سابق لأوانه يا مدام. 

شعرا عمار بالغيرة لأول مرة على تلك التي تقبع أمامه تتجاذب أطراف الحديث مع الطبيب فرمقها بتوعد ثم شكر الطبيب ومن ثم وجه حديثه لصَبا: يلا بينا يا صَبا علشان أنا تعبت قوي النهاردة. 

 أومأت له وما زالت ابتسامة صغيرة ترتسم فوق كرزيتيها ثم استدارت وشكرت الطبيب وبعدها دلفت للخارج بصحبة عمار الذي كان يتآكل من الغيرة والغيظ

 وأثناء سيرهم في الرواق الخاص بالمشفى لاحظت صَبا نظرات الفتيات المصوبة تجاه عمار فشعرات بغيرة حارقة فهتفت وهي تلكزه في ذراعه: انت مالك عمال توزع نظرات للبنات كده ليه ما تلم نفسك يا هندسة.

 تراقص قلبه بداخل قفصه الصدري عندما لاحظ غيرتها الواضحة للعيان فهتف بمشاكسة: وأنا مالي هو أنا زنبي يعني إن أنا حلو وبعدين ما أنت شيفية أهو هما اللي بيبصوا لي.

 صكت على أسنانها بقوة ثم دفعت الكرسي برفق مغمغمة بصوت حاد: طيب أتفضل يا عم القمور خلينا نروح قبل ما ارتكب جناية للبنات المهـ زئة دي.

 ضحك بقوة وتناسى ما افتعلته بالداخل فقد طرأ عليه شعور جديد تجاه تلك الصبا ربما هو شعور الاحتياج للحب لا يدري.


❈-❈-❈


بعد أن انتعلت حذائها استقامت واقفة وهتفت بمرح: طيب سلام عليكم يا حاجة أنا بقى عشان ما اتأخرش على الجامعة النهاردة أول يوم ليا ولازم أكون ملتزمة.

 رمقتها والدتها بنظرات فخر وهتفت بتضرع وهي ترفع كفيها للأعلى: ربنا يحفظك يا نور يا بنت بطني ويفرحك زي ما فرحتي قلبي شرفتيني ورفعت راسي قدام الدنيا كلها خصوصا قدام أهل أبوك البلطجية اللي كانوا عايزين ياخدوكي مني من أول ما بسلامته شرف في السجن بس أنا وقفت لهم وهربت بيكي عشان ما تطلعيش زيهم وأنت ما كدبتيش خبر يا نور عينيا وحققت حلمي اللي طول عمري يتمناه.

 دمعت عينيها في تأثر فبادرت نور واحتضنتها بقوة هاتفة بصوت أشبه للبكاء: كده يعني تخليني اعيط ده أنا بقالي تلات ساعات بظبط الكونسيلر قدام المراية عشان أخبي السواد اللي تحت عيني أهو دلوقتي هيتمسح وهضطر ادخل اعمله تلني. 

أبعدتها والدتها ثم ضربت رأسها بخفة هاتفة وهي تمسح الدموع العالقة في أهدابها: كنسيلر إيه وهباب إيه تصدقي بالله أنت بت فصيلة يلا شوفي انت رايحة فين.

 دنت منها وطبعت قبلة عميقة فوق رأسها وهتفت وهي تستدير لتفتح الباب: ربنا ما يحرمني منك يا ست الكل لا أنت ولا بابا الحاج سعد.

ادارت مقبض الباب لكن سرعان ما استدارت عندما استمعت إلى صوت والدتها الجاد: نور خلي بالك يا حبيبتي انت داخلة على عالم كبير الكلية دي مش زي المدرسة هتشوفي فيها حاجات غريبة غير اللي انت تربيتي عليها كل اللي عيزاه منك انك تخليكي في حالك وما تصاحبيش أي حد غير اللي تسمعي عنه كل خير وخليكي فأكرة في الأول وفي الآخر اني صاحبتك قبل ما أكون أمك يعني أي حاجة غريبة تحصل معاك ما تتردديش انك تحكي لي عليها فهماني يا نور؟

 أومأت لها بابتسامة خفيفة ثم هتفت وهي تنطلق للخارج: طيب هتكل على الله أنا قبل ما تفتكري حاجة تانية وتأخريني على أول محاضرة. 

ألقت كلماتها وأغلقت الباب ثم هبطت درجات السلم في رشاقة وهي تدندن بسعادة: احنا شباب الجامعة اللامعة وبتوع التاتو والروشنة أحلى حياتنا والترابتتتو.

 واثناء اندماجها في الغناء استمعت إلى صوت ضحكات مرتفعة من أسفل الدرج تنحنحت في حرج عندما أبصرت عمار وصبا يقفون أسفل الدرج وصوت ضحكاتهما يملأ المكان

 فهتفت وهي تعدل من حجابها: إيه رأيكم فنانة كروان الجمالية أنا صح؟ 

أومأ عمار وما زالت ضحكته لا تتوقف بينما صَبا هتفت وهي تمسح دموعها من كثرة الضحك: أمال يا حبيبتي بس أبوس أيدك ما تعمليهاش تاني. 

قاطعتها نور بسرعة: أيوة أيوة مش هعملها تاني عشان ما تتأسروش بصوتي الرائع يلا سلام عليكم قبل ما تستلموني بقى.

 مرت بجوار عمار وهمست بالقرب من أذنه: بقول لك إيه يا هندسة خلي مراتك تخف علينا شوية هي أكمنها حلوة حبتين يعني هتتنك علينا.

 القت كلماتها واندفعت للخارج وهي تكرر نفس ذات الأغنية التي كانت تدندنها منذ قليل.

 شيعها كل من عمار وصبا ثم انفجرا بالضحك مرة أخرى فتلك الصغيرة اضافت بهجة على ذلك المنزل الذي كان ساكنا كئيبا مملا لوقت كبير.


❈-❈-❈


منهمكة في إعداد وجبة الفطور لكن بعقل شارد وقلب متألم فعندما استيقظت منذ قليل شعرت بوخذة قوية في صـ درها والغريب أن تلك الوخذة لا تأتيها إلا وبعدها يحدث كارثة

 زفرت بقوة واستغفرت ربها ثم وضعت يدها فوق وقلبها وهي تهتف بخفوت خير اللهم اجعله خير. 

فانتفضت من مكانها عندما جاء زوجها من خلفها يهتف بصوت خافت: خلصتي يا غزل؟

 استدارت ترمقه بعتاب مغمغمة بلهاث: خضتنتي يا رامي مش تتنحنح قبل ما تدخل ولا تقول حاجة.

 غمغمة بكلمات معتذرة ثم اندفع للخارج وهو يهتف بجدية مطلقة: حضري الفطار بسرعة أو أقول لك شيلي اللي في أيدك وتعالي عايز أتكلم معاك في موضوع مهم. 

فكرت أن تنهي ما بيدها أولا لكن فضولها منعها فانطلقت خلفه حتى باتا في غرفة المعيشة فهتفت بتساؤل: خير يا رامي في إيه على الصبح إيه الموضوع المهم اللي مش عايز تأجله لحد ما نفطر؟

 ابتلع عصة مريرة في حلقه وهتف دون مقدمات: غزل أنا اتجوزت عليك.

 هوى قلبها بين قدميها وشعرت أن العالم يدور بها فألقت بجسدها فوق أقرب مقعد وهي تهز رأسها بعنف: لا لا أكيد انت بتهزر صح؟

 هزة رأسه نفيا ثم أجابها وهو يضغط على كل حرف يتفوه به: لا يا غزل للأسف أنا ما بهزرش أنا فعلا اتجوزت عليك. 

انسكبت عبراتها فوق وجنتيها دون توقف وكأنها شلال وراحت تنتحب بصوت مرتفع وهي تتساءل: ليه ليه يا رامي؟

 ألمه قلبه عليها فدنا منها وركع فوق ركبتيه أمامها هاتفا باعتذار: أنا آسف أنا آسف يا غزل بس أنا لحد دلوقتي ما عرفش ليه.

 مسحت دموعها التي غشيت عينيها كي تستطيع النظر إلى وجهه وسألته بنشيج: من أمتى؟

 أجابها وهو يشيح ببصره عنها: من كام شهر.

 ازدادت دموعها في الهطول واستكملت أسئلتها: طيب وليه فكرت تقول لي دلوقتي؟

 غمغم بخفوت وصل إلى مسامعها: عشان هي حامل يا غزل.

يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة