رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران - الفصل 38
قراءة رواية في غياهب القدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية في غياهب القدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة بسمة بدران
الفصل الثامن والثلاثون
سعادة
كُلُّ النساءِ أحاديثٌ بلا سندٍ
وأنتِ أنتِ حديثٌ لابن عباسِ.
وقال العقلُ دعْهُ ولا تزُرْهُ
وقالَ القلبُ فلْتذهبْ إليهِ
حديثُ العقلِ موضوعٌ ولكن
حديثُ القلبِ متفقٌ عليهِ
(جاسم الصحيح)
❈-❈-❈
ماذا لو كنت تظن نفسك بأنك ستعيش تعيسا طوال عمرك تحلم بالمستحيل تعشق بلا أمل وفجأة يتغير كل شيء ويحدث أكثر مما كنت تتمنى بالطبع ستشعر بأن سعادة العالم بأسرها لا تكفيك أبدا أو ربما ستصاب بالبلاهة نوعا ما
وهذا بالضبط ما حدث مع صَبا التي اتسعت حدقتاها في دهشة بعد اعتراف عمار ذاك وفتحت فمها كالبلهاء مما جعله يضحك بقوة على منظرها هذا ومد أنامله يغلق فمها بهدوء وما زالت ضحكاته تملأ المكان: اقفلي بوقك احسن الدبان يدخل.
تلك الكلمات جعلتها تستفيق من حالة التيه التي اعترتها منذ ثواني وهبت واقفة كمن لدغتها حية وهتفت بعدم تصديق: انت قلت إيه؟
شعر بالحزن الشديد بداخله فهو الآن أيقن أن تلك الفتاة عاشقة له حتى النخاع
فظفر بقوة ثم أشار لها لتجلس مكانها وبعدها التقط يدها بين راحتي يده وهتف يكررا حديثه وهو ينظر إلى عينيها الجميلتين: بحبك يا صَبا بحبك قوي انت عوض ربنا ليا تعرفي أنا لما عملت الحادثة كنت يائس وكانت كل الكلمات اللي بقولها ليه يا رب بس دلوقتي عرفت أن ما فيش ابتلاء بيجي إلا وبعدها ربنا بيرزقنا بحاجة حلوة وكأن ربنا بيعوضنا على الصبر اللي احنى صبرناه ودلوقتي عرفت إن انت نتيجة الصبر ده يا صَبا عشان كده كل اللي بطلبه منك انك تفضلي معايا وما تسيبينيش أبدا وأنا بوعدك اني هعمل كل حاجة عشان تعيشي سعيدة.
لم تسمح له بان يكمل باقي حديثه بل هبت واقفة وانحنت ملتقطة شفـ تيه بين خاصتها تقـ بله هي لأول مرة فالسعادة التي هي عليها الآن جعلتها لا تفكر فلو كانت في حالتها الطبيعية لم ولن تفعلها أبدا فخجلها الفطري يمنعها من ذلك
لكن أحيانا عندما نشعر بسعادة كبيرة يتوقف العالم من حولنا بل ويتوقف العقل وكل شيء ويبقى فقط سحر اللحظة التي نعيشها.
❈-❈-❈
كالمجنون يركض في رواق المشفى وهو يحملها بين يديه ويصرخ بالجميع: دكتور عايز دكتور مراتي بتموت.
وما هي إلا ثواني حتى أخذوها من بين يديه ووضعوها فوق الفراش النقال ثم دفعوها إلى داخل الغرفة كي يروا ماذا يحدث معها.
بينما هو فقد بقى في الخارج يشيعهم بنظرات حزينة فيبدو أنه هو السبب في كل ما حدث هو السبب في كل شيء سيئا يحدث في الدنيا هذا ما غمغم به لنفسه
ألقى بجـ سده فوق الأريكة المعدنية المتواجدة أمام غرفة الكشف وهموم العالم تتجمع فوق رأسه فكلما تذكر منظرها وهي فوق الأرضية وتغطيها دمائها يشعر بالخوف والذعر الشديد ويتمنى من الله أن ما فكر به ليس صحيحا فمنظر الدماء التي كانت تسيل منها ليس لها سوى معنى واحد ألا وهو أنها فقدت جنينها.
انتفض من مكانه عندما فتحت الغرفة وهرولة طبيب وهو يصرخ: جهزوا اوضة العمليات بسرعة.
❈-❈-❈
تنهدت بقوة ثم غمغمت بسعادة: الحمد لله.
وبعدها أغلقت جهاز الكمبيوتر لكنها أجفلت على صوت والدتها التي ولجت للتو تسألها باهتمام: خير يا غزولة الحمد لله على إيه؟
إجابتها وهي تنهض من أمام جهاز الكمبيوتر: الحمد لله دائما وأبدا طبعا يا ماما بس أنا اتقبلت في الشغل هاروح اعمل الانترفيو بكرة.
ابتسمت وهتفت بارتياح: ألف مبرك يا حبيبتي.
الله يبارك فيك يا ماما كل ده من دعواتك انت ربنا ما يحرمنيش منك أبدا.
دنت والدتها تحتضنها بقوة وهي تغمغم بخفوت وصل إلى مسامعها: ربنا يعوضك خير يا غزل يا بنت بطني أنت تستهلي كل خير وإن شاء الله ربنا هيرزقك برزق بناتك.
ابتعدت عن أحضان والدتها ثم منحتها ابتسامة جميلة وتمتمت في تضرع: يا رب يا ماما ربنا يعوضني خير.
سحبت يد والدتها وجلست برفقتها فوق طرف الفراش وهتفت بجدية ممزوجة بالحزن: تعرفي يا ماما التجربة اللي مريت بيها دي علمتني حاجات كتير قوي.
رمقتها والدتها باستفهام؟
فاستطردت حديثها: علمتني أن ما فيش حاجة سبته بمعنى أني أنا كنت فكرة إن أنا ورامي هنعيش طول عمرنا مع بعض هنعيش حياة جميلة ما فبهاش أي حاجة وحشة لكن -سبحان الله- ما كملناش كم سنة جواز وانفصلنا انفصلنا بحاجة عمري ما كنت أتوقع انها تحصل منه أبدا لكن زي ما بيقولوا ما فيش حاجة مضمونة أبدا وزي ما ربنا -سبحانه وتعالى- قال لو كنتم علمتم الغيب لاخترتم الواقع عشان كده يا ماما أنا حمدت ربنا اني ما قعدتش فترة طويلة مخدوعة واتكشف لي الموضوع بسرعة غريبة
انت تعرفي أن في ستات كتير بتفضل عمر كامل مخدوعة؟
أومأت لها والدتها بتأكيد
كادت أن تكمل باقي حديثها لكنها صمتت عندما استمعت إلى صوت والدها من الخارج: يا هلالله يا اللي هنا أنا واقع من الجوع فين العشاء؟
❈-❈-❈
وثبت من مكانها وهي تصفق بحماس: سحبت الشايب يا بابا سحبت الشايب وكده أنت اللي خسران يلا بقى يا شحرورة نظبط الورق ونختار أحكام ونحكم على بابا سعد.
هزت رأسها نفيا وهتفت بابتسامة فخر: ما اقدرش طبعا احكم عليه.
منحها ابتسامة جميلة وغمغمة بغزل: وربنا أنتي عسل يا شحرورة عشان كده من غير أحكام ولا غيره هنزل أجيب لكم بسبوسة بالقشطة وحاجة ساقعه وأنا وأنتي بس اللي هناكل منها ماشي أنا وانتي بس.
وضعت كلتا يديها في خصـ رها وهتفت بحدة مصطنعة: نعم يعني أنت اللي خسران وكمان تاكل بسبوسة بالقشطة وأنا اللي كسبت مدوقهاش لا وربنا انا يا فيها يخفيها.
وقفا قبالتها وهو يشهر سبابته في وجهها: كلمة كمان يا نور وهحبسك في أوضتك وأحرمك من الأكل والشرب عشان تعرفي جوز الأم بيتصرف أزاي عشان أنا بقى الصراحة سكت لك كتير.
أطلقت الحاجة صباح ضحكة مجلجلة وهتفت وهي تقف في المنتصف بينهما: صلو على النبي كده يا جماعة وخلاص احنا ننام خفيف النهاردة وبكرة وأنت راجع يا أخويا تجيب لنا اللي أنت عايزه بس الوقت اتأخر دلوقتي.
قاطعتها بلهفة: لا معلش أنا بقى طلبت معايا آكول حاجة حلوة دلوقتي وبما أنك رفضت ان احنا نحكم يبقى ينزل يجيب لنا حاجة حلوة.
اخرج لسانه لها ثم وجه بصره إلى زوجته مغمغما بغزل: من العين دي قبل العين دي يا شحرورتي ده أنا أنزل أجيب لك الجمالية كلها والله العظيم بس اصبري لما البت دي تنام.
جلست فوق الطاولة وأسندت وجهها فوق مرفقها وهتفت بمشاكسة: وأنا قاعدة هنا للصبح بقى لما أشوف هتجيبوا إيه لما أنام ما هو مش أنا أكسب وأنتم تحلوا.
تبادل كل من الحاج سعد وزوجته النظرات ثم انفجرا بالضحك وهتف وهو يلهث: طيب خليكي بقى قاعدة على ما انزل أجيب البسبوسة يا ست نور.
تأملت ابتسامته الجميلة بابتسامة وهتفت بصدق: ربنا يخليك لنا يا بابا سعد وما يحرمنا من الضحكة الحلوة دي أبدا.
رفعت والدتها كفها وهي تؤمن خلفها بتضرع؛ اللهم آمين يا رب.
❈-❈-❈
استيقظت مفزوعة على صوت صراخه الذي ملأى أرجاء المنزل فدنت منه تسأله بخوف: حج فكري مالك يا أخويا إيه اللي حصل لك يا معلم؟
وضع يده على صـ دره وغمغمة بصوت متقطع: مش قادر آخد نفسي يا فتحية مش قادر آخد نفسي الحقيني بموت.
راحت تدور حول نفسها وهي تصرخ: يا مصيبتي طيب اعمل إيه اعمل إيه؟
استمعت إلى صوته الضعيف: اطلبي الدكتور يا ولية بقول لك بموت.
صكت وجهها بكلتا يديها وغمغمت: ما عنديش أرقام دكاترة.
صمتت قليلا تفكر ثم هتفت: لقيتها ثواني يا أخويا هروح أنادي كامل ابنك ياخدك المستشفى دلوقتي.
وبعد حوالي نصف ساعة دلف الطبيب من غرفة الكشف وإمارة الحزن ترتسم جليا فوق قسمات وجهه وهتف بخفوت وصل إلى مسامع كل من كامل ووالدته: للأسف يا جماعة المريض عنده سرطان في المعدة في مرحلة متأخرة.
شعر كامل بأن الأرض تميل به فألقى بجسده فوق أقرب مقعد
بينما الحاجة فتحية راحت تضرب وجهها بكلتا يديها وهي تهتف بعويل: يا نهار أسود سرطان سرطان ده بيقوله اللي يبجيله المرض الملعون ده بتبقى آخرته الموت يا خسارتك يا معلم فكري يا خسارتك.
قطعت وصلة العويل الخاصة بها عندما دلفت إحدى الممرضات وهتفت بلهفة: أستاذ كامل والدك عايزك جوه ضروري.
ركض للداخل فانسابت دموعه تلقائيا وهو يرى والده ممددا فوق الفراش وبعض الأسلاك موصولة بجسده
لأول مرة يرى والده ضعيف إلى هذه الدرجة لطالما عاهده شخصا قويا صلبا شديد.
دنا منه وسأله بلهفة: خير يا أبا محتاج إيه؟
أجابه بضعف: عايز الحاج سعد هنداوي يا ابني أرجوك عايزه بسرعة محتاج أقول له حاجة قبل ما أقابل وجه كريم.
❈-❈-❈
فتحت عينيها بتثاقل وتلقائيا وضعت كفها فوق بطنها فأبصرته جالسا واضعا رأسه بين كفيه
فنادته بخفوت: رامي.
رفع عينيه يرمقها باعتذار.
فسألته بلهفة: شو يلي صار معي ابني منيح مو هيك؟
صمت وهو يشعر بالندم فماذا سيقول لها؟
سيقول إنها خسرت جنينها بسببه كما أنهم اضطروا لاستئصال رحمها بسبب النزيف القوي الذي أصابها ولم يستطيعوا التحكم فيه بطريقة أخرى ماذا سيخبر ليخبرها أنها لن تصبح أما بعد الآن من المؤكد أنها ستلومه على كل شيء.
أجفل على صوتها المرتفع: ليش ما عم ترد علي أنا عم بسألك شو يلي صار معي وليش عم تبكي؟
ابتلع غصة مريرة في حلقه وهتف دون مقدمات: ابنك مات يا رغد وللأسف الدكاترة اضطروا يستأصلوا الرحم علشان حصل لك نزيف جامد امبارح في عملية التفريغ.
زاغت عينيها وهتفت بضياع: شو يعني ما راح صير إم أبدا راح ضل هيك لحالي طول عمري لا لا هيدا مو صحيح مو صحيح.
ظلت تكرر تلك الكلمات عدة مرات ثم راحت تصرخ بأعلى صوتها حتى كادت ان تمزق أحبالها الصوتية
فلم يجد سبيلا سوى أنه ركض للخارج يبحث عن طبيب كي يعطيها مهدئا فهي ما زالت مريضة وربما صراخها وحركتها العنيفة تؤثر على جرحها سلبا.
❈-❈-❈
اغتاظا من صمتها ذاك فهو منذ الصباح يتحدث إليها وهي تتجنبه تماما وكأنها لا تستمع إليه قط مما جعله يصرخ بها: عبير أنا من الصبح بتكلم وانت مش بتردي عليا هو في حاجة زعلتك مني أنا عملت حاجة؟
ازدردت ريقها بخوف وهزت رأسها نفيا مغمغمة: لا لا خالص أنا بس حاسة اني تعبانه شوية.
دنا منها يسألها بلهفة: تعبانه مالك يا حبيبتي أجيب لك دكتور؟
هزت رأسها نفيا
فاستطرد حديثه: طيب مالك إيه اللي وجعك بالظبط.
توردت وجنتيها خجلا مما جعله يضحك بقوة فهو فهم بأن عادتها الشهرية قد زارتها اليوم فدنى منها مقبلا وجنتيها بالتناوب مغمغما بجوار أذنها: خدي مسكن واشربي حاجة سخنة وارتاحي وأنا هجيب غدا وأنا جي بلاش تتعبي نفسك خالص.
خفق قلبها من اهتمامه ذاك لكن لن تسمح لها والدته بأن ترتاح ولو قليلا فهي تجعلها تنظف المنزل يوميا وكأنها خادمة وليست زوجة ابنها وعلى الرغم من أنها فكرت مرارا بأن تخبره بما يحدث معها لكنها تراجعت فلربما حدث خلاف بينه وبين والدته وهي لا تسمح بذلك لا تسمح بان ينشب خلاف بينه وبين والدته بسببها لذا التزمت الصمت.
أومأت له موافقة
فسحبها برفق من يدها وجعلها تتسطح فوق الفراش ثم دثرها جيدا وهتف في عجالة: أنا هروح اعمل لك بنفسي حاجة سخنة وهجيب لك مسكن من برة انت بس ارتاحي.
منحته ابتسامة جميلة
فدنا منها طابعا قبلة حانية فوق جبينها واندفع للخارج لينفذ ما أخبرها به تاركا إياها تشيعه بنظرات سعيدة فلأول مرة تشعر بالاهتمام من أحد غير والدها وشقيقها شردت قليلا تفكر في إصرار والدها على زواجها من رؤوف تنهدت بقوة فعلى الرغم من معاملة والدته القاسية لها إلا أنه يعاملها برفق يعاملها وكأنها ملكة متوجة كما أنها ترى دائما نظرات الحب في عينيه.
ظفرت بحرارة ثم غمغمت بخفوت: لو فعلا رؤوف بيحبني أنا هتفتح له قلبي وهدي نفسي فرصة أعيش مرة تانية أنا مش هفضل طول عمري حزينة كده واستسلم للظلم أنا اتظلمت قبل كده ومش هسمح لحد يظلمني تاني أبدا.
❈-❈-❈
بخطوات بطيئة ولجت إلى الشركة فاستقبلتها موظفة الاستقبال تسألها باهتمام: أقدر أساعد حضرتك؟
أومأت لها بابتسامة وغمغمت بخفوت وصل إلى مسامعها: -من فضلك- عيزة أقابل الأستاذ كريم الصاوي عندي مقابلة معاه عشان الوظيفة اللي فاضية.
نظرت إلى بعض الأوراق أمامها وسألتها بابتسامة بشوشة: حضرتك أستاذة غزل؟
أومأت لها عدة مرات.
فهبت واقفة تهتف بترحاب: أهلا وسهلا بحضرتك اتفضلي الأستاذ كريم مستنيكي.
أشارت لها على المصعد واستطردت حديثها: اتفضلي مكتب الأستاذ كريم في الدور الرابع.
أومأت لها عدة مرات وشكرتها بابتسامة ثم اتجهت حيث أشارت وقلبها يقرع الطبول فلأول مرة تخطو خطوة جادة كهذه لأول مرة تدخل سوق العمل وعلى الرغم من أنها حصلت على تقدير عالي في كلية التجارة إلا أنها خائفة وبشدة من خوض تلك التجربة لكن عليها أن تفعل ذلك من أجل بناتها ومن أجلها هي أولا
عليها أن تثبت لنفسها ولطليقها بأنها قوية وإنه خسر بتركه لها.
❈-❈-❈
هتفت بسعادة وهي تضع سماعة الهاتف: عمار يا عمار.
دلفا من غرفته بكرسيه المتحرك يسألها بلهفة: مالك يا مجنونة بتصرخي كده ليه على الصبح؟
دنت منه تضم رأسه إلى صـ درها وتمسد فوق خصلاته الفحمية مغمغمة بابتسامة: الدكتور الألماني وصل مصر امبارح وشاف الإشاعات والتحاليل بتوعك وقال إنه هيعمل لك عملية ونسبة نجاحها عالية جدا وإن شاء الله تقوم وتمشي على رجلك من تاني الدكتور قال لي إن الدكتور الألماني هيعمل لك عملية الغضاريف اللي في رقبتك وفي عملية تانية بسيطة كمان هتكون جنبها يعني هتعمل العمليتين مع بعض وإن شاء الله هتكون أحسن من الأول كمان.
ابتعد عنها برفق وراحا يرمقها بسعادة ويضحك على ابتسامتها الصافية ثم التقط يدها طابعا قبـ لة عميقة على ظهرها مغمغما بسعادة: ربنا يخليك لينا يا صَبا.
رفعت يده إلى فمها وقبـ لتها عدة قبـ لات صغيرة مغمغمة من وسط قبـ لاتها: ويخليك لينا يا عمار ودلوقتي بقى يلا تعالى لازم تجهز عشان نروح المستشفى حالا دلوقتي الدكتور الألماني جاي زيارة لمصر أسبوع واحد بس.
وبعد حوالي نصف ساعة
ها هما يقفان على قارعة الطريق ينتظران سيارة الأجرة فمن فرط حماسها رفضت أن تنتظر والديها وأخبرتهما بأنها ستذهب برفقته وهما سيتبعوهم كما أنها طلبت منهما أن يخبرون الحاج سعد فهاتفه مغلق منذ الصباح.
بينما على الجانب الآخر تسير بخطوات منكسرة وهي منكسة رأسها أرضا فها هي ذي عادت إلى نقطة الصفر عادت إلى منطقتها مرة أخرى عادت أسوأ من ذي قبل
غشيت الدموع عينيها فرفعت رأسها أعلى كي تمنع دموعها من السقوط ثم مسحت المتبقي منها بأطراف أناملها
وفجأة أبصرت عمار بكرسيه المتحرك يتلفت يمينا ويسارا فساقتها قدميها إليه حتى باتت قبالتهما
صكت على أسنانها بقوة عندما أبصرت صَبا تدنوا منه أجفلت على صوتها الناعم تهتف بلهفة: عمار أنا بصيت على التكسي مش لقياه الظاهر انه تاه مع اني والله مدياله علامة مميزة.
بترت حديثها عندما أبصرت زينة تقف أمامها ترمقها بغضب حارق انقبض قلبها تلقائيا عندما رأتها أمامها مجددا فهي خائفة وبشدة بأن تأخذ منها عمار مرة أخرى.
فتحت فمها لتتحدث إليها لكنها أغلقته على الفور عندما استمعت إلى صوت عمار الجاد يهتف بفظاظة: أهلا يا مدام زينة كنتي محتاجة حاجة؟
هزت رأسه بنفي ورمقته باشتياق لم يخفي على صَبا وغمغمت بلهفة: انا اطلقت يا عمار.
❈-❈-❈
في المشفى وقف قبالته يرمقه بحزن فلقد علم ما حل به من ابنه الأكبر وهو في الطريق إلى هنا
فسأله باهتمام ممزوج بالألم: خير يا معلم فكري اؤمرني.
ابتلع غصة مريرة في حلقه فماذا سيخبره الآن بعد أن رأى كرم ذلك الرجل وأبصر لمحة الحزن في عينيه لكن عليه أن يريح قلبه فهو شعر بأن ساعته اقتربت وعليه أن يريح ضميره قبل أن يذهب للقاء الله -عز وجل-.
أشار له ليدنو منه أكثر وسرعان ما استجاب له الحاج سعد
فهمس بصوت متقطع: سامحني يا حاج سعد أنا طلبت أشوفك قبل ما أموت عايز أخلص زمتي قدام ربنا
عايز أقول لك إن اللي حصل لعمار ابنك كنت أنا سبب أساسي فيه.
اتسعت حدقتا الحاج سعد في دهشة وغمغما بعدم تصديق: انت انت السبب في اللي حصل لعمار ابني!!
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية