-->

رواية جديدة سجن الحب لإسراء عبدالموجود الفصل 5

 

قراءة رواية سجن الحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية سجن الحب

من روايات وقصص 

الكاتبة إسراء عبدالموجود


الفصل الخامس

" دوامُ الحالِ منْ المحالِ " 



يا لها منْ حكمهِ عظيمةً ! لا يستقرُ بكَ المقامُ في مكانٍ واحدٍ ، دائما تتقلبُ بكَ الحياةُ في كافةِ الاتجاهاتِ والانحاءْ ، ليسَ المهمُ كيفَ أوْ لماذا ، خلافُ ما كانَ يفكرُ فيهِ ريكاردو في تلكَ اللحظةِ قامَ بالاتصالِ بوالدتهِ بالتبني حتى تتصلَ بيحيى ؛ ليخرجهُ منْ هذا المكانِ 



 لمْ يحتملْ البقاءُ أكثرَ منْ هذا ولا أنْ يستيقظَ فجأةِ في هذا المكانِ بعدَ أنْ كانَ يتأملُ بحياةٍ خاليةٍ منْ المتاعبِ ، كانَ لديَ يحيى الكثيرَ منْ الأسئلةِ والكثيرُ منْ الأمورِ التي يرغبُ في الاستفسارِ عنها ، رغمَ ذلكَ كانتْ الأولويةُ دائما لإنقاذِ ريكاردو منْ المكانِ الذي هوَ فيهِ أولاً ، بعدها يمكنهُ سؤالهُ عما حلِ بهِ وكيفَ انتهى بهِ الأمرُ في السجنِ . 


منْ حسنِ الحظِ سمحَ لهُ المحققُ بالدخولِ ؛ للحديثِ معَ ريكاردو لبعضِ الوقتِ حتى يتمكنَ منْ إنقاذهِ ؛ ربما شعرَ بالشفقةِ على ذلكَ الشابِ الصغيرِ وما ينتظرهُ ، ربما لأنَ ذلكَ الصغيرِ أدركَ أنَ مستقبلهُ ينتهي جراءَ تصرفٍ طائشٍ عديمٍ التفكيرِ . 


تشنجُ يحيى في جلستهِ ، مهما حاولَ أنْ يبديَ خلافُ ذلكَ ملامحهُ منقبضةٌ وقبضهُ يدهُ التي شعرَ ريكاردو بها تكاد تصطدمُ وجههُ تخبرهُ بوضوحِ عنْ المشاعرِ السلبيةِ التي بداخلِ يحيى. 


- لنبدأْ منْ البدايةِ ، كيفَ انتهى بكَ الأمرُ في قسمِ الشرطةِ ، لقدْ تركتكَ في المنزلِ حتى ترتاحَ منْ إصابتكَ وبعدها نكملُ حوارنا الذي لمْ ينتهيَ ، لأجدْ كاليدا تتصلَ بي وتخبرني أنكَ بقسمِ الشرطةِ بتهمةِ تخريبِ الممتلكاتِ والشجارِ ؟ 


سئمَ منْ الحوارِ الذي لا يتوقفُ ، مقررا أيْ يساهمُ في أيِ حوارٍ آخرَ ، ألا يستجيبَ لمحاولةِ يحيى للتوغلِ إليهِ ، قلبُ عينيهِ ، بينما يخبرُ يحيى بلامبالاهْ ظاهريةً . 


- هلْ ستستطيعُ إخراجي منْ هذا المكانِ الليلةِ أمّ علي أنْ أجدَ محامي آخرُ قادرٌ على مساعدتي ؟ 



رفعُ لهُ حاجبهِ باستنكارِ في مثلٍ هذا الوضعِ ، هذا الشابِ يستمرُ بالوقاحةِ ، أنَ غفرَ لهُ ما قالهُ سابقا ، هذهِ المرةِ منْ الصعبِ التغافلِ عنْ كلامهِ . 


- في السابقِ كانَ لديكَ العذرُ أما الليلة ما هوَ ، لا شيءً ، خروجكَ منْ هنا ليسَ المشكلةَ ، المشكلةُ الحقيقيةُ أنكَ لمْ تقررْ بعدما الذي ستفعلهُ ؟


 أشاحَ بوجههِ عنهُ ، تمكنَ منْ قراءتهِ بسهولةِ حتى إنَ كانَ اللقاءُ لمْ يدمْ بينهما بضعُ ساعاتٍ ، يمكنَ القولُ إنها كانتْ ليلةٌ واحدةٌ ، ذلكَ المحامي ليسَ شخصا سهلاً ، هوَ لا يرغبُ في أيِ حواراتٍ جانبيةٍ ، يحتاجَ الآنَ أنْ يقومَ بتصفيةِ ذهنهِ لبعضِ الوقتِ.



 - ما دمتُ قادرا على إخراجي ، فلتقومَ بالتواصلِ معَ المحققِ حتى تقومَ بكافةِ الإجراءاتِ اللازمةِ لخروجي ، فيما يتعلقُ بممتلكاتٍ يمكنني إصلاحها منْ جديدٍ ، المهمَ أنْ أقومَ بالرحيلِ منْ هنا .


 جرتْ العادةُ أنْ يكونَ يحيى الشخصِ صاحبَ القيمِ والأخلاقِ ، أخلاقياتهُ تلكَ هيَ منْ ساعدتهُ على بناءِ علاقاتٍ طيبةٍ معَ أغلبِ عملاءِ مكتبهِ ، في نفسِ اللحظةِ لنْ يمنعهُ ذلكَ منْ أنْ يكونَ مخادعا ولوْ لدقائقَ أوْ أنْ يستغلَ معلوماتهِ القانونيةَ لمصلحتهِ الوحيدةِ ، هيَ عودةُ أبناءِ حسنٍ إليهِ حتى إنَ كانَ هذا رغما عنهمْ . 


رفعُ كتفيهِ بنوعٍ منْ الاستسلامِ واليأسِ ، محفزا ريكاردو على الشعورِ بالقلقِ .


 - القوانينُ هنا مختلفةً تماما عما في بلادنا العربيةِ ، لنْ أستطيعَ مساعدتكَ بالكثيرِ ، لقدْ اخطاتْ حينِ قررتْ أنْ تقومَ بأخذِ حقكَ بتلكَ الطريقةِ الهمجيةِ ، لوْ أنكَ حاولتْ التواصلَ معي ربما ساعدتكَ ، لكنَ آلانْ أنتَ في ورطةٍ حقيقيةٍ .



 لمُ يستسخْ كلماتهُ ، لمْ تقنعهُ بالقدرِ الكافي ، فهوَ أيضا ليسَ غرَ ، ضيقُ عينيهِ ناظرا بقوةٍ إلى عينيهِ .


 - أيُ خدعةٍ جديدةٍ تحاولُ أنْ تلعبَ ؟



 اتكأَ بذراعهِ على الطاولةِ التي تفصلهُ عنْ ريكاردو ، حيثُ يجلسُ مقابلاً لهُ في تلكَ الغرفةِ التي لا يوجدُ بها سوى كرسيٍ وطاولةٍ ، منْ خلالِ ذلكَ الزجاجِ العاكسِ يعلمُ أنهُ مراقبٌ لكنَ الاستماعَ للحوارِ ممنوعٍ ؛ طبقا للإجراءاتِ القانونيةِ . 



- ما منْ خدعةٍ أوْ لعبةٍ ، هدفي واضحٌ أنْ تعودَ إلى عائلتكَ منْ جديدٍ ، والدكَ يمرُ بنوبةٍ قلبيةٍ ، لا أعلمُ إنَ كانَ سينجو منها أمْ لا ، مهما كانتْ قوةُ الغضبِ التي تحرككَ ، لنْ تكونَ أقوى منْ رغبتكَ في رؤيةِ والدكَ والاطمئنانُ عليهِ .


 رفعُ رأسهِ لأعلى بتنهيدة حارةٍ ، كلما شعرَ بالضيقِ يتوجهُ إلى خالقهِ ، الوحيدَ الذي يشعرُ بهِ ، يمكنهُ أنْ يشكوَ إليهِ ضيقهُ ، لوهلةٍ لمْ يصدقْ يحيى لمعهُ الدموعَ التي شعرَ بها في عيني ريكاردو ، ظنَ أنها مجردُ وهمٍ فحسبَ ، رغما عنْ خرجتْ نبرةَ ريكاردو بائسةً حزينةً . 



- هلْ تظنُ أنهُ لولا تعرضهُ لتلكَ النوبةِ القلبيةِ هلْ كانَ ليبدأَ البحثُ عني أوْ والدتي الممثلةِ المعروفةِ كانتْ لتهتمَ أينَ هوَ طفلها ، ماذا يأكلُ كيفَ يعيشُ معَ منْ يتعاملُ وما يسمعهُ كلُ يومِ منْ ذاكَ وتلكَ ، أشعرُ بحديثكَ عنهمْ أنهمْ غرباءُ عني رغمَ صلةِ الدمِ التي تربطنا والتي لا أشعرُ بها . 



لا يستطيعُ لومهُ أوْ إلقاءِ العتابِ إليهِ هوَ ، ضحيةٌ . . . ضحيةُ أنانيةِ أمِ وغطرسةِ أشخاصٍ بحثوا عنْ مصالحهمْ الشخصيةِ على حسابهِ ، تسللَ إليهِ شعورُ الشفقةِ عليهِ .



 - أنْ كنتُ تسألُ عنْ رأيي قبلَ أنْ تفعلَ أيَ شيءٍ ، أنتَ بحاجةٍ لأنْ تثبتَ منْ تكونُ ، بقائكَ هنا لنْ يبقيكَ بعيدا عنْ القيلِ والقالِ ، لنْ يمنعَ أنْ تسمعَ لبعضِ الكلماتِ القاسيةِ التي كنتُ تسمعها طوالَ الوقتِ ، على الأقلِ أنْ كنتُ ستعودُ منْ جديدٍ إلى حياتكَ هنا ، ستكونُ حاملاً لاسمِ آبَ حقيقيٌ وعائلهُ تنتمي إليها ، لا أحدَ أجبركَ على البقاءِ ، لكنْ على الأقلِ أحظى بعضُ الحقوقِ .


 كمٌ يكرهُ أنْ يبدوَ يحيى محقا بالفعلِ ، إنهُ بحاجةٍ لأنْ يحظى باسمِ عائلتهِ ، على الأقلِ سيتمكنُ منْ مغادرةِ هذا المكانِ ، لكنهُ تظاهرَ بعدمِ الاقتناعِ بكلامهِ ، مقررا ادعاءَ الانفعالِ المصطنعِ .



 - فقطْ قمْ بإخراجي منْ هذا المكانِ ، بعدها سنرى ما الذي سنفعلهُ بشأنِ العودةِ . 



حينها قرارَ يحيى أنْ يلقيَ بحجرِ بتلكَ البحيرةِ الراقدةِ ، يستطلعَ منها مشاعرهُ الحقيقيةُ .


 - حسنْ عبدِ الرحمنْ الموجيِ . 




ارتبكتْ عيني ريكاردو حينَ سمعَ ذلكَ الاسمِ ، فضلَ أنْ يبعدَ وجههُ عنهُ ، أنَ يعودُ للنظرِ إلى أيِ مكانِ باستثناءِ يحيى الذي شعرَ بحقيقةِ تأثيرِ ذلكَ الاسمِ . 



- أنهُ اسمُ والدكَ أما والدتكَ اسمها رجاءْ الصانعْ . 


حملُ الملفاتِ التي تخصُ القضيةُ وغادرَ المكانُ دونَ أنْ يتفوهَ بأيِ كلمةٍ أخرى ، اكتفى بما قالَ ؛ مستمتعا بردةِ الفعلِ التي أعطاهُ إياهُ ريكاردو دونَ أنْ يشعرَ ، هناكَ أملُ يوما ما أنْ تتغيرَ طريقةُ نظرتهِ إلى عائلتهِ وإلى حياتهِ ، أنهُ فقطْ بحاجة إلى الصبر.




لمْ يكنْ لديهِ أيُ شكٍ في قدرةِ يحيى على الخروجِ بهِ منْ هذا المكانِ ، إلا لما طلبَ منْ والدتهِ أنْ تتصلَ بهِ ، إنَ كانَ هوَ محامي الخاصِ بوالدهِ الذي يعلمُ مدى ثرائهِ في بلادهِ ومقاومتهِ لمنْ يريدونَ قطعةُ الأرضِ تلكَ ، فلا يجبُ أنْ يكونَ ضعيفا . 




- يحيى يمكنكَ العودةَ إلى المنزلِ أنا سأبقى لبعضِ الوقتِ ، لديَ أمرٌ على التحققِ منهُ قبلَ العودةِ . خشيَ أنْ يتهورَ مرةً أخرى ، أنْ يقحمَ نفسهُ في أيِ شجارٍ أوْ مشكلةٍ ، لمْ يبدِ في حالةٍ صحيةٍ واعيةٍ لما يفعلهُ ، قدْ لا يكونُ على المعرفةِ الكافيةِ بهِ ، لكنَ ما علمهُ منْ كاليدا وزوجها يبدو مختلفا تماما عنْ الصورةِ التي يراها الآنَ ، امسكْ بعضدهِ قبلُ أنْ يذهبَ ، حاولَ جعلهُ يتراجعُ . 





- ليسَ قبلَ أنْ أعلمَ المكانُ الذي ستذهبُ إليهِ ، لا مزيد منْ التهورِ لنْ أترككُ دونَ أنْ أكونَ معكَ في كلِ مكانٍ .





 ترددَ قليلاً بشأنَ السماحِ ليحيى بالقدومِ معهُ ، لكنهُ بالنهايةِ رضخَ إلى طلبهِ ، أخبرهُ بالمكانِ الذي يذهبُ إليهِ مستغلا السيارةَ التي أتى بها يحيى حتى يصلا إلى المكانِ الذي يريدهُ ، لمْ يكنْ سوى زفافِ رامونا تلكَ الفتاةِ التي كانتْ يوما سيتزوجُ بها . 




حافظَ على بقائهِ بعيدا راقبهُ يحيى يفعلُ ما يشاءُ دونَ أنْ يتحاورَ معهُ أوْ يقنعهُ بالعكسِ ، ربما كانَ رؤيتهُ لهذا المشهدِ ستغيرُ الكثيرَ منْ وجهةِ نظرتهِ ما سيعنيهُ في حياتهِ منْ يدري .




 بمكانِ آخرَ مختلفٍ في بلادنا الحبيبةِ مصرَ ، علمتْ رقاءْ بما أصابَ زو جها السابقَ ، لطالما علمتْ أنَ الكذبَ هوَ الطريقُ للحصولِ على أيِ شيءٍ ، لكنها كانتْ مقررا خداعهُ فقطْ ، لقدْ كذبتْ على نفسها لسنواتٍ ، أنها لا تهتمُ ، لا تبالي ، لا تبكي عليهِ ، لكنَ ما إنْ علمتْ منْ يحيى بما أصابهُ ، قضتْ يومينِ عصيبينِ ، بلا نومِ حتى أحلامِ اليقظةِ لمْ ترحمها . حتى أنها هربتْ مما لديها منْ عملٍ ، تنكرتْ ، تخفتَ ، بذلتْ جهدا حتى لا يتعرفُ إليها أحدُ وهيَ تتسللُ إلى رؤيةِ زو جها السابقَ في المشفى للاطمئنانِ عليهِ ، بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ لنْ تدعهُ يدركُ أنها ما زالتْ تهتمُ بشأنهِ ، ليسَ صعبا الوصولَ إليهِ ، بعضُ المالِ سيسمحُ لبعضِ الممرضاتِ بالسماحِ لها بالدخولِ إلى غرفتهِ في عدمِ وجودِ أيِ شخصٍ ، فهوَ لمْ يكنْ يمتلكُ أحدٌ غيرها ويحيى . 



أما يحيى ليسَ هنا ، لا تعلمُ أينَ هوَ ، ربما تحصلُ على فرصةِ رؤيةِ زو جها ، كلُ الكلماتِ التي قالتها لنفسها حتى تكونَ قويةً في حضورهِ أثبتتْ فشلها ، تمَ إلقاؤها منْ النافذةِ ما أنْ رأتهُ على ذلكَ النحوِ ، تلكَ الحالةِ الضعيفةِ مريض ضعيفٍ عاجزٍ بعالمٍ مختلفٍ عنْ عالمها ، هذا لمْ يكنْ زو جها الذي أحبتْ وقضتْ معهُ أجملَ ثلاثِ سنواتٍ في حياتها كلها ، هذا لمْ يكنْ والدُ أطفالها الذي كانتْ تعلمُ يقينا أنَ ما منْ أحدٍ قادرٍ عليهِ ، لا منْ يسعونَ خلفُ تلكَ الأرضِ ولا غيرهمْ .



 تلمستُ ي _ دهْ الباردةَ التي لمْ تكنْ هكذا ، كانتْ في السابقةِ دافئةً آمنةً حالمةً ، لمْ تتخلفْ يوما عنْ رؤيةِ صورةِ وأخبارهِ على موقعِ التواصلِ الاجتماعيِ أوْ في الأخبارِ ، كانَ يعنيها أكثرَ منْ أيِ شخصٍ هوَ وأبنائها ، كانَ العالمُ بالنسبةِ لها حتى أنَ اضطرتْ للتضحيةِ بهمْ لسببٍ أوْ لآخرَ ، ألقتْ بكلِ أفكارها إلى نهايةِ رأسها بينما تمسكَ بي _ دهْ بعدَ ابتعادِ سنواتٍ ، هوَ أمامها الآنَ لا يفصلُ عنها شاشةٌ أوْ أماكنَ وبلادٍ ، رغما عنها لمْ تتمكنْ منْ حجبِ دموعها عنها .


 - حسنْ اشتقتَ إليكَ ، منْ فضلكَ عدَ منْ جديدٍ أنا وأبنائكَ بحاجةٍ إليكَ ، لا يمكننا الحياةَ بدونكَ ، لا تعلمُ ما الذي تكبدتهُ في سبيلِ العنايةِ بهمْ ، إبعادهمْ عنْ الخطرِ ، أنا أسفهُ لاني أبعدتهمْ عنكَ ، ربما تعدْ الأمرَ أنانيةً ، لكنهُ كانَ قلقا وخطرا يداهمُ أحبائي وعائلتي الصغيرةُ ، لمْ أستطعْ الحفاظُ عليها ، تمكنَ ذلكَ المعتدي منْ سرقتها منيَ . 


رفعتْ يدها الأخرى تبعدُ تلكَ الدموعِ عنها ، تتابعَ حوارها الصادقَ الذي خرجَ منْ قلبها إليهِ ، بلْ منْ أعماقِ قلبها وإحساسها . 


- لمْ أحبْ سابقا رجلاً غيركَ ، كنتَ حبي الأولَ والأخيرُ ، لمْ تخفْ عيوني عنكَ وعنْ أبنائنا ، لقدْ كبروا ليصيروا مثلكَ بنفسِ شجاعتكَ وقوتكَ ، تلكَ الحميةِ والدماءِ الحارةِ التي تجري بداخلكَ ، يوما ما ستتمكنُ منْ اللقاءِ بهمْ ، منْ المؤسفِ أنني لنْ أكونَ جزءا منْ تلكَ الحياةِ منْ جديدٍ ، لكني أعلمَ أنكَ ستنتبهُ لهمْ ، وسطَ كلِ الحبِ الذي بداخلكَ وهمْ لنْ يبخلوا عنكَ بهِ .


 تذكرتْ الفيديو الذي عمَ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِ الذي يخصُ طفلها ريكاردو ، كانتْ تتابعُ أخبارهُ تمتلئُ غرفتها بصورهِ هوَ وأخواتهُ في مراحلِ حياتهمْ ، لمْ تستطعْ فهمَ أيِ جرأةٍ حلتْ على تلكَ الفتاةِ لتحطمِ حياةِ ابنها بهذا الشكلِ حتى تسيءَ إليهِ ، تجعلهُ مادةٌ للشهرةِ والسخريةِ وسطَ الجميعِ . 


- علمتْ بما حدثَ لريكاردو ، تلكَ القبيحةِ قامتْ بالعبثِ معَ ابننا الأكبرِ ، قامتْ بنشرِ فيديو على وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ ، تسخرَ منهُ تهينهُ بشكلٍ وقحٍ منها كونهُ يرغبُ في الزو اجْ منهُ ، لنْ اتركها تنالَ منْ ابني ما دمتُ حيةً ، يكفي أنهُ ابتعدَ عني لسنواتٍ لمْ أستطيعَ احتضانهُ تقبيلهُ أنَ أملاً رئتي برائحتهِ العاطرةِ الطفوليةِ ، أنْ تكونَ كلمةُ ماما أولِ كلمةٍ ينطقها على لسانهِ ، أنَ اذهبْ معهُ في أولِ يومٍ دراسيٍ أنْ أكونَ معهُ في كلِ خطوةِ كلِ حلمٍ ، لقدْ حرمتْ منْ كلِ شيءِ معهُ .


 فقطْ الآنَ يمكنها الحوارُ منْ قلبها ، لا تعلمُ كيفَ تخرجُ الكلماتُ منْ فمها ، لكنها تخرجُ منْ دونِ تخطيطِ منْ دونِ تفكيرِ منْ دونِ أنْ تقومَ بالإعدادِ لها ، فقطْ تتركُ نفسها للتعبيرِ والحوارِ ، يشعرَ بها ، يفهمها يمكنُ أنْ يخففَ عنها ، أنَ ينسيها المها . 


هذهِ المرةِ بدا كأنهُ شعرَ بوجودها ، منْ يدهِ التي تمسكتْ بيدها كأنهُ كانَ يعلمُ أنَ هنا ، أنها ستأتي لرؤيتهِ توقفتْ عنْ الحوارِ والكلامِ ما أنْ انتبهتْ لأنهُ بدا يستعيدُ وعيهُ ، بدا ج _ سدهُ يتحركُ ، ي _ دهْ تمسكتْ بها ، كأنها تخبرها ألا تغادرُ منْ جديدٍ ، عينيهِ تحاولُ أنْ تراها أنْ تنظرَ إليها ولوْ لمرةِ واحدةٍ بعد سنواتٍ منْ الفراقِ والبعدِ والألمِ . 


صوتها وصلَ إلى قلبهِ الذي ظلَ يحاربُ حتى انتصرَ في معركتهِ ، أصرَ القلبُ حتى يكونَ هوَ المتحكمُ هذهِ المرةِ ، حتى لا يسمحُ لتلكَ الحساباتِ العقليةِ باقتحامِ تلكَ المساحةِ الشخصيةِ الجميلةِ الهادئةِ ، فكانَ لهُ ما أرادَ لقدْ كانتْ أولَ وجهٍ يراهُ ما أنْ استيقظَ ، أولُ وجهٍ يقابلهُ فهوَ يمسكُ بي _ دها كما تخبرهُ ، أنها هنا منْ أجلهِ حاولتْ أنْ تبعدَ يدها أنَ تهربَ منْ لقائها معهُ ، ليسَ في صالحهِ ولا صالحةً ؛ لأنهُ سيعيدُ سؤالهُ ، نفسُ السؤالِ لما هربتْ ولما عادتْ ، في كلا الأحوالَ هيَ لا تملك أجابهُ واضحةً تستطيعُ أنْ تريحهُ أوْ توقفِ الأسئلةِ التي تتحكمُ برأسهِ .


 هيَ لا تملكُ أيَ شيءٍ يمكنها أنْ تعطيهُ لهُ ، قبضتهُ على يدها أخبرتها أنهُ لنْ يسمحَ لها بالذهابِ ، لنْ يتركها تغادرُ هذهِ المرةِ ، هلْ كانتْ حقا ترغبُ في أنْ تغادرَ ، أنْ تبتعدَ أنْ تخرجَ منْ هذا المكانِ ، لا إنها كاذبةٌ لمْ ترغبْ في شيءِ أكثرَ منْ أنْ تبقى بجانبهِ ، إلا تتركهُ لحظةٌ واحدةٌ ، ألا يغيبَ عنْ عيناها وقلبها أبدا ، لكنها تعاودُ الكذبَ في كلِ مرةٍ على نفسها بأنها أكثرُ منْ قادرٍ على الهربِ منهُ ، عليها أنْ تتركهُ يتجرعُ الألمُ والحسرةُ ، أنها ستكونُ بخيرِ حينَ تبتعدُ عنهُ ، لكنها في كلِ مرةٍ لا تكونُ بخيرٍ .




 - شعرتْ بكَ حتى صوتكَ كانَ يصلني ، لهذا أتيتُ لما فعلتْ هذا بنا ، لما أتيتَ يا رجاءً ؟


 ليسَ لديها الجرأةُ على النظرِ إلى عينهِ ولا لمواجهتهِ ، حلها دوما كانَ الهربُ حتى إنَ كانتْ ستصرخُ مناديةً الطبيبُ حتى يطمئنَ عليهِ ويرى أنَ كانَ بخيرٍ ، استغلتْ ذلكَ الكشفِ الطبيِ الذي أجبرهُ أنْ يبعدَ ي _ دهْ عنها حتى يتمَ الاطمئنانُ عليهِ ثمَ بعدَ أخذتْ تركضُ بعيدا ، سمعتْ صوتهُ يناديها لكنها لمْ تعدْ أبدا ، فقطْ رحلتْ منْ جديدٍ ، في تلكَ الرحلةِ التي لا يعلمُ أحدٌ متى ستعودُ منها ومتى ستنتهي ، تستمرَ بالهربِ ويستمرُ في السؤالِ لما ؟ 


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة إسراء عبدالموجود من رواية سجن الحب، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة