رواية جديدة البحث عن هوية لهالة محمد الجمسي - الفصل 16
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة
هالة محمد الجمسي
رواية البحث عن هوية
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل السادس عشر
متاهة الظنون
(إن تلك الأوراق العالقة بين الأمس واليوم لا تحمل سوى بضع سطور بيضاء تكاد تكون شبه خالية، فقط هناك بضع حروف متناثرة
لا تعطيك إشارة إلى وجود كلمة واحدة، يمكنك من خلالها أن تبدأ وضع جملة واحدة تستطيع أن تقرأها، أنظر إلى القلم الذي يكتب يبدو خائفاً يرتعش يكاد يمحو ما كتب من فرط الأهتزاز والندم،
لا يمكن أن تلقى باللوم على القلم الذي يجاهد أن يسطر جزء من الحرف، ولكنك تستطيع أن تشعر بحيرة القاريء الذي يبحث عن مفتاح اللغز، فكل الطرق تؤدي إلى لاشيء)
تمتم حاتم بالكلمات في نفاذ صبر وهو يراقب عين الطفل الذي يظهر في وضوح التردد الذي يعاني منه والتشتت الذي جعل دفعات من الحزن تسيطر على كل جوارحه إلى أن شعر بحاجته إلى التنفس قليل ففاض دمعه في صورة أخيرة من تعبيره
عن قلة حيلته وتيهته في أمره
نظر حاتم إلى السيارة التي كانت قد غادرت بالفعل ونظر إلى غادة في حين صرخت غادة:
_لقد شاهدته هل شاهدته فعلاً ؟
هز حاتم رأسه علامة الموافقة ثم قال:
_كان يريد أن يلقى عليك التحية ولكنه تراجع عن هذا
قالت غادة وهي تنظر إلى السيارة التي ابتعدت بمسافة
كافية:
_هو يعرف من أنا؟ يعرف أليس كذلك؟
وضع حاتم يده على جبهته صمت قليل وظهر التفكير العميق على وجه ثم قال:
_دموع الطفل هي من تؤكد هذا ولا شيء آخر
قالت غادة في حيرة:
_دموع كريم!!؟
أعقب حاتم وهو يحك يد بجبهته:
_كان من الممكن أن أعطي تفسير آخر إلى الموقف إذا كان الطفل لم يظهر عليه الحزن واضح إلى هذى الدرجة، كان من الممكن أن نعطي تفسير أنه ظن انك شخص آخر لهذا تراجع أن يلوح لك، ولكن السبب الذي جعله يتراجع هذا يؤكد خوفه
تمتمت غادة في حيرة:
_خوف؟!
التقط حاتم نفس عميق ثم قال:
_غادة إنه مجرد طفل، خوفه يكون أضعاف خوف الشخص البالغ الراشد لقد فقد منذ أيام والدته، وهذا شيء عميق وجرح غائر وسبب من أسباب خوفه أيضاً
تنهدت غادة في حزن ثم قالت:
_أستطيع أن أشعر بالطفل وبما يمر به ولكن أنا في حاجة إلى الحديث له
نظر لها حاتم في تفكير ثم قال:
_الأمر لن يكون سهل، هل تتوقعين أن نذهب الى الأب ونبلغه برغبتنا في لقاء ولده دون إيضاح السبب ؟ ماذا سوف يكون رد فعله؟ ماذا يريد هؤلاء من ولدي؟ وإذا تم تفسير سبب المقابلة هل تتوقعين أن الرجل سوف يوافق على هذا؟ هل تدركين ما أنت تريدن القيام به؟
فتاة فاقدة الذاكرة ترغب بمقابلة طفل صغير من أجل والدته؟ هل سوف يسمح السياسي بهذا الأمر؟ سوف يرفض من أجل الطفل مرة، ويرفض من أجل الوضع السياسي ألف مرة، الأمر ليس طبيعي إلى رجل مثله إذا نظر له، لن تكون الأمور مثل ما ننظر لها، الأمر مريب كاف أن يولد لديه طوفان شكوك وبركان ظنون عاتية وقد يكون يظن أن هناك من يقوم بحيلة ما أو خدعة من نوع ما،
تعلمين السيرك السياسي ليس ءامن القفز على حباله
تمتمت غادة وهي تشعر باليأس من كلمات حاتم:
_ولكن كريم قد يكون هو إجابة كل سؤال لدي، أريد فقط منه أن يخبرني من أنا؟ من أكون
زفر حاتم في ضيق ثم قال:
_غادة أنا فقط افكر كما يفكر الرجل، أضع احتمالات رد فعل له، أنظري إلى ما يحيط به، الرجل يواجه عدة معارك عليه أن ينتصر بها في ذات الوقت،
الرجل لم يتجاوز فكرة فقدان زوجته بعد، كريم مجرد طفل صغير، إسماعيل شوبان لم يتعرف على شخصك وهذا لمسته في نظرته لك، كذلك فعل كريم في باديء الأمر، أو أن::::
نظرت غادة له في استجداء وتوسل أن يكمل مما دفعه أن يقول:
_أظن كريم لم يبد أن يظهر أمام والده أنه يعرفك، هذا هو تفسير ما حدث
تمتمت غادة في حيرة:
_هذا يزيد الأمور تعقيد، ما شاهدته في وجه كريم لن تتجاهله أبداً، كريم هو خيط معرفتي بالحقيقة كاملة، لن أترك هذا الأمر وأمضي لن أفعل هذا
يجب أن أذهب إلى كريم
أنطلق حاتم بالسيارة في حين أكملت غادة في إصرار:
_سوف أفعل هذا الأمر بمفردي، سوف أذهب إلى منزلهم مباشرة، سوف أفعل ولن أتراجع عن هذا القرار، من فضلك يا حاتم اذهب مباشرة إلى منزل السياسي إسماعيل شوبان، يمكنك أن تظل في الخارج إلى حين الانتهاء من مقابلتي مع الطفل
ارتفع صوت حاتم وهو يقول في لهجة تحذير:
_ليس عليك الركض وراء الرياح المثارة بالأتربة، الأمر ليس لهو أو عبث، أنت تحدثت عن أمر خطير قد حدث، وما أشاهده وألمسه بذاتي هو أمور خفية أكثر منها واضحة، العديد من الأسئلة بلا إجابات، لا أحد يمتلك الإجابة، ربما كان الخطر الذي تخافين منه هو ما تسعين له بكامل إرادتك عليك تذكر أمر ما، تحدثت عن ريناد والخطر يحيط بها ريناد كانت ءامنة وأظن أنك أنت من كنت في بئر الخطر، مثل ما يحدث الآن ريناد انتهت قصتها وأنت من لا تعرفين أين موقعك من القصة كلها؟
هتفت غادة وهي تنظر إلى وجه حاتم في إصرار وعزم:
_سوف أذهب إلى هناك، سواء حصلت على إجابات أو لا، لن أقف مكتوفة اليد وشيء من أمل يلوح لي
قال حاتم وهو يخفف من سرعة قيادته إلى السيارة:
_سوف أذهب معك، محال أن أتركك وحدك
❈-❈-❈
توقفت سيارة حاتم أمام منزل إسماعيل شوبان، الحراس المكلفون بحماية المنزل ينتشرون في كل مكان، هبط حاتم من السيارة، ذهب إلى حيث أحد رجال الأمن وقال في لهجة هادئة:
_أرغب في مقابلة السيد إسماعيل شوبان
نظر له رجل الأمن في لا مبالاة ثم فرد يده قائلاً:
_أين ورقة الدعوة؟
لم يجب حاتم مما دفع الرجل أن يعقب:
_دعوة مختومة من المكتب الخاص بالسيد إسماعيل شوبان تفيد أن الزائر على موعد سابق والسيد ينتظر
توقفت خطواته غادة إلى جوار حاتم، قبل أن يتحدث قالت في صوت واثق:
_هل يمكنك إخبار السيد إسماعيل أن أحدي الصحفيات
ترغب في مقابلته؟
القى رجل الأمن نظرة نفاذ صبر إلى غادة ثم قال في صوت مرتفع بعض الشيء:
_بإمكانك التحدث مع المكتب أولاً
هتفت غادة في إصرار:
_أبلغ السيد الآن أن صحفية ترغب في مقابله بشأن جريدة الإهرام المصرية من أجل لقاء صحفي
نظر لها رجل الأمن في حيرة، في حين وضعت غادة يدها على مرفق يد حاتم وقالت وهي تسير في هدوء عدة خطوات إلى الخلف:
_لا بأس من انتظار دقيقة واحدة إضافية
نظر لها حاتم بغضب، كاد أن يطلق سيل من التوبيخ محذراً إياها من غباء الكذب الذي انتهجته، ومحاولتها الغوص في البحر دون ارتداء ملابس الإبحار، مما دفعها أن تقول في صوت يحمل الكثير من الأستسلام:
_لا فائدة من توخى الحذر فالأمر في الابتعاد يبدو أكثر خطر، نحن ندور في دوائر مغلقة في حين يبدو الطريق الصحيح نصب العين ونحن من نرفض أن نسلكه
الخطر ليس ما تم معرفته، الخطر هو ما نهرب منه دون مواجهته
قال حاتم وهو ينظر لها في عتاب:
_الخطر الحقيقي أن ننتحل صفة أشخاص وهميين وننتحل كذلك وظائف لا تنتمي لنا، سوف يتم كشف أمرنا في اللحظة الأولى من رؤيته لك، أين بطاقتك النقابية الخاصة بالصحافة؟ أين الآت التصوير الخاصة بنا؟ يا إلهي يا غادة أنت حقاً لا تدركين عمق كذبتك
هل تعتقدين أن الرجل ساذج احمق؟
تصرفاتك الهوجاء
قد تجعل الأمر أكثر تعقيد، لقد تعرف رجل الأمن على وجه كل منا، هذا يجعل فرصة مجئنا إلى هنا مرة ثانية والحصول على موعد مع إسماعيل أمر مستحيل
تمتمت غادة وهي تنظر إلى رجل الأمن الذي يتحدث في جهاز اللاسلكي:
_فلنأمل أن تمر
الخدعة بسلام، فلنأمل أن يحالفنا شيء من حظ الصادقين النية، ونحصل على لقاء الآن
قال حاتم في غضب:
_ليس علينا أن نلقى بشباك في صحراء ونتوقع صيد سمكة
أنهى رجل الأمن الأتصال، أسرع الخطى نحو كل منهم ثم قال في لهجة ترحيب:
_السيد إسماعيل وافق على إجراء الحديث الصحفي، يمكن لسيارتكم مواصلة السير إلى داخل الحديقة ومن ثم سوف يرافقكم رجل الأمن أبانوب إلى حيث المكتب سيراً على الأقدام
أسرع حاتم إلى السيارة ثم قال وهو
ينظر إلى غادة التي جلست إلى جواره وهي ترفع رأسها إلى الأمام إلى حيث يمكنها مشاهدة الحديقة:
_هل لديك أي فكرة عن تلك الأسئلة التي يمكنها أن تطرح عليه؟ هل تعرفين شيء عن السياسة؟
قالت غادة وهي تشير إلى رجل الأمن في إبتسامة ثقة:
_لا، سوف أترك تلك المهمة لك،أعلم أن الأمر لن يكون صعب عليك
هتف حاتم وهو يضع يد على يدها:
_والآن يجب أن تستمع لي، لقد جاءت لي فكرة جيدة وبها ما يفيد وجودنا هنا ، أسئلتك كلها يجب أن تكون حول ريناد زوجته الفنانة، وليست عنه هو
لمعت عين غادة ببريق الفرح من فكرة حاتم الإيجابية ثم قالت في لهجة شكر وأمتنان:
_أيها العزيز الراقي، أنت حقاً تجيد التصرف في كل الأمور وكل المواقف
ثم قالت في لهجة توسل وهي تنظر إلى السماء:
_أريد فقط فرصة صغيرة مع كريم، مجرد دقيقة واحدة، سوف يكون سؤال واحد له و فقط إجابته هو ما أريده في هذا العالم
أعقب حاتم في هدوء:
_ رغم أن طبيعتي لا تحب الطرق الملتوية، وتكره الخداع والمكر والحيلة في الوصول إلى بضع الأهداف
ولكن فلنأمل أن يكون هذا اللقاء مثمر،
إذا لم تلتقي بالطفل الصغير يجب أن نكون على قناعة ببضع إجابات الزوج إسماعيل، يمكننا العثور على بعض الإجابات من خلال حديثه عن زوجته
نظرت له غادة في نظرة إعجاب ثم قالت:
_أعدك أن تكون أول الحيل وأخر حيلة أيضاً
ثم نظر لها في نظرة سريعة قبل أن يوقف السيارة وهو يشاهد رجل أمن يقترب منهم:
_أتساءل عن تلك الشجاعة والجرأة التي دفعتك إلى فعل هذا؟ ولكن المحن والشدائد تجبر الشخص على فعل الغير عادي، وأحيانا تجبره على فعل شيء غير معتاد وغير المنطقي، والجنوني أيضاً
تقدم أبانوب من غادة وحاتم قال وهو يشير لهم إلى الأمام:
_السيد إسماعيل في غرفة المكتب
ثم قال وهو يطرق باب المكتب في هدوء وأدب جم:
_ماذا يفضل كل منكم في المشروب؟
تمتم حاتم وهو ينظر إلى الحارس:
_كوكتيل عصائر سوف يفي بالغرض
هز حارس الأمن رأسه في علامة الموافقة، قبل أن يبتعد فور أن أستمع إلى كلمة من السيد إسماعيل وهو يسمح لهم بالدخول
كان اسماعيل يقف خلف النافذة، حين دلف كل من غادة وحاتم، أقترب منهم ومد يده مصافحاً إياهم مما دفع غادة أن تقول في صوت هادئ:
_ أنا غادة صحفية من جريدة الإهرام أشغل ركن المرأة ولي رغبة بإجراء حوار صحفي معك بعد أن حضرت متأخرة عن ميعاد مرسم الفنانة ريناد صالح
ألقى إسماعيل نظرة عميقة على وجه غادة ثم قال وقد انتبه فجأة أن الجميع لا يزال يقف ينتظر إذن منه للجلوس:
_أهلا بك، يمكن لكل منكم اتخاذ مقاعد للجلوس
_توقعت حضور صحفيين بشأن المطبخ السياسي وليس بشأن ريناد رحمة الله عليها،
في الحقيقة كان هناك زمرة من الصحفيين في الأيام السابقة هنا من أجلها وكذلك اصدقائها، لقد تحدثت كثيراً عن هذا الأمر لوحاتها وفنها وكذلك الجوائز التي حصلت عليها
تابعت غادة في لهجة توضيح وهي تتخذ مكان قريب جداً من حاتم وكأنها تستمد منه القوة:
_ سوف يكون الأسئلة إذا سمحت لي عنك وعنها من خلال تشجعيك لها وعن الوضع الأسري هنا كيف كان؟ فلنقل كيف كانت السياسة مع الفن؟
أخرج حاتم الهاتف الخاص به، وضع زر التسجيل على وضع التشغيل، في حين ألقت غادة نظرة امتنان وشكر له
أغمض إسماعيل عينيه، ظهر الحزن والتأثر الشديد في ملامح وجهه، قال في صوت خافت:
_ما ارغب به حقاً هو تخليد أسمها إلى الأبد وما بعد الأبد أيضاً، أرغب في إطلاق اسمها على ميادين الأسكندرية كاملة، وليس مكان واحد فقط، لقد كانت ريناد نجمة أضاءت عالم الساسي إسماعيل شوبان، كانت زوجة صالحة وأم ناجحة ويحمل قلبها الكثير من الطيبة إلى الجميع، كان وجودها إلى جواري هو يقيني بالنجاح، كل خطوة أخطوها الآن
هي هدية صغيرة لها
ورغبة مني في إكمال ما كانت تريده لي أن أكون، لقد كانت كل الأمور ترتكز على وجودها وبعد رحيلها ارغب في استمرار هذا الأمر من أجل إسعاد روحها ومن أجل إسعاد طفلي كريم، أريده أن يكون فخور بوالدته الى النهاية لأن وجودها في حياتنا بضع سنوات قد أضاءت لنا به العمر كله رغم غيابها الصادم لنا
ريناد كانت مثل الشمس في منزلي يعتمد عليها كل فرد هنا
أشار إلى اللوحات المعلقة على الجدران قائلاً:
_كل تلك اللوحات تنتمي لها، كل قطعة فنية في المنزل تحمل لمساتها، كل زواية هنا تحمل جمال ما تم تشكيله من صنع يدها
احتبست أنفاس غادة تلاخقت ضربات قلبها في وضع جنوني، ارتعشت ساقاها في قوة، وشعرت باهتزاز حاد في جسدها كله وهي تشاهد كريم يهبط السلالم العلوية في خطوات هادئة ويلقى نظرة عليهم
نظرت إلى حاتم وكأنه تطلب منه أن يتحدث إلى الطفل
دلف إلى المكان حارس الامن وهو يحمل صينيه وضع عليها كأسات من العصير، في حين ألقى حاتم نظرة على غادة وهو يأمل فيها أن تمتلك أنفاسها ولكن أمنيته ضاعت في الهواء فلقد قامت غادة بالنداء على الطفل في صوت يحمل شفقة وعطف كبير:
_كريم
قال حاتم في سرعة وهو ينظر إلى إسماعيل الذي كان ينظر في إتجاه كريم:
_لي رغبة في التقاط بعض الصور إلى الصغير، ربما بعض كلمات عنها نضمها إلى الريبورتاج الخاص بهذا اللقاء
نظر اسماعيل إلى حاتم وقال:
_كريم لا يريد التحدث إلى الصحفيين،
وليس لدي رغبة في إيذاءه نفسياً، كريم يعاني كثيراً منذ فقد والدته
هز حاتم رأسه علامة الموافقة والتفهم ما يمر به كريم وكذلك والده، في حين بدأ على غادة أنها لم تستمع إلى كلمات الزوج وحاتم قالت غادة وهي تقترب من الطفل وتمد يدها له حتى تصافحه في حنان:
_مرحباً يا صغيري، كيف حالك اليوم؟
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي من رواية البحث عن هوية لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية