-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 39 - 1 الجمعة 12/7/2024

  قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل التاسع والثلاثون

1

تم النشر يوم الجمعة

12/7/2024

هل حقا نجحت محاولتها وعبثها بالتعاويذ؟ كل ما تعاصره الآن بسبب تلاعب سيتي بالتعاويذ فضعفت قوته واهتز الحاجز الفاصل بين الماضي والحاضر ، فهل من الصحيح أن تفعل هي نفس الخطأ؟


هي تعلم جيداً أن حالتها مختلفة تماما عن حالته ووضعها يسمح لها بالتلاعب بالتعاويذ وتطويعها لصالحها لأنها ليست حالة تلبس مثله، هي حالة اقرب ما يكون من الاستحواذ التام ولكنها خائفة من قوتها وما قد ينتج عنها من آثار جانبية.


رمقت ذلك النائم نظرة ممتعضة واقتربت منه هاتفة بصوت عالٍ:

-هاي، أنت، استيقظ.


فتح عينيه مندهشا ونهض فورا ينظر حوله لذلك الكوخ ولها، ويعود ويلتف حول نفسه بتيه وهو يهتف:

-ما هذا؟ أين أنا؟ ومن أنتِ؟


ضحكت لحالته ولم تستطع أن تتمالك نفسها اكثر فصدحت ضحكاتها وهي ترد عليه من بين لهثات صوتها الساخر:

-أنت بمصر الفرعونية وبعصر الملك رعمسيس الثاني، وأنا الكاهنة بنترشيت أو برواية أخرى دورثي لويز ايدي، أتتذكر؟


اتسعت حدقتيه لما قالته فسألها بلهفة:

-هل سافرنا عبر الزمن؟ وهل هذا شكلك الحقيقي؟


حسنا، إن كان كل فكره أنهما قد سافرا عبر الزمن فليكن، لم تتوقع منه بالأساس أن يفهم ما يدور على كل حال بالرغم من قصها له لكل ما حدث منذ القدم ولكن حقا من قد يفهم ويستعب ما مرت به؟ وحتى وإن فهم أو ادعى الفهم؛ فهل سيُصدق؟ 


همهمت بسخرية:

-نعم فعلنا.


أكملت حديثها بعد أن اعترى وجهها القليل من الجدية:

-ألم يكن هذا طلبك؟ ألم تطلب مني إثبات قبل أن توافق على ما نحن بصدده؟ ها هو إثباتك.


تزامن حديثها مع سحبها له من راحته للخارج لتقع عينيه على مشهد النيل أمام الكوخ  وكل شيئ أمامه حقيقي ولا يحمل أي شك.


هرع مسرعا ليقف أمام ضفة النيل ونظر للمساحات الشاسعة ونقاء المياة ونظافتها وتذكر شكلها الحقيقي بالحاضر وقارن بينه وبين هذا الشكل و الخالي من المخلفات كما حال نهر النيل بحاضره فهو متسخ وملئ بالفضلات وبواقي الطعام.


اكتفى بالتحديق أمامه حتى أنه لم يتحدث ليسأل عن أي شيئ وكأنه قد سُحر من المكان فحقا قد تأكد من حديثها قبل أن تسافر به عبر الزمن، ولكن ما يراه الآن أمام عينيه هو ضرب من الجنون والخيال.


اقتضب جبينه عندما سارعت إليه بنترشيت وحدثته بحدة:

-هيا فلا يوجد وقت والطريق لقصر الفرعون سيكون طويل جدا.


فور أن تحركت تنوى ترك الكوخ  والذهاب للقصر استمعت لصوته الذي هز كيانها وزلزله وكأن الأرض انشطرت لنصفين، نصف تقف هي عليه برفقة بيتر وممسكة بيده، ونصف آخر مكون من لهيب وحمم بركانية يقف هو عليه بنظراته الحادة والغاضبة ممتعضا مما يراه أمامه.


لم تدرك للحظة سبب نظرته الحادة وحقا لم تهتم سوى لوقوفه أمامها بصحة جيدة لدرجة أنها ظنت أن تعويذتها قد أعادتها لزمن ما قبل موت سيتي.


لهفتها وهروعها ناحيته جعله للحظة يتناسى ما رآه منذ قليل وهي ممسكة بيد هذا الغريب وأوقد النار بقلبه وعقله المتقد دائما بعشقها وهي فقط.


ارتمت بجسدها لتحتضنه ولكن كالعادة لم تستطع لمسه فسقطت أرضا فانكشف عنها ثوبها الفرعوني فجحظت عيناه وهو يصرخ بها:

-اعتدلي عليكِ اللعنة.


نهضت بسرعة ووقفت أمامه مبتسمة له وسألته بترقب وسعادة لم تكن لتخفيها عنه:

-مولاي، أنت بخير وعلى ما يرام؟!


اقتربت منه وتمنت لو أنها تستطيع لمسه وأضافت:

-كيف تحسنت صحتك؟ هل قام الملك رعمسيس بتعويذة أخرى ام انني قد عدت للماضي أو ابعد قليلا؟


رد عليها وما زال الوجوم على وجهه والغضب بصوته:

-نعم، قام ابني الملك بتكريس وقته وحياته لأجلي.


ابتسمت وأومأت له فتحركت بؤبؤتيه ناحية بيتر وسألها وهو يشير له برأسه باستحقار:

-من هذا؟


ردت عليه وهي تسحب الآخر من راحته بعفوية فزاد ذلك الواقف أمامها اشتعالا لتخرج النار من أذنيه حرفيا:

-إنه من تطوع لتأدية التعويذة، واسمه بيتر.


قوس حاجبيه وزم شفتيه حانقا وصرخ بها:

-تطوع ماذا؟ من أخبرك انني وافقت على تأدية تلك المراسم؟ 


ظل عقله يفكر ويتذكر ومضات من حياته السابقة واللاحقة معها سواء ما كانت بالماضي أو المستقبل، وها هو أمامها بحاضره الغريب لا يستطيع العودة لماضيها ولا تركها بمستقبلها ولا حتى الاحتفاظ بها بحاضره.


غلظ من صوته قليلا حتى يؤكد لها قراره قائلا:

-لن أقوم بتلك المراسم بنترشيت فقد اكتفيت.


نظر لها بنظرات حادة وأضاف آمرا:

-وأنتِ لن تلقين تلك التعويذة ولن تفرطي بابنتي، اسمعتني؟


اتسعت عينيها بعد أن تأكدت بعلمه نوع الجنين؛ فحاولت الاعتراض ولكنه لم يمهلها آية فرصة لتتمرد أو ترفض فهو شئنا أم ابينا يعشقها ويحبها للنخاع، تغلل غرامه بها إلى أن وصل لاعلى مراتب الالم، وبالتالي لن يرض ابدا أن يعذبها معه أكثر من ذلك، ألا يكفيها عذابا بعد ما عانته بحياتها السابقة واللاحقة أيضا؟ لم يكن من السهل عليه ولا عليها تقبل فقدانهما لبعضهما البعض وهذا إقرارا بالواقع، ولم يكن من السهل عليهما أن يفقدا فلذة كبدهما الصغير سيتي وعذائهما الوحيد أنه مع من يفترض والده، ولكن ألم الفراق والابتعاد هو ما يجعل المرء متعب ولا يستطيع الاستمرار.


الآن وبعد أن علم نوع الجنين ببطنها وفهم حاجتها لقربان ولصعوبة استجابة أي أحد لذلك فلن يرض أبدا أن تضحي بابنته مهما كانت النتائج؛ لذلك أكد عليها بتعابيره وحدته المتناهية وهو يردف:

-اسمعتي؟ انا لست بشخص طيب حتى اتغاضى عن أفعالك الصبيانية والطفولية؛ لذلك لن اكرر كلامي مجددا.


رفع سبابته أمام وجهها بشكل صارم موضحا:

-فحقا تلك المرة لن أصمت على فعلتك ولن يمر مرور الكرام إن ما خالفتي أوامري بنترشيت.


نظر لها وهي تستمع له صامتة والغريب هو وقوف هذا الشخص صامتا لم يشاركهما الحديث ربما لجهله باللغة الهيروغليفية، و لكنه لم يشارك أيضاً بالحديث معها هي .


حاولت أن تحدثه بعقلانية ربما تستطيع إقناعه ولكن ملامحه الحادة قد تمكنت من إرسال رسالة لها أنه لن يتفاهم أو يتنازل عن رأيه؛ فقررت أن تخوض تجربة اخرى معه عله يتراجع.


كان هدفها الأول والأخير إشعاره بفادحة أفعاله معها منذ القدم فهتفت بحدة:

-هل تظن أنك لديك الحق بإعطائي أوامر وإجباري على تنفيذها بعد كل ما عايشته معك بسببك ولاجلك؟! أنت لن تتركني بعد كل هذا لاظل وحدي بهذا العالم الذي اعيش به.


رأي الاصرار بعينها وهي تهدده قائلة:

-أقسم انني سأنتحر إن لم توافق على تنفيذ تلك المراسم، فلماذا أعيش ولمن؟


ارتعدت فرائضه على الفور من تهديدها الصريح بالانتحار فاقترب منها وهاج بخوف:

- إياكِ وفعلها بنترشيت، توقفي عن ايلامي بهذا الشكل يا فتاة.


بكت وانتحبت معقبة:

-أنت من تريد تعذيبي والابتعاد عني إلى الابد كما فعلت قديما.


اغلقت عينيها وهي تسترجع مشهد انتحارها بعقلها وكأنها تعطي نفسها دفعة للقيام بذلك:

-لقد وعدتني أنك لن تتركني ابدا، ولكنك لا تفي بوعودك وكان علي أن أعرف ذلك منذ البداية.


حاول التحدث ولكن صوت شهقات بكاؤها جعلته يصمت ويستمع لما لديها:

-قديما وعدتني بالحماية ولم تف بوعدك، والآن تخنث وعدك مجددا بالبقاء سويا أبد الدهر.


زاد عويلها وبكاؤها وهي تسأله:

-تريد تركي اربي ابنتك بمفردي وأتجرع بمفردي مرارة اشتياقي للصغير سيتي، ابدا لن يحدث هذا، اقسم لك إن لم توافق فسأنتحر وأنهي حياتي التعيسة تلك.


اختفت شفتيه بداخل فمه من كثرة عضه عليهما بسبب توتره وضيقه الظاهر للعيان وأخبرها بمهادنة:

-هل تعلمين ما سيحدث للصغيرة ابنتنا إن قمت بتقديمها كقربان؟


لمعت عينيها وردت فورا:

-أعلم أو لا أعلم وأتظاهر بعدم الاكتراث، وقلبي يحترق ولا اريد أن تزيدها علي وتخبرني بأي حقائق قد تجعلني أغير رأيي لاني لن أفعل.


هتف بحزن:

-قيثارة الحب اناااا...


قاطعته مؤكدة:

-انا لن أتركك، رجاءا لا تفعل بي هذا، والجنين يمكننا تعويضه بعد ذلك ولكن هذا....


حركت سبابتها لتشير إليه وإليها:

-هذا لا يمكن تعويضه، لن تستطيع الاستمرار بدوني ولا أنا مولاي.


زفر أنفاسه باستسلام وحزن وأطرق رأسه يفكر قليلا وعاد يقول:

-لا أريد أن أظل بهذا التوتر الذي كنا به وقت إمام، لم يكن الامر سهلا لاعيش وبداخلي شخصا آخر يحاول الفرار ناهيك عن عائلته ....


قاطعته موضحة:

-لا تقلق فتلك المرة مختلفة وبيتر موافق على المراسم املأ بالعيش بخدمة المعبود حورس وهو ما وعدني به المعبود حورس.


أومأ برأسه موافقا فابتسمت فورا وقفزت عاليا تحتضن بيتر وهي تقول بالانجليزية:

-لقد وافق أخيراً، أكاد لا أصدق.


صرخته العالية والغاضبة كانت كفيلة بجعلها ترتعش خوفا منه وهو يصيح عاليا بصوت اجش:

-تحتضنيه أمامي أيتها الوضيعة؟ ابتعدي عن حضنه واللعنة.


ابتعدت فورا وحاولت تهدئته قائلة:

-إنه انت، هذا الشخص سيصبح أنت و...


صرخ بها بشراسة:

-لم يصبح بعد، فتوقفي عن إثارة لعنة غيرتي وغضبي أيتها المعتوهة، قد انهي حياته ولن أهتم بشيئ.


اتسعت بسمتها لعشقه الذي لا يمل ابدا باظهاره، و لكنه فاجئها بسؤاله الغريب:

-هل ضاجعتيه بنترشيت ليوافق على تأدية تلك المراسم؟ هل قمت بخيانتي أيتها الحقيرة؟


دمعت عيناها ولكنها لم تستكين وتضعف كعادتها بل ردت عليه بشراسة مماثلة لشراسته:

- هل ترى عاهرة أمامك؟ أهذا ما تظنه بي؟ وإن فعلت هل كنت لتوقفني؟ أنت لم ولن تتغير سيتي مر ان بتاح وحقا  أنا نادمة على الوقوع لك.


❈-❈-❈

حقا شعر بالاسف حيالهما وهو مستمع لحديثهما وكأنهما حبيبان فرق الزمن بينهما، لحظة واحدة، وكأنهما! هما بالفعل كذلك، حبيبان قد فرق الزمن بينهما ويحاولا جاهدين أن يجتمعا ثانية.


صارعا الزمن ووقفا ضد الظروف وفعلا المستحيل من أجل استمرارهما وبقاءهما سويا، ولكن أحياناً يضع القدر بصمته بقوة حتى لا نغتر بأنفسنا اننا اصحاب القرار بحياتنا البائسة تلك، نظن اننا يمكننا اختيار حياتنا ولكن الحقيقة اننا لا نملك لانفسنا من شيئ والقدر هو المتحكم الوحيد فيه.


ظلا يتحدثان دون أن ينتبها له و هو واقفا يتابعهما بشرود قليلا يتذكر حياته وتأكد أنه أخيراً قد استطاع أن يتخذ قراره بنفسه، نعم هذا ما يريده بالظبط أن يعيش بهذا العصر ويرى تقدمهم الذي أذهل الازمنة جميعا و العالم كله يتحدث عنهم.


بالتأكيد تحدثهم هكذا باريحية امامه ؛ لظنهم جهله باللغة الهيروغليفية التي تفاجئ بسلاستها أكثر من تعقيدها بزمن الحاضر، ولكن ألا تعلم أنه أحد تلامذة استاذها السير فادچ؟ 


ظل صامتا ولكنهما حقا لم يكفا عن الحديث؛ فاضطر بالنهاية أن يقاطعهما هاتفا:

-أظن أن وقت التعويذة لا يسمح بكل هذه الثرثرة، فلما لا تكملا حديثكما بعد أن نتفق على موعد المراسم.


ما جعله ينهي حديثه دون رد أو مقاطعة هو ذهولهما لتحدثه الهيروغليفية وبتلك الطلاقة.

الصفحة التالية