-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 38 - 1 الجمعة 12/7/2024

 قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثامن والثلاثون

1

تم النشر يوم الجمعة

12/7/2024

لقد تعلمت الخداع والكذب واستخدمتهما بل ووظفتهما في سبيل تحقيق غايتها ولكنها لم تعتاد ابدا تلك التصرفات ودائما ما نهاها عقلها بل ووبخها كثيرا لفعلتها الدنيئة بإمام، واﻵن هل عليها أن تفعل ما هو أكثر انحطاطا من مجرد خداع زوج ونفيه للعالم الموازي؟


ظلت تتقلب بفراشها طوال الليل وكلما جائتها ضربه طفيفة من صغيرتها القابعة ببطنها بكت وكأن تلك الضربة الصغيرة التي لا تذكر تؤلمها كالموت ذاته.


اعتدلت بجسدها على الفراش عندما لاحت خيوط النهار اﻻولى واستمعت لطرق الباب فتوجهت لفتحه فوجدت والديها يبتسمان لها ولكنهما تجهما فورا من شكلها الباكي فهرعت هادنه تحتضنها بقلق وسألتها:

-ما بكِ ابنتي؟


زاد بكاؤها ونحيبها بحضن والدتها فابعدتها الثانية قليلا عن جسدها لتنظر لوجهها وسألتها باهتمام:

-هل حدث شيئا؟ هل انتِ على ما يرام؟


ردت نافية بحركة طفيفة من رأسها؛ فاقترب ايدي منها وسحبها لتجلس بجواره رابتا على ظهرها بحنان ابوي وقال بتأكيد:

-نحن عائلتك حتى وإن لم نكن والديك الحقيقيين، لذا تأكدي أننا معك دائما ومن أجلك وسنساعدك لنيل مبتغاك بكل قوتنا ابنتي الحبيبة.


رمقته بنظرات ممتنة ومحببة ولكنها ظلت على حالتها وهي تتحسس بطنها بشكل ملحوظ فتوتر ايدي من شكلها وسألها بتخوف:

-ما بكِ ابنتي؟ لقد اعتمر القلق والخوف بصدري.


لم تستطع اﻻجابة بسبب بكاؤها المستمر فهتفت هاندة متسائلة:

-هل حدث شيئ للجنين؟ هل تتألمين؟


عدم إجابتها لهما وصمتها الباكي جعل هانده تصرخ بحدة:

-اجيبي ابنتي لقد خرج قلبي من مكانه، ما بكِ واللعنة؟


بللت شفتيها بطرف لسانها ونظرت لهما بعد أن أخذت تنهيدة كبيرة وقالت موضحة:

-أنا لم أكن صادقة معكما بكل شيئ، لم اخبركما بكم التضحيات المطلوبة مني لاقدمها من أجل استعادة مولاي سيتي.


تفهما وأومأ ايدي معقبا:

_نعلم ابنتي بأن اﻻمر صعب، و لكننا نريد صملحتك اولا وبعدها....


قاطعته هاتفه بحدة:

-لا ابي، تلك المرة ليست سهلة ولا التضحية صغيرة، التضحية اكبر من توقعاتي.


انتظرا أن تفسر حديثها فقالت اخيرا بعد أن اتخذت قرارها:

-لن استطيع فعلها، يطلبون مني المستحيل وأنا....


تلعثمت وشعرت بدوار أطاح برأسها فترنحت قليلا وهي جالسة على المقعد؛ فناولتها هاندة كوب من الماء ارتشفته كله على دفعة واحدة وكأنها لم ترتو طوال حياتها، استمعت لوالدها يسألها بخفوت:

-ما هي طلباتهم تلك المرة؟ 


بكت وربتت على بطنها ولم تتحدث ولكنه كان فطن وذكي ففهم على الفور واتسعت حدقتيه فورا قائلا بسخط:

-هل يطلبونها قربان هي اﻻخرى؟


أومأت ولم تفهم هانده مغذى حديثه فسألت:

-من تقصد؟ عن ماذا تتحدثان؟ اخبراني.


رد عليها بحنق وغضب شديدين:

-يطلبون الجنين لتقديمه كقربان! اين العقل والمنطق بهذا؟ وما هي استفادتهم من هذا الهراء؟


انهارت اكثر عندما استمعت لرفض والدها الصريح ورأت نظرات والدتها الساخطة فتحول بكاؤها لعويل وهي تنتحب هاتفة:

-لابد أن أخبره انني لن استطيع فعلها، سأبكي وارتمي تحت قدميه ليعفُ عني ويصفح لي ترددي الدائم وتفريطي به بكل مرة ولكنني لن اتحمل فقد طفل ثالث، لقد اكتفيت حقا.


اتسعت عيناهما من الذهول و سألا بصوت واحد مرددين بدهشة:

-طفل ثالث!


أضاف ايدي متسائلا:

-وهل كان هناك ثالث غير الصغير سيتي ومن بداخلك اﻵن؟


أومأت مجيبة وهي على نفس حالتها الباكية:

-نعم، كنت حامل بوقتي عندما عشت بالعصر الذي انتمي له ووقتها كما تعلمان انتحرت لابرأ اسمه من تهمة تدنيس كاهنة فرعونية، لذا لن استطيع أن افقد طفلا آخر لصالح هذا العشق.


ربت ايدي على ظهرها وقال لها مؤكدا: 

-كما اخبرتك من قبل، نحن معك بأي قرار تتخذينه وسوف نساعدك دائما ابنتي لا تقلقي.


ابتلع لعابه وهو لا يصدق انه سوف يقول لها ما هو على وشك قوله ولكنه تفوه به على آية حال:

-إن كان قرارك هو اﻻحتفاظ بجنينك وترك محاولة استرجاع سيتي فسوف ندعمك بنيتي، وإن كان قرارك بتقديمها قربان فأيضا نحن معك حبيبتي، فقط ابتسمي وتفائلي وعودي لنا من جديد دورثي التي كانت تملأ علينا حياتنا المعتمة.

❈-❈-❈


اقترب منها وهي تجلس على ضفة مياه النيل وجلس بجوارها فوجدها تبكي، فنظر لها بشفقة فبعد أن استمع لقصتها وشعر بالاسى تجاهها.


هو أيضاً له ماضٍ قاسٍ وقد عانى منه حتى انتقل للعيش بمصر وسُحر من جمالها، وها قد جائته فرصة من ذهب أو كما يظن هو أنها فرصة لا مثيل لها للانتقال لحياة الفراعنة وهو لن يتنازل عنها ابدا.


رمقته بنظرات حزينة وهمست من وسط بكاؤها:

-انسَ الامر، انا لن افعلها.


ابتسم واردف:

-وهل تحدثت معك بأي شأن؟ فقط جئت لاستمتع مثلك بجريان النيل وتلك المناظر الخلابة.


صمتت واتكئت على راحتيها خلف ظهرها وهي جالسة ففعل مثلها وهمهم بمكر:

-انا لن احاول اثنائك عن قرارك بنترشيت ولكن...


صمت ونظر لها نظرات متفحصة لها وأنزل نظره لبطنها المنتفخ وقال:

-كل شيئ يمكن تعويضه، الاطفال والمال ولكن ما لا نستطيع استبداله او تعويضه هو الحب وخصوصا إن كان حقيقيا.


تنهدت وهي تستمع له يضيف:

-لقد وقعت بالحب مثل كل الناس وأخذها الموت مني، وها انا ذا لا استطيع نسيانها ولا تخطي الامر لذلك فكري من جديد بنترشيت، هل تستطيعين الاستغناء عن الفرعون سيتي بعد كل ما فعله لاجلك من اجل تلك النطفة التي لا تعرفينها بعد؟ ام لا يمكنك العيش دونه وانتِ على استعداد للتضحية له كما ضحى هو لكِ؟


استطاع أن يسترعي انتباهها بل ويركز كل تفكيرها على قلبها النابض بحب الفرعون الذي ضحى بنصف عمره لاجلها بل وضحى بملكه وملكوته لأجلها.


اطرقت رأسها لتعود لتذبذبها وترددها المعتاد وهي تفكر ولكنه لم يمهلها الكثير لتفكر به؛ فقاطع تفكيرها قائلا:

-تستطيعين تعويضها، كل ما هنالك وقتا حميميا مع من تحبيه ووقتها ينبت جنين آخر بداخلك.


رفعت بصرها بتيه فابتسم لها وكأنه يحثها على المداومة، وتفوه بثقة وكأنه علم موافقتها الاكيدة:

-إذا متى سنقوم بإلقاء التعويذة؟


ردت بتلقائية دون أن تنتبه لما تفوهت به:

-لن نستطيع فعل أي شيئ إلا بعد غروب الشمس وبعدها سنذهب لزيارته حتى تتأكد من صدق حديثي أولا، وحتى ارى رأي مولاي سيتي باستبدالك به ثانيا.


❈-❈-❈

شاردا بالنيل امامه بعد أن تحسنت صحته قليلا لسبب لا يعلمه أو ربما بسبب المحاولات الدئوبة لابنه رمسيس والسحرة الذين احضرهم من كل بقاع الارض فقط لاجل خاطر والده.


ابتسم قليلا لتذكره ما مر به وكما يقال في كل خير يمكن الشر وفي كل شر يكمن الخير، هو بالفعل كذلك؛ فبالرغم من الشر الذي يمر به إلا أنه رأى الخير في نجله الذي لم يتوان في محاولاته لانقاذ مصير والده.


الفجوة الزمنية التي يمر بها سيتي جعلته لا يستطيع التفرقه بين الليل والنهار، او بين ايام وشهور السنة.


اتكئ براحتيه للخلف وهو ينظر لنهر النيل يتذكر لقطات من ذاكرته عندما كان فرعونا وملكا يهز اسمه العروش.

الصفحة التالية