-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب - الفصل 29 - 2

 

   رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل التاسع والعشرون

الجزء الثاني

العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈



وقفت هند فى غرفة نومها وراحت تتطلع من النافذة وهى تقضم أظافرها بلا وعى ، فما أن بدأت بترك الفراش بعدما سمحت لها الطبيبة فى أن تتنقل فى الغرفة مثلما تريد مع بعض الحذر ، لأنها أصبحت على وشك وضع طفلها ، وهى لا تصدق أن أشهر حملها مرت بسرعة هكذا ولم يتبقى إلا القليل وترى صغيرها ، فوقفت قريباً من النافذة لعلها ترى زوجها عائداً من الخارج ، إذ أنه اليوم تأخر عن موعد عودته للمنزل أكثر من ساعتين ، ولا يجيب على إتصالاتها ، فأرادت أن تصرف عقلها عن التفكير بأى شئ سيعكر من صفو مزاجها ، فظلت تتأمل حديقة المنزل على أضواء الإنارة المنتشرة بها ، فهذا المنزل ولدت ونشأت وترعرت فيه ، وها هى ستنجب طفلها هنا أيضاً ، فدائماً ما كان لهذا المنزل مكانة خاصة لديها ، خاصة حجراته الواسعة والمريحة ، وتصميمه الجذاب ، وما أن أكتفت من تذكر ماضيها منذ أن كانت طفلة صغيرة ، تطلعت إلى نقوش الزهور المتناثرة فى ثوبها ، فإبتسمت تلقائياً لأن من أهداها هذا الثوب هو زوجها كرم ، كهدية لها لبدأه العمل فى تلك المدرسة التى إشتراها له والدها ، فعادت إلى الفراش فى تراخ بدون أن تحدوها الرغبة فى أن تظل واقفة أمام النافذة ، وجلست هند صامتة على الفراش والحيرة تتجاذبها ، وتتساءل هل زوجها بخير أم حدث له شئ عرقل أمر عودته للمنزل ؟


– أنت فين كل ده يا كرم ؟


تساءلت فى قرارة نفسها ، محاولة إيجاد سبب لتأخره هكذا ، ولكن فى ذلك الوقت وصل إلى سمعها صوت والدتها وهى تضحك مع كرم أتياً من الطابق الأول ، فوضعت يدها على صدرها وتنفست براحة ، وماهى إلا لحظات حتى وجدته يلج الغرفة حاملاً العديد من الحقائب البلاستيكية 


وضع ما بيده على الأريكة وأقترب منها يقدم لها اعتذاره عن عدم إجابته على اتصالاتها الهاتفية المتكررة ، فقبل جبينها قائلاً بوداعة دائماً ما تجعلها تغفر له :


– أسف يا حبيبتى إن أتأخرت عليكى ومعرفتش أرد على التليفون 


نظرت هند للحقائب الموضوعة على الأريكة ومن ثم عادت ببصرها إليه وتساءلت :

– إيه الشنط دى كلها ، وفيها إيه 


خلع كرم عنه سترته الأنيقة ووضعها على طرف الفراش ، ومن ثم بدأ بفتح الحقائب وأخرج منها ثياب للأطفال ، وقعت هند فى غرامها على الفور ، وأبتهجت نفسها بأن زوجها أشترى كل هذا من أجل طفلهما القادم إليهما في وقت ليس بالبعيد 


فأخذت أحد الأثواب تتأمله قائلة بإبتسامة حب :

– الله يا كرم دى هدوم البيبى شكلها يجنن أنا حبيتها أوى أوى ، تعيش وتشترى يا حبيبى 


أهداها قبلة على وجنتها ورد باسماً :

– تسلميلى يا حبيبتي ، بس مش ده بس اللى أخرنى ، فى مفاجأة كمان  


أتسعت عينيها بحماس كبير فى إنتظاره أن يبوح لها بالمفاجأة الأخرى ، فوجدته يخرج من الغرفة ونادى خالته ، التى جاءت هى والخادمة التى حملت قالب حلوى تم الكتابة عليه " عيد زواج سعيد '' فشهقت بسعادة فهى لم تكن تتذكر أن اليوم هو يوم ذكرى زواجهما


وضعت الخادمة قالب الحلوى من يدها وخرجت من الغرفة وأنضم إليهم والد هند بعد عودته من عمله ، ففتح ذراعيه وقال باسماً:

– كل سنة وأنتم طيبين يا حبيبة بابا وعيد جواز سعيد عقبال احتفالكم بالسنة الـ ١٠٠


قبلت أباها وطوقته بذراعيها وهى دامعة العينين من فرط شعورها بالسعادة ، ومن ثم نظرت لزوجها وهمست له " كل سنة واحنا مع بعض يا حبيبى "


قاما بتقطيع قالب الحلوى وبعد أن إستحسنوا مذاقها الطيب ، أخذ والدها والدتها وخرجا من الغرفة تاركين هند وكرم بمفردهما فالإحتفال خاص بهما كزوجين ، وربما كل منهما فى حاجة لأن يعرب عن سعادته لنصفه الأخر فى تلك المناسبة السعيدة 


– عيد جواز سعيد يا حبيبتى 


قالها كرم باسماً وكم بدا جذاباً فى تلك الثياب الأنيقة والثمينة التى أصبح يرتديها فى الأونة الأخيرة ، فهى من أوصت بشراءها من أجله معللة أنه الآن مديراً وصاحب مدرسة تعليمية لا يرتادها سوى أبناء صفوة المجتمع السكندرى ، لذلك لابد له من أن يكون على قدر كافِ من الأناقة والمظهر الحسن ، ولكنها أحياناً كثيرة تشتعل الغيرة بقلبها من علمها أن هناك نساء أخريات سيرونه بوسامته وأناقته ورماديتيه اللتان تسهمان فى جعل قلبها يخفق بقوة ما أن يقع بصرها عليه ، ولا ضمان لديها سوى علمها بأخلاقه الرفيعة وأنه ليس بالرجل الذى يستهوى رؤية النساء أو إصطحابهن 


أخذ من قالب الحلوى وقربته منه لتطعمه قائلة بنبرة صوتها الحنون :

– وأنت طيب يا حبيبى وعيد جوازنا اللى جاى يبقى ابننا معانا إن شاء الله 


بعد إنتهاءهما من تناول الحلوى ، ذهب كرم للمرحاض فسمعت هند صوت رنين هاتفه ، فأخذته لتعلم من المتصل به في هذا الوقت ، فوجدت رقماً دون إسم ، ففتحت الهاتف قائلة بصوت هادئ :

– ألو مين معايا 


جاءتها الاجابة من صوت أنثوى جاد:

– حضرتك مش ده تليفون مستر كرم 


اجابتها هند قائلة بضيق بعد سماع صوتها :

– أيوة ده تليفونه وأنا مراته مين حضرتك 


ردت السيدة قائلة بهدوء :

– أنا ميس فريدة وكنت عايزة أكلمه بخصوص المشكلة اللى حصلت النهاردة بين  أتنين من الطلبة ، أنا ملقتهوش فى مكتبه فقولت اتصل عليه علشان نحل الموضوع لأن الولدين اللى اتخانقوا مع بعض كل واحد فيهم متوعد للتانى وشكلهم ناويين يعملوا مشاكل تانى 


فكرت هند فى حديثها ولا تعلم هل تقول الحقيقة أم أن ذلك لم يكن سوى حجة منها لتتحدث مع زوجها ، إلا أنها حافظت على هدوءها للأخير وردت قائلة بتجهم :

– هو حضرتك دلوقتى مش جمب التليفون انا هبلغه باللى قولتيه وهخليه يكلمك 


أنهت المكالمة وخرج كرم يجفف وجهه بالمنشفة ، فبدأت هجومها مبكراً ، إذ أنتفضت من مكانها قائلة بغيرة عمياء :

– هى مين ميس فريدة دى كمان اللى بتكلمك على تليفونك 


وضع كرم المنشفة من يده وقطب حاجبيه قائلاً بدهشة طفيفة :

– ميس فريدة ! هى كلمتنى على تليفونى دلوقتى ؟


– أيوة وبتقول أنها بتكلمك علشان مشكلة الولدين اللى اتخانقوا مع بعض فى المدرسة ، حجج فارغة 


قالت هند بتبرم وإستياء وهى تعقد ذراعيها ، بل أنها أشاحت بوجهها عنه 


ضحك كرم بصوت عالى وهو يرى علامات ودلائل الغيرة على محياها ، فإمتعضت من كونه يضحك ولا يأخذ الأمر بجدية ، فأقترب منها وقبض على كتفيها وهزها برفق قائلاً بلين :

– ملهاش لازمة غيرتك دى ، ميس فريدة هى وكيلة المدرسة دا غير أنها ست عمرها معدى الخمسين سنة وأصغر اولادها فى الكلية ، يعنى دى ست فى سن أمى تقريباً يا ست الغيرانة 


أدركت حماقتها وسوء ظنها ، فإبتلعت لعابها وحاولت أن تقول شيئاً ، إلا أنه ضمها إليه مستطرداً:

– مش عايزك فى يوم تفكرى إن أنا ممكن أبص لواحدة غيرك ، ماشى ياهند 


تنهدت وقالت باسمة :

– عيزاك على طول تقولى الكلام الحلو ده


ولكن قبل أن يفه زوجها بكلمة لم تعد تستطيع الوقوف أكثر بدون أن تضع يديها على مكان الألم في ظهرها ، والذى بدأت تشعر به منذ نهوضها من نومها ولكنها لم تعطى الأمر أهمية كبيرة إذ اخبرتها الطبيبة أن ميعاد وضعها ربما بعد أسبوع أو أكثر 


شعرت هند بالتعب أكتر وقالت بألم :

– ااه


كان كرم يراقب حركاتها فتقدم منها أكثر وأزاح يدها من على ظهرها وسألها بقلق:

– مالك يا حبيبتى أنتى تعبانة ولا ايه


هزت رأسها وتسارع تنفسها قائلة وهى تنظر إليه :

– أنا مش عارفة ايه الوجع ده بس شكلى كده هولد يا كرم


شعر كرم بالجنون وهند شعرت برغبة قوية بالضحك وهى تراه يخرج من الغرفة ينادى خالته وزوجها وسرعان ما عاد إليها ، فأجلسها على طرف الفراش لحين أن يأتى بتلك الحقيبة التى أعدتها مسبقاً من أجل إذا داهمها ألم المخاض فى أى وقت ، ولكنها زاد ألمها وراحت تاخذ تنفساً قصيراً عدة مرات لتخفيف الألم ، ولكن شحب وجه كرم أكثر من وجهها ولكنها حاولت طمئنته بأن الأمر طبيعى ، وماهى إلا دقائق حتى ذهبوا جميعهم إلى المشفى ، ووضعت هند مولودها وشعرت بالفخر والإرتياح وهى تتلمس وجنتيه المزهرة وتتلمس شعره القاتم 


رفعت رأسها ونظرت لزوجها وتمتمت بإبتسامة واهنة ممازحة :

– هو طالع شبهك ليه ؟ المهم هنسميه إيه ؟ إحنا مخترناش له اسم محدد


اجابها بلطف وقد انحنى يتطلع إلى الطفل قائلاً بسعادة :

– هنسميه كريم ، بس بجد هو شبهى ؟


ربتت خالته على كتفه ودمعت عيناها وهى ترى حفيدها الأول :

– ألف مبروك ويتربى فى عزكم ، حبيب قلب تيتة 


أخذته من جوار هند ووضعت بين ذراعىّ زوجها ، الذى لم يستطع منع دمعاته التى تجمعت فى مقلتيه ، فقبل جبين الصغير :

– حبيب جدو ، حمد الله على السلامة يا حبيبة بابا ، دا أنا هعمله سبوع إسكندرية كلها هتتكلم عنه 


طغى شعور عارم بالسعادة على وجوههم ، ولم يكن بإمكان هند نكران شعورها الجميل بالأمومة عندما ضمت الرضيع إلى صدرها ، وكان كرم يراقبها وعلى وجهه علائم الرضى ، وبعد يومين بدأت هند تنهض وتسير ، رغم أن كرم توقع أنها ستبقى فى الفراش بضعة أيام أخرى ، إلا أنه شعر بالطمأنينة ما أن رآها تسترد رونقها وبهاءها بعد تجربة الولادة التى حتماً أصابتها بالإنهاك والإرهاق ، وبعد أسبوع كان منزل والدها يضج بالصخب احتفالاً بالصغير ، وكانت هند وصغيرها بحالة جيدة ، وشعرت بالسعادة لوجود والدتها ومساعدتها لها ، فهناك الكثير من متطلبات الرضيع ، وهى ليس لديها الخبرة الكافية لاعتناءها به خاصة أنه طفلها الأول ، وكان الأمر مضنياً بعض الشئ ، خاصة أن الصغير يستيقظ فى أوقات متأخرة من الليل ولا يدعها تنال راحتها إلا أوقات قليلة ولا تنام أكثر من ثلاث ساعات متواصلة ، ولكن كرم لم يتردد فى أن يقترح عليها توظيف مربية لمساعدتها ، ولكن اشترطت هند أن تكون المربية إمرأة كهلة فهى لن تغامر ثانية فى أن تجلب خادمة أو مربية مازالت شابة ، فيكفى ماحدث من تلك الخادمة ، التى لولا أبيها لم تكن تعلم إلى أى مدى كان من الممكن أن يصل خطرها إليهما ، وما أن حصل زوجها على موافقتها بحث عن مربية بتلك المواصفات التى وضعتها زوجته حتى وجدها فى الأخير ، وشعرت هند ببعض الراحة من أنها صارت بإمكانها النوم فترات أطول ورغم ذلك هى لا تدع طفلها يفارقها وكم من مرة إبتسمت على تبرم زوجها الواهى فى أنها صارت تفضل الصغير عليه ، ولكنها كانت ماهرة وبارعة فى أن تجعله يتيقن من أن حبها له لن يخف حتى لو إمتلكا دزينة من الأطفال

❈-❈-❈


بعد بضعة أشهر من تلك الواقعة والتى تركت أثراً نفسياً عميقاً داخل قلبها ، إذ لم يكن ديفيد فقط إبن عمها بل بمثابة شقيقها ، كانت بيرى تهبط الدرج فى تلك البناية المملوكة لعائلة زوجها ، كانت الشمس تضئ تلك الأمسية ، وكانت تعلم أنها تبدو جميلة وخاصة فى ثوبها الطويل الأسود والذى حرصت أن يكون محتشماً لكى يخفى أثار حملها عن أقرب العيون ، والتى بدأت فى الظهور عليها فى وقت مبكر كأنها تحمل العديد من الأجنة ولكن يبدو أن تؤاميها سيأتيان بصحة وفيرة ، نظرت للأسفل وجدت زوجها ينتظرها عند مقدمة الدرج ، كان يبدو نحيفاً وجذاباً يرتدى سترة غامقة اللون ، نظر إليها نظرة نافذة ومد يده لها بإبتسامة ، فوضعت يدها فى كفه الدافئ وأكملت الباقى من الدرج ، حتى صارت تقف قبالته ، فمنذ ذلك اليوم الذى ذابت به الخلافات بينهما وهو عاد إليها ذلك العاشق الذى عرفته بماضيها ، ولم يعد يدخر جهداً فى أن يظهر لها حبه وتعلقه بها ، وها هى تحمل ثمرة ليالى عشقهما ، فبعد وفاة ديفيد عانت من حالة نفسية سيئة أصابتها بالإعياء ، لتكتشف بعد ذلك أنها حامل ، وربما علمها بأنها ستصبح أم بعد بضعة أشهر ، هذا ما خفف عنها حزنها العميق ، فخرجا من البيت ، وأشار عبد الرحمن لسيارة أجرة ، رغم أن سيارتها مصفوفة أمام المنزل ، ولكنه شدد أوامره لها بعدم قيادتها خاصة بحالتها تلك ، فأعطى السائق عنوان عيادة الطبيبة ، إذ أن اليوم هو يوم معاينتها الشهرية  


تطلعت إليه بنظراتها الدافئة والوديعة وقالت باسمة :

– حبيبى بعد ما نخلص مشوار الدكتورة ، هروح مع حياء نزور ياسمين علشان نطمن عليها 


أماء عبد الرحمن برأسه موافقاً وقال بعدما أسر يدها بين كفه :

– ماشى يا حبيبتى ولما ترجعى من مشوارك اتصلى عليا علشان عندى مشوار مع جوز أختى 


بعدما تم الاتفاق بينهما على خططهما المسائية ، ظلا يتحدثان لحين تنتهى المسافة من المنزل لعيادة الطبيبة ، وما أن وصلا وترجلا من السيارة ، قالت بيرى بعفوية قبل أن تلج للداخل :

– نفسى ييجى الوقت اللى أعرف نوع التؤام إيه ، وأه لو يبقوا بنوتة وولد 


إبتسم عبد الرحمن قائلاً بحب :

– بس أنا عايزهم بنوتين ويبقوا شبهك يا بيرى


ضيق عينيه ومن ثم قال مستطرداً:

– بس مش عايزيهم بأمور الجنان بتاعتك اللى خلتك فضحتينى فى القاعة وقولتى إنك حامل منى علشان تبوظى الجوازة


وضعت بيرى شعرها خلف أذنها قائلة بزهو وفخر :

– دى أول حاجة هعلمهالهم أنهم ميسبوش حقهم ، وأنت يا حبيبى كنت حقى إزاى كنت عايزنى أتنازل عنك لواحدة تانية 


مال عبد الرحمن برأسه إليها هامساً :

– هو أنا النهاردة قولتلك إن أنا بحبك 


هزت بيرى رأسها سلباً وقالت وهى تمط شفتيها ببراءة ممازحة:

– لاء مقولتليش خالص يا أبو قلب قاسى 


فغر عبد الرحمن فاه قائلاً وهو متصنعاً الدهشة :

– يا خبر دا أنا فعلاً معنديش قلب 


– شوفت بقى 


نطقت بها بيرى وهى تحكم وضع يدها فى يده ومن ثم ضحكا حتى تذكرا أنهما مازالا أمام العيادة الطبية ، ولكن ربما حديثهما اللطيف والودى أنساهما ما جاءا من أجله ، وما أن تذكرا أكملا طريقهما للداخل


–أهلا بيكم أتفضلوا

رحبت الطبيبة بقدومهما ومن ثم دعتها لأن تستلقى على سرير الفحص لتبدأ عملها بالأشعة التلفزيونية ، وكلما تطلعت بيرى لتلك الشاشة والتى بدأت فى عرض طفليها تبتسم وتنظر لزوجها الواقف بمكان ليس ببعيد ولكن بإمكانه رؤيتهما بوضوح


أنهت الطبيبة فحصها لها ونهضت بيرى تزيل أثار تلك المادة اللزجة التى تم وضعها لها من أجل إجراء الفحص ، فقالت الطبيبة بإبتسامتها البشوشة :

– كل شئ تمام يا مدام بيرى وأنا هكتبلك على فيتامينات علشان تساعدك مع نظام الاكل بتاعك وإن شاء الله الحمل يتم بخير وتقومى بالسلامة 


جلست بيرى على المقعد قبالة زوجها وسألت الطبيبة بلهفة :

– هو أمتى أعرف نوع التؤام إيه يا دكتورة 


رآت الطبيبة لهفتها الواضحة ، فردت قائلة بهدوء :

– لسه شوية يا مدام بيرى على ما نعرف نوع الجنين ، هو لسه الحمل فى الشهور الأولانية ، بس من خبرتى ممكن أقولك أنك حامل فى تؤام ولدين 


زادت إبتسامة بيرى اتساعاً بما قالته الطبيبة ، رغم أنها كانت تريد صبى وفتاة ولكن طالما ستتحقق نصف أمنيتها ، فهى ممتنة لذلك ، فرمقت زوجها بإبتسامة ، بادلها بأخرى أشد حلاوة ، على العلم أنه كان يتمنى أن يرزقه الله بفتاتين ولكن إذا كانت تلك إرادة الله فهو حامداً شاكراً لنعمته عليه 


خرجا من عيادة الطبيبة ، فوجدت حياء فى انتظارهما فى الخارج جالسة فى سيارتها ، فاستأذن عبد الرحمن للذهاب وصعدت بيرى إلى السيارة التى قادتها حياء لتذهبان كالعادة إلى منزل ياسمين للإطمئنان عليها وتفقد أحوالها تنفيذا لوصية ديفيد


انتبهت بيرى على شرود وصمت حياء ، فربتت على ذراعها وسألتها باهتمام بالغ:


– مالك يا حياء فى إيه ؟ 


حاولت حياء أن تبتسم إلا أنها لم تفلح في فعل ذلك ، فردت قائلة بشفقة :

– النهاردة روحت أشوف مارجريت وأطمن عليها ، لقيت حالتها صعبة وعمالة تخطرف بكلام مفهمتش منه حاجة ، الظاهر موت ديفيد أثر على عقلها ، شكلها بقت محتاجة تروح مصح نفسى 


قطبت بيرى حاجبيها وتساءلت:

– كانت بتخطرف بتقول ايه ؟


ركزت حياء بصرها على الطريق وقالت بعدما مطت شفتيها:

– أنا مفهمتش أوى معنى كلامها بس اللى فهمته إن فى واحد عيزاه يرجع ، وأن وقته خلاص جه ، بس هو مين ويرجع منين مفهمتش حاجة خالص


قضمت بيرى ظفرها وقالت بعدم فهم :

– هو مين ده ؟  بس جايز بتقول كده من صدمتها وأنها قصدها على ديفيد ، هو موته وجعنا كلنا ، وشكل مارجريت محتاجة دكتور فعلاً أنا هشوف الموضوع ده


ما أن وصلتا لذلك الحى الواقع به منزل أسرة ياسمين ، ترجلتا من السيارة وحملت حياء تلك الاشياء التي ابتاعتها من أجلها وأجل تلك الصغيرة الحاملة لها فى أحشاءها ، إذ علموا أنها حامل في فتاة ، ولم يتبقى الكثير حتى تأتى إلى هذا العالم 


وما أن دقت الباب فتحت لهما والدة ياسمين ورحبت بقدومها ونادت إبنتها من غرفتها ، فخرجت منها وذهبت لغرفة المعيشة وإبتسمت لهما مرحبة بمجئ حياء وبيرى ، فقالت وهى تشير لتلك الأغراض الموضوعة على المنضدة :

– مكنش فى داعى تتعبوا نفسكم كده وتجيبوا كل الحاجات دى 


ردت حياء باسمة وقالت بحنان :

– دى حاجة بسيطة يا ياسمين ، عقبال ما تقومى بالسلامة إن شاء الله 


قالت بيرى هى الأخرى باسمة :

– أنتى بقيتى غالية عندنا ولسه كمان الصغنونة اللى جاية فى السكة دى هتبقى حبيبة عماتها ريا وسكينة 


أشارت بيرى لنفسها ولحياء ، فرغماً عنهن ضحكن لمزحتها ، وجلبت لهن والدة ياسمين مشروبات مرطبة وظللن يتحدث عن أحوالها وعمل ياسمين كمهندسة ديكور ، إذ بعد شهر من وفاة زوجها أقترح أباها أن تعود لعملها لعلها تجد شئ يلهيها عن التفكير وتأنيب ضميرها ، ولكن نظراً لإقتراب موعد وضعها لطفلتها أخذت إجازة من عملها 


ولكن سمعن صوت جرس الباب وهن جالسات فى غرفة المعيشة ، فخرج أباها من غرفته ليرى من الطارق ، ففتح الباب وجد رجلاً ذو شعر أسود حالك ويرتدى نظارة طبية ذات إطارات عريضة فقال بإبتسامة بشوشة كعادته :

– أيوة حضرتك خير


تسائل ذلك الزائر بإحترام :

– حضرتك ده بيت الباشمهندسة ياسمين مهندسة الديكور ؟


رد والدها قائلاً بهدوء :

– أيوة ده بيتها ، تبقى مين حضرتك ؟


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة