رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل 43
قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ميرا كريم
الفصل الثالث والأربعون
لا يوجد شكلٌ ثابت للإنسان .؛
إننا نتغيّر بإستمرار ..
تُغيرنا الكلمات، المواقف، الأيام ،
نحن مُجرد ردّة فعلٍ ،
لكل ما يحدث لنا في هذهِ الحياة.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام
وبعد تأديته لصلاة العشاء داخل المسجد الكبير الذي يبعد عن منطقتهم بعض الشيء كان يسير بخطى رتيبة تشبه أيامه المنصرمة التي لا هدف لها.
وقبل أن يتخطى ساحة المسجد لمحها تسير برفقة مجموعة من الفتيات
ورغم تغير هيئتها إلا أنه تعرف عليها وكيف لا يفعل وقلبه الخـ ائن شعر بوجودها ويستطيع تميزها من بين الف من جِنـ سها، فقد تجمد في أرضه لثوانٍ قبل أن تنتبه هي له، لتنسحب من بينهم وتقترب منه قائلة:
-ازيك يا "عماد"
طالعها عن قرب لوهلة قبل أن يزيح برأسه يُجيبها:
-الحمد لله انتِ اخبارك إيه
اجابته وهي تُتحـ سس موضع خِمارها الذي ينسدل يُخفي نصف جـ سدها:
-بخير الحمد لله
ابتسم بإعجاب لم يستطيع مداراته وعقب على قولها:
-يارب دايمًا بخير يا "بسمة"
على فكرة كده احلى بكتير و لايق عليكِ اوي
ابتسمت وهي تشعر بشعور غريب لأول مرة يراودها، واجابته مُستفيضة وكأنها كانت تدخر الحديث له:
-واحدة من البنات جت تفصل عندي عباية وهي اللي اقنعتني وعرفتني على بنات مُلتزمة زيها بحضر معاهم الدروس بتاعة الشيخ" عثمان"
انعقد حاجبيه ولم يتفهم الجُزء الأول من حديثها:
-من عندك فين!
وعند سؤاله أدركت انها لم تخبره من قبل لتُفسر بأريحية أكثر:
-اصلي اشتريت ماكنة بالقسط وبشتغل عليها والحمد لله كل جيراني بيقصدوني بعد ما عجبهم شغلي.
ابتسم يشعر بالفخر من إنجازها ثم قال يُشـ دد من آذرها:
-برافو عليك انا مبسوط باللي وصلتيله
قالت تمتن له:
-اللي وصلتله ده بعد فضل ربنا يعود ليك انت اللي شجعتني ابدأ من جديد و اقرب من ربنا
ابتلع رمقه يستوعب مَدحها ثم نسبه لارادتها وحدها:
-انا معملتش حاجة ده انجازك أنتِ
نفت تُصر على عِرفانها:
-لأ عملت انا هفضل مدينة ليك بكتير يا" عماد" وهفضل ادعيلك من قلبي
هل تخصه بالدعاء تُرى حقًا تتذكره ويأتي ببالها، لا ليس واثق هو في قولها أو بالأحرى لا يود أن يبني أمال جديدة عليها وتُخيبها...ورغم ذلك هو سعيد كونها اجتازت ازمتها واستطاعت ترميم نفسها؛ فيبدو أنها بخير وتتعايش مع واقعها ولكن ماذا عن قلبه الذي لم يُكتب له السَكينة قط منذ عِشقها، فقد طلب منها بعيون حزينة تتستر بصعوبة على مكنونها:
-ادعي ربنا يريح قلبي يا "بسمة" علشان نفسي يرتاح ويريحني
تنهدت تنهيدة مطولة وشعرت بغـ صة تخنـ ق حلقها وهي تظنه يقصد آخرى ورغم ذلك الشعور الغريب الذي يجتاحها كررت داعية من قلبها:
-ربنا يريح قلبك وينولك كل اللي بتتمناه ويجعل نصيبك دايمًا في الخير يا "عماد"...قالت أخر جملة بحـ سرة تمنت أن تزول مع مرور أيامها فنعم طوت الماضي بكل ما به وتحملت توابعه وحدها ولكن حين يتعلق الأمر به تجد ذاتها تتمنى أن يعود الزمن بها لتُحسن إختيارها، فقد ابتلعت غصتها لتدثرها في جوفـ ها واستئذنت منه قبل رحيلها:
-عن اذنك البنات مستنيني واكيد فضولهم هيجننهم علشان واقفة معاك وهيسألوني انت مين
-هتقوليلهم إيه؟
حقًا لا يعلم من اين جاء بذلك السؤال كل ما يعلمه أنه كان يود أن يعلم ماذا ستُطلق عليه! هل كما الماضي مثل شقيقها أم تغير منظورها، فقد تنهدت مُبتسمة وأخبرته بعفوية دون مراوغة:
-هقولهم انك" عماد" اصلي حكتلهم عنك كتير
ابتلع رمقه ليبلل حلقه الجاف حين فاجأته بردها وناعستيه اخذت تضيق من شدة فضوله الذي دفعه لسؤالها:
-قولتلهم إيه عني؟
استرسلت بنظرة يدفع عمره بأكمله ليتأكد من صدقها:
-قولتلهم أنك اجدع واحن راجل في الدنيا وقولتلهم كمان انك عزيز عليا وبتمنالك كل خير
قالتها صادقة دون أي ادعاء قبل أن تواليه ظـ هرها وتعود لرفاقها تاركة قلبه يُرفرف بين ضلوعه والبسمة تكاد تشـ ق وجهه بفضل كلماتها ليأخذ نفسٍ عميق من الهواء النقي ليشجع ذاته قبل أن يقرر أن يُجازف بأول خطوة في طريقها.
❈-❈-❈
بعد قضائه أيام طويلة داخل المشفى كُتب له على خروج وقد أصر أن يعود لمنزله رغم إلحاح "شمس" و"سليم" عليه ولكنه لم يشاء أن يثقل أحد به فلطالما كان عبء على الجميع واتى الوقت الذي لابد أن يتحامل على ذاته لعله يكفر عن خطاياه التي أقترفها، ورغم إصراره على ذلك إلا أن "سليم" لم يرضى وبعث له مُمرض يرافقه لتلبية إحتياجاته وهاهو مُمدد على الفراش داخل منزله والصغير يجلس جواره وبيـ ده مكعب تنمية بشرية يحاول ترتيبه قائلًا:
-انا مش عارف العب بالبتاع ده عمو "سليم" جابهولي و ترتيبه صعب اوي
-هات اساعدك
قالها "صالح" وهو يتناوله منه ويحاول ترتيبه، ولكن ايضًا صَعب الأمر عليه ليعقب مازاحًا:
-تصدق عندك حق دي لعبة رخمة اوي سيبك منها وتعالى ألعبك لعبة احسن
أومأ الصغير مُتحمسًا ليضع "صالح" يـ ده على فخـ ذ الصغير ويخبره:
-هنلعب زن و لو عرفت تضـ رب ايـ دي تبقى جدع
وبعد أول محاولة كان الصغير يصيب يـ ده مُهللٍ بفوزه عليه:
-كسبتك... كسبتك وانت خسرت
قهقه "صالح" بعد قوله و
جـ ذبه لعنده يُدغدغه ليقرقر الصغير ويتعالى صوت ضحكاته ليصل لها وهي تقف على اعتاب الغرفة
تشملهم بنظراتها وشبه بسمة تعتلي وجهها فتلك اول مرة ترى مشهد به أُلفة بينهم كذلك، فمنذ معرفتها بما حدث له وحاله يُقطع نياط قلبها فنعم لم ترى منه خير في حياتها معه ولكن بالأخير يظل والد ابنها ذلك ما كانت تُقنع به ذاتها قبل أن ينتبه "صالح "لها قائلًا:
-تعالي يا"بدور" واقفة ليه عندك
تقدمت منه حاملة بعض العُلب تُبرر حضورها المُتكرر بشيء من الحرج:
-خبطت لما ايدي وجعتني الجرس بقاله سنين بايظ وشكله مش هيتصلح ابدًا...بس الحمد لله عم "فتوح" الممرض فتحلي الباب وجيت علشان أخد "رامي" واطمن عليك
ابتسم "صالح" بعد سؤالها الخالص دون نوايا وأجابها ببسمة راضية:
-نحمد ربنا على كل شيء
عقبت على قوله وهي تتفادى النظر مباشر له:
-يستاهل الحمد انا قولت أشقر عليك يمكن تكون محتاج حاجة وجبتلك معايا أكل يسند قلبك
قالتها وهي تضع العُلب التي تفوح رائحة طعامها الشهي منه من يـ دها فوق الكمود القريب
مما جعله يطالعها بنظرة تحمل الكثير من النـ دم كونه فرط بها فكان يظن أنها ستتشفى به وبما أصابه كونه في السابق أذاقها الكثير ولكن هي خالفت توقعاته بطيب أصلها لذلك همس وهو يشعر بالخـ زي من نفسه:
-انتِ أصيلة اوي يا "بدور "وانا عارف إني جيت عليكِ كتير سامحيني على اللي فات
تنهدت" بدور" قائلة بعدما وضعت ما مضى جانبًا مُراعاة لمَ أصابه:
-انت ابو ابني يا "صالح" و واجب عليا اسأل عليك علشان ابني في يوم من الأيام ميلومش عليا
صحح قولها بنظرات منكسرة مغلفة بالنـ دم:
-محدش يقدر يلوم عليكِ يا "بدور" انا المـ ذنب الوحيد أنتِ كتير عملتي اللي عليكِ وحاولتي تصلحيني بس انا اللي كان شيـ طاني غاو يني وأهو خدت جزائي لينظر لساقيه الميتة ويغمغم مُتحسرًا وهو يصعب عليه حاله:
-يارتني مـ وتت وخلصتكم كلكم من همي
وهنا شهقت بخفوت وعقبت مُسرعة تواسيه بكلماتها:
-بعد الشـ ر عليك ربنا يخليك لأبنك دي أزمة وبإذن الله هتعدي وهتبقى زي الفل بس أنت قول يارب
-يارب
قالها من قلبه مُستبشرًا في حين هي حثت صغيرها المُلتهي بلعبته المُعـ قدة على المغادرة قائلة:
-طيب يلا يا "رامي" نروح
رفع الصغير رأسه لها وترجاها قائلًا:
-خلينا قاعدين شوية مع بابا
نفت "بدور" برأسها وقالت مُبررة:
-مش هينفع يا حبيبي الوقت اتأخر
مط الصغير فمه ينصاع لها بعدما قَبل والده ونزل يمـ سك بيـ دها، لتقول مُودعة:
-فوتك بعافية يا "صالح"
ابتسم "صالح" وسألها مُتلهفًا:
-هتيجي بكرة؟
طالعته تستغرب سؤاله الذي صححه بحرج وبنظرات مُنكسة بعدما أدرك عدم أحقيته حتى في السؤال:
-قصدي هتجبيلي "رامي"
وهنا أجابته وهي في حيرة من أمرها:
-مش عارفة...ربنا يسهل
-مع السلامة
قالها هو ببسمة باهتة منقـ وصة وهي تغادر تاركته يطالع أثرها بنظرات ناد مة فياليت الزمن يعود به ليصحح تلك الأخطاء التي اقـ ترفها.
❈-❈-❈
في الصباح كانت تقف تُفرغ قهوته بعد إعدادها داخل القدح حين شعرت به خلفها يطـ وق خصـ رها ويمـ يل على أُذنها هامسًا بشيء جعل القشعريرة تنتاب جـ سدها وزادها عليها انه أخذ ينثر قُبـ لاته على سائر عُنقها وإن ادارها وكاد يلتـ هم شفـ اهها اتى صوت "صباح" ليجعلها تنتـ فض بين يـ ده وتبتعد بينما هو اعتـ صر عينه بقوة هامسًا بغيظ:
-هو ده وقته يا "صباح"
لتتسائل "صباح" وهي تدلف من باب المطبخ لتوها:
-بتقول حاجة يا بيه
كبتت هي بصعوبة ضحكاتها وافتعلت إنشغالها بملئ كوب من الماء و وضعه مع القهوة داخل الصنية لتقديمها بينما هو تحمحم يُجلي صوته قبل أن يجيب "صباح" مُستنكرًا:
-لا ابدًا سلامتك
رفعت "صباح" منكبيها وتناولت دورق المياه التي تناست أن تضعه بغرفة "ليلى" ثم انسحبت من جديد، ليتنفس هو براحة و يتأمل وجهها الذي يشع بحمرة الخجل و يقترب من جديد ينوي بنظراته ان يُقـ بلها لتعترض هي بدافع حيائها وتدفعه عنها قائلة:
-"سليم" ارجوك انا كنت همـ وت من الكسوف لو كانت شافتنا ابعد لو سمحت
أخبرها بجدية وهو يُصر أن ينال شفـ اهها:
-إيه المشكلة انتِ مراتي
حاولت تفسير الأمر كونه يمـ س حيائها:
-حبيبي مراتك بس...
وقبل أن تُكمل كلماتها كان ينقـ ض على شفـ اهها في قبـ لة
نهـ مة أطـ احت بها وإن فصلها أخبرها بأنفاس بالكاد يستطيع تنظيمها:
-كده يومي ابتدا...
ضربـ ته بِخفة في صـ دره وبسمتها الناعمة تُزين ثغرها
ليتابع وهو يتيه بنظراته داخل غابات زيتونها:
-انا عندي خبرين حلوين علشانك
حثته بحماس والبسمة ذاتها مُرتسمة على وجهها:
-قول
-"محسن" اللي كان مع "عزيز" اتحكم عليه بمؤبد النهاردة
اتسعت بسمتها بعض الشيء وتنهدت براحة وهي تشعر أن دلو ماء بارد انسكب على قلبها، ليتابع هو:
-والخبر التاني إني لقيتلك شغل كويس جوة دار نشر كبيرة يملكها واحد معرفة وبالصدفة عرفت انه عايز مُترجمة شاطرة
تهللت أساريرها أكثر وتسألت بحماس:
-بجد يا "سليم"...طيب اقدر ابدأ امتى
أجابها بنبرة مُبهمة لم تتفهم ما ورائها:
-بعد شهر
-ليه شهر!
تسألت مُستغربة والحيرة تنقط من حروفها مما جعل عيناه تبتسم اولًا قبل بقية معالمه وهو يُجيبها:
-اصلي هاخد اجازة وناوي اخدك ونروح المكان اللي تشاوري عليه نقعد فيه زي ما تحبي
قالها بتلك النظرات التي اعتادتها منه ليتراقص قلبها بين ضلوعها وتهمس مَادحة إياه بنظرات عَاشقة:
-عارف اكتر حاجة بحبها فيك إيه أنك لما بتوعد لازم توفي بوعدك
انعقد حاجبيه الكثفين وقال بنبرة ماكرة أمام شفـ اهها ينوي تكرار الأمر:
-بس في حاجات احلى بكتير ممكن تتحب فيا على فكرة
وضعت سبابتها على فمه وأخبرته بنعومة ودلال فطري لطالما كان يليق بها:
-كل حاجة فيك بمـ وت فيها يا حبيبي
نظر لسبابتها التي تُعيق شفاهه وتسأل بمكر قاصد عتابها:
-حبيبك...
أجابته بنظرات حالمة وهي تحرك يـ دها وتكوب وجهه بكفوفها مُتحـ سسة برقة ذقنه الناعمة التي تعشق ملمـ سها:
-اه حبيبي وروحي كمان وكل حاجة حلوة ليا في الدنيا
تنهد بحرارة بعد قولها وهمس وعينه تشملها بدفئها:
-طب المفروض اعمل ايه انا بعد الكلام الحلو ده
قلبت عيناها تدعي تفكيرها ثم طلبت بدلال يليق بها:
-تدعلني وتعمل الفطار بإيدك
إنصاع لرغبتها دون مراوغة:
-بس كده طلبات شمسي أوامر
قالها وهو يخـ طف قـ بلة من
وجـ نتها الشهية قبل أن يتحرك ليخرج الطعام من المُبرد ويقوم بإعداده تحت وطاة نظراتها اللامعة وتنهيدتها فتقسم أن ما تكنه له تخطى العشق بمراحل ولمَ لا وهو مالك قلبها وسبيل أمانها الذي لم تحظى بالطمئنينة وتُرحم من الشقاء إلا في كنفه.
❈-❈-❈
طرقات غريبة على بابها جعلتها تترك الثوب التي تخيطه جانبًا وتتناول إسدالها ترتديه وتلف خِمارها متسائلة بِحيطة من خلف الباب قبل أن تفتحه:
-مين بيخبط
اتاها رد رجل مُسن صوته مألوف:
-انا يا بنتي الشيخ "عثمان" إِمام الجامع
برقت عينها تستغرب حضوره لعندها فبالطبع تعرفه وحضرت العديد من دروسه فمن يغفل عنه وسيطه شائع في جميع المناطق التي حولها، فقد فتحت بابها والبسمة تكاد تشـ ق وجهها لا تُصدق أنه قصدها:
-اهلًا يا شيخ فرح قلبي وقول انك قاصد بابي انا
قال "عثمان" ببشاشة وبنبرة طيبة:
-لو انتِ "بسمة" يبقى انا قصدك...
هزت رأسها تؤكد له ليتابع هو:
-طيب تعالي عايزك في كلمتين
قال جملته الأخيرة وهو يسير لسور السطح يُستند عليه بيـ د وباليـ د الآخرى يفـ رط مسبحته مُستغفرًا، لتقترب منه والبسمة مازالت على وجهها مُتسائلة:
-خير أأمرني يا شيخ
استرسل" عثمان" الحديث معها مُبشرًا:
-الأمر لله يا بنتي انا جاي ومتعشم توافقي...في واحد ابن حلال وَكلني ابلغك رغبته في الزو اج منك وهو عارف كل ظروفك
اندثرت بسمتها وتكونت غِصة مريـ رة بحلقها كادت تخنـ ق انفاسها وهي تُجيبه:
-يعز عليا طلبك يا شيخ "عثمان" بس انا مش بفكر في الجـ واز لا دلوقتي ولا بعدين
-ليه يا بنتي دي سُنة الحياة وبعدين مهما كان اللي مخوفك ربك ستار
عقبت راضية بواحدتها وتُصر على رأيها:
-ونعم بالله بس معلش اعذرني انا مرتاحة كده ومش حمل حد يجي يقلب عليا المواجع ويعايرني
-لو على جوازتك اللي قبل كده هو عارف وبلغني اقولك أنه راضي وهيرمي اللي فات كله ورا ضهره
فغر فاهها بعد قوله وتسألت بعصبية خرجت منها دون قصدها:
-عارف منين ومين ده اصلًا
اللي باعت كبير المنطقة كلها علشان يطلب واحدة زي
-انا يا "بسمة"
قالها "عماد" الذي حضر معه وكان يقف على بادئة الدرج وعلى بعد خطوات منها، لتبرق عينها ويتعالى وجيب قلبها بشكل لم تعتاده مُلتفتة تهمس بأسمه وكأنه هو طوق نجاتها بعد معافرتها:
-"عماد"
أكد متخوفًا وهو يظن أن الرفض سيشمله ايضًا:
-اه يا "بسمة" "عماد" إيه منفعش اكون زوج ليكِ على سُنة الله ورسوله
غامت عينها غير مُستوعبة ما نطق به ثم همست بتقطع من شدة صدمتها:
-انت... بتتكلم...بجد!
وهنا أجاب "عثمان" بملامحه البشوشة بالنيابة عنه وهو يجلس على الأريكة المتهالكة بزاوية السطح:
-اومال إيه جايبني من بيتي علشان نهزر معاكِ يا ست "بسمة"... الراجل شاريكِ وطالبك مني وانا شايفه زينة الرجال ولكن القرار في الأول والأخر راجع ليكِ
هطلت دموعها دون أن تشعر بها وهي لا تُصدق أنه بذاته يقف أمامها ويطلب طلب كذلك فكانت تظن أنه أخر شخص سيفعلها لمُعاصرته مامرت به ولكن هو اذهلها...فنعم تكن شيء له ولطالما استنكرته وبررته عِرفان له ولكن الآن تُقسم أن ما يجتاحها شيء أخر جديد عليها لم تُجربه من قبل سوى معه.
-هااا يا بنتي إيه قرارك
انتشلها سؤال" عثمان" من خضم أفكارها، لتحين منها بسمة فرحة ممزوجة بدموعها وتخبره دون تردد بقرارها:
-موافقة...
قالتها مُسرعة وهي مطرقة الرأس وتفرك في كفوفها شاعرة أن كل خلية مُتوترة و تنتفض وكأنها عادت بِكر من جديد ويتم طلبها.
بينما هو اتسعت بسمته ولمعت ناعستيه التي لم تعد تتستر على ما يكنه لها أثناء نظره لها، لحين قاطعه "عثمان" قائلًا بحزم:
-نقرأ الفاتحة
أيدوه سويًا برؤسهم ليبدأ "عثمان" القراءة وهم معه وإن انتهى صدق وإقترح:
-كتب الكتاب بكرة بعد صلاة العشاء جوة المسجد حد عنده اعتراض
نفوا برؤسهم وعقب "عماد":
-لأ وبإذن الله يا شيخ الفرح كمان شهرين أو تلاتة أكون لحقت أوضب شقة امي وابويا واغير عفشها
لتعترض هي:
-بس انا مش عايزة فرح
أصر ببسمة أراد أن يُعزز بها ثقتها:
-أنتِ مش أأقل من أي حد يا" "بسمة"
حانت منها بسمة كادت تمـ زق وجهها وهي لا تُصدق أن حديثه يخصها، ليتدخل "عثمان":
-على بركة الرحمن قالها وهو ينهض و يسحب "عماد" معه:
-كده المهمة تمت و وفقنا راسين في الحلال يلا بينا يا عريس يدوب نلحق صلاة الظهر
سار معه "عماد" بجـ سده ولكن عينه كانت مُتعلقة بها لحين اختفى عن انظارها فكان قلبها يهلّل بين ضلوعها لا تصدق أن الله منحها من تكن له كل جميل تعويضًا لها.
❈-❈-❈
لا يوجد اسرع من الأيام فكما استقبلتها كما ودعتها ولكن الأن دموعها كانت تُغرغر عينها لتواسيها "سعاد" على فراقها اثناء جلوسهم في ساحة المطار الخارجية:
-علشان خاطري من غير عياط
قالت "رهف "والدموع تنسـ لت بتأثر من عينها:
-هتوحشيني يا" سعاد"
قالت "سعاد" بصدق تضامنًا مع قولها:
-وانتِ كمان هتوحشيني بس اعمل ايه لازم ارجع والله ابو العيال هيعلقني
ازاحت" رهف"دمعاتها وتسألت مُترقبة:
-طيب هتكلميني كل يوم
-هكلمك وهطمن عليكِ دايمًا بس المهم انتِ تخلي بالك من نفسك ومن الولاد وكمان تاخدي بالك من صحتك اللي مش عجباني
ومعرفش ليه رافضة اقول ل "نضال" او حتى نروح لدكتور
زاغت نظرات "رهف" وعقبت بشيء من الارتباك لم يُخفى عن "سعاد":
-انا كويسة متكبريش الموضوع
زفرت" سعاد" أنفاسها وقالت بجدية تكشف أمرها:
-"رهف" محدش في الدنيا دي فاهمك أدي... انا عارفة الأعراض اللي عندك وعارفة انك انتِ كمان شاكة وعلشان كده مش عايزة تقوليله
حسنًا لا سبيل من إنكار شكوكها أكثر فقد مررت يـ دها على وجهها
وغمغمت وهي في حيرة من أمرها:
-اقوله ايه يا "سعاد" انتِ عارفة "نضال" حساس إزاي في الموضوع ده وبعدين الأعراض بسيطة و بقالها ايام وبصراحة انا مرعـ وبة اصلًا و خايفة اعشمه واعشم نفسي على الفاضي
ربتت "سعاد" على يـ دها وحثتها بعقلانية لتُحد من تشاؤ مها:
-خلاص اتأكدي الأول لوحدك ولو محصلش يبقى ايه المشكلة لسه العمر قدامكم وبإذن الله ربنا هيكرمكم
حانت من "رهف" بسمة تنم عن إقتناعها تزامنًا على نداء طيارة ابنة عمها لتنهض تودعها بِعناق حاني و قبل أن تخطوا "سعاد" للداخل قالت جملة جعلت حُزن "رهف "يندثر ويحل محله بسمة ربيعها:
-متنسيش يا"رهف" تبشريني على تحسين النسل
أومات "رهف" برأسها مبتسمة ولوحت بيـ دها لتلوح "سعاد" ايضًا وتفوت للداخل تاركة" رهف" تعود أدراجها للمنزل وهي تنوي أن تفعل بنصيحة ابنة عمها ولكن بعد أن تُمهل ذاتها يومان لا أكثر حتى تتأكد من صِحة حِسبة عادتها.
❈-❈-❈
جلست بجانبه بعد جلسة العلاج الطبيعي المنزلي الذي يواظب عليه منذ خروجه من المشفى وقد بشرها الطبيب بتجاوب جـ سد شقيقها معه وتنبأ لها بتحسن أكثر في الأيام القادمة مما جعل البسمة لم تفارق وجهها وهي تطالعه وتلاحظ توتره وقبل أن يصدر سؤالها بادر هو:
-هي الساعة كام "بدور" اتأخرت
اعتلى حاجبي "شمس" تنظر لساعة يدها تطمأنه بعدما تفهمت سبب توتره:
-هي متأخرتش ولا حاجة زمانها على وصول
هز رأسه واخذ يُمـ سد على شعر الصغير الغافي بجواره يحاول إلهاء ذاته عن التفكير بها، غافل عن "شمس" التي تترقب ردود أفعاله وتُحللها بعيون ضيقة؛ حسنًا يبدو انها ألتقطت بعض الخِصال من "سليم" وتلك أولها فقد تعمدت سبر أغواره قائلة:
-"بدور" جالها عريس كويس ومش عايزة تد يله كلمة غير لما تاخد رأيك علشان "رامي"
فور قولها برقت عينه لا يستسيغ ما نطقت به، لتتابع هي كي تثير جنونه أكثر:
-بصراحة انا شايفة ده حقها هي لسه صغيرة وإذا كان على "رامي" متقدرش تمنعه عنك.
-هي موافقة؟
صدر سؤاله بنبرة مهتزة وبنظرات مضطربة لم يستطيع التحكم بها، مما جعلها تود أن تتراجع بلين قلبها ولكنها اعتـ صرت عينها تُشجع ذاتها على استئناف ما بداته لتوها:
-متهيألي مفيش حاجة تخليها ترفض طالما الراجل كويس وهيتقي الله فيها
غامت عينه بعد قولها بدموع حا رقة لم يشعر بها إلا وهي تكـ وي وجنته الخشنة مع هطولها،
لتلـ عن "شمس" نفسها في سرها وضميرها يقرعها كونها احزنته بقولها، ولكن جاء رده صـ اعق لها:
-انا مقدرش اعترض على جواز "بدور" هي شافت كتير معايا وتستاهل حد احسن مني يعوضها.
تسألت "شمس" والحيرة تتجسد مع نظراتها:
-طالما مش معترض ايه سبب دموعك يا "صالح"
أجابها بنبرة مذبـ وحة متـ ألمة ودموعه مازالت تهطل لتغرق وجهه:
-دموع قـ هر يا "شمس" مقـ هور على نفسي وعلى اللي حصلي ومقـ هور على اللي عملته فيكِ وفيها ومقهور اكتر على السنين اللي انا ضيعتها ومكنتش فيها أب لابني
انا لما تعبت لقيت اكتر اتنين أذيتهم واستقويت عليهم هما اللي شايلين همي انا معرفتش قيمة الصحة والعافية غير لما اتحرمت منها انتم خلتوني اتكسف من نفسي واحس أد إيه انا و* وكان وجودي زي عدمه انا متشلتش دلوقتي بس انا كنت مشلول من زمان ومليش لازمة وزمان ودلوقتي برضو بقيت حِمل عليكِ انا بجد ندمان على كل اللي فات ولو رجع الزمن بيا كان اول حاجة هعملها إني هشتغل واستغل صحتي وكنت هعززك ومش هيهمني من "سلطان" وكمان كنت هبطل كيف و هحافظ على "بدور" ومش هضيعها من ايدي
قال أخر جملة بمرارة وبنبرة مختـ نقة بالبكاء وكأنه الآن فقط خسـ رها، مماجعل "شمس" تتسأل لغرض ما في نفسها:
-انت لسه بتحبها؟
أجابها نادمًا وهو يشعر بالخـ زي من نفسه:
-انا مفيش واحدة ملت عيني زيها بس هي ست حرة ومبيعجبهاش الحال المايل و لسانها سابقها وبيعـ ري حقيقتي على أمل اتغير لكن انا كان شيطاني سايقني ومكنتش بستحمل وبغبائي كتير ظلمتها
-بس "بدور" اصيلة يا "صالح" وممكن تغفر وتسامح
أيـ د قولها مُسالمًا دون أن ينقم؛ راضيًا بقضاء ربه:
-أصيلة وست الستات يا "شمس" بس انا مقدرش احجر على اللي باقي من حياتها واربط مصيرها بيا وانا عاجـ ز كفاية المر ار اللي شافته
-إيه رأيك بقى إني راضية
قالتها "بدور "بنبرة مُرتعشة بعدما حضرت واستقبلها المُمرض الذي يُجالسه فكادت تدلف لعنده لولآ انها استمعت لبادئة حديثه الذي قطـ ع نياطها وجعلها تتجمد بأرضها، فقد تناوبت" شمس" نظراتها بينهم ونهضت تُربت على كتف شقيقها بمآذارة قبل أن تنسحب حاملة الصغير المُستغرق في النوم:
-طيب انا هاخد "رامي" انيمه في الأوضة التانية واسيبكم تتكلموا
قالتها وخطت وهي تحمل الصغير لخارج الغرفة تاركة "صالح" مازال مذهول بعد قولها فقد ابتلع رمقه وازاح دمعاته سريعًا قبل أن يسألها غير مُستوعبًا:
-قولتي إيه؟
تقدمت "بدور "منه بخطوات وئيدة مُسترسلة ودموعها المُتأثرة والتي تنم عن صدقها تعرف طريقها على وجهها:
-قولت إني راضية يا "صالح" اكمل الباقي من عمري معاك
كاد يسعد بقولها ولكن حين تذكر عِلته نكس رأسه و غمغم منكسرًا:
-بس انا بقيت عاجز يا "بدور" ومش هرضى تربطي مصيرك بيا
ابتسمت بسمة رضا من بين دموعها واجابت مُهونة بطيبة نابعة من أصل معدنها:
-اللي انت فيه دي أزمة وهتعدي وانا اولى بيك وبراعيتك من أي حد صح زمان غلطت كتير في حقي بس انا علشان خاطر ابني ممكن اغفر أي حاجة
-والعريس اللي متقدملك؟
جاء سؤاله مُترقبًا وكأنه يجلس على جـ مر مُشـ تعل، مما جعلها تُجيبه لكي تدثر مخاوفه:
-رفضته من اول يوم عرفت فيه اللي حصلك
-بس "شمس" قالت أنك وافقتي
نفت بقطع إمرأة حُرة وهي تجلس على المقعد المجاور لفراشه:
-محصلش وعمره ما كان هيحصل مش انا اللي أخد راجل من مراته واكون سبب قهـ رتها انا ولية واحس بالولايه اللي زي وكمان لما فكرت في مصلحة ابني لقيت أني مش عايزاه يتلـ طم بينا ويفضل العمر كله مفارق انا نفسي يعيش وسطنا ويطلع يلاقي أم واب وعيلة يتحامى فيها...مش عايزاه يبقى مقطوع من شجرة زي
قالت أخر جملة ومرارة الوحدة تغلف حروفها، مما جعله يمد يـ ده يُـ زيح دمعاتها قائلًا بتفائل وهو يأمل في عطاء ربه:
-هيكبر وهيتربى احسن رباية و
وعد مني قدام ربنا عمري ما هرجع للكيف اللي كان مضيعني ومضيعكم معايا تاني ونفسي يا بت ربنا يشفيني وأرجع اقف على رجلي واعوضكم عن كل اللي فات
أمنت على قوله مُتمنية من كل قلبها:
-إن شاء الله ربنا هيشفيك ويعافيك
ابتسم يُربت على كفها ثم حثها بلا توانِ:
-طب يلا ابعتي حد يجيب الشيخ "عثمان" من الجامع الكبير علشان اكتب عليك
وكمان خلي "شمس" تكلم الباشا يجي يشهد على القسيمة
اومأت له وهي تُجفف بقايا دمعاتها وفي ثوانٍ تبدل حالها ورقعت زغرودة تنم عن رضاها الكامل عن قرارها، أما "شمس" فأتت على صوت زغرودتها مُستبشرة وحينها ضـ مت "بدور" و باركت لهم ودعت من صميم قلبها صلاح حياة وشفاء شقيقها.
..يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية