-->

رواية جديدة نفوس طاغية لشهد السيد - الفصل 19

 

  قراءة رواية نفوس طاغية كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية نفوس طاغية

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة شهد السيد


الفصل التاسع عشر


 

أنطلقت صرخات "فاطمة" بأستنجاد فـ هرول الجالسين على المقهي الشعبي أمام المنزل نحو الأعلي لأغاثتها وركض البعض منهم خلف الشاب الذي قفز من نافذة الدور الأول..

 

جثت "فاطمة" على ركبتيها تتحسس الأرضية حتي تصل لجسد أبنتها وأول ما لمسته بأصابعها كان الد-ماء المنسابة فوق الأرضية فـ صرخت بقلب مفتور وثقلت أنفاسها وأنسابت دموعها وهي تقول بقهر:

 

-"لأ يا فجر لأ متعمليش فيا كده مش هقدر أتحمل والله ما هقدر، قومي يا بنتي قومي ياحبيبتي متوجعيش قلبي، يــــارب انتَ العالم بيا متاخدهاش مني يارب".

 

تقدم أحد الرجال الوقورين وقال:

 

-"ياست فاطمة البكي مش هيفيد ساعدينا ننقلها المستشفى، وجودها كده هيخلي حالتها تسوء أكتر ".

 

نهضت بتعثر وقالت ببكاء:

 

-" طب حد يحطهالي في تاكسي وأنا هروح بيها ".

 

عاتبها زوج شقيقة"رضا" بقوله الهادئ:

 

-" عيب يا حجة كده دي بنتنا برضو، تعالي يا رحيم يابني شيلها ربنا يبارك فيك عشان أنا مش هقدر".

 

أقترب "رحيم" ولده وحملها بالفعل وهبط بها سريعًا ومن خلفهم فاطمة التي جلست بالمقعد الخلفي تحتضن أبنتها بحسرة ولم تتوقف عن الدعاء للحظة واحدة، وفور تحركهم بثواني معدودة وصلت سيارة "عدي" وهرول منها "مهران" فـ أشار أحد الصبية نحو الأتجاة الذين ساروا منه وقال:

 

-"الحجة فاطمة راحت مع الأبلة فجر ولسه ماشيين من هنا".

 

عاد كلاهما للسيارة وأسرعوا خلفهم حتي وصلوا لأقرب مشفي وفتح "مهران" الباب الخلفي فـ وجدها جثـ ـة هامدة، أسرع بحملها والركض لباب الطوارئ يشعر بأنه يحمل روحه من ثقل شعوره بتلك اللحظة، يراقبها وهي مسطحة فوق الفراش المتحرك مغيبة عن الوعي يشعر بأنه أنفصل عن العالم بتلك اللحظة..

 

سار خلفها حتي أوقفته الممرضة بغلق باب العمليات أمام وجهة فـ وقف كـ طفل مشرد بلا مأوى، نظر خلفه "لفاطمة" التي جلست باكية تدعوا ربها علنًا ولجوارها رجل وشاب لم يتعرف عليهم وأقترب "عدي" منه يحاول مواساته بتلك اللحظة القاسية على الجميع..

 

حتى "عدي" كان يشعر بالحزن من أجلها، بالمدة القصيرة الذى عرفها بها كانت خير صديقة لم تكل أو تمل من خدمة "زينة" حتى تعافت ولم تعبئ بالغربة عن أهلها في سبيل أن تكون جوار صديقتها بتلك الأزمة..

 

❈-❈-❈

 

أنتظرته طويلًا حتى دلف أخيرًا للغرفة يظهر على وجهة الغضب الشديد، ألتزمت الصمت لوقت قليل حتى تخلّت أخيرًا عن هدوءها وقالت:

 

-"هو انتَ كنت هتعمل أي في مهران لو كان جه".

 

وكانت جملتها تلك هي أشارة لأنفجار غضبه فـ أقترب منها يقبض على عنقها بحدة وقوة يرمقها بنظرات قاسية قائلًا:

 

-"هتعيشي عليا دور الأم الحنينة ولا أي، قلبك حن وخايفة عليه لأ فوقي.. الواد ده اللي خونتي أبوه معايا وكنتِ شريكة فى قتـ ـله وأنا لو جبتك هنا فـ عشان عارف إنك خايبة ومن أول قلم هتعترفي وتثبتي الجريـ ـمة عليا وأنا عاوز أفضل متداري لحد ما أتنيل أغور من هنا".

 

شحب وجهها بعدما زاد ضغط يده على عنقها ودفعته  بوهن فـ دفعها بأزدراء وقال بأستحقار:

 

-"دور الست الوفية ده مش هياكل معايا يا نجلاء أحنا دافنينه سوا".

 

مررت يدها حول عنقها بألم وتابعت خروجه من الغرفة بغضب وبصقت خلفه بنفور.. دقائق أستعادت بهم قوتها المسلوبة وجلست تنظر لجدران الغرفة المتهالكة بملل شديد، منذ جائت وهي حبيسة هنا.

 

وقعت أعينها على الهاتف الصغير التي أخذته عند هروبها ومازال حتى الآن معها وبدون ذرة تفكير واحدة قامت بإعادة تشغيله تبحث فيه بضجر وأنتفضت عندما أستمعت خطواته تقترب وأقرب شئ كان موجود أمامها هي سترته، لذلك وبدون تردد وضعت الهاتف بجيب السترة وتظاهرت باللامبالاة عند دلوفه..

 

أقترب يحمل السترة وقال بتحذير:

 

-"أنا  رايح مع حمدان نخطف زينة عشان تبقى تذكرة خروجنا من وسط القرف ده كله، متحاوليش تهربي عشان أنا موصيهم يخلصوا عليكِ لو ده حصل".

 

تجاهلت كل حديثة وعلقت على نقطة واحدة قائلة:

 

-"وانتوا هتوصلولها أزاي دي محبوسة".

 

أرتدي السترة وقال بضيق:

 

-"حمدان يعرف ناس جوه قالوله أنها هتتحول بكرة للنيابة، وهنهجم على عربية الترحيلات البت دي بقيت مسألة حياة او مـ ـوت بالنسبالي ".

 

أومأت وصمتت حتى غادر وبعدها أردفت بتذمر:

 

-" حتي التليفون أخده، يلا يارب تروح ما ترجع وأرتاح منك".

 

❈-❈-❈

 

لأ أحد يخبرهم بأي شيء عن الذى يحدث بالداخل، وتواصل معه "جلال" يخبره بقبضهم على الشاب الفاعل وبضرورة وصولهم لـ "صفوت" حتى لا يتفاجؤ بشيء آخر..

 

ومرغمًا هبط لسيارة "عدي" يحاول الوصول لهم وكان الحظ حليفة هذة المرة وأستطاع تحديد مكان الهاتف وسماع كل ما تم تسجيلة بين "صفوت" و "نجلاء" وسريعًا تواصل مع "جلال" يخبره بما علمه ويملي عليه خطتهم القادمة والواجب بها الحرص الشديد والدقة..

 

أنتهي من كل ذلك بعد ساعة تقريبًا وصعد مجددًا فـ وجد غرفة العمليات فارغة وخرجت آخر ممرضة من الداخل فـ أوقفها متسائلًا بقلق:

 

-"لو سمحتي، كان فيه واحدة هنا من شوية راحت فين".

 

ظهر الحزن على وجه السيدة وهي تجيبة بأسف:

 

-"البقاء لله يا أستاذ شدّ حيلك".

 

رغبة عارمة من البكاء أجتاحته بتلك اللحظة، تركته كما تركه والده، كل شيء يحبه يضيع من بين يديه وكأنه لا يستحق الهناء بحياته.. جلس على المقعد من خلفه بوهن شديد ورغمًا عنه بكى بألم يصعب عليه وصفه باللحظة الحالية، كان كلما أبتعد عنها يعود إليها مجددًا ويرفض بأستمرار الأعتراف بحبه لها حتى لو بينه وبين نفسه، الآن يعترف بأنه فقدها هي وتبقى له الحب..

 

❈-❈-❈

 

سارت سيارة الترحيلات عبر طريق على جانبه مباني غير مكتملة الإنشاء وبلحظة واحدة أعترض طريقها سيارة سوداء وهبط منها "صفوت" بصحبة "حمدان"  وما يقارب خمسة عشر رجلًا وأقتربوا من الصندوق الخلفي للسيارة يأمرون السائق بفتحه..

 

وكانت المفاجأة لهم هم عندما هبط عساكر القوات المسلحة يشهرون أسلحتهم وظهر أخرين مصوبين نحوهم من فوق أسطح المباني لذلك وبدون مقاومة ترك كلًا منهم سلاحة أرضًا وأقترب "جلال" من "صفوت" يقول:

 

-"تفتكر واحد ساكت على حق أبوه بقاله عشرين سنة هتقدر انتَ تفلت من إيديه".؟

 

لم ينطق "صفوت" بحرف واحد ونظر نحو "حمدان" الذي أنفـ ـجر كبركان سائر يقول:

 

-"هو ده اللي مخطط لكل حاجة يا صفوت، أنا غلطان عشان مشيت ورا كلام ندل زيك".

 

تم وضع الأصفاد بأيديهم وتحميلهم بالصندوق الخلفي للسيارة، حينها أخرج "جلال" هاتفة وبعث رسالة نصية لـ "مهران" محتواها:

 

-"تم يا معلم ".

 

❈-❈-❈

 

هو الآن لا يعلم ما الذى يتوجب عليه فعله بعدما عثر عليه" عدي " وهو يجلس باكيًا وقد أتضح أنه بالطابق الخاطئ والفتاة المتوفاة لم تكن "فجر"..

 

لكن المُحزن بالأمر أنه تم استئصال الطحال بعدما تضرر بسبب الطعـ ـنة التي تلقتها، والآن تم نقلها لغرفة العناية المركزة..

 

صعد لهما فـ وجد زوج عمتها وولده قد غادروا بطلب من" فاطمة" وأوصلتها أحدي الممرضات لغرفة فارغة تصلي بها..

 

تولي "عدي" مهمة مراقبة الغرفة ودلف هو بعدما رفضت الممرضة السماح له رغم أخبارهم بإفاقتها فـ سار بالمقولة المفضة لديه "الغاية تُبرر الوسيلة".!!

 

تقدم ببطئ وكأنه يسير فوق الأشواك، كيف ستكون ردة فعلها تجاهة.؟؟

 

أبتلع لعابه ووقف بجانبها وقبل أن ينطق فتحت هي أعينها، نظراتها كانت بمثابة رصاصات حادة تصوب ناحيته دون أي شفقة، أعينها تبوح بالكثير المؤلم لكلاهما..

 

كل ما أستطاع قوله خرج بصوت مبحوح قليلًا:

 

-" حمدالله على سلامتك، أنا خوفت عليكِ وجيت...".

 

قاطعت حديثة بنبرة ساخرة وفاجئته بقولها:

 

-"عيبة في حقك كـ ظابط تقول خوفت".

 

لم يقدر حتى على سؤالها من أين علمت لكنها أكملت بنبرة باردة رغم أشتعال قلبها بتلك اللحظة:

 

-"أكيد بتقول أزاي الغبية دي عرفت، بس انتَ برضو مكنتش حريص أزاي تنسي شنطتك معايا في الشقة وتمشي، ااه صح كنت بتأدي واجبك ورايح تقبض عليهم لما خطفوا عدي نسيت معلش يا باشا.. تحب بقى أقولك يا مهران زي ما عرفتك ولا يا محمد ".

 

زفر أنفاسه المحبوسة وحاول التبرير قائلًا:

 

-" انتِ بس فاهمة غلط أنا.. ".

 

تحشرجت نبرتها وغلفت أعينها طبقة رقيقة من الدموع وقاطعته بنبرة هادئة معاتبة:

 

-" وقفت قصادك عشان أفهم وقولتلك أي حاجة هتقولها هتفضل سر بينا، قولتلك هساعدك في اللي جاي، كنت هصدق أي حاجة تقولها وهكدب عيني اللي شافت بطاقتك الحقيقة في شنطتك، كنت هكدب ودني اللي سمعت أمك وهي بتقولك يا محمد، كنت هتريحني من أفكاري وهي بثبتلي كل يوم عن اللي قبله إنك قربتلي عشان مصلحتك وبس، انتَ مشوفتش مني غير كل خير أنا عمري ما أذيتك من يوم ما شوفتك، أنا كل حاجة جت عليا وبدل ما أطمن بوجودك تعبت أكتر، تاخدني وتجري أفضل معاك مهما توديني مش ضعف مني لأ.. ثقة فيك، تطلعلي زي عفريت العلبة وتقولي كلام يخوف عن أهل زينة وأقول عادي مجرد نصيحة، وكل مرة كنت بواجهك فيها بتهرب مني بحِجه شكل.. مصعبتش عليك في يوم وقولت لنفسك حرام بهدلتها معايا كتير وسابت جامعتها وامتحانتها ومستقبلها وجريت ورايا حقها عليا أريحها لو لمرة واحدة من حيرة أفكارها اللي بتقـ ـتلها كل دقيقة وهي بصالك، أزاي كنت بتزيف نظراتك ليا أنا كنت مصدقة إنك حبتني بجد".

 

ثقلت أنفاسه من حديثها الذى نهش فؤاده حزنًا على حالتها تلك وحاول الرد:

 

-"يا فجر أنا.. ".

 

وبحسم قاطعته هي:

 

-" انتَ كداب.. أطلع برا".

 

ضغطت فوق الزر الموجود جوار فراشها فـ أتت الممرضة سريعًا وفور رؤيتها له شهقت بتفاجؤ وقالت بضيق:

 

-"يا أستاذ قولت لحضرتك مينفعش كده أتفضل برا".

 

أدارت هي رأسها للناحية الأخري حتى لا يرى دموعها التي سالت وظل هو واقفًا أصم عن حديث الممرضة يرجوها بنبرة مهزوزة:

 

-"أسمعيني طيب وهرضي بحكمك".

 

صاحت "فجر" بأنفعال وحرقة ظاهرين عليها:

 

-"لو سمحتي طلعيه برا مش عاوزة حد".

 

تدخل "عدي" وجذبه للخارج وتولت الممرضة مهمة الإطمئنان عليها ومن ثم غادرت فـ وقف خاويًا لا يعلم وجهته، كل ما وجده كان عناق دافئ من "عدي" يخبره فيه بأن كل شئ سيكون على ما يرام وقال:

 

-"اللي حصل مش سهل على حد، كلنا أتلسعنا من نفس النار، هيجي وقت وتقول اللي عندك انتَ كمان بس في وقت أفضل من كده، أنزل ناملك شوية في العربية وأنا هفضل هنا عشان لو احتاجو حاجة ".

 

ورغم إصرار" عدي " لم ينصاع "مهران" لرغبته وظل جالسًا بصمت تام، يعيش حالة من الصراع الداخلي لن توصفها الكلمات.!!

 

❈-❈-❈

 

بعد مرور يومين..

 

"قررنا نحن وبعد سماع شهادة الشهود وتقديم كافة الأدلة والأثباتات تحويل أوراق كلًا من

رياض محمود الحناوي

صفوت عبد العال الباشا

نجلاء مختار الحسين

إلي فضيلة مفتي الجمهورية  وتسقط التهمة عن ظافر بكر حلمي لأنه مات منتحـ ـرًا أثمًا في حق نفسه وله من الله جزاء ما فعل في الدنيا وفي حق نفسه

وبراءة المتهمة زينة عبد القادر علي من التهم الموجهة إليها.. رفعت الجلسة".

 

أنطلقت الزغاريد والتهليلات الفرحة من فم" فجر " التي حضرت رغم عدم تعافيها بشكل كامل بالإضافة إلي بعض النساء الأخريات، وسندت "زينة" جبهتها فوق الحاجز بينها وبين الموجودين تشكر ربها باكية ولم تفوت عدسات الصحافة تلك اللقطات التي ستكون حديث الجميع بعد دقائق قليلة..

 

ولم يمر الكثير وكانوا جميعهم واقفون بساحة المحكمة يهنئون "زينة" بتلك المناسبة السعيدة لهم جميعًا، وقاطع "شاهين" حديثهم قائل:

 

-"ربك ميرضاش بالظلم أبدًا يابنتي ومهما طال الوقت مسير الحق راجع لصحابه، وأن الأوان تعاودي معانا لجل ما تفرح قبيلتنا كلها بفرح ولدي ".

 

أبتسمت" زينة " وأومأت بأحترام قائلة:

 

-"حاضر يا عمي أنا بس بعد أذن حضرتك محتاجة يومين بالكتير عشان أملاك ماما أيمان واقفة كلها وهي أكيد مش فرحانة بحاجة زي دي الله يرحمها كانت بتحب شغلها".

 

صمت الجميع لدقيقة يدعون لها بالرحمة والمغفرة وأقبل عليهم بتلك اللحظة "مهران" وبصحبته "جلال" واللواء "عماد"..

 

كانت هيئته مختلفة عن قبل، لحيته الكثيفة أصبحت أقل كثافة بشكل ملحوظ وخصلات شعره مهندمة ومصصفة عن ذى قبل يرتدي قميص أسود وبنطال من نفس اللون، وفور وقوفه بصحبتهم أردفت

" زينة":

 

-"أي النضافة دي كلها، لو مش عرفاك قبل كده كنت هتلغبط فيك ".

 

كتم" جلال " ضحكته وقال موضحًا:

 

-"ده الرائد محمد، الظابط اللي كان معايا في القضية يا زينة".

 

وبحماقة غير متوقعة نظرت لـ "عماد" ومدت يدها تصافحة قائلة:

 

-"أزيك أزي حضرتك شكرًا جدًا ليك ".

 

صافحها" عماد" وأبتسم على عفويتها يجيبها برزانة:

 

-"الشكر لله بس الشكر الأكبر لمحمد اللي كان مؤمن ببراءتك وسعي كتير عشان يظهرها".

 

صمتت تنظر لثلاثتهم بجهل والسؤال الوحيد الشاغل لعقلها كان.. من هو محمد.؟

 

وأجابتها أتت من "عدي" الذى أشار لـ "مهران" وقال:

 

-"ده أسمه الحقيقي محمد وكان ظابط وبيساعدك يا زينة".

 

أتسعت أعينها ودون وعي أردفت بضيق:

 

-"طلعت انتَ الجنايني يعني في أخر الفيلم، أنا مبرتاحش لأي راجل عينه ملونة".

 

ضحك الجميع على حديثها ووضح "مهران" لها أكثر:

 

-"مش كده وبس عندك إدريس ده عمل نفسه عسكري عشان الراجل اللي صفوت كان مستخبي عنده يديله الأمان ويجوا يخطفوكِ فـ أحنا بقى قبضنا عليهم".

 

همهمت "زينة" بفهم ونظرت لـ "عدي" بريبة:

 

-"أوعى تقول إنك انتَ كمان كنت مرشد تبعهم ".

 

نفي" مهران" التهمة عنه وقال:

 

-"لأ هو كان بيصبرني عليكِ وعلى غباوتك وهروبك مننا بس معلش ".

 

نقلت نظرها لـ" شوقي" المحامي وقالت:

 

-"معلش يا متر جت فيك بالغلط، كنت فكراك خاين وهتسلمني عشان كده جريت من مكتبك يومها".

 

طال وقوفهم لدقائق إضافية وبعدها استأذن" عماد" منهم بأن "زينة" يجب عليها الذهاب مع العسكري لأنهاء إجراءات خروجها، وذهب "عماد" و "جلال" وخرج الباقيين للخارج..

 

وأستقر الوضع على عودة "شاهين" و"إدريس" للقبيلة مجددًا وبقاء "عدي" برفقة "زينة" حتى تري ما الذى ستفعله بالقادم..

 

وأبتعدت "فجر" عنهم تنتظر خروج "زينة" حتى يعودوا للمنزل مرة أخري، شعرت به يقف بجانبها لكنها لم تغير رأيها حتى وتنظر نحوه ومازالت على جمودها وتجنب النظر والحديث معه فـ تحدث "مهران" بهدوء:

 

-"أنا سيبتك وقت كافي عشان تهدي وأعرفك إن كل اللي خبيته عنك كان لمصلحتك قبل مني، أي تصرف غلط او كلمة في وقت مش مناسب تكشفي كانت هتضيعنا كلنا الحاجة الوحيدة اللي كانت مخلياهم متطمنين لوقت طويل أنهم فاكرين إن الحكومة متعرفش حاجة باللي بيحصل بس أنا كنت نقطة الوصل بين الأتنين، مش سهل تعيشي بشخص غيرك ويبقي حياة كل الموجودين حواليكي مسؤولية منك، ولا سهل عليا أصحي من النوم ألاقي نفسي نسيت حاجات كتير حصلت انتِ متعرفيش عنها حاجة، أنا مبقلبش الترابيزة عليكِ ولا بطلعك غلطانة أنا حبيتك فعلًا يا فجر، كل مرة كنت برجعلك بعد ما أسيبك وامشي كان من خوفي عليكِ وحبي ليكِ هو اللي بيرجعني مع أنه ولا وقته ولا مكانه ولا ينفع تفضلي معايا في كل الجري والتنطيط ده، واخرة قربك مني كنتِ هتروحي فيها، أنا والله مش وحش.. صدقيني ظروفي كانت أكبر مني".

 

مازالت ملتزمة صمتها، أستمعت لحديثة بهدوء تام وبعدما أنتهي قالت:

 

-"شكرًا لمجهودك يا حضرة الظابط ومبروك الترقية، بقيت رائد صح".؟

 

أومأ بالإيجاب فـ صمتت هي حتي خرجت "زينة" وأقتربت قائلة بعدم فهم:

 

-"انتوا مكشرين كده ليه، متخانقين".؟

 

تجاهلت "فجر" حديثها وقالت بهدوء:

 

-"هترجعي البيت معايا ولا هتروحي القصر ".؟

 

صمتت" زينة " مفكرة للحظات قبل أن تجيبها بحسم:

 

-"هروح معاكِ".

 

أومأت "فجر" وأشارت لأول سيارة أجرة وفور ركوبهم تقدم "عدي" يعطي السائق الأجرة قائلًا:

 

-"وصلهم مكان ما هما عاوزين".

 

حرك السائق رأسه بالموافقة وتحرك بهما ووقف "عدي" يخبر "مهران" بأسف مصتنع:

 

-"معلش يا باشا هتضايفني عندك اليومين دول".

 

أبتسم "مهران" لمزاحه وقال:

 

-"هنقول أي الشرطة في خدمة الشعب".

 

❈-❈-❈

 

الثالثة فجرًا..

 

تقدمت "زينة" تنزع المنشفة عن خصلات شعرها وتلقيها جانبًا تأخذ نفسًا عميقًا قائلة:

 

-"الله على النضافة بجد.. شعور ريحته حلوة".

 

ضحكت "فجر" عليها وتفاجئت بها تجلس أمامها تخبرها بجدية بالغة:

 

-"أنا آه شحطة بس مبعرفش أسرح شعري ماما أيمان كانت بتسرحلي او طنط مريم المربية قبل كده مكنتش بسرحه اصلًا كان شبه سلكة المواعين".

 

ضحكت "فجر" أكثر عليها وقالت بتخمين:

 

-"والمطلوب أي دلوقتي ".

 

أبتسمت" زينة " بأتساع وحماس ترفع كفيها بأدوات التمشيط قائلة:

 

-"سرحيلي".

 

وبالفعل بدأت بتمشيط شعرها برفق وحرص وتسألت:

 

-"بعد ما حضرتك نمتي براحتك واستحميتي وأكلتي وعملتلك شاي كمان قررتي هتعملي أي ".؟

 

همهمت" زينة " بحيرة ووضعت كفها فوق وجنتها بقلة حيلة وقالت:

 

-"مش عارفه، بصراحة شغل ماما أيمان ده مسؤولية أكبر مني وأنا مستحيل أنجح فيه أنا معرفش أي حاجة ويدوب أتعلمت أكتب أسمي بالعافية".

 

ساد الصمت بينهم للحظات قبل أن تقطعه "فجر" قائلة بهدوء:

 

-"متحمليش نفسك فوق طاقتها أكيد مدام أيمان مكانتش هترضي إنك ترمي نفسك في مجال متعرفيش فيه أي حاجة، شوفي انتِ عاوزة أي واعمليه يا زينة انتِ دلوقتي المتحكمة الوحيدة في كل حاجة ومحدش هيقدر يعارضك ".

 

حركت" زينة " رأسها بإقتناع ونهضت بعدما أنتهت "فجر" وجلس كلاهما بالشرفة فـقدمت لها "زينة" جواب مغلق قائلة:

 

-"أستاذ شوقي قالي إن ماما سابتلي الظرف ده فـ بعد أذن حضرتك أقريلي لأني مفهتمش حاجة ".

 

تركت" فجر" الكوب وفتحت الورقة تقرأها:

 

-"بنتي وحبيبتي زينة.. في الوقت اللي بتقرأي فيه كلامي ده هتكوني زينة مش بيسان بس ميفرقش معايا أسمك أي، يفرق معايا إني حبيتك بجد ورغم إني معرفكيش من بدري بس حسيت معاكِ بإحساس حلو مفتقداه من بدري، ولتاني مرة هقولك يا بنتي خليكِ صاحبة القرار فى حياتك، أسمعي لقلبك وحكمي عقلك أوعى تكوني فى يوم أيمان اللي كان قرارها مش مِلكها، أختاري اللى يحبك بدون شروط وقـ ـيود على أى حال كنتِ عليه، والفلوس اللي في البنك دي كلها ليكِ يا زينة افتحي بيهم مشروع لو حابة او هاتي أحتياجاتك لو قررتي إنك تكملي حياتك مع الشخص اللي يستاهلك واللي هيصونك،

أفتكري دايمًا إن ماما أيمان بتحبك وفى ضهرك، وأنا واثقة في قرارك أيًا كان أي هو وعارفة أنك هتعملي الصح، المُحبة لكِ دائمًا وأبدًا ماما أيمان".

 

 

أغلقت "فجر" الورقة وعم الصمت لثواني قليلة قبل أن تتحدث "زينة" فجأة:

 

-"أنا قررت هعمل أي ".

 

 

❈-❈-❈

 

بالثالثة عصرًا في اليوم التالي..

 

 

وبسرعة البرق تم أنتشار خبر ظهورها في بث مباشر على نطاق واسع بين الناس وبدأ الجميع الأنضمام له بأنتظار ظهور"زينة" المتهمة البريئة كما أطلق عليها..

 

وخلف الكاميرا وقفت تعدل من هيئتها وتسألت بقلق:

 

-"أنا مش عارفه ألف الطرحة كويس شعري كده باين ولا أي ".؟

 

حركت" فجر " رأسها بالنفي وأبتسمت بتشجيع قائلة:

 

-"متخافيش زي القمر، قولي كل اللي عاوزاه الناس كلها سمعاكِ وشيفاكِ ".

 

أمسكت بيدها تمدها بالدعم والقوة وأنسحبت لتقف أمام الكاميرا، ظلت صامتة لبعض الوقت لا تفقه شيء من التعليقات المتدافعة عبر البث وأخيرًا تحدثت بهدوء قدر الإمكان:

 

-" الفيديو ده ممكن ميبقاش مهم لكتير منكم بس هو مهم بالنسبالي للي يعرفني او ميعرفنيش أنا زينة وأكيد أغلبكم سمع عن قضيـ ـتي، أنا بسجل حتى ومش مرتبة كلامي ليكم كل اللي طلباه منكم تسمعوني.. أنا واحدة عرفت قيمة الشيء كويس أوي لأني عيشت طول حياتي في حرمان.. حرمان من الأهل والبيت والفلوس والأكل وأبسط أحتياجات الأنسان.. ممكن كتير منكم يكون شايفني وحشة او نصابة زي ما أتقال عني.. وحقيقي مش مهم عندي كل ده المهم هو اللي هقوله لحضراتكم دلوقتي، أنا قررت تحويل قصر عائلة أيمان الحناوي لـ دار رعاية  للأطفال بلا مأوي، الأطفال اللي بيعانوا على أيد ناس عديمة الرحمة وبتستغل عدم وجود مكان يلجؤ ليه وأنا كنت واحدة منهم ومجربة شعورهم كويس أوي، الدار هتوفر رعاية كاملة ليهم وهتكون منقسمة البنات لوحدها والشباب لوحدها واللي حابب يتعلم القراءة والكتابة هيكون فيه ناس مخصصة لده واللي حابب يتعلم صانعة يقدر يشتغل بيها برضو هعلمه وهقدملكم كل اللي تحتاجوه وصدقوني أنا هدفي الوحيد أنكم تكونوا في أمان ومشوفش ولا واحد منكم بيعيش اللي عيشته، لو لقيتوا أي طفل من دول عرفوه كلامي ووصلوني له وربنا يقدرني وأقدر أقنعه يفضل في الدار، صدقوني أحنا في أيدينا نخرج أجيال أحسن بكتير ونساعدهم في تغيير نفسهم، دعونا نحيا في حياة أفضل لنا جميعًا، دار رعاية الأيمان بيت لكل طفل".

 

أنهت حديثها بأبتسامة حنونة وأغلقت البث وأرتفعت التصفيقات منه ثلاثتهم لها وأحتضنتها "فجر" بحب قائلة:

 

-"أنا فخورة بيكِ أوي يا زينة".

 

أبتسمت وبادلتها العناق وأضاف "عدي" بأبتسامة دافئة ونظرات مشجعة داعمة لموقفها:

 

-"كلنا فخورين بيكِ وواثقين من نجاحك، ومعاكِ في كل اللي هتحتاجيه يا زينة".

 

أبتسم "مهران" وقال بتشجيع:

 

-"وأنا هساعدك تخلصي كل الإجراءات القانونية اللي هتحتاجيها للدار".

 

أبتسمت بأمتنان وحب وأجابتهم قائلة:

 

-"أنا بشكركم أوي على وقوفكم جمبي ومهما عملت مش هقدر أوفي كل اللي عملتوه عشاني، أنتوا الحاجة الوحيدة اللي أقدر أقول عليها مكافأة نهاية الرحلة". 

 

يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شهد السيد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة