رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الخاتمة
قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ميرا كريم
الخاتمة
بعد مرور عدة شهور
خرج هو من المرحاض يمرر يـ ده بين خصلات شعره حين وجدها تنقل الأطباق بهمة ونشاط، تتحرك وخصلاتها البنية المبتلة تميل معها مُرتدية قميصها البيتي الذي يُحدد تقاسـ يم
جـ سدها وبروز بطنها الطفيف بشكل بسيط غير مُبتذل راقه للغاية وجعله يقترب قائلًا وعينه الناعسة لا تحيد عنها:
-صباح الفل يا بسبوسة
التفتت "بسمة" مبتسمة بسبب ذلك اللقب الجديد الذي اطلقه عليها منذ أول يوم لهم وردت مُتنهدة وهي تطالعه بمشاعر لم تستطيع اخفائها:
-صباح الهنا يا عيون بسبوسة
حاوط خصـ رها ثم مال يضع قُـ بلة على وجنتها مُطولة، قبل أن تتابع هي:
-انا حضرتلك الفطار علشان تلحق تفطر قبل ما تروح الورشة
ابتسم لأهتمامها المبالغ الذي دومًا تغرقه به ثم د اعب خـ دها بأربعته قائلًا:
-انا مش قولتلك ترتاحي علشان اللي في بطنك
طمئنته بقولها وهي تستند على ذراعه الذي يحا وط خصـ رها:
-انا زي الفل متقلقش وبعدين الحركة حلوة علشاني كنت دايمًا اسمع "بدور" بتقول كده
تنهد وحثها وهو يكوب بيـ ده الاثنين وجـ هها:
-"بسمة" علشان خاطري انا مش عايز اتعبك خليكِ مرتاحة وانا بعد كده هفطر في الورشة مع الرجالة
شهقت بخفوت وعقبت بصدق يدل على رضاها الكامل عن أفعالها:
-وربنا ما يحصل وانا لازمتي ايه
انا مراتك وده واجبي ولو لأخر يوم في عمري ولسه فيا صحة هخـ دمك
هز "عماد" رأسه يحاول أن يجعلها تتراجع متحججًا في سبيل راحتها:
-بس انا كده كل يوم هتأخر على الورشة
ابتسمت بسمة فخر تليق به وردت وهي تجـ ذبه من يـ ده وتجلسه على رأس الطاولة:
-وماله لما تتأخر ما انت المعلم والكل في الكل هناك
أجل هي محقة فقد آذرته ودعمته لينشأ عمل خاص به ولكن لا يصح أن يتكاسل فلديه الكثير من المهام على عاتقه لذلك عقب على قولها:
-يا "بسمة" الورشة ايجار و لسه صغيرة ومش معروفة و عليا ديون المعدات و لسه بقول يا هادي
حفزته آملة في عطاء ربها:
-ربنا هيكرمك احلى كرم و الديون ايدي على ايدك وهنسدها وإذا كان على الايجار بكرة تبقى مِلك وبإذن الله هتبقى اكبر ورشة فيكِ يا منطقة والكل هيقصدها بس انت قول يارب
-يارب...
قالها من قلبه راجيًا، فلولا توفيق الله وتشجيعها ليخطو تلك الخطوة من أجل مستقبلهم ما كان فعلها، لتعقب وهي تد س لقمة مغمسة بالمربى بفمه:
-ايوة كده ارمي توكالك على ربنا وهو هيسرها...
لاك ما بفمه ببطء واعترض قائلًا:
-ونعم بالله بس انا مش راضي على شغلك وعايزك ترتاحي
قالت محايدة كي ترضيه:
-ما انا سمعت كلامك ومبقتش اروح المصنع...لكن شغل المكنة مقدرش اوقفه هخـ سر زبايني اللي ما صدقت عرفوني وكمان مفهوش تعب انا مش بخطي عتبة البيت وأهو بيجيلي قرشين احنا اولى بيهم علشان الايام الجاية
تنهد مُسالمًا أمام إصرارها:
-مفيش فايدة فيكِ غاوية تعب
حانت منها بسمة راضية للغاية واجابته وهي تُربت على يـ ده المسنودة على الطاولة:
-يا"عماد" انت كل حاجة ليا في الدنيا ومليش غيرك وتعبك راحة وعلى قلبي زي العسل وبعدين ما كله في الاخر لينا و لعيالنا
قالتها وهي تُغمس لقمة أخرى وتد سها داخل فمه ليبتسم هو ويلوك قائلًا وهو يغمس لقمة ويفعل مثلها:
-ماشي يا بسبوسة كُلي معايا عايز اشوف الأطباق فاضية انتِ لازمك غذى
ابتلعت ما بفمها واشارت على عيناها الاثنين بالتناوب قائلة وبسمة راضية تعتلي وجهها:
-عيني همسح الأطباق بس ثوانِ هجيبلك الشاي علشان تحبس
قالتها ونهضت في طريقها للمطبخ بينما هو
ابتسم بسعادة حقيقية وهو ينظر لظهرها فمن يصدق أن من تلظى قلبه لسنوات بسبب خذلانها هي ذاتها من عوضته عن وحدته وعن الكثير بأهتمامها فمن قال أن فاقد الشيء لا يُعطيه كان خاطئ فهي تمنحه ببزخ الاستقرار و السَكينة والأُلفة التي لم تحظى بها، فقد تنهد براحة ونظر لاعلى يحمد ربه على منح كل منهم فُرصة ثانية هم كانوا في أَمس الحاجة لها.
❈-❈-❈
مرت الأيام عليها بسلام لطالما كانت تحلم به وتتمنى دوامه فبعد تلك الأيام الرائعة التي انطبعت بذاكرتها للأبد و قضتها معه بأحد المُدن الساحلية
باشرت عملها فور عودتها كما وعدها وها هي تثبت كفائتها بعد مرور عدة شهور وتحقق طموحها الذي دومًا كانت تسعى له، فكانت تجلس خلف مكتبها بعد زيارتها الصباحية التي لم تخبره بها وهي ساهمة تقطم شفـ اهها وكل حين وآخر تبتسم بسمة حالمة لا سبب لها أو بالأحرى هي وحدها تعلم ما ورائها... فكانت هائمة في عالم موازي لحين طرق بابها و دخل مدير الدار بذاته حاملًا مجموعة من الكُتب قائلًا:
-دي الكُتب اللي طلبتيها يا استاذة "شمس"
لملمت "شمس" شتاتها ثم هبت من مقعدها متفاجئة:
-حضرتك جايبهم بنفسك كان ممكن تبعتهم مع اي حد
ابتسم مدير الدار بسمة وقار تليق بسنه ثم اجابها وهو يجلس أمامها:
_انا كان لازم أجي بنفسي علشان احيكِ بصراحة كلنا مبهورين بشغلك...نادرًا لما بيبقى في مترجمين بالهمة والدقة بتاعتك
-شهادة حضرتك اعتز بيها بس انا مش بعمل غير شغلي
هز رأسه وصرح لها بنبرة عملية:
-طيب ابشري يا استاذة إحنا قدرنا ناخد الإذن المبدئي من صاحب الملكية الفكرية للكتاب اللي ترجمتيه مؤخرًا، والمؤلف نفسه شاد بيكِ و وافق على بنود العقد اول ما راجع العينة
رمشت عدة مرات بأهدابها واتسعت عيناها على وسعها هامسة دون تصديق:
-ده بجد
ابتسم ونهض يؤكد حديثه قبل أن يُغادر مكتبها:
-اكيد...مبارك يا استاذة
قالها وغادر دون أن ينتظر ردها تاركها متجمدة بأرضها تتعالى وتيرة انفاسها بسبب حماسها وبسمة سعيدة للغاية تعتلي وجهها فلا تصدق أن اسمها سيُقترن بأسم كاتب غربي لطالما اعجبت بكتاباته، وهنا صدح رنين هاتفها لتنظر لساعة يـ دها وتتأكد من انتهاء موعد دوامها و تسحب حقيبتها وتغادر راكضة للخارج لتجده يقف ينتظرها لتصعد للسيارة وأول شيء فعلته هو أنها وضعت قُـ بلة خاطفة على وجنته قائلة بنبرة تتراقص كقلبها:
-بحبك يا "سليم "بحبك
تفاجئ من فعلتها وتسائل وعينه باسمة تترقب جوابها:
-خير مالك يا مجنونة
مالت تشوقه بقولها:
-عندي ليك خبر حلو اوي هيفرحك
تأهبت نظرات "سليم" الضيقة وتحمس بشدة متسائلًا بتلهف وهو يدعوا الله بسره أن تخبره بما يتمناه وطال انتظاره:
-اتكلمي يا شمسي
أخبرته بما أخبرها به مديرها والبسمة تُزين وجهها كون اخيرًا سيتحقق طموحها، بينما هو أُحبطت معالمه قليلًا بعد قولها ولكنه تدارك وهنئها بسعادة وببسمة هادئة:
-مبروك إن شاء الله يبقوا كُتب مش كتاب واحد
آمنت على قوله وقالت بصدق وزيتونها المُزدهر بِعشقه يهيم به:
-آمين يارب يا حبيبي...عارف انا من غيرك مكنتش وصلت لأي إنجاز... ربنا يخليكِ ليا
دثـ ر إحباطه سريعًا كأنه لم يكن ثم تبسمت عيناه اولًا قبل بقية معالمه برضا و جذ بها بذراع واحد له هامسًا وهو يضع قـ بلة مُطولة على قمة شعرها:
-انتِ بقى اكبر انجاز ليا يا شمسي ربنا يخليكِ ليا وتملي عليا حياتي كلها
قالها بصوته العميق الذي يستقر في أعماقها ويطمئن قلبها، فهي تفهمت منذ بادئة الأمر سبب إحباط معالمه ولكنها لن تفضي ما بجعبتها دفعة واحدة حتى لا تُفسد عليها مُتعة رؤيتها لردة فعله، بينما هو دون أن يُخرجها من حيزه كان ينطلق بها وهي تستند عليه برأسها مغمضة العينين من شدة سَكينة قلبها.
❈-❈-❈
أما عنه فكان جالسًا في زاوية ورشة النجارة خاصة "عماد" يُصنفر قطعة الخشب وينعم حوافها فبعد ما أصابه طالت رقدته و سأم من المكوث في المنزل مُثقل الحِمل عليها لذلك طلب من "عماد" أن يعمل معه وهاهو التقط الصنعة في أيام قليلة، نعم يعمل في حدود ضيقة حسب ما تسمح له أصابته ولكنه يثابر وإن لزم الأمر ينهض يرتكز على عُكازيه ليتابع عمله ورغم تحسنه الملحوظ بالشهور المنصرمة إلا أنه لم يتم شفائه بالكامل ومازال يواظب على العلاج الطبيعي، فكان منـ همك في حين دلفت هي حاملة لفافة بيـ د وباليـ د الآخرى تجر صغيرها معاتبة:
-بقى كده يا "صالح" تنزل الصبح من غير ما تاخد علاجك
رفع "صالح" رأسه لها مبتسم ثم ازاح قطعة الخشب و وضعها جانبًا قائلًا وهو يجـ ذب الصغير لاحضا نه ويضع قبـ لة على رأسه:
-مهانش عليا اصحيكِ يا بت ما انتِ برضو شقيانة
لوت "بدور" فمها وعقبت بعدم رضا على قوله:
-والنعمة ملكش حق ابدًا على العموم انا جبتلك شقتين فول تتصبر بيهم وجبت العلاج ومش هتحرك من هنا غير لما تاخده قصاد عيني.
قالتها وهي تناوله ما بيـ دها، ليأخذ منها ويطمئنها:
-يا بت خلاص هاخده بس يلا اتوكلي على الله ودي "رامي" الحضانة وروحي شغلك
صمتت تفكر لبُرهة قبل أن تُشـ دد عليه:
-ماشي هروح بس امانة عليك متنساش العلاج تاني
هز رأسه واعدًا وقال وهو يخرج ورقة نقدية من جيبه ويمنحها لصغيره قائلًا بحنان:
-خد يا واد هات حاجة حلوة تاكلها في الحضانة
تهللت أسارير الصغير وأخذ من يـ ده ثم منحه قبـ لة على وجنته شاكرًا أمام نظراتها الراضية فرؤيتها الاُلفة بينه وبين صغيرها تُشعرها أنها لم تخطئ في قرارها.
لتبتسم براحة لا مثيل لها وتعقب وهي تنوي الرحيل برفقة صغيرها:
-فوتك بعافية يا "صالح"
-الله يعافيكِ ويخليكِ يا ست الستات
قالها بصدق قبل أن تتسع بسمتها وتواليه ظهرها مُبتعدة لينظر في أثرها ويُصرح لذاته أنها أَسرته بطيب أصلها و بنظره تُشكل السند الحقيقي الذي آزره في مِحنته ولن تتساوى نساء الارض بها.
❈-❈-❈
كوب كبير من الشاي الممزوج بالحليب موضوع أمامها ومعه طبق معبأ بقطع البسكويت الشهي الذي تُفضله، فكانت ترتشف القليل وتباشر عملها على الحاسوب حين داهـ مها ألـ م طفيف اسفل بطنها لتنكمش معالمها وتتحـ سس انتفاخ بطنها وتنهض تقاوم ذلك الشعور الذي يراودها منذ ساعات النهار الاولى وتحاول أن تتجاهله كما فعلت الأن فقد خطت لعنده تحاول إلهاء ذاتها، أما هو فكان مُمـ دد على الاريكة أمام التلفاز يتابع أحد الأفلام الكلاسيكية حين وجدها تقف أمامه بملامح لم تفسر ليهب من جلسته مُتسائلًا:
-مالك يا حبيبي واقفة ليه كده؟
ابتلعت هي رمقها وقاومت شعورها قائلة ببسمة باهتة لم تصل لرمادها:
-ابدًا انا كويسة
حثها هو بلطف وهو يجلسها ويجلس جوارها يكـ وب بطـ نها:
-عارف أن الحمل تاعبك بس هانت انتِ خلاص في اول التاسع وكلها كام يوم ويشرف الباشا اللي تعبك و وعد مني
هملـ صلك ودنه اول ما ينزل
ابتسمت ببهوت وشاكسته بدلال يليق بها:
-انت لما هتشوفه هتنساني اصلًا
وهتحبه اكتر مني
استنكر قولها بنبرة تفيض فيض بِعشقها وهو يضع قُبـ ل حارة مُتفرقة على وجهها:
-انساكِ إزاي يا "رهف" حد ينسى روحه وقلبه والحلويات بتاعته اللي بتظبط الضغط
نكزته بخفة في صـ دره وعقبت:
-ماشي الايام بينا
غمز لها وهمس بمشاغبة وهو ينوي تقبـ يلها:
-مش الأيام بس اللي بينا حاجات كتير اوي
كاد يلتقـ م شـ فا هها ولكنها قطـ متها لتكبت ألـ مها، ليتراجع هو برأسه وينظر لتقـ لص معالمها مُتسائلًا والقلق يغزو قلبه:
-"رهف" مالك حاسة بإيه؟
وهنا اعتـ صرت عينها و فلتت آنة خافتة من بين شفـ اهها حين تزايدت وتيرة الألم شيء فشيء،
ليُكرر السؤال ولكن بملامح شاحبة فرت الد ماء منها وهو يجثو على ركبتيه على الأرض أمامها:
-"رهف" اتكلمي الله يخليكِ حاسة بإيه
اجهشت في البكاء من شدة ما يعتريها واجابته بملامح
متقلـ صة وهي تتمسك بأسفل بطـ نها:
-كنت حاسة بألم بس دلوقتي بيزيد يا "نضال" شكلي هولد
ظل على جلسته ينظر لها كمن لا يستوعب حديثها، لتتابع هي باكية، متألمة وهي تكبت
صر خاتها:
-مش قادرة اتصرف يا "نضال"
هب من جلسته مشدوه وكأنه لأول مرة يرى انثى بوضعها حتى إنه همس وهو يشعر أن كل خليه به تجمدت كمن فقد هوية مهنيته، وقدرته على الحركة بسبب رؤيته لألـ مها:
-اتصرف اعمل ايه؟
صرخت "رهف" صرخة أخرى تنم عن عدم احتمالها جلبت "كريمة" راكضة لعندها وتفطن ما بها، لتعقب مُتلهفة و تحاول شد أزرها:
-استحملي يا بنتي ربنا يجعلها ساعة سهلة عليكِ لتوجه حديثها لولدها المتجمد وتحثه بقوة:
-يا ابني اتصرف انت دكتور نسا مراتك بتولد
قالتها تزامنًا مع صرخة حار قة أخرى من "رهف" أشد وطاة جعلته يتدارك اخيرًا بعيون دامعة و أعصاب تالفة انحنى عليها يحـ ملها بين يـ ده مطمئنًا إياها:
-هتبقي كويسة متخافيش
زاد نحيبها مع تزايد ألـ م مخاضها لتصـ رخ وهي تتشبث به مغمغمة:
-همـ وت يا "نضال" مش قادرة متسبنيش
فرت دموع عينه تضامنًا مع
ألـ مها وطمئنها بصوت مُرتجف كقلبه الذي يهر من شدة خوفه عليها:
-متقوليش كده بعيد الشر عنك إن شا الله انا وانتِ لأ... متخافيش أنا جنبك ومش هسيبك و هتقومي بالسلامة
هزت رأسها ودفسـ تها داخل منحنى عنـ قه ليهرول بها للخارج قاصد سيارته و والدته تلحق بهم
قبل أن ينطلق بها بسرعة البرق للمشفى وهو يرجو الله قبل أي شيء أن يُسلمها له.
❈-❈-❈
تعافى بعد قضائه مدة لا بأس بها داخل المشفى وحين خرج قرر أن يبدأ صفحة بيضاء غير مُلطخة وها هو يسير بجانب والدته التي كانت تستند عليه بِحملها مطمئنة أثناء عودتهم من السوق وسيرهم في طريقهم للمنزل الجديد الذي انتقلوا له مؤخرًا تجنبًا للماضي وسيرته، فمن بعيد لمحها فتاة جميلة الملامح وتعمل ممرضة و تَسكن برفقة أبيها بالشقة المجاورة فمنذ أن وقعت عينه عليها ولفتت قلبه وارغمـ ت عينه أن تتابع خطواتها كلما خدمته الصُدفة والتقى بها مثل الأن تمامًا فكان مُرتبك بعض الشيء يشرأب برأسه ليستطيع رؤيتها تقترب بين الزحام تحمل حقائب مُحملة بالخضار ولوازم أخرى وحينها فكرة اقتحمت رأسه تحثه أن يعرض خدماته عليها ويحمل عنها لعله يستطيع محادثتها ولكنه تردد في اللحظة الأخيرة ليأتي القدر بترتيبه حين ارتطـ م بها صبي صغير يسوق دراجة جعلها تشهق بقوة وتُسقط الاكياس من يـ دها، ليترك هو والدته ويترك معها ما كان يحمله ويهرول لعندها يعاتب الصبي وهو ينهضه عن الأرض ويُعدل دراجته:
-مش تفتح ياض انت اعمى
انكـ مش الصبي يحمي وجهه وهو يظن انه سيضـ ربه مغمغمًا بخوف:
-مكنش قصدي ياعم
زفر "جلال" انفاسه حانقًا من خوفه ثم ربت على كتفه بلين ونفض ملابسه قائلًا أمام نظراتها التي التمعت بالإعجاب:
-متخافش يلا روح لحالك بس ابقى خلي بالك بعد كده
أومأ الصبي وتهللت اساريره قبل أن يصعد من جديد لدراجته وينطلق بها وهي مازالت مُرتبكة تُلملم أكياسها، لينحني "جلال" و يُلملم معها قائلًا:
-معلش مكنش يقصد
طالعته لوهلة دون حديث ثم أزاحت رأسها باستحياء وتناولت من يـ ده قائلة ببسمة رغم أنها ودودة إلا أنها عكست ارتباكها:
-شكرًا يا سي "جلال" تعبتك معايا
صدى اسمه واللقب الذي وضعته بجانبه ونطقته بصوتها جعله يبتلع رمقه ينظر لها نظرة توقف العالم بها لثوانِ قبل أن تقترب والدته منهم قائلة:
-حصل خير يا "سوزان"
أجابت "سوزان" ببسمتها الودودة الحبابة ذاتها:
-اه يا امي حصل خير عن اذنكم يادوب اعمل لقمة لابويا قبل معاد المستوصف
-اتفضلي يا بنتي
قالتها أم "جلال" لتسمح لها لتخطو هي مُبتعدة وتظل عينه عالقة بها، لتتعـ لق والدته من جديد بذراعه قائلة:
-عجباك يا واد مش كده
انتشله صوت والدته من شروده ليتحمحم ويستنكر قولها وهو يأخذ منها ما تحمله و يقود خطواتها:
-هااا عجباني إيه بس يا أما الله يرضى عليكِ خلينا نمشي
-جرا ايه يا واد متسربع على ايه!
-عايز اروح اشوف الكُشك ناقصه ايه قبل خروج الموظفين
-وماله وصلني وروح شوف اكل عيشك بس الأول قولي ايه رأيك
زاغت نظراته وتلجلج يدعي عدم الفهم:
-في...ايه؟
-يوه بلاش تتلائم عليا يا واد انا شايفة عينك منزلتش من عليها
-يا أما الله يخليكِ بلاش تدخليني في حوارات انا مش أدها
شجعته والدته وبجدية أخبرته بقرارها:
-لأ أدها ونص وانا في ظهرك وايه رأيك بقى إني هطلبهالك من ابوها
قال مُحبطًا يستكترها عليه:
-مش هتوافق انتِ مش شايفة البت عاملة إزاي هتبص لواحد زي ليه
نكزته والدته بذراعه اثناء سيرهم وقالت بفخر:
-يا ضنايا وانت يعيبك ايه راجل وكسيب وعندك كُشك بيدخلك رزق حلال وتقدر تفتح بيت وإذا كان على القديم فهو راح لحاله والباشا بنفسه اللي ساعدك تاخد الكُشك وخلصلك الورق يعني الحكومة في ضهرك يبقى ايه اللي يمنع
شرد بنظراته لوهلة يستوعب منطقية حديثها ثم هدر وهو في حيرة من أمره:
-تفتكري يا أما مفيش حاجة تمنع
طمئنته والدته ببسمة طيبة:
-بإذن الله مفيش حاجة تمنع والقبول بيطل من عين البت انت مشوفتهاش كانت بتبصلك إزاي لما مشيت العيل اللي خبطها ولمتلها الكياس
وهنا حانت منه بسمة مُتفائلة، جعلت والدته تتنهد وتربت على ذراعه الذي تتعلق به قائلة بحنو:
-انا محلتيش غيرك انت اللي طلعت بيك من الدنيا ونفسي افرح بيك سيبني اجرب حظي واروح اكلم ابوها واللي فيه الخير يقدمه ربنا
هز رأسه وأيد رغبتها بعدما اقنعته:
-جربي يـ اما وربنا ييسر
تهللت اسارير والدته ودعت له من كل قلبها أن يتحقق ما يتمناه أما هو كان بينه وبين ذاته يتمنى كل المنى أن يكون حديث والدته بمحله ويوجد قبول من جهتها.
فكان يغفل أنها في القريب العاجل سَتُقسم له وأن شعورها لا يقل شيء عنه.
❈-❈-❈
لم تتذكر كم مر من الوقت وهي تتـ ألم كل ما تتذكره همسه بأُذنها وطمأنته لها بصوته الحنون الدافئ الذي يُريح قلبها، فكانت تشعر به يحتوي كفها منذ بادئة والأغرب الأن أنها مازالت تشعر بقبضته على يـ دها لتُرفرف بأهدابها تستعيد وعيها إذا بوجهه البشوش ونبرته الحانية تطمئنها:
-حمد الله على سلامتك يا حبيبي
قالها بصوت تتراقص نبراته وقلبه يُرفرف مع أهدابها، لتهمس هي بأسمه بتحشرج وبنبرة مُتعبة كأنه هو ترياقها:
-"نضال"...
شَدد على كف يـ دها الذي لم يفلته بتاتًا ثم مال يُقـ بل جبينها بعشق قائلًا:
-انا هنا يا حبيبي جنبك وهفضل العمر كله جنبك
حانت منها بسمة هادئة تقاوم بها ارهاقها ثم تسائلت عن ثمرة عِشقها:
-البيبي كويس
-قالوا انه كويس بس خدوه الرعاية دقايق وهيطلعوه تطمني عليه
-هتسميه ايه؟
حانت منه بسمة مميزة لا تقارن بغيرها ثم همس بعيون تلتمع الفرحة بها:
-هسميه "غيث"
هزت رأسها بعدما راقها الأسم كثيرًا
لتدخل "كريمة" وبرفقتها الصغار الذي احضرتهم من المدرسة بنفسها، ففور أن دخلوا ركضوا لعند "رهف" قائلين في نفس واحد:
-مامي فين البيبي عايزين نشوفه
ابتسمت" رهف" لحماس الصغار بينما هو اخبرهم بحماس لا يقل عنهم:
-دقايق وهيطلعوه وهنشوفه كلنا
نعم لم يسنح له رؤية صغيره ولا حتى حمله، لا والأنكى انه لم يقوم بأي من مهام وظيفته تجاهها من شدة خوفه عليها.
لتنتشله والدته وهي
تُربت على كتفه والدموع تتلألأ بمقلها:
-مبارك ما جالك يا حبيبي يتربى في عزك
نهض "نضال" من جوار "رهف" وعانـ ق والدته يُربت على ظهرها هامسًا بسعادة غامرة:
-الله يبارك فيكِ يا امي ويخليكِ لينا
لتفصل العـ ناق وهي تكبت دمعاتها وتقترب من "رهف" تُمـ سد على خصلاتها بحنو قائلة:
-حمد الله على سلامتك يا "رهف"
-الله يسلمك يا ماما "كريمة"
قالتها تزامنًا مع طرق باب الغرفة ودخول الطبيبة قائلة:
-حمد الله على سلامة المدام يا دكتور "نضال"
عقب "نضال" ببسمته البشوشة:
-الله يسلمك يا دكتورة "فايزة "
ليوجه نظراته ل "رهف" ويتابع:
- دي دكتورة "فايزة" اللي ولدتك
تناوبت "رهف" نظراتها بينهم تستغرب قوله فكانت تظن أنه من فعل ولكن جاء قول الطبيبة لينهي استغرابها:
-تخيلي يا مدام اكبر دكتور نسا وتوليد في المستشفى واللي تفوق على كل زمايله في مجاله وقف قدام حضرتك وقال مش عارف أعمل إيه وكأنه اول مرة يدخل اوضة العمليات
وهنا لم يخجل" نضال" من موقفه بل اقترب منها يفسر بكل اريحية ونظراته الحانية تشملها:
-اعمل ايه بس اعصابي كانت بايظة وخوفي عليها غلب كل حاجة فيا ونساني إني دكتور مفتكرتش بس غير أني زوج ومن حقها عليا افضل جنبها اطمنها.
ابتسمت "رهف" بسمة تعدت العشق وهمست بصدق نابع من صميم قلبها بصوت خافت لم يصل لغيره:
-انت إزاي جميل كده انا محظوظة بيك
-انا اللي محظوظ بيكِ
قالها وخضراويتاه تهيم بها قبل أن ينهض يُفسح المجال للطبيبة كي تتفقدها وإن انتهت انسحبت وبسمة متأثرة بذلك المشهد الصادق مُرتسمة على وجهها وتنم كونه سيظل مطبوع بذاكرتها للأبد.
وبعد دقائق دلفت الممرضة وبيدها مولودها لتشرأب "رهف" برأسها والبسمة تعتلي وجهها
تتناوله منها وتضمه لصـ درها تتأمل معالمه الصغيرة و وجهه الصغير بعيون شغوفة لامعة لتنحني "كريمة" وتقبل جبهة الصغير وتدعو الله ان يحفظه أما عن الاولاد فقد تهللت اساريرهم برؤيته، أما عنه فكان يقف مُتجمد بأرضه ينظر له بيـ دها وهو لا يُصدق أن تلك القطعة الصغيرة تخصه هو، ليأتي صوت "رهف" تحثه أن يقترب وحينها خطى لعندهم وجلس على طرف الفراش لتضعه "رهف" بين يـ ده قائلة بعيون تنقط بسعادتها:
-ابنك يا "نضال" خد شيله وكبر في ودنه
تناوب نظراته المُهتزة بينهم قبل أن تفر دموعه تزف سعادته ثم بأيـ دي ترتعش أخذ يتحسس بحنو شديد ملامح الصغير وكأنه يتأكد من وجوده قبل أن يضـ مه لحضنه حامدًا ربه من قلب كان طمأن وجاء غيث السماء ليروى عطش سنواته العِجاف:
-احمدك واشكر فضلك يارب
فظل يُردد حامدًا على نعم ربه التي اغدقه بها، فقد حظى على كل ما تمناه ونَعم بتوابع ربيعها.
❈-❈-❈
في المغيب وقرص الشمس يهيم في السماء مودعًا كانت هي تخرج من المنزل و تجلس على الرمال الناعمة أمام الشاطئ حين شعرت به يقف خلفها، لترفع زيتونها المزدهر له بنظرة مميزة قائلة:
-ريحة البحر تجنن وبتريح الأعصاب تعالى اقعد جنبي
هز رأسه ببسمته الرزينة ذاتها وجلس جوارها يحتوي جـ سدها مُتسائلًا بريبة:
-انتِ كويسة حاسك غريبة النهاردة وعينك جواها نظرة مش عارف افسرها
رفعت رأسها لتتيه داخل عتمة عينه هامسة بنبرة تتراقص كـ خصلاتها مع الهواء:
-مبسوطة والكون كله مش سايع فرحتي
تنهد وقال وهو يضع خصلاتها المتطايرة خلف أذنها لكي يتأمل صفو وجهها:
-يارب دايمًا يا شمسي... بس معقول كل الفرحة دي علشان الكتاب بس
تنهدت تنهيدة عميقة مُطولة تُشجع بها ذاتها قبل أن تهز رأسها قائلة:
-مش علشان الكتاب في سبب اهم بكتير منه
انعقد حاجبيه الكثيفين وتسائل مترقبًا وهو يقـ رص وجنتها بلطف:
-يا ترى ايه السبب الاهم بقى عايز اعرفه
قطـ مت شفـ اهها واعتدلت في جلستها تخرج من حيزه تفتح قبضة يـ دها أمام نظراته الثاقبة والمترقبة بأهتمام وحينها تعالت وتيرة تنفسه وأخذ يتبادل النظر مع ما تحويه يـ دها ولتلك الدموع الفَرحة التي تتلألأ بعينها ليبتلع رمقه ويأخذ الجورب الصغير الذي لم يتخطى حجمه عُقلة الأصبع بين يـ ده ينظر له عن قرب قبل أن تؤكد هي بنظراتها قبل قولها وهي تسحب كف يـ ده وتضعه على بطـ نها:
-انا عارفة انك كنت مستني الخبر ده بقالك كتير بس ربنا رتبها واختار التوقيت المناسب انا حامل يا "سليم" هجيب لماما "ليلى" حفيد صغنن يملا عليها وعلينا البيت ويكمل سعادتنا
تركزت عينه على موضع كفه ثم ابتسمت عيناه اولًا قبل باقية معالمه واخذت البسمة تتسع شيء فشيء بشكل تدريجي على وجهه ودون مقدمات كان يجـ ذبها له في عناق دافئ مغلف بسعادته التي استصعب عليه التعبير عنها سوى قوله بنبرة متأثرة وعيون لامعة من شدة سعادته:
-كنت عارف ان ربنا هيكرمنا...أنا بحبك يا شمسي...بحبك
أجابت بنبرة ترتجف من شدة سعادتها وهي تضـ ع قُـ بلة على جانب عنقه:
-انا بمـ وت فيكِ يا "سليم" ربنا يديمك لينا
ضمها لصـ دره كأنه لم يعانقها من قبل، ضمها وهو يشعر أن يود زرعها بين ضلوعه ويتنفس أنفاسها، فقد نهض وحملها وأخذ يدور في دوائر بها تنم عن سعادته التي اكتملت لتوها فكانت ضحكاته ممزوجة مع ضحكاتها لحين توقف بها دون أن يجعل قد مها تلمـ س الأرض همس وهو يهيم بها:
-انتِ شمسي انا وكياني وارضي بتدور حوليكِ
قالها ولم يُعير حيائها ولا وجودهم خارج المنزل أي اهمية بل دفعته سعادته أن يأخذ شفـ اهها في قُـ بلة نهمة وضع بها مكنون قلبه وسعادته التي فاضت وزادت عن سِعتها، وإن شعر بنفاذ الهواء من رئتهم انزلها وفصل قُبـ لته يُسـ ند جبينه على جبينها، يقترح وهو بالكاد يستطيع تنظيم وتيرة تنفسه:
-تعالي نفرح "ليلى"
أومأت له مُتأثرة بعيون مُسبلة وبأنفاس متقطعة بسبب قُبـ لته وإن كادت تخطو خطوة واحدة لم تشعر بذاتها إلا وهو يحملها بين ذراعيه ويسير بها لتتعـ لق هي بعـ نقه وتُحدث ذاتها أن هناك ذنوب خَفية الجميع يسعى للتكفير عنها بينما هو كان ذنـ به الوحيد عِشقها الذي اَخضـ عه وجعل أرضه وكيانه يدور في مدار سطُوعها.
تمت بحمد الله
إلى حين نشر الرواية الجديدة للكاتبة ميرا كريم ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية