رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل الأخير
قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ميرا كريم
الفصل الأخير
عليك أن تعي أن الحب الذي يضعه الله في القلب لا ينتزعه إلا هو، لا غياب ولا اعتياد أو مسافات تستطيع نزعه، حتى الخذلان لا يفعل.
- جلال الدين الرومي
❈-❈-❈
تم عقد قرانهم كما تم الاتفاق بينهم وقد حضر إتمام العقد اصدقاء "بسمة" الجُدد وجيرانها ومالك الورشة التي يعمل بها "عماد" واثنان من زملائه الذين شهدوا بدورهم على العقد وبعد إتمام المراسم و وداع الجميع وقف يطالعها بِخمارها كشميري اللون ووجهها المُبتسم الخالي من مُستحضرات التجميل؛ بعيون لامعة وقلب مُستكينة دقاته لأول مرة منذ عِشقها لا يُصدق أن الأيام دارت وأتت به لعندها من جديد فكان يظن أن الماضي سيُعيق طريق قلبه للأبد ولكن تبدلت الأحوال وتجدد الأمل بتغيرها وبوادر قبولها، فنعم غفر في سبيل راحة قلبه واقسم بينه وبين ذاته أن لا يخـ وض في ما مضى مهما حدث، فقلبه يستحق الهناء بقربها وهي ايضًا بعد تغيرها تستحق أن تحيا من جديد وتَتجدد فُرصها.
-"عماد"
نطقت بأسمه لتنتشله من شروده بها، ليتحمحم قائلًا
بنبرة حنونة اخـ ترقت قلبها:
-مبارك يا "بسمة"
ابتسمت وأجابته مُرتبكة وعيناها تتحاشى نظراته:
-الله يبارك فيكِ
تنهد واقترح وعينه تتأمل وجهها وردود أفعالها :
-إيه رأيك نقعد في مكان نتكلم
اندثرت بسمتها تدريجيًا وهي تظنه سيُقلب في قديمها، بينما هو خالف توقعاتها حين مد يـ ده قائلًا:
-حابب اسمعك وتسمعيني ونقرب من بعض أكتر...
نظرت ليـ ده الممدودة ولناعستيه اللامعة لبُرهة قبل أن تمد يـ دها لتستقر بين خاصته، لينظر لعناق ايـ ديهم ويسحب نفسٍ عميق من الهواء الطلق قبل أن يسير أول خطواته بها.
وبعد بعض الوقت كانت تجاوره على أحد الطاولات بأحد المطاعم المتواضعة، فكانت مُنكـ سة الرأس تفر ك بيـ ـدها وتنتظر مبادرة حديثه الذي باشره بسؤاله:
-ساكتة ليه؟
رفعت رأسها له واجابته بتلقائية:
-مش لايقة كلام ومش مصدقة وحاسة اني...
قطعت حديثها مُترددة ليحثها هو:
-كملي يا "بسمة" حاسة بإيه
ابتلعت رمقها تُشجع ذاتها ثم أخبرته وهي تُنكـ س من جديد رأسها:
-حاسة إني بحلم أصلك كتير عليا يا "عماد" انت تستاهل واحدة أحسن مني ألف مرة
حانت منه بسمة باهتة لم تصل لعينه فكان ينوي أن لا يخوض فيما مضى ولكن الأن لابد أن تعلم ما يخصه لذلك تنهد مُطولًا وأخبرها بما يُعتمر بداخله منذ زمن:
-بس انا متمنتش غيرك يا "بسمة"
رمشت بأهدابها تستوعب ما نطق به وهي مشدوهة ليتابع هو:
-اه بحبك ومن زمان
غامت عينها لا تُصدق ما تفوه به وتسائلت والحيرة ترتسم على وجهها:
-بتحبني...انا!
استرسل وهو يسخر من ذاته حينها:
-حاولت كتير ألمحلك بس انتِ كنتِ كأنك مش شيفاني اصلًا
فرت دمعات تعرف سببها وغمغمت تذكر دوافعها التي آلت لتفريطها:
-كنت عامية...تايهة، وحيدة من غير عزوة أو سند
ولما غلطت كنت بدور على الأمان اللي اتحـ رمت منه من يوم ما جيت الدنيا ليرتعش فمها وتتعالى وتيرة بكائها و تُعبر عن خزيـ ها من نفسها بسبب سوء أختيارها:
-بس حسبتي كانت غلط
مع رؤيته لدموعها رق قلبه وقال بِجدية:
-مش هنقلب في اللي فات... اللي فات مـ ات بكل ما فيه خلينا في النهاردة
رفعت عيناها الباكية له وطرحت بترقب ذلك السؤال الذي يُـ ؤرق عقلها:
-يعني عمرك ما هتفكرني بيه وتعايرني
زفر أنفاسه حانقًا من هواجسها وقال بنبرة واثقة وعينه تطمئنها بنظراتها:
-مش انا اللي اعمل كده...انا لما خدت قرار إني ارتبط بيكِ كنت رميت اللي فات ورا ضهري... ومستحيل اعاتبك أو ألومك عليه لانه الماضي مش هيوجـ عك لوحدك ده هيوجـ عني معاكِ... وانا مش حِمل وجـ ع انا عايز ارتاح
طالعت نظراته تستشف الصدق بها ثم حانت منها بسمة مُرتاحة وهمست وهي تكفكف دمعاتها:
-ربنا يريح قلبك زي ما ريحتني بكلامك
تأملها لثوانِ قبل أن يربت على يـ دها المسنودة على الطاولة قائلًا:
-قلبي خلاص ارتاح يا "بسمة"
قالها ببسمة تفضح ما يكنه لها جعلتها تبتسم بخجل وشعور من الطمأنينة يجـ تاحها، لترفع نظراتها لأعلى وتحمد ربها بسرها على تلك الفرصة الثانية التي كانت لا تجـ رؤ وتخجل بسبب أفعالها أن تدعو بها.
❈-❈-❈
يومان يشعر بتغيرها ولا يروقه توترها وإن سألها تتهرب بنظراتها وتتحجج بِعملها الذي باشرت به
فور انتهاء التجهيزات
وهاهي ساهمة تجلس على طاولة الطعام تعبث بطبقها مُستخدمة شوكتها دون أن تمـ سس شيء
مماجعله يتسأل مُستغربًا وهو يحث الأولاد الذين انتهوا من فطورهم على المغادرة:
-يلا يا ولاد اتوبيس المدرسة وصل وبيزمر بره
أنصاعوا له الصغار ونهضوا حاملين حقائبهم وقبل رحيلهم مالت "شيري" عليها تقـ بل وجنتها مودعة:
-باي يا مامي
انتظرت الصغيرة ردها ولكن "رهف" هزت فقط رأسها وهي شاردة بأفكارها، ليزفر هو بضيق من رد فعلها ويحثهم:
-يلا بينا هنتأخر
تحركوا الصغار برفقته من أمامها لتربت "كريمة" على كفها المسنود على الطاولة مُتسائلة بود:
-مالك يا بنتي مردتيش على الولاد ليه
انتبهت "رهف" لقولها وكررت خلفها:
-الولاد
قالتها ونهضت مُسرعة تُجلب عُلب طعامهم التي أعدتها خصيصًا لهم مُهرولة لتلحق بهم وبالفعل لحقت ولكن في اللحظة الأخيرة، وإن انطلقت عربة المدرسة بهم عاتبها هو أثناء عودتهم للداخل:
-لأخر مرة يا "رهف" هسألك مالك
نفخت أوداجها ضجرة من سؤاله الذي لم ينفك من تكراره منذ ليلة أمس وتعجز عن إجابته في الوقت الراهن، فلم يكن أمامها سوى أن تتمسك بحُججها:
-قولتلك مفيش يا "نضال"مضايقة علشان" سعاد" سافرت وكمان أدارة الشركة جديدة عليا وشادة اعصابي شوية
جذ بها برفق من رسغها يوقفها أمامه ثم شملها بخضراويتاه يشكك في صدقها؛ فمن غيره يحفظ طباعها وردود أفعالها ثم حثها بنبرة لينة، مُتفهمة لأبعد حد:
-حبيبي بلاش تخبي عليا انا عايز اساعدك... اتكلمي واعتبريني الورقة البيضا اللي بتكتبي فيها اللي مضايقك
مع نظراته وكلماته الحانية كادت أن تخبره بما يؤرقها ولكنها تراجـ عت في اللحظة الأخيرة كي لا تجعله يُبني أماله هباءٍ، فما كان منها سوى أنها دفعت يـ ده عنها برفق و تهربت من أمامه:
-يوه بقى يا "نضال" قولتلك مفيش انا هروح اجهز علشان متأخرش على الشغل
قالتها واسرعت للداخل تحت نظراته المشدوهة من ردود أفعالها الغريبة عليه فكان لديه حدث قوي بداخله ينبئه أن يوجد شيء يؤ رقها ويستنفذ طاقة عقلها، لذلك زفر أنفاسه يستاء من إنكارها فطبيعة علاقتهم أنها تمتاز بالشفافية وهي أحالت دون ذلك مما جعله يتيقن أن ما تُخفيه عنه أمر جلّل وذلك بشكل ما أثار جنونه وجعله يُصر أكثر أن يسبر أغوارها.
❈-❈-❈
(يا ناسينى وإنت على بالى، وخيالك ما يفارق عينى، ريحنى واعطف على حالى، وارحمنى من كتر ظنونى)
ذلك كان صوت كوكب الشرق يصدح من المذياع الصغير داخل غُرفتها وهي تُدندن معها بينما "شمس" كانت تجلس تقرأ جوارها و تستغرب حالة الشجن
التي هي عليها و شاكستها بسؤالها:
- شكل الاغنية دي ليها ذكريات حلوة معاكِ يا ماما
ابتسمت "ليلى" وأكدت بنبرة مُغلفة بحنينها:
-كان عبد الرحمن ابو سليم الله يرحمه بيشغلهالي دايمًا لما اكون زعلانة منه
حانت من" شمس" بسمة ماكرة وطـ رحت استنتاجها:
-بيصالحك بيها يعني... والله عمو كان رومانسي
أكدت "ليلى" بصدق وهي تشرأب برأسها:
-هو كان فاكر كده بس انا عمري ما زعلت منه انا كنت بدلع عليه علشان اشوف غلاوتي عنده
-الله يرحمه يا ماما ويديكِ الصحة وطولة العمر وتفتكري
تنهدت "ليلى" وأمنت ببسمة هادئة لطيب ذكراه وقبل أن تفتح فمها طرق باب غرفتها وظهر هو ببسمته الحانية، لتُهلل "ليلى" لقدومه باكرًا:
-حمد لله على سلامتك يا حبيبي
اقترب يُقـ بل جبينها ثم كفها قبل أن يسأل عن أحوالها:
-الله يسلمك...طمنيني عليكِ يا ست الكل
-الحمد لله بخير
قالتها وربتت على كتفه برضا، ليبتسم هو ويعتدل ينظر ل" شمس" مشاكسًا:
-كنتم بتعملوا ايه في غيابي اوعوا تكونوا اتفقوا عليا
-هو احنا نقدر يا حبيبي
قالتها "شمس" وهي تهب تقف جواره، ليحاو ط هو خصـ رها ويكرر مقطع الاغنية تزامنًا مع والدته تحت نظرات "شمس" التي انفجرت ضاحكة وعقبت:
-انت كمان حافظها
-اومال تحبي اسمعهالك دي" ليلى" مش بتشغل غيرها
-طيب انا مليش في جو الاغاني هروح احضرلك العشا
-لأ مش عايز دلوقتي لسه بدري خلي العشا بعدين
قالها وهو يُشـ دد على خـ صرها بمعنى تفهمته وجعلها تقطـ م شفـ اهها و توافقه برأسها، لتحين منه بسمة شغوفة للغاية قبل أن يقترح و يوجه حديثه لوالدته:
-طيب بما اني رجعت بدري من الشغل على غير العادة تعالي يا "ليلى" اغلبك عشرة طاولة زي زمان
نكرت "ليلى" الهزيمة قائلة:
-تغلبني...ده انا اللي بغلبك كل مرة
شاكسها بعيون ضيقة وهو يُجلب اللعبة ويُفردها على فراشها:
-بقى كده طب لما نشوف و"شمس" اهي حكم بينا
تدخلت" شمس" قائلة بحياد وهي ترفع يـ دها مُسالمة:
-"شمس" متقدرش تحكم في مواضيع زي دي مليش دعوة
انا اخري معاكم اتفرج
قهقهوا على قولها وبدأت سهرتهم في جو من الأُلفة والود عوضها شقاء ايامها.
❈-❈-❈
جلست تضم حقيبتها لصـ درها وكأنه كنزها التي تأبى أن تُفرط به، فبعد تأكدها من الخبر اليقين لم تشعر بذاتها إلا وهي تجلس بين مرضاه داخل عيادته وقد طلبت من مُساعده عدم إخباره بحضورها لحين يأتي دورها مثلها مثل غيرها كي لا تجور على حق أحد، فكانت ساهمة والدموع تُغرغر رمادها حين انتشلها قول مُساعده:
-اتفضلي يا مدام
رفعت "رهف" رأسها وكأنها من كوكب آخر لا تستوعب ما نطق به لحين كرر:
-اتفضلي دورك يا مدام
-هااا اه دوري... شكرًا
قالتها بتيه وبكلمات ترتعش كقلبها حين تقدمت بخطواتها للداخل واغلقت الباب خلفها و وقفت أمامه، بينما هو كان يجلس خلف مكتبه مُرتديًا معطفه الناصع يُدون شيء داخل الورقة أمامه وحين رفع خضراويتاه و وجدها بها نزع نظارته ووضع القلم من يـ ده وهرول لها:
-"رهف "مالك انتِ كويسة مش بعادة تيجي العيادة
رفعت رمادها المُلتمع بدموعها له تطالعه بنظرة لم يرى مثلها، جعلت قلبه يتهـ اوى بين ضلوعه مُتسائلًا:
-حبيبي اتكلمي انا سامعك ومعاكِ إيه اللي حصل
فرت دموعها لا تعرف من أين تبدأ حديثها مما جعله يستاء من صمتها ويكوب ذراعها يحثها وهو يُجلسها ويجثو على ركبتيه أمامها:
-حبيبي مالك حد من الولاد حصله حاجة
نفت برأسها ودموعها مازالت تدفق من عينها بشكل أثا ر جنونه وجعله يغمغم مُتخوفًا:
-طيب امي كويسة
همست بحروف مُرتعشة لم تستطيع ترتيبها:
-كلهم بخير
-طيب في إيه بتعيطي ليه
ودون استخدام كلمات كانت تفتح الحقيبة التي تحملها وتُفرغ محتوياتها بعشوائية على الطاولة الصغيرة أمامه، ليتناوب نظراته بينها وبين مجموعة الاختبارات المنزلية
وهو يشعر أن عقله لا يستوعب ما ترمي له، لتحثه هي برمادها الباكي أن يتفقدهم وإذا به يفعل ليجدهم جميعهم ايجابي والشرطتين يظهران بوضوح وإذا بورقة معهم فور أن فتحها وقرأ نتيجة اختبار الد م الذي بها تجمدت نظراته وكاد قلبه يتوقف حين قرأ اسمها اعلاه بمعنى أنه يخصها لتغيم عينه ينظر لها بنظرة تفهمت ما ورائها وهمست بسعادة طغت كل شيء بها من بين دمعاتها:
-انا حامل يا" نضال"... انا مكنتش مصدقة وخوفت اقولك واخليك تتعشم قبل ما اتأكد
ارتعش فمه بعدم اتزان ودموعه تهطل دون ارادة لا يُصدق حديثها:
-بتقولي ايه...انتِ اكيد بتهزري صح
نفت ببسمة سعيدة مختلطة بدموعها وأكدت وهي تكوب وجهه براحتها:
-لا والله لأ انا حامل وشايلة حتة منك جوايا وكمان أقل من تمن شهور هيبقى وسطنا
تناوب نظراته بين عينها بضياع يود أن يستشف صدقها لتُرشده هي وتسحب يـ ده تضعها على بطـ نها وتؤكد بنظراتها قبل رأسها، ليبتلع رمقه ببطئ وينظر لموضع يـ ده مغمغمًا بنبرة مُرتعشة كسائر جـ سده:
-رهف...معقول...معقول انا مش بحلم صح
قالها بصوت مختنق وهو يشعر أنه على حافة الجنون مماجعلها تنزلق لعنده وتجثو على ركبتيها مثله تضـ مه لها ودموع السعادة تزف كلماتها:
-ايوة معقول يا "نضال" ربنا أخيرًا كرمنا وحقق أمنيتك هتبقى أب...
فور قولها شهق باكيًا و فصل عناقها و هر ساجدًا لله وأخذ يُهلل حامدًا بجسد ينتفض ودموع تتسابق لتشاركه سعادته بعَطيته:
-الحمد والشكر لله...احمدك يارب واشكر فضلك انت كريم اوي يارب
ظل يُردد حامدًا قبل أن ينهض يحتضنها بقوة قائلًا بسعادة هستيرية لا مثيل لها:
-يا بركة دعاكِ يا امي الحمد لله....الحمد لله ربنا كريم انا مش مصدق يا "رهف" معقول هسمع الكلمة دي بودني معقول حد هيشيل اسمي معقول هبقى اب أخيرًا يااااااااه ده انا عشت كتير أوي بحلم باليوم ده يا "رهف"
قال أخر جملة بِـ حرقة أيام عجاف صبرها وتحامل بها لن يعرف مرارة مذاقها سوى من مر بها، مما جعلها تقول مُستبشرة ببسمة ربيعها وهي تُربت على ظهره بحنان:
-هتبقى أحسن أب في الدنيا وابنك او بنتك هيبقوا فخورين أن ليهم أب زيك
فصل عناقه دون أن يُخرجها من حيز يـ ديه وقال وهو سعيد بها وعينه تفيض فيض بِعشقها:
-انا بحبك اوي يا "رهف" بحبك ومش عايز من الدنيا حاجة تانية غيركم
وضعت قُـ بلة خاطفة على وجنته وهمست تعبر عن ما يجتاحها:
-وانا بحبك يا "نضال" ونفسي اوي البيبي يكون شبهك في كل حاجة مش عايزاه ياخد مني... انا عايزة "نضال" صغنن علشان نحسن نسل البلد زي ما قالت "سعاد"
قهقه على قولها وضمها من جديد وكأنه ملك العالم بها فلم يجد راحته وسَكينته إلا مع ربيعها الذي أينعت براعمه ونمت ثماره
وزهت حياته بألوان عشقها.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام
وقفت بكامل حُسنها أمام مرآتها تتأمل فُستانها المُنسدل على جـ سدها وبسمة رقيقة للغاية تنم عن سعادتها تعتلي ثغرها ومع إنعكاسها ظهر هو بكامل حِلته خلفها لتترقب نظراته التي تلتـ همها وتلتفت له مُتسائلة:
-ايه قول حاجة
ابتسمت عيناه وهي تمر على تقاسيمها وعبر عن حُسنها:
-حُرية من الجنة ربنا وهبها ليا
هزت رأسها من إطرائه وقالت متوترة:
-مقولتليش هنروح فين؟
أخبرها وحاجبيه ترتفع ماكرًا:
-مفاجأة
قالت متوجسة وهي تقـ طم شفـ اهها:
-طيب هنخرج ونسيب ماما "ليلى"
قال نصف الحقيقة واحتفظ بالنصف الآخر ليُتمم مفاجأته:
-"ليلى" "صباح" معاها متقلقيش
تنهدت وتحايلت ليُخبرها وهي تقـ طم شفـ اها:
-طيب قول علشان خاطري
نفى برأسه ببسمة هادئة ثم طلب وهو يخرج من جيبه علبة مخملية بداخلها قرط ذهبي يليق على فُستانها:
-لفي هجرب ألبسهولك بس يارب أعرف
شهقت متفاجئة وقالت تمتن له:
-ده كتير يا "سليم"
ابتسم وهمس بعدما ولته
ظـ هرها:
-مفيش حاجة كتيرة عليكِ
قالها وهو يُزيـ ح خصلاتها البُنية للجهة الأخرى كي يُلبسها إياه فرده أُذن ثم الأخرى وإن انتهى تسائل وأنفاسه الساخنة تضـ رب عُنقها:
-حلو
ابتلعت ببطء رمقها ثم قالت وعينها تضوي بوهجها:
-اوي...حلو اوي يا "سليم"
وهنا مال يضع قُـ بلة بين حنايا عُنـ قها يُعقب على قولها:
-مفيش حاجة احلى منك يا شمسي
ابتسمت واستدارت تعانـ قه قائلة بنبرة تقطر بعِشقها بعدما وضعت قُبـ لة خاطفة بجانب فكه:
-ربنا يخليكِ ليا يا حبيبي
اندفعت الد ماء بعروقه بعد فعلتها المباغتة ليُشَـ دد على عنـ اقها ويـ دس أنفه بين خُصلاتها يشتم أريچها الأخاذ الذي يُسـ كر حوا سه ويجعل كل إنش به يُطالب بالمزيد من نعيمها فأخذت يـ ده تتسلل إلى جـ سدها وشفـ اهه الرطبة تعرف مهامها تلثـ م
عُـ نقها
بتلثيـ مات حا رة مُتـ ملكة جعلت الآنا ت تنفلت من بين شفـ اهها بشكل أثا ر جنونه ولكن مهلًا لابد أن يتوقف قبل أن يفقد السيطرة كاملة، ليهمس لاهثًا بجوار أُذنها:
-لو ما اتحركتيش دلوقتي وسبقتيني على العربية انا مش مسؤول عن اللي هيحصل
شهقت بخفوت تلتقـ ط أنفاسها ثم دون حديث تناولت حقيبتها وفرت من أمامه تاركته يبتسم في أثارها قبل أن يدلف للمرحاض يُغسل وجـ هه ليُزيل عنه تأثيرها.
❈-❈-❈
بعد بعض الوقت وخاصًة أمام أحد الفنادق الكُبرى، توقف هو بسيارته وتدلى منها وإن تبعته سحـ ب كفها ليحتـ ضنه بعد أن منحها نظرة تنم عن افتتانه بها وبحُسنها، وإن خطى بها للداخل فغر فا هها من روعة وفخامة المكان فكان على مِداد بصرها ساحة واسعة متراص بها الشجر والورود من كل جهة ومُزينة بمصابيح الليزر الصغيرة التي تُعكس على الأجواء بهجة مميزة، وأما عن الأرضية فكان هناك ممر مُمهد خصيصًا ومفترش بالورود حتى يصل لشكل قلب كبير وعلى جانبه طاولات مُتراصة جانب بعضها ويكسوها مفارش ناصعة تضاهي نفوس أحبابها الذين اتوا ليشاركوها إحتفالها.
فقد شهقت بخفوت تضع يـ دها على فمها لا تصدق أن كل ذلك أقامه خصيصًا لها، ليبتسم هو لرضاها عن المكان وفور أن خطى بها اول خطوة داخل ذلك الممر المُمهد بالورود انهالت عليهم وعلى الجميع بالونات بيضاء طبع عليها أسمه وأسمها وبعض الكلمات التي في يوم خصها بها
لتهلل فرحة من قلبها:
-"سليم" كل ده علشاني
أومأ لها وقال بنظرت مُبتسمة تفيض بِعشقها:
-أي حاجة قليلة عليكِ يا شمسي
اتسعت أكثر بسمتها و عبرت عما يجتاحها:
-انا مبسوطة اوي يا "سليم" اوي ربنا يخليك ليا
تنهد براحة كون تحضيراته نالت استحسانها ثم شوقها للمزيد قائلًا:
-ولسه لما تعرفي مين هنا هتفرحي اكتر
تحمست بنظراتها ليجذ بها معه ويُكمل سيره بها لعند الطاولات وهناك تراقص قلبها حين وجدت "صالح" يقف بواسطة عُكازيه و"بدور" تقف جواره تشاركه حِمل جـ سده وبرفقتهم "رامي" الذي كان يلهو بالبالونات بشقاوة، وايضًا "حكمت" تلك السيدة التي آذرتها في أصعب أوقاتها هي وابنها، وايضًا "صباح" وابنتها وزوجها و بعض معارف "سليم" واصدقاء" ليلى" التي كانت البسمة تكاد تشق وجهها من سعادتها كون ولدها صدق وعده ونفذ رغبتها في الاحتفال،
فكانت اجواء عائلية مُفعمة بالأُلفة تجمع الجميع وكانت هي في قمة سعادتها تتشارك أطراف الحديث مع الجميع وهو جوارها يحتـ ضن كفها حين مالت عليه هامسة أثناء جلوسها ببسمة ناعمة جعلت عينه تهيم بها:
-تعرف ان دي اول مره حد يعملي مفاجأة حلوة اوي كده
-ربنا يقدرني دايمًا واسعدك يا شمسي
تنهدت ومـ الت على كـ تفه برأسها تضـ م ذراعه لصـ درها هامسة من بين تنهيداتها:
-ربنا ما يحرمني منك
لم تكمل حديثها إلا و وجدت أخر شخص توقعت حضوره أمامها لتهب من جلستها وتخطوا صوبه و بدوره أقترب منها وبرفقته" بسمة" لتتهلل أساريرها وتقول بود اخوي:
-"عماد"...كنت واحشني اوي ونفسي اطمن عليك
-وانتِ كمان يا "شمس" ربنا يعلم كنت قلقان عليكِ أد إيه بس بعد ما عرفت أنك بقيتِ في عصمة الباشا أطمنت عليكِ ومكنش عندي الجرأة اروح عنده اسأله عليكِ وكنت فاكر انه مستحيل هيتقبل سؤالي قبل كده بسبب...
قطع حديثه وابتلع مرارة حلقه لتتفهم هي أنه يقصد صِلة الد م بينه وبين "سلطان"، لترسل له نظرة مُتفهمة جعلته يتابع:
-بس الباشا فاجأني لما عزمني النهاردة
ليس وحدك من تفاجئ ذلك ما كان يتردد برأسها قبل أن تبرر موقفها السابق منه:
-اخر موقف حصل بينا أنا كُنت...
قطع حديثها مُتفهمًا:
-عارف يا "شمس "مش محتاجة تبرري
اتسعت بسمة" شمس" ليتابع هو:
-مش هتسلمي على مراتي
تناوبت نظراتها بينه وبين تلك التي تختبئ خلف ظـ هره ليتراجع هو خطوة للخلف ويدفـ عها أمامه قائلًا:
-انا و"بسمة" اتكتب كتابنا مش هتباركِ لمرات أخوكِ يا" شمس"
قالها بنظرات ذات مغزى تفهمتها "شمس" ورغم تفاجأها ابتسمت بسعادة حقيقية من أجله واقتربت تضـ م "بسمة" بنوايا صافية لحضـ نها مُباركة:
-مبارك يا "بسمة" ربنا يهنيكم ويسعدكم يارب
أجابتها "بسمة" وهي خجلة بسبب أفعالها السابقة في حقها:
-اوعي تكونِ لسه زعلانة مني
فصلت "شمس" عناقها وهدرت بطيب أصلها:
-انا مقدرش ازعل منك وانتِ دلوقتي مرات "عماد" وعماد اخويا وغلاوتك من غلاوته
لينهض "سليم"وينضم لهم مُربتًا على كتـ ف" عماد" يُرحب به الذي صافحه بدوره لتمنحه "شمس" نظرة ممتنة قبل أن تسير بهم تُجلسهم تاركته يقف عن بُعد ينظر لوجهها الملائكي المُشرق وهي تتحدث براحة وسعادة حقيقية بينهم فكان هائم النظرات شارد العقل حين أتاه هُتاف من خلفه ممازحًا:
-كان هيفوتني نص عمري لو مكنتش جيت وشوفتك وانت واقع على بوزك
التفت "سليم" مُتفاجئ بحضوره بحاجبين مرتفعين تنم عن دهشته، بينما الآخر كان يفتح ذراعيه على مصراعيها مشاكسًا كعادته المرحة:
-تعالا في حضن اخوك يا وحش متتكسفش وربنا عارف إني وحشتك
قهقه "سليم "على قوله بكامل صوته الرجولي وقال مُرحبًا وهو يعانـ قه ويُربت على ظهره:
-وحشتني يا دكتور الحريم وكنت هزعل لو مكنتش جيت
فصل" نضال" عناقه وقال برحابة صـ در:
-هو انا اقدر اتأخر عنك يا وحش
ده انت حبيبي
ربت "سليم" على كتفـ ه بمحبة خالصة قائلًا:
-ده العشم يا دكتور...
ابتسم "نضال" ببشاشته المعهودة وبرر غياب "رهف" بعيون تلتمع:
-معلش بقى "رهف" مقدرتش تيجي أنت عارف الشهور الاولى لازم الراحة وانا ما صدقت ربنا كرمنا
اتسعت بسمة "سليم" بسعادة حقيقية لجبر صديقه وقال مُباركًا:
-مبارك يا "نضال" ربنا يكملها على خير ويرزقك بالذرية الصالحة
غمز "نضال" بخضراويته وعقب مشاكسًا:
-عقبالكم يا وحش إيه شكلك سيط على الفاضي فين انجازاتك
المتوقعة
تفهم مقصده لينكزه بكتفه مُعقبًا وعينه تنتقل لعندها:
-وجودها معايا في حد ذاته أنجاز وعندي يقين أن ربنا هيكرمنا قريب
-يارب يا وحش ينولك كل اللي بتتمناه
اتسعت بسمة "سليم" وأمن على قوله لتقترب هي مُرحبة:
-ازيك يا دكتور
صافحها "نضال" بأحترام لم يخلو من المشاكسة وهو ملتزم ببسمته البشوشة:
-اهلًا صاحبة ورق العنب
ليزغره" سليم "بنظراته ويُصر" نضال" ممازحًا:
-ياعم مهما تعمل مش هقولها غير اللقب ده
ابتسمت "شمس" على مزحته التي تعرف سببها من "سليم" ثم عقبت برضا:
-على فكرة وانا مش معترضة على اللقب كفاية أنه بيفكرني بأول مرة شوفت فيها "سليم"
قالتها وهي تحتضن كف "سليم" بين راحتيها، ليُعقب "نضال " بِخفة على قولها:
-شوفت بقى إني بجددلك الذكرياتك إيش فهمك انت
قالها بنظرات ماكرة يكمن خلفها الكثير مما جعل "سليم" يقهقه من جديد ضـ ارب على آخر تزامنًا مع هُتاف" ليلى" الذي اتى من خلفهم:
-واد يا "نضال" تعالى هنا
رفع كـ فه ملـ وحًا لها عن بُعد قبل أن ينسـ حب من بينهم ويقترب منها قائلًا بصوت وصل لها و وصل للجميع:
-لولة وحشاني...جايلك اخدك بالحضن
كبتت "شمس" بصعوبة بسمتها بينما هو قال وعينه تضيق عليها بنظراتها:
-بقى انا امي لولة وانتِ بتضحكي
عقبت وهي مازالت ضاحكة:
-بصراحة صاحبك د مه خفيف أوي
انعقد حاجبيه ثم جـ ذبها له بغتة يميل عليها برأسه ونظراته تعكس تلك النظرة المُتملكة التي تعتادها:
-أخر مرة تمدحي راجل غيري قدامي
حانت منها شبه بسمة مُستمتعة لاظهاره غيرته وجابهته:
-طيب من وراك عادي
شَـ دد على خصـ رها هامسًا بأسمها بنبرة مُحذرة وعينه الضيقة ترتكز على شـ فاهها بشكل خطـ ير للغاية:
-شمــــــــــــــــس
ضغط على كل حرف يتعمد ترهيبها ويستفز حيائها وبالفعل تراجعت و هزت رأسها بعدما توهج وجهها ترجوه بزيتونها قبل صوتها:
-"سليم" الناس متكسفنيش الله يخليك
ابتسمت عيناه اولًا قبل بقية معالمه ببسمة ماكرة اعتادتها، قبل أن يفلت خصـ رها مما جعلها تتنفس براحة وتؤدي التحية العسكرية دليل على طاعتها لقوانين عِشقه الصارمة ليقهقه على فعلتها ويجـ ذبها من يـ دها لينضموا للجميع في أُمسية رائعة لن تُنسى بين مناوشات وضحكات وأحاديث ودودة مُفعمة بأُلفة وسلام الجميع يستحقه وأولهم هي.
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية