رواية جديدة نفوس طاغية لشهد السيد - الفصل الأخير
قراءة رواية نفوس طاغية كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نفوس طاغية
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة شهد السيد
الفصل العشرون
والأخير
ثُم يأتيك شَخص
في لحظة غير متوقعة
يكون دخوله
هادئًا وحنونًا لحياتِك
يُصبح ملاذًا لك
ومكانًا تستريح فيه من تعبِك
يفهُمك
يُدرك صمتِك
يلمَح من نبرتِك تعبَك
ولا تهون عليه
يُصبح نِصفك، كُلك
تصبحان معًا في كلمة أنا
لأنكَ هو، لأنهُ أنت.
كانت تشرف بنفسها على كل شيء منذ أن بدأت بتنفيذ قرارها حتي اللحظة الحالية، وقفت بنهاية ممر الغرف حيث الغرفة الوحيدة المغلقة بناء على رغبتها.. غرفة "أيمان".
دلفت "زينة" تنظر لأرجاء الغرفة بأشتياق تتذكر بعض من لحظاتهما معًا وأفاقت بشهقة عندما شعرت بيد تحيط بخصرها من الخلف وسرعان ما أطمئنت عندما علمت هوية الفاعل وأستند "عدي" برأسه فوق كتفها يعترض على ذعرها:
-"كأن أحد يقدر يقربلك غيري".!!
ضحكت "زينة" بخجل وحاولت أبعاد يده عنها تبرر موقفها قائلة:
-"ياعدي ما الوضع غريب عليا فـغصب عني بتخض مش أكتر، ولو سمحت أبعد شوية في ناس هنا مينفعش كده ".
أدارها حتي أصبحت مقابلة له وتمرد على رفضها:
-"أنا قافل الباب وبعدين محدش له عندي حاجة أحنا كاتبين الكتاب ولا ناسية أياك".؟
أصرت على محاولة أبعادة تجيبة بتذمر:
-" لأ بس برضو الحج قالك متقربليش خالص غير بعد الفرح وأنتَ كده بتخالف الأوامر".
وعلى حين غره تفاجئت به يطبع قبلة سريعة فوق وجنتها وبتملك واضح أجابها:
-"مفيش مخلوق يقدر يبعدني عنك يا زينة، حتي أنتِ".
صمتت وأكتفت بنظرة ناعسة حزينة كـهرة مُدللة لصاحبها فـزفر هو بضيق وأبعد يديه يعقدهما أمام صدره يشيح بنظرة للجانب الأخر فـظهرت أبتسامتها هي ومدت يدها تحرك وجنته بلطف تعرف جيدًا كيف تؤثر عليه بنبرته الناعمة تلك:
-"ياحبيبي هانت يعني أنتَ محترم معايا من أول ما عرفتك ومش قادر تصبر كمان أسبوع واحد بس لحد فرحنا".
نظر لها بطرف عينه وعاد ببصره لنقطة وهمية مصممًا على موقفه فـ زادت هي نبرتها ليونة وداعبت وجهة قائلة:
-"أهون عليك تزعل مني".؟
أخذ نفسًا عميقًا يعود خطوة واحدة للوراء يغمض أعينه مردفًا بهدوء تام:
-"اللي بيحصل ده مش في صالحك أبدًا".
ضحكت بأستمتاع وغادرت الغرفة سريعًا بينما هو نظر لأثرها وتنهد بحرارة قائلًا بصوت هامس:
-"زينة والله زينة".
❈-❈-❈
رفعت ساعدها تمرره على جبينها لتزيل قطرات العرق التي تجمعت فوق جبهتها من أثر أشعة الشمس الساطعة تفحص معدات السيارة من الداخل جيدًا حتي تتأكد من عدم وجود أي عطل آخر، أبتسمت برضا لصنع يدها وأغلقت مقدمة السيارة تنظر للرجل الخمسيني الواقف بجانبها قائلة:
-بقت زي الفل ياعم شفيق، أركب ودور".
أبتسم الرجل ببشاشة وأقترب من باب السائق يفتحه ومن خلفه "فجر" وقبل أن يصعد للسيارة أنتبة كلاهما لصوت "أشرف" الساخر:
-"مش عيبة في حقك ياسطا شفيق، هي الحِتة مبقاش فيها رجالة ولا أي ".
نظر له" شفيق" بضيق ومن ثم نظر لـ "فجر" التي أتقنت تصنع اللامبالاة تشير له بأبتسامة بسيطة بأن يصعد لسيارته فـ أنصاع هو لحديثها وبالفعل دارت السيارة فـ هبط يبتسم قائلًا:
-"صدق اللي قال إن اللي خلف مماتش، أربع ورش قالولي لازم أغير الماتور وانتِ الوحيدة اللي صلحتيه".
أبتسمت بلطف تدعو لوالدها بصوت خافت وأنتبهت كل الأعين لصوت سارينة سيارة الشرطة الصغيرة التي دلفت للحي للتو تقف بين ورشتي "فجر" و "أشرف"..
هبط" مهران " من المقعد الأمامي ينظر نحوها مباشرة من خلف نظارته وشبه أبتسامة ظاهرة على زاوية فمه، فـ أشاحت هي بصرها عنه تنتبة لحديث العم "شفيق" بشأن الحساب بعدما تفحصت طلته الأكثر من جذابة بقميصة الكحلي الذي لاق بجسده الرياضي بالأضافة لبنطال أسود ولحيته التي كانت شبه نامية..
وأستمعت لصوته يردف بخشونة للعسكري المسؤول عن القيادة:
-"شوف يابني سبب السخونة دي أي ".
تدخل" أشرف" بالحديث يرحب بمبالغة قائلًا:
-"أسمحلي ياباشا أنول الشرف ده وأصلحهالك بنفسي".
نزع نظارته يردف برفض:
-"لأ أنا عاوز الأسطي فجر".
لاح على وجهها شبه أبتسامة أخفتها سريعًا وهي تستدير بوجهها للناحية الأخري تردف لأحد العاملين معها قائلة:
-"شوف يا محمود ".
توجه" محمود" لفتح مقدمة السيارة ودلفت هي لداخل الورشة ولحق هو بها يقف خلفها يتابعها وهي تمسح يدها بقطعة قماش تسمع صوته التي اشتاقته بشدة طوال أيامها السابقة:
-"ممكن أعرف مبترديش عليا ليه ورافضة تقابليني ليه برضو".
ألتفتت متصنعة البحث عن شيء ما تجيبه ببرود متعمد:
-"مش فاضية".
أقترب يمسك بالأدوات التي تبحث بينهما فـ قالت هي بأسف مصتنع:
-"تؤ تؤ أيدك لتتوسخ من الشحم يا.. يامحمد باشا ".
أنهت كلامها بسخرية واضحة قابلها هو بهدوء تام وصمت لدقيقتين قبل أن يقطع التواصل البصري بينهما قائل بصدق:
-" وحشتيني ".
أرتجف بدنها لكلمته التي أصابت قلبها مباشرة وعادت تنظر للأدوات تجيبه بجدية واهية قبل أن تبتعد عنه:
-" تقدر تمشي زمان محمود خلص".
أمسك بذراعها ليوقفها فـ أبعدت يده بحدة واضحة تشهر سبابتها بوجهة قائلة:
-"لو سمحت أمشي وبلاش فضايح".
طفح كيله عند ذلك الحد وبنبرة متعبة من عنادها معه طوال ذلك الشهر البغيض وقال بعتاب:
-"ليه بتقسي عليا، ليه مش مقدرة أنه كان غصب عني وأنها قضية سرية مينفعش حد يغلط فيها عشان الغلطة الواحدة كانت ممكن تنهيني تمامًا، كون أني خطبتك مكنش حسب الخطة أنا خطبتك عشان أنا عاوز كده وبعدي عنك خوف عليكِ، أنا مش وحش ولا بايعك أنا آه كنت غلطان في حقك بس كفاية بقي، مستحقش تكوني المحطة اللي هستريح فيها من كل اللي مريت بيه".!!
أغمضت أعينها بحزن وأسي تردف بصوت واهن:
-"يا مهران صدقني مش هينفع أنا بقي عندي مسؤوليات و.. ".
قاطعها هو برفض لكل مبرراتها وقال:
-" مفيش أي حاجة هتقنعني أبعد عنك، كل حاجة وليها حل والحاجة فاطمة موافقة.. كفاية عناد وبعاد بقي أنا أستويت والله من عمايلك دي".
ضحكت رغمًا عنها فـ أبتسم هو ومن ثم تحولت أبتسامته للضيق وقال:
-"واتفضلي على فوق يلا معنديش ستات تشتغل ".
تبخرت أبتسامتها وأرتفع حاجبها بأعتراض واضح فـ أصر هو على حديثة بحدة:
-" أيوة عاجبك يعني العيون اللي مركزة معاكِ دي، ده حتي أمك مش موافقة ".
همت بالأعتراض فـأشهر سبابته بوجهها منهيًا النقاش بقوله:
-"قسمًا بالله لو سمعت منك أعتراض واحد يا فجر هتبقي فضايح بجد".
ضغطت على شفتيها بغيظ شديد وألقت المفك بعنف بالغ وخرجت بخطوات سريعة تردف لمحمود بضيق أثناء سيرها:
-"أقفل الورشة بعد ما تخلص يامحمود وروح".
أومأ "محمود " ونظر نحو "مهران" الذي خرج خلفها يتابعها بأنتصار شديد وأقترب من ورشة "أشرف" المقابلة فـهب" أشرف " واقفًا يقول:
-"باشا أتفضل".
وضع "مهران" يده فوق كتف "أشرف" يرمقة بتحذير بالغ وقال:
-"أظن مش هيكون حلو إني أجبلك قرار غلق وانتَ لسه فاتح بقالك أسبوعين ".
هم" أشرف" بالتساؤل عما فعله بلهفة فـأكمل "مهران" بحدة:
-"ملكش دعوة ولا بالحاجة فاطمة ولا بنتها تاني بدل ما هزعلك مني، وأنا نابي أزرق وزعلي وحش ".
خفض" أشرف" رأسه يجيبه على مضض:
-"اللي تقوله سعادتك أوامر".
ربت على كتفه بأستحسان وتقدم يفتح باب السيارة المجاور للسائق، فـوجدها واقفة بالشرفة تتابعة بغيظ وفضول كان رده عليهما غمزة بسيطة جعلت أعينها تتسع ويعلو الإندهاش وجهها وتركها هكذا يختفي داخل السيارة مغادرًا الحي بأكمله بعدما تعلل بوجود عطل وهمي فقط لرؤيتها..
❈-❈-❈
وقف واضعًا يديه بجيب بنطاله ولم تنمحي أبتسامته الحنونة لو للحظة واحدة طوال فترة متابعته لتحركاتها وترحيبها بكل الأطفال الموجودين وتبادل الحديث معهم بفرحة عارمة، يخمن بأنها ستحلق بالسماء في أي لحظة، أقترب منها بعض الفتيات والصبيان يصغرونها بأعوام قليلة وتسألت أحدهن بفضول:
-"هو صحيح إنك كنتِ زينا بس في واحدة خدتك وربتك عندها ".؟
أبتسمت" زينة" وحركت رأسها بالإيجاب تجيبها ببساطة:
-"أيوة ماما أيمان الله يرحمها، وأحنا هنا كلنا في بيتها لو كانت موجودة أكيد كانت هتحبكم كلكم ".
لم تنقطع تساؤلاتهم إلا عندما أقتربت" فجر " تمازحهم قائلة:
-"شوفوا بقي زينة كده كده مسافرة مع جوزها وملكوش غيري ويا ويلكم لو حد بس أستصغرني تاني".
ضحكوا جميعًا على حديثها وفور أن نظرت "زينة" جانبها بتلقائية نحو باب الدخول الذي يتوافد منه الحضور تجمدت أبتسامتها فور أن أبصرت رفاق دربها جميعًا يدلفون ومن خلفهم "مهران".
هرولت نحوهم بلهفة حقيقية واضحة تحتضن
" بسمة " التي كانت دائمًا تقف بصفها قائلة بأشتياق:
-"وحشتيني أوي ".
بادلتها" بسمة " العناق بمحبة وأنضم لهم كل الفتيات الباقيات بمختلف أعمارهم يهللون فرحًا برؤيتهم لها بعد كل ذلك الغياب، ولم تستطيع منع دموعها السعيدة من الأنسياب ونظرت نحو "مهران" تنطق بأمتنان حقيقي:
-"شكرًا.. شكرًا جدًا".
أبتسم "مهران" يمازحها قائلًا:
-"الشرطة في خدمة الشعب".
ضحكت على قوله وأنتبهت لـ "زكريا" الواقف وضيقت أعينها بضيق مصتنع وقالت:
-"ليك عين تجيلي برجليك بعد ما جريت وسبتني يا ندل".
ضحك "زكريا" فور أن تذكر لحظة مساعدته لها في الهروب من الإصلاحية وأقترب يجيبها بمزاح:
-"قلبك أسود يا بلية، المهم في سراير فاضية لينا ولا هنرجع لعطية بخيبتنا".
زادت من ضم الفتيات لها ونطقت بتأكيد:
-"فيه طبعًا، أنتشروا بقي عشان ده وقت الغدا وبعد ما تخلصوا المشرفين هيعرفوكم على كل حاجة ".
وكما توقعت هرولوا جميعهم نحو طاولة الطعام يتسابقون كما هو معهود بينهم، وأستكانت هي بأحضان" عدي " الذي وقف بجانبها يضمها له يطبع قبلة رقيقة فوق رأسها يهندم من وضع حجابها الذي أنزاح من الأمام قليلًا فـ نطقت هي بسعادة قائلة:
-"دول بقي أخواتي اللي أتربيت معاهم، مكنتش أتوقع إني هشوفهم تاني بعد ما عرفت إن كلهم طفشوا بعد ما عطية أتقبض عليه".
أخرج منديل ورقي يجفف وجهها من الدموع جيدًا وقال بإبتسامة:
-"عشان متستقليش بقدرات مهران كـ ظابط تاني".
بحثت حولها حتي رأته واقفًا مع "فجر" الظاهر على وجهها الضيق البالغ ويبدو أنه يحاول مراضاتها فـ قالت ساخرة:
-"بذمتك في ظابط يقف يتحايل على واحدة يدوب تتعلق في ميدالية مفاتيحه ".
رفع" عدي " حاجبه الأيسر بسخرية فـ تذمرت هي وأكملت:
-"أي متبصليش كده مش طويلة بالنسبالك بس أنا أطول منها على الأقل ووسع كده متكلمنيش".
رفض الأبتعاد وتعجب من تحولها يردف بتلقائية:
-"كَنك يا زينة".؟
وقفت قبالته وأعترضت بضيق قائلة:
-"قولتلك كلمني عربي".
-"بحبك يا زينة". ♡
وعلى مسافة قريبة منهم نطقت "فجر" بأغتياظ شديد تقف قبالته وترفع أعينها نحوه حتي تستطيع رؤيته بسبب فرق الطول بينهما وقالت:
-"أي يابت دي هو أنا عيله بتلعب معاك".!!
أبتسم "مهران" حتي وضحت غمازته اليسري وقال بتسلية:
-"آه أنتِ طول ركبتي".
ضمت أصابع يدها تمنع نفسها من لكمة والتفتت تسير بخطوات سريعة نحو مكان جلوس والدتها ولحق هو بها ولم يستطيع منع ضحكاته على مظهرها الذي كان محببًا للغاية بالنسبة إليه، وأنتظرها حتي هدأت تمامًا وأخرج دبلة خطبتهما من جيب بنطاله يمسك بيدها وينحني أمامها على ركبة واحدة وسط جميع المتواجدين ونظر داخل أعينها المتفاجئة من فعلته وقال:
-"تقبلي تتجوزي واحد معندوش حاجة في حياته غيرك ".؟
وأخيرًا ظهرت شمس أبتسامتها وهي تؤمي بالإيجاب فـأعتدل بوقفته وأرتفعت التصفيقات الحارة من حولهما وهو يلبسها خاتم الخطبة ومن ثم انحني مقبلًا رأس والدتها بأحترام بالغ...
بينما أقتربت" زينة " من "فجر" تضيق أعينها بمكر تردد ما تفوهت به "فجر" من قبل:
-"أنا مستحيل أرجعله.. كدب عليا وخذلني".
ظهر الأحراج على "فجر" وهي تنهرها بحدة مزيفة قائلة:
-"بت بس.. ملكيش دعوة بيا وخدي جوزك وامشوا بقي مش كفاية بقالي شهر مسحولة وراكِ في تجهيز الدار وتجهيزك أنتِ شخصيًا عشان الفرح ".
أحتضنتها" زينة " تردف بحماس حقيقي:
-"وجه الدور يا فوفا وكل اللي عملتيه فيا هطلعه عليكِ".
حاولت "فجر" أبعادها بغيظ وقالت بضيق:
-"متقوليليش يا فوفا ".
وما هي إلا ساعات قليلة وكان كلاهما يعانقان بعضهما في وصلة بكاء حارة أثر وداعهم قبل ذهاب
" زينة " مع "عدي" حيث منزل عائلته، وحاولت "فاطمة" وقف ما يحدث قائلة:
-"يابنتي أنتِ وهي كفاية نواح.. كلها يومين تلاتة ونجيلك عشان الحنة والفرح أي لازمة البكا ده كله ".
وكأن حديث" فاطمة " أشارة خضراء نبهتهم فـقالت "فجر" بضحكة جاهدت لكتمها:
-"تصدقي عندها حق، أنتِ مش هتلحقي توحشيني حتي".
دفعتها "زينة" بأنزعاج مصتنع قبل أن ينفجران بالضحك حتي ظن الجميع بأنهم أصابوا بالجنون فجأة.. كيف للفتيات فعل ذلك.!!
❈-❈-❈
الساعة الرابعة فجرًا..
خطواته بطيئة للغاية يسير بالرواق الخالي تمامًا يحاول التحليّ بأعلي درجات ضبط النفس من أجل هذا اللقاء، طلبها الوحيد قبل تنفيذ حكم الإعدام كان.. رؤيته.!!
لأ يعلم حتي ما الذي دفعة للقدوم، لربما أراد رؤية ندمها على ما فعلت فحسب.؟
دلف للغرفة الفارغة تمامًا من كل شئ عداها وتفاجئ بها تندفع نحوه كالقذيفه تعانقة بقوة بالغة وتبكي بأنهيار تام تردد من بين شهقاتها:
-"سامحني يامحمد.. سامحني يابني ".
أبتلع لعابة بصعوبة بالغة ولم ينطق بحرف واحد فـرفعت هي يداها تحيط وجهة وتنظر له بأعينها الدامية من كثرة بكائها تكمل حديثها:
-" أنا حاولت ألاقيك والله العظيم من ورا صفوت بس.. بس معرفتش أوصلك.. أنا غلطت وهتحاسب على غلطي بس أبوس أيدك سامحني".
أنهت حديثها وحاولت بالفعل تقبيل يده فـسارع هو بسحبها بعيدًا وأعادت هي أحتضانه بتمسك:
-"طب طب أحضني يامحمد.. وغلاوة أبوك عندك يابني أحضني لأخر مرة".
بدأت أعينه بالأحمرار أثر بدأ تجمع الدموع بها فـأغلقها سريعًا يبادلها العناق يشعر بصوت بكاها المرتفع يتسلسل لروحه، ولم تمر سوي لحظات قليلة ودلف عسكريان يسحبانها بعيدًا عنه عنوة رغم رفضها ومحاولة تشبثها به يسحبونها نحو غرفة تنفيذ الحكم ووقف هو على بمنتصف الرواق يراها واقفة أمام النائب العام و"عبدالله" الطبيب الشرعي وشيخ أزهري يرتل بعض من الآيات القرآن الكريم عليها ومن ثم جعلها تردد الشهادة خلفه قبل أن تختفي داخل غرفة التنفيذ ويستمع بعد دقائق لصوت سقوط جسدها بعد تنفيذ الحكم..
ووقت الظهيرة كان جالسًا أمام القبر بعدما أنتهي للتو من دفنها بمقابر عائلة "زاهر الزيات" وأعينه تفيض بالدمع مرددًا بداخله:
-"كان لازم أرجعلك حقك.. ندمها جه متأخر أوي.. ندمت بعد ما كل حاجة أتشوهت جوايا وعيشت في حرمان طول سنين عمري ".
❈-❈-❈
تبادلن شقيقات زوجها و" حبيبة" زوجة "إدريس" التصفيق والغناء أثناء مساعدتهن لها بترتيب أغراضها بمنزل زواجها الموجود بالطابق الثاني في منزل والده، وأصبحن يعرفونها وكأنها نشأت بينهما طوال سنواتها السابقة ولم تري منهم سوي الحب والمودة..
خرجت لتحضر الحقيبة الأخيرة فـوجدت" لطيفة " والدة "عدي" قد صعدت تخبرها في هدوء تام:
-"خبريهم أن الغدا جاهز".
أومأت"زينة" بالموافقة سريعًا وقبل أن تلتفت لتعود لهم أوقفتها "لطيفة بقولها:
-" بدي أتحدث وياكِ شوي بعد ما تنتهين".
تقدمت "زينة" منها تردف بأهتمام:
-"أحنا كنا قربنا نخلص.. اتفضلي حضرتك أرتاحي ونتكلم".
جلست "لطيفة" وصمتت لدقائق تحاول ترتيب الكلام قبل أن تنطق بشئ لكنها فشلت فـزفرت بضيق وقالت:
-"بصي يابنيتي عدي الولد الوحيد اللي ربنا رزقني بيه وضهر أخواته من بعد أبوه، وحتي ما أكذب عليكِ أنا ما كنت راضية عن رمحه وراكِ ولا عن جوازكم لحد يوم كتب الكتاب، كل أم تتمني لأبنها أحسن شيء وأنا أقتعنت بأن أحسن شيء هو اللي يحبه ولدي.. وولدي حبك أنتِ، يمكن اللي أتربيتي عليه ما هو نفس عاداتنا بس أنا واثقة في أنك راح تتعلمين بسرعة وما لي علاقة بحياتك قبل ما تتزوجين ولدي أنا راح عاملك باللي أشوفه منك وهاد مبدائي وأنا ما شوفت منك حتي الآن غير الخير وحبك لولدي وهاد كافي يخليني أحبك وأعتبرك واحدة من بناتي وتقدري تعتبريني من اليوم أمك ويشهد على ربنا أني هسوي كل اللي أقدر عليه حتي تكونين ست هذا البيت من بعدي وزوجة كبير عيلة الأنصاري وكبير قبيلتنا من بعد أبوه".
كل ما أستطاعت "زينة" فعله كان أبتسامة بسيطة زينت وجهها ونهضت تحتضن "لطيفة" قائلة:
-"مش هخيب ظنك فيا.. أوعدك".
بادلتها "لطيفة" العناق بمحبة وهبطوا جميعهم لتناول الغداء وبعد جلوسهم تسأل "شاهين":
-" وينه عدي كان داخل معاي".
وقبل أن تجلس"زينة" قالت:
-"هشوفه برا ياعمو يمكن راح لـ سكر".
لم يمنعها "شاهين" فـعدلت من وضع حجابها وخرجت تبحث عنه بأعينها فوجدته واقفًا وأمامه فتاة تبدو بعمر شقيقاته تتحدث معه، لأ تعلم متي أرتفعت الد_ماء بأوردتها وشعرت بالأختناق فجأة، لأول مرة تراه يحادث امرأة لا تعرفها هي، هو الذي كان يبخل عليها في بداية تعارفهم بأبسط الكلمات يقف الآن ليتبادل الأحاديث مع أحداهن.!!
ياويلك.!!
نطقتها بداخلها وفور أن تلاقت أعينها بتلك الغريبة أنهت الحديث معه وغادرت فـأنتبهت "زينة" لوقوف "حسناء" شقيقته الصغري بجانبها تردف بضيق:
-"والله عال يا دكتوره هند واقفة معاه.. أنا قولت من الأول هي جاية عشانه محدش صدقني".
التفتت لها "زينة" بكامل جسدها بعدما أثار حديثها ريبتها وتسألت بخطورة:
-"وهند دي تبقي مين يا حسناء".؟
وبتلقائية بالغة أجابتها الأخري:
-"حبيبة عدي.. كان بيحبها ورفضته عشان فرق التعليم مع أن أبوها كان يتمني نسبنا ".
حديثها كان بمثابة عود ثقاب جعل د_مائها تحترق بنيران الغيرة ترمقة بنظرة مشتعلة لم يفهمها وهو يقترب منهما يراها تسير نحو الداخل بخطوات سريعة غاضبة..
دلف وجلس على يسار والدة وبالمقابل جلست والدة وأصرت على أن تجلس" زينة " لجوار "عدي" وباقي المقاعد جلس عليها شقيقاته وأبنائهم..
مال نحوها قليلًا يحاول الأستفسار عن سبب عبوسها بهذا الشكل بعدما تركها صباحًا مفعمة بالحيوية والمرح وقال:
-"كَنك يا زينة ".؟
نظرت نحوه بطرف أعينها وعادت تنظر لصحنها تجيبه من بين أسنانها بضيق بالغ:
-" ميخصكش.. الحق خلص أكل واجري ورا هند حبيبة القلب.. شكلها أدايقت لما شافتني جيالك".
استنكر حديثها تمامًا وفضل الصمت حتي ينتهي الطعام حتي لا يلاحظ أحد الموجودين، وقبل أن يلحق بها نحو الأعلي طلب منه والده اللحاق به فتتبعه وطال به الوقت معه حتي أنتهوا أخيرًا من مراجعة بعض الحسابات الهامة وسأل والدته عنها فـأخبرته بوجودها بغرفته القديمة..
دلف "عدي" للغرفة فوجدها جالسة فوق الفراش تبكي بحزن واضح.. سارع بالتقدم نحوها يحتوي وجهها بين يديه بقلق فأبعدت يده بغضب تصيح بأنفعال:
-"أبعد عني ملكش دعوة بيا روح دور على هند وكمل قعدتك معاها".
زفر بضيق يحاول التحليّ بالصبر ونطق أخيرًا بحزم:
-"ملوش داعي الكلام ده يا زينة هند مكنش في بينا حاجة كل اللي حصل إني كنت بشوفها كتير واتقدمتلها ورفضتني لأسباب تخصها ومن بعدها ربنا يعلم مافكرت فيها لأنها تزوجت، ورغم أنفصالها عن زوجها ما عدت أفكر فيها لأنك كنتِ ظهرتي في حياتي وحبيتك، ووقت ما كنت واقف معها كانت بتطلب مني اني مزعلش منها لرفضها ليا وأنها بتعتبرني أخ ليها ".
أنهي حديثة ونهض يدلف لشرفة غرفته بضيق من وضعهما الحالي، يقدر غيرتها وحزنها مما رأت ولكنه لن يستطيع تقبل تصرفاتها تلك بكل شجار بينهما، لحظات فقط وشعر بذراعيها تحيطانه ورأسها يستريح على ظهره وأردفت هي بصوت ناعم:
-" أنا آسفة".
التفت وأحتواها بين ذراعيه يطبع قبلة حانية فوق رأسها، وساد الصمت بينهما حتي رفعت رأسها وقالت بقلق:
-"هو ممكن يجي يوم وتسبني عشان مش من.. ".
أمتنعت عن أكمال حديثها فور وضعه لكف يده فوق فمها ينظر لأعينها بحزم مجيبًا:
-" بكل مرة كنتِ تبعدين فيها عني كان عندي فرصة أشوف غيرك، تركت عملي ودورت في بلد غريبة أدور عليكِ ومن أول لحظة كنت مصدق ببراءتك، وقفت قصاد أمي وتمسكت بيكِ وما همني الضرر اللي كان راح يصيبني بعد ما داريتك بدارنا، بعد كل هاد تتوقعين إني ممكن أسيبك، أنتِ هول ولا شنو ".؟
عقدت حاجبيها وتسألت بعدم فهم:
-" يعني أي هون ".؟
أعاد نطق الكلمة مشددًا على حروفها:
-" هــول، يعني غبي".
عبس وجهها ولم تجيبه فـ أبتسم ومال بالقرب من أذنها يخبرها بنبرة منخفضة:
-"والله لو كل الأغبياء حلوين مثلك لكان الغباء صفة محببة بين البشر ".
لم تستطيع منع أبتسامتها ورفعت يدها تحيط عنقه تضم نفسها له مردده بصدق:
-" أنا بحبك.. عمري ما حسيت بالأمان غير وأنا معاك.. وعلى قد الضرر اللي أتعرضتله بس أنا فرحانة إن ربنا عوضني بيك، متبعدش عني ولا تخلي الشعور ده يروح مني ".
زاد من ضمها له وأجابها بدفئ مؤكدًا:
-" طول ما فيا الروح أنا جمبك".
❈-❈-❈
نُحرت الذبائح وجهز العاملين طاولات عديدة من أشهي الأصناف، كان عرسًا شهدته القبيلة بأكملها وجاءه المعارف من كل الأماكن مهنئين لتلك المناسبة السعيدة..
وبعد أن أستمر لساعات أقترب منه والده يربت على كتفه بحنو قائلًا:
-"تأخرت على زوجتك يا ولدي، أذهب أنتَ ولا تحمل هم شيء إدريس معي ".
وأمام أصرار والده أنصاع" عدي " لرغبته ولم يمر سوي القليل وكان واقفًا أمام سيارته نحو الباب الأخر للمنزل حيث أقيم فرح للسيدات بالداخل ووقفت والدته معه تحتضنه بين الحين والأخر تبكي فرحًا وتتمني له كامل السعادة من كل قلبها..
وأخيرًا طلّت عليه وهي تتهادي بخطواتها، يستطيع رؤية أبتسامتها الرائعة من أسفل القماش الأبيض المنسدل على وجهها يخفيها عن أعينه المتلهفة..
ومن خلفها شقيقاته و" فجر " يزغردون فرحين لهم، وأقتربت "شيماء" شقيقته الكبري تعانقه بحب ومازحته قائلة:
-"يا زييين ما أخترت يا حبيب خيتك، حطها بعينك".
بادلها العناق بحب وأومأ موافقًا على حديثها ومن ثم أقترب يرفع القماش عن وجهها فـ وجد دموعها تنساب رغم أبتسامتها الواسعة وحاول "عدي" التخفيف عنها قائلًا:
-"كَنك يا زينة، ما في مرة شوفتك إلا وكنتِ تبكين".
ضحك جميع الواقفين على حديثة بما فيهم هي فـأقترب يطبع قبلة حانية فوق جبينها وتأمل زينة وجهها الرقيقة وثوبها الأبيض الناعم الذي أﻧسدل فوق جسدها الممشوق بأنسيابيه.. كانت رائعة بكل المقاييس.!

أرتفعت التصفيقات من حولهما، ومن ثم أمسك بيدها يتجه نحو سيارته فـتسألت هي بأستغراب:
-"البيت فوق".
فتح الباب المجاور للسائق وأجابها بصوت منخفض:
-"لأ ما أنا ناويت أخطفك".
أبتسمت وصعدت للسيارة وعاونها هو على وضع ثوبها وبعدما أغلق الباب أنتبهت لـ"فجر" التي جاءت ممسكة بحقيبة سفر متوسطة تضعها بالمقعد الخلفي تبعث لها قبلة بالهواء قائلة بأبتسامة:
-"سوري يا بيبي بس دي أسرار مهنة".
ضيقت أعينها بتوعد مصتنع ومن ثم لوحت لهم عندما تحركت السيارة نحو الخارج.. وفور أبتعادهم وجدته يمسك بيدها يرفعها لفمه يلثمها بعمق قائلًا:
-"مش قادر أوصفلك سعادتي بالقمر الموجود جمبي".
أبتسمت بخجل ومن ثم قالت:
-" وأنتَ كمان شكلك حلو".
تبادلوا الأحاديث بمواضيع مختلفة ورفض الأفصاح عن وجهتهم، حتي وصلوا أخيرًا لمنطقة منعزلة تمامًا أمام البحر..
هبط هو أولًا وساعدها على الهبوط ومن ثم أردف:
-"أهلًا بيكِ في دهب، بلد السحر والجمال".
نظرت حولها نحو الأنوار التي تبتعد عنهم بكثير ورفعت ثوبها حتي تستطيع السير فوق الرمال.. صعدت درجات قليلة وفتح هو الباب يضع الحقيبة بالداخل والتفت "عدي" ينحني قليلًا ليحملها بين يديه وشهقت هي بتفاجؤ وأحراج تتأمل أثاث المنزل البسيط للغاية من حولهما والذي أضاف هدوء وسلام..
وصل للغرفة الوحيدة الموجودة بالمنزل وكانت ذات مساحة واسعة تضم فراش واسع ذو أغطية بيضاء وبتلات ورد حمراء منثورة بعشوائية، وضعها برفق فوق الأرضية والأبتسامة السعيدة لم تنمحي عن وجهة وهو يسألها بلطف:
-"تحبي أساعدك في حاجة ".؟
شعرت بجفاف حلقها وهي تتلمس أطراف ثوبها ببعض الأرتباك:
-" الطرحة بس.. مش هعرف أفكها".
سارت معه نحو طاولة الزينة ووقفت أمامه تراقبة من خلال المرآة وهو منشغل بنزع الأبر وكلما تلاقت أعينهما يبتسم لها، وأرتسمت فوق شفتيها أبتسامة محملة بالأرتياح تشعر بأن الدار أمان بحضرته..
لم تكن تتخيل ذات يوم وقفتهما الحالية بعد كل ما مرت به من قبله ومعه، لم تخطئ عندما قالت بأنه عوض لكل شئ قاسي مرت به..
أستغرق الأمر دقائق طويلة وبالنهاية نظر لخصلات شعرها المصففة والتي أنسابت تمامًا وعلى حين غرة حاوط خصرها يقربها لصدره لاغيًا المسافة بينهما وأردف بعبوس:
-"الحاجة الوحيدة اللي مخلتنيش أعترض على مشروع النص حجاب اللي لبساه ده هو إن الفرح كان منفصل، لولا كده كان هيبقي عشم أبليس في الجنة".
حركت رأسها بالأيجاب بتوتر لاحظة هو كما لاحظ تخشب جسدها بين يديه فـ أدارها نحوه وتسأل بأستنكار:
-"كَنك يا زينة.. أنتِ خايفة مني".؟
حمحمت تستعيد صوتها وأردفت بنبرة مبحوحة وخجل عفوي:
-"لأ بس.. بس الوضع يعني و.. وبس".
تفهم خجلها بأبتسامة هادئة وربت على خصلاتها بحنو:
-"هستناكِ برا لحد ما تخلصي براحتك ".
أنصرف بهدوء وجلس فوق الأريكة الموضوعة بالخارج ينزع حذاءه ويضعه جانبًا ومن ثم ساعة يده ونهض ليخرج ملابسه من الحقيبة، وقبل أن ينتهي من تبديلها أنطفئت الأضاءة وعم الظلام الدامس من حوله.. أول ما أستمع له كان نطقها لأسمه بفزع:
-" عدي".
حاول الوصول لهاتفة ليستخدم أضاءته وهو يجيبها:
-"متخافيش ياحبيبتي النور قطع.. هشوف كشاف هنا واجيلك ".
لم يستطيع العثور على الهاتف فـتذكر الشموع الموجودة خلف باب المنزل، نجح في أشعالها وأقترب من باب الغرفة ليفتحه فوجدها تسبق دخوله مندفعة نحو الخارج.. أصتدم كلاهما ببعض وبسطت هي كفيها فوق صدره العاري وتعلقت أنظار كلًا منهما بالأخر لدقائق قليلة قبل أن يدفعها برفق للدخول ويزفر هو بالشعلة لتنطفئ..
❈-❈-❈
سارت بخطوات بطيئة تستكشف كل شئ موضوع بالمنزل، الألوان الفاتحة والأثاث المغطي بالأوراق بعد أن وصل من معرض الاثاث للتو.. كل قطعة تم أختيارها بعناية من كلاهما، تشعر الآن بأنها مستلقية فوق سحابة وردية تتصاعد منها أبخرة الراحة والأسترخاء..
أنتبهت لصوته يأتي من الخارج متسائلًا:
-" فجر.. شنطتي فين".؟
ضحكت بخفة وأقتربت من الباب تميل يسارًا لتستند بجسدها فوق الأطار وعقدت يديها أمام صدرها تحاول أدعاء الجدية قائلة:
-"دفنتها يا فلين رايدر".
ترك من بيده وأقترب منها بشدة يمسك بأنفها بين أصبعيه يضغط عليها ببعض القوة قائلًا:
-"من الحاجات اللي عمري ما هنسهالك إنك ضر-بتيني وربطتيني، جالك قلب أزاي تعملي ده وانتِ قصيرة كده".
أبعدت يده بتذمر ودفعته بصدره حتي يبتعد لكنه لم ينزاح وأجابته بضيق:
-"أعمل أي يعني كان شكلك مريب وخوفت على نفسي".
قيّد "مهران" يديها خلف ظهرها وحاصرها أمام أطار الباب من خلفها يظهر أسي مصتنع على تعبيرات وجهة وهو يقول:
-"ليه يا زوجتي المصونة.. عملتلك أي بس عشان تقولي كده".
حاولت"فجر" تخليص يدها وهي تجيبه بقلة حيلة:
-"أعمل أي بقي مكنتش فاهمة تصرفاتك ولا الجري والتنطيط بتاعك ده فـ مكانش قدامي غير كده".
لم يجيب عليها واكتفي بأيماءة بسيطة وسحبها نحو غرفة الجلوس وهو يشير نحو الجدار المُعلق عليه مكتبة مُفرغة على هيئة فراشة واسعة، أتسعت أعينها بعدم تصديق ووضعت يدها فوق فمها بتفاجؤ فـأبتسم هو وأشار لصندوق ورقي موضوع جانبًا وقال:
-"مبعرفش في الكتب أوي بس حاولت عشانك".
خفضت يدها وألتمعت أعينها بالسعادة وهي تتسأل بأبتهاج:
-"أنا كان نفسي فيها أوي ".
أقترب"مهران" يحتضن"فجر"بشدة ويطبع قبلة عميقة فوق رأسها وقال:
-"لقيت صورتها على تليفونك فـقررت أعملهالك بما إني مجبتلكيش هدية قبل كده ".
بادلته"فجر" العناق وهي تردف بسعادة مطلقة:
-"أحلي هدية ".
أستند بذقنه فوق رأسها مستمتعًا بدفئ أقترابها بعد سنين حياته الماضية وهو وحده يعاني من قسوة الأيام وأعترف لها بشجن لأول مرة:
-" بحبك يا فجر".
❈-❈-❈
والله ونسينا ومر الزمان
رجعنا التقينا بنفس المكان
عيونك الزينة قالت كلام
خطت بقلبي جرح الملام
تاري هواك ساكن بقلبي
وأتحملك وأفديك بعمري
سهرت أنا ليلي وقلبي معاك
طيفك قبالي وأنا أعاتبه
رحت أنا أغني وأنشد هواك
ساكن ضلوعي وما لي سواك
إنت الهوى وأنت محبوبي
وأنت الملاك تنور دروبي
أنبعثت الكلمات من داخل المنزل الخشبي المطل على البحر.. لأن وبعد عناء أنتهي "عدي" من أعماله وقرر أصطحاب "زينة" و "دهب" لقضاء عطلة محببة لكليهما..
كان كامل تركزيهم وهما جالسين فوق أحد الأغطية السميكة فوق الأرضية نحو تلك الجنية الصغيرة المنشغلة ببناء قصور وقلاع من الرمال بأستخدام أدوات بلاستيكية صغيرة.. ترتدي ثوب أصفر اللون يصل لبعد ركبتيها ذو حمالتين وشعرها المجعد الكثيف منساب حول كتفيها يزيدها هالة من اللطافة والجمال..
حركت "زينة" رأسها بأسترخاء فوق صدر "عدي" الذي يضمها إليه بحب يستمع لصوتها المنخفض وهي تقول:
-"بتمني أشوفها حاجة كبيرة.. مش مهم أي المجال اللي تدرسه أهم شيء تكون حباه.. مش عوزاها تبقي زينة ".
مرر"عدي" أصابعة بأنسايبية فوق وجنتها الناعمة وهو ينظر لها مباشرة قائلًا:
-" ومالها زينة.. أحلي ست في الدنيا ".
طبعت قبلة عميقة بكف يده الممسكة به وساد صمتهما حتي أنتبهو لسيارة" مهران " الذي وصل للتو..
كانت "دهب" أول من تحركت راكضة نحو الباب الخلفي تصيح بسعادة غامرة:
-"يونس جه.. يونس جه".
نهض "عدي" و"زينة" تتأكد من هندمة حجابها وراقب جميعهم اللقاء الحار بين "دهب" و "يونس"
الذي كـ عادته بكل زيارة لهم يجلب لها دمية..
هبطت "فجر" بحذر بسبب حملها بالطفل الثاني لهما تنظر لـ "دهب" قائلة بتوبيخ مصتنع:
-"كده متسلميش على حماتك الأول.. زينة معرفتش تربي".
تحركت "دهب" بأبتسامة واسعة تعانقها بشدة قائلة بصوت طفولي لطيف:
-"أنا بحبك".
ضمتها "فجر" بعاطفة وحنان أموي تجيبها بصدق:
-"وأنا كمان بحبك ياحبيبتي.. وحشتيني أوي.. وحشتيني أكتر من أمك اللي معندهاش دم".
أبتسمت "دهب" ولم تعقب ونظرت لـ "مهران" الواقف قبالة "عدي" الذي يرحب به ولوحت له قائلة بإبتسامة واسعة:
-"بحبك ياعمو".
أقترب "مهران" وانحني ليكن بمستواها يقبل يديها يبتسم بمشاكسة معهودة منه نحوها:
-"عمو أي مش قولتيلي المرة اللي فاتت إنك هتتجوزيني".؟
مدت يدها تمسك بيد والدها وحركت رأسها بالنفي تخبره بحماس:
-"لأ أنا هقعد مع بابا حبيبي ".
حملها" عدي " يطبع قبلة قوية فوق وجنتها الممتلئة يضمها لصدره بحب حتي قررت هي النزول بحماس فور أن هبط "زغلول" من السيارة، وجعدت "زينة" وجهها بأشمئزاز قائلة:
-"أزاي قابلة الكلب ده بجد".
فصلت "فجر" العناق وقالت بقلة حيلة:
-"مهران ويونس بيحبوه".
أومأت "زينة" بلامبالاة وأشارت نحو المنزل قائلة:
-"طب يلا بقي عشان الأكل قرب يبرد وأنا جعانة بجد".
ساروا وراء بعضهم أخر من دلفت كانت "زينة" وقبل أن تغلق باب المنزل نظرت لنقطة محددة وأبتسمت بأشراق قائلة:
-"بس كده.. دي نهاية الحكاية عيشنا في تبات ونبات وخلفنا صبيان وبنات".
تمت بحمد الله
إلى حين نشر الرواية الجديدة للكاتبة شهد السيد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية