-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 55 - 2

      رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الفصل الخامس والخمسون 

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

 

أومأت باقتضاب ولم يجد المزيد من الكلام لقوله وتمعن في كلماتها ليسألها باقتضاب:

-       والخزنة؟

 

التفتت له بنظرة جانبية ثم اجابته بمراوغة صريحة:

-       انت قولتلي جربي، ومن تجاربي معاك كل حاجة كنت بتعرفها كان بيبقالك رد فعل متخلف فيها.. هبقا اقولك عرفت مكانها ازاي لما تثبتلي إنك بقيت إنسان غير اللي كنت أعرفه قبل كده.. ساعتها لو عرفت اثق فيك هبقا اقولك.

 

اغمضت عيناها لوهلة ومقتت كيف بفعل عدة كلمات قليلة بدأت في الشعور بألم رأسها، وعدم مقدرتها على الصمود أمام كل ما تدافع من صور منهمرة في مخيلتها على كل ما عاشته، شعور مؤذي ومهلك للروح أن تعيش أصعب أوقات حياتك من جديد ومن سببه يجلس على مقربة منك يدعي أنه لا يريد سوى البقاء والتحدث معك.

 

حسمت أمرها وهي تزجر نفسها، لم يكن عليها منذ البداية أن تجيبه أو حتى تعامله بأسلوب حضاري قليلًا، يبدو أن كل السُبل مع رجل مثله تنتهي بالآلام مهما كانت بداية الطريق.

 

كادت أن تنهض وتغادره وحتى لم تكترث بقول ولو كلمة له تُعلن عن ذهابها ولكنه سبقها عندما تحدث هو أولًا:

-       لما فوقت من الغيبوبة حاولت افهم الرصاصة راحت فين، كنت مصدع ومشوش، مصدقتش إني كنت في غيبوبة، دماغي فيها مليون حاجة، إنك كنتي صح ولا لأ، ولقيتهوم بيتكلمو عن أدوية ليا، أنا مش فاهم حاجة ومحدش بيجيب سيرتك، كان نفسي افهم حصلك إيه وأنتِ فين عمومًا..

 

حاول تذكر تفاصيل ما كان يدور في رأسه وقتها بينما صمتت هي ونظرت له باشمئزاز مقترن بأوجاع لعينة شتى كادت أن تدفعها للصراخ لتجده يتابع بنبرة هادئة دون أن ينظر لها:

-       لما خرجت من المستشفى ورجعت البيت زي ما أكون كنت في غيبوبة..

 

أطلقت زفرة بتهكم ليلتفت لها وهو يوضح:

-       مقصدش عشان إني ضربت نفسي بالمسدس، اقصد اللي كنت بعمله معاكي، فرق كبير زي ما أكون كنت في غيبوبة وصحيت وابتديت افهم اللي حصل واللي عملته وسألت نفسي مليون سؤال زي ازاي استحملتي وازاي قدرتي تمشي، وازاي أنا عملت كل ده.

 

هز كتفاه والكلمات تدافع من فمه دون ترتيب يقصده وأكمل:

-       ده واجد وده واحد تاني خالص، وأول حاجة سألت عليها عدي إنك بقيتي كويسة ولا لأ!

 

لم تستطع منع سخريتها وغمغمت بتهكم:

-       لا بجد، شكرًا فعلًا من غير سؤالك ده مكونتش هاعرف أكمل حياتي!

 

التفت نحوها بانزعاج وتكلم بحرقة:

-       أنا مش بقول كده عشان يوصلك إني كنت زعلان ولا ندمان، أنا بجد مكونتش فاهم فيه إيه بيحصلي، نفس إحساس لما..

 

ابتلع وهو يعرف أنه سيُقر أمامها بالأمر ولكن دون كلمات منمقة على ورقة دون أن ترى وجهه وحاول استلهام الشجاعة ولملمها قدر المستطاع بداخله وتابع زافرًا بمشقة:

-       فاكرة البنت اللي قولتلك عليها، لما بعدها مقربتش من أي واحدة تاني، أظن إنك شوفتي فـ

-       ماشي وبعدين!

 

قاطعته عندما فهمت ما يُرمي إليه، فهي لا تريد أن تتذكر على الإطلاق ما حدث بينه وبين تلك الفتاة التي انتهت على يـ ـديه غارقة بدمائها وهو ثمل ثمالة شديدة لا تظن أنها مرت بمثلها حتى ولو تناولت مقدار ضعفي ما تناولته بالعامين المنصرمين من حياتها وتركته يتابع:

-       تفسيري إني كنت سكران معاها فيمكن عملت حاجة أنا مش فاهم هي إيه ولا مدرك ليها، إنما أنتِ، أنا كنت مضايق وزعلان وحاسس إني بموتك وبحبك في نفس الوقت آه عايز انتقم منك بس مش قادر اعمل حاجة ولا أكمل معاكي أي حاجة للآخر و

-       وهو ده اللي كنت بقوله، إنك بيجلك أوقات بتبقا مش واعي فيها أنت بتعمل إيه ومحتاج علاج وأدوية عشان تفوق لحياتك وللي حواليك بس طبعًا كنت بتشوفني غلط.

 

قاطعته ونهضت لتحدثه بغضب:

-       أنت آخر كل كلامك إيه؟ عايز تقعد معايا ممكن تكلمني في أي حاجة تانية، إنما كلامك في كل التفاصيل دي مالوش عندي غير تفسيرين وهدفهم واحد، يا إما بتحاول تقول كل ده عشان اتعاطف معاك بخبثك يا إما بتحاول تقول إنك مريض ومش واعي وإن ده مش ذنبك ولومي المرض بقا وأنا بحبك زي ما أنا والهدف إننا ننسى اللي فات ونكمل مع بعض تاني!

 

نهض ووقف أمامها ولم تفصلهما مسافة تُذكر ونظر لعسليتيها المتوهجتين بنيران الغضب ورد دون دراسة أو تفكير فيما يقوله:

-       أنا بحبك أكتر من الأول دي حقيقة آه مش هاخبيها، إنما هاتيلي مرة واحدة من ساعة ما شوفتك لغاية النهاردة طلبت منك إننا نرجع لبعض أو قولتلك سامحيني أو قولتلك نحل مشاكلنا عشان نكمل حياتنا سوا!

 

رفعت حاجباها وسألته بتحدي:

-       وأنت يعني بخبثك مش هتعرف بشوية التغيير بتوعك وحركاتك وإنك تقرب مني تصورلي إن حياتنا بقت جنة عشان تلاقيني باخد قرار مختلف معاك؟!

 

أكملت دون أن تترك له الفُرصة:

-       ده يبقا بُعدك! أنا مش بعد ما ادفع من عمري معاك سنتين ونص وشوية هيبقو تلت سنين هفكر فيك تكون جوزي وحبيبي زي الأول، ويكون في علمك، أنا بساعد عنود وكنت بتعامل معاها كويس زمان قبل ما يحصل أي حاجة لأنها صعبانة عليا في كل القرف اللي هي عايشة فيه وملهاش ذنب، وساعدتك وقت جلساتك عشان دي شفقة مني عليك، إنما مش عشان بحبك ولا عايزة نرجع تاني لحياة طبيعية بين اتنين متجوزين!

 

التفتت لتغادره بينما تملكه الغضب بنظرة الشفقة المؤلمة التي امتزجت بتكبرها فأوقفها بنبرة غاضبة حادة سائلًا باستنكار دون انتظار إجابة حقيقية:

-       اللي بيبقا نفسه يحقق حاجة وبيتمناها بيفضل يتكلم عليها، أنتِ اللي من ساعة ما اتجوزنا تاني وأنتِ بتقولي في كل كلامنا اننا نرجع لبعض، ليه ميكونش أنتِ اللي عايزة ده وبترجمي تصرفاتي غلط؟

 

صُدمت مما استمعت له منه وابتسمت باستهزاء وبدلًا من أن تتركه وتغادره وهو أفضل الحلول في هذا الموقف قررت أن تذيقه وابل من كلمات مؤذية لن ينجو منها ولكنها وجدته بالفعل قد تبعها ووقف أمامها متابعًا اسئلته التي لا تدرك بعد كم كانت صحيحة:

-       ما تواجهي نفسك وتعرفي أنتِ عايزة إيه؟ ولا كبيرة عليكي أوي إنك تعترفي بيها؟

 

اتسعت ابتسامتها وهي تهمس سائلة بنفس استنكاره السابق:

-       أنت بجد مصدق نفسك؟

 

رفع حاجباه وهو يتفحصها وأجاب قائلًا:

-       اثبتيلي إن كلامي غلط!

 

سيطر الغضب على ملامحها واحتد صوتها وهي تعقب على كل ترهاته التي تفوه بها منذ قليل:

-       أنا مش محتاجة اثبتلك حاجة، أنا وأنت عارفين كويس إن يعني حكمك على تصرفات اللي حواليك مبيبقاش دايمًا صح، بدليل يونس اللي كان بيحب أختك وافتكرتني على علاقة بيه، فدماغك دي ولسانك ده مفيش حد عاقل يصدق كلامهم!

 

لتوها أخفضت سبابتها بعد أن اشارت لرأسه وفمه ثم تابعت بغضب تصاعد عن سابقه:

-       أنت إن الإنسان يكون كويس معاك بتحكم عليه غلط ولو وِحش برضو بتحكم عليه غلط، أنا غلطانة لما فكرت إني ممكن أكون كويسة معاك.. وحتى إني أتعامل بأسلوب أحسن شوية عشان حياتنا متبقاش كلها زعل ووجع منفعش! أنت الحل الوحيد ليك إنك تخرج من حياتي وحتى ده منفعش بسبب باباك!

 

قلبت عيناها وهتفت به بحرقة:

-       لا مش غلطانة، وغبية كمان إني استنى واحد زيك يطلع منه أسلوب يريحنا احنا الاتنين، ده أنت حتى مفكرتش تعتذرلي ولو مرة على اللي أنت عملته، بكل قرايتك وكلامك الحلو اللي كنت بتخدعني بيه كلمة آسف دي مش في قاموسك!

 

مشت وتركته حتى تبتعد عنه ولم تعد تتحمل هذا المقدار من الغضب فصاح بها:

-       فعلا غبية، غبية وتافهة، لما تفتكري إن كلمة واحدة هيبقا ليها أي لازمة بعد كل اللي حصل!

 

تلك النبضات المتوالية بتسارع جنوني بداخلها شعرت وكأنها ستدفع دمائها للانفجار من رأسها، هي حقًا غبية لمكوثها معه، لإعطائه فرصة واحدة بأن يتصرف كإنسان، ليس كزوج ولا كرجل بل كإنسان، كان عليها أن تتركه منذ البداية ولا يصح معه سوى أن تمنع التعامل فيما بينهما.

 

وضعت يـ دها على باب منزلها ولكنها وجدته يجذبها من معصمها ليبادر بالكلام بمجرد التقاء أعينهما:

-       هقولك آسف إني كدبت من البداية ولا إني خبيت عليكي حاجات كتير، ولا اتأسف إن كل مرة كنت بوعدك بوعد مكنتش بحافظ عليه، اتأسف إني شكيت فيكي ولا عذبتك ولا إن بابا بهدلك مرة واتنين، هتأسفلك على إيه؟ ولما اقولك آسف ده هيصلح أي حاجة!

 

لم تصدق ما يقوله لتصيح به:

-       هيصلحك أنت، هيصلح صورتك ولو بنسبة في عيني، إنك تعتذرلي على كل اللي عملته معايا ولو لمرة وأنت بجد حاسس بالكلمة هتفرق من غير بقا ما نفكر في رجوع أو إني اسامح أو إننا نتطلق أو حتى إننا منعرفش بعض تاني وكل واحد يكمل حياته بعيد عن التاني

 

تصاعد غضبه بشدة ولم يرى ما الذي يفعله واختلفت ملامحه حتى تأكدت تمامًا أن من تزوجته بالسابق ما زال هو نفس الرجل لم يتغير ولو بنسبة ضئيلة عندما سألها:

-       أنت لسه برضو مصممة على موضوع التصليح ده مش كده؟

 

نفضت قبضته التي قويت على معصمها والتقى غضب كلاهما بنفس المقدار وهي تقول:

-       كوني بصلح إنسان زيك ده يخليك مقدر طول حياتك إني غيرت فيك كتير، يحسسك بالندم على اللي احنا وصلناله بسببك! ولو مديت أيـ ـدك أو لمـ ـستني بأي طريقة تاني يا عمر أنا هموت واحد فينا واللي يحصل يحصل.

 

احتدم جدالهما بشدة ولكن نبرته آتت مخالفة تمامًا لهذا الصياح منذ قليل:

-       ايوة، هو ده بالظبط اللي أنتِ مش عارفة تقبليه، مسكتي كود عندك ولقيتي الغلط اللي فيه وصلحتيه وبمجرد ما ابتدا يشتغل كويس مش طايقة ولا مستحملة إن كل تعبك فيه والوقت اللي قضتيه في تصليحه وتعديله يضيع كله على الأرض والفضل كله ميبقاش ليكي واللقطة متبقاش بتاعتك!

 

صُدمت من صياغته التي لو حدثت بالفعل في عملها قد تجعلها تموت قهرًا بينما تابع:

-       عاجبك النسخة الجديدة بس العقل والمنطق والصح بيقولوا إنك تبعدي، مبسوطة إنك وصلتي لكل ده معايا بس هتموتي كل ما بتفكري إنك هتبعدي، أنا الكود البايظ وأنت اللي صلحتيه بس مش قادرة تستحملي إني مبقولكيش كل يوم إن الفضل كله يرجعلك مع إني بحاول ابينها كل شوية على قد ما أقدر وإن من غيرك حاجات كتير أوي فيا مكانتش هتتغير..

 

ازدادت وتيرة أنفاسها وهو يصوغ حياتهما بمثل هذه السهولة وبصورة تستطيع فهمها ببساطة بعيدًا عن كل ما حدث ليقول بابتسامة شامتة بنظراتها الغاضبة:

-       مش قادرة تستحملي إن حاجة كانت بتاعتك وتعبتي على ما بنيتيها ودفعتي تمنها غالي أوي هتسبيها تروح منك، والأسوأ إنك مش عارفة ولا حاسة بده، وأكتر حاجة وجعاكي إنك مش عارفة تعملي إيه ولا تتصرفي ازاي..

 

تبادلا النظرات لوهلة، تفقدها بترقب بينما مقتت هي كل ما يستطيع صياغته بسهولة بدلًا منها، تكره بشدة أنه الوحيد الذي يفهمها، يعرف ما تريده دون التحدث، يشعر بها دون أن تحاول التعبير عن أي شيء!

 

لم تغادر عيناه عسليتاها ليختتم كلماته بأحرف بطيئة جعلتها تنفجر في وجهه:

-       الإنسان الوحيد اللي حبتيه أوي بقيتي مضطرة تكرهيه ومبقاش فيه غير الحل ده قدامك بس مش عارفة ازاي، أنتِ اتعودتي تحبي الحاجات بتاعتك وخصوصًا اللي تعبتي فيها زي الشغل، وزيي!

-       أنت عايز توصل لإيه من كل ده وأنت متأكد وعارف إن كل كلامك ده غلط!

ضيق عيناه وهو يتفحصها مليًا وعقب بهدوء استفز كل ما بها:

-       أنا مبقولش أي حاجة غلط ليها علاقة بيكي.

 

حاولت تنظيم أنفاسها التي تحولت إلى لهاث بسبب اضطرابها مما تستمع له وتجنبت تمامًا الخوض في الأمر ليصاحب غضبها نظرات اشمئزاز جلية وهتفت به:

-       هستنى إيه من واحد كداب وخبيث، أنا غلطانة بجد على أي مرة حاولت أكون فيها كويسة معاك، مكونتش أعرف إن بعد كل الوقت الطويل ده هنوصل للأول تاني.. رغي كتير ولف ودوران وبعدين حِجة تافهة زي إنك عايز تقعد معايا وفجأة تتحول لإنسان تاني.

 

حاولت دخول المنزل مرة ثانية ليوقفها فاستشاطت غضبًا عندما شعرت بقبضته تمنعها وهي تحاول مغادرته لتلتفت له بعصبية وصاحت به:

-       هو أنا مش قولتلك مش عايزاك تلمـ ـسني لأي سبب

 

حدق بعينيها وهو يتحداها متسائلًا بهدوء أوشك على دفعها للإنهيار:

-       لو أنا كداب وخبيث وأنتِ مش زيي، إيه اللي مخليكي مش عايزة تعترفي بده؟!

 

حاولت دفعه بيـ ـدها الأخرى التي لا يُمـ ـسك بها بعد وقالت بين أنفاسها المتصاعدة غضبًا:

-       بقولك ابعد عني، أنت مبتفهمش ولا إيه.

-       هبعد لما تقولي الحقيقة.

-       حقيقة إيه دلوقتي بقولك ابعد!

 

منع يـ ـدها التي تدفعه ونجح في احتواء كلتاهما دون أن تتوقف عيناه ونظراته المتفحصة المُزعجة التي ذكرتها بما كان عليه يومًا ما في بداية زواجهما ليخبرها بمزيد من الاستفزاز الذي لم تعد تطيقه:

-       هو ليه صعب أوي عليكي تبقي صريحة دلوقتي، قولي الحقيقة وأنا هابعد.

 

بدأت في محاولة الإفلات منه وهي تحرك جـ ـسدها بقوة لكي يبتعد عنها بينما تابع إلحاحه بمنتهى الهدوء وكأنه لا يبذل أي مجهود يُذكر فيما يفعله:

-       ما تقوليها، ولا الهدوء والصراحة والاحترام والأسلوب الكويس عايزاني أنا بس اللي ابقا هادي وصريح وكويس معاكي إنما أنتِ لأ.

-       عمر قولتلك ابعد عني

 

ازداد تصميم كل منهما على ما يحلو له، فهي لا تريد سوى أن يبتعد وتنتهي من دفعة تلك الغضب بداخل رأسها بينما قرر هو أنه لن يتوقف عما يُريد الوصول له وتلاحق جدالهما دون تواني وكأن حياتهما تتوقف على ما يريداه في هذه اللحظة تحديدًا ليدفعها لمزيد من الغضب وقبضتاه تمنعها بقوة:

-       لا مش هابعد غير لما تكوني صريحة

-       قولتلك كل كلامك غلط، ابعد عني

-       اثبتيلي إن كلامي غلط

-       مش هتكلم معاك كلمة واحدة غير لما تبعد

-       وأنا مش هابعد غير لما تتكلمي

-       كفاية زن ورغي يا إما هصوت

 

توسعت عيناه وابتسم بتحدي ليدفعها بقوة لباب المنزل المغلق خلفها وأخبرها بهدوء:

-       يالا بينا نجرب

 

تعالت وتيرة أنفاسها وهي تنظر لملامحه ففهمت أنه يعني الأمر حقًا وعندما بدأت في الصراخ كمم فمها بكفيه واستطاع النجاح في الوقوف خلفها بينما شعرت هي وكأن فكيها قاربا على التهشم اسفل كفيه فحاولت انتزاع يـ ـديه ولكنه كان يقبضهما بضغط شديد وجربت حتى أن تدفع نفسها للأسفل لكي يبتعد عنها ولكن بلا طائل فقد أصبح ذراعه يطوق خـ ـصرها ويـ ـده الأخرى لا تزال تكمم فـ ـمها حتى لا تحاول الصراخ ثم همس في أذنها بأنفاس بدأت في التسارع:

-       أنتِ عارفة إني بجد لو عايز نفضل كده للصبح هنفضل كده، خليكي صريحة معايا وقولي إن دي الحقيقة اللي مش عايزة تعترفي بيها طول الفترة اللي فاتت..

 

بدأت في الشعور بالإرهاق والتوجع بعد تلك الدقائق التي حاولت خلالها أن تفلت منه واستمعت له وهو يُكلمها مرة ثانية:

-       وأظنك عارفة إيه اللي بيحصلي وبيحصلك لما بنقرب من بعض، أنا كنت بتكلم معاكي بمنتهى الهدوء لغاية ما وصلتينا للي احنا فيه دلوقتي وأنا عمري ما اتعاملت معاكي بالأسلوب ده من ساعة ما رجعنا نتجوز تاني، كل اللي عايز اوصله هي إجابة واحدة وبسيطة.. اتكلمي وقولي اللي أنتِ عمالة تنكريه بقالك شهور.

 

توقفت عن محاولتها في الإفلات والمقاومة حتى شعر بهذا واستكانت تمامًا وهي تُفكر مليًا فيما عليها قوله لكي يبتعد عنها وأرادت الفرار من هذا الموقف وعدم التعرض له معه مرة ثانية فأدركت أن ما عليها قوله لابد من أن يُكون مقنع لعقل رجل مثله ليعاود تحدثه من جديد:

-       أفهم من كده إننا رجعنا للهدوء وهسمع منك رد.

 

أغمضت عيناها ماقتة بقوة هذا الدبيب الذي تسرب بدمائها وقارب على جعلها تقشعر وهو يتحدث بأذنها بهذه النبرة ليواصل باقتضاب:

-       هنجرب المرادي بس اعملي حسابك معنديش أي مانع نعيد كل اللي عملناه ده تاني.

 

انخفضت يـ ـداه بعيدًا عنها وترقب التفاتها نحوه حتى أصبحت تواجهه وخلفها الحديقة وتحركت خطوات للخلف وأصبح خلفه باب المنزل تراه وأصبح ملجأها الوحيد منه حتى باتت غايتها الأساسية الآن أن تعبره وبمجرد تلاقي أعينهما حدثها بتلاعب:

-       قبل ما تقولي حاجة فكري كويس إني هكون مبسوط جدًا لو عملت اللي عملته ده معاكي تاني وتالت ورابع، مفيش حاجة في الدنيا أحلى من إنك تكوني في حضني على فكرة.

 

انزعجت من اعترافه الــعـ ـاري بهذه السهولة وقول هذا بصوت مسموع لتجد مصداقيته تلتمع بصحبة مقلتيه لتستعيد من جديد شعورها بالغضب ثم سألته بحرص:

-       لو رديت على السؤال ده مش هتسأله تاني؟

 

هز رأسه بالموافقة وقال:

-        لو الإجابة اقنعتني مش هتكلم في الموضوع تاني.

 

تفحصته مليها وهي تتنهد بعمق وأخبرته باقتضاب:

-       أوك!

 

أطلق انظاره المستعدة للحكم المُسبق وهو يسترخي بوقفته ويعقد ذراعيه منتظرًا سماع قولها لتحاول التحدث بجدية والإدلاء ببعض من الحقيقة التي وجدتها منطقية بالنسبة لها وليس لديها أي موانع في الاعتراف بها:

-       آه أنا حبيتك، وآه تعبت معاك، وطبعًا زيي زي أي ست كانت بتحب جوزها كنت أتمنى توصل من زمان للي وصلتله دلوقتي قبل ما تعمل البشاعة اللي عملتها فيا.

 

حاولت أن تحتال عليه بتغير الموضوع نوعًا ما ثم تابعت:

-       وعلى فكرة الـ manipulation (تلاعب) وإنك تقرب مني علشان تأثر عليا وتدخل دماغي بإنك تحـ ـضني والأسلوب ده مبقاش ينفع خالص، أنت برضو مصمم تثبتلي إنك مبتتغيرش.

 

ابتسم لها ساخرًا وعقب بثقة:

-       وأنتِ اللي مصممة تثبتيلي إنك مبتتغيريش، لو أنا اللي وحش ومبتغيرش مكنش فرق معاكي أقرب منك أو لأ.

 

هزت رأسها باستنكار وغمغمت:

-       عمرك ما هتتغير.

 

لم يترك لكلماتها أن تُنسيه ما كان يسألها عنه وظل يتفحصها وتركها تظن للحظات أنه تناسى ليقول بتردد:

-       يمكن، معرفش بصراحة إذا كنت بتغير ولا لأ!

 

في لحظة واحدة اشتق من كلمات لم يمر عليها الكثير بعد نطقتها بلسانها وتابع متسائلًا باستنكار:  

-       مع إن من شوية كان فيه واحدة بتقول إن زيها زي أي ست كانت بتحب جوزها كانت تتمنى أوصل من زمان للي وصلتله دلوقتي، رأيك اتغير في ثواني؟

 

قلبت عيناها وهي تزفر بتعب وقررت الاستسلام حتى تنتهي من تلاعبه الذي يبدو وأنه سيذهب معه لقبره وحدثته بإرهاق:

-       أنا مش هادخل معاك في نقاش جديد، أنا تعبت وصاحية من بدري وعايزة أنام، ابعد من قدامي.

 

أومأ بالموافقة وهو يخبرها بملامح تلقائية:

-       تمام، تصبحي على خير.

 

وأخيرًا وصلت لما تريده دون الإقرار بشيء من تلك الترهات التي أرادها أن تعترف بها ولجزء من الثانية تركها تظن أنه سيتركها أن تصعد وتغادره حتى بدأت في أخذ خطوة نحو الداخل ليوقفها قائلًا وملامحه هادئة كما كانت نبرته:

-       بس أنا مقتنعتش بكلمة من اللي أنتِ قولتيها، تُعتبر جزء من الحقيقة مش أكتر!

 

شعرت بأن رأسها تحترق، نيران عادت من جديد تتأجج داخلها واندفعت الدماء حتى ظنت أن رأسها ستنفجر حقًا دون مغالاة في التعبير لتصيح به:

-       أنت مش ممكن بجد، أنت عايز إيه بقا؟

 

لم يترك ملامحها الغاضبة ونبرتها التي تصيح بها تؤثر عليه وأجاب بمنتهى الهدوء وهو يستقر من جديد على باب المنزل خلفه:

-       ما قولتلك، ردي على سؤالي بإجابة تقنعني..

 

قضمت شـ ـفتاها وهي تحاول التمسك بآخر ذرات الهدوء بداخلها، وبحثت عن كلمات تُخلصها من جدالهما ليضيف بتحذير دون التخلي عن هدوئه:

-       وإياكي تفكري تقولي آه أنت صح وخلاص عشان تمشي وتعملي اللي في دماغك وترجعي تقولي إن ده كان الحل الوحيد اللي قدامك، زي موضوع الورق مثلًا أو إنك تروحي لمريم من ورايا وإن مكنش عندك حل تاني.

 

لتنشق الأرض وتبتلعها أو لتسقط السماوات لتنهي هذه البشرية بأكملها، تبًا ما الحل معه الآن1 لأول مرة تشعر بأن كل ما كان يروقها في الفترة الأخيرة بشأن علاجه وتلك الجلسات وحفاظه على أدويته كان أكبر خطأ، وكأنه بُعث من جديد في حالة من التركيز والتصميم لن تراها على وجه رجل في الكون بأكمله منذ بدايته وللأبد حتى ينتهي!

 

أغمضت عيناها لوهلة بينما استمتع بما يراه منها وبالرغم من أنه يعلم أنه يؤلمها، يُذكرها بكل ما تريد أن تنساه، يطيح بكبريائها المتبقي أرضًا ليخطو فوقه بحذائه، يُدرك أن رأسها لم يعد تحمل هذه المراوغة وأنها ليست بالمرأة التي تستسيغ مثل هذه النقاشات ليجدها تنظر له ولمح بوجهها القليل من السيطرة على غضبها واستمع لمحاولتها من جديد التملص مما يُريد سماعه:

-       يعني كنت بتكدب في إنك عايز بس تقعد معايا، إنما دلوقتي الكلام اختلف، فأنت دلوقتي جاي عايزني ابقا صريحة معاك زي ما أنت كدبت عليا وقولت إن فيه بيني وبينك صراحة؟

 

راقه تلك المحاولة البائسة منها ولكنه وأدها في مهدها قبل أن تظنها أنها ملجأها الحقيقي ومهربها منه وهو يجيبها مطنبًا:  

-       أنا فعلًا كنت عايز اقعد معاكي، وهافضل دايمًا عايز أتكلم معاكي لغاية ما أموت، وممكن نفضل أيام نتكلم معنديش أي مشكلة، ووجودك جانبي بأي صفة وبأي طريقة هو أحسن حاجة ممكن تحصلي.. بس ارجعي كده افتكري كلامي أنتي سألتي عن سبب واحد مش أسباب.. ففعلًا جاوبت بأول وأهم سبب، إني عايزك متناميش وتفضلي تتكلمي معايا، بس ليا أسباب كتيرة أوي ومهمة لو جاوبتي عليا هتعرفيها بمنتهى الهدوء وبسهولة بدل كل النقاش الطويل اللي وجعلك راسك ده.

 

لم تحرك ساكنًا وهي تتفقده بينما تابعها ولم يفهم على الإطلاق ما الذي تدل عليه تعابير وجهها لتسأل مكررة سؤالها بغمغمة عدة مرات دون انتظار إجابة حقيقية:

-       أنت عايز ايه بقا؟ عايز إيه بجد؟

 

رأى عيناها بدأت في الالتماع بالدموع المكتومة وبالرغم من أنه يشعر بالسوء لأجلها إلا أنه أجابها:

-       عايزك تواجهيني بكل اللي جواكي وتعرفي أنتِ عايزة إيه.

تابع قراءة الفصل