رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 55 - 3
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل الخامس والخمسون
الجزء الثالث
رأى عيناها بدأت في الالتماع بالدموع المكتومة وبالرغم من أنه يشعر بالسوء لأجلها إلا أنه أجابها:
-
عايزك تواجهيني بكل اللي جواكي وتعرفي أنتِ
عايزة إيه.
هزت كتفيها وهي تنفجر بالبكاء:
-
أنا مش عارفة أنا عايزة ايه غير إني ابعد عنك
وخلاص، معرفش حاجة غير كده، ابعد عني بقا وسيبني.
تفقدها لوهلة واقترب منها وهو يتحدث بجدية
بعيدًا عن السخرية أو محاولات المراوغة وأسلوبه الخبيث الذي كان يتبعه منذ قليل ثم
أخبرها:
-
لازم تعرفي كويس أنتِ عايزة إيه وحاسة بإيه،
يا إما كل اللي جاي مش هيبقاله أي لازمة
تصاعد بُكائها ولن يُنكر أن تملكه التعاطف
بأن يذهب ويعانقها لكي تتوقف لتتحدث وعقلها مستسلم تمامًا دون إدراك ما تقوله:
-
مانا مبقتش عارفة أي حاجة، أنا صعبان عليا
أوي إنك أخيرًا حياتك بقت طبيعية وأنا وأنت في الآخر مش هنبقا مع بعض، مش هينفع نكون
سوا تاني، مبقتش ببصلك غير وأنا فاكره كل اللي عملته معايا..
تبًا لاستغلاله الذي لن يتغير بداخله حتى
تُزهق روحه، ولكنه عليه أن يتبعه ويستغلها للمرة الأخيرة وهو يسألها:
-
افهم من ده إنك لسه بتحبيني؟
نظرت له بغل والألم ينهمر مع دموعها وصاحت
به:
-
أيوة لسه، بس الحب هينفع ينسيني اللي حصل؟
هينفع يخليني أثق فيك؟ هينفع ازاي وأنت أول ما بتكون كويس بعيد عن أي نوبة بترجع
نفس الشخصية الخبيثة الكدابة، لو كان الحب بيغير مكنش حصل حاجات كتيرة أوي بيني
وبينك، لو الحب كان غيرك ومنعك من اللي أنت عملته فيا، كان يمكن نفس الحب يخليني
اسامح واعدي اللي حصل بس الحب عمره ما كان السبب الوحيد اللي يغير كل حاجة!
تزايد بكائها وتصاعد معه تضارب مشاعره
بداخله، كرجل سا دي يريد أن يؤلم من أمامه، يستمتع بهذا ويرغب به ويحقق له سعادة
لا تضاهيها أخرى، ولكن هناك مشاعر أخرى وأفكار كثيرة تضارب بداخله كذلك، كلهفته في
أن يعانقها ويخبرها أنه لا بأس وأن كل شيء سيكون بخير، كفكرة أن السا دية مرض كما
ينادي جميع من حوله وبدأ في الاستجابة للعلاج، تلك المواقف معها باتت تسيطر على كل
ما يتكون بشخصيته حتى بات رجل جديد لا يعرف عن نفسه شيء، وبنفس مقدار كل ما سبق
هناك ذلك الشعور المُفرح بأنه ما زال يعشقها بل وسيعشقها أكثر كلما رآها أو سمعها
أو اقترب منها، وفي نفس الوقت هناك تلك الفكرة المستحيلة التي تلح بداخلها وتهلكه
ألمًا بأن مر ما مر، وكل شيء أصبح من الماضي، وربما بعد فترة أيًا كانت مقدراها
أيام، أسابيع، شهور أو سنوات قد يصبح معها للأبد وتظل وزوجته التي يعشقها دون
سواها.
تزايد الأفكار وهي ما زالت أمامه تبكي حتى ظن
أنها قاربت على ذرف الدماء بدلًا من الدموع كان يؤلمه أكثر، ومن بين كل ما يجري
بداخله كانت الفكرة الأقرب هي الاستماع لرغبته الشديدة بعناق قد يخفف عنها ولو أنه
هو الشخص الوحيد المتسبب في كل ما حدث ويحدث وسوف يحدث لها.
حاولت دفعه لتتملص من عناقه في البداية ولكنه
أخبرها بلين:
-
بطلي عياط خلاص مش هسألك على حاجة تاني.
حاولت السيطرة على تلك الشهقات وهي ترفع
عسليتاها الغائبتان بين تلك الدموع التي لا تتوقف ثم تحدثت بحرقة وألم أصابه أضعافه
وهي تنظر له بهذا العتاب لتجعله يتمنى لو لم يُخلق:
-
ليه عملت فيا كل اللي عملته وأنا كل اللي
طلبته كان بسيط اوي؟ ليه مصمم توجعني بأي طريقة؟ أنت مبقتش عايز تشوفني أبدًا
كويسة مهما عملت، بترجعني تاني لنفس الوقت اللي كنت فيه خايفة ومرعوبة ومهزوزة وبتفكرني
بكل اللي حصل ليه؟
ارخى نظرته للأسفل قليلًا حتى يتفقدها وأجاب اسئلتها
المصحوبة بآلام لن يستطيع أن يداويها ولو امتلك كل عقاقير الحياة بأكملها:
-
اهدي، أنا مش بعمل كل ده غير عشان نوصل لحل
ونتفق على كل حاجة، أنا عارف إنك بتحبيني وأنا كمان بحبك وفاهم إن اننا نبعد عن
بعض هو ده الحل الوحيد، بس اللي هعمله عشان يريحك وابعد عنك مش سهل، أنا بحاول
ادور في كل اللي حصل ده على أي حاجة تبقا دليل على اللي عملته فيكي عشان نتطلق
المرادي وانتي واخدة حقك مني وتحسي إنك مرتاحة شوية بحاجة منطقية مش مجرد طلاق
وخلاص.
توقفت عن بكائها وهي تتفقده بعسليتيها ولم
تفهم أي شيء مما قاله وهي في الحقيقة لم تكن تبحث عن إجابات حقيقية لكل اسئلتها
وسألته بهمس:
-
تقصد إيه؟
ابتلع وهو ينظر لها مليًا وتردد فيما سيقوله
ليعرض عنه تمامًا ليجيب هاربًا من الحقيقة:
-
ادخلي نامي دلوقتي وهنتكلم في كل حاجة في وقت
أحسن من ده. تصبحي على خير.
انزعجت من جديد وحدثته بغضب:
-
هو ايه ده اللي تصبحي على خير، هي اسئلتك
حلوة ونسهرلها ونفضل نرغي فيها، إنما جت على سؤالي أنا وبقا بعدين ونتكلم في وقت
تاني!
تبادلا النظرات لوهلة وهو ما زال يعانقها
وعندما أدركت أن أنفاسه تختلف كما اختلفت تلك الطريقة التي يتفقدها بها ولمـ ـساته
عليها باتت تتخذ مجرى آخر تمامًا دفعته بعيدًا وهي تزجره:
-
وبعدين حاسب كده وبطل تلاكيك، كل شوية تقرب
مني بسبب ومن غير سبب، كفاية بجد أنا زهقت.
ابتسم لها بخبث وعقب متلاعبًا:
-
وعمري ما هبطل اقرب منك!
اتجه بعيدًا ليعود لمقعده لتتبعه هي بغضب
وسألته مرة ثانية:
-
ناوي تعمل ايه يا عمر؟
التفت إليها ولكن لمحت عيناه كلًا من
"اوفيد" و "فينوس" فراقبهما وابتسم وقلب شفتاه وهو يتمتم:
-
ده أن شكلي هبقا جدو قريب اوي، هايل!
نظرت حيث ينظر هو لتجدهما يقومان بالتزاوج
فزجرته من جديد حتى يتوقف عن مراوغته:
-
بطل أسلوبك ده بتاع بصي العصفورة، جاوب على
سؤالي، ناوي على ايه؟
أعاد نظره أمامه وهو يتناول واحدة من سجائره وهو
يتفقد الوقت وأجابها قائلًا:
-
أنتِ متعبتيش من الرغي كل ده، الساعة بقت
أربعة الصبح.. روحي نامي
ستفقد عقلها بسبب هذا الرجل حتمًا:
-
قول لنفسك، لو كنت من الأول صارحتني كنت رديت
عليك.
نفث دخانه ونهض واتجه ليقف أمامها وأجابها:
-
كنت عايز اجابتك تطلع بجد، من غير أسباب
ومساومة على حاجة.
ذهبت عيناه لتتابعهما مرة ثانية ليستمع
لزفرتها المنزعجة وتبعتها بزجرها له:
-
بص بكلمه في ايه وهو بيبص فين.. رد على سؤالي
قولتلك.
أعطى لها تلك النظرة الجانبية التي لا
تُعجبها أبدًا في مثل هذه المواقف وتكلم بخبث مبتسمًا:
-
على الأقل هم مبسوطين إنما اللي بتسأليني فيه
ده محتاج وقت وشرح ووجع دماغ، اسمعي الكلام يا قطتي وادخلي نامي.
لا، لن يدفع دمائها للغليان من جديد، لن
يستفزها، ولن تتوقف حتى تحصل على إجابتها:
-
أنت فاكر إني هاعرف أنام بسهولة كده بعد كل
اللي حصل ده، مش هاسيبك يا عمر غير لما ترد عليا.
-
هتنامي عادي.
لن تصرخ ولن تغضب وتبًا له، سيجيبها حتمًا
ولن تتوقف عن المحاولة كما فعل هو ولن يستفزها بكلماته الواثقة تلك:
-
بطل استفزاز، مش أنت اللي هتعرف إيه اللي
هيحصلي، وقولي ناوي على إيه!
تناول آخر أنفاس لفافة تبغه وذهب ليلقيها
بالمنفضة ثم جلس ولم ينظر لها بينما عقدت هي ذراعيها بتحفز شديد فوجدته يتثاءب ولا
يكترث بانتظارها وقبل أن تحاول التحدث له من جديد حدثها بنبرة استشعرت صدقها دون
حتى النظر بعينيه:
-
أنا مكونتش بساومك ولا بستغلك، احنا لازم
نوصل لمرحلة إن كل واحد عارف نوايا التاني وواثق فيه ولازم يبقا هدفنا واحد عشان
نعرف نخلص من كل اللي احنا فيه بسببي، لما تروحي تنامي هتلاقي نفسك مرتاحة بعد كل
كلامنا ده..
التفت لها وهو يتابع متوسلًا:
-
أرجوكِ متستعجليش أي حاجة وهنقعد مع بعض تاني
في وقت نكون فايقين فيه وعارفين نتكلم بهدوء، أنا وأنتِ عارفين إن كلامنا من شوية
وجعنا احنا الاتنين!
تبادلا النظرات لوهلة ليضيف بإرهاق:
-
حاولي تثقي فيا زي ما بحاول اصدق إن كل اللي
بتقوليه حقيقي، مبقاش قدامنا حل تاني، ادخلي نامي واسمعي الكلام ده إذا كنتي
هتروحي شغلك الصبح.. أنا نفسي مبقتش قادر أتكلم في حاجة، وبلاش عِند واشمعنى أنت ونفتح
على نفسنا خناقة جديدة.
تصبحي على
خير..
ضيقت عيناها وهي تتابعه بحقد بينما استرخى هو
في مقعده وهو يحاول إزاحة كل ما في عقله جانبًا فهو لم يعد يتحمل المزيد من الجدال
معها وتناول لفافة تبغ جديدة ليسمعها تقول:
-
ما أنا مش هقول غير اشمعنى فعلًا، كلامك
أوامر وكلامي أنا ميتـ
-
نفسي من ساعة ما عنود طلعت تنام أشرب سيجارة
في هدوء، اعملك ايه عشان تروحي تنامي وأنا اعمله؟
قاطعها بنبرة مُرهقة وهو يلتفت لها لتجيبه
قائلة:
-
هسيبك تعمل اللي أنت عايزه لما ترد على
سؤالي!
هز رأسه بإنكار وأشعل سيجارته وقرر أنه لن
ينطق بحرف وسلط كامل تركيزه على الاستسلام للإرهاق التام الذي يضرب بداخله وبعقله
على حد سواء وهو يعاني بأعجوبة أن يوقف رأسه عن التفكير في كل ما حدث بينهما
وتركها تفعل ما يحلو لها بعد أن آتت وجلست على مقعد مقابل له وهي تثرثر بكلمات لا
يدري ما معناها ويمتنع بشدة أن يستمع لها.
-
أنت هتفضل متردش كده عليا كتير.
أنهى سيجارته والقاها بالمنفضة ثم نهض وجمع
أشيائه من فوق المنضدة واتجه نحو منزله الصغير وهي تتبعه بكلمات شتى لا يعي أي ما
فيها ولا يستجيب لها على الإطلاق فربما نسيت أنه لو أراد الصمت وعدم التحدث لها
يستطيع فعلها بمنتهى السهولة.
دخل للمنزل وترك الباب دون أن يغلقه وخلع
قميصه ثم اتجه للحمام ليفرش أسنانه وعاد من جديد ليقوم بتشغيل مبرد الهواء ثم نظر
إليها بعد أن دخلت وأخبرها قائلًا:
-
اخرجي واقفلي الباب، تصبحي على خير.
خلع بنطاله واكتفى بملابسه التحتية ودخل أسفل
الغطاء ثم قام بغلق الضوء من زر بجانبه بينما هي تشتعل غيظًا مما يفعله لتضيء
النور مرة أخرى من تلك الأزرار المتواجدة بجانب باب المنزل من الداخل ليطفأه هو
وأعادا الكرة عدة مرات لتتصنع البرود مثله وهي تخبره:
-
مش هاسيبك تنام النهاردة غير لما ترد عليا
وتقولي ناوي على إيه!
ظلت واقفة بالقرب من الباب وكلما أطفأ الأنوار
أضاءتها هي لينفذ صبره واكتفى بتناول وسادة ووضعها فوق وجهه دون أن يكترث بأمر
الضوء لتقارب هي على الانفجار من شدة غيظها ببروده الشديد وتحدثت بعصبية وهي تتجه
نحوه:
-
فاكر المخدة دي هتنفعك، قولتلك مش هتنام يعني
مش هتنام غير لما تقولي أنت ناوي علـ..
صرخت عندما سقطت فجأة على فراشه بعد أن
اقتربت منه وهي تصيح فوق رأسه فقام بجذبها بعد أن ازاح تلك الوسادة بعيدًا واعتـ
ـلاها وهو يهمس أمام شـ ـفتيها:
-
أنا لو لسه فيا أي مجهود أو طاقة كنت اتكلمت
معاكي، ولو عايزاني استحمل شوية وآجى على نفسي عشان خاطرك واقعد أتكلم معاكي في
موضوع طويل، مفيش مشاكل، بس تعالي الأول نعمل حاجة تانية خالص وساعتها لو مردتش
على سؤالك ابقي اعملي اللي أنتِ عايزاه.
اقترب منها وهو يُقـ ـبل جانب وجـ ـهها
لتدفعه بعيدًا عنها فاستجاب لفعلتها وابتعد بمجرد دفعها إياه ونظر لها بينما اتضح
الرفض على وجهها وهي تزجره:
-
أنت مش هتبطل التلاكيك بتاعتك دي.
ابتسم لها وعقب بهدوء:
-
لا مش هابطل طول ما أنا شايفك أحلى واحدة في
الدنيا!
ضيقت ما بين حاجبيها بغضب وسألته من جديد:
-
كفاية بقا بجد وقولي أنت هتعمل إيه؟
اقترب ليغلق الأضواء مرة أخرى مما جعل ذراعه
تحاوطها لثانية واحدة فتأففت من فعلته وأخبرته:
-
قولتلك كفاية وبطل شغل الأطفال ده وجاوبني.
أغمض عينيه ثم تثائب وهو يضع رأسه على
الوسادة واستقر على جانبه حتى يُصبح وجهه مقابلًا لها وقال بتحذير:
-
لو فكرتي تفتحي النور تاني مش هتخرجي من بيتي
ده إلا بعد شهر..
استنكرت كلماته بينما تمنى هو لو فعلت وقبل
أن تقول شيئًا صحح ما قاله:
-
لا شهر مش كفاية، هتخرجي منه يوم فرح عنود.
مجرد فكرة البقاء معه مسجونة من جديد بداخل
أربعة جدران لما يقارب أربعة شهور أصابتها ببعض القلق ولكنها حاولت التفاوض معه
مرة أخرى:
-
بجد بطل بقا حركاتك دي وقولي ناوي تعمل إيه
ومش لازم تفاصيل!
همهم بتفكير وتمتم قائلًا:
-
يا ترى هاعمل إيه في الكام شهر الجايين.
-
مش كفاية بجد زهق كده وتاخد الموضوع جد شوية
وترد عليا.
نفذ صبرها بينما ابتسم هو ابتسامة بالكاد
رأتها بفعل ذلك الضوء البسيط الذي تسلل من باب منزله وهمهم ورأسه تلتهي بذاك
التخيل الشهي الذي لن يحدث سوى بأحلامه وأجابها بصوت مسترخي:
-
هقولك أنا، أهم حاجة في الموضوع ده كله
التفاصيل، أول حاجة هقلـ ـعك هدومك دي، وبعدين هـ
-
عمر أنا بتكلم بجد، بطل برود وخلي عندك دم!
فتح عيناه ونظر نحوها وعقب قائلًا:
-
وأنا كمان بتكلم بجد.
مستفز وبارد ولعين بغروره هذا الذي يُصدقه
وثقته الواهية بأنها لن تستطيع الحصول على إجابة منه!
التفتت بجانبه لتنير الأضواء مرة أخرى ولكنه
كان يترقب فعلتها فجذبها بقوة من ذراعها قبل أن تغادر ولم يكترث بتأوهها واعتـ
ـلاها مرة أخرى وثبت كلتا يـ ـداها وقدماها أسفـ ـله حتى يسيطر على محاولات تملصها
منه وكلمها بنبرة متلاعبة:
-
لو البنات الشاطرة كانت سمعت الكلام مكنش
زمانها خايفة ومضايقة اوي كده
نظرت له بتحذير وزجرته بقلق حقيقي:
-
لو فكرت بس تقرب مني ولا تعمل أي حاجة
بتلاكيك تافهة زيك صدقني اللي هعمله مش هيعجبك وأنت عارف كويس إني اكتر واحدة
عارفة نقط ضعفك.. إياك يا عمر!
تفقدها باستمتاع دون أن يتفوه بحرف وقرر أن
يغلق الضوء ولكن تلك اليـ ـد التي حررها لتوه لم تكن لتنجح في الإفلات منه ليستطيع
الحصول عليها مرة أخرى وثقله بأمله كان كفيلًا بألا تنجح في التملص منه كما لم
يكترث لتهديدها بفعل هذا وذاك ودفع وجهها بجانب وجهه ثم تحدث بالقرب من أذنها:
-
قوليلي إيه اللي يمنعني عنك دلوقتي، وأنا وأنت
عارفين ومتأكدين إنك لا تقدري تعمليلي حاجة وأخرك شوية كلام قولتي زيهم كتير وأنا أخري
هتوجع شوية وهزعل وبعدين هرجع ابصلك واشوفك وتحلوي في عيني وأقرب منك ونفضل بنجري
ورا بعض في نفس الدايرة!
زفر أنفاسه بإرهاق ولم يعد هناك مجالًا
للمزاح في كل ما يفعلاه منذ ساعات ونظر لها بجدية وابتسامة صادقة لتنظر له بترقب
وحدثها بمصداقية:
-
أنا مش بهددك يا روان بإني ممكن أعمل حاجة عملتها
معاكي بمنتهى السهولة قبل كده وأنا نفسي فيكي كل ما المحك أو اسمع صوتك، وأنا
حافظك كويس في الأول هتضايقي وبعدها بشوية هتستجيبي وأنا هاستغل الموضوع في الأول
وبعدين هرجع أندم ومش هلاقي حل للي احنا فيه ونبعد يومين كل واحد في بيت وارجع
تاني اشوفك بحكم الظروف المهببة اللي احنا فيها ونعيده تاني.
ابتلع وهي تتفقده بعدما أدرك أنه وقع في أسر
عينيها من جديد وكأنه أول مرة يعتـ ـليها ليتنهد بخيبة على كل ما فقده وأخبرها
بهوادة:
-
ما دام وعدتك إني هقولك يبقا هقولك بس صدقيني
لازم نبقا مركزين كويس لأنه موضوع طويل بحاول فيه من يوم ما اتجوزنا تاني، وأنتِ
عارفة إني رغاي وبحب التفاصيل، ادخلي نامي وصدقيني زي ما وعدتك إني مش هاجي جانبك
غصـ ـب عنك وعمري ما عملتها!
قبل جبينها رغمًا عنها لتحاول التملص ولكنه
قد فعلها وارتمى بجـ ـسده ليفر بعيدًا عن تأثيرها المُهلك فهو بات ممزقًا بين عشقه
لها ورغبته بها وأغمض عيناه لتتحدث بامتعاض:
-
آه زي ما عملت دلوقتي وبوستني غصب عني وفي
الاوتيل من كام ساعة، اكدب اكدب وصدق كدبتك.
ابتسم دون أن يفتح عيناه وعقب بلين:
-
دي حاجات طياري يا بنوتي، إنما أنتِ عارفة
إني عمري ما هاعملها غير برضاكي، يا إما لو كنت عايز استغلك كنت عملتها وأنتِ
سكرانة.. ولا نسيتي!
بمجرد ذكره للأمر انزعجت بشدة وتذكرت كيف
كانت تريد الأمر بشدة لتستمع له يقهقه بخفوت وهو يتمتم:
-
لولا إني بطلت شرب وأنا قدام البيت كان زمانك
ماشية تقولي أنت السبب، مع أنتِ اللي كنتي بتحرضيني وموافقة جدًا!
غضبت ببشاعة وحاولت الدفاع عن نفسها وأخبرته
وهي تنهض من على فراشه:
-
هتفضل طول عمرك خبيث وتكدب الكدبة وتصدقها
وكمان عايز اللي حواليك يصدقوها ويكون في علمك أنا مكونتش بعمل كده غير عشان أنا
سكرانة ومش في وعيي ومش حاسة بحاجة و
-
ما كفاية كلام بقا يا بنوتي بدل ما أبدأ أفكر
إنك مبسوطة بالقاعدة معايا ومش عايزة تمشي ولا عايزة تصحي لشغلك الصبح!
قاطعها ولم ير اكفهرار وجهها عندما استمعت
لقوله وشعرت بغيظها الشديد منه لتصيح به:
-
أنا هوريك الصبح يا عمر، تصبح على زفت!
-
وأنتِ من أهله يا قطتي.
تركت وغادرته وهي تغلق الباب بقوة ورأسها
ممزقة تشتتًا بزوبعة كل ما حدث بينهما طوال تلك الساعات الماضية وصممت أنها لن
تتوانى عن معرفة ما الذي يُريد فعله لأنها وببساطة لا تثق بأنه سيستطيع أن يُنهي
زواجهما المشؤوم دون أن يفلت من والده الذي لن يتأخر في الانتقام منها وكأنها هي
السبب في كل ما يحدث لابنه منذ ولادته وحتى مستقبله اللاحق الذي لم يعيش به بعد.
❈-❈-❈
ظهيرة اليوم التالي..
فتحت عين واحدة فهذه هي الوحيدة التي استطاعت
أن تحركها وتفقدت الوقت وهي تشعر بخمول شديد لتجد أن الساعة عبرت الثانية عشر
ظهرًا لتصدم من نومها الذي طال دون شعورها فتركت الهاتف ثم لاطفت "تايني"
الذي كان يعبث بفراشها وأجبرت نفسها على النهوض وهي تفكر في كلماته فجر اليوم عندما
أخبرها أنها ستنام براحة بعد كل ما تحدثا به لتلعن معرفتها برجل بات يحفظ عن ظهر
قلب كيف ستتصرف.
اتجهت للحمام ثم ذهبت لترتدي ملابسها وتضع
القليل من مستحضرات التجميل بعد أن اغتسلت ونزلت للمرأب لكي تذهب للعمل بعد فترة
طويلة من انقطاعها عنه، عليها ترك مسائل السلطان المغرور اللعين جانبًا الآن بينما
لم تجد في طريقها أي ما يدل على الحياة في هذا المنزل ووجدت واحدة من سياراته غير
متواجدة فأدركت أنه ليس هنا وحتى "عنود" ليس لها أثر في المنزل بأكمله
ونست تمامًا أن تتفقد غرفتها فهي متأخرة بالفعل وتعرف أنها بمجرد الذهاب للعمل لن
تتركه قبل ساعة متأخرة من الليل من كثرة تلك الأعمال المتراكمة.
-
صباح الخير
-
صباح النور يا مدام
شرع سائقها في تحريك السيارة لتتحدث لسائقها:
-
عايزاك بعد ما توصلني تيجي أنت أو تبعت حد
ياخد تايني ويوديه عند مامي عشان هرجع النهاردة على البيت هناك، بس هروح متأخر شوية.
-
تمام حضرتك هكلم هدى اخليها تبعت حد.
بدأت تفتح هاتفها واتجهت فورًا لتطبيق تواصل
قاصدة أن تتفقد رسائل "علا" لها ولكنها وجدت رسالتين منه بالسابعة
صباحًا فتفقدتهما وهي تتعجب كيف استطاع أن يستيقظ مبكرًا هكذا بعد أن ذهب كلاهما
للنوم بعد الرابعة فجرًا وبدأت في القراءة:
-
صباح الخير يا قطتي.
-
هتروحي عند مامتك النهاردة بعد الشغل؟
قلبت عيناها وهو يتحدث وكأنه ليس الرجل الذي
كان يُعذبها بنفسه لتجيبه باقتضاب:
-
ايوة.
انتقلت لتتفقد رسائل "علا" ولكنها
وجدت رسالة منه أرسلها في ثوانٍ وكأنه كان ينتظر ردها فقرأت ما أرسله لتجده يتساءل:
-
تحبي اجي اقعد معاكي يومين هناك؟
-
لا!
هزت رأسها بإنكار وتوجهت من جديد لترى ما
الذي فاتها من أعمال فأرسل برسالتين لتطلق زفرة متأففة وهي تقرأ ما أرسله:
-
صح النوم honey
-
مفيش حتى صباح الخير يا بنوتي؟
-
بتهزر اوي بعد اللي أنت عملته امبارح!
تريثت لوهلة لترى إن كان سيقول أي شيء عما
تريد معرفته بالفعل ولكنها فوجئت بكلماته التي رد بها عليها:
-
نصبر شوية عشان فيه حاجات الاستعجال فيها مش
حلو، لو كنت قولتلك مكونتيش عرفتي تنامي على فكرة
-
وأنت مالك أنام ولا منامش.
-
عيونك وهي تعبانة مبيبقاش شكلها حلو وبتضحك
زي ما بحبها، فقولت اسيبك تنامي كويس
-
لا شكرًا جدًا بجد مش عارفة هاعمل ايه في
حياتي من غيرك
أرسلت جملتها الأخيرة بعد صورة لا تدل سوى
على الاستهزاء التام بكلماته والسخرية مما يقوله فما كان منه سوى ارسال ملصق آخر
للقطة تبكي جعلتها تبتسم ولكنها زجرت نفسها وهي ترسل له:
-
تسكت النهاردة خالص عشان ورايا شغل كتير ومش
فضيالك، كلمة كمان وهتلاقي الـ block
منور!
رأته يكتب شيئًا ما لتترقب ما الذي سيقوله
لتجد رسالته قد وصلت:
-
قطتي بتخربش وبتهدد بـ block، مش حركات بنات شاطرة على فكرة ولا نسيتي
امبارح كنتي عاملة ازاي؟
اكتفت بإرسال كلمة واحدة:
-
Bye
قامت بحظره من التطبيق تمامًا ثم بدأت في
تفقد رسائل "علا" لها وهي تقوم بالرد على البعض وتفضيل الأخرى حتى تعود
لها لاحقًا وطلبت منها احضار القهوة وشطيرة فهي لم تتناول شيء بعد ولن تستطيع
أبدًا التركيز في العمل وهي ما زالت تشعر ببعض الخمول.
❈-❈-❈
نفس اليوم، السادسة مساءًا..
سلطت كامل تركيزها على تلك الرسوم البيانية وشعرت
بهاتفها يطلق بعض الاهتزازات معلنًا عن وصول مكالمة فأنهتها فورًا دون رؤية هوية
المتصل وسألت واحدًا من الموظفين:
-
الكلام يبان كويس بس الـ campaign (حملة) دي هنبتدي نعملها) launching إطلاق) امتى؟
-
لو كل حاجة جاهزة يبقى على أول السنة
الجديدة، كله هيبقا شغل بسيط وتجهيزات للـ demos (عروض توضيحية) مش أكتر، هتبقا ترتيب مواعيد مع باقي الـ teams
هزت رأسها بالتفهم لتجد هاتفها يهتز من جديد لتتناوله
وهي تخبر الجميع:
-
ثواني.
مشت عائدة لمكتبها وهي تتفقد من هذا اللحوح
الذي لا يمكنه الانتظار حتى تنتهي من اجتماعها لتجدها "عنود" لتزفر وهي
تتمنى ألا يكون خلف هذه المكالمة بعض التفاهات لتجيبها قائلة:
-
ازيك يا عنود عاملة ايه؟
-
روان، اول ما رجعت البيت بابا ضربني وعمر
معاه جوا في مكتبه وكل شوية بابا يزعق وأنا خايفة أوي مش عارفة اعمل ايه!
آتاها صوتها المرتعد بصحبة بكائها وهي لا
تفهم ما الذي حدث وكان السبب في كل هذا فأخبرتها وهي تحاول أن تهدئها:
-
اهدي بس وبطلي عياط وفهميني بالراحة ايه اللي
حصل.
استمعت لها وهي تحاول التحكم في شهقاتها
وبالكاد استطاعت تبين ما قالته:
-
مفيش، دخلت بعد الجامعة وعمر كان شايف إنه
يجي معايا وراح سلم على بابا ودخل قعد معاه وبابا بان إنه هادي في الأول وكل حاجة
طبيعية ولسه هطلع اوضتي سألني كنت فين فقولتله إني كنت عندك أنتِ وعمر.. بس قالي
إني كدابة وضربني بالقلم ولما صوتنا علي عمر جه وحاول يتكلم معاه بس بابا قاللي إنه
جوازي ده مش هيتم وهيكلم راشد جوز يارا وينهي الموضوع أنا مش فاهمة أنا عملت إيه
بس والله أنا كنت معاكم ..
عندما اجهشت بالبكاء مرة ثانية لم تستطع
تفسير أي مما تقوله ولكن على ما يبدو وأن "يزيد الجندي" في مزاج غير
رائق على الإطلاق بينما "عمر" صباح اليوم كان يبدو وكأنه في أفضل
حالاته.
حسنًا، فرصة آتتها على طبق من ذهب وهي كانت
تتربص لها لتقتنص ولو انتقام صغير تافه لعله يريحها قليلًا مما فعله بها وبأخيها!
-
اهدي بس وبطلي عياط أنا جيالك حالًا،
ومتخافيش مش هيحصل حاجة من الحاجات دي.. خليكي في اوضتك وأكيد عمر هيحل الموضوع!
حاولت أن تهدئها مرة ثانية بتلك الكلمات
بينما عقبت الأخرى برفضها:
-
لا بلاش يا روان أنتِ متعرفيش بابا وهو متعصب
بيبقا عامل ازاي وخصوصـ
-
متخافيش أنا مش هتكلم معاه أصلًا.. عايزاكي كده
تهدي لغاية ما أوصل ولما أكون برا البيت هقولك ومش هادخل، أنا هاعرف اتصرف مع عمر،
هاكلم بس السواق يجيلي عشان مضيعش وقت وهكلمك تاني.
قاطعتها وهي تتمنى أن حيلتها معه بعد ذلك المزاج الرائق منه ستنفع ولو قليلًا، لو فقط يمر الأمر على خير دون غباء وخوف منها ستفلح حتماً، ربما بعد ما أقرته له صباح اليوم بأنها ما زالت تُحبه قد تشفع لديه أية مشاعر ستدفعه من أجلها أن يفعل ما تراه صائبًا حتى تتشفى برؤية "يزيد الجندي" ولو لمرة واحدة في الحياة لا يمكنه التحكم في الجميع.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية