رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 21 - 2 الثلاثاء 14/11/2023
قراءة رواية ميراث الندم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ميراث الندم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
2
تم النشر يوم الثلاثاء
14/11/2023
❈-❈-❈
على مدخل الغرفة توقفت قليلًا ترمقه بأسى، وقد كان واقفًا بشرفة غرفته، يضع كفيه بجيبي بنطاله البيتي، قاطب الجبين بملامح متجهمة ارتسمت جليًا رغم شرورده.
تنهدت تجسر نفسها حتى اقتربت منه تخاطبه بتردد:
- مساء الخير يا عمر.
التف البها متجاهلًا الرد على التحية ليسألها مباشرةً:
- عملتي ايه؟ روحتيلها؟
اضطربت تتهرب النظر عن قرب في الرد عليه
- بصراحة معملتش حاجة، ومجدرتش اروح .
طالعها بحدة لتبرر له على الفور:
- يا واد ابوي ما انا مينفعش اروحلها بعد ما نبهت بالرسالة اللي بعتتها ان مروحش غير لما تبعتلي، ثم كمان انا عرفت انها تعبانة صح.
- عرفتي منين؟
- من اختها نادرة، اصلي جابلتها في الطربج وانا جاية على هنا، بتجول ان بجالها أكتر من سبوع راجدة، والدكاترة رايحة جاية عليها.
سألها بخشونة اختلطت بقلقه:
- ولما هي بالحالة دي، مخطفتيش رجلك وروحتي عدلي عليها ليه؟ ايه اللي جابك على هنا جبل ما تروحي وتطمني عليها؟
ابتلعت بتوتر شديد لتردف الكلمات بصعوبة:
- ما هي كمان جالتلي مينفعش اروحلها.
- انتي بتجولي ايه؟
صاح بها يزيدها ارتباكًا في الرد عليه:
- والله زي ما بجولك كدة، انا مش فاهمة ايه اللي حاصل معاها، بس واضح كدة ان الموضوع فيه نكد..... بخصوص جوازك بيها، عشان كلام نادرة كان واضح معايا، لما جولت اني عايزة اروحلها اطمن عليها..... جالتلي استنى على زيارتك دي، على ما نشوف الدنيا هترسى على ايه؟
- يا سلام.
تمتم بها زافرًا بحدة ليلتف نحو الخارج، يستند بكفيه على حاجز الشرفة الحديدي، يردف بتفكير متعمق:
- طب لو كانت تعبانة صح، مش جادرة تضغط وتكتب حتى رسالة، تجولي ع اللي بيها، حاسس جلبي مش مطمن يا جميلة.
كانت تشاركه نفس الشعور، ولكنها مجبرة الا تزيد عليه بظنونها، لابد من التريث والصبر حتى تتضح الامور،
دوى هاتفه بصوت ورود مكالمة، رفعه اليه على الفور بلهفة، ظنا أن تكون هي، لكن خاب امله، برؤية الرقم الاخر، ليغلق بقرف، حتى اثار الفضول لدى شقيقته لتسأله؛
- نمرة مين دي اللي كل شوية تجفل في وشها؟
اجابها بعدم اهتمام:
- ناس كان بيني وبينها مصالح، وخلاص فضت على كدة، يعني ما عدتش ليها عازة خلاص.
❈-❈-❈
اسفل المظلة التي وضعت في الهواء الطلق، داخل احدى حدائق الفاكهة الكبرى، وقد جلس يراجع مع إحدى المختصين، ملف كامل عن المصروفات والخسائر، وما تم تعويضه من ارباح ببيع طلبيات كاملة، وما تم تخصيصه للتصدير.
- كويس يا شنودة براوة عليك، الحسابات بالملي،
اومأ المذكور بكفه على صدره بامتنان يجيبه:
- الله يبارك فيك يا كبير، احنا بس بنراعي ضميرنا في الشغل ، ودي اهم حاجة.
- طبعا امال ايه؟ جدع يا شنودة، سيبني انت دلوك اراجع عليهم براحتي
ذهب الشاب، وتركه يراجع بتأني في الأوراق أمامه، حتى أتى عارف ينضم اليه ، ليجلس على الكرسي المجاور له:
- عم غازي، اخبارك ايه يا كبير؟
ترك الأخير ما بيده، لبعطيه كامل الانتباه في الرد عليه بروتينة:
- زين والحمد لله، اهي ماشية.
لم يكن عارف بالغبي حتى يتجاهل هذا الجمود منه، خصوصًا وهو يرى تعمد الهرب بعينيه عنه:
- غاااازي، احنا اكتر من الأخوات، حطها في بالك دي.
تطلع اليه بتمعن، ليسأله بوضوح:
- يعني عايز تفهمني انك واخد الموضوع عادي، والله ما اصدج، انا نفسي مش جادر اجل عيني فيك.
- ليه بجى متحطش عينك في عيني؟ انت واد عمي وهي بت عمي اللي انا حافظ وعارف تربيتها زين.....
توقف برهة، ثم تابع بتنهيدة مثقلة:
- حتى لو كان عجلها شرد في حتة تانية، او جلبها مال لغيري زي ما هي شايفة.... لكن انا متأكد من أخلاجها ودي مفيهاش نقاش.
طالعه بنظرة غامضة، تحمل داخلها الكثير والكثير، وكأن الكلمات احتجزت داخله، ولا يقوى على الإفصاح عنها، ليأخذ وقتًا في هذه الحيرة، حتى قطع ليطرق بعصاه عن الأرض متمتمًا:
- الله يلعنك يا فتنة، مش جادر ادعي ولا ازود عليكي.... منك لله.
حاول عارف تهدئته ملطفًا بالكلمات:
- شيلها من مخك يا واد عمي، متستهلش التفكير فيها والله.
- هي متستاهلش بس عيالي يستاهلوا، وانا إيدي متربطة، مش هاين عليها احرمهم من امهم في العمر ده.
شرد بعينيه يقول :
- انا كرهت البلد، وكرهت كل حاجة فيها.
ردد خلفه يشاكسه بالمزاح:
- كل حاجة كل حاجة، يعني كرهت اخوانك البنات مثلا؟ ولا الغلاسة على عيالهم؟ كرهت واد عمك اللي جاعد جصادك ؟ ولا تناحته معاك؟
لاحت على جاتب ثغره ابتسامة استجابة لتفكهه، فتابع يستدرجه بمكر:
- طب كرهت حبيبك معتز ولا.......
- بلاش يا عارف.
قطع عليه قبل أن يكمل، وقد فهم مقصده ليردف بتجهم زاد اجهادًا:
- اهي دي بجى من أهم الاسباب، اللي بتوزني اسيب البلد واهج خالص.
- ليه كدة؟
- عشان هو كدة، انا تعبت من وجع الجلب.
❈-❈-❈
على الارض وسط عدد من الالعاب، التهى معتز في اللعب عليها تارة، ثم مشاهدة التلفاز وبرامج الكرتون تارة أخرى، تاركًا لوالدته الحديث الجدي معها، وقد كانت تجاورها على الفراش:
- اخويا زعلان مني يا نادية، وانا يعلم الله جلبي محروج عليه أكتر من نفسي، الخنجر االي طعني في مجتل، خد منه هو السم جبلي،
عقبت الأخيرة لها بمواساة شاعرة بما يؤلمها:
- معلش بجى، ما انتي جولتيها جبل سابج، ان انتو روحكم معلجة في بعض، فشيء طبيعي ان اللي يجرحك لازم يجرحوا.
أومأت بدمعة ساخنة مسحتها فور بزوغها، لتردف بقهر:
- عمري ما هاسامحها، ع اللي عملته فيا وفي اخويا .
- جصدك فتنة؟
- وفي غيرها زفتة، بني أدمة جلبها أسود، لا عندها ضمير ولا احساس، طول عمر اخويا شايف معاها المر ومستحملها عشان البنات، لكن هي بجى مفيش ولا مرة تتعظ، نفسي افهم، هي بييجيلها جلب ازاي تحط راسها ع المخدة بعد كل اللي عملته واتسببت فيه؟ ولا عمي..... جال ايه اتجوز ولده ناجي، يعني احنا خلصنا من نصيبة عشان يدبسنا في التانية.
بشبه ابتسامة غزت ملامحها، شاكستها نادية:
- يعني انتي لو كنتي وافجتي دلوك، كنتي هتبجي حرم سي ناجي؟!
امتعضت تعابيرها لترد رافعة طرف شفتها بازدراء:
- ضربة في بطنه دا كمان، هو انا حمل فجع مرارة؟
ضحكت نادية، لتجبر الأخرى على الإندماج معها في المزاح، قبل ان تخرج بسؤالها الملح:
- طب والموضوع التاني، نويتي تعملي فيه ايه؟ لسة برضوا مصرة عليه؟
سمعت منها، لتطلق تنهيدة طويلة تشبعت بألم كوى قلبها وارهق روحها التي كانت تأن بوجعها، ولكن ان الأوان ان تستفيق، وتتذكر قوتها وعزم رجال ونساء عائلتها الذين حفروا في الصخر وشقوا الصحاري حتى أصبحت بفضلهم جنان خضراء، وهي لن تكون أقل منهم قوة.
- انا خلاص اخدت القرار.
انتفضت فجأة تعتدل بجذعها سائلة لها:
- بجولك ايه يا نادية، خواتي البنات طلعوا زي ما انتي عارفة يطلوا على بيوتهم، كنت عايزاكي تجعدي مع جدتي لحد ما يجي ميعاد الدوا بتاعها وتديهولها، اصل انا طالعة دلوك وممكن افوت الميعاد.
ردت تجيب متابعة لها وهي تنزل بقدميها على السرير ذاهبة نحو الخزانة:
- ماشي تمام، بس انتي رايحة فين طيب.
تناولت عباءة سوداء رافية من ملابسها، تصلح للخروج تلقيها على التخت أمامها، وتجيب قبل ان تخلع عنها بيجامة النوم:
- طالعة مشوار لابد منه، ومش هتأخر ان شاء الله.