رواية جديدة وحش قمران لمحمد رمضان - الفصل 2 - الجمعة 5/1/2024
قراءة رواية وحش قمران كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية وحش قمران
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتب محمد رمضان
الفصل الثاني
تم النشر الجمعة
5/1/2024
الأسرة هيَّ كُل شيء يملكه المرء، الأسرة هي الروح وهيَّ الحياة.. هيَّ الدماء السارية في العروق، والرجل؟ الرجل لا يصبح رجلًا إن لم يُعطي كل ما لديهِ لأسرته.. يكون كالحاضر الغائب، وكأنهُ سلويتٌ لا أحد يراه.. لا أحد يشعر بهِ. أنا الحاضر الغائب أنا السلويت أنا من لا يشعر بي أحد، أنا أعتقد ذلك.
عدتُ من ألمانيا، إلى موطني مصر. وقد مر على حادثة ألمانيا عشرة سنوات، حتى أنني لا أتذكر اسم ذلك الفتى الذي هرب وقتها، وبالكاد أتذكر كارلس.
بينما أنا في بيتي الدافئ، أجلس بين عائلتي وأستشعر حضورهم، نعم عائلتي وهُم.. زوجتي سلمى وولدي خالد.
وكعادتي، بين دفات الأوراق ذات الرائحة العبقة القديمة.. أوراق الجرائد المصرية، أتنقل من خبر إلى خبر ومن خبر إلى خبر، وقعت عيني على موضوعًا.. لا أعرف لِمَا ولكنني تذكرت ما حدث قبل سنوات، وكان الخبر في الجريدة كالآتي:
- وما زالت الحكومة تحاول البحث عن مصدر تلك السلاسل الإجراميّة، والتي تُجزم بأنها مُرتبطة ببعضها البعض. قتل العائلات التي تُربي حيوانات كقطط وكلاب، ودائمًا في الساعة العاشرة مساءً يبدأ السفاح باصطياد ضحاياه وقتلهم دون ترك آثار دماء، وبالفعل قام عدد كبير من المواطنين بتسريح حيواناتهم بلا عودةٍ لهم.
لقد أستوقفني ذلكَ الخبر.. سفاح عاشقًا لقتل من يُّربون الحيوانات؟ أي مرض نفسي هذا؟ ولِما في العاشرة تحديدًا؟ ولكن ولأنني لم أجد اسم لأحد أعرفه من قبل. لم أُفكر كثيرًا
بشعرها البُّني وملابسها الزيتيّة التي اعتادت على ارتدائها في المنزل دومًا، صرخت سلمى عليَّ قائلة:
- ليث، الفطور جاهزًا هيَّ تعال.
آه الفطور.. هذهِ أحدى ميزات أن تملك عائلة وأسرة، يُنادي عليكَ أحدهم لتجتمعوا على مائدةٍ واحدة وتبدأ حفلة مُبهجة من الطعام.. كم هو شعور جميل حقًا، كماء الورد يسقي القلب، وإن رحلت الرائحة يبقى الماء على حاله طاهرًا طهورًا لا يشوبه شائبة
- حسنًا، قد أتيت، يا ترى ما هو الفطور اليوم..
- كل ما عليكَ فعله هو ذكر الله والبدء بالطعام، لا تسأل.
- ستبقين على حالك إذًا، لا لوم عليّ إن جئتُ لكِ بالثانية يا سلمى.
كان نقاشًا مرحًا لا مشاجرات ولا تفوه بترهات لا داعي لها..
- ستفعل ذلكَ يا نذل لا أستبعد، ولكن بحق الله ألا تملك ذرة من اللُّطف في قلبك؟
- لا.
- يُقال إذا عشق الرجل امرأه ثُمَّ ماتت، ماتت جميع الناس في عينهِ. وأنتَ تريد أن تتزوج وأنا على قيد الحياة؟
- هذهِ رواية من روايات مُسيلمة الكذاب.
هنا ثارت سلمى وغضبت، ولا يحدث خيرًا عندما تثور حقًا.. نهضت ضاحكًا ومهرولًا لأنهض بها، ولكن رفضت الوقوف وأكملت سيرها في غضبٍ وهيَّ تسب بكلماتٍ غير مفهومة لي.
وقفتُ أمام ولدي (خالد) البالغ من العمر عشرة أعوام وهو ينظر لي ويضحك. فقلت لهُ وقتها سائلًا: أتفهم ما حدث؟
- لا.
- ولِمَا تضحك إذًا؟
- لكي آخذ المال منك قبل أن تذهب إلى العمل.
خالد طفلًا صغيرًا، خفيف الحضور، مرحًا. ضحكتُ على السبب الذي يجعلهُ يضحك بهذا الشكل حقًا.. لمْ أُماطل معهُ كثيرًا وأعطيتهُ مِن المالِ ما يكفي.
وأثناء حملي لحقيبتي واستعدادي للذهاب إلى المُستشفى، رنَّ جرس الباب ، وكنتُ قريبًا منهُ على كل حال.. نظرت إلى الشخص الواقف أمامي.. وإذا بي أجد رجلًا معتدل الطول يرتدي بذْلة سوداء قاتمة، يحمل في يده حقيبة يد صغيرة الحجم، من طراز مرموق جدًا.
- السلامُ عليكَ دكتور ليث.. أنا العقيد عمار إمام، هل تسمح لي بالدخول..
وقفت أمام ذلك الرجل، ولا أخفيكم سرًا.. شعرت بقلق شديد.. ولكن لم أتوتر، على كل حال أنا طبيب ومن الطبيعي أن أرى زيارات مثل ذلكَ..
- وعليكم السلام، بالطبع تفضل..
- أعتذر جدًا.. ولكن هل جئت في وقت ذهابك إلى العمل؟
- لا تعتذر رجاءً، ولا عليك الوقت لكَ..
بالطبع لم يكن كل هذا الحديث على الباب.. فلستُ قليل الذوق إلى هذا الحد. ولكن بعد أن دخل ذلك الرجل إلى البيت وجلس ورأى خالد.. قال ما رأيك أن نتحدث في مكان آخر، ما رأيك في منزلي؟ لا أُحب أن أتحدث فيما أُريد هُنا صراحة.. وأعتذر ولكن عليكَ أن تترك العمل اليوم فقط.
- هل هو أمرًا طويلًا إلى هذا الحد؟
- نعم.. طويل يا دكتور.. فهو مُرتبط بما حدث منذُ عشر سنوات.
❈-❈-❈
سُرعان ما رحلنا من البيت مُتوجهين إلى منزل الضابط عمار.. منزلًّ لا يبعد كثيرًا عني.. منزلًا في عمارة كانت حالِها حال عِمارات مصر.. دخلنا شقته في الدور الرابع أتذكر. كان المنزل مِن الداخل بهِ الكثير والكثير من التُحف ولوحات فنانين، وما لفت نظري وقتها هيَّ لوحة وبها طفل يبكي.. وهيَّ مِن اللوحاتِ المُميزة للفنان الإيطالي "جيوفاني براغولين" واللوحة الثانيّة هيَّ لوحةٌ لشاب يتنزّه بين الخّمائِلُ وهو أيضًا يبكي! ما لفت نظري أنَّ هذهِ اللوحاتِ لا أعتقد أنَّ هناك ضابط مصري لهُ ميول تجاه الفن!
جلسنا في غرفةٍ بها مكتب منزلي، وهو أمرٌ طبيعي بحكم عمله.. أسلوبٍ لبق، متحدث بارع، وجهٌ لا بأس بهِ أو كما يُقال في مصر عندما نرى شخصٌ في مظهرٍ حسن.. أنَّه مِن الأكابرُّ.. وفي عينٍ ترمقني مُنتظرة منيّ بدء المُسامرة، وبالطبع بعد تقديم واجبُ الضيافة قد أتى لي بعصير برتُقال وله بالمثلِ..
- ما هو الشيء الذي حدث منذ عشرِ سنواتٍ وتقصدني بهِ؟
- أيعقل لا تعرفُ؟ قضيّة اختفاء أبن الناخب الألماني ماكدانيل.. وهنا أقصد الفتى الذي أختفى من المُستشفى بعدما عالجتهُ، أقصد "غونتر ماكدانيل".
كنتُ في أوج طاقتي، أضخُّ طاقة وحيويةٍ، وجهي يحتفظ بنضرتهِ، لا شارب ولا لِحيّةٌ أمتلك.
- عذرًا ولكن لا أفهم!
- ليث أنتَ لمْ تفعل شيء لتخاف الحديث.. فأرجوك ساعدني وأخبرني ما تعرفه عن ذلك الفتى.
- ألمانيا والناخب الألماني وغونتر ماكدانيل، نعم وأخته لورا ماكدانيل.
تذكرت ما يريد الضابط أن أُخبره بهِ..
- نعم تذكرت وقتها بالفعل عرض عليّ دكتور كارلس أن أُعالج الحالة، ولمْ أرفض له طلبهُ، حينئذ عالجتُ غونتر وأخرجتُ الشظيّة، ولكنهُ أختفى، مُتبعًا لإختفائه موت كارلس والمدير والمساعد وحرق مخزن الأوراق..
- وماذا بعد؟
- هذا فقط ما حدث وقتها، ولكن ما علاقة شيء حدث مُنذ عشرةِ سنوات بي؟ وكيف أُساعد وكيف سأُضر؟
- ليث، هل لديك فكرة عن ما يُسمى بسفاح الحيوانات؟
- آه من يقتل عوائل تمتلك قط أو كلبُ أو غير ذلك، سمعتُ عنهُ في صبوحِ اليوم.
- وهل تعلم أنَّ هذهِ الحوادث والاغتيالات مُرتبطة بما حدث مُنذ عشر سنوات معك؟
- وما العلاقة التي تربط بينَ بعثتي إلى ألمانيا وبينَ مُجرم ضحاياه هم مُربين الحيوانات؟
- لا، هناك علاقة وقوية جدًا.
فتح العقيد عمار وقتها حقيبتهُ، ثُمَّ أخرج عِدة أوراق، وأختار مِنها مجموعة مُعينة، ثُمَّ أرتفع بنظره إليَّ قائلًا:
- هذهِ مجموعة رسائل، أُود منكَ الاطلاع عليها جيدًا، هنا والآن.
أمسكتُ مِلفَّ يحوي ورق مقوَّى ويصطبغُ باللون الأحمر الزهي. وشرعتُ بقراءة أول الرسائلُّ
الرسالة الأولى كانت: دكتور ليث ماهيَّ ماهي الحياة في نظرك؟
وخلف تلكَ الرسائل هُناك صورة بها رجل عجوز وامرأة يأسه، وشاب أعتقد أنَّه في الثلاثين.. جميعهم قتلى، لا آثار لجروحٍ ولا آثار لدماء، وقتها شعرتُ أنَّ هؤلاء كانوا يعانوا من ضيق تنفس أدى إلى رحيلهم، هذا الاعتقاد أتى ليّ من تلك الإنتفاخات التي علت وجوههم.
أخبركم بما رأيتهُ ولمْ أخبركم بعد بِمَا شعرتُ.. بالطبع لا أقصد تلك الجرائم ولا أيضًا خوف من مسرح جريمة.. أنا طبيب جراح، فإن تلكَ الأشياء أراها كثيرًا، صدمة واندهاش من رؤية اسمي في مسرح جريمة وفي رسالة خاصة!
- صدقني يا حضرة الضابط، لا علاقة لي بهذا!
- أكمل فقط، دكتور ليث.
الرسالة الثانية: ليث، أتجرؤ على أخباره بأمر لورا؟ سأسامحك هذهِ المرة، لأننا سنسخر من هذا الأبله معًا. لن يكون هناك مرة ثانية أيها الأحمق.
ونفس أحداث الحادثة الأولى رأيت، لأشخاص مُختلفين بطرق قتل غير مُختلفة.
الرسالة الثالثة: لا أعرف متى سيحدث الأمر تمامًا، لكنني سأقتل جميع هؤلاء الناس، جميعهم سيموتون قريبًا، لا.. بل أنا من سيقضي عليهم، أنا من سيقتلهم، هذا أمر مؤكد يا ليث.
الرسالة الرابعة: يبدو أنني لن أجد طريقة لخلاصي، دكتور ليث.. أقتلني قبل أن أقتل المزيد.
الرسالة الخامسة: سواء كنت حيوان أمْ بشرًا.. لن تعرف أي نوع أنت إلا لحظة موتك، لن تُدرك حقيقتك إلا عِند موتكَ.. هذا هو جوهر الموت، وأنا لن أهدئ إلا عندما أُدرك حقيقتي. أنت ستفعل ذلك يا ليث، أتدري لِمَا؟ لأنَّنِي الشر، ولأنك الأشر.
الرسالة السادسة: دكتور ليث، أنا متأكد أنَّ بالنسبة لكَ كل الحيواتِ متساوية، وأعتقد أنكَ أعدت لي حياتي لأنك تؤمن بهذا، ولكن لعلكَ ستعرف من اليوم، أنَّ الشيء الوحيد الذي يتساوى فيه البشر، هو الموت.
❈-❈-❈
شعرت بخمول، ثقلت أكتافي فجأة، ظن "عمار" أنَّ هذا بسبب صدمةٍ مما أقرأ، ولكن لا، الرسائل، أقسم، والحق أقُل إنَّها لمريض نفسي في مرحلةٍ خطرة، ولكن لِمَا أنا؟ هل الطبيب يُعاقب إن عالج أحدهم؟ ولِمَا أنا المقصود عِند هذا الفتى الذي لا أتذكر له اسم ولا شكل..
اعتذرت مِن "عمّار" وأخبرتهُ أنني أحتاج أن أذهبُ إلى البيتِ وأرتاح قليلًا، ومِن الجيدِ أنَّهُ ظنَّ أنَّنِي خِفتُ مِن الرسائلِ وتَعبتُ مِمَا رأيتهُ من عرضٍ مسرحي لهؤلاء القتلى، ورحلت وأنا في حالٍ مُربك وفي توعكٍ وخمولٍ لمْ يسبق لي وأن شعرت بهِ.
ذهبت إلى المنزلِ وفي سيارةِ أُجرة نقلتني مِن بدايةِ الشارع الذي بهِ بيت العقيد "عمّار" إلى بابِ البيت، بعدما أعطيت السائق قدرًا مِنَ النقودِ لا أتذَّكره، بخطوات مُترنحه صعدتُ إلى بابِ البيت وبدأت الآن أشعر.. أشعر بأن النُّعاسِ بدأ يغلبُّني..
فَتَحتُ البَابَ على مِصْرَاعَيْهِ ، ودخلتُ دون أن أُحدث أحد.. ولكن سمعتُ صوتًا، صوت تسلل إلى أُذني كمَاءٍ مُنهمِرٍ..
- دكتور ليث، عُدت باكرًا.
إنَّه هو، لا أعرف ما الذي جعلني أعرفهُ ولكن بداخلي ما يُخبرني أنَّهُ "غونتر"..
لم أتردد لِلحظة واحدة ذهبتُ إلى المطبخِ وأحضرت سكين، كانت سكين جيدة، للقتل. مُهرولًا تجاه "غونتر" وأنا أصرخ بأعلى صوتي في غضبٍ، لحظات وكانت السكين تستقر بداخله، نعم قتلته، وحققتُ ما يتمناه وجعلته يُدرك جوهر الموت كما أراد، ولكن سمعتِ بُنَّي "خالد" يقول:
- أبي، لِمَا وضعت هذهِ السكين بين صَّدر أُمي؟
الأسْرة هيَّ كُلّ شيء يملكهُ المَرْء، الأسْرة هي الروح وهيَّ الحياة.. هيَّ الدماء السارية في العروقِ، والرَّجُل؟ الرجُل لا يُصبح رجلًا إن لمْ يُعطِ كُلّ ما لديهِ لأسْرته.. يكون كالحاضر الغائب، وكأنهُ سلويت لا أحد يراه.. لا أحد يشعر بهِ. أنا الحاضر الغائب أنا السلويت أنا من لا أشعر بأحد.
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتب محمد رمضان، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية