-->

رواية جديدة الحصان والبيدق الجزء الثاني من رواية بك أحيا لناهد خالد - الفصل 4 - 2 - الثلاثاء 27/2/2023

  قراءة رواية الحصان والبيدق

الجزء الثاني من رواية بك أحيا كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية الحصان والبيدق

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ناهد خالد


الفصل الرابع

2

تم النشر يوم الثلاثاء

27/2/2024 

التفت لها يحدقها باشمئزاز مرددًا بضيق:

_ طقطوقة! 

احاطت وجهه بكفها وهي تقرب رأسها له هامسة بابتسامة:

_ ممكن اعرف ليه الزعل ده كله؟ 

قرر انهاء الصمت ومواجهتها فعقب بغضب وعقله يستعيد تلك الدقائق السخيفة:

_ يعني مش عارفة! محتاجة تسألي؟ معتقدش ان شغلك معاه بيحتاجك تقربي كده. 

رفعت حاجبيها بدهشة وهي تجيبه:

_ طارق متكبرش الحكاية، كل ده عشان مال عليَّ يهمسلي بحاجة؟ 

انتفض واقفًا فسبقته واقفة بطبيعة الحال، وأردف بضيق بالغ:

_ ده بجد؟! ده انا مكنتش شايفك منه، عاوز يهمسلك بحاجة يميل عليكِ الميلة دي؟ ده كان كأنه حاضنك! 

عذرت غضبه وهي تتخيل كيف رأى الوضع من بعيد، لذا أخبرته بهدوء:

_ ده الي يبان من بعيد، لكن اقسملك يا طارق انه كان في space "فراغ" بيني وبينه، هو اه مش كبير بس مش زي مانت متخيل والله، اكيد مش هسمحله يقرب بالشكل ده، يمكن عشان هو بس اطول واعرض مني فلما وقف قدامي ومال شوية طلع الوضع بالشكل ده، ارجوك متكبرش الموضوع بقى. 

زفرة قوية صدرت منه قبل أن يبتعد وهو يهدر بها:

_ أنا تعبت.. تعـبت ومبقتش متحمل الوضع ده. 

اقتربت منه ووضعت كفها فوق كتفه تهدئة وهي تهتف برفق:

_ هانت يا طارق، هانت.. باقي شهرين بس وبعدها كل حاجة هتنتهي.

التف لها وهو يهتف بسخرية:

_ ولو غلطنا غلط واحد، احنا الي هننتهي. 

قطبت ما بين حاجبيها بضيق وهي تسأله:

_ في ايه يا طارق؟ أنتَ عمرك ما كنت متشائم كده، ده أنتَ الي كل مرة كنت بيأس او بمل فيها كنت بتهون عليَّ وتطمني! 

غامت عيناه بسحابة تعب حقيقي وهو يردف:

_ تعبت، مش من حقي اتعب؟ أنتِ عارفه بقالي كام سنة في الدوامة دي؟ وعارفة بقالنا قد ايه مخبيين علاقتنا بسبب الحوار ده. 

مدت ذراعيها تمسك كفيهِ بتشجيع وهي تجيبه:

_ عارفه، بس بعد الصبر نصر.. ايه مش كنت دايمًا تقولي الجملة دي! 

اومئ برأسه بارهاق حتى من الحديث، ليجدها تقترب اكثر وهي تغمز له بعيناها اليسرى تحاول اخراجه من حالة اليأس التي تلبسته وهي تقول بدلال:

_ بعدين قولتلك وحشتني، هو أنا موحشتكش بجد ولا ايه يا طقطوقة؟! 

حرك رأسه يائسًا منها وهو يخبرها بصدق:

_ وحشتيني يا عيون طقطوقة..! 

❈-❈-❈

وصل بها لمستشفى خاصة يعرفها، ترجل سريعًا والتف لجهتها حاملاً اياها بلطف وكأنها قطعة زجاج يخشى كسرها، ودلف بها للمستشفى، ليطلب من الممرض الذي قابله أن يسرع بجلب طبيب، ودلف بها لغرفة الطوارئ الذي يعلم مكانها، وضعها فوق الفراش ووقف جوارها محتفظًا بكفها في يده، يمسكه بقوة وكأنها ستهرب، هذا ما يبدو، لكن الحقيقة أنه يستمد الثبات منها، فقلبه ينتفض خوفًا عليها.. 

أتى الطبيب وهو لم يتحرك من موضعه، ليهتف الأول بهدوء:

_ لو سمحت تتفضل بعيد شوية عشان اكشف. 

نظر له بجمود وهو يردف بنبرة وقحة:

_ هو انا مضيق المكان؟ ماتكشف! 

من نظرته ورده ادرك ان الواقف امامه ربما وش إجرام! وهو رأى الكثير من الشخصيات المماثلة والتي يفضل تجنبها، لذا اكتفي برميه بنظرة ضائقة قبل أن يبدأ في الكشف، والأخير يقف كمن يقف على الجمر، رافضًا التلامس الطفيف الذي يحدث بين الطبيب وبينها، لكنه يكبح لجامه فقط كي يطمئن عليها، ثواني وانتهى الطبيب من الكشف، ليطلب من الممرضة أن تأتي بمحلول ملحي وحقنة ما. 

_ خير؟ 

أردف بها "مراد" باقتضاب واضح، لينظر له الطبيب بضيق من طريقته الفظة، لكنه اجاب بعملية:

_ غيبوبة سكر. 

رمش باهدابه غير مستوعبًا ما سمعه، ليسأله بملامح متأرجحه بين الخوف وعدم الاستيعاب:

_ ايه؟ 

وهنا صدح صوت "مصطفى" يسأل هو الآخر بخوف:

_ سكر ايه؟ هي معندهاش سكر! 

تعجب الطبيب من جهلهم بالأمر، ليهتف:

_ انتوا متعرفوش! لا عندها مرض السكري، وواضح انه بقاله فترة معاها. 

صدمة، لن ينكر انه صُدم بهذه المعلومة، فعامان كاملان قريبًا منها ولم يعلم باصابتها بمرض كهذا! خفتت انفاسه وهو يشعر بقرب فقد سيطرته على ذاته، لكن بضغطه واحده على كفها امدته بالسيطرة دون أن تعلم، فهدأ ذاته وسأل الطبيب بجمود واضح:

_ انا عاوز افهم اكتر. 

لم يفهم جملته فسأله هو الآخر:

_ تفهم عن ايه؟ 

اجابه باقتضاب:

_ عن المرض.. ليه جالها والمفروض اتعامل معاه ازاي؟ 

ضيق الطبيب عيناه باستغراب يسأله:

_ تتعامل؟ هو حضرتك الي هتتعامل مع المرض! المفروض المريض هو الي يفهم ويعرف خطورة المرض وازاي يتعامل معاه. 

اغمض عيناه بنفاذ صبر، ولازمها زفرة قوية منه، ثم فتحهما وهو يقول:

_ هي مش مهتمة بصحتها، فقررت اهتم انا، فيه مشكله؟ 

تنحنح الطبيب بحرج وهو يسأله:

_ حضرتك تقربلها ايه؟ 

اجابه بحنق:

_ جوزها، وياريت التحقيق يكون خلص، عشان صبري نفذ. 

جاءت الممرضة بما طلبه الطبيب فأسرع يعطيها حقنة الأنسولين ويدعم جسدها الذي يبدو انه لم يتغذى منذ وقت بالمحلول، وهو يجيبه:

_ حضرتك سبب المرض بيكون متعدد، ياسبب وراثي، او بسبب حمل وده بيكون مؤقت، او بسبب اضطرابات في وظائف الجسم، وممكن بسبب الحالة النفسية السيئة المستمرة لفترة طويلة او الاكتئاب و.. 

_كلمني اكتر عن السبب الأخير.. 

_ ده بيكون مرض من النوع الثاني، بيكون بسبب الحزن الشديد لفترة طويلة او مشاكل نفسية، بتسبب لغبطة في الجسم فممكن وقتها يصاب بالسكري، وعمومًا لازم تاخد بالها من صحتها اكتر، تنظم اكلها وتبعد عن النشويات والسكريات، ومتبذلش مجهود جامد، وكمان تلاحظ مستوى السكر باستمرار، لما تحس بأي بوادر لان مستوى السكر واطي او عالي لازم تاخد حقنة الانسولين قبل ما يحصلها إغماء، ويفضل تبعد عن الزعل والعصبية اهم حاجة، لانها بتلعب في مستوى السكر بسرعة فيسبب اغماء وميلحقش المريض ياخد الانسولين. 

طفق الحزن على ملامحه وهو يسأله بنبرة مهزومة خفية:

_ تعرف ازاي ان في مشكلة في مستوى السكر؟ 

_ هتحس باعراض زي الدوخة او الهبوط الشديد، او العرق الغزير، او الصداع الشديد الي بيصاحبه شعورها بالتقيئ، وممكن كمان تشتري جهاز قياس السكر، وده هيفيدها كتير اوي. 

_ ايه الجهاز ده؟ 

_ ده جهاز في منه انواع كتير بيبقى له سلكين وبلزق بيتلزق في البطن والجهاز نفسه، جهاز لوحي عادي قد كف الايد بيتحط في جيب المريض وبيقيس مستوى السكر باستمرار وفي حالة الارتفاع او الهبوط بيدي انزار. 

_ ايه افضل نوع له؟ 

_ هقولك على نوع كويس جدًا  لسه منزلش مصر تقدر تطلبه من المانيا، واسهل في الاستخدام، هو مجرد لاصق بيتحط على الدراع او في اي مكان والجهاز منفصل مش متصل بيه، بس غالي شوية، يعني ممكن يوصل ل.... 

قاطعه وهو يخبره بحزم:

_ ميهمنيش السعر، اطلبلي الجهاز ده فورًا، واطلب ييجي في اسرع وقت حتى لو هيكلف مصاريف مضاعفه. 

اومئ برأسه موافقًا وانسحب من امامه تاركًا اياه معها و"مصطفى" يقف بالقرب من الباب، عيناه ممتلئتان بالدموع، وهو ينظر لشقيقته بخوف حقيقي يشعر بهِ لأول مرة، يخشى أن تتركه يومًا كما فعل الجميع، فلم يعد لديه غيرها، ربما يتشاجران كثيرًا، لكنه يقسم انه يحبها أكثر مما تتخيل، وكيف لا وهي والدته التي اعتنت بهِ، ووالده الذي سعى ليحقق له مطالبه ويمنحه حياة مستقرة، وشقيقته التي تخشى عليهِ وتحاول دومًا أن تدفعه ليكن في حال أفضل، وصديقته التي تتفهمه حين يحكي لها عن مشاكله وازماته، هي كل شيء له، فكيف لا يفعل! 

_ متخافش يا مصطفى، هتكون كويسة. 

نظر له وقد سقطت دموعه تعبر عن عجزه، ليهتف بخوف:

_ هي مقالتش قبل كده، انا خايف تسيبني. 

اخبره بقوة ناهرًا اياه عن التفكير بهذا الشكل:

_ متقولش كده، مش هسمح يحصلها حاجه وحشة، كن متأكد انها هتكون بخير. 

حرك "مصطفى" رأسه بلا معنى وعيناه مسلطة عليها، كما فعل "مراد" الآن، حين نظر لها وقد نجح في كبح دموعه وحبسها في مقلتيهِ، وردد بسخرية لذاته "مصرة تعذبيني يا خديجة، حتى من غير ما تقصدي"!
❈-❈-❈

صباح اليوم التالي... 

نزلت درجات السلم الداخلي للفيلا بسرعة رهيبة كادت تسبب سقوطها عدة مرات، لكنها لم تهتم، فكل ما يهمها أن تلحق ذلك المجنون الذي يجالس صغيرها في حديقة الفيلا، كما طلب! فقد طلب منها في صباح اليوم ان يجالس صغيره بحرية دون وجودها، والآن ومن شرفة غرفتها رأته من بعيد يكاد يرتكب كارثة، اسرعت في ركضها لتصل للصغير تلتقطه من فوق قدمه بعنف وتعانقه بقوة لهوفة، جعلته يغضب وهو ينظر لها بسأم، ولم يمنع نفسه من التعقيب على فعلتها وهو يقول بسخرية:

_ ايه ناقص ايد ولا رجل!؟ 

نظرت له بشرار منبعث من عينيها وهتفت بغضب:

_ أنتَ كمان بتتريق! أنتَ كنت هتعمل مصيبة دلوقتي، عُمر عنده حساسيه من الشيكولاته الي حضرتك رايح تاكلهاله من غير ما تسألني. 

اختفت سخريته وقطب حاجبيهِ بقلق متسائلاً:

_ حساسية؟ 

_ ايوه حساسية، جسمه كل بيورم لو كل شيكولاته، فهمت ليه جيت جري وصرختلك من فوق. 

زفر انفاسه بضيق معقبًا:

_ ياريت تبقي تبلغيني بكل التفاصيل الي تخصه عشان منتحطش في موقف زي ده تاني. 

رفع صوته مناديًا على المربية الخاصة التي جلبها خصيصًا للاعتناء بهِ في صباح اليوم رغم رفض "رنا"
_ماري.

أتت الشمطاء المسماة بماري، لتنظر لها "رنا" بضيق وحنق، لِمَ عليها أن تكن جميلة ومقسمة بهذا الشكل، أي مربية هذه! أنها تشبه ممثلات هوليود بدون منازع. 

أخذت الطفل من بين ذراعيها تحت ملامحها الرافضة، وما إن ذهبت حتى قالت مبدية رفضها:

_ انا مش محتاجه مربية لابني، ده من كتر مشاغلي يعني! مانا فاضية ومش ورايا حاجة. 

ابتسم ابتسامة غير مفهومة وهو يسألها:

_ مين قالك إنك فاضية!؟ 

قطبت ما بين حاجبيها باستغراب:

_ يعني ايه؟ 

ابتسم لها وهو يقترب حتى اصبح على بُعد عدة خطوات قد يجتازها في خطوة واحده من قدميهِ الواسعتان، فزاغت عيناها رغمًا عنها وهي تشعر بهيمنته عليها، لطالما أسرتها طلته وهيمنته هذه قديمًا، والآن وبعد غياب وعودة زادت فيهم طلته وأصبحت تأسر أكثر، بدى الأمر مربكًا، فقد أصبح أكثر ضخامة وهيبة، وهي تضعف أمام هذه الهيبة... لكن ليس الآن.. ليس الآن.. 

رددتها اكثر من مرة وهي تشيح بنظرها عنه، ولكنه لم يغفل ابدًا عن نظراتها له، ولأنه اراد ان تأخذ حريتها في التعامل معه لم يعقب، بل قال بهدوء:

_ انا عملتلك اتيلية لفساتين الافراح والسهرة.. مش أنتِ كان دايمًا نفسك تعمليه؟ 

جحظت عيناها وهي ترفع رأسها له على الفور، وتجمدت ملامحها من الصدمة، بينما لسانها يسأل:

_ بس.. بس انتَ رفضت وقتها. 

اومئ برأسه وهو يخبرها بصدق:

_ خوفت حاجه تشغلك عني، ومكنتش عاوز الناس تشوفك.. مكنتش عاوزك تكوني فاضية لحد غيري، بس حاليًا، أنتِ اوردي انشغلتِ بسي عُمر، وانا كمان انشغلت اكتر ومبقتش موجود اغلب بالنهار وبرجع بليل متأخر، فأيه المانع تشغلي نفسك وتحققي حلم حياتك.. افتكر إنك قولتيلي على الاتيليه ده من اول ما اتجوزنا وقولتي كمان انه حلمك من زمان. 

نظرت له في حيرة، بين السعادة والجمود، فها هو حلم حياتها يتحقق ولكن.. والأزمة في ولكن! فهل تقبل أن يتحقق حلمها بماله الذي تعلم مصدره جيدًا، او هل تقبل أن يتحقق حلمها وهي تعلم يقينًا أنه يفعل هذا فقط ليجلبها لصفه مره أخرى ويكسب جانبها، نظرت له بنظرات حائرة ولكنها حسمت قرارها أخيرًا وهي تقول بينما عيناها لا تفارق عيناه... 


يتبع

إلى حين نشر رواية جديدة للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية