رواية جديدة جوازة ابريل 2 لنورهان محسن - الفصل 10 - 2 - السبت 2/3/2024
قراءة رواية جوازة ابريل الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية جوازة ابريل
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة نورهان محسن
الفصل العاشر
2
تم النشر يوم السبت
2/3/2024
_ممكن تكون هي اللي عملت كدا؟!
إستطردت تهمس بصوت مذهول دون أن تنظر إليه ، فلم تكن تستوعب بعد أن المرأة التي زارتها ، لتحذيرها من خطر هذا الزواج ، هي ذاتها وراء هذه الفضيحة المشينة التي قد تؤدي إلى ضياع مستقبلها.
بلّل شفتيه بطرف لسانه بتوتر ، مستمعاً إليها بقلب مضطرب ، وبتلقائية بحتة وجد نفسه يقترب منها ، وكفه لا يزال أسير قبضتها ، وكأنه لا يريد أن يبذل جهدا ليسحبه بعيدا ، أو ربما يريد أن يطيل الاستمتاع بلمستها اللطيفة.
استقر براحة يده الأخرى على ذراعها ، يربت عليه برفق قبل أن يرفع ذقنها به حتى تتمكن من النظر إليه مباشرة ، خاطبها بقساوة صوته الرجولية المتأنية : مش دا اللي المفروض يشغلنا دلوقتي..
انخفضت نبرة صوته أكثر ، وتحولت إلى طبقة عميقة أشد جدية كان لها تأثير مغناطيسى خاص على مسامعها ، إذ تختلف بشكل واضح عن طريقته الساخرة في التحدث : الاهم أننا مغلطناش في حاجة عشان نداريها ولا الهروب من المشكلة للي واقعين فيها هيخليها تتحل لوحدها زي ماكنتي بتخططي..
_ومعلش لو حظك كان ضدك ووقعتي معايا انا بس مابقاش فيها رجعة وصعب نغير كلامنا .. اذا مكنش في حاجة رسمي وبسرعة ولو بشكل مؤقت بينا قدام الناس .. هيتأكد الخبر عندك استعداد ان سمعتك ومستقبلك هيدمروا
نسيت للحظات من هو ، بل تاهت بإنجذاب في أعماق تلك الفضة الذائبة داخل مقلتيه ، واستمعت إليه بنصف عقل ، لكن حالما وصل إلى منتصف حديثه أضاءت إنذارات اللاوعي الحمراء في رأسها ، وتحديدا عند ذكره أن الانخراط في هذه اللعبة معه أمراَ حتمياً عليها بلا رجعة ، وهي ترفض بشدة أن تُجبر على شيء لا تريده.
❈-❈-❈
في منزل فهمي الهادي
اندفعت سلمى خلفه على الدرج بخطوات سريعة ، لتراه يتجه إلى إحدى الطاولات في الردهة ، فسألت بصوت منزعج وهي تقترب منه : لسه بدري مش لما نفطر الاول ليه السربعة دي يعني؟!
أثناء كلامها جلس فهمى على الأريكة ، يعبث بشكل عشوائي بين صفحات الصحف ، قبل أن ينقل لها خبر بمثابة قنبلة موقوتة ، وكان كلاهما يعلم أنها سوف تنفجر حتماً : مصطفي لسه مكلمني بيقول رجع من السفر
فغرت فاهها بمفاجأة ، عندما رأته يواجهها بنظرات تحمل القلق فى أغوارها ، لوهلة هربت الحروف من طرف لسانها ، ثم سرعان ما تغلبت على الصدمة وهي تصرخ بتساؤل مرعوب : قالك ايه عرف حاجة .. اوعي تكون قولتلو حاجة يا فهمي!!
_الدنيا كلها عرفت الخبر مالي الجرايد والنت يا هانم
قال لها بصوت حانق ، وهو يمد لها الجريدة ، فأخذتها منه بتردد ، وما إن قرأت المقال حتى جحظت عيناها حتى كادت تخرج من تجاويفها ، وتجمد الدم في عروقها ، مما جعلها تشعر وكأنها انسلخت عن الواقع ، وكل ما طرأ فى مخيلتها أن هذه الكارثة ستدمر بالتأكيد كل المشاريع المستقبلية التي بدأت بالفعل في تنفيذها ، لم تستفيق إلا علي صوت زوجها الذى زمجر بنفاذ صبر : انتي لسه واقفة .. يلا اطلعي البسي .. خلينا نروح لإبريل قبل ما مصطفي يوصل عندها
أومأت سلمى له بملامح شاحبة قبل أن تصعد بهرع إلى الطابق العلوي ، تاركة فهمي يزرع الأرض تحت قدميه ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ.
❈-❈-❈
عند هالة
_اذا في حد كان عنده استهتار واستخفاف بالتاني فهو انت يا دكتور
ارتبك لوهلة من هجومها المضاد ، ثم رفع حاجبيه باستعلاء ، ونطق بنبرة رجولية متعجبة : انا!!
_وهو انا عملت ايه يخليكي تقولي كدا عني؟!
طرح هذا السؤال بلهجته واثقة حد الإستخفاف ، ليبلغ غضبها أقصى درجاته ، وردت بضحكة هازئة : ليك حق .. ما انت لو واخد بالك من تصرفاتك عاملة ازاي ماكنتش سألتني عملت ايه!!
استفسر ياسر بتوتر من أسلوبها الغامض في الحديث ، مما جعل ابتسامتها الساخرة تتسع على شفتيها : انهي تصرفات للي بتكلمي عليها وضحي كلامك وفهميني؟!
بذلت هالة جهدًا مضاعفًا للحفاظ على اثباتها الإنفعالى ، هى تسأله دون قناعة : والله مش فاهم..!!
أومأ ياسر لها بالإيجاب بتأنٍ ، إذ تجلت علامات الحيرة على وجهه ، منتظرا أن تكمل حديثها ، لتقوس شفتيها بتعبير مليء بالأسى الساخر ، قبل أن تأخذ نفسا عميقا ، لتشرح له بحدة خافتة لأول مرة يسمعها منها ، لكنها لم تقلل من جاذبية صوتها : تمام .. اللي اتحط في موقف سخيف يا دكتور قدام اهله وقدام الناس كان انا..
رفعت هالة يدها لإبعاد خصلات شعرها البني الكثيف المتطايرة عن عينيها بسبب الريح ، وأشارت باليد الأخرى نحو نفسها ، مكررة بصوت منخفض الطبقات مفعم بالقهر على ذاتها ، ضاغطة على كل كلمة خرجت من شفتيها : انا اللي حفلة خطوبتها اتقسمت نصين .. خطيبي شوية بيرقص معايا وشوية مع البيست فريند بتاعته .. ولما شوفتها بترقص مع واحد تاني انت ماتحملتش روحت تضربه
تجمعت العبرات في مقلتيها كطبقة بلورية متلألئة بشكل رائع ، رغم نظراتها الحزينة دليل على حالتها النفسية السيئة ، لتنقر بإصبعها السبابة على موضع قلبه ، وهي تسأل بإنفعال مرتجف : ليه وقتها مافكرتش في الناس .. ليه مهمكش خطيبتك!!
ازدرد لعابه بصعوبة ، يشيح ببصره عن عينيها الدامعتين ، محاولاً تجاهل نبرتها الحزينة ، لكن كيف سيفعل ، إذ أن الوجع لا يحتاج إلى حديث طويل ، أحياناً تكون نبرة الصوت نصف الكلام ، ليستجمع الرد المناسب فى ذهنه ، لكن تفكيره لم يسعفه على النطق بكلمة ، فهو يعلم مدى صدق حديثها ، لكن من ناحية أخرى هناك صوت يهتف داخل عقله ، يحثه على الإنكار والصمت.
أما هي فكل ما أرادته هو أن يطمئنها ، يربت على كفها المرتعش بحنان ، نظر إليها بحب ، يقضي على كل الشكوك التي تنخر فى خلاياها مثل ما يفعل السوس فى الخشب ، لا أن يتهرب من التحديق بها كما يفعل الآن.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها كالعلقم ، ورغم الخوف الذى يرتعد فى أعماقها من معرفة حقيقة مشاعره ، إلا أنها أرادت إجابة حاسمة ، ولو كانت قاسية ، لكن صمته الطويل صب الوقود على هواجسها ، فاشتعل غضبها بقوة ، ولم تتمكن من السيطرة على انفعالاتها أو إظهار عكس ما تشعر به كعادتها، بل تابعت بصراخ أجفله : رد عليا!!
❈-❈-❈
عند باسم
تفاجأ باسم بها ، تحدجه بفيروزتين تقدحان شرراً من الغضب ، الذى تناقض مع هدوء ملامحها الوديعة منذ لحظة واحدة ، لدرجة جعلته يشرد فيها لا شعورياً ، ولم يكن يعلم أن جزءاً كبيراً من هذا الحنق كان موجهاً إلى نفسها عندما لاحظت يدها تستريح علي يده ، كأنها تستمد منه بعض الأمان.
أصبحت وجنتاها محتقنتين بالدماء من فرط خجلها ، وكم كرهت هذا الشعور؟
من بين كل الناس ، وقع اختيارها الأحمق على هذا الباسم ، الذي توهجت عيناه الفضية ببريق غريب ، ومر شبح ابتسامة على شفتيه بمجرد أن لاحظ تلون خديها الشهيتان ، ونظراتها مثبتة على يديهما.
تجهمت ملامحه فور أن أبعدت كفها عنه سريعا ، وفركتها بعنف فى الغطاء ، وكأنه يحمل وباء خطيرا قد يصيبها به ، قبل أن تحدق به برأسها المرفوع بشموخ ونظرات قوية ، متحدثة بنبرة باردة : اذا قاصد تخوفني بكلامك فأنت غلطان انا مش محتجالك ولا محتاجة لأي حد و زي ماقولت انا مغلطتش في حاجة عشان اخاف واستخبي منها
أشارت ابريل نحوه بإصبعها السبابة بإزدراء ، لتتابع بحدة ناعمة : واوعي تفكر لو لثانية اني ممكن اثق فيك بعد اللي عملته معايا دا مستحيل
اختتمت ابريل كلامها بتأكيد وأنفاس متسارعة ، فرفع باسم ذقنه بغطرسة ، لتظهر اللامبالاة جلية على ملامحه ، وداخلياً يغلى من الإغتياظ ، ها هي ذا مرة أخرى ترمي سهامًا مسمومة في منتصف جبين كبريائه ، لكن هذه المرة لن يتهاون معها ، لأنها استنفدت بالفعل كل طاقته ، ليرد عليها بجمود مخيف : انتي حرة