-->

رواية جديدة المتاهة القاتلة لحليمة عدادي - الفصل 7 - الأربعاء 21/8/2024

 

قراءة رواية المتاهة القاتلة كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية المتاهة القاتلة

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة حليمة عدادي


الفصل السابع


تم النشر يوم الأربعاء

21/8/2024



أخذت نفسًا عميقًا.. كانت تشعر أن نهايتها قد كتبت هنا، حين سحب سلاحه من خصره ارتجفت أوصالها، ارتفعت دقات قلبها كانت كطبول الحرب، تلألأت الدموع في عينيها حين تذكرت أختيها و"رام"، ماذا سيحدث لهم، توقفت عن التفكير لكي تسمع حكمها.


تحدث قائلًا:


-أنا بحكم عليها بالجلد بالكرباج، ودا لأن الحارس مماتش.


خرجت منها شهقة وأجهشت بالبكاء، كأنها كانت ستغرق وأُنقذت، عاد لها الأمل من جديد حين سمعت حكمه، فالجلد بالسوط سوف تتحمله.


اقترب منها أحد الحراس كان ممسكًا بيده سوطًا، أغمضت عينيها وكان جسدها يرتجف، وضعت يدها على فمها ونزلت دموعها، لكن قبل أن ينزل السوط على جسدها أوقفه صوت "رام"، الذي خرج من الخيمة يركض والحراس يحاولون الإمساك به، حتى وصل أمام قائدهم، تحدث بصوتٍ لاهث:


-أنت بتظلمنا ظلم كبير، ودا مش لايق بسيد شجاع زيك.


كلمات "رام" زادته غرورًا تحدث بغرور:


-أنا فعلًا سيد شجاع، بس أنا مظلمتكم، أنتوا اللي اتجرأتوا ودخلتوا قبيلتي.


أخذ "رام" نفسًا عميقًا، حاول أن يكلمه بذكاء لكي يستطيعوا الخروج من هنا دون أن يتأذى أحد منهم، تحدث "رام":


-احنا جينا هنا علشان نطلب المساعدة، بص لحالتنا، هو دا شكل حد ناوي يؤذي حد أو ناوي على شر.


تحدث الرجل وهو ينظر إلى "رام" بنظراتٍ نارية:


-وأنا أعرف منين إنك بتقول الحقيقة، ما يمكن دا يكون جزء من خطتكم أنكوا تدخلوا علينا بالحالة دي.


حاول "رام" أن يسيطر على أعصابه كي لا يرتكب أي خطأ، تحدث قائلًا: 


-احنا خرجنا من المتاهة لقينا نفسنا هنا.


ظهر التوتر على وجه الرجل، ووقف بذعر وكأن أفعى لدغته، تحدث بصوتٍ قلق:


-أنت قلت المتاهة؟ أنتوا خرجتوا من المتاهة؟! 


استغرب "رام" من القلق والخوف الظاهر عليه، فأجابه قائلًا:

-أيوه، احنا توهنا جوا المتاهة ولما خرجنا لقينا نفسنا هنا.


تحدث بتساؤل:


-أنتوا شوفتوا إيه في المتاهة دي؟ احكيلي كل حاجة.


بدأ "رام" يقص عليه كل شيء منذ دخولهم إلى المتاهة القاتلة، وكل ما عاشوه فيها من رعب حتى خروجهم من النفق، أكمل حديثه وانتظر كي يرى رد فعله، لكنه رأى القلق والخوف في عينيه، فتحدث قائلًا: 


-أنا هطلق سراحكم بس بشرط، مش عايز أشوفكم هنا مرة ثانية.


استغرب "رام" من قراره لكنه لم يبالِ، المهم هو خروجهم من هذا المكان، تحدث الرجل قائلًا:


-أنا عارف إنك بتسأل نفسك أنا سيبتكم ليه.


نظر إليه "رام" ثم أجابه:


-أيوه ليه؟


تنهد الرجل ومسح بيده على مقدمة لحيته، وتحدث:


-محدش يعرف في إيه جوا المتاهة دي غيري.


ضيق "رام" عينيه باستغراب، وتحدث بتساؤل:


-ولإننا عرفنا اللي جواها دا يعني إننا مش من أعدائك.


أجابه قائلًا:


-أيوه، لأن أعدائي كلهم بيخافوا من المتاهة.


تحدث "رام" وهو مصوب نظره باتجاه "ماريا":


-طيب بما إنك عرفت كل حاجة، نقدر نمشي دلوقتِ.


تحدث القائد إلى رجاله بأمر:


-هاتوا الباقيين، وجيبولهم أكل ومية.


خرج رجاله لكي ينفذوا أمره، بينما التفت هو إلى "رام" وقال:


-متقلقش، بعد ما تاكلوا تقدروا تروحوا مطرح ما أنتوا عايزين.


تنهد بالراحة واقترب من "ماريا" فك السلاسل من يديها، جلس بجانبها، نظر إليها بابتسامةٍ حزينة وهو يرى الهالات السوداء حول عينيها، والتعب البادي عليها، لوهلة أحس بأنه سيفقدها، شعر بروحه تكاد تنسحب منه، نظرت إلى الأسفل بخجل من نظراته، رفعت نظرها بفرحة عندما سمعت صوت أختيها، ركضت إليهما واحتضنتهما بسعادة. 


ناداهن "رام" حين أحضروا لهم الطعام، جلسوا يتناولون الطعام، لقد كانوا يشعرون بالجوع الشديد، بعد مدة انتهوا من طعامهم حملوا معهم القليل منه وانطلقوا، لكن قبل خروجهم... ناداهم سيد القبيلة بصوتٍ عالٍ:


-اقفوا شوية.


التفتوا له باستغرابٍ وقلق، تحدث "رام":


-في إيه؟


حمل بعض الأحذية بيده واتجه إليهم، وقف أمامهم وتحدث:


-خدوا البسوهم، دا لسه قدامكم طريق طويل وصعب.


شكروه وارتدوا الأحذية وانطلقوا في طريقهم يبحثون عن طريق تخرجهم من هذه المتاهة، بعد عدة ساعات من السير.. وجدوا أنفسهم أمام بحيرة، جلسوا بجانبها لكي يرتاحوا قليلًا، فقد نال التعب منهم، نظر "جان" إلى "دينيز" وجدها على غير عادتها صامتة ولم تتحدث طوال مدة سيرهم، تحدث بتساؤل:


-دينيز، فيكِ إيه؟ أنتِ كويسة؟


كأنها كانت تنتظر هذا السؤال، كي تخرج كل ما بداخلها من التعب والخوف اللذين تشعر بهما من كل ما مروا به، انفجرت بالبكاء وشهقاتها عالية، اقترب منها واحتضنها ومسح على شعرها بحنان، تحدث قائلًا:


-في إيه؟ بتعيطي ليه دلوقتِ؟ احنا خلاص خلصنا منهم.


نظرت إليه بعينين تلألأت فيهما الدموع، وتحدثت قائلة:


-هنفضل كدا لحد امتى، أنا تعبت أوي.


أجابها لكي يطمئنها:


-هنخرج من هنا قريب بإذن الله، متزعليش.


اقتربت "ماريا" من البحيرة، وضعت قدميها في الماء فصرخت بفزع حين...

أنزلت "ماريا" قدميها في المياه ورجعت بجسدها إلى الخلف، أغمضت عينيها بتعب، ثوانٍ وأحست بحريقٍ في قدميها، حرارة الماء بدأت ترتفع تدريجيًا، فتحت عينيها بفزع عندما أحست بشيءٍ يسحبها من قدميها، صرخت بهلع وحاولت سحب قدميها لكن دون جدوى، اشتدت حرارة الماء وعلا صوت صراخها، كانت تطلب النجدة:


-رام، رام، حد يساعدني.


ركض "رام" نحوها بلهفة، صُعق من منظر مياه البحيرة كانت كأنها تغلي، أمسك "ماريا" من الخلف وسحبها بقوة حتى أبعدها عن البحيرة، كانت تبكي من شدة الألم، أمسك قدميها بلهفةٍ وخوف حين رأى قدميها قد احترقتا ولونهما أصبح أحمر، وكلما أمسك قدميها تصرخ من الألم، لا يعلم ما الذي يجب عليه أن يفعل، تركها وركض نحو إحدى الأشجار وجمع بعض الأعشاب ثم وضعها على حجرٍ وسحقها، حتى خرج منها بعض قطرات المياه، عاد لها مجددًا وأمسك قدميها، وقبل أن يضع عليهما مسحوق الأعشاب... قفز من مكانه كأن أفعى لدغته، تراجع إلى الخلف بصدمة ورهبة حين رأى قدميها سليمتين كأن لم يكن بهما شيء، اتسعت حدقات أعينهما وهما ينظران إلى قدميها التي أصبحت سليمة ليس بها شيء، أغمضت عينيها وفتحتهما عدة مرات، تحدثت بصدمة:


-إيه دا أنا مش مصدقة! الحروق راحت فين؟ 


بلع "رام" ريقه وتحدث وهو لايزال تحت تأثير الصدمة:


-أنا معرفش إيه اللي حصل، وازاي الحروق اختفت؟!


تأمل المكان باستغراب وقف واقترب من البحيرة، وضع يده في الماء وجده باردًا كالجليد، ظهرت علامة استفهام على وجهه وتحدث:


-الميه متلجة!


أجابته "ماريا" بدهشة:


-إيه؟ الميه فعلًا كانت باردة، بس لما حطيت رجلي جواها بقت بتغلي.


 أخذ نفسًا عميقًا وهو يمسح بيده على رأسه، تأكد أن هناك أمرًا غير عادي، يبدو أن المتاهة لم تنته والرعب ما زال مستمرًا، وقبل أن يتحرك من مكانه شعر بشيءٍ يسحبه إلى الخلف، تمسك برعب وتحرك نحو أصدقائه وهو ما زال في صدمته، تحدث قائلًا:


-احنا لازم نتحرك من هنا، المكان هنا خطير.


زفرت "دينيز" بضيقٍ وتحدثت:


-هنبقى على الحال دا لحد امتى؟ نمشي من مكان لمكان من غير ما نعرف احنا رايحين فين!


أجابها "جان":


-مفيش بإيدينا حاجة، هنفضل كدا لحد ما نلاقي مخرج من المكان دا.


تحركوا من جانب البحيرة يسيرون داخل الغابة، فقط أصوات الذئاب والحيوانات هي رفيقهم في الطريق، لا يوجد أي بصيص أمل.. وبعد مرور يومين من السير سيطر عليهم التعب، لم تعد لهم طاقة للسير مجددًا، جلسوا لكي يلتقطوا أنفاسهم بخيبة أملٍ كبيرة.


اهتزت الأشجار على إثر رياح هبت من جهة، سمعوا أصواتًا بعيدة، أحسوا بالفرحة ووقف "رام" بسعادةٍ قائلًا:


-خلونا نمشي ورا مصدر الصوت، يمكن نلاقي حد يساعدنا.


تحدثت "ماريا":


-حتى لو لاقينا حد مش هنروح له. 


نظر إليها "رام" باستغراب، وتحدث بتساؤل:


-ليه يا ماريا؟!


ردت قائلة:


-أنت نسيت بيحصلنا إيه كل مرة؟ ممكن يكونوا وهم.


مسح وجهه بيده بتعب وقال:


-تعالوا بس نشوف في حد ولا لا. 


بعد مدة من المحاولة، أخيرًا استمعوا له وذهبوا خلفه، بينما هو يتبع مصدر الصوت حتى وصل إلى مصدره، التمعت مقلتاه وفتح فمه بصدمة.

اتسعت حدقات أعينهم بفرحة ظهرت على وجوههم، حين رأوا مجموعة من الصيادين يحملون أسلحتهم.. من شدة الفرحة تحرك "رام" راكضًا نحوهم، كان يسرع الخُطا كي يصل إليهم، وعندما اقترب منهم ناداهم بصوتٍ عالٍ، التفتوا إليه سريعًا، فعلت الدهشة والاستغراب على وجوههم، رفعوا أسلحتهم في وجه "رام"، تراجع إلى الخلف ورفع يديه إلى الأعلى وتحدث قائلًا:


-اهدوا، أنا بس جاي أطلب منكم المساعدة.


نظروا إليه بتفحصٍ ثم نظروا إلى بعضهم البعض، حين سمعوا أصوات وقع أقدام تقترب منهم اقتربوا منه، وضع أحدهم سلاحه على رأس "رام" وتحدث بتساؤل:


-أنت مين؟ ومين اللي معاك؟ انطق.


نظر إليهم بتردد وقال:


-معايا صحابي، احنا محتاجين مساعدة.


ابتسم الرجل وهو ينزل سلاحه عن رأس "رام" وقال:


-نادي على صحابك، وأنا لو أقدر هساعدك.


نادى "رام" أصدقاءه بصوتٍ عالٍ فأتوا سريعًا ووقفوا خلفه، تحرك الرجل وبدأ يدور حولهم وعلى ثغره ابتسامة خبيثة، حتى وقف أمام "ماريا" وتحدث قائلًا:


-أنا أقدر أساعدكم، أنتوا عايزين تخرجوا من المتاهة دي؟


نظر إليه "رام" بضيق عندما رأى نظراته لـ"ماريا"، كوّر يده وأجابه قائلًا:


-أيوه، احنا توهنا جوا المتاهة دي ومقدرناش نخرج منها.


 تحرك الرجل من أمام "ماريا" وتحدث قائلًا:


-تعالوا معايا للسفينة، هي على الشط بعيدة من هنا.


تحركوا خلفه، نظر "رام" إلى "ماريا" وجدها تفرك يديها بتوتر، استغرب من حالتها فاقترب منها وأمسك يدها، وتحدث بقلق:


-ماريا، أنتِ كويسة؟


تنهدت بقلق وأجابته:


-قلبي واجعني، أنا خايفة من اللي جاي.


تنهد.. فهو يتفهم قلقها، فكل الذي مروا به ليس سهلًا عليهم، والوثوق بأي أحد صعب في هذه المتاهة، تحدث يحاول أن يطمئنها:


-متخافيش، أنا معاكِ هفديكِ بروحي لو لزم الأمر، مش عايز أشوف نظرة الخوف اللي في عينيكِ دي، أنا معاكِ.


ردت عليه بابتسامة، فكلماته قد بثت الأمان بداخل قلبها المتعب الخائف الذي فقد الأمان، كلماته ليست مجرد كلمات تخرج من فمه، بل همسات تسافر من القلب ثم تستقر في الروح، بعد مدةٍ من السير.. وقفوا أمام الشاطئ، أحسوا بالحرية كأنهم كانوا في قفص وأخيرًا رأوا نور النهار واشتموا الهواء النقي، نظر إليهم الرجل وتحدث قائلًا:


-تعالوا اطلعوا على السفينة بسرعة، الجو هادي وممكن يتقلب في أي لحظة.


صعدوا على متن السفينة بفرحة، أخيرًا سيعودون إلى حياتهم السابقة من دون خوف أو رعب، تحركت السفينة بهدوء وسط الأمواج، تحدث "جان" بفرحة:


-أنا مش مصدق إننا خلاص خرجنا من المتاهة.


أجابه "رام":


-بتمنى إن السفينة توصل بينا بسلام من غير ما يحصل حاجة.


بعد مدة من الوقت بدأت الشمس في الغروب، جلسوا يشاهدون غروب الشمس في هدوء حتى حل الليل، جلس كل واحدٍ منهم شاردًا يفكر في صمت، حتى قطع هذا الصمت صوت رجل خرج من أحد الأماكن، بدأ يتفحصهم بنظرات غير مريحة، حتى وقع نظره على "ماريا"، اقترب منها عدة خطوات وقال:


-تعالي معايا يا حلوة.


وقف "رام" أمامه بغضب وتحدث: 


-أنت عايز منها إيه؟ اتكلم معايا أنا في اللي أنت عايزه.


حرك الرجل رأسه بعصبية وقال:


-أنا عايزها هي البيه طلبها، ابعد.


دفعه "رام" إلى الخلف بقوة، وتحدث بغضبٍ قائلًا:


-بلغ البيه بتاعك إن كلامه معايا أنا، وعينيك دي لو بصتلها مرة ثانية أنا هقلعهم من مكانهم.


ذهب الرجل غاضبًا، التفت "رام" إليهم وتنهد بتعب علم أنهم سيواجهون أمرًا آخر، يبدو أن تعبهم لم ينته بعد، تحدث قائلًا:


-الظاهر إننا وقعنا في مشكلة تانية مع الناس دي.


تحدث "جان":


-رام، عينيهم على البنات، لازم نعمل حاجة.


ما إن أكمل كلامه حتى وقف أمامهم ذلك الرجل مالك السفينة يبدو عليه الغضب، كان الشرر يتطاير من عينيه، تحدث قائلًا:


-أنا طلبت البنت دي تيجي لعندي، ازاي تتجرأ وترفض.


اقترب منه "رام" وتحدث:


-وأنت ازاي تطلب مراتي، احنا طلبنا منك المساعدة مش إننا نسلمك واحد مننا.


أجابه وعلى ثغره ابتسامة خبيثة:


-أنا قبلت أساعدكم علشان خاطر الحلوة دي، وهاخدها.


مد يده كي يمسكها، "ماريا" كانت ترتجف، لكن قبل أن تصل يده إليها أمسك "رام" يده بقوة وضغط عليها، وتحدث قائلًا:


-الإيد اللي تمتد عليها أنا هقطعها، وإن كان على مساعدتك فهتاخذ فلوس مقابل المساعدة دي.


 سحب يده بقوة وهو غاضب من تصرف "رام"، وصرخ في رجاله بأمر قائلًا:


-ارموه في البحر.



اقترب رجاله من "رام"، أمسكوا به بقوة وبدؤوا في سحبه لظهر السفينة وهو يقاوم بكل قوته، حاول "جان" التدخل لكن أمسكوا به، إن هذا ليس وقت الضعف أبدًا، جذب انتباه "ماريا" قوسٌ وسهامٌ كانت موجودة في المكان، بسرعة البرق حملتهم ورفعت يدها بالقوس، سحبت سهمًا وصوبته نحو الرجال الممسكين بـ"رام"، أطلقت السهم ليستقر في قدم أحدهم فسقط أرضًا يصرخ بألم، لم تترك لهم فرصة لكي يفيقوا من صدمتهم، سحبت سهمًا آخر وأطلقته على الرجل الآخر.

غضب قائدهم.. فكيف لفتاة أن تفعل هذا، تحرك من مكانه متجهًا نحوها وهو يجز على أسنانه، ما إن اقترب منها حتى رفعت يدها بالقوس وسحبت سهمًا وصوبته نحو قلبه، وملامحها تحولت للغضب وقالت:

لو خطيت خطوة كمان هيكون السهم في قلبك.

تراجع بغضب لعدة خطوات وهو يرى رجاله ساقطين على الأرض يصرخون من الألم، مسح على شعره وتحدث بغضب:

عقابك هيكون كبير أوي.


اقترب من رجاله أسندهم وأدخلهم لإحدى الغرف، وما إن اختفى من أمامها حتى سقط القوس من يد "ماريا"، جلست على الأرض بجسدٍ منهار لا تعلم من أين جاءت بكل هذه الشجاعة، لكن حين أحست أنها ستفقده فقدت كل ذرة تعقل لها، ووقع قلبها بين قدميها.

 اقترب منها "رام"، مال بجذعه العلوي نحوها أمسك يدها بحنان، رفعت بصرها نحوه.. عيناها كانتا تتحدثان، نزلت دمعة من عينيها تحرق وجنتيها، لم يتحمل رؤية دموعها أكثر من هذا، جذبها لداخل أحضانه يمسح على شعرها بحنان قائلًا:

ماريا، أنا آسف.

ابتعدت عنه، رفعت عينيها إليه ومسحت دموعها وقالت:

بتتأسف ليه أنا كويسة، كنت خايفة إنك تضيع مني.

 تنهد بحزنٍ شديدٍ وقال:

متخافيش، مش هيحصل غير اللي ربنا كاتبه، احنا هنطلع من هنا.


نهضت واقتربت من أختيها واحتضنتهما، فهي ترى الخوف بأعينهما، فهي تعرفهما جيدًا، انفجرتا بالبكاء كأنهما وجدتا مكانهما الآمن، ابتعدت عنهما ومسحت دموعهما، تحدثت والابتسامة تعلو ثغرها:

مش عايزة أشوف الدموع في عينيكم الحلوين دول.

تنهد "جان" بتعبٍ من كل شيء حدث، حاول تلطيف الجو بمزاحه:

مكنتش أعرف إنك بتعرفي ترمي السهام.

ردت عليه بابتسامة:

إنت لسه ماشوفتش حاجة، أنا بعرف أعمل حاجات كتير.

بعد مدة من الحديث جلسوا ينتظرون طلوع الشمس بنورها في يومٍ جديد وأملٍ جديد، لم يناموا خوفًا من أن يحصل لهم شيء من أولئك الناس الذين امتلأت قلوبهم شرًا، وبعد وقتٍ من الانتظار.. بدأت خيوط النهار تظهر لهم الأمواج وهدوء الصباح الباكر، ونسمات الهواء الباردة، لكن ما زاد استغرابهم، اقترابهم من جزيرة وليس من شاطئ مثلما قال لهم ذلك الرجل، دب القلق في قلوبهم، السفينة ما زالت وسط الأمواج وتقترب من جزيرة، فتحدث "جان" بقلق:

الراجل دا ناوي على إيه يا رام؟

تنهد "رام".. وتحولت ملامحه للغضب، كان يفكر ماذا عليه أن يفعل في هذه المشكلة التي وقعوا بها، فهو يخشى أن يحدث شيء لأصدقائه، ولا يقدر على فعل شيء، نظر إلى "جان" وقال:

نيته مش خير أبدًا، لازم نأخذ حذرنا منه.

بعد مدة.. رست السفينة على الجزيرة، وقفت السفينة وبدأت تصدر أصواتًا من بين الأشجار، خرج رجلٌ يبدو عليه كبر السن وجسده هزيل، نظر إليهم بتفحص كأنه لم ير بشرًا قبل ذلك، وتحدث قائلًا:

وصلنا للجزيرة، انزلوا يلا.

أكمل كلامه ونزل راكضًا، خرج خلفه الرجال الذين أصابتهم "ماريا"، ينظرون نحوها بغضبٍ وشر، لم تهتم لنظراتهم ونظرت إلى "رام" وقالت:

رام، نعمل إيه؟ ننزل؟

قبل أن يجيبها "رام"، سمع أصواتًا متداخلة، وفجاءة امتلأت السفينة بالرجال، كانت أجسادهم قوية، أحاطوا بهم وهم يقفون في الوسط.


لم يفهم ما يحدث، سحب الفتيات وراء ظهره لكي يحميهن من بطش هؤلاء الوحوش البشرية، وبعد دقائق.. استطاع أن يفهم الأمر، أدرك أنهم وقعوا في مأزقٍ أكبر من المتاهة التي كانوا فيها، أصبح كل ما يخشاه هو أن يحدث شيء للفتيات، تفحص المكان جيدًا علّه يجد مكانًا يستطيعون الفرار منه، لكن لا مكان للهرب، وإن حاول أن يتصرف أي تصرف فسوف يعرضهم للخطر، لا مفر لهم من هذه السفينة.

استدار نحوهم وتحدث قائلًا:

محدش يعمل حاجة، هننزل معاهم.

لم يكن الوقت كافٍ للاعتراض أو التفكير، أومأوا برؤوسهم بالموافقة، نزلوا والرجال من خلفهم وأمامهم حتى نزلوا من السفينة، ساروا بهم بين الأشجار والمروج الخضراء، حتى وصلوا أمام بيوت متراصة بجانب بعضها بنظامٍ بلونها الأبيض الناصع، وقفوا أمامها لدقائق حتى خرج رجلٌ هيئته كالقرصان بيده سوط، تفحصهم وهو يدور حولهم، توقف ينظر إليهم لعدة دقائق، تحدث قائلًا:

أنتوا عارفين أنتوا هنا ليه؟ 

ألقى سؤاله ووقف ينتظر منهم ردًا.

استجمع "رام" قواه وتحدث بحنق:

احنا منعرفش احنا هنا ليه.

قهقه الرجل بصوتٍ عالٍ، ضرب الأرض بالسوط عدة مرات، اختفت الضحكة من ثغره، اقترب من "رام" وتحدث:

أنتوا هنا علشان تخدموني، اللي أقصده أنتوا هنا عبيد ليّ أنا اشتريتكم.

لم يتحمل "رام" أكثر من هذا، اقترب من الرجل حتى لفحت أنفاسه الساخنة وجهه، جز على أسنانه بغضب.. وتحدث قائلًا:

احنا أحرار مش عبيد، احنا مش هنخدم حد.


ابتعد الرجل عن "رام"، كان غاضبًا من جرأته عليه، نظر إلى رجاله.. كان ينظر إلى "إليف" نظرات أخافتها، تحدث بأمر:

هاتولي البنت الصغيرة دي، وامسكوا الباقيين.

اقترب أحد الرجال من "إليف"، وقبل أن يصل إليها أمسك "رام" يده بقوة، حتى سمع صوت تكسر عظامها ودفعه بقوة، وقع الرجل على الأرض يتلوى من الألم، تدخل باقي الجنود حتى استطاعوا السيطرة على حركة "رام، وجان"، أمسكوا بهما بقوة وأخذوا "إليف"، كانت تبكي وتحاول الإفلات منهم، لحقت بهم "ماريا" وهي تبكي، أمسكت ذراعه لكن دفعها إلى الخلف بكل قوته، فوقعت أرضًا ورفعت يدها نحو أختها، ودموعها تنزل بغزارة و"إليف" تنظر نحوها تستغيث بها، نظراتها كانت تبوح بما لا تستطيع أن تفعله، تشعر بالعجز وليس بيدها شيء.

"رام" وهو يحاول الإفلات من أيديهم، احمر وجهه وأصبح كأسدٍ مسجون في قفص يزمجر وهو يشعر بالعجز، صاح قائلًا:

سيبوها، أنا أهو قدامكم اعملوا فيّ اللي انتوا عايزينه.

لم يهتموا لكلامه، أمسك "إليف" من شعرها وهي تصرخ وتنظر إليه بعينين تلألأت فيهما الدموع وجسدٍ يرتجف، كانت تضع يديها على وجهها كأنها تحمي نفسها، نظر الرجل إليها.. كان مستمتعًا بخوفها وتعلو ثغره ابتسامة شيطانية، تحدث وهو ينظر إلى رجاله:

هاتولي سكين حاد يلا.

 

اتسعت حدقات أعينهم بفزع، لكن ليس بيدهم شيء، حاولوا التخلص من الرجال الممسكين بهم لكن لم يستطيعوا، يشعرون بالعجز كعصفورٍ وسط قفص كُسر جناحاه.

لم تعد "ماريا" تتحمل الذي يحدث، حاولت أن تتخلص من الرجل الممسك بها، ومن شدة غضبها استجمعت قواها وضربته بقدمها في بطنه، انحنى بألمٍ وتحول لون عينيه للون الأحمر، رفع رأسه بغضب، حدث هذا في الوقت نفسه الذي مر به الحارس الذي ذهب ليحضر السكين لسيده، سحب الرجل من يده سريعًا، استدار نحو "ماريا"، وقبل أن تفهم ما يحدث غرس السكين في صدرها، فتحت عينيها وفمها بصدمة وخرجت منها صرخة دوت في المكان، تعثرت عدة مرات قبل أن تسقط، آخر شيء سمعته هو صراخ أصدقائها، هوت أرضًا دون حراك.




يتبع....

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة حليمة عدادي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة