رواية جديدة المتاهة القاتلة لحليمة عدادي - الفصل 8 - الإثنين 2/9/2024
قراءة رواية المتاهة القاتلة كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية المتاهة القاتلة
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة حليمة عدادي
الفصل الثامن
تم النشر يوم الإثنين
2/9/2024
دق قلبه بهلعٍ كالعاصفة، وشحب لون وجهه وكاد يسقط، لولا أن "جان" كان قريبًا منه فأمسك به، وقف ينتظر أن يكمل ذلك الحارس كلامه؛ كي يطمئن قلبه الذي كاد يخرج من مكانه.
أكمل الحارس كلامه:
سيدي، البنت المصابة حرارتها مرتفعة، ومش عارف أعمل إيه، والأعشاب مجابتش معاها نتيجة.
زفر "جون" بمللٍ من حديثه، ولم يهتم أبدًا، ثم نظر إليه بلا مبالاة وقال:
احنا عملنا اللي علينا، لو ماتت ارموها في البحر ملهاش لازمة.
عندما سمع "رام" حديثهم أحس بالراحة قليلًا، عندما علم أنها ما زالت على قيد الحياة، لكن ما أغضبه كيف له ألا يكترث لحالها، هو لن يسمح أن يحدث لها مكروه حتى لو كلفه ذلك حياته، ترك ما بيده وركض نحوهم، وما إن اقترب منه حتى حاول السيطرة على غضبه وتحدث:
إنت ليه مش مهتم بحالة البنت، دي هتموت.. أنا هروحلها.
نظر إليه "جون" بسخرية وتحدث ضاحكًا:
موضوع البنت انتهى، روح شوف شغلك مفيش وقت ليها.
كوّر "رام" يده بغضب وبرزت عروقه، اقترب منه بعينين حمراوين وتحدث قائلًا:
أنا هروحلها وصاحبي هيكمل بقية الشغل، أنا مش هتأخر.
فكر "جون" قليلًا، وضع يده على شعره وهو ينظر نحو "رام" بتفحص، حاول "رام" معه عدة مرات.. لكن "جون" كان مصرًا على بقائه، طفح كيل "رام" ولم يعد يتحمل أكثر من هذا، نظر إلى الرجال من حوله وأدرك أنه لا يستطيع أن يتجاوزهم، أو أن يفر منهم، رأى بندقيةً على الأرض لكنها قريبة من "جون"، فكر قليلًا.. ثم انحنى إلى الأرض والتقط حجرًا، نظروا إليه باستغراب، فأمسك "رام" بالحجر وقذفه باتجاه أحد القوارب، نظر إليه "جون" بغضبٍ وتحدث قائلًا:
أنت اتجننت! أنت بتعمل إيه؟ قولي رميت الحجر ليه.
ابتسم "رام" بخبث، فقط وصل إلى ما يريد، نظر إلى "جون" وتحدث سريعًا:
في حد ورا القوارب كان هيرمي عليك نار، وأنا رميته بالحجر علشان تاخذ بالك.
أحس "جون" بالغضب، وأمر رجاله بالقبض على هذا الشخص الغريب الذي يريد قتله، تحرك رجاله سريعًا في المكان، هنا استغل "رام" انشغالهم وتحرك سريعًا، حمل البندقية ووقف خلف "جون" الذي كان يصرخ برجاله، وضع "رام" البندقية على رأسه، حاول "جون" أن يستدير، لكن كلمات "رام" أوقفته حين قال:
لو اتحركت خطوة واحدة الرصاصة هتكون في رأسك، يلا وديني لمكانها.
عندما أدرك جون أنه قد وقع في فخ "رام"، غضب غضبًا شديدًا، لكنه خاف أن يفعلها "رام"، فيبدو أنه جادٌ في كلامه، تحرك و"رام" يتبعه ورجاله خلفه، ترك "جان" ما بيده ولحق بهم وهو يضحك على صديقه، حتى وصلوا أمام مجموعة أكواخ من الخشب، دخل "جون" وهو يغلي.. أصبح وجهه أحمر من شدة الغضب، دخل إلى الداخل و"رام" ما زال يمسك بالبندقية ومصوبها نحو رأسه، نظر إلى صديقه ففهم "جان" ما يريده "رام"، اقترب منه وأمسك منه البندقية، تحرك "رام" وتحدث قائلًا:
لو حاول إنه يعمل أي حركة فرغها في راسه.
نظر "رام" إلى"ماريا"، كانت نائمة على الأرض لونها شاحب، ظهر على محياها علامات الحزن والألم التي احتلت ملامحه، نزلت دمعة من مقلتيه، غزا قلبه شعور بالقهر وهو يرى كيف أصبحت تلك الوردة المتفتحة شاحبة، وضع يده على رأسها، وجد أن حرارتها مرتفعة، نظر إلى جون وتحدث قائلًا:
قول لرجالتك يجيبوا ميه وقطعة قماش.
زفر "جون" بغضب، فهو يرى أن هذا ضياع للوقت، لا يهم إن ماتت، لكن هو مجبر على تنفيذ طلباته وإلا فإن هذا العاشق سوف يقتله، نظر إلى رجاله وأمرهم أن يحضروا ما طلبه، بعد عدة دقائق جلبوا له ما طلب، شرع في وضع الكمادات على رأسها وطلب منه أن يحضروا لها شوربة ساخنة، هنا لم يتحمل "جون" أكثر وصرخ بصوتٍ عالٍ قائلًا:
اوعى تفكر إنك تتأمر علينا، مفيش شوربة وقول لدا يبعد عني.
لم يكترث "رام" لكلامه وطلب من "جان" أن يكون متيقظًا، خرج يبحث عن أي شيءٍ ساخن، اشتم رائحة طعام تنبعث من أحد الأكواخ، ركض إليهم ودخل دون أن يفكر، صُدم عندما وجد "نايا" تطبخ و"دينيز" تجلس على الأرض تبكي وهي ممسكةً بقدمها، تهللت أساريرهما عند رؤيته، ركضتا نحوه وهما تبكيان بكاءً يقطع القلب، أحس بالحزن الشديد لما وصلوا له، احتضنهما ثم ابتعد عنهما ومسح دموعهما، وأخبرهما بما يريده، من حسن حظه فقد كانتا تعدان الطعام ويوجد حساء، حمل إناءً خشبيًا يوجد بداخله الحساء، وهما حملتا الماء، طلب منهما أن تذهبا معه، ركضتا خلفه بخوفٍ شديدٍ من تلك المرأة، "دينيز" كانت تعرج بسبب جرح قدمها والألم احتل ملامحها.
وعندما دخلوا عند "ماريا" ساعدوها على الجلوس، فتحت "ماريا" عينيها بصعوبةٍ بالغة، حاولت إخراج الكلمات من حلقها، تحدثت بهمسٍ قائلة:
رام، رام.
أحس بالسعادة حين نادته كأنها عزفت على أوتار قلبه، ساعدها لكي تأكل، شربت القليل ثم أعادها إلى مكانها.
أما عن "جان"، فقد أحس بالقلق عندما رأى صغيرته وهي تعرج، لكن ما أوقع قلبه حين رأى دموعها، "دينيز" مسحت دموعها بظهر يدها، لا تريد لأحدٍ منهم أن يراها لكيلا يشعروا بالحزن أكثر، لكن قد فات الأوان فـ"جان" قد رأى دموع صغيرته، نسي أمر "جون" وأصبح كل تركيزه معها، لم يشعر بنفسه حتى استدار "جون" وسحب منه البندقية بقوة، هنا انتبه "جان"، لكن كان الأوان قد فات.
رفع رجال "جون" أسلحتهم حين أمرهم سيدهم بذلك، دفع "جان" إلى الوراء وتحدث بغضب:
كنتوا فاكرين إن الموضوع هيطول يا عاشق.
استدار "رام" سريعًا واحتل الغضب وجهه، حين رأى "جان" يقف بجانب "دينيز" وينظر نحوه بأسفٍ وحزن، فهو يدرك أنه أخطأ حين فقد تركيزه، لكن ماذا يفعل بقلبه اللعين الذي لا يتحمل رؤية طفلته حزينة.
تنهد "رام".. فهو يعلم أنه قد زاد الطين بلة، وأن هذا الرجل لا يملك قلبًا، ولن يرحمهم وهم على شفا حرفة من الخطر، تحدث بهدوء:
عايز إيه؟ أنا طلبت منك بهدوء وأنت رفضت وخلص الموضوع.
رفع "جون" سلاحه وهو غاضب، والشرر يتطاير من عينيه، كان يوزع نظره بينهم، فاقترب من "رام" حتى أصبحا في مواجهة بعضهما وتحدث قائلًا:
أبدأ بمين يا ترى؟
ثم وضع يده على طرف فمه كأنه يفكر: أبدأ بالصغيرة، أو حبيبة القلب دا، احنا هنتسلى.
اقترب منه "رام" أكثر وأمسك بفوهة البندقية، وضعها على صدره وقال:
أنا أهو قدامك، اوعى تقرب منهم.
توتر من نظرات "رام" النارية، وهنا علم أنه لن يستطيع أن يسيطر على "رام" كالذين سبقوه، فكر قليلًا كيف يتخلص منه وفي الوقت نفسه يستفيد من ورائه، ظهرت على ثغره ابتسامة خبيثة، أنزل البندقية ثم نظر إلى رجاله، تحدث إليهم بأمر:
خذوهم كلهم للقفص، عايز بس الحلوة دي هي اللي تبقى.
أكمل حديثه ونظره مسلط على "ماريا"، كانت "ماريا" تئن من الألم، اشتعلت نار الغيرة في قلب "رام" من نظرات "جون" المسلطة نحوها، تحرك متجهًا نحو "جون"... لكن قبل أن يصل إليه أمسكه رجال "جون"، حاول أن يدفعهم عنه بقوة، لكن كان عددهم كبيرًا، أمسكوه بقوة فشعر بحرارة المكان من حوله، واحتلت ملامحه علامات الغضب، فتحدث قائلًا:
لو بصتلها مرة تانية، أنا هطلع عينيك من مكانهم.
ضحك "جون" بصوتٍ عالٍ، ثم أمر رجاله بأن يأخذوا "رام" والبقية، سحبوه إلى الخارج لكن "رام" قاومهم بكل قوته، لكنه لم يقدر، كانت أجسادهم كالوحوش، أحس بأنه ترك قلبه وروحه وراءه، كان يصرخ بهم بغضب حتى وصلوا أمام قفصٍ حديديٍ كبير، قام أحد الرجال بفتحه ودفعوا "رام" إلى الداخل بقوة، وكذلك أصدقاءه ثم أغلقوا باب القفص، وقف "رام" وسط القفص كطائرٍ جريح تخنقه تلك القضبان الحديدية، كان ممسكًا بها بيديه.
أما عن "جان" فقد جثا على ركبتيه بجانب "دينيز"، كان يشعر بالقهر والغضب عندما رأى ما حدث لها، نظرت إليه بحزن، تجمعت العبرات في عينيها، بدأت تخبره بما حدث لها، واختنق صوتها بالبكاء وهي تخبره بمدى ألمها، كم آلمه قلبه على صغيرته، أحس بغصةٍ في قلبه فجذبها إلى حضنه، يريد أن يخبئها داخل أضلعه وهي تبكي بصوتٍ يقطع القلب، مسح على شعرها بحنان، لمعت دمعة في عينيه، فهي ليست الفتاة التي اختارها قلبه فحسب، بل ابنته التي ترعرعت بين يديه وصديقته، ابتعد عنها قليلًا ومسح عبراتها، ظهرت على ثغره شبه ابتسامة وقال:
صغيرتي قوية وهتتخطى دا كله، استحملي كمان شوية.
نظرت إليه بابتسامة تخبره بعينيها أنها قوية بوجوده بجانبها، وأنه مصدر الأمان بالنسبةِ لها، وتكتسب من ابتسامته القوة، نظراته تجعلها شجاعة، هو مسكن آلامها في وقت الألم، وفي وقت الخوف هو الأمان، يطالب قلبها بألا يشعره بالحرمان، أما بالنسبة لـ"إليف ونايا"، فقد شعرتا بالحزن لعدم وجود "ماريا" معهما.
نظر إليهما "رام" بحزن على تلك الحالة، فقد فهم بما تفكران وما سبب الحزن البادي عليهما، اقترب منهما وتحدث قائلًا:
متزعلوش، ماريا هتكون بخير، ماريا قوية.
لم تتفوها بأي كلمة، فقط حركتا رأسيهما، كأنهما تؤكدان حديثه، لكن يوجد بداخلهما حزن كبير على أختهما وأمهما بعد وفاة أمهن، مرت الدقائق والساعات، حاولوا فتح القفص لكن دون جدوى، قفل القفص من حديد ضخم، زفر "رام" بغضب بعدما فشلت كل محاولاته، جلس أرضًا وأسند ظهره إلى قضبان القفص، أغمض عينيه بتعب، لكنه وقف فجأة... كاد يقع كأنما لدغته أفعى، تحدث بابتسامة:
لقيتها.
نظروا إليه باستغراب من حالته وهم يتساءلون، لم يفهموا مقصده، تحدث "جان" بتساؤل:
هي إيه دي اللي لقيتها؟ قولنا.
نظر إليهم بحماس وهو يختلس النظر إلى ذلك الحارس الواقف أمام القفص، اقترب منهم وأشار بيده كي يصمتوا، تحدث بصوتٍ هامس:
إليف، نامي على الأرض وصرخي كأنك بتتألمي.
نظروا إلى بعضهم ولم يفهموا ما يدور بداخل عقله، أعادوا النظر إليه، أخذ نفسًا عميقًا وتحدث:
اعملوا بس اللي بقولكم عليه، وهبقى أفهمكم بعدين.
فهموا أنه يُخطط لشيء، نامت "إليف" على الأرض وأمسكت ببطنها وبدأت بالصراخ، جلسوا جميعًا حولها وهم يمثلون الخوف عليها، وقف "رام" وصرخ في الحارس قائلًا:
البنت هتموت، هات مية بسرعة.
نظر إليهم الحارس وعاد ينظر أمامه وكأن ما يحدث للفتاة لا يعنيه، جُن "رام" من تصرفه، كيف لهم أن يكونوا هكذا دون قلب، لكن "رام" لم يتوقف ولم ييأس، وتحدث قائلًا:
لو حصلها حاجة أكيد هتتعاقب من سيدك، هو عايزها عايشة علشان يستفيد منها.
زفر الحارس من حديث "رام"، تحرك من مكانه متجهًا إلى أحد الأكواخ، وعندما اختفى عن أنظارهم ابتسم "رام" بانتصار، فقد نجحت أول خطوة من خطته، عاد بنظره إلى "إليف"، طلب منها أن تصرخ بألمٍ أكثر لكيلا يشك في الأمر، وأخبرهم بما عليهم أن يفعلوه عندما يأتي الحارس دون إضاعة الوقت.
بعد مدةٍ قصيرة.. عاد الحارس وهو يحمل قنينة الماء، مد يده إلى "رام" كي يأخذها منه، هنا "رام" كان يستعد كأسد.. يريد الانقضاض على فريسته، أخرج كلتا يديه، وحين مد الحارس يده لإعطائه القنينة، أمسك "رام" يد الحارس بقوة وسحبه حتى التصق وجهه بقضبان القفص، حاول الحارس سحب نفسه لكن "رام" أمسكه بقوة، حاول الصراخ.. وقبل أن يتفوه بأي كلمة، وضعت "دينيز" يدها على فمه، هنا "جان" مد يده وأخذ المفاتيح المعلقة في ملابسه، وبسرعة البرق استطاع فتح الباب، خرجوا جميعًا من داخل القفص وأمسكوا الحارس، كانوا يحاولون كسب الوقت لأن الشمس كانت على وشك المغيب.
نزع "جان" قميصه ووضعه على فم الحارس، سحبوه باتجاه أحد الأكواخ، بحثوا عن أي شيء لكي يقيدوه به، بعد مدة قصيرة وجدوا حبلًا، قيدوه جيدًا وتسللوا ببطء حتى لا يشعر بهم أحد، حتى اقتربوا من الكوخ الذي توجد فيه "ماريا"، اقتربوا منه حتى أصبحوا خلفه، نظر إليهم "رام" وتحدث قائلًا:
خليكوا هنا ورا الكوخ، هدخل أجيب ماريا وجاي بسرعة.
تركهم وتحرك ببطء يتفقد المكان من حوله لكيلا يكتشفوا أمره، دقات قلبه تسبقه، يريد أن يسابق الزمن كي يصل إليها وينقذها من أيدي هؤلاء الذين ليس في قلوبهم رحمةـ
وصل إلى باب الكوخ، فتحه ودخل سريعًا، كانت دقات قلبه كطبول الحرب، فور دخوله أحس بشيءٍ نزل على رأسه، ضربة قوية أوقعته أرضًا.
وقع "رام" أرضًا، أحس وكأن الأرض تدور من حوله، احتل الألم ملامحه من قوة الضربة، حاول الوقوف لكنه وقع مجددًا، وضع يده على رأسه فأحس بقطرات دماءٍ ساخنة تخرج من رأسه، وقف بصعوبةٍ بالغة.. التفت سريعًا لكي يعرف من الذي ضربه، اتسعت عيناه حين رآها تقف وهي ممسكة بيدها عصا، كانت تحدق به بفمٍ مفتوح وعيناها تكادان تخرجان من مكانهما، كان يشعر بالدوار لكنه تماسك، أمسكها من يدها وخرج يركض وهي ما زالت على صدمتها، وجد أصدقاءه في انتظارهما، ركضا باتجاه المكان الذي ترسو به السفن وهم خلفه، صعدوا إلى أول سفينة راسية.. نظر إليه أصدقاؤه بتساؤل، لكن هذا ليس وقت الرد على أسئلتهم واستفساراتهم.
ركض إلى غرفة القيادة، وجد رجلًا جالسًا يبدو عليه التعب، ويبدو من هيئته أنه قبطان السفينة أو قرصانها - من يقود السفينة حيث يُريد المسافرون فهو قبطان؛ ومن يقودها حيث يُريد هو فهو قرصان- طلب منه "رام" أن يخرجهم من هذه الجزيرة، كان يخشى أن يرفض طلبهم فهو تابع لهذه الجزيرة، فمن المؤكد أنه سيرفض، تحدث معه "رام" وحاول إقناعه، فوافق أن يخرجهم من هذه الجزيرة، فكان رده عكس توقعاته لقد أشفق على حالهم وأبدى موافقته في أن يساعدهم، لكن لكي يخرجهم كان له شرط، ظهر عليهم التوتر من شرطه، تحدث "رام" بقلق قائلًا:
وإيه هو شرطك؟
ابتسم الرجل وتحدث سريعًا عندما رأى القلق والخوف بادٍ عليهم:
أنا هخذكم لمكان ما انتوا عايزين، لكن عايز منكم تلاقولي شغل في بلدكم، لأني لو رجعت لهنا هيقتلوني.
ابتسم "رام" على الرغم من علمه أنه لن يجد عملًا حتى لنفسه، كان ما يهمه في الوقت الحالي هو الهرب من هنا، وبعد ذلك سوف يفكر له في عمل.
نظر إليه "رام" بابتسامة ووافق على شرطه، تحركت السفينة في طريقها تشق الأمواج، سمعوا صوت طلقات نارية وصوت صراخٍ عالٍ، تحدث "رام" بقلق قائلًا:
اتحرك بسرعة، الظاهر إنهم عرفوا إننا هربنا وبيدوروا علينا.
أجابه الرجل وهو ينظر أمامه بتركيز:
متقلقش، مفيش واحد غيري ممكن يقود السفينة لحد بكرة، هيجي قرصان تاني.
تنهد "رام" براحة، وجلس بتعب ثم تذكر "ماريا"، نهض من مكانه سريعًا جلس بجانبها وسألها بلهفة:
أنتِ كويسة؟
رفعت عينيها إليه وكأن كلماته لمست قلبها، نظر إلى عينيها فتاهت نظراته في بحرهما وغاص قلبه وغرق بين زرقتها، بجانبها سعادة تغمره فينسى العالم بأكمله، أخرجه من أفكاره صوتها العذب، وكأنه ألحان عزفت على أوتار قلبه، تحدثت قائلة:
أنا كويسة، أنا آسفة مكنش قصدي أضربك، افتكرتك واحد منهم.
نظر إليها فابتسامتها تجعله ينسى كل همومه، ونظراتها تسعده، أجابها والابتسامة تزين ثغره:
كل اللي يجي منك حلو عزيزتي.
وأكمل مازحًا:
لكن إيدك تقيلة أوي، من قوة الضربة افتكرت إن اللي ضربني راجل.
نظرت إليه بعينين تلألأت فيهما الدموع، أحس بالقلق وأنَّبه ضميره عندما أدرك أنه قد أحزنها بحديثه، لكنه كان يمزح، فتحدث بلهفة:
ماريا، أنا آسف، أنا مقصدش حاجة، كنت عايز ألطف الجو شوية، دموعك دي بتوجع قلبي.
مسحت دموعها بأناملها، ظهرت ابتسامة على محياها وتحدثت قائلة:
أنا مزعلتش من هزارك، دي دموع الفرح، هو احنا كدا خلاص خلصنا من التعب دا؟
أخذ نفسًا عميقًا: "آه من تلك الفتاة، عندما تحزن تبكي، وعندما تفرح تبكي، جعلت قلبه يهوي أرضًا عندما ظن أنها منزعجة منه، وتلك الدموع التي تنزل على خديها كسهمٍ غادر"، أجابها قائلًا:
كل التعب اللي تعبناه هينتهي، وأيام السعادة هتبتدي.
تحدثت "إليف" بحزنٍ بدا واضحًا عليها:
احنا هنرجع عند بابا، وهنرجع للعذاب من تاني.
قبل أن تجيب "ماريا" أشار إليها "رام" أن تصمت، اقترب من "إليف" ومسح على شعرها بحنان، وقال:
إنتِ بقيتِ أختي الصغيرة، وهتيجي معايا طبعًا دا لو معندكيش مانع.
تهللت أساريرها وارتمت بحضنه كأنها وجدت الأمان الذي كانت تبحث عنه، حنان الأب الذي فقدته وحنان الأم الذي لم تعرف عنه شيئّا، عاشت الألم والحرمان وهي ما زالت زهرة صغيرة نبتت بين أعشابٍ ضارة، وها هي الآن تجد عوضًا جميلًا تشعر بقربه بحنان الأب والأخ والسند، قطع شرودهم صوت "جان" المازح:
ما كفاية أنا كدا هعيط، تعالوا نتكلم عن فرحي أعمله فين.
وضع "رام" يده على كتف صديقه بحنان، فهو يعده بمنزلة أخيه الأصغر، ويتمنى أن يراه سعيدًا دائمًا، قال:
أنا هعملكم أحلى فرح، لكن لو زعلتها في يوم ساعتها هنسى إنك أخويا.
ابتسمت "دينيز" بخجل.. ونظرت إلى الأرض وهي تفرك يديها بخجلٍ طغى على وجنتيها، تشعر بسعادةٍ تغمرها، لقد حُرمت حنان الأم والأب، لكن عوض الله لها جميل، عوَّضها بأخٍ كريم، أما "جان" فهو كل شيء لها.
جلسوا تحت ضوء القمر الساطع، يتحدثون عن زفاف "جان" وسط فرحته هو و"دينيز"، مع مزاح "جان" الذي يملأ المكان بهجة وسرورًا، أما "رام" فكان معهم بجسده، لكن عقله في عالمٍ آخر، عالمها الذي أسرته به، كان يفكر كيف يعترف لها بحبه، هو يعلم أنها تبادله المشاعر، لكن يريد أن يسمع ذلك منها، أفاق من شروده على صوت "جان" القلق:
رام، السفينة بتتحرك بسرعة، إيه اللي بيحصل؟
أحسوا أن السفينة تهتز بقوةٍ وسط الأمواج، ظهر عليهم القلق والفزع كلما اهتزت السفينة بقوة.
يتبع....
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة حليمة عدادي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية