-->

رواية بعد الاحتراق After Burn لغادة حازم - الفصل 24 - 2 - الثلاثاء 22/10/2024

 

قراءة رواية بعد الاحتراق - After Burn كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



 

رواية 

بعد الاحتراق - After Burn 

 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة غادة حازم


الفصل الرابع والعشرون

تم النشر يوم الثلاثاء

22/10/2024


-2-



-        أصبحتِ أفضل الآن؟؟

 

سألها أدهم وهو يمرر لها كوب الماء فحركت رأسها بالإيجاب بينما تتحاشى التقاء عيناهما.. كانت فريدة شبه مخدرة شعوريًا كتمثال شمع.. لم تتخيل أن تكون بهذا الجمود وهي تغادر معه مجددًا لمصيرها المجهول.. لا خوف.. لا انفعال.. لا تردد، ولا حتى ندم.. لم تندم على قرارها..

ولم تندم كذلك على مبادلته تلك القبلة الجارفة!!

 

تلمست تورم شفتيها الطفيف بعينٍ شاردة في غيوم الصباح الباكرة عبر نافذة الطائرة ولازالت تسترجع بعقلها أثر هجومه الغاشم عليها منذ ساعتين.. لم تتردد ولم تغضب أو تنفعل وتثور.. نعم، كانت تحت تأثير المفاجأة -ولازالت الحقيقة- ولكن أين اختفى خوفها منه والرعشة التي كانت تعتريها كلما اقترب منها حتى، لا لمسها؟!.. في تجاوبها معه ومبادلته، ثمة شيء كان بداخلها قد استعادته.. شيء ملأها بعد أن كانت فارغة الروح وكأن الحياة قد عادت لتدب في جسدها.. شعور متخم بالاكتفاء كافي لتخدير حواسها!!

ما هذا!!

أي تعويذة لعينة قد ألقاها عليها لتكون تلك هي استجابتها له بعدما فعله؟!

فعله؟!

وماذا فعل هو ليستحق منها كل هذه النفور والتصميم المطلق على الكراهية؟؟

 

لوهله شعرت بأنها فقدت الذاكرة من جديد ونسيت كل ما حدث وكل ذنب اقترفه في حقها.. أحست انها تتمسك بكراهية عفا عليها الزمن وتضاءلت أسبابها فقط من أجل كبرياؤها العنيد!!

 

مُمزعةٌ هي لأجزاء.. لم تعد تعرف إلى أي جزءٍ منهم تنتمي.. بالأساس، لم يعد هناك شيءً بداخلها مكانه.. ليت كل ما يتمناه المرء يدركه، وأشد ما تمنته الآن أن تعرف حقيقة ما تشعر به وحقيقة ما تريده.. إنها في المنتصف المميت.. لا هي تكرهه ولا هي تحبه، لا هي تلعنه ولا هي سامحته.. بين هذا وذاك تتأرجح وتتخبط كل ثانية، تؤمن بكل شيء وعكسه.. ليتجلى بالنهاية حقيقة واضحة أمامها؛ وهي تيقنها بأنها تحبه بكل ما فيه من سوء!!

وكذلك تعرف جيدًا أن ذلك سيء جدًا،

ومع هذا لا تبالي!!

 

كانت فريدة غارقة في أفكارها تمامًا حين عاود أدهم محادثتها بينما يعتصر يدها في قبضته:

-        لا بأس.. كل شيء سيكون على ما يرام بمجرد أن تبدئين علاجك..

 

ليتابع أدهم وهو يمنحها كوب آخر من العصير الطازج:

-        هل تحتاجين لشيء؟

 

أخذت منه الكوب لتعيده على الطاولة أمامهما، ثم راحت تعبث بخاتمها لتداري على الفوضى التي بداخلها قبل أن تردف في حذر:

-        احتاج دوائي..

-        بربك..

 

لفظ كلمته في وجهها في سأم شديد واعطاها نظرة نحن لن "نخوض هذا السخف مجددا!!".. طارت عينه لمقعد اخته في الخلف ليتأكد أنها لم تنتبه لما قالته فريدة.. قبل أن يفك حزامها جاذبا اياها في حزم ليتجه بها إلى مقصورة النوم في نهاية الطائرة.. ما إن دخلاها حتى أغلق الباب بحدة جعلتها تنتفض ولم تكن قد استفاقت بالكامل من حلمها بعد.. سألها بنبرة خطيرة وهو يخطو اتجاهها ببطء كفهد يتريث للصيد:

-        أعدي ما قلتِ..

 

نبرته.. طريقته.. هيئته المرعبة.. كلها أشياء تسببت في عقد لسانها وجعل جسدها يتقهقر دون إرادتها حتى سقطت.. لم يكن يسأل في الحقيقة بل كان يهددها من مناقشة الأمر.. عرفت أن الأمر لن يمر معه مرور الكرام ولكنها تحتاج هذا بشدة لا يمكنها تحمل معاودة تلك الكوابيس من جديد فقط لأنه يرفض هذا.. انهارت جالسة في عجز على طرف الفراش بينما تفرك جبهتها في توتر واضح، القلق ينهشها نهش من الداخل وهو يقف هنا لا يعلم أي شيء عما تعانيه.. أردفت بقلة حيلة:

-        لا اعتقد أني مستعدة لإيقافه.. لا أريد أن أتألم!!..

 

كان قد اقترب منها حتى اصبح يقف امامها بالضبط، احاط رأسها من الجانبين يدلك شعرها ليزيل غرتها جانبا ويكتشف  الكدمة التي تخلفت عن اصطدامها قبل قليل وانزعجت ملامحه ليصدر منها تأوه خافت عندما مرر ابهامه عليها.. سألها ببحة رجولية وقد أثاره صوت تأوها:

-        هل تؤلمك؟؟

 

أومأت في بطئ عندما انتبهت على نبرته وقربه المربك منها ليتصلب جسدها بالكامل عندما انحنى أدهم على رأسها ليلثم بشفتيها تلك الكدمة آخذا كل الوقت في ذلك مثبتا رأسها من الخلف بيده اليسرى بينما لازالت يده اليمنى تحتوي وجنتها ممرر اصبعه في وتيرة ثابته أصابتها بالتخدير.. شعر هو بالرجفة التي سرت بجسدها جراء هذا، ومن داخله علم انها تستمع بهذا، وذلك ما منحه الجرأة الأكبر على النزول بتلك القبلة على سائر وجهها حتى بعثر هيئتها تماما وتعالت أنفاسها وكأنها تعاني لتتنفس بأريحية..

 

كان يعلم ما يفعله، وفي استسلامها سابقا لقبلته وشعورها بالأمان في حضنه قبل قليل اشارة خضراء أنه يسير على الخطى الصحيحة صوب استرداد قلبها.. رغم كل شيء كان متأكدا من شيئا واحد ألا وهو أنه سيد هذا الجسد شاءت أم أبت، هو أول رجل لمسها وأول رجل ملك زمام قلبها.. ثمة رابطة خفية تشتعل بينهما كلما تقاربا وهو قد عزم على استغلال ذلك أسوأ استغلال!!

 

التحمت شفتاهما من جديد لكن ها لم تستلم هذه المرة بل تجاوبت معه أكثر وبتردد سمحت نفسها بتمرير أصابعها في مؤخره رأسها ليزداد شبقا بين شفتيها ويزأر بصوت خافت قبل أن يقبض على شعرها بالمقابل مرجعا رأسها للخلف أكثر ليتمكن من التعمق في تلك القبلة وكأنها الحياة بعينها، ويسمح لنفسه بسلبها أنفاسها بكل سرور.. قبل أن تأخذ تلك القبلة منحنى هابط نحو عنقها.. يا إلهي كان يموت ليفعل هذا في كل مرة يراها، اشتاق لوضع علامات ملكيته عليها.. وهنا تصاعدت السخونة بجسدها وهي تشعر به يمتص رقبتها ويقضم جلدها بين أسنانه مرة بعد أخرى حتى شعرت أنها حقا تمر بأزمة تنفس حقا وبدأ جسدها يتقلص في تألم ونشوة ولم تدري ابدا أن صوت أنينها كان يزداد ارتفاعا طوال تلك الفترة ليملأ الغرفة..

 

 توقف عما يفعله عندما لاحظ أنها تأن بعدم ارتياح بعدما نجح في اثارتها وذلك ما كان يشدو ولم يحرم نفسه من التمتع بتعابير النشوة التي تبدت على وجهها، حتى حينما حاولت ابعاد وجهها المحمر عنه لم يسمح لها وهو يحتفظ به بين يديه وكأنه يخبرها أنها لن تستطيع الاختباء عنه.. لم يسمح لها بإنكار الامر هذه المرة او محاول التهرب منه..

 

-        أدهم..

تمتمت بترجي في صوتٍ يأس وهو يجبرها على مواصلة النظر له ليُسكتها بنبرة حازمة وعين يملأها الرغبة:

-        اششش.. لا مزيد من ادعاء عكس ذلك.. أنتِ تريديني مثلما أريدك.. لما العناد فريدة؟!

 

جربت أن تجيبه ليسد فمها بإصبعه متابعًا وكأنها يقرر أمرًا لا يأخذ رأيها:

-        اعطينا فرصة.. امنحي لكلينا تلك الفرصة نحن نستحق هذا.. كلانا يحتاج الآخر بعد كل ما مررنا به..

 

التزمت الصمت وهي تراه يركع على ركبتيه أمامها ليكون بنفس مستواها بينما عملت يده على إثناء غرتها خلف أذنها ليتثنى له رؤية أكبر قدر من تعابيرها الساحرة.. ليستكمل بتصميم أكبر وعيناه بحر من العاطفة صعبة المقاومة:

-        أعدك أنكِ لن تندمين هذه المرة.. سأتنفس فقط من أجل اسعادك.. حياتي بالكامل ستكون رهن اشارتك.. فقط اعطيني تلك الفرصة فريدة!!

 

قضمت شفتها وقد غلبتها دموعها من التأثر، كان من الصعب رفضه هذه المرة.. نظرته كانت صادقة، تعدها بكل ما تمنت يوما أن تحصل عليه.. لكن تلك الغصة بحلقها وقفت هناك تخنقها وتمنعها من الاجابة علبها لكنه أصر عليها بمزيد من الالحاح ليحصل على اجابة واحده دون غيرها:

-        أعرف ما تعانيه من مخاوف.. لكي كل الحق ان تخافين من عملي وحياتك معي.. لكن صدقني أنا أعمل جاهدا على خلق بداية جديدة لنا.. انظري..

 

توقف لثانية وهو يبلع ريقه وكأنه يعاني يقول هذا ثم أكمل:

-         كل ذلك سيتغير بمجرد أن نصل كاليفورنيا.. ثمة حياة مختلفة بانتظارنا.. لقد عملت طوال الاسابيع السابقة على ترتيب هذا من أجلك.. ستبدئين علاجك وستتحسنين، سنعيد بناء علاقتنا معا.. حتى عملي لقد غيّرته وفصلت سائر أعمالي عن المنظمة.. لقد عزمت أن ابتعد تماما عنهم، أريد لما بيننا أن ينجح حقا، لا ارغب بأن يعكر صفو حياتنا شيئا بعد.. ولأثبت لكِ هذا؛ لقد رشحت نفسي لمنصب السيناتور بمجلس الشيوخ..

 

--

 

الإمارات العربية المتحدة – دبي

الساعة 2 مساءًا

 

-        انتخابات مجلس الشيوخ؟

صاح (أحمد) شقيق فريدة في ذهول جمّ بينما يُطالع خبر ما على وسائل التواصل لتسأله والدته التي أتت على صياح بينما تحمل ابنه (عمر) تهدهده:

-        عمن تتحدث أحمد؟

 

عض على أحمد على شفته من الغيظ قبل أن يترك الهاتف ويطالعها وهي تجلس جواره على الأريكة:

-        إنه ذلك الحقير، صِهرك!

-        زوج فريدة؟ ما به لم أفهم؟!

 

تمالك اعصابه قدر الإمكان وهو يحاول أن يشرح لها ما حدث دون أن يفقد اعصابه من جديد وينفعل وتسمعه زوجته (داليا)، والتي تأخذ حصتها من النوم الآن بعد سهرها مع الصغير طول الليل وقد سلمت ورديته لأمه والتي بالمناسبة تكره جدًا أن يتحدث في موضوع أخته فريدة أمامها خاصة وهو يفقد أعصابه في كل مرة ويتحدث بالسوء عنها.. فهكذا هو دائمًا منذ ما حدث منها آخر مرة ورغم مرور ثلاثة شهور على الأمر إلا أنه كلما جاءت تلك السيرة ينفعل لأقصى ذروته قائلا كل كلام سيئ يمكن أن يُقال عنها..

 

شرح باقتضاب ما قرأه:

-        أدهم قد رشح نفسه لمجلس الشيخ كسيناتور عن ولاية كاليفورنيا.. بعد شهر واحد من عودته مع ابنتك العزيزة هناك استطاع أن يفعل ذلك، تخيلي؟!.. بعد كل تلك القضايا التي بحقه والجرائم التي ارتكبها هنا يكتبون عنه قصائد شعر عن نزاهته وشرفه!!.. الآن، لست مستغرب تصرف فريدة، فإذا استطاع أن يقنع امريكا بنزاهته وشرفه، لما استغرب ذلك عليها؟!.. لن أتفاجأ إن أصبح رئيس أمريكا ذات يوم، نصاب حقير!!

 

ذوت (منى) فمها في استنكار لما سمعته بينما يديها مستمرة في تهويد الطفل على ذراعه شاردة بذهنها بعيدا في كل ما آل إليه الوضع من ثلاثة أشهر.. إلى الآن لم تصدق ما فعلته ابنتها فريدة من رعونة وجفاء في حقها.. أحقًا فضلته هو عليهم وهدمت كل حياتها بهذه البساطة؟!.. لقد كادوا أن يموت جميعًا من أجلها حين اختطفها ذلك الحقير.. ومن قبل هذا، عندما تركها أول مرة من سنوات في بلد غريب مشلولة وفاقدة للنطق واختفى، وحدها تعلم ما مرت به ابنتها آنذاك.. لقد عانت معها لحظة بلحظة حتى استعادت ابنتها التي تعرفها.. الحقيقة أن جميعهم عانوا معها، لم يدخر أحدهم جهد في رعايتها أو توفير الراحة لها ومساعدتها على التعافي.. وأكثرهم كان مراد، الرجل تحمل ما لم يتحمله رجل على نفسه من أجلها فقط، وأول ما اشتدت عافيتها كافئته بالتخلي عنه والعودة للرجل الذي كان السبب في معاناتها من الأساس!!.. أي جنون هذا؟!

 

أجل، بالنسبة لها صدقت ان ابنتها قد جُنت وأصاب عقلها شيئًا ما لذلك بالطبع وافقتهم في أي قرار سيرجع لابنتها لعقلها.. نعم كانت تفضل أن تصدق ان ابنتها مختلة وتحتاج للاحتجاز بمصحة نفسية لعلاجها على أن تكون بكامل قواها العقلية وتتصرف بهذه الرعونة!! .. لقد جلبت لهم العار بأفعالها وكسرت قلب الرجل الصالح الذي أحبها!!.. يا الله، مراد لم يكن بالنسبة ابن صديقتها بل ابنها الأكبر ورجلها الأول قضت سنوات من عمرها تدعو الله أن يكون من نصيب فريدة لما فيه من مقاومات الصلاح النادرة في مثل هذه الأيام حسب اعتقادها.. لكن ابنتها كانت اغبى من أن تستحق رجلًا مثله، لذلك تستحق كل المعاناة التي عاشتها وستعيشها بسبب الرجل الذي اختارته هي!!

 

لذلك لم يكن أمامها إلا التصديق على قرار ابنها ومراد علّ فريدة ترجع لصوابها، وحين حدث ما حدث وفضحتهم أمام العالم أجمع بأنها تحب هذا المجرم وأنها كانت معه بإرادتها على مركب واحد لمدة شهر كامل بدون زواج وهي مخطوبة لرجلا آخر ترك عمله للبحث عنها، لم تملك شيء تقوله.. من الجيد أن مراد لم يُجن ويقتلها ويخسر حياته بسببها، لقد دمرته ودمرتهم جميعًا بفعلتها، الفضيحة التي تسببت فيها وما كُتب عنها خلالها كان كارثيًا، لقد قرأت كل شيء رغم محاولات أحمد لإخفاء كثير من التفاصيل عنها.. ولذلك لم تعارض أحمد في قراره بالتبرئة منها، رغم ألمها كأم لكنها كانت تعلم أنه لا بد من استئصالها من حياتهم لكي يحيوا حياة هادئة، وإن كانت فريدة تريد التهلكة فلتهلك وحدها، لن يحاول أحدًا منهم انقاذها مجددًا!!

 

نظرت من جديد لابنها بخيبة أمل ولم تملك ما تقول.. في بعض الأحيان لابد لنا من التسليم للأقدار الخارجة عن إرادتنا، تقبل عجزنا التام عن تغييرها، وإنها خارج مسؤوليتنا.. وكانت فريدة أحد تلك الأقدار، مؤسف كلما ظنت أنها قد أذابت الحاجز بينهما وعادت لحضنها، إذ تُفاجأ بها تبعد عنها أميال!!

 

تمتمت بقلب أم يعتصره القلق بينما تحتضن حفيدها بقوة:

-        ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا.. 

 

الصفحة التالية 

الصفحة السابقة