رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 6 - 3 - الثلاثاء 26/11/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل السادس
3
تم النشر الثلاثاء
26/11/2024
تحب التحديات خاصةً حينما يكون التحدي بينها وبين نفسها ، تعهدت ألا تنحل من حوله أبدًا ، سيصبح لها وانتهى الأمر .
لتكن متفوقة عليه في تلك النقطة ، فهي تمتلك إرادة حتى لو كانت تديرها بشكلٍ عكسي ولكنها تتقن جيدًا استعمال أسلحتها لتوقع به .
لم يكن ذاك الرجل الذكي ليستشف مكرها ، بل أن عصابة عينيه جعلته يرى بها ما لا يراه بزوجته ، أنوثة طاغية ، دهاء ثعلبي ، عبارة عن لوحة ملونة بعدة ألوان جميعها تجذبه بينما لا ترى عينيه في زوجته سوى لون النقاء الذي يشعره بالملل .
ذهبت إليه في محل عمله ومن هيأتها استشف أنها تبكي ، نظر لها بقلق وهي تخطو وتجلس أمامه فتحمحم ونظر للعمال بضيق ، أخبرها ألا تأتي إلى هنا ، ليكن حديثهما في الهاتف فقط ولكنها أتت .
زفر ونظر لها فعاودت البكاء ونظرت له بضعفٍ وانكسار أتقنت صنعهما وتحدثت بنبرة متحشرجة :
- أنا عارفة إن أنت منعتني أجيلك هنا بس أنا مخنوقة وقلت أخرج أشم هوا لقيت رجلي جيباني لعندك .
اندمج معها وتجاهل نظرات العمال من حوله وتساءل باهتمام :
- إيه اللي حصل يا زينة ؟
- طليقي عايز يرجعلي ، والمصيبة إن أمي عمالة تضغط عليا أوافق أرجعله .
نطقتها بملامح مصدومة ليدرك إحساسها فتعجب متسائلًا :
- تضغط عليكي إزاي ؟ وإنتِ ليه توافقيها أصلًا ؟
دققت النظر فيه واستطردت بنظرات مبهمة :
- أنا مش هوافق طبعًا ، أوافق إزاي وأنا قلبي متعلق بحد تاني ومش عارفة أطوله .
توترت نظرته فابتعد ينظر حوله وحينما اطمأن عاد إليها يطالعها بعيون متفحصة ويتساءل بترقب :
- اللي هو مين ؟
- إنت طبعًا .
نطقتها بثقة وتأكيد فتحمحم يشعر بالهيمنة والتباهي ثم نفش كتفيه يردف بنبرة تغلفت بالحدة :
- يبقى تفهمي أمك الكلام ده ، واللي إنتِ محتجاه هيوصلك ، واصبري عليا لما أزبط أوضاعي وهجيلك أنا ماتجيش إنتِ هنا .
شعرت بانتصار عظيم ، منذ شهر وهي تتواصل معه وتستقطبه بأساليبها المتعددة ، ترسل له الأشعار والمدح في تصرفاته وملامحه وتفاصيله ، شهر وهي تعطيه الشعور بالتميز والانفراد وكم أنها وجدت فيه الهيمنة والرجولة التي لم تجدها في غيره ، والآن باتت على عتبة تحقيق الأهداف .
امعنت النظر فيه وبابتسامة اختلطت بدموعها المسرحية أردفت :
- بجد يا كمال ؟ يعني أنت مش بتضحك عليا ولا بتستغلني ؟
اتسعت عينيه وأجابها بذهول مسرحي :
- استغلك ؟ عيب يا زينة مش كمال الوراق اللي يعمل كدة ، أنا الكلمة اللي بتطلع مني سيف على رقبتي .
قالها وهو يصفع رقبته بيده فابتسمت له تطالعه بنظرة فخرٍ وتابعت بثقة :
- عارفة إنك كدة ، بس الشيطان شاطر ، وأنا حبيتك واتعلقت بيك في وقت قصير وساعات بخاف تكون يعنــــــــــــي ....
- لا ماتخافيش ، يالا قومي روحي وهكلمك أنا في الموبايل .
ظلت جالسة تطالعه بعيون هائمة فابتسم يهز رأسه ثم مد يده ينتشل محرمة ورقية ويناولها إياها مردفًا باهتمام :
- خدي امسحي دموعك وبطلي عياط بقى علشان مازعلش منك .
مدت يدها تلتقط منه المحرمة ولكنهما تجمدا حينما وجدا أمامهما ديما ، دلفت حاملة الطعام ليسد جوعه ، لتتفاجأ به يجفف دموع امرأة أخرى .
وقفت متجمدة هي الأخرى تطالع زوجها بنظرات مستفسرة ، لا تتذكر على مر السنوات التي تزوجته بها أنه حاول مرة إزالة دموعها .
لم يتألم قلبها بل طُعنت روحها للمرة التي لم تعد تحصيها ، روحها المنهكة من أفعاله والتي لا تنقصها خيانة .
لم تتألم من مشاعره تجاه أخرى بل تتألم لمشاعرها التي يتعمد تجاهلها ، حياتها التي يدوسها ، تضحيتها التي تراها تذهب سدى .
نهض من مكانه يتجه إليها ويتساءل بتوتر توغله :
- أومال الولاد فين ؟
لم تشح عينيها عن تلك الجالسة تشعر بالتوتر أيضًا بل أجابته وهي تطالعها بنظرات مشمئزة :
- عند ماما .
نهضت زينة تلملم تشتتها وتحدثت بمغزى :
- طيب أمشي أنا بقى يا أستاذ كمال وابقى ابعت العمال ياخدوا الحاجة زي ما اتفقنا .
أومأ لها يردف بنبرة متعجلة من شدة توتره :
- تمام يا مدام زينة هبعتهملك بالعربية ومش هنختلف في السعر .
أومأت له وتحركت خطوة حتى وقفت مقابل ديما تحدق بها بنظرات مبهمة لم يصعب على ديما تفسيرها واسترسلت :
- عن إذنك يا مدام .
تخطتها ورحلت وتركته يقف بجانبها عاجزًا عن الكلام ، لم يزل توتره بل زاد حينما وجدها صامتة وشاردة .
دام صمتها للحظات ثم تحركت خطوة تضع ما في يدها على المكتب ثم التفتت تطالعه بعمق مردفة :
- جبتلك الغدا قبل ما اروح عند ماما ، قلت أكيد جعان .
ابتسم لها وأردف بنبرة لينة غير معتادة :
- شكرًا يا حبيبتي ، طب اقعدي كلي معايا !
بعيون يملؤها الاتهام والنفور أردفت :
- اتغديت ، انا ماشية .
تحركت لتغادر وقلبها يخبرها بالركض ، يود الهرب ، يود الابتعاد عن هذا الرجل وعن محيطه ، يود كل شيء وأي شيء عدا أن يكون معه .
أما الآخر فقد لملم نفسه سريعًا بعدما استشعر النفور في نظرتها ونبرتها لذا ناداها قبل أن تغادر فالتفتت تطالعه فوجدته ينظر لها نظرة ثاقبة وأردف بجمود :
- ماتتأخريش ، أرجع ألاقيكي .
لم تجبه بل التفتت تكمل سيرها وتغادر قبل أن تتجمد الدماء في عروقها وتخر صريعة أمامه فهو لم يعد حبيبًا ولم يكن يومًا، لقد أصبح زوجًا خائنًا .
❈-❈-❈
ألا تدركين أنني أتألم ؟ ألا تشعرين بي حبيبتي ؟ كيف وأنا أخشى عليكِ من أنفاسي ؟ ألا يمكنكِ التوقف عن الضغط على الجرح الذي أُخفي نزيفه عنكِ ؟
تجاوره في السيارة تنظر أمامها بشرود و ملامح متجهمة لا تصدق ما قاله الطبيب لهما بعد المتابعة .
يقود بشرودٍ مماثل ، هو أيضًا لا يصدق ما قاله ولكن أُضيئت داخله شرارة أمل خاصة بعدما أكد له أنه لا يعاني من أي مشكلات تنمعه من الإنجاب كما قيل له من قبل .
أراد أن يتحدث معها ويشاركها ما يشعر به خاصةً وأنه لا يدرك ما بها لذا تحدث بترقب :
- يسرا ؟ بتفكري في إيه ؟
آنت فرصتها لتتحدث لذا نطقت بضيق :
- يظهر إن كان معاك حق يا دياب ، ماكنش لازم نتابع مع الدكتور ده ، واضح إنه مش فاهم أي حاجة ، إزاي يعني بعد شهر من المتابعة قول إن الوضع طبيعي ؟
شعر بالغضب الذي دومًا يكظمه في حضورها لينطق بعدها بتريث :
- بالعكس أنا اللي شايف إن كان معاكِ حق لما تابعنا معاه ، الدكتور عمل اللازم كله وفعلًا أنا حاسس إن الوضع طبيعي ومافيش حد مننا عنده مشاكل غير بس المشكلة البسيطة اللي عندك واللي هتروح مع الأدوية زي ما قال .
نبش عش الدبابير داخل عقلها فهاجت وتحدثت باندفاع بات جزءًا لا يتجزأ من شخصيتها :
- يعني إيه الكلام ده يا دياب ؟ أنا فعلًا موضوع التكيس ده اتعالجت منه من زمان ، ودكتور محب قال إني بقيت زي الفل وإن المشكلة عندك إنت .
قبل أن تغلق فمها كان الندم يلتهمها على ما تفوهت به ليتوقف عن سيره جانبًا ويلتفت يطالعها بصدمة وحزن دام لثوانٍ ثم أردف باستنكار حزين :
- دلوقتي كلام دكتور محب جه على هواكِ ؟ مانا ياما قلتلك اسمعي كلامه وكنتِ رافضة ، ولا علشان الدكتور ده قال إن ماعنديش مشاكل ؟ للدرجادي إنتِ بقيتي أنانية يا يسرا ؟ هو المهم مين فينا عنده مشاكل ولا إننا نحلها ؟ أنا مابقتش فاهمك بجد .
اغرورقت عينيها بالدموع وأرادت أن تعتذر ولكن الصراع الذي يلتهمها داخليًا جعلها تبتلع لعابها وتلتزم الصمت بحسرة على أملٍ ودت إحياؤه عند ذلك الطبيب وانهدم فوق رأسها ، كيف يخبرها أن كل شيء بينهما طبيعي ؟ إذا لمَ إلى الآن لم تحمل بجنين داخل أحشائها ؟
حينما صمتت قرر الصمت مثلها وعاد يكمل قيادته وكلٍ منهما يأكله الحزن بسبب عدم تفهم الآخر له .