رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 15 - 3 - الثلاثاء 24/12/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الخامس عشر
3
تم النشر الثلاثاء
24/12/2024
كالعادة تجلس تتناول وجبة الغداء معه ولكنها شاردة على غير عادة أمام عينيه المتسائلة والتي أتبعها بسؤاله :
- مالك يا بسمة ؟
لم تنتبه له لذا قطب جبينه وعاد يتساءل :
- بسمة ؟ في إيه ؟
انتبهت له لذا تحمحمت تنظف حلقها وتنفست بعمق لتردف موضحة :
- داغر أنا بفكر أرجع الشركة ، الأداء هناك مش مضبوط وموظفين كتير بيشتكولي وإنت عارف ان دي شركة بابا الله يرحمه وهو تعب جدًا فيها ، وبالنسبة للمصنع أنا مطمنة عليه جدًا وإنت فيه .
شعر بوخزة هجمت على قلبه وتبدلت ملامحه ليسكنها الانزعاج مما تقوله ، ستبتعد ؟ كيف سيحتمل هذا البعد ؟ وكيف له أن يعترض ومن هو ليعترض لذا تنفس نفسًا حارًا حتى أنه شعر بقلبه يحترق وهو يدعي التبسم مجيبًا :
- تمام دي حاجة كويسة جدًا .
تذكر ماجد ليتخذه ذريعة لذا أسرع يتابع :
- بس ماجد ابن عمك هتعملي معاه إيه ، وإزاي هتتحملي تبقي إنتِ وهو في مكان واحد؟
تعلقت في عينيه وأردفت بأسف :
- ماجد مش هيكون معايا في الشركة يا داغر ، ماجد هيكون هنا وهو اللي هيتولى إدارة المصنع بدالي .
صدمة لونت وجهه بلون الخذلان ، ستضع ذلك المعتوه الحقير الذي يسعى ليصل لها عنوة فوق رأسه ؟ هل جنت أم ماذا ؟
وجدته صامتًا يطالعها بصدمة فحاولت توضيح الأمر له لذا نطقت بتروٍ :
- داغر إنت عارف إني بثق فيك جدًا ، إنت وصالح اللي هتكونوا المسؤولين الفعليين عن المصنع وهو شكلًا بس لكن مش هينفع أعترض وفي نفس الوقت مش قادرة أتخطى الأحداث اللي بتحصل في الشركة ، أرجوك حاول تفهمني .
تبرر له لأنه يستحق ، لأن بينهما صداقة ولكن من المؤكد ليس حبًا ، هو لا يحبها وهذه المشاعر نابعة منها وحدها .
هذا ما يفكر فيه ، تبرر له لأنها تعتبره صديقًا ولأنها تثق به ليس لأنها تحبه ، من المستحيل أن تقع مثلها في حبه لذا نهض على الفور يرسم ابتسامة على ملامحه ويردف بنبرة رسمية :
- اعملي اللي شيفاه مناسب يا آنسة بسمة ، ومن ناحيتي ماتقلقيش الشغل هيفضل زي ما هو بالضبط واطمني المصنع مش هيتأثر بأي شكل .
تنفس بعمق ثم تابع بمغزى :
- إلا بقى لو أستاذ ماجد ليه هدف معين .
قالها وتحرك بعدها يغادر وتركها ترتد على المقعد تفكر فيما قاله وتبحث عن حلٍ يرضي جميع الأطراف بين عقلها وقلبها
❈-❈-❈
جلس خلف مكتبه يتصفح هاتفه بعدما سمع أخبارًا متداولة عن طليقته التي سافرت إلى الإمارات لتحضر ندوة أدبية .
الغيظ توغل إلى قلبه و شيئًا من التملك استحوذ عليه ، نجاح وشهرة وأراء جميعها تؤكد على نجاحها وبراعتها .
نظر حوله يتأكد من انشغال العمال والأهم أن زينة لن تزوره قط لذا بحث عن اللقاء الخاص بها عبر موضع الفيسبوك وجلس يشاهده ، يسمع حديثها ويرى ملامحها .
يعترف أنها جميلة ولكنها بدت مختلفة في عينيه وكأنها تتلون من جديد ، هل ياترى تحاول إصلاح ما أفسدته ؟ ترى هل ندمت على تصرفاتها ؟
كان منشغلًا بملامحها ورتابة هيأتها ليسافر عبر ذكرياتهما ويتذكر رائحتها وخجلها ورقتها وابتسامتها قبل أن تصدمه كلماتها .
عادت ملامحه تتجهم حينما وجدها تتحدث عن المرأة التي قهرها الرجل ، من المؤكد لا تقصده لأنه لم يفعل ، ربما تقصد والدها ؟!
نعم من المؤكد تقصد والدها أو أنها مازالت تكابر ، شعر بالضيق فزفر وأغلق المقطع ثم حذف العنوان الذي بحث عنه من محرك البحث حتى لا تراه زينة التي تراقب كل صغيرة وكبيرة من أفعاله .
زفر وفرد ظهره على المقعد يفكر فيها وفي حياته وسبح يتخيل ماذا إن عادت له واعترفت بأخطائها ؟ وهل ستسمح زينة بذلك ؟
❈-❈-❈
مساءً
عادت إلى الفندق ثم وقفت عند الاستعلامات وتساءلت بترقب :
- ثائر ذو الفقار في غرفة كام لو سمحت ؟
أجابها الموظف برتابة :
- غرفة ٤١٥ .
أومأت له واتجهت تصعد متعجبة ، أنه يقطن بجوارها ؟!
صعدت واتجهت تقف أمام غرفته ثم طرقت الباب بحذر واعتدلت تتمسك بمعطفه ليفتح بعد قليل ويطالعها بثبات .
يرتدي حلته ويترقب حديثها فقالت وهي تمد يدها له :
- اتفضل البالطو ، بردو مشيت من غير ما تاخده .
التقطه منها يومئ لها فابتسمت وتحركت لتغادر ولكنه أوقفها بحديثه :
- عندي ليكي عرض .
توقفت بالفعل ثم التفتت تطالعه والتساؤلات انهمرت على ملامحها ليتقدم منها خطوة ويسترسل بثباتٍ يخفي خبثه :
- عندي عرض صعب إن أي حد يرفضه بس مش هينفع أتكلم عنه هنا ، خلينا ننزل تحت في المطعم وأقولك اللي عندي .
لم ترتح لكلماته ولا نظراته لذا أجابته بنبرة جادة :
- شكرًا بس أنا مش محتاجة أي عروض .
أدرك أنها فهمته بشكلٍ خاطئ لذا استرسل بنبرة مبهمة يتلاعب بها على وترها الحساس :
- مش عايزة توصّلي رسالتك عن المرأة العربية للمجتمع الغربي ؟ مش عايزة تثبتي إن وجهة نظري غلط ؟ أنا شايف إنه تحدي ممتع جدًا .
أثار داخلها روح التحدي بالفعل لذا ولته انتباهها وتساءلت بتعجب :
- تحدي إيه ؟ وليه أصلًا أثبت نفسي للمجتمع الغربي ؟
اقترب خطوة أخرى وأردف بابتسامة أدركت بها أنه استشف اهتمامها بالأمر :
- مش هتكلم في تفاصيل هنا ، بس أنا حابب اتحداكِ وبما إننا اتنين مصريين وكل واحد مننا ليه وجهة نظر مختلفة فخلينا نحط وجهاتنا على الترابيزة ونسيب المجتمع الغربي يحكم بينا ، واللي هيفوز فينا هيكون مكسب كبير ليه ولأفكاره وبالتالي لجمهوره .
وجدها صامتة شاردة تفكر ليتحمحم ويرنو منها هامسًا :
- هستناكِ تحت نشرب قهوة مضبوطة ونتكلم .
تحرك يضع المعطف داخل غرفته وأغلقها وغادر يتحرك للأسفل وهو على يقين أنها ستتبعه .
❈-❈-❈
جلس يطعم والده من الطعام الذي جلبه معه أثناء عودته ، يفكر فيما قاله داغر له عن حال العمل ، يعلم أن داغر يحب بسمة بالرغم من أنه لم يفصح له عن ذلك ولكن هو خير من يدرك نظراته نحوها .
ليته يستطيع مساعدته بأي شكلٍ كان ولكن كيف السبيل لذلك ؟
لمحه والده المريض فتساءل بأنفاسٍ مهدرة :
- مالك يا صالح ، مالك يابا بإيش سرحان ؟
ابتسم ابتسامة لم تصل لعينيه وأجابه موضحًا :
- سلامتك يابا ، بس بفكر بالشغل ، صاحبة المصنع بدا تروح وراح ييجي ابن عما والزلمة هاض التعامل معاه مش مريح ، الله يستر .
يعلم أن ابنه عزيز النفس لن يسمح لمخلوقٍ أن يهينه أو يقلل من قيمته ، انقلب الحال وبعدما كان يدير مصنع عائلته أصبح هو العامل ، تنفس الرجل وأجابه بحزنٍ :
- أنا عارف إنك تعبت معاي وإن الشغل عند الناس صعب ، بس إحنا مرقنا بالأصعب ، شدة وراح تزول يا صالح وربنا راح يزيح الغمة بإذن الله و ما بتعرف بكرة بنرجع بلدنا وترجّع مصنعنا زي ما كان يابا .
يثق في قدرة الله ولكنه ينظر إلى الواقع لذا مسح على وجهه وزفر يجيبه :
- ادعي نرجع بلدنا يابا بس المصنع صعب يرجع ، اللي راح برجعش للأسف .
قالها وتشبحت ملامحه بالحزن على عائلته التي استشهدت ولكن والده كان يفكر في أمرٍ آخر لذا تساءل بترقب :
- يعني لو الغمة انزاحت راح ترجع يا صالح ؟
ربما تعلقت روحه بصداقته مع داغر وتعلق عقله بالمكان هنا وتعلق قلبه بها ولكنه حتمًا سيعود إلى وطنه لذا أردف مؤكدًا :
- طبعًا يابا راح رجع ، لولا اللي صار معك ووضعك الصحي وحسيت إنك بدك بتضيع مني أنا ماكنتش طلعت من بلدي اصلًا و اخرتي ارجع .
اطمأن الرجل قليلًا ، لقد كان يخشى بقاء ابنه هنا خاصةً وأنه يعلم مدى تعلقه بداغر وبالعمل لذا عزم أن يخبره بسره ؟ علّه يطمئن قليلًا ويرفع من على عاتقه ثقل الهموم ؟
لاحظ صالح شرود والده لذا تساءل بشك :
- بشو صافِن يابا ؟
تحمحم الرجل ومد يده يربت على كف صالح مطمئنا مردفًا :
- ابدا يابا ، خليها على ربك .
أومأ صالح ونهض يجمع الأغراض ويغسل يديه وجلس الرجل يفكر في شقيقه الذي يقطن في كاليفورنيا ، لقد حان وقت الاتصال به ليسترد أمانته .
❈-❈-❈
جلس ينتظرها ولم يرغب في احتساء القهوة بدونها لذا أجل طلبه إلى أن تأتي .
مرت ربع ساعة ليجدها تدلف المطعم بثيابٍ أخرى ، مرتدية فستانًا أزرقًا هادئًا ومحتشمًا ، لونه يشبه البحر الهادئ وفي فحواه ألف ثورة ، تخطو نحوه كموجة تتقدم على رماله الجافة فتنعشها وعينيها كشمسٍ سطعت في الأفق فانعكست على الأمواج تضيئها وانعكست على عينيه فتلألأت .
وترتها نظراته لذا أخفضت بصرها لينتبه لنفسه فتحمحم وأردف حينما وقفت أمامه :
- اتفضلي ، مارضتش أطلب القهوة غير لما تيجي .
جلست تطالعه بهدوء وأردفت :
- خلينا نتكلم علطول مافيش داعي للقهوة ، وياريت تخليك واضح وتعرفني إنت عايز إيه بالضبط ؟
مال جانب فمه بابتسامة ساخرة ونفذ لها طلبها يوضح بتباهٍ :
- عندي ليكي فرصة عمل في فرنسا ، إنت عارفة إن فرنسا بلد ديمقراطي وبيتقبل جميع الأراء وهتقدري هناك تاخدي راحتك تمامًا في اللي بتكتبيه .
حدقت به بعدم استيعاب ، فرنسا ؟ أيريدها أن تسافر إلى فرنسا ؟ هل يظن الأمر بهذه السهولة ؟ نعم فهو لا يعلم عنها شيء .
لاحظ صدمتها فابتسم وأشار للنادل يطلب فنجانين من القهوة المضبوطة ثم عاد إليها يتابع بهدوء :
- بما إنك كتبتِ قصة بتعبر عن المرأة العربية فأنتِ تلقائيًا بقيتي مجبرة تثبتي كلامك وتأكدي صحته ، مجبرة توصلي صوتك ورسالتك وتقدمي حلول كمان ، مجبرة تتحديني لإني مش مقتنع إن قصتك دي واقعية أبدًا .
ابتسمت ساخرة حينما استفزتها كلماته وأردفت تؤكد :
- حضرتك مغرور .
- جدًا .
أجابها بتأكيد مماثل ليستطرد باستفزاز أعلى :
- أنا مغرور لإنك عارفة إني على حق ، إنت اللي محتاجة تبصي حواليكي كويس ، وبعدين أنا بقدملك فرصة مستحيل تلاقي زيها وهي إنك هتسافري وتشتغلي معايا في المجلة وتكتبي بحرية أكبر وتوصلي رسالتك للجهة التانية من العالم زي ما وصلتيها للشرق الأوسط ، ده غير إنك لو نجحتي هتهدمي أسس ثائر ذو الفقار الكاتب المغرور زي ما قولتي ، ومش هنتكلم في الجزء المادي اللي أكيد يستحق التفكير خصوصًا إنك لسة في أولى خطواتك .
جعلها تتصارع مع عقلها حيث أنه قدم لها جُل المغريات التي يمكن أن تؤثر عليها عدا الجزء المادي فهي ليست المرأة التي تنحني أمام المغريات المادية لذا فهي تعد أصعب أنواع النساء ، المال بالنسبة لها وسيلة وليس غاية .
زفرت بقوة دليل على صراعها لتجيبه بعد ثوانٍ وهي تهز رأسها :
- شكرًا إنك فكرت فيا برغم إن مبادئنا مختلفة بس للأسف العرض ده مستحيل ينفع معايا ، أنا أم لطفلين وعندي عيلتي اللي ماقدرش أبعد عنهم أبدًا وليا مسؤوليات أفضّل التزم بيها جوة بلدي وأهمهم ولادي .
- إنتِ جبانة .
كان هذا جوابه لتطالعه باستنكار تنتظر أن يبرره ولكنه تابع :
- جبانة لأنك خايفة تواجهي التحديات ، ممكن تقوليلي إيه المميز في إنك تكتبي وتربي طفلين وتعيشي مع أسرتك البسيطة جوة بلدك في الوقت اللي ممكن تكتبي وتربي طفلين لوحدك وتعيشي لوحدك وتوصلي رسالتك كامرأة عربية ويعرفك جمهور أكبر وممكن جدًا يقتنع بأفكارك ، ولا إنتِ خايفة تفشلي ؟
زاد من حدة الصراع داخل عقلها لذا هزت رأسها ، لثوانٍ من الصمت الظاهري الذي قطعته بعد رؤيتها لنظراته المستفزة لذا أردفت وهي تستعد للنهوض :
- أسفة بردو ماقدرتش تقنعني ، أنا مبسوطة كدة وتقدر تقدم العرض ده لحد غيري ، عن إذنك .
نهضت تغادر نادمة على مجيئها وعلى مكوثها مع شخصٍ مستفز مثله ، هل يسخر منها ؟ أي سفرٍ وأي عملٍ وأي تحديات ؟ هي فقط ديما الصابر ، امرأة السلام .
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية