-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 19 - 1 - السبت 25/1/2025

  

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل التاسع عشر

1

تم النشر السبت

25/1/2025



رحلَ الحبيبُ وترَكَ خلفَهُ حكاياتٍ لم تكتمل، وأحلامًا باتت كالغبارِ تتلاشى مع أولِ نسمةِ ريح. كيفَ لقلبٍ أحبَّ بصدقٍ أن يتجاهلَ هذا الفراغ؟ كلُّ زاويةٍ تحملُ ذكرى، وكلُّ لحظةٍ تحملُ وجعًا. ليستِ الخسارةُ في الفراقِ فقط، بل في محاولتي أن أعيشَ بعده وكأنَّ شيئًا لم يكن.


ورغمَ الحزنِ، أؤمنُ أنَّ الأيامَ تعلِّمُنا كيفَ نعيدُ ترتيبَ نبضاتِنا، وكيفَ نلملمُ أشلاءَ أرواحِنا. فالحبُّ يبقى درسًا، حتى إنْ لم يكتمل.


تميمُ مدحت العسلي

❈-❈-❈

صدمه غريبةٌ جمدتها،

الهاتفُ على أذنها، لكنها لم تعد هنا.

في لحظةٍ واحدة،

انفصلت عن كل شيء،

عائدةً لوقتٍ مضى،

لوقتٍ غاب عنها كثيرًا،

منذ عامٍ وبضعة أشهر.

الذكريات تتضارب برأسها 

يوم كان تميم عريسًا قيدَ الرفض،

مرفوضًا منها، ورافضًا لها.

لا هي أرادته،

ولا هو كان يريدها.

لم يُرد أحدُهما الآخر.

وعافر كلٌّ منهما لإنهاء تلك الزيجة الفاشلة.


وكشريط سينما لفيلمٍ قديم،

مرّ كل شيء أمام عينها،

ببطءٍ سريعٍ لم تفهمه،

لحظةً بلحظة.


أخبارهم لها بخبر الزواج الإجباري.

انهيارها، رفضها، وسخطها.

الاستعدادات المؤلمة والمُهينة لها.

أول لقاء، وأول نظرة.

صدمتها به للوهلة الأولى.


جلسته في منزلهم،

ومقالبها التي لم تنتهِ سوى بنهاية الأمر.

ولن تنسى، لم تقدر حتى أن تنسى.

جلستها هي في منزله وكم كانت مختلفة.


كان المنزل دافئًا،

دافئًا لدرجةٍ بعثت الرجفة في جسدها البارد.

يحاوطه الأمان رغم غربتها فيه.

شعرت بانتماءٍ لم تشعر بقطرةٍ منه في بيتها.

وكم كان هذا مؤلمًا لها.


لن تنسى تلك الليلة.

الأمطار.

البرق والرعد.

ورغم خوفها اللحظي،

كانت آمنةً مطمئنةً بمنزله.

كانت بخير يومها.


بخيرٍ حتى إنها سهرت طول الليل

تُدندن شاعرةً أنها حلّقت خارج قفصها الذهبي.


وأخيرًا، يومٌ كان لها أقرب من أهلها.

يوم علم أنها مجبرة.

وحديثٌ حُفر بداخلها ولم تنسه أبدًا.

حديثٌ كان لها طوق النجاة.


حينما صاح بها بحزم:

"إحنا الاتنين اتجبرنا.

إحنا الاتنين كنا بنحاول ننهي المهزلة دي.

بس محدش فينا نجح،

لأننا كنا معتمدين على رفض بعضنا،

وده أكبر غلطة."


أجابته بتعب:

أنا مبقتش عارفة الصح من الغلط.

إزاي يعملوا فينا كده؟ إزاي؟


تميم بقوة:الصح؟

الصح اللي هنعمله دلوقتي.

وأكمل بحزم: هنرفض.


هنرفض مهما حصل.

هترفضي يا فريدة.


قالها وحثّها عليها.

وقف بجانبها.

لم يتخلَّ عنها.

بسببه هي واجهت.

تمرّدت على ما لا تستحقه.

تمرّدت على سنوات عمرها الضائعة.

تمرّدت وخرجت من سجنها الذهبي.

وكان داعمًا لها رغم أنه لم يعرفها سوى مدةٍ صغيرةٍ جدًا.


ويوم الوداع.

ويوم أمسك يدها مودّعًا إياها.

مغادرًا، كلٌّ منهما نحو طريقه.

غادرت، ولم تدرِ يومها لمَ التفتت خلفها،

لمَ فعلت هذا.

وكان آخر لقاءٍ أبى أن يغادر جزءٌ منها.


حتى دعاؤه لها بآخر مرة،

كان صادقًا.

كان يدعو من قلبه.

تعلم، هي تعلم.


ملمسٌ دافئٌ لامس وجنتها.

رفعت يدها تلمسه،

لتمسح دمعةً سالت،

تبعها الكثير.


دموعٌ غادرت عينيها لم تمنعها،

قبل أن ترمي الهاتف من بين يديها.

جالسة أرضًا.

تضم ركبتيها إلى صدرها،

تبكي وتبكي دون أن تدري ما بها ،

حتى رفعت يدها تكتم صوت شهقات بكائها،

لا ترغب في أن يسمعها عمر 

لا تريد سوا ان تظل بمفردها 


❈-❈-❈

كم مرَّ؟

لحظة؟ اثنتان؟ ثلاث؟ أربع؟

والجميع يقف يناظر الطبيب بعينٍ متسعة،

يحاول كلٌّ منهم استيعاب ما نطق به للتو.


ماذا قال؟

كأنهم أصيبوا جميعًا بغباءٍ مفاجئ،

يحاول كلٌّ منهم الفهم، ناظرين لبعضهم البعض.


ثم حدث بعدها كل شيء دفعةً واحدة.

شهقة آلاء العالية وهي تغطي وجهها، تبكي بقوة،

وفمها يردد: "الحمد لله."

لم تقدر على الوقوف حتى خانتها ساقاها لتقع أرضًا،

شاهقةً بقوة من شدة بكائها،

تشكر وتحمد الله،

بوجهٍ أحمر متعب ومرهق،

تهز رأسها بسعادة،

غير قادرة على نطق أي شيء سوى:

"الحمد لله، الحمد لله."

وقلبها يخفق بشدة،

شاعرةً أنها الآن تستطيع التنفس.

اخاها تميم قد أفاق، ولله الحمد.


أما حسام،

فلم يجد نفسه سوى وهو يخر ساجدًا أرضًا،

غير قادرٍ على فعل أي شيء في تلك اللحظة

سوى أن يسجد لله شاكراً إياه،

حامدًا وشاكرًا مُرددا: الحمد لله،

بعد الكثير من الرعب والقلق،

والكثير من لحظات اليأس وفقدان الأمل،

كان الله بهم رحيمًا وكريمًا،

وقد أنقذ أخاهم.


أفاق تميم،

وكانت تلك أمنية أيامٍ طويلة للغاية،

أيام مؤلمة للجميع،

ولقلبه المتألم.

فتميم لم يكن يومًا أخًا فقط،

بل أخًا وأبًا وصديقًا،

يحمل بقلبه له الكثير.

والآن، سيظل يحمد الله دائمًا

على رحمته بهم واستجابته لدعائهم."


أما أنس،

فقد ضم ملك الباكية إلى صدره،

متشبثةً به بقوة،

تضم جنينها، ويضمها هو إلى صدره بحنانٍ وعطف،

متحملًا ثقل جسدها الواهن،

مهدهدًا إياها،

هامسًا في أذنها بعطف:

"بس، بس يا حبيبتي،

بس، متعيطيش.

الحمد لله، الحمد لله قدر ولطف.

تميم بخير،

تميم بخير يا ملك،

وهيبقى بألف خير.

ثقي في الله،

ثقي أن ربنا مستحيل يتخلى عنّا،

وأن ربنا رحيم أوي بعباده.

تميم بخير،

وإنتِ كمان هتبقي بخير إن شاء الله.

بلاش زعل عشان خاطري.

كله هيكون تمام وبخير، أنا واثق.


رددها لها ولنفسه قبلها،

والابتسامة لا تغادر فمه،

ودمعة كادت أن تغادر، فتركها.

فهي خرجت لمن هو بمقام أخيه.

والحمد لله على نجاته.


تنهيدةٌ مرتاحة من قلبٍ مثقلٍ بالكثير

خرجت من فم أحمد،

وهو يُلقي بجسده على المقعد،

ماسحًا وجهه بارتياح.

فأخيرًا، لله الحمد،

أفاق صديقه وأخيه.

كم دعا في صلاته بتلك الدعوة،

وجُسِّدت أمامه في تلك اللحظة.

وسيصبح بألف خير.


وضع أمير الهاتف في جيب بنطاله،

بعد أن رفض مكالمة العمل الواردة،

وهو يتمتم بالحمد هو الآخر،

حامدًا الله،

شاعرًا بالخجل من نفسه لوهلةٍ من انشغاله بتلك الطريقة.

إلا أنه نفض عن عقله أي أفكار،

وهو يفكر بشيءٍ واحد

يكفيه أنه اطمأن على  تميم،

يكفي هذا الآن.


أما مدحت،

فقد كان كما هو،

متسمرًا،

لا يتحرك،

ولا ينطق.

يشاهد الجميع،

لكنه لم يقدر،

لم يقدر على الارتياح.

خائفًا، بل مرتعبًا.

بقلبه خوفٌ كبيرٌ ورعب.


يريد التصديق.

يريد أن يرى صغيره بخير.

لكنه خائف، خائف.

ظل يناظر الطبيب المبتسم بهدوء

بعينين خائفتين مرتعبتين،

تترجاه بألمٍ شديد

أن يُخبره بالصدق.

أن يُخبره أن ابنه أصبح بخير،

وأن الوضع في تحسن.


حتى أومأ له الطبيب مرةً أخرى،

بتأكيدٍ قائلاً بطمأنينة:اطمئن، ربنا كبير.

ربنا استجاب دعاءكم كلكم.

والحمد لله،  تميم فاق،

والوضع أحسن كثير.

وهيكون في تحسن أكثر إن شاء الله مع المتابعة.

اطمئن، الحمد لله، الصعب عدا.


أكدها له بصدق،

فناظره مدحت بعيونٍ دامعة بشدة،

وهو يندفع يحتضنه بقوة،

يبكي كطفلٍ صغير،

ودموعه تغرق وجهه،

مرددًا بصوتٍ مبحوح وواهن:

اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد.

الحمد لله.

❈-❈-❈

                عودة إلى وقت سابق


تحديدًا بغرفة العناية المركزة.


بدأ وعيه يعود ببطء تدريجيًا، كمن يحاول أن يصعد بصعوبة من أعماق بحر مظلم نحو سطح النجاة، بر الأمان وسط ظلمة لا نهاية لها.

لا يفهم ما يحدث، شاعِرًا بتيه غريب،

يحاول التحرك محاولًا فهم ما يحدث معه،

لكن حتى حركته في تلك اللحظة كانت صعبة وثقيلة للغاية.

أصوات وتحركات حوله بعيدة مشوشة،

كظلال تدور حوله في بحوره المظلمة.

في البداية، لم يكن قادرًا على القيام بأي شيء

أو الشعور بجسده حتى.

يحاول فتح عينيه، لكن ثقل جفونه كان أقوى،

وهو يشعر وكأنها تحمل جبالًا فوقها تمنعها بقوة وحزم.

محاولة تلو الأخرى.

أخيرًا، نجح.

لمحة خفيفة من الضوء اخترقت عتمته،

مزجت بين الراحة والضيق وعدم الفهم.

شيئًا فشيئًا،

بدأ الألم يتسرب إليه لأول وهلة، لم يعلم ماذا أصابه،

والألم يتصاعد في أكثر من مكان،

يوقظ حواسه واحدة تلو الأخرى بكل قسوة.

يحاول أن يفتح عينيه لينظر ماذا به،

لكن قوة الضوء وألمه تغلب عليه،

وهو يعود يغلقهما بيأس،

شاعِرًا أن الألم يزداد قسوة.

تحديدًا أن الأصوات حوله تقترب أكثر وأكثر.

وفجأة، شعر بيدٍ تفتح عينيه برفق،

وضوء قوي يخترق ظلمته بفعل أحدهم.

وسؤال هامس متسائل:

تميم، سامعني يا تميم؟


وتكررت الأسئلة محاولين الحصول على إجابة،

أي إجابة أو رد فعل.

ومن داخله أراد أن يجيب، أن يتشبث بذلك الخيط الرفيع بينه وبين العالم الخارجي،

لكن الكلمات رفضت أن تخرج.

اكتفى بأنين خافت متألم،

كأنه إعلان ضعيف عن عودته أخيرًا.

كأنه ما زال غارقًا في بحور التيه،

لا هو قادر على ترك نفسه ليغوص بها

ولا هو قادر على التشبث بطوق نجاة،

ينتشله بقوة.


مع كل لحظة تمر،

بدأ وكأنه يجر ذاكرته من بين الأنقاض،

يحاول أن يتذكر، أن يفهم، أن ينطق،

والكثير من البشر ملتفين حوله،

يفحصه هذا ويحادثه ذاك،

ووعيه يتماسك ببطء،

غير قادر على فعل أي شيء،

لكن في قلبه سؤال ثقيل يضغط عليه:

ما الذي حدث؟ ولماذا أنا هنا؟

ولم يدري أن تلك الأسئلة

إجابتها لديه هو فقط.

الصفحة التالية