رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 10 - الخميس 16/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
اقتباس
الفصل العاشر
تم النشر الخميس
10/1/2025
الإسكندرية ١٩١٦..
جلس سعد داخل إحدى الوكالات التجارية التي يتعامل معها حين يأتي للإسكندرية، وبدأ الحديث مع صاحب الوكالة اليوناني، الذي تنهد في ضيق مؤكدا: الحالة جيم يا سعد بيه!.. الحرب صعبت الأمور على الكل، والأسعار بقت غالي كتير..
أكد سعد: كل حاچة اتسحبت للكامب الانچليزي والعساكر الانچليز..
رد الخواجه اليوناني مقرا: يا سعد بيه، الوكالة قصاد عينك بقت مفيش بضاعة، منين! لا في فلوس، ولا حتى فيه بضاعة فالسوق، الحرب وقفت السفن اللي كانت بتيجي بالبضاعة فالبحر، وحركة المينا كله واقف..
ساد الصمت لبرهة قبل أن يهتف بيونانية غاضبة(ديس كو لوس).. صعب سعد بيه، الدنيا مبقاش تمام ..
تذكر سعد حالة النجع الذي تم تفريغه من كل شبابه ورجاله حتى أصبح أرض للاشباح، وباتت الأرض التي كانت عامرة بأيدي التملية والشغيلة خاوية بلا عناية، فمن أين تأتي المحاصيل والبضائع، إذا كانت الأرض خربة مهملة لا تجد يد تشق فيها جدولا، أو تضرب فيها فأسا!..
نهض مغادرا الوكالة مودعا الخواجه اليوناني على أمل اللقاء من جديد، سائرا في اتجاه الشارع الرئيسي، يخرج من ذاك الزقاق الضيق الذي كاد أن ينهيه حين انطلقت صافرة الإنذار معلنة عن قدوم غارة لطائرات دول المحور، بدأ الناس بالهرولة في سرعة نحو المخابيء القريبة، وأغلق الجميع الأنوار، بيوتا ودكاكين، لتغرق الشوارع في الظلام الدامس.. حتى بعض المسارح هجرها زائريها خوفا، مهرولين نحو المخبأ ليحتموا به من غدر الطائرات التي بدأت تلقي بقنابلها في عشوائية فجرت الزعر في نفوس بعض المارة..
حاول سعد أن يتخذ له ملجأ يركن إليه حتى انتهاء الغارة الشرسة التي بدأ يسمع دوي رصاصها وانفجار قنابلها على مدى ليس بالبعيد نسبيا عن موضعه، وهم بالعودة لوكالة الخواجه اليوناني يحتمي به حتى انقشاع الغمة، لكن تلك الصرخات القريبة من مكان ارتكانه، جعلته يتسمر بلا حراك وصوت امرأة ما.. ينادي في ذعر باحثا عن امرأة أحلامه، هل يعقل هذا!.. حاول على قدر استطاعته إجلاء العتمة مندفعا بلا رهبة باحثا شرقا وغربا، ليقع ناظره عليها أخيرا وقد تاهت في زحام الأجساد المندفعة زعرا، ففقدت طريقها..
هرول مندفعا صوبها، جاذبا إياها نحو أقرب زقاق لموضعهما، حاولت هي التخلص منه في بسالة، معتقدة أنه أحد الرجال السكارى، الذي يحاول استغلال فرصة الظلام والفوضى، لكن ما أن سمعته يأمرها في لطف: اهدي يا هانم، أنا سعد..
استكان كل شيء فيها، إلا ذاك القلب الذي تضاعفت خفقاته في جنون، وتلك النظرات التي جالت في محياه، لا تصدق أن حلم الأمس بات حقيقة جلية اليوم، وأن من فارقته وظنت أن لا لقاء قد يكتب لهما من جديد، هو ذاته الذي يقف بكل هذا الشموخ لائذا عنها، تحتمي بين ذراعيه من شرور الدنيا، وآثام العالم.. وجدها بلا موعد، ولا اتفاق، كما أنهى تيهها يوم أن فقدت طريقها بالنجع، هل أصبح قدرها أن تضل الطريق فيهديها هو بوصلة الأمان، لواحة الطمأنينة!..
همست غير مصدقة، وبنبرة شوق لا يمكن إغفاله: سعد بيه!.. ده حقيقي أنت!..
رد بصوت متحشرج، وعيناه تبحث عن عينيها في ظلام بلا قلب، يحاول أن يضبط مخارج أحرفه مدعيا ثباتا لا قبل له على ادعائه، وهي بين ذراعيه كما اللحظة، تذوب رقة، ويذوب هو حسرة: ايوه يا هانم، أني هو، سعد رسلان..
نسى كلاهما صوت البنادق، وطلقات البارود، وقنابل الطائرات، وهما في خضم مشاعر مستورة تكاد تزهق روح أصحابها كتمانا، حتى سقطت قذيفة جعلتها تصرخ في رعب منتفضة، تحتمي داخل صدره من مخاوفها، ليحتويها هو بين ذراعيه في قوة، يخبئها تحت طرفي عباءته، محاولا بث الطمأنينة لروحها، ولو كلفه ذلك روحه، كانت ترتجف بقوة وهي تضع كفيها على جانبي وجهها تحاول أن تخرس أصوات القنابل والرصاصات عن الوصول لمسامعها، تغلق عينيها في قوة، فتتمثل أمام ناظريها ذكريات مضت، كان صوت البارود فيها هو الأقصى أثرا.. كان ارتجافها بين ذراعيه بهذا الشكل الموجع، يدفعه ليزيد من فرض الحماية عليها، مطوقا إياها أكثر، مدنيها نحو صدره رغبة في تهدئة ذاك الارتجاف الذي يهز جنبات روحه اشفاقا على حالها..
انطلقت الصافرة من جديد، معلنة انتهاء الغارة، ليبدأ كل شيء في العودة لطبيعته رويدا رويدا، إلاهما، ظل هو على حاله كالطود في حمايتها، وظلت هي على حالها من الارتجاف، حتى همس سعد في نبرة حانية: خلاص يا هانم، اطمني، الغارة خلصت..
ساد الصمت لبرهة، قبل أن تستجيب مبتعدة عن صدره في هوادة بعد أن استوعبت كلماته، لترفع رأسها تلقي إليه بنظرة دامعة اودعتها الكثير من الامتنان المغلف بالشوق، هامسة بصوت رقيق اختلع الثبات اختلاعا من جذور تعقله: ممنونة لوجودك دايما يا سعد بيه في أوقاتي الحرجة.. تشكرات..
همس سعد بلا حس: العفو يا هانم.. رضا چنابك واچب..
هما بالتحرك، لكن ذاك السكير المترنح الذي كان مغيبا عن أحوال العالم من حوله، ظن أن سعد وأنس يتبادلان الغرام، ما دفعه ليقترب منهما في خطوات مهزوزة، يحاول أن ينل من أنس بعض من مما اعتقد أن سعد يناله في ذاك الزقاق الضيق، إلا أن سعد دفع به بعيدا قبل أن يمس منها شعرة، ما جعلها تتشبث به بشكل أكثر ذعرا، حينما بدأ ذاك السكير في الاعتراض على ما فعله سعد به، وقد سقط أرضا وتهشمت زجاجة الخمر التي كان يحملها، ما حث سعد ليشير عليها للخروج من الزقاق الضيق المظلم نوعا ما لبراح الشارع العمومي، حتى لا يقابلهما أمثال هذه الأشكال الضالة التي تعج بها الأزقة في مثل هذه الساعة، فاطاعت في هدوء، هامسة بنبرة مهزوزة وخطوات متمهلة: فضلكم زاد سعد بيه، ورد جميلك واجب..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية