-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 50 - 1 - الخميس 6/2/2025

  

قراءة رواية حان الوصال كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الخمسون

1

تم النشر يوم الخميس

6/2/2025


أنت أماني وموطني، أنت ملجأي وقت شدتي، أنت المأوى لقلب تاه في دربات الحياة حتى جاء يحتمي بحصنك بعد عذاب. بك الروح تحيا ، ومنك أجد ذاتي، أجد حريتي، أجد السند.


بنت الجنوب


❈-❈-❈


ترجَّلت خلفه من السيارة التي كانت تُقِلّهما، يسحبها بيديه لتدخل معه إلى داخل مبنى عملها القديم، حيث كانت عاملةً على إحدى آلات تفصيل الملابس. أما اليوم، فقد تغيَّرت صفتها إلى ما هو أعلى وأرقى؛ فهي اليوم زوجة صاحب المصنع.


وكأنه درب من الخيال قد تحقَّق على أرض الواقع؛ من عاملة بسيطة تجمع قوت يومها هي وإخوتها بصعوبة، إلى سيدة المكان.


كان في استقبالهما صباح، التي طغت على ملامحها الفرحة والاعتزاز ببهجة، وكأنها ابنتها التي أنجبتها، رغم حرصها على مراعاة المقام.


—"حمد الله على السلامة، نوَّرتوا الدنيا يا رياض باشا."


—"ده نورك يا صباح. إنتي بقى عاملة إيه؟" كان هذا حديث رياض قبل أن تباغته زوجته وتخطف المرأة في عناق أدهشها، وهي تضمها باشتياق قائلة:


—"وحشتيني يا صبوحة، وحشتيني، وحشتيني!"


بادلتها الأخرى العناق على استحياء، حتى بحَّ صوتها من التأثر:


—"وأنا، وأنا والله... ربنا العالم يا بنتي... آه، قصدي يا ست هانم!"


—"مفيش هانم عليكي يا صبوحة! إيه الكلام اللي بتقوليه ده؟"


اضطربت صباح إثر قولها، لتتجه ببصرها نحو رياض بنظرة فهمها، فسارع بطمأنتها:


—"ده حقيقي، والعلاقة اللي بينكم أكيد لا يمكن تتأثر يا صباح، بس طبعًا قدام الناس هنراعي الحتة دي شوية، ولا إيه يا بهجة؟"


فهمت بهجة مقصده، فوافقت برضا تام، بعد أن جبر بخاطر المرأة ولم يُظهر امتعاضًا أو غضبًا حينما غلبتها مشاعرها تجاه مَن كانت لها سندًا طوال سنين عملها في المصنع. أما صباح، فقد تبسمت بفرحة غامرة، معبرةً عنها بقولها:


—"ربنا يبارك فيك يا رياض باشا، ويدوم عليك الهنا مع بهجة، بنتي اللي مخلفتهاش."


❈-❈-❈


وفي داخل المكتب بعد قليل


كان اجتماع الاثنين مع كارم، الذي كان في انتظارهما على أحرّ من الجمر.


—"نوَّرتِ مكانكِ يا بهجة، أنا متشوق أوي أسمع أفكاركِ بعد اتصال رياض باشا بيا من شوية."


ضحك الأخير، ثم التفت نحوها يُطالعها بتحفيز حتى تُخرج ما برأسها دون حرج. كانت إشارته كافيةً لها لتدهش الاثنين بحديثها:


—"في الحقيقة، هو عَرِف نبذة بسيطة، لكن عندي أفكار كتير أوي للتسويق وفتح خطوط إنتاج تُساهم في زيادة كفاءة المصنع وتصديره للخارج. ممكن أكون مش محترفة، بس أنا بتكلم من واقع خبرتي البسيطة في العمل هنا وعشقي للمهنة. ممكن أكون خيالية في أفكاري، بس نفسي أعرضها قدامكم، وانتو تقرروا إن كانت تناسب ولا لأ، أو تضيفوا عليها بخبرتكم."


ختمت حديثها ناظرةً نحو زوجها العزيز، الذي كانت نظرة الفخر منه وحدها تكفي. أما كارم، فقد خَطَفَه أسلوبها، فأثارت بداخله الفضول لمعرفة المزيد، فحثَّها قائلًا:


—"كل حاجة جميلة اتعملت أصلها كان خيال، يا بهجة. يعني احتمال كبير الأفكار اللي إنتِ مستهونا بيها دي تكون خارج الصندوق وتقلب الدنيا بنجاحها. كمّلي يا بهجة، وإحنا معاكي."


تشجعت أكثر، لتردف بلهفة:


—"تمام، هقولهم، بس عايزة الرد عليها بصراحة ومن غير مجاملة. وبرضو، في كل الحالات، أنا موافقة أساعد وأشتغل أي حاجة هنا، لأنه مكاني الأصلي، اللي حبّاه أكتر حتى من المجال اللي بدرسه."


❈-❈-❈


تثاءب منتصبًا بجذعه عن الفراش، بعدما أيقظته حرارة الشمس التي زحفت من النافذة حتى موضع نومه داخل غرفة ابنه الكبير، بعدما سمحت له تلك المرأة المجنونة، زوجته، بالمبيت بها منذ خروجه من المشفى، ولكن بشروط فرضتها عليه، ومجبور على تنفيذها حتى لا تتخذ إجراءً برفع قضايا عليه أمام المحاكم، في تقليدٍ لفعل الملعونة الأخرى، زوجته الثانية، والتي لا تكف عن استنزافه برغم كل الأموال التي حصلت عليها منه. وعلى الرغم من رغبته في الخلاص منها، إلا أن هذا أيضًا له ثمن باهظ لا يقدر عليه الآن على الإطلاق.


نهض بصعوبة، يضغط بكفيه على عظام ظهره المتأثرة حتى الآن بالضرب المبرح الذي تلقاه من فرقة صفاء وأولادها، ليزمجر بسبة كعادته مغمغمًا:


"آااه يا ضهري ياني! روحي يا صفاء، ربنا ياخدك إنتي وولادك، حرامية التلاجات! آآآآآه، هو أنا فيا حيل يا ربي؟"


واصل التأوه، يجر قدميه للخروج من الغرفة، وتجولت عيناه في أنحاء المنزل يمينًا ويسارًا بحذر كعادته، خشية الاصطدام بدوريته المفترسة، كما يراها دائمًا.


قابله ابنه الأصغر، خارجًا من المطبخ حاملًا عددًا من أطباق الطعام، قائلًا:


"صباح الخير يا حج، أنا كنت جايلك أصحيك عشان تيجي تفطر معايا،علي ما أخلص تحضير."


ألقى خميس نظرة للخلف قبل أن يرد بصوت حذر:


"وأنت تحضر الفطار ليه؟ هي أمك مش موجودة؟"


تبسم سامر، متفهمًا خوفه، ليجيبه مطمئنًا:


"لا، مش موجودة، أصلها راحت شقة العرسان، تطمّن على بنتها."


سمع خميس ذلك، فانتُصِبَ ظهره فجأة، وعلَا صوته مستنكرًا:


"ويعني بنتها كانت هتطير يعني؟ على أول الصبح رايحة تطبّ على العرسان! دا إيه قلة الذوق دي؟ وليه عديمة الشعور صحيح!"


ضحك سامر، واتخذ مقعده حول المائدة، منتظرًا حتى جلس والده مقابله، ثم شرعا في تناول طعامهما، ليعقب غير مبالٍ:


"براحتها بقى، إحنا المهم عندنا دلوقتي نفطر أنا وأنت بهدوء قبل ما نروح مصالحنا، البيت فضي علينا يا عم خميس."


تبسم الأخير لقوله، قبل أن تتوسع عيناه مستدركًا لحقيقة كانت غائبة عنه:


"يا نهار إسود! دا صحيح، مفضلش غيرك، يعني بكرة تتجوز إنت كمان، ويفضى البيت عليّا وعليها! يا دي النيلة السودة!"


سمع منه سامر، لتصدح ضحكته غير قادر على التوقف، أمام حنق الآخر الذي عبست ملامحه، فردد له معتذرًا:


"معلش يا عم خميس، نصيبك كده بقى!"


❈-❈-❈


داخل شقة العروسين، وبعد أن انتهى من إجراء بعض المكالمات الهاتفية السريعة مع أصدقائه ووالديه، كي يُسلي نفسه هذه الدقائق التي ابتعد فيها عن الغرفة، اتخذ الشرفة ملجأً له حتى تغادر هذه المرأة التي أتت بحجة حمقاء مثلها، حاملةً الطعام وبعض الأشياء في تقليد شعبي من أجل صباحية العروسين.


زفر، مُلقيًا السيجارة التي كان ينفث فيها غضبه، ليدعس عليها بقدمه، ثم يلتف متجهًا نحو مكان جلوسهن.


وقد وصله الصوت من داخل الغرفة بعدما خرجتا منها، فاقترب بخطوات بطيئة، يحركه ظنٌّ غير مريح بداخله. امتدت رأسه قليلًا، ليجد تلك الحرباء مختليةً بابنتها في ركن المطبخ الجديد، تهمس في أذنها وتملي عليها:


"واخدة بالك يا بَتّ من الكلام اللي بقوله؟ ضربة البوز دي بلاش منها، واتلحلحي معاه عشان يبقى خاتم في صباعك! طلال من الأصل رايدك، إشحال بقى لما يدوق الدلع والنعيم على إيديكي! دا إنتي هتدوقي الهنا كله."


"منوّرة يا حماتي!" هتف بها، يُباغتها بحضوره، فانتفضت على أثرها، والتفتت إليه بارتباك:


"دا نورك يا جوز بنتي يا غالي! تعالَ، تعالَ شوف الأكل اللي مجهزاه، أنا يدوب بس حضّرته في الأطباق، وهروح أحطه ع السفرة تفطر بيه انت وعروستك. معلش بقى لو اتأخرت عليك، حُكم دي بنتي ولازم أطمن عليها، وانت فاهم، هو أنا اللي هقولك برضو..."


وختمت بضحكة رقيعة لم يستسغها، لكنه اضطر لمجاراتها حتى انتهت، ثم وضعت مع ابنتها أطباق الطعام بما تحتويه من كل ما لذَّ وطاب. ظل يتأملهما، راسمًا تلك الابتسامة الصفراء، حتى ودّعت ابنتها، لتختلي الشقة به وبزوجته.


عادت إليه، متجهة نحو مائدة الطعام بشغف:


"أمي محمّرة الحمام في السمن البلدي، قُرّب يا طلال قبل ما يبرد وميبقاش له طعم..."


"استني عندك! إياكِ تقربي منه!" خرجت صرخته ليوقف يدها قبل أن تمتد إلى الطعام، فالتفتت إليه بدهشة:


"مقربش ليه؟"


اقترب، يجذبها من كفها، ينهِيها عن الجلوس، قائلًا:


"الأكل ده محدش هياكل منه! هيتلف كده بخيره، ونتصرف فيه في أي حتة."


"ليه يا طلال؟ نعمة ربنا هنرميها من غير سبب؟ ولا تكون فاكر إن أمي حطّالك فيه سُم!"


تبسَّم ساخرًا، ودنا نحو الطعام يلملم الأطباق فوق بعضها، مُعلقًا بسخرية:


"لا، ما هي مش هتسمّني وأنا جوز بنتها الغالية... هي هتعمل الأوحش..."


"هو إيه الأوحش؟" تمتمت بها، لتتجمد فجأة باستيعابٍ متأخر، ثم نهَرته:


"قصدك إن أمي تكون عملالك حاجة؟ معقول يا طلال؟! دا ظنك في أمي؟!"


كادت أن تخرج ضحكته على إثر كلماتها الأخيرة، وكأنها لا تعلم أفعال والدتها، لكنه رد عليها بحزم:


"بقولك إيه... كلمة وتحطيها حلقة في ودانك يا بنت الناس، الموضوع ده كبّري مخّك منه عشان منتهي عندي! أنا شيكاغو اللي متربي في المنطقة، يعني عارف أمك كويس أوي، ورِجليها اللي كانت رايحة جاية عند الشيخ إياه... فاكراه الشيخ إياه يا سامية؟"


ابتلعت ريقها باضطراب عصف بها إثر سؤاله، لتطرق ببصرها عنه بخزي، غير قادرة على مواجهته. فما أصعب أن يعرف الزوج بالنقطة السوداء في تاريخ زوجته، وهو عالم بكل شيء!


"ارفعي راسك يا سامية، متتكسفيش مني!" هتف بها عاليًا، حتى أجبرها على وضع عينيها في عينيه، ثم أردف ناهيًا الحديث في هذا الأمر:


"اسمعي يا بنت الناس، حوار أمك ده معايا أنا مش عايز أفتحه ولا أواجهها وأكسفها... عشان خاطرك، مش عشانها! يعني انتي تقدري من نفسك وتفهميها لوحدك. أنا يخصني إنتي، وعشان الورد ينسقي العليق! إنما إني آخد حاجة منها ولا أشرب بقّ مية حتى... انسِي!"


❈-❈-❈

أعدت الفطور في الصباح كعادتها، لتضع الأطباق على الطاولة، وفمها لا يتوقف عن النداء بأسماء أفراد عائلتها الصغيرة الجميلة.


"يا آمين، يا لينا، هتتأخروا على الشغل يا عيال، وانتي يا سي حسن، اخلص بقى وهات شهد في إيدك، أنا دماغي لفت منكم!"


خرج على النداء أمين بكامل هيئته مستعدًا للذهاب إلى العمل، يلوح لها بكفه، فقد كان منشغلًا في الحديث عبر الهاتف مع أحد ما، بضحكات لا تتوقف:


"يعني لِساها برضو لازقة وما مشيتش... يا عيني عليك يا بني، انت دايمًا كده متعوس... يا حبيبي، أعمل طيب؟ ما أنت وضعك يضحك... خلاص يا سيدي متزعلش، بس برضو موَعدكش إني أبطل ضحك..."


وأكمل ضاحكًا حتى جلس على أحد المقاعد حول المائدة. جلست والدته أمامه سائلة بعلامة استفهام، لكنه أشار بيده كي تنتظر، فأذعنت لمطلبه تتابع المكالمة.


"يا حبيبي، من غير دُعا، أنا طفشان منها حتى لو قعدت بالسنة مش هيهمني غير العيل... من ورا قلبي! وكمان بحبها! طب اقفل يا عصام عشان مقفلش أنا في وشك، قال من ورا قلبي قال!"


أنهى المكالمة ليهمّ بتناول طعامه، فبادرته بسؤالها بعدما عرفت بصاحب المكالمة:


"ماله يا واد عصام؟ عمال تتريق وتضحك عليه؟"


أجابها بابتسامة واضحة، وفمه يلوك لقمة الجبن التي غمسها بالخبز:


"موكوس يا أمي، وحظه مِنيِّل بستين نيلة، حماته كابسة على نفسه من ساعة ولادة بنتها، ومش راضية تحل عنهم، بحجة خدمتها والخوف عليها، وهو..."


توقف بضحكة مكتومة جعلت والدته تفطن إلى ما يرمي إليه، لتعقب بضجر بعد سماعها:


"وهي لِساها قاعدة هناك بجد؟ دي أمنية هتجيب الشهر من ساعة ما عرفنا بولادتها وروحنا باركنا لها، هي نرجس دي ما عندهاش إحساس؟"


الصفحة التالية