-->

رواية جديدة كيان مستغل لشيماء مجدي- الفصل 5 - السبت 24/5/2025

 

قراءة رواية كيان مستغل كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية كيان مستغل

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة شيماء مجدي

الفصل الخامس 

2

تم النشر السبت 

24/5/2025

مشاعر الحب الحبيسة، تحتاج لخبير في أمور العشق، حتى يحررها، ويحولها لأخرى أكثر شغفًا، ولهفة، وهذا ما نجح فيه "فارس"، استطاع بلا مجهود يذكر، بحنكته، وتأثيره الكبير عليها، في التحكم بمشاعرها، وتخويلها حسب رغبته، فلم يحتاج للتأني والتريث حتى يتمكن من فرض سيطرته على جسدها، الذي يصرخ بالشوق، كلما اقترب منها بضمة، أو لسرق قبلة، وهذا ما جعله يتمادى مع الوقت، ويزيد من جرعة الأشواق كل مرة، حتى يشعر بها تزوي بين يديه، ولكن قبل الوصول للحظة الفارقة، ما يوقفه عند حده هو إنذار الخطر، الذي ينبهه لفرق الطبقات بينهما، ولنفوذ عائلتها القادرة على تدميره في لحظة، إن استجاب لغريزته في الحصول على متعة تقدم له على طبق من فضة.


سعادة من نوعٍ آخر تغمرها بوجوده، فهو قادر على جعلها تنسى العالم بأسره وهي بين يديه، يضمها بحنوٍ، ويمدها بكل الدفء والعواطف التي تفتقر لمثلها، والتي اتضح أنها بحاجة ماسة لها. قرر قتل الروتين خلال قيادته للسيارة، وهي إلى جواره تصرخ بخوف تارة، وبحماسٍ تارة أخرى، وهو يزيد من سرعته، ويتمايل بسيارته بحركات مفاجئة، حتى تعبا من الحركة الزائدة، فأوقفها على أحد جانبي الطريق، وما تزال أصوات الضحك تسري في السيارة، وصدى صوتها في المكان، وما إن هدآ واستعادا اتزانهما، التفت لها بجسده وابتسامته الجذابة مزينة ثغره، يشملها بنظراتٍ تظهر لها والهة، وإنما هي متعطشة، وسألها باهتمام:


-مبسوطة؟


لم تختفِ البسمة من فوق وجهها، فقد اتسعت أكثر بسؤاله، وأجابته بتأكيدٍ، وعيناها لامعتان بوميض عشق تخصه به بنظرتها الهائمة به:


- أوي، مبسوطة اوي يا فارس.


تلمس بيده جانب وجهها بحنانٍ، وتكلم مستفسرًا:


-طب عايزه تروحي فين؟


وضعت يدها فوق يده المحتوية وجنتها، ومالت عليها قليلًا تمرغ وجهها بكفه، وأردفت بعاطفةٍ:


-أي مكان تحبه، المهم افضل معاك. 


حفزه ردها، ودفعه للاقتراب منها، لنيل بعض المتعة الغير مشروطة، فالتقم شفتيها بخاصتيه، بقبلة امتزج بها الشعور بكل ما هو باعث على تأجيج الرغبة وإثارة الأشواق، وبعدما قاربت على الذوبان، ابتعد عنها وهو يقترح بلهاث وأنفاسٍ متثاقلة:


-تيجي نروح شقتي شوية.


من بين ثمالتها بدفقة الحميمية التي تشربتها، وانتقلت لأوردتها، انتبهت لعبارته، ففتحت عينيها الخاملة بتأثير المشاعر الحسية العميقة، وعندما قرأ فيهما شيئًا من الاستغراب، أضاف موضحًا:


-بدل ماحنا بنلف بالعربية وممكن حد يشوفنا.


رأت بعينيه تحمس غريب، ورغم أنها تعجبت من الاقتراح في بادئ الأمر، إلا أنه اقنعها بمبرره الضعيف، فاحتمالية رؤية أحد لها متوقعة، ورصد خبر حصري عن علاقتها به، والتقاط صور لها تجمعها معه، ستنتقل بين ألسنة المحيطين بسرعة البرق، خاصة من يتصيد لأي شاردة وواردة تخصها، وهي تود أن تظل علاقتهما في طي الكتمان، حتى يأذن موعد الارتباط الرسمي حينما يعرض عليها الأمر. بعد أن فقد الأمل في موافقتها من طول صمتها، فاجأته بقبولها حينما أخبرته بوجه باسم وبنعومة صوتها:


-أوكي، i never mind (لا أمانع).


تخلله نوعًا من الزهو، لقدرته الطاغية على جعلها تذعن لرغباته بكل سهولة ويسر، وتشكلت بسمة حملت نشوة ظنت هي بسذاجةٍ أنها نشوة الحب، أدار محرك السيارة قاطعًا طريقه نحو بيته، وهو يفكر بالخطوات القادمة في علاقته العاطفية، بصاحبة المال، الجمال، والجاه، ولا يصدق أنه بعد رفضها لكثير من رجال صفوة المجتمع، من يضاهونها غناءًا ومكانةً، أودعت له هو قلبها، وتركت له زمام كل شيء بها، دون أن تُلمح حتى لجره للزواج منها، وهو كذلك لم يضع في عين الاعتبار أي نية لخطوة رسمية قادمة تربطه بها.


❈-❈-❈


اغتصاب الروح أشد وطأة من اغتصاب الجسد، فالوجع الجسماني مع الوقت سيتعافى، ولكن جراح القلب تظل نازفة لا تندمل. بعد خوضها قسرًا لتجربة كانت محطمة لكيانها، أودت بسكينتها، ونهشت سلامها بقسوة، كان النوم المهرب الوحيد من الواقع المعاش، خاصة وأنها مرت بأكثر الأمور حساسية بين الزوجين، وعلى الرغم من رفقه، ولينه، إلا أنه سيبقى راسخًا في خلدها أن ذلك قد تم دون رغبة منها بطريقة مهينة.


كما غفت فجأة، صحت بغتةً، وجدت نفسها في غرفة غريبة، على فراش أغرب، لم تعتَد على وجودها ولا استيقاظها في ذلك المكان، ولكن مع استعادتها لوعيها الكامل، تداركت وجودها بغرفة من بات زوجها، وبهذا راحت أطياف ما حدث الليلة الماضية، ما سبق نومها بالتحديد، تمر في ذاكرتها، حينئذٍ التفت برأسها نحو الجانب الآخر من الفراش، كان ما يزال نائمًا، وما جعلها تظل على سكونها، هو وجهه الموجه للجهة الأخرى، ونومه الظاهر من ارتخاء جذعه العاري فوق الفراش.


ابتلعت وهي تشعر بمرارة قاسية، كقساوة ما مرت به، واجتاحها لدقائق كان مرورها كمرور دهر لا ينتهي، وانتهائها كان بمثابة شعور بالإهانة والخزي، لعدم مقاومتها واستسلامها. نهضت عن الفراش وهي تلتقط ثيابها الملقاه أسفل قدميها أرضًا، ارتدت على عجالة حتى تواري جسدها عن أنظاره إن استيقظ بغتة، وبعدما انتهت سارت نحو المرحاض بخطوات هادئة، رغبةً في عدم إحداث ضوضاء يفيق لها، وهي لا تود أن يدنو منها مجددًا، حتى وإن كان بعبارة صباحية عابرة.


وقفت أمام المرآة بداخل المرحاض، تغسل وجهها من آثار مستحضرات التجميل، وكذلك قبلاته، أخذت تدعك وجهها بيديها، كأنمو تحاول محو كل لمسة من شفتيه، عن وجهها، وشفتيها، التي تلونت بحمرة ملتهبة من الاحتكاك الزائد من يدها. تهاوت دموعها وهي ترى بقايا امرأة محطمة، ضعيفة، ومغتصبة الإرادة، فحتى حقها في تهيئة نفسها، وجسدها لذلك القرب الحميمي الخاص سلبوه منها، حتى صار بداخلها حواجز من الألم، جعلتها تتحسر على مصيرها الذي توهمت أن يكون رحمة من نيران والدتها، فقد اتضح أن الجحيم ذاته ينتظرها هنا.


بقت في الحمام لبعض الوقت، فقد قررت الاغتسال، حتى تزيل شعورها بالنفور نحو جسدها، الذي جعله وعاءً مناسبًا لفض قاذوراته، دون أن يعبأ برغبتها من عدمها. بعد دقائق انتهت من الاستحمام، وتوجهت نحو غرفة الثياب وهي تلف جسدها بمنشفة، وبينما تخرج من حقيبة ملابسها –التي لم تُفرَغ بعد- ثوبًا ملائمًا، شعرت بخطوات تقترب منها، التفتت وعلامات الذعر ملأت وجهها، وجدته على مقربة شديدة منها، يشملها بنظرة ما تزال متأثرة بنعاسه الذي فاق منه لتوه، وقال لها بصوت متحشرج قليلًا:


-صباح الخير.


ابتلعت ريقها وردت عليه بوجوم، والضيق تفشى بوجهها:


-صباح النور.


وجدت شفتيه تنفرج ببسمة رائقة، ومد يده نحو خصلاتها المبللة يبعدها عن عنقها وهو يسألها باهتمام:


-قمتي امتى؟


على ما يبدو أنه لا يلحظ انطفائها، أدارت جسدها نحو الحقيبة، متظاهرة بانشغالها بما تخرجه منها، وأجابته بفتور:


-من شوية.


شعرت به في تلك اللحظة يحاوط جسدها من الخلف، أتبع ذلك بلثمة رقيقة من شفتيه لعنقها، وقال بإعجاب واله:


-كل حاجة فيكي حلوة، جننتيني امبارح.


عبارته الوقحة الذي قالها بمدح حقيقي لجسدها، رأت بها إهانة لكيانها، وكأنها مجرد جسد يشبع حاجته ويروي عطشه ليس إلا، كادت تبتعد عنه وشعورها بالنفور يتفاقم، إلا أنها وجدته في لمح البصر، وبسرعة لم تستطع مجاراتها أدارها له، وبدأ فيما يجيده ببراعة، معاودًا تجسيد ما فعله ليلة أمس، ولكن تلك المرة بشغف متزايد، ولهفة مؤججة، كان ماهرًا، وخبيرًا بما تحتاجه الحواس، لتزأر، وتتحرق، وتطالب بالمزيد، لربما نجح في إجبار جسدها على الانصياع لتيار عواطفه الملتهبة، والتحكم بأعماق مواطنها الحسية العذراء، ونال مآربه ظافرًا بما يريد، ولكن لم يصل لأي نقطة بقلبها، كان أبعد ما يكون عن الحصول على روحها، مجددًا تبعثر كل ما بها، بعدما ظنت أنها استجمعت نفسها، لاستعادة جأشها وسكونها، ففي خلال لحظات استحوذ عليها، وطوعها لإرضاء رغباته النهمة بها، دون الأخذ في الاعتبار بفتورها، وعدم تجاوبها الواضح، غير منتبهًا لدموعها المنسابة على صدغها بأنين صامت.


❈-❈-❈


الطمع يعمي صاحبه، عن نصيبه فيما ناله، فيجعله ينظر فيما يخص من حوله، ويتمناه لنفسه، وربما يحارب لأخذه دون وجه حق. بينما كان جالسًا بحجرة مكتبة، المخصصة لمباشرة عمله من البيت، شرد ذهنه في ذكريات ماضية، من بينها ذكرى بعينها، تسببت في كل ما نشب بينه هو وأخيه، من حقد نجم عنه كراهية، وكراهية ولدت العداء، فقد استعاد في صفحة ذاكرته حديثًا محتدمًا دار بينه هو ووالده، قبل ما يزيد عن أربعة وثلاثين عامًا، في اليوم الذي عاد إلى بيته، بعدما تزوج ابنة عدو والده عنوة عنه، ودون موافقته، عاصيًا بذلك أمره، بالإضافة إلى ارتكابة جريمة أكبر، وهي سحبه مبلغًا ضخمًا من أموال والده من حسابه البنكي، دون الرجوع إليه، بالتوكيل العام الذي يستخدمه في إدارة عمله.


واجهه والده بنظرات محتدمة تندلع منها شرارات الغضب عند دلوفه البيت، بعد تغيبه لشهرين من زواجه بتلك الفتاة التي استحوزت على ابنه، وصرخ به بخشونة وهو يضرب بعصاه الأرض:


-بتسرقني يا نوح! بتاخد فلوسي وروحت تتجوز بيها من ورايا بنت فريد الصاوي!


أغمض عينيه متحكمًا بأعصابه، وقال بجدية سافرة وهو في طريقه للولوج لغرفته لأخذ أمتعته وأشيائه الخاصة: 


-بابا انا مسرقتكش، دي فلوسي، شقايا وتعبى معاك السنين اللي فاتت.


ما إن تخطاه "نوح "حتى لا يزيد في ذلك الحدبث السقيم، استمع إلى صوته وهو يدمدم بنبرة مبهمة:


-يعنى انت اخدت فلوسك يا نوح؟


التفت له وقال بوجه فاتر مؤكدًا دون تفكير:


-ايوه يا بابا.


حدجه حينئذٍ والده بنظرات جافة، وقال بجمود صارم:


-تنسى كده انك تطول حاجة تاني مني، وبما إنك قسمت فلوسي على حياة عيني، فكل اللي عندي هكتبه لبكر.


اعتلى وجهه الصدمة مما تشدق به، فإن كان ما أخذه يعادل نصف ما لدى والده الحين، ولكن عمله في السوق أرباحه مضمونة، وتدر عليه دخلًا كبيرًا كل عام، وهذا يعني أن ما لديه مع الوقت سيزداد ويتضاعف، قطب جبينه وردد بغير تصديق:


-يعني ايه!


استقام واقفًا متكئًا على عصاه وهو يتحرك صوب غرفته، غير مكترث بالواقف ورائه، بانتظار توضيح لما سنه من حكمٍ يراه ظالمًا، وأخبره وهو على أعتاب غرفته بصوت قاتم:


-يعني مالكش ورث عندي يا نوح.


تنهد بكدرٍ من استعادته لتلك الذكرى المقيتة، التي بدأ عندها كل شعور بغيض في التفشي داخله، شهد على تحوله من إنسان رحيم لآخر ناقم، ومن أخ محب داعم، لكاره وحاقد على ما يملكه أخوه، تفرقة أبيه، بإعطاء "بكر" كامل الورث، بعد أن تخطت الثروة بمراحل ما أخذه بأنانية وتجاوز، جعلت الصراعات تنشب بين الاثنين، ولم يقتصر حقده على "بكر" في أخذ الأموال فحسب، إنما امتد لنواحي أخرى منها الحب والاحترام، الذي خصه به والدهما، بعدما تبدلت نظرته لـ"نوح"، لو لم يتغير معه، لو كان غفر له، ومنحه فرصة أخرى، لربما أصلح ما أفسده في لحظة طيش.


لهذا لن يتنازل عن الحصول على ما حُرم منه، سواء على يد والده، أو أخيه من بعده. فى خضم تفكيره الشارد، انتبه لطرقتين على باب الغرفة، فاق على إثرهما من شروده، وانتقل بنظره نحو الباب الذي انفتح، ودلف من ورائه ابنه، زفر وهو يصرف عن رأسه ما عكر صفوه، وقال وهو يتابع تقدمه نحوه، بكلمات تحمل مغزى بعينه وعن إيحاء مقصود:


-صباحية مباركة يا عريس.


توجه نحو أحد الكرسيين المقابليين لمكتبه، وابتسم إثرًا لمضمون عبارته، وأردف متسائلًا بعدما جلس:


-شكلك صاحي من بدرى.


عاد والده بظهره مستريحًا على مقعده، وأجابه بإيجاز:


-من ساعة كده.


ثم ما لبث أن عاد العبث يتشكل على وجهه وهو يطنب:


-غريبة انت اللي مصحيك بدري، مشرفتناش ولا ايه؟


تساءل بالأخير بتسلية انشق على إثرها ثغر الآخر بابتسامة واثقة، وقال باعتداد وزهو:


-عيب عليك تقول كده، مش راغب الراشدي.


أكد على عبارته الواثقة، بقوله المرح:


-عيب عليا فعلا، ايش حال ماكنت واخد بالي وانت هتاكلها امبارح بعينيك.


ثم أضاف بسخرية:


-وتقولى عيلة!


ضحك بخفة على تذكيره لوصفه السابق، عندما عرض عليه الزواج بها، ثم تكلم بنبرة يظهر بها إعجابه:


-مانا مكنتش اعرف انها بالحلاوة دي، ومخدتش بالي منها اوي في عزا عمي.


ران الصمت للحظة، أطنب بعدها "راغب" وهو يحك ذقنه بإبهامه:


-المهم خليني في اللي جايلك عشانه.


استرعى انتباهه تحول نبرته للجدية، وتساءل بترقب:


-اللي هو ايه؟


زم شفتيه لجزءٍ من الثانية، ثم أخبره مباشرة دون تمهيد أو شرح:


-كيان عارفة اني متجوزها عشان الورث.

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية