-->

رواية جديدة تعويذة العشق الأبدي لسمر إبراهيم - الفصل الأخير - الثلاثاء 22/7/2025

 

قراءة رواية تعويذة العشق الأبدي كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية تعويذة العشق الأبدي

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سمر إبراهيم 


الفصل الأخير


تم النشر يوم الثلاثاء 

22/7/2025


ما كادت تغلق الباب فور عودتها هي ووالدتها من قسم الشرطة حتى سمعت طرقات عليه ففتحت لتتفاجأ به واقفٌ أمامها لم تصدق عيناها فور رؤيته توقف الزمن لوهلة، أو هكذا خُيّل لها حين وقعت عيناها عليه.

كان واقفًا هناك، أمامها، كما لو أن الغياب الطويل لم يكن سوى كابوسٍ عابر، شعرت بقلبها يختلج بين ضلوعها، يتأرجح بين الفرح والذهول، كأن صدرها ضاق فجأة على نبضٍ كان ينتظر هذا اللقاء بشغفٍ مؤلم.


القلق الذي كان ينهشها طيلة الأيام الماضية، بحثها المحموم عنه، الرسائل التي لم تجد طريقها إليه، كلها تزاحمت دفعة واحدة في عينيها. دموعها لم تستأذنها، انسكبت بصمت، تحمل بين قطرتها ألف سؤال وألف وجع.


تقدّمت نحوه خطوة، ثم تراجعت، لا تصدّق بعد أنه استطاع أن يفعل بها ذلك أرادت أن تعاتبه، أن تصرخ، أن تقترب وتلمسه فقط لتتأكد، لكنها بقيت واقفة، ترتجف، بين الانهيار والاحتضان، بين اللوم والحنين.


وقف أمامها وقد امتلأت عيناه بأشياء لا تُقال، شوقٌ يتدفق في دمه كأنها الغائب الذي لا يُعوَّض، وحنينٌ يوشك أن يكسر صمته، لكنه لا يُكمل طريقه إلى صدره، بداخاله شكٌ يكاد أن يفتك به صراع بين قلبه وعقله ولا يعلم من منهما سيتغلب على الآخر كل ما يعرفه الآن هو أنه لم يستطع الابتعاد عنها أكثر من ذلك ووجد قدماه رغمًا عنه تسوقه إليها دون إرادة منه.


كسر الصمت السائد حولهما صوت والدتها وهي تتحدث إليه بترحيب رغم الحزن البادي عليها:


- أهلا يا يونس يبني اتفضل واقف عالباب كدا ليه.


حمحم وهو يلج داخل الشقة غير قادر على أن يحيد ببصره عنها نعم يشتاق إليها حد الموت فلقد كان يتعذب في الأيام الماضية عاجز عن الابتعاد عنها وكأن كل الطرق تؤدي إليها هي لا لأحد سواها.


جلس بصمت لا يفعل شيء سوى النظر إليها فاستشاطت غضبًا وتحدثت بصوت جاهدت ألا يرتفع لكي لا يصل الى والدتها بالخارج:


- انت فيك إيه يا يونس؟ وكنت فين الأيام اللي فاتت انا اتهبلت رن عليك؟


نظر إليها بعتاب وعقب بتهكم:


- إيه؟ قلقتي عليا، ولا وحشتك؟!


ضيقت عينيها وهي تنظر إليه بتعجب من طريقته الغريبة معها فهي أبدا لم تعتاد منه على ذلك فتحدثت بصوت مختنق:


- انت بتكلمني كدا ليه؟ أنا عملت حاجة زعلتك؟


ضحكة ساخرة خرجت منه وهو ينظر إليها بعتاب:


- يعني مش عارفة انتي عملتي ايه؟


عقدت حاجبيها بعدم فهم لا تعي شيء مما يرمي إليه:


- لا مش عارفة يا ريت تعرفني.


استقام وهو يغلق أزرار حلته وحدثها وهو يتجه نحو باب الغرفة مغادرًا دون النظر إليها:


- مش وقته الكلام ده أنا كنت جاي علشان أعزيكي، البقاء لله.


همت بالإمساك بزراعه وهي تتحدث بغضب:


- خد هنا انت رايح فين؟ إنت مش ماشي من هنا إلا لما أعرف مالك أظن من حقي اعرف أنا غلطت في إيه؟


نظر إليها شزًرا ولم يستطع تمالك نفسه من الغضب فأخرج هاتفه موجها إياه نحوها وهو يصيح:


- عايزة تعرفي عملتي إيه؟ أنا هقولك.


قام بتشغيل مقطع صوتي لها وهي تتحدث عنه مع امرأة أخرى أصابها الذهول وجحظت عيناها وهي تستمع للكلمات الخارجة منه نعم هو صوتها ولكنها أبدا لم تقل ذلك ولا يمكن أن تقول.


جلست على أقرب مقعد لا تقوى على الحديث تحرك رأيها يمينًا ويسارًا بعدم تصديق يحاول عقلها إنكار ما سمعته أذنيها فمن فعل بها هذا؟ وكيف؟ نظرت إليه لتجده يطالعها بجمود فأشارت إلى هاتفه وتحدثت بتقطع والدموع متجمعة بعينيها:


- وانت صدقت الكلام اللي اتقال ده؟


لم تجد منه رد فاستأنفت بخيبة أمل تملأ وجدانها ولكنها تريد الحفاظ على ما تبقى من كرامتها:


- خلاص طالما صدقت مفيش كلام تاني ينفع يتقال اتفضل من غير مطرود.


صدم من ردها يشعر بتشويش داخل عقله فكيف تكون هذه ردة فعلها حاول الحديث عله يسمع منها تفسير لحديثها هذا ولكنها قاطعته بحزم:


- ولا كلمة خلاص طالما صدقت الكلام ده مفيش داعي لأي حاجة تانية تتقال لو سمحت ابعتلي الفويس على تليفوني، عن إذنك.


قالت جملتها وتركته لتدخل غرفتها صافعة الباب خلفها تاركة إياه غارقًا في بحر من الحيرة لا يعلم هل يصدق قلبه الذي يخبره بأنها لا يمكن أن تفعل هذا خاصة بعد ردة فعلها هذه أم يصدق عقله الذي لا يستطيع إنكار ما سمعه بأذنيه؟


زفرة حارة خرجت من صدره وقام بإرسال الرسالة الصوتية إليها وهو يخرج من المنزل وهم ليرسل إليها رسالة أخرى ولكنه تفاجأ بالرسالة لم تصل ليدرك بأنها قد وضعته على قائمة الحظر بعد استلامها الرسالة الصوتية لم يستطع عقله استيعاب ذلك فحاول مهاتفتها ليتأكد من أنها قد حظرت رقم هاتفه بالفعل فقارب على أن يلقي بهاتفه أرضًا من شدة الغضب وكاد أن يعود إليها مرة أخرى ولكنه تمالك نفسه فليتركها لتهدأ قليلًا وهو أيضًا يحتاج أن يفكر فيما حدث أكثر من مرة عله يصل لتفسير يرضي عقله وقلبه معًا.


❈-❈-❈ 


لم تكف عن تشغيل التسجيل الصوتي مرارًا وتكرارًا لا تصدق ما تسمعه أذنيها فالصوت مطابق لصوتها مائة بالمائة لو لم تكن متيقنة من أنها لم تقل هذا الكلام لشكت بنفسها عقلها قارب على الانفجار من كثرة التفكير.


بعد كثرة التفكير ورد بذهنها شيء لم تلحظه من قبل عند سماعها لذلك التسجيل فلقد كان اهتمامها منصبٌ على صوتها فقط ولم تلتفت لصوت المرأة التي تحدثها نعم هذا الصوت مألوف بالنسبة لها وتعلم من تكون صاحبته.


مسحت دموعها بعنف عن وجهها عازمة على إثبات براءتها ومعرفة الحقيقة مهما كلفها الأمر.


في اليوم التالي ذهبت إلى عملها بجمود وكأنها إنسانٌ آلي لا تتحدث مع أحد على غير العادة مما أثار فضول جميع زملائها، دخلت الحجرة التي تعمل بها زميلتها سلوى تنظر إليها بتوعد واضعة حقيبتها بقوة فوق مكتبها مما أثار رجفتها فنظرت إليها برهبة وتحدثت بتلعثم فلقد شعرت بالذعر من أن تكون علمت ما فعلته:


- مـ مـ الك يا عهد انتي كويسة.


ابتسمت بشر وهي تجيبها بعينين تقدحان شررًا:


- كويسة جدًا، انتي اللي مالك يا سلوى؟ مش على بعضك ليه؟ زي ما تكوني عاملة عاملة.


ازداد خوفها فطريقتها هذه جديدة ليها لم تعهدها من قبل فجاهدت أن ترسم الثبات على وجهها ولكنها فشلت في ذلك:


- مالي يا عهد منا كويسة قدامك أهه هـ هو فيه حاجة حصلت ولا ايه؟


اتسعت ابتسامتها وهي تخرج هاتفها وأجابتها باقتضاب:


- حاجات مش حاجة واحدة.


أنهت جملتها وقامت بتشغيل التسجيل الصوتي وهي تنظر إليها بثبات مائلة رأسها ناحية كتفها اليمين وتحدثت بصوت مرعب:


- إيه رأيك في التسجيل ده مش ملاحظة حاجة فيه.


قامت عن مقعدها وهي ترتجف، وأجابت وهي تفرك يديها ببعض:


- هلاحظ إيه يعني؟ لأ مش ملاحظة حاجة.


صاحت بها بغضب عارم:


- يعني مش ملاحظة أن اللي في الفوس ده صوتي وصوتك؟


ارتعبت من صياحها وأجابتها بتردد وهي تتلفت حولها خوفًا من أن يستمع أحد لما يحدث:


- ها؟! لا مش واخدة بالي.


اتسعت ابتسامتها وهي تتحدث بشر وتوعد:


- لا خدي بالك واسمعي كويس.


قالت ذلك وقامت بإعادت تشغيله مرة أخرى فأعطتها سلوى ظهرها في محاولة بائسة منها أن تلملم شتات نفسها فمن الواضح بأنها قد أوقعت بنفسها في هاوية لا قاع لها:


- انتي عايزة إيه دلوقتي يعني يا عهد ومشغلة الفويس ده ليه أنا معرفش حاجة عنه.


أغلقته وفتحت قائمة الهاتف تريد طلب رقم ما وتحدثت وهي تضغط على زر الإتصال:


- طب خلاص  طالما مش عارفة أتصل بمباحث الانترنت وهي تعرفك.


هرولت نحوها تمنعها من ذلك وحدثتها برجاء:


- لا يا عهد أبوس ايدك بلاش.


دفعتها بعيدًا عنها وعقبت بهدوء دمر أعصابها:


- يبقى سكة ودوغري كدا تقوليلي الحوار من أوله، إيه حكاية الفويس ده؟ وعملتيه إزاي وليه؟


ازدردت بخوف وبدأت تقص عليها ما حدث فلم تجد بدًا من ذلك فإما هذا وإما أن يتم القبض عليها:


- أنا هحكيلك على كل حاجة بس بالله عليك ما تئذيني أنا ماليش دعوة بحاجة.


اومأت برأسها تحثها على الحديث بعد أن قامت بتفعيل وضع التسجيل على هاتفها دون أن تلاحظ الأخرى ذلك لتبدأ في سرد ما حدث:


- من كام يوم لقيت واحدة غريبة بتتصل بيا وطلبت مني نتقابل في مصلحة وافقت وروحت الميعاد اللي قالتلي عليه وهناك عرضت عليها ١٠٠ ألف جنيه مقابل اني أديها فوس نوت بصوتي وصوتك أنا طمعت بصراحة مبلغ زي ده مش هيكلفني أكتر من شوية فويسات وخصوصا لما وعدتني إن الموضوع مفيهوش أي ضرر ليا وبصراحة كان شكلها بنت جدًا، وفعلا دورت في الشات بتاع الشغل بتاعنا عالواتساب لحد ما لقيت فويس بصوتك وادتهولها وكمان سجلتلها بصوتي جمل معينة طلبتها مني وادتني الفلوس فعلا يعدها بيوم لقيتها بتكلمني تاني وطلبت تقابلني برضه بس المرادي بعتتلي فويس جديد اللي هو معاكي ده وقالتلي أبعته لرقم معين وادتني ١٠٠ الف جنيه كمان أنا والله ما ليا دعوة ولا أعرف هي عملنه إزاي؟ ولا عايزاه في إيه؟ حطي نفسك مكاني لو انطلب منك الحاجات البسيطة دي في مقابل ٢٠٠ الف جنيه هتوافقي ولا هترفضي.


لم تجيبها بل وجهت لها سؤالًا محددًا:


- مين الست دي؟


امتنعت عن أخبارها في البداية ولكن بعد الضغط عليها اجابتها بما جمد الدماء بعروقها:


- واحدة اسمها سيلين وصدقيني معرفش عنها أكتر من كدا


هل حقًا هذه هي ابنة عمه التي قابلتها منذ بضعة أيام؟ ولكن لماذا تفعل بهذا ذلك؟ هل يوجد شيء بينهما دفعها للقيام بهذا الأمر؟ وهنا تذكرت حديث رهف عندما كانتا في الفندق قي الأقصر عندما أخبرتها بدخول شابة إلى غرفته ترتدي ملابس فاضحة.


بدأت تربط الخيوط ببعضها البعض لتدرك أنها كانت ضحية مؤامرة من هذه المرأة والني فيما يبدوا أنها تنافسها في امتلاك قلبه.

نظرت عهد نحو سلوى بازدراء وغادرت دون أن تجيبها فمن مثل هذه المرأة يمكنهم التنازل عن كل شيء مقابل حفنة من المال.


ما كادت تغادر حتى قامت برفع إسمه من قائمة الحظر وأرسلت إليه كامل الحديث الذي دار بينها وبين زميلتها الآن، وفور تأكدها من وصول الرسالة إليه قامت بوضعه على قائمة الحظر مرة أخرى فإن كان صدق أنها من الممكن أن تقول هذا الكلام وتكون بهذه الأخلاق فهو لا يستحق أن تسامحه مهما حاول ذلك.


❈-❈-❈


يكاد أن يقتله الغضب خاصة بعد أن وضعته في قائمة الحظر لم تدافع عن نفسها ولم تكذب ما سمعته قارب أن يفقد عقله من كثرة التفكير هل ظلمها حقًا أم أن ردة فعلها هذه ما هي سوى محاولة منها لتشكيكه فيما سمع؟


يقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا يحاول الوصول إلى نتيجة ولكن دون فائدة.


تنبه على صوت إشعار قادم من هاتفه يخبره بوصول رسالة ما على إحدى تطبيقات التواصل الاجتماعي، أخذ هاتفه دون اهتمام ليرى من المرسل ولكنه تفاجأ بأنها منها ففتحها على الفور لتتسع عيناه ويتجمد مكانه من هول ما سمعه هل كل ما حدث ما هو سوى خدعة نصبتها له ابنة عمه الماكرة وهو وقع فيها كالأبله؟ هل هو ساذج لهذه الدرجة؟


لكم الجدار الذي أمامه من كثرة غضبه وهو يردد:


- غبي، غبي ضيعتها من إيدك بغباءك إزاي مربطش ما بين مقابلتك معاها في النادي وبين الفويس اللي اتبعت بعدها بكام يوم يا غبي.


حاول مهاتفتها ليعتذر منها ولكنه وجدها قد وضعته على قائمة الحظر مرة أخرى فألقى بهاتفه أرضًا بغضب حتى كاد أن يكسره وأخذ مفاتيح سيارته وغادر مسرعًا.


❈-❈-❈


تحتسي قهوتها بتلذذ مرتسم على وجهها ابتسامة انتصار فمن المؤكد أن خطتها قد نجحت وترك تلك المرأة إلى الأبد لتمدح ذكائها فلقد أقسمت ألا يكون لامرأة غيرها وها هي توفي بقسمها فإن عاجلًا أو آجلًا سيكون لها في النهاية مهما كلفها الأمر.

سمعت صوت دقات جرس الباب فأمرت الخادمة أن تذهب لترى من ولكنها تفاجأت عندما وجدته يونس فابتسمت بسعادة وهرعت إليه تحاول احتضانه ولكنه باغتها بصفعة قوية أردتها أرضًا، لم تستطع استيعاب ما حدث فأن له أن يضربها هكذا فرفعت رأسها تنظر إليه بذهول وهي تضع يدها على وجهها موضع الصفعة وقبل أن تنطق بكلمة واحدة وجدته يصيح وهو يشير نحوها بسبابته:


- انتي ايه يا شيخة شيطانة؟ أنا أذيتك في إيه علشان تعملي فيا كدا؟


لحظة استيعاب بأن خطتها انكشفت وعرف ما فعلته ولكنها رسمت على وجهها عدم الفهم وتحدثت بدموع مصطنعة:


-  أنا مش فاهمة انت تقصد إيه! إنت بتضربني عشان إيه؟! أنا literally مصدومة، هو أنا عملتلك إيه؟! ده أنا كنت always on your side!


ضحكة ساخرة خرجت منه وهو يقتبس بعض الكلمات من حديثها:

- always on my side!


- انتي مصدقة نفسك خلاص يا هانم خطتك اتكشفت وانا عرفت كل حاجة ومن النهاردة مش عايز ألمحك في أي مكان أكون فيه ولا عايز أعرفك تاني أبدًا، فاهمة.


قال كلمته الأخيرة بصراخ جعلها ترتجف ورأته وهو يغادر دون أن يلتفت نحوها صافعًا الباب خلفه بقوه فأخذت تصرخ بجنون وهذيان وهي تحطم كل شيء موجود حولها:


- يعني إيه؟ يعني خلاص كدا خسرت كل حاجة وسابني؟! هو إزاي يسيبني؟! أنا؟! أنا اللي تسيب مش هو

مش هيمشي، مش هيمشي!!! هيرجع أكيد، أكيد هو بيحبني أنا مش هي، هي مين أصلا علشان تقارن نفسها بيا، أنا أنا سيلين هانم، أنا مخسرش هي اللي لازم تخسر مش أنا، يونس بتاعي أنا وبس، مش هسيبهم يتهنوا مش هسيبهم.


أخذت تهذي بكلمات غير مفهومة  إلى أن سقطت فجأة فاقدة للوعي وكأنها أبت الخسارة رافضة أن تقتنع أن ما خسرته لم يكن لها من البداية.


❈-❈-❈


تجلس بخجل على أحد المقاعد مرتدية فستانًا رقيقًا باللون الأبيض كانت مطأطأة الرأس إلى أن استمعت للجملة الشهيرة التي تقال دائما في نهاية عقد القران:


- بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.


نظرت إليه بعينين تملؤهما الدموع ولكنها اليوم دموع الفرح لا تصدق أنها الآن أصبحت زوجته.


اقترب منها بعد أن تم عقد قرانهما مقبلًا يديها وجبهتها هامسًا في أذنها بكلمات لامست وجدانها:


- مبروك يا أميرتي أخيرًا بقينا لبعض.


احمر وجهها وشعرت بالحرارة تغزو جسـ دها فنظرت أرضًا ولكنه أبى ذلك ورفع رأسها بيده وتحدث بمشاكسة:


- لا مش وقت كسوف النهاردة خالص دنا ما صدقت.


أخفظت رأسها مرة أخرى فابتسم على خجلها وحاوطها بزراعه وتمتم وهو يتنهد بتعب:


- أخيرًا أنا مش مصدق.


أشار لطفليها ليأتيا نحوهما وقام بحملهما معًا وتحدث وهو يحتضنهما:


- يلا يا حبايبي علشان نمشي.


نظرت إليه بابتسامة ممتنة فلقد ظنت بأنه لن يرحب بطفليها خاصة في هذه الليلة ورأت والدتها تقبل عليهم متحدثة بود:


- سيبهم معايا اليومين دول يا مراد يبني علشان تاخدوا راحتكم وبعد كدا ابقوا خدوهم.


نفى برأسه وعقب وهو ينظر إلى الطفلين بحب:


- معلش يا ماما مش عايزين نتعبك ولادنا يجوا معانا مش هنرتاح من غيرهم.


ربتت على كتفه بسعادة متيقنة بأن ابنتها قد اختارت بطريقة صحيحة هذه المرة متأملة أن يكون هو العوض عن كل ما عانته قبل ذلك.


أما عن ضحى فلقد كانت تنظر إليه بعينين ممتلئتين بالدموع غير مصدقة أن يكون هذا الرجل الصالح من نصيبها لقد أثبت لها أكثر من مرة بأنه خيارها الأمثل الذي لن تجد مثله مهما حاولت ذلك.


❈-❈-❈


يقوم بتوزيع البضائع على صِبيانه وهو يملي عليهم تعليماته:


- فهت ياض منك ليه هتعملوا إيه كل واحد فيكم يروح الحتة اللي قولتله عليها سلم واستلم محش يدي البضاعة للزبون إلا لما ياخد المعلوم لو واحد فيكم خيشت معاه ورجع من غير فلوس البضاعة هطير رقبته ورقبة اللي خلفوه مفهوم؟


تحدثوا جميعا في وقت واحد بوجل:


- مفهوم يا معلم.


أشار إليهم بيده وهو يتحدث بحزم:


- يلا غوروا.


ما أن تحركوا حتى وجد أحد صبيانه يهرول نحوه وهو يلهث متحدثًا بأنفاس متقطعة:


- كابسة با معلم كابسة.


هرول الجميع لكي يهربون من المكان ولكنهم لم يستطيعون ذلك ففي لحظات كان المكان يعج برجال المباحث والذين قاموا بدورهم بمحاصرة عزب وجميع رجاله ومصادر ما لديهم من الممنوعات ليتحدث ضابط المباحث بابتسامة ماكرة وهو يمسك ببعض المواد المخدرة:


- يا أهلًا يا عزب انت وقعت ولا الهوا اللي رماك.


ليدرك وقتها بأنه هالك لا محالة.


❈-❈-❈


- بس يا ستي هو ده اللي حصل.


أنهت حديثها وهي تشعر بقبضة تعتصر قلبها بالرغم من محاولتها لتصنع الثبات فحادت بنظرها عن صديقتها وقامت سريعًا بمسح دمعة غادرة فرت من عينيها تخبرها بأن قلبها لازال ينبض باسمه.


شعرت رهف بالأسى على حال صديقتها لا تعلم لماذا يحدث لها ذلك وكأنها محاطة بلعنة تمنع سعادتها فكلما اقتربت منها خطوة بعدت خطوات.


تنهيدة حارة خرجت منها وهي تمسح على ظهرها تحاول مساندتها:


- طيب انتي عملتيله حظر بجد.


أجابت بتوعد وهي تزفر بعنف:


- أيوة ومن كل الأبلكيشنز كمان.


ردت بسخرية وهي تلكذها بخفة في كتفها تحاول إضحاكها:


- مفترية.


نظرت اليها بابتسامة حاولت أن تبدوا حقيقية وأجابتها بمرح مصطنع:


- طبعا strong independent woman يا بنتي أومال انتي فاكرة إيه؟


- طبعا، طبعا انتي هتقوليلي يا ست الفمينيست.


حركت يديها على كتفيها كمن يعدل من ياقته وهي تعقب بفخر:


- فيمينيست ونص كمان هو احنا بنلعب ولا إيه.


ضحكتا بصوت مرتفع لتتبدل ضحكتها إلى الحزن سريعا فطأطأت برأسها وانفتحت في البكاء بصوت مرتفع لتحتضنها صديقتها وهي تربت على ظهرها بحزن تاركة إياها تطلق لمشاعرها العنان علها تشعر ببعض الراحة إن فعلت ذلك.


هدأت قليلا لتبدأ رهف في مخاطبتها بجدية:


- طب نتكلم جد بقى شوية انتي عايزة الحق ولا ابن عمه.


مسحت دموعها بعنف وهي تجيبها بصوت متقطع من كثرة البكاء:


- الحق طبعا.


اعتدلت في جلستها على الفراش لتصبح مقابلة لها وبدأت في الحديث بجدية:


- طيب بصراحة بقى لو عايزة الحق فيونس معذور يا عهد أي واحد تاني مكانه كان صدق أنا نفسي لما سمعت الفويس حسيت إن انتي اللي بتتكلمي مش حد تاني خلينا منصفين وفكري بالعقل كدا لو انتي اللي مكانه وجالك فويس بصوته بيقول فيه إنه بيلعب بيكي ومبيحبكيش ولا حاجة ومستني ياخد غرضه منك ويسيبك هيكون رد فعلك إيه؟ هتقدري تعرفي انه فويس فيك؟ ولا هتشكي إنه حقيقي؟ وبعدين هو مخدش جمب وسمع وسكت دا جالك وسألك، واحد غيره كان سافر ولا حتى اتجوز علشان ينتقم من اللي عملتيه فيه على حسب كلام الفويس.


لم تستمع من كل ما قيل سوى لجملة زواجه من أخرى فتخصرت وهي تنظر إليها شزرًا متمنية الانقضاض عليها وضربها ضربًا مبرحًا لاستطاعتها على النطق بذلك:


- نعم يختي يتجوز مين دنا كنت جيبت كرشه.


صفقت بيديها وهي تهتف بمرح:


- أيوة بقى يا عهد يا خِطِر بقى مستعدة تجيبي كرشه لو اتجوز ورايحة تعمليله بلوك.


قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر إليها بطرف عينيها بخبث لتدرك عهد ما تفوهت به فاعتدلت في جلستها وعقبت وهي تحيد بعينيها عنها:


- آه ومش هفكه ويبقى يوريني هيتجوز إزاي.


قهقهت بملئ فيها وهي تقلب كف بآخر غير مصدقة حديث صديقتها الذي سيؤدي بعقلها إلى الجنون فأخذت حقيبتها وهمت بالرحيل وهي تصيح:


- لا دا انتي هبت منك عالآخر بقى، أنا ماشية قبل ما دماغي تتلحس زيك.


نهضت لتلحق بها وهي تصيح:


- رايحة فين خدي يا بت.


لم تستمع لها وذهبت بالفعل لتبدأ ابتسامة عهد في التلاشي تدريجيًا وهي تمسك بهاتفها متصفحة آخر محادثة دارت بينهما قبل حدوث هذه المشكلة.


تشعر وكأنها واقفة عند مفترق روحها، لا تعلم أين تميل. قلبها يناديه، وعقلها ما زال غاضبًا، هو لم يخُن، لكنه شكّ. والشكّ خنجر، حتى لو لم يُغرس.

هي تعرف أن الفخ نُصب بدهاء، وأنه وقع فيه كأي قلب خائف من الفقد، لكنها أيضًا كانت تنتظر منه أن يُحارب لأجلها، لا أن يتراجع عند أول اختبار.

تشعر أنها ضحية خديعة، وظالمة في ذات الوقت، هل تُعذره لأنه أُوقع في الفخ؟ أم تُعاقبه لأنه لم يرَ براءتها؟

تمشي وهي تلتفت إلى الوراء كل لحظة، كأنها تنتظر أن يوقفها، أن يصرخ في وجه الشك ويقول: 

- أثق بك رغم كل شيء.

لكنّه لم يفعل، فهل تسامحه لأنه بشر؟ أم تتركه لأنه لم يكن لها سندًا حين احتاجته؟


❈-❈-❈


يقود سيارته بذهن شارد لا يعي إلى أين يذهب كمن فقد طريق العودة، الذنب ينهش صدره بلا رحمة، وصوتها الغائب يملأ الفراغ حوله. يعلم أنه ظلمها، أن عينيه خانته حين اختار أن يصدق الكذب ويكذّبها.

هو لم يقصد أن يؤذيها، لكنه خاف، والقلوب الخائفة ترتكب الحماقات.

كل محاولاته للاعتذار بدت باهتة، كأن بينه وبينها جدار من الصمت والخذلان، لا يُهدم بكلمة ولا حتى بندم.

يشعر أنه عاجز لا لأنه لا يريد أن يُصلح، بل لأنه لا يعرف كيف؟

كيف يمسك بيدها بعدما أفلتها حين كانت تحتاجه؟ كيف يقنعها أنه لم يتوقف عن حبها لحظة، رغم أنه توقف عن تصديقها؟

يريد أن يصرخ: 

- سامحيني، لم أكن أنا كان خوفي، كان ضعفي!

لكنها لا تنتظر صرخته الآن، بل كانت تنتظر ثقته حين كانت الحقيقة تُدفن أمامه حيّة.


حاول محادثتها أو لقائها بكافة الطرق الممكنة ولكنها أبت ذلك لم تسمح له برؤيته أو الاعتذار لها وكأن ذلك هو عقابها الأبدي له بحرمانها منه.


ضرب مقود السيارة أكثر من مرة بعجز يشعر وكأنه مقيد ولا يعلم كيف له أن يحل قيوده.


خرج من شروده على صوت بوق سيارة عالٍ وأضواء تضرب عيناه ليدرك بأنه أمام سيارة أخرى على وشك الاصطدام بها فأدار عجلة القيادة سريعا لتخرج السيارة فوق الرصيف المجاور لها وضغط على المكابح بقوة ليستطيع إيقافها بصعوبة شديدة قبل أن يصطدم بعمود الإنارة الموجود أمامه.


تجمع الناس حول السيارة وقاموا باستدعاء سيارة الإسعاف لتأخذه إلى المشفى رغم اعتراضه ولكنهم أصروا على ذلك حتى يتسنى له الخضوع للكشف الطبي للاطمئنان بأنه لم تحدث مضاعفات من أثر الحادث كـ ارتجاج بالمخ أو نزيف داخلي.


خضع لبعض الفحوصات بداخل المشفى وقام بعمل أشعة مقطعية للاطمئنان عليه واقترح الطبيب أن يبقى بالمشفى لدة أربعٍ وعشرون ساعة ليكون تحت ملاحظتهم تحسبًا لأي مضاعفات ورغم رفضه في البداية إلا أنه وافق في النهاية وهو يرتسم على وجهه ابتسامة ماكرة فلم لا يستغل الحادث لمصالحتها فهو متأكد من أنها ستهرول لرؤيته فور معرفتها بما حدث.


أخذ يفكر كيف يمكنه الوصل إليها فلم يجد طريقة سوى عن طريق مروان ووعد فهاتفه قاصصًا له ما حدث طالبا منه المساعدة وهو لم يتردد في ذلك فجعل وعد تهاتف شقيقتها لتخبرها بأمر الحادث وعنوان المشفى.


ما إن بلغها الخبر، حتى تجمّدت أنفاسها في صدرها، واتّسعت عيناها كأنّها رأت شبحًا، سقطت كلّ حواجز الغضب، وتلاشت جدران الزعل التي شيدتها بقلبها يومًا لم تعد تذكر سبب خصامهما، لم تعد تُجيد الحسابات ولا العتاب كلّ ما خطر ببالها أنّه هناك، يتألّم وحده، بعيدًا عنها.


ركضت، لا تدري كيف ولا إلى أين، تتعثر بخطواتها، ودموعها تسبقها، تناديه بقلبها قبل لسانها كان كلّ ما تريده أن تراه، أن تطمئن، أن تمسك بيده وتخبره أنّها هنا، وأنّه أهمّ من كلّ وجع، وأغلى من كلّ خيبة.

في لحظة، سقطت كل جراحها القديمة أمام فكرة واحدة مرعبة: ماذا لو خسِرته؟


وصلت المشفى لاهثة لا تستطيع التقاط أنفاسها سألت عن مكانه بحروف متقطعة ودموع تغرق وجهها، كانت تتقدم نحو الغرفة بأقدام هلامية تخشى ما ستجده عندما تراه، بيدان مرتعشتان فتحت مقبض الباب يكاد قلبها أن يقف من كثرة الخوف وعندما وقعت عليها عليه جالسا على الفراش الطبي لاففًا رأسه ويده اليسرى بضمادة طبية لا يهمها كل ذلك فكل ما يهمها الآن أنه حي يرزق وفور إدراكها ذلك وقعت أرضًا مغشيًا عليها.


فزع فور رؤيتها هكذا وهرول ليحملها واضعا إليها على الفراش مستدعيًا الأطباء ليروا ما بها.


طمأنه الطبيب وأخبره بأن سبب الإغماء هو تعرضها لصدمة كبيرة لم تستطع تحملها ليؤلمه قلبه لكونه السبب في ذلك.


بدأت تستفيق تدريجيًا وفور تنبها وتذكرها ما حدث قفزت من مكانها تبحث عنه وفور رؤيتها له جالس بجوارها ممسكًا بيدها لم تستطع منع نفسها وارتمت في احضانه تبكي بشدة وهي تهذي:


- انت كويس، اتكلم وقول إنك كويس، أنا أموت لو جرالك حاجة.


لا يصدق ما فعلته، هذه هي المرة الأولى التي يحتضنها بها وكأنه انفصل عن العالم كان يشتم عبير شعرها ويمسح عليه بخفة محاولًا تهدئتها:


- ششش أنا كويس قدامك أهه كويس وحي أرزق متخافيش.


لم تكف عن البكاء فقرر مشاكستها مردفًا:


- يعني أنا لازم أعمل حادثة وأموت علشان ترضي عني وتسامحيني.


خرجت من بين أحضانه وهي تنظر إليه بعتاب ولكنها خجلت بشدة فور إدراكها ما فعلته فابتعدت عنه مسافة كافية وتحدثت وهي مطأطأة الرأس:


- بعد الشر عليك.


ابتسم بحب وعقب بمشاكسة:


- إيه؟ قولتي إيه دلوقتي؟ علي صوتك مش سامع.


رفعت رأسها ونظرت إليه مضيقة عيناها بغيظ:


- لا متحلمش إني أقول حاجة تانية.


قالت ذلك وحمحمت وهي تهم بالرحيل:


- الحمد لله إنك كويس أنا همشي بقى.


لم يتركها تخطوا خطوة واحدة فجذبها إليه وهو يتحدث بصوت رخيم:


- رايحة فين؟


لم تشعر بالراحة من قربه منها هكذا فابتعدت عنه قليلا وهي تجيبه باقتضاب:


- مروحة.


- واهون عليكي تسيبيني وانا متفشفش كدا.


حمحمت بخجل وعقبت وهي تحيد بعينيها عنه:


- ما انت كويس أهه.


اقترب منها وهو يحدثها بهمس:


- دا لما شوفتك بس، إنما أنا مش ضامن لو مشيتي ممكن يحصلي ايه.


ابتسمت بخجل فابتسم هو الآخر وأردف برجاء:


- أفهم من الابتسامة دي إنك خلاص سامحتيني.


في لحظات عادت إليها ذكريات ما حدث وكأنها قد نسيت جراء الصدمة فنظرت إليه متحدثة بغضب:


- لأ منسيتش ومش هصالحك، أنا، أنا بس جيت لما عرفت إنك عملت حادثة إنما سماح مفيش، سماح قتلت أبويا ومستنية الإعدام خلاص.


لم يتمالكا نفسيهما وقهقها من الضحك فور إدراكهما ما تفوهت به ليقترب منها ممسكًا بيدها متحدثًا بصدق:


- أنا آسف، أوعدك عمري ما هعمل كدا تاني أو أشك فيكي مرة تانية أبدًا.


لم تستطع منع قلبها من مسامحته فلقد ملأ حبه قلبها فما هي فائدة البعد سوى العذاب لقلبيهما فلتعطيه فرصة أخرى وهي واثقة أنها لن تندم على ذلك.


- خلاص عفونا عنك.


لم يستطع منع نفسه وكاد أن يقترب منها ليقبلها ولكنها ابتعدت عنه متحدثة بمرح في محاولة منها لتخفيف حرج الموقف والحرارة التي تشعر بها تجتاح جسـ دها:


- إنما إعمل حسابك المرة الجاية لا ممكن تنزل أبدًا.


فهم محاولتها جيدًا وابتعد عنها بضع خطوات معطيًا إياها مساحة كافية لتلمم شتات نفسها يكفيه أنها سامحته وستظل معه إلى الأبد.


❈-❈-❈

بعد مرور عام

- آه الحقني يا مراد أنا حاسة إني هموت.


كان ممسكًا بيدها، يرتجف كأنّه هو من يلد، لا هي، عيناها ممتلئتان بالألم، ويدها تعصر أصابعه كأنها تستمد منه الحياة، وهو يهمس لها بكلمات لا يسمعها أحد سواه:

 - أنا جنبك، استحملي، خلاص قربنا.


الدموع تملأ عينيه، لكنها ليست دموع خوف فقط بل مزيج غريب من الامتنان والذهول والرهبة، لم يتخيّل يومًا أن يرى هذه اللحظة بعينيه، بعد كل تلك السنين التي جلس فيها على أبواب العيادات، يخبئ خيبته وراء ابتسامة باهتة، ويربت على قلبه حين ينكسر.


والآن، هي هنا، تقاوم الألم، تُنجب له حلمه، تُنادي الحياة كي تأتي إليه على هيئة بكاء طفل.


وحين علا صوت بكاء المولود، لم يتمالك نفسه، انفجر بالبكاء، ضحك وبكى في آنٍ واحد، واحتضنها برفق وهو يقول ناظرًا للأعلى: 


- ألف حمد وألف شكر ليك يارب.


لا يصدق أنه وبعد طول انتظار قد من عليه المولى عز وجل وأصبح أبًا بعد أن فقد الأمل في ذلك وكل هذا بفضلها هي، فمنذ دخولها حياته قد ملأتها حبٍ، وأملٍ، وسعادة.


خرجا من غرفة العمليات وهو ممسك بطفله بيد ويدها باليد الأخرى ليجد والدتها والطفلين منتظرين بقلق داخل الغرفة التي ستمكث بها ليهرول الطفلين نحوهما وهما يتحدثان في صوت واحد بفرحة عارمة:


- هو ده النونو يا بابا.


 نزل على ركبتيه حتى وصل لطوليهما وقرب الطفل منهما لكي يراياه جيدًا:


- أيوة يا حبايبي هو تحبوا تشيلوه.


أومآ برأسيهما فأجلسهما بجوار بعضهما البعض على الأريكة وجعلهما يحملانه واحدًا تلو الآخر وسط نظرات الحب من ضحى التي كانت تبكي فرحًا على اكتمال عائلتها وتجمعها معًا، اقترب منها مراد واضعًا الطفل بين زراعيها وتحدث وهو يقبل رأسها بحب:


- حمد لله على السلامة يا حبيبتي.


بادلته النظرات وهي تتحدث بامتنان:


- الله يسلمك يا حبيبي، ها نويت تسميه إيه؟


ابتسم وأجابها وهو ينظر للطفلين بحنان:


- مش أنا اللي هسميه أخواته يسموه.


صفق الطفلين وتحدثا بصوت واحد بحماس:


- هنسميه ريان.


ابتسما مراد وضحى لتلتفت إليه وطالعته بحب:


- ألف مبروك يا أبو ريان.


نفى برأسه وأخرج صوت طأطأة من فمه وهو يتحدث بجدية:


- كدا أيسل تزعل طالما هي الكبيرة يبقى اسمي أبو أيسل.


أمسكت بيده بامتنان لكل ما قدمه لها هي وأطفالها منذ أول يوم التقت به فيه ليقترب منها وقام باحتضانها مشيرا نحو الأطفال لينضموا اليهما ليحتضنهم جميعا ممتنًا لها لإعطائه هذه العائلة الجميلة.


❈-❈-❈


وقف كأن الزمن توقف عند عتبة اللحظة، عروسه تهبط أمامه بخطى واثقة كأنها تمشي على الضوء، لا الأرض.

ارتجف قلبه، واتسعت عيناه بدهشة طفل رأى معجزة لأول مرة. لم يكن يتخيل أن الجمال قد يتجسد يومًا بهذا الصفاء، بهذا النقاء، بهذا البياض.


كانت ترتدي فستانًا من الحرير الأبيض، يُعانق جسدها برقة، وتنسدل أطرافه كوشاح من السحاب، مزدانًا بتطريز ناعم من الخيوط الفضية التي تلمع تحت الأضواء كأنها نجوم نسجت خصيصًا لها، ذيل الفستان يتبع خطواتها كظلٍ من الحلم، وطرحتها تتهادى من شعرها المُصفف بعناية، تغلفها بهالة من القداسة.


لم يسمع من حوله، لم يرَ سواها. كانت كل الأمنيات التي خبّأها في قلبه، وكل الدعوات التي همس بها في صلاته وفي عينيه نظرة امتنان للعمر لأنّه أوصله إلى هذه اللحظة.

ابتسم فكلّ الحروف خانته، ولم يبقَ له إلا الصمت المبلل بالدهشة والحب.


قبل رأسها ممسكًا بيدها جاعلًا إياها تتأبط زراعه ليسيرا معا نحو المقعدين المخصصين للعروسين وكأنهما يسيران معًا نحو مستقبلهما وحولهما كل من يحبهما والدتها وشقيقتها التي تحمل طفلتها الصغيرة على زراعيها ورهف ومروان وجميع الأهل والأقارب ليصلا لنهاية رحلتهما معا فها قد بلغت الروح مرساها بعد طول اغتراب، وانقشع غبار الطريق لتشرق السعادة من بين شقوق التعب، كأنّ كل العناء كان تمهيدًا لوصولٍ يستحق الانتظار.

تمت

إلى حين نشر الرواية الجديدة للكاتبة سمر إبراهيم، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة