-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 43 - جـ 2 - الأربعاء 24/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الثالث والأربعون

الحزء الثاني 

تم النشر الأربعاء  

24/9/2025


_صبر... حبيبتي... مالك وروح على التليفون عايزين يباركولك

أومأت له وقد بدأت تسترد وعيها كاملاً 

فأعطى أكمل الهاتف لها ومازال يبدو عليها الوهن الشديد رغم مرور يومين على الولادة أخذت الهاتف بيد مرتعشة، ووضعته على أذنها.

سمعت روح تقول بصوت عالي ومتحمس والفرحة تملأ نبرتها.

_ مبروك يا صبر ألف ألف مبروك يا حبيبتي حمدلله على سلامتك.


جاءها صوت صبر من الطرف الآخر، لكنه لم يكن كما توقعته كان صوتاً خافتاً ضعيفاً وبالكاد يُسمع، وكأنه قادم من بئر عميق.

_ الله... يبارك... فيكي... يا روح.

شعرت روح بقبضة باردة تعتصر قلبها اختفت حماستها فجأة، وحل محلها القلق.

_ مالك يا صبر؟ صوتك تعبان أوي أنتِ كويسة؟

_ الحمد... لله كويسة... بس... تعبانة شوية.

كانت كل كلمة تخرج منها بمجهود واضح، كأنها ترفع حجراً ثقيلاً.

أخذ أكمل الهاتف منها برفق عندما رأى الإرهاق على وجهها.

_ معلش يا روح هي لسه تعبانة شوية من العملية.

حاولت روح أن تخرج صوتها طبيعياً وتخفي ذلك الخوف الذي تمكن منها

_انا فاهمة حمد لله على سلامتها، وألف مبروك.

_الله يبارك فيكي وعقبالك، سلميلي على مالك.

_ حاضر... يوصل حمدلله على سلامتها مرة تانية، وخلي بالك منها.

قالتها روح، وصوتها أصبح أكثر جدية وقلقاً.

أغلقت الخط وظلت تنظر إلى الهاتف في يدها بشرود

اختفت ابتسامتها وحلت محلها ملامح القلق الواضح.

لاحظ مالك تغيرها المفاجئ وضع فنجانه وأمسك بيدها.

_ في إيه؟ مالك؟

نظرت إليه بعيون قلقة.

_ صوتها... صوتها تعبان جوي يا مالك، بتتكلم بالعافية أنا خايفة عليها شكلها مش كويس خالص.

تنهد مالك وسحبها لتجلس أقرب إليه، واحتضنها ليطمئنها.

_ اهدي يا حبيبتي ده طبيعي.


_ طبيعي كيف؟ هي صوتها بيجول إنها بتتألم.

_ ما هو ده اللي لازم تفهميه حالة صبر غير حالتك خالص، أنتِ ولادتك الدكتورة أكدت انها هتكون طبيعية وفي معادها ان شاء الله، إنما صبر حالتها كانت صعبة من الأول، والدكتور ولدها في الشهر الثامن عشان ينقذها هي والطفل عمليتها كانت طارئة وخطيرة طبيعي جداً إنها تكون تعبانة ومجهدة بالشكل ده. 

جسمها لسه بيتعافى من صدمة كبيرة.


كانت كلمات مالك المنطقية والهادئة كبلسم لقلقها لم تفكر في الأمر من هذه الزاوية.

_ يعني... يعني هي هتبجى كويسة؟


_ هتبجى زي الفل إن شاء الله أكمل جنبها، وولدته دكتورة ومتابعة كل حاچة الموضوع محتاچ شوية وجت وصبر بس.

أومأت برأسها وشعرت ببعض الراحة لكن رغم تطمينات مالك، ظل صوت صبر الضعيف يرن في أذنيها وظلت بذرة القلق موجودة في قلبها تدعو في صمت أن تمر هذه الفترة الصعبة على خير وأن تستعيد صديقتها عافيتها بسرعة.


❈-❈-❈


كانت غرفة المستشفى قد تحولت إلى ملاذ صغير من الدفء والاهتمام لم يتركها أكمل لحظة واحدة، كان يجلس بجانبها يقرأ لها بصوت هادئ أو يمسح على شعرها أو يكتفي بالصمت مجرد وجوده كان كافياً ليمنحها شعوراً بالأمان. 

كان قد تعلم كيف يحركها برفق شديد عند الحاجة وكيف يتوقع احتياجاتها قبل أن تنطق بها.

في وقت الغداء انفتح باب الغرفة بهدوء، ودخل حسين ونسرين يحملان أكياساً تفوح منها رائحة الطعام البيتي الشهي. 

كانت ابتسامتهما دافئة وعيونهما تحمل كل الحب والاهتمام.

_ السلام عليكم يا أبطال.

قال حسين بصوت مرح وهو يضع الأكياس على الطاولة.

اقتربت نسرين من صبر وانحنت لتقبل جبينها بحنان.

_ عاملة إيه النهاردة يا حبيبتي؟ شكلك أحسن.

ابتسمت صبر ابتسامة باهتة.

_ الحمد لله يا ماما أحسن.

_ طب يلا عشان تاكلي أنا عملالك شوربة هتخليكي تبقي زي الحصان.

قالتها نسرين وهي تفتح الأوعية، وتسكب الشوربة الساخنة في طبق.


لكن ما إن حاول أكمل أن يساعد صبر على الاعتدال في جلستها، حتى تمسكت بالملاءة بأصابع متشنجة، وقالت بخوف

_ لأ... لأ بلاش أنا كويسة كده.

نظر إليها أكمل بحنان.

_ يا حبيبتي لازم تاكلي عشان تقدري تقومي.

قالت بصوت خافت وعيناها تترجى أن يتركها.

_ مش قادرة أتحرك كل حركة بتوجعني.

هنا تدخل أكمل بحزمه الممزوج بالحنان.

_ مفيش حاجة اسمها مش قادرة.

ثم نظر إلى والدته.

_ هاتي الطبق يا أمي.


انزلق أكمل برفق على السرير خلف صبر ثم رفعها بحركة بطيئة ومدروسة، كأنه يحمل أثمن جوهرة في العالم، حتى استند ظهرها بالكامل على صدره. 

لف ذراعيه حولها كحصن ليصبح هو مسندها.

_ كده مرتاحة؟

همس في أذنها.

أومأت برأسها وقد شعرت بالأمان في حضنه.

أخذ أكمل طبق الشوربة من والدته، وبدأ يطعمها بنفسه ملعقة تلو الأخرى، بهدوء وصبر كان ينفخ في الملعقة قبل أن يقدمها لها، ويمسح شفتيها بمنديل برفق بعد كل ملعقة.

كان حسين ونسرين يراقبان المشهد بابتسامة متأثرة

كانا يريان ابنهما القوي، وقد تحول إلى زوج حنون يغمر زوجته بحب ورعاية لا حدود لهما.

بدأ حسين في الحديث ليخفف من الأجواء.

_ شوفتي الواد ابنك يا صبر؟ مش سايب الممرضات في حالهم كل شوية يصرخ عايز يرضع شكله طالع مزعج لأبوه.

ضحكت صبر ضحكة خفيفة لكنها كانت كافية لتضيء وجهها.

أكملت نسرين الحديث وهي تبتسم.

_ وصورة طبق الأصل من أكمل وهو صغير نفس الشعر الأسود، ونفس تقطيبة الحواجب لما بيعيط كنت لسه بوري حسين صور أكمل وهو بيبي كأنهم توأم.

شعرت صبر بدفء يسري في قلبها، كانت هذه التفاصيل الصغيرة عن ابنها الذي لم تره سوى بالصور هي التي تمنحها القوة.

_ بجد يا ماما؟

_ بجد يا قلب ماما وهتشوفيه بنفسك قريب أوي. 

بس أنتِ شدي حيلك وكلي كويس عشان تقدري تشيليه وترضعيه.

استمروا في الحديث يصفون لها كل تفصيلة صغيرة عن طفلها وعن طفولة أكمل ويحكون لها مواقف مضحكة. 

تحولت الغرفة من مكان للألم إلى جلسة عائلية دافئة مليئة بالضحكات الخافتة والذكريات الجميلة.

ولأول مرة منذ دخولها المستشفى شعرت صبر بأنها ليست مجرد مريضة، بل هي زوجة وأم، وابنة. 

شعرت بأنها تنتمي إلى هذه العائلة الجميلة التي تحيطها بالحب من كل جانب وأدركت أن هذا الدفء، وهذا الحب هما أفضل علاج يمكن أن تحصل عليه.


❈-❈-❈


كان المطبخ في بيت الجبل قد تحول إلى ما يشبه ساحة معركة، الدقيق يغطي أجزاء من الطاولة، وقطرات من الشوكولاتة تزين خد نغم بينما كانت هي تقف في المنتصف بكامل تركيزها، وعيناها مثبتتان على شاشة هاتفها المثبت على حامل صغير.

كان صوت الشيف في الفيديو يتردد في أرجاء المطبخ: "...وبعدين بنضيف البيض واحدة واحدة مع الخفق المستمر على سرعة متوسطة..."

أوقفت نغم الفيديو وأعادت المقطع للمرة الخامسة.

كانت سامية وونس تجلسان على الطاولة الصغيرة في زاوية المطبخ تراقبان المشهد بابتسامات مكتومة، كأنهما تشاهدان فيلماً كوميدياً.

قالت سامية بحنان وهي ترى حيرة نغم

_ يا ست نغم، خليني أنا أعملها لك هتطلع زي ما الكتاب بيجول.

هزت نغم رأسها بإصرار وعناد لطيف دون أن ترفع عينيها عن وعاء العجين.

_ لأ يا سلمية لازم أعملها أنا بنفسي دي أول مرة أعمل لجاسر حاچة في عيد ميلاده وعايزاها تكون مفاچأة مني أنا.

ثم التفتت إليهما بنظرة متآمرة وخفضت صوتها كأنها تكشف عن سر خطير.

_ أوعوا حد فيكم يجوله أي حاچة! أنا عايزاه يتفاچئ بالليل. 

أنا خططت لكل حاچة هنطفي النور أول ما يدخل وهنحط الشموع على التورتة...

كانت تتحدث بحماس طفولي ولم تنتبه للظل الذي كان يقف عند مدخل المطبخ يراقبها بابتسامة واسعة وعيون تلمع بالحب والمكر.


كان جاسر قد عاد مبكراً وقاده صوت الشيف إلى المطبخ وقف هناك لدقائق يستمتع بمنظر زوجته وهي غارقة في هذه الفوضى اللذيذة، ويستمع إلى خططها السرية شعر بقلبه يفيض حباً. 

لم تكن مجرد تورتة، كانت دليلاً على حبها واهتمامها بالتفاصيل الصغيرة

قرر أن يلاعبها. 

انسحب بهدوء تام كشبح دون أن يشعر به أحد وصعد إلى غرفته وكأنه لم ير شيئاً.


في المطبخ استمرت المعركة بعد معاناة طويلة مع العجين والخفق والخبز أخرجت نغم الكيكة من الفرن.

ساد صمت ترقب... ثم تحول إلى خيبة أمل.

كانت الكيكة... غريبة هابطة من المنتصف ومحروقة قليلاً من الأطراف وشكلها لا يمت بصلة للصورة المثالية على هاتف الشيف.


نظرت نغم إلى "إنجازها" الفني وشعرت بالإحباط يغمرها، لمعت الدموع في عينيها وقالت بصوت مخنوق

_ باظت... شكلها وحش جوي.

اقتربت منها ونس بسرعة وقالت بحنان.

_ وحشة إيه بس؟ دي أول مرة تعمليها وطبيعي متطلعش مظبوطة من أول مرة وبعدين المهم الطعم.

لكن نغم هزت رأسها بيأس.

_ لأ أنا كنت عايزاها تبجى حلوة من بره ومن جوه.

ابتسمت ونس ابتسامة مشجعة.

_ طب وإيه يعني؟ نرمي دي ونعمل واحدة تانية بس المرة دي أنا هعملها معاكي. 

إيدي على إيدك وأنا هجولك على أسرار المهنة وأوعدك هتطلع أحلى تورتة شافها جاسر في حياته.

رفعت نغم رأسها ونظرت إلى حماتها بامتنان.

_ بچد؟


_ بچد يا جلبي يلا شدي حيلك لسه ورانا تزيين وحركات لازم نبهره.


مسحت نغم دموعها وعادت روح الحماس إليها من جديد لقد فشلت محاولتها الأولى لكن بوجود هذه العائلة الدافئة بجانبها، شعرت بأنها تستطيع أن تفعل أي شيء حتى لو كان صنع تورتة مثالية لرجل لا يزال يبتسم بمكر في الطابق العلوي، وهو ينتظر بفارغ الصبر "مفاجأته" التي لم تعد سرية على الإطلاق.


❈-❈-❈


كانت التورتة هذه المرة ناجحة وبطبقات متساوية، مغطاة بكريمة الشوكولاتة اللامعة ومزينة بحبات الفراولة الطازجة التي رتبتها نغم بعناية فائقة. 

وقفت تتأملها بفخر وسعادة ولم تصدق أنها شاركت في صنع هذا الجمال.

اقتربت منها ونس وربتت على كتفها بحب.

_ شوفتي؟ قلتلك هتطلع أحلى تورتة.

عانقت نغم حماتها بقوة.

_ شكراً أوي لولاكي مكنتش عرفت أعمل أي حاچة.

ابتسمت ونس بحنان.

_ المهم إنكم نبسطوا. 

ودلوجت اطلعي أوضتك عشان تچهزي وتستعدي جبل ما يرچع خلي الاحتفال ده بتاعكم انتوا الاتنين بس، في أوضتكم ده أول عيد ميلاد ليه وأنتِ معاه، خلوها ليلة متتنسيش.

أومأت نغم بامتنان وقبلت خد حماتها، ثم صعدت إلى غرفتها وقلبها يرقص من الفرح والترقب.


فتحت باب الغرفة بهدوء لتتفاجئ بجاسر يخرج من الحمام في تلك اللحظة 

تجمدت للحظة ثم ابتسمت بسعادة وركضت نحوه.

_ جاسر! أنت چيت!

اقتربت منه ووقفت على أطراف أصابعها لتقبله قبلة سريعة على خده الأيمن، ثم قبلة أخرى على خده الأيسر.

_ حمدلله على السلامة يا حبيبي چيت ميتى؟

نظر إليها جاسر بابتسامة جانبية ماكرة وعيناه تلمعان.

_ لسه واصل حالاً.

ثم رفع حاجبه وهو يمسح على خده

_ بس هي دي بوسة حمد لله على السلامة؟


وقبل أن تستوعب سؤاله انحنى وخطف شفتيها في قبلة عميقة شغوفة جعلتها تنسى كل الخطط والمفاجآت للحظات كانت قبلة تحمل كل ترحيبه الخاص بها.

بعد فترة ابتعد عنها ببطء تاركاً إياها تتنفس بصعوبة ووجنتاها متوردتان. 


واصل مكره وابتعد عنها متجهاً إلى الدولاب وفتحه ليخرج قميصاً وبنطالاً رسمياً.

نظرت إليه بحيرة وقلق.

_ أنت... أنت رايح فين؟

أجابها بهدوء وهو يرتدي ملابسه متظاهراً بالجدية التامة.

_ عندي مشوار ضروري لازم أروحه واحتمال أتأخر.

اتسعت عيناها بصدمة وخيبة أمل ثم اقتربت منه بسرعة وأمسكت بذراعه.

_ مشوار إيه دلوجت؟ لأ مش هتروح في حتة، لازم تفضل معايا النهاردة.


التفت إليها ورفع حاجبه بتساؤل مصطنع.

_ وليه لازم أفضل معاكي؟ فيه حاچة معينة يعني؟

تلعثمت نغم لم تستطع أن تخبره عن المفاجأة، حاولت أن تجد أي سبب، أي حجة.

_ عشان... عشان...

رأى حيرتها فاستمتع باللحظة

وسألها بخبث

_عشان ايه جولي.

اقتربت منه أكثر وغيرت نبرتها إلى الدلال الأنثوي الذي تعرف أنه نقطة ضعفه لفت ذراعيها حول رقبته ونظرت في عينيه مباشرة.

_ عشان الليلة حلوة... وأنا عايزاك تسهر معايا.

توقف جاسر عن ارتداء ملابسه، وابتسامة نصر ماكرة ارتسمت على شفتيه لقد وقعت في فخه.

_ اممم... أسهر معاكي؟

مرر يده على خصرها وقربها منه أكثر.

_ والموضوع ده ملهوش مقابل؟

قطبت حاجبيها باستغراب.

_ مقابل؟ مقابل إيه؟

لم يجب بدلاً من ذلك أمال رأسه قليلاً وغمز بعينيه وهو ينظر نظرة سريعة ذات مغزى نحو السرير الكبير.


فهمت تلميحه على الفور كتمت ضحكة كادت أن تفلت منها وضربته على كتفه ضربة خفيفة.

_ أنت وقح!

ضحك جاسر بصوت عالي ضحكة رجولية عميقة هزت الغرفة.

_ وقح عشان بطلب حجي من مرتي؟


_ مش بتفكر غير في الحاچات دي.


قالتها وهي تحاول أن تبدو غاضبة، لكن عينيها كانتا تضحكان.

عانقها بقوة ودفن وجهه في عنقها وهو يهمس.

_ ولما تكون مرتي بالچمال ده تفتكري ممكن أفكر في حاچة تانية؟

ثم ابتعد لينظر في عينيها بمكر.

_ ها... جولتي إيه؟ أكنسل المشوار الضروري چداً ده... ولا معنديش مقابل يشچع؟


نظرت إليه وقد استسلمت تماماً لجاذبيته وخفة دمه. 

لقد كان بارعاً في تحويل أي موقف إلى لعبة لذيذة بينهما.

_ ماشي... بس بشرط.

_ أؤمري.

_ تسهر معايا الأول... وبعدين تاخد المقابل بتاعك.

ضحك مرة أخرى وقبلها على وجنتها

_ ده أحلى شرط سمعته في حياتي موافج.

ابتسمت بسعادة وقالت بفرحة

_طيب انا هدخل اخد شاور لحد ما سامية تخبط.

لم تلاحظ ما تفوهت به لذا أراد هو التلاعب بها وهي تتجه للخزانة الوقحة كما تلقبها

_وهي سامية هتخبط ليه.

اغمضت عينيها بحنق من غباءها وقالت بكذب

_اه هتخبط عشان تجبلنا العشا هنا.

أخذت الملابس وأسرعت للدخول الى المرحاض هاربة من حصاره..


❈-❈-❈


كانت ليلة دافئة في منزل الرفاعي، والجميع مجتمعون في بهو المنزل الفسيح يتبادلون أطراف الحديث والضحكات كانت الأجواء مريحة وهادئة، تعكس السلام الذي حط رحاله أخيراً على العائلة.


جلس مالك بجوار روح التي كان حملها قد أصبح ثقيلاً في شهره الأخير. 

كل بضع دقائق كان يميل نحوها ويهمس بصوتٍ خفيض لا يسمعه سواها

_ مرتاحة يا حبيبتي؟ عايزة حاچة؟


وكانت هي في كل مرة تبتسم له ابتسامة هادئة، وتضع يدها على يده الموضوعة على ركبتها، وتهز رأسها مطمئنة إياه. 

كانت هذه اللفتات الصغيرة وهذا الاهتمام الصامت، عالمهما الخاص الذي بنياه وسط الجميع.


كانت ورد تراقبهما من بعيد على قدر سعادتها الغامرة لروح التي تعتبرها ابنتها، وعلى قدر فرحتها باستقرار مالك الذي رأت في عينيه حباً لم تره من قبل، كان قلبها ينقبض بألم حاد. 

كل ضحكة كل لمسة حنان بين زوجين كانت تذكرها بفراغها.


نظرت حولها فرأت وهدان سعيداً وسالم بجانبه وسند ووعد يتهامسان، ومالك وروح في عالمهما الخاص

كلهم سعداء لكن ينقصهم عدي 

لقد رحل عدي، ولم يترك لها حتى ذكرى حية منه، لم يترك لها طفلاً صغيراً يحمل ملامحه، طفلاً يعوضها عن فراقه ويهون عليها وحشة الأيام.


شعرت بغصة حارقة في حلقها وبأن دموعها على وشك أن تفضحها. 

لم تعد تحتمل البقاء في هذا الجو الذي آلمها. 

نهضت بهدوء ورسمت على وجهها ابتسامة باهتة.

_ تصبحوا على خير يا چماعة هطلع أنام، حاسة إني مصدعة شوية.


لم يلحظ أغلب الحاضرين سبب انسحابها الهادئ، لكن سالم زوجها شعر بها لقد رأى الانكسار في عينيها قبل أن تنهض، وشعر بثقل حزنها الصامت. 

انتظر لحظات ثم استأذن منهم بهدوء وصعد خلفها.


وجد باب غرفتهما مفتوحاً قليلاً، وسمع صوت بكاء مكتوم دخل بهدوء فرآها تجلس على حافة السرير، وظهرها له وكتفاها يهتزان بعنف وهي تحاول أن تكتم شهقاتها.


تألم قلبه لألمها اقترب منها وجلس بجانبها ووضع يده على كتفها برفق.

_ ورد...


رفعت وجهها إليه وكان غارقاً في الدموع. 

لم تعد قادرة على إخفاء حزنها أمامه.

_ مالك يا ورد؟


لم تستطع أن تخبي عليه انفجرت في بكاء مرير، وقالت بصوتٍ متقطع يمزقه الألم

_ عدي... عدي وحشني جوي يا سالم

مش جادرة أصدج إنه راح خلاص مات وسابني لوحدي بحسرتي عليه بحاول... بحاول أكون قوية وأتأقلم، بس مش جادرة. 

كل ما أشوف اللي حواليا مبسوطين وهو غايب بحس بالنار في جلبي.


أخذت نفساً عميقاً وخرجت الكلمات التالية كأنها طعنة.

_ كان نفسي... كان نفسي يسيبلي حتة منه طفل يهون عليا اللي أنا فيه بس حتى دي... روح محملتش منه.


نظر إليها سالم بحزن عميق، ثم تنهد تنهيدة طويلة وقرر أن يكشف لها سراً ثقيلاً 

_ كانت هتحمل منه إزاي يا ورد... وهو ملمسهاش أصلاً.


توقفت عن البكاء فجأة ونظرت إليه بصدمة وعدم استيعاب.

_ إيه؟ بتجول إيه؟ كيف ده؟


قال سالم بهدوء وهو يختار كلماته بعناية

_ مالك حكالي يوم ما اتجوز روح اكتشف إنها لسة بنت. 

عدي... رفضها وجرحها.


اتسعت عينا ورد بصدمة أكب وهمست

_ ليه؟ ... وليه مجالتش؟ ليه روح مجالتش حاچة زي دي؟


هز سالم رأسه بإعجاب وأسى.

_ عشان تحافظ عليه عشان متجللش منه في نظرنا حتى بعد ما مات عشان تخليه في عيون أمه وأبوه راچل.


صمتت ورد تماماً وعقلها يحاول استيعاب هذه الحقيقة الصادمة. 

روح الفتاة التي ربتها على يديها تحملت كل هذا وحدها تحملت رفض زوجها، ثم تحملت موته وحملت سراً كهذا لتحمي صورته أمامهم.


نظرت إلى سالم بعينين دامعتين، لكن هذه المرة كانت دموعاً مختلفة، دموع فخر وحب.

_ مش غريب عليها أنا اللي مربياها وخابرة أصلها الطيب.


في تلك اللحظة شعرت ورد بشيء من السلام. لقد كان حزنها على عدم وجود حفيد من عدي كبيراً، لكن معرفتها بأن ابنها، رغم كل شيء، لم يكسر روح بالكامل، وأن روح، رغم كل شيء، حافظت على شرف ابنها... كان في ذلك عزاء غريب ومؤلم، لكنه كان عزاءً على أي حال.

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة