-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 38 - جـ 2 - السبت 120/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الثامن والثلاثون

الحزء الثاني 

تم النشر السبت  

20/9/2025


_ صبر... أنتِ كويسة؟

سألها للمرة الثالثة خلال ساعة، بصوت هادئ كي لا يفزعها.

رفعت عينيها عن الكتاب وابتسمت له ابتسامة باهتة.

_ أيوه زينة بس المذاكرة مملة شوية.

لم يقتنع بإجابتها لكنه لم يرد أن يضغط عليها فتزداد توتراً. 

عاد إلى أوراقه لكنه قرر أن يظل متيقظاً.


بعد فترة شعرت صبر بأنها بحاجة إلى حمام دافئ، ربما يساعد على إرخاء عضلاتها المتشنجة ويخفف من ألم ظهرها. 

أغلقت كتابها بهدوء وقررت أن تقوم بأسرع ما يمكن حتى لا يلحظها ويقلق

لكنها استهانت بعينيه الصقرتين.


كانت تحاول أن تخفي الألم الخفيف الذي شعرت به في ظهرها وهي تنهض، لكن جسدها خانها. 

صدرت عنها آهة مكتومة ولاحظ هو تلك الارتعاشة الخفيفة في ساقيها وهي تحاول أن تستقيم.

_رايحة فين؟

حاولت إخفاء الألم

_هدخل أخد شاور يمكن يفوقني شوية.

في لحظة ألقى بملف القضية جانباً دون اكتراث وكان بجانبها.

_طيب استني.

قالها بنبرة حازمة لا تقبل النقاش نبرة وكيل النيابة التي تعرفها جيداً.

وقبل أن تنطق بكلمة أو تحاول أن تجادله انحنى وحملها بين ذراعيه بسهولة.


شهقت بخجل ومفاجأة وتشبثت بكتفه بشكل لا إرادي.

_ أكمل نزلني أنا تجيلة عليك.

نظر إليها بابتسامة جانبية ماكرة وغمز لها وهو يتجه بها نحو الحمام كأنه لم يسمع احتجاجها.

_ تقيلة إيه بس؟ ده أنتِ باللي في بطنك ده كله أخف من ملف قضية بايخة بقعد أقرأ فيه طول الليل.


ضحكت صبر من قلبها لأول مرة منذ فترة طويلة، ضحكة صافية ورنانة ضحكة أعادت الحياة إلى جدران الشقة الصامتة، وكانت بالنسبة لأكمل أجمل من أي موسيقى في العالم.


أدخلها الحمام وساعدها على الجلوس برفق على المقعد المخصص لم يكتفي بذلك بل انحنى وفتح الماء ليتأكد من درجة حرارته، ووضع لها المنشفة في متناول يدها وجهز لها كل شيء كأنه خادم مخلص في محراب ملكته.

_ نادي عليا أول ما تخلصي، لإني لو فضلت مضمنش نفسي والدكتورة نسرين تطين عشتي لو حصل حاجة.

ضحكت صبر

_انا بجول اكدة برضك..

خرج وهو يغلق الباب بهدوء ثم وقف خارجه متكئاً على الحائط لا كحارس، بل كرجل عاشق وجد كنزه ومستعد أن يفعل أي شيء حتى لو كان سخيفاً أو مبالغاً فيه، فقط ليرى تلك الضحكة مرة أخرى وليتأكد أن مملكته الصغيرة التي كاد أن يفقدها، آمنة وسعيدة بين يديه.


❈-❈-❈


كانت غرفة نومهما التي شهدت أجمل لحظاتهما قد تحولت إلى ساحة حرب باردة لم يكن هناك صراخ أو جدال بل كان هناك ما هو أسوأ: صمت ثقيل مشحون بالكلمات التي لم تُقل وبالجروح التي لم تندمل كان كل واحد منهما في وادي معزول، تفصلهما عن الآخر مسافة لا تُقاس بالأمتار بل بعمق الخذلان.


كانت روح تجلس على حافة السرير، ظهرها له تمشط شعرها ببطء وعيناها شاخصتان في انعكاسها الباهت في المرآة لم تكن ترى نفسها حقاً بل كانت ترى امرأة غريبة، متعبة خُدعت مرتين من أقرب الناس إليها

لم تعد قادرة على مسامحته كلما حاولت، كانت صور تلك المرأة تقتحم عقلها، وتخيلاتهما معاً تحرق روحها

لقد أصبح وجوده بجانبها تذكيراً دائماً بالخيانة ولمسته التي كانت جنتها أصبحت الآن ناراً تكويها.


على الجانب الآخر من الغرفة كان مالك يقف عند الشرفة وظهره للغرفة، ينظر إلى ظلام الليل دون أن يراه. 

كان يشعر بالعجز لقد اعتذر توسل، شرح وبرر حتى جفت الكلمات في حلقه لم يعد قادراً على التوسل أكثر من ذلك.

كبرياؤه كرجل الذي سحقه تحت قدميه من أجلها بدأ يتمرد. 

لقد أخطأ يعترف بذلك، لكنه لم يخنها. 

كان ماضياً وقد انتهى ألا يستحق فرصة؟ ألا يشفع له حبه الصادق الذي يملأ قلبه الآن؟


الصمت كان سيد الموقف يقطعه فقط صوت فرشاة الشعر وهي تمر في خصلات شعر روح الطويلة.


أخيراً لم يعد مالك يحتمل استدار ببطء ونظر إليها كانت تبدو هشة وبعيدة.

_ لحد إمتى يا روح؟

قالها بصوت هادئ لكنه يحمل بحة من الإرهاق واليأس.

لم ترد لم تتوقف حتى عن تمشيط شعرها كأنها لم تسمعه.

اقترب منها خطوة ثم توقف، كأن هناك جداراً غير مرئي يمنعه من الاقتراب أكثر.

_ لحد إمتى هنفضل اكده؟ عايشين في بيت واحد زي الأغراب أنا عارف إني غلطت، وچرحتك بس أنا كمان بتعذب صمتك ده بيجتلني كل يوم.


هنا توقفت يدها عن الحركة وضعت الفرشاة على منضدة الزينة بهدوء تام، ثم التفتت إليه. 

لم تكن في عينيها دموع بل كانت هناك برودة قاسية برودة شخص قرر أن يغلق قلبه.

_ عايزني أعمل إيه يا مالك؟ أمثل إني نسيت؟ أمثل إني مش موجوعة؟

قالتها بصوت خالٍ من أي تعبير.

_ عايزني كل ما تلمسني أعمل نفسي مش فاكرة إن نفس الإيدين دي لمست واحدة غيري؟ عايزني كل ما تبصلي أعمل نفسي مش شايفة في عنيك ذكرياتك معاها؟ أنا مقدرش.


قاطعها بيأس مطلق

_اقسملك إني ملمستهاش، اثبتلك كيف يعني.

وبعدين ده كان ماضي يا روح ماضي وراح لحاله أنتِ الحاضر والمستقبل.

قالها بصوت بدأ يفقد هدوءه.


نهضت من مكانها وتجنبت النظر إليه واتجهت نحو الأريكة في زاوية الغرفة، حاملة معها وسادة وغطاء.

_ أنت هتنامي هنا؟

سألها بعدم تصديق.

_ مقدرش أنام جنبك.

قالتها ببساطة قاطعة دون أن تلتفت إليه.


وقف مالك في منتصف الغرفة ينظر إلى ظهرها وهي تستعد للنوم على الأريكة وشعر بأن المسافة بينهما قد أصبحت محيطاً لا يمكن عبوره لقد بنى معها قصراً من الحب وفي ليلة واحدة، تحول هذا القصر إلى زنزانتين متجاورتين كل منهما سجين في وحدته وألمه، لا يرى الآخر ولا يسمعه.


❈-❈-❈


كان الليل قد انتصف، والغرفة غارقة في ضوء خافت يأتي من مصباح جانبي صغير، يلقي بظلال دافئة وناعمة على الجدران ويخلق جواً من الحميمية المطلقة. 

خرجت نغم من الحمام تلف جسدها بمنشفة قطنية ناعمة، وشعرها المبلل ينسدل على كتفيها. 


مدت يدها بشكل عفوي إلى المنضدة بجانبها باحثة عن أي شيء لترطيب بشرتها فتجمدت في مكانها. 

لم يكن هناك عبوة واحدة بل كانت مجموعة متكاملة من مستحضرات التجميل مرتبة بأناقة فائقة كأنها في واجهة عرض لأرقى المتاجر. 

أمسكت بإحدى العبوات الزجاجية الثقيلة وفتحتها، ففاحت منها رائحة زكية وهادئة، رائحة الياسمين والمسك الأبيض رائحة أنثوية ورقيقة.


استغربت بشدة وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها

كيف؟ كيف يمكن لرجل مثل جاسر بكل قسوته وصرامته أن يفكر في تفاصيل دقيقة كهذه؟ تفاصيل لا يفكر فيها إلا رجل عاشق ومتيم.


في تلك اللحظة انفتح باب الحمام، وخرج جاسر كان كعادته، حضوراً طاغياً لا يمكن تجاهله يرتدي بنطالاً منزلياً داكناً فقط تاركاً صدره العريض عارياً وقطرات الماء لا تزال تتلألأ على كتفيه وصدره تحت الضوء الخافت. 

توقف عندما رآها واقفة هناك تمسك بالعبوة وفي عينيها نظرة حيرة ودهشة لا تخطئها عين.


تقدم نحوها بخطوات واثقة خطوات الأسد الذي يتفقد مملكته وجلس بجانبها على الفراش مقترباً منها وشعرت هي بحرارة جسده.

_ عجبتك؟

سألها بصوته العميق والأجش، وهو ينظر إلى العبوة في يدها ثم رفع عينيه ليتفحص تعابير وجهها.


نظرت إليه نغم وتجاهلت سؤاله لتسأل ما يجول في خاطرها بصوت يرتجف قليلاً من فرط المشاعر.

_ كيف؟ كيف جدرت تچمع كل الحاچات دي؟ الهدوم... والكريمات... كل التفاصيل الصغيرة دي اللي أنا نفسي ممكن أنساها.

ابتسم جاسر ابتسامة هادئة، ابتسامة رجل يستمتع برؤية تأثير خططه المحكمة. 

لم تكن ابتسامة حب ساذجة، بل كانت ابتسامة المنتصر الذي يرى خصمه وقد وقع في أسره بالكامل.

قال ببساطة كأنها معلومة عادية لا تستحق كل هذه الدهشة.

_ الشجة دي أنا اشتريتها عشانك وكتبتها باسمك.

اتسعت عينا نغم بصدمة حقيقية هذه المرة، وفتحت فمها لتقول شيئاً لكن لم تخرج أي كلمات لقد نزع عنها كل أسلحتها حتى سلاح الشعور بأنها سجينة في ممتلكاته قبل أن تستوعب المفاجأة الأولى، أكمل هو ببرود محسوب.

_ أما الحاچات دي فكلفت بنت شغالة في مول كبير مديرة قسم المشتريات الشخصية، إنها تچهز كل حاچة جولت لها إني بعمل مفاجأة لمرتي وعايز كل حاچة ممكن تحتاچها في الشجة الچديدة بحيث متحتاجش تخرچ تشتري أي حاچة وهي متأخرتش.

صمت للحظة ثم أضاف ببطء وعيناه تلمعان بمكر وهو يستمتع بتأثير كلماته عليها.

_ أما الحاچات التانية دي فأنا وريتها صورتك عشان تعرف المجاس اللي هتچيب عليه.


شعرت نغم بالغيظ يختلط بالخجل وبشعور غريب من السعادة التي لم ترد الاعتراف بها لقد خطط لكل شيء، لقد كان يجهز عشهما حتى قبل أن يصطادها إليه. 

هذا الرجل كان يفكر بعقل استراتيجي حتى في الحب نظرت إليه بشيء من التحدي، محاولة استعادة رباطة جأشها.

_وهي برضه اللي اختارت الضلفة إياها؟

قصدت بذلك جانب الخزانة المليء بالملابس الجريئة، والذي كان بمثابة إعلان نوايا صريح.


ضحك جاسر ضحكة رجولية عميقة وجعلتها تشعر بارتجافها. 

اقترب منها أكثر حتى أصبح يهمس في أذنها وأنفاسه الدافئة تلفح بشرتها.

_ كل حاچة هي اللي اختارتها... إلا الضلفة دي.

صمت للحظة ثم أكمل بصوت أجش، صوت حميمي وخاص أذاب آخر ذرة من مقاومتها.

_ دي بالذات... أنا اللي اخترتها جطعة جطعة بس اونلاين كنت بتفرچ على كل واحدة فيهم وأتخيلك لابساها، كنت بختار اللون اللي هيليق على لون بشرتك، والجماشة اللي هحب ألمسها وهي عليكي.


لم تعد قادرة على التحمل هذا المزيج الفتاك من القوة والتملك والاهتمام الصريح كان أكثر مما تستطيع مقاومته. 

استدارت إليه لتنظر لعينيه كي ترى فيها ذلك البريق الذي خصه لها وحدها لكن ووجدت شفتيه في انتظارها. 

انحنى وقبلها قبلة تحمل كل شيء، القوة والحنان، الشغف والسكين قبلة رجل يأخذ وقته، لأنه يعرف أن ما بين شفتيه ملكه، ولن يذهب إلى أي مكان.


ابتعد عنها قليلاً، وعيناه لا تزالان مثبتتين في عينيها، تدرسان أثر كلماته وقبلاته عليها.

_ من بكرة مفيش حبس في الأوضة دي تاني.

قالها كأنه يصدر قراراً سيادياً.

_ البيت ده كله بتاعك تتحركي فيه براحتك بس بشرط واحد.

_ إيه هو؟

سألت بصوت هامس وقد استسلمت تماماً لسلطته.


ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية تحمل كل معاني القوة والمكر والرجولة.

_ إنك متنسيش أبداً، في كل خطوة تخطيها وفي كل نفس تاخديه بين الحيطان دي... أنتِ ملك مين.


ثم عاد ليقبلها مرة أخرى وفي هذه المرة لم يكن هناك مجال للكلمات، فقط لغة الجسد التي كانت تؤكد على حقيقة واحدة حقيقة أصبحت هي نفسها مقتنعة بها: أنها ملك لجاسر، وهو لن يتنازل عن مملكته أو عن ملكته أبداً.


بعد وقت طويل وضع رأسها على كتفه بتملك

وبدأ يمرر أصابعه في خصلات شعرها الطويلة، بينما كانت هي تستمع إلى دقات قلبه المنتظمة والقوية تحت أذنها والتي كانت تبعث في نفسها شعوراً متناقضاً بالأمان والخضوع.

_ شعرك جميل.

قالها فجأة بصوته العميق والأجش، الذي كان يرسل موجات من الدفء عبر جسدها لم تكن مجاملة رقيقة بل كانت ملاحظة تقريراً لحقيقة يملكها هو.


رفعت رأسها قليلاً لتنظر إليه كانت ملامحه هادئة تحت الضوء الخافت، لكن عينيه كانتا حادتين تدرسان وجهها بتركيز شديد.

_ أنتِ جميلة يا نغم.

أكمل بنفس النبرة الواثقة.

_ جميلة لدرجة تخلي الواحد مستعد يحرق الدنيا عشان يحتفظ بيكي لنفسه، مش بس جمال الشكل وبرضه جمال الروح


لم تكن كلماته مجرد غزل بل كانت إعلاناً تذكيراً بما فعله، وبما هو مستعد لفعله من أجلها هذا هو شموخه حتى في أوج لحظاتهما الرومانسية كان يذكرها بقوته وبأنه هو من يسيطر على هذا العالم الذي صنعه لهما.


......


كان المطبخ مضاءً بضوء دافئ ورائحة الطعام تملأ الهواء. 

وقفت نغم أمام الموقد تقلب الخضروات في مقلاة، بينما كان جاسر يقف متكئاً على الطاولة المقابلة يراقبها بذراعين مكتوفتين وملامح متجهمة عن قصد.


كان يقطع الخضار ببطء شديد وبطريقة بدائية، وكأنه يعاقبها على إجباره على المشاركة.

_مكانش ليه لزمة كل ده كنت طلبت عشا من مطعم وخلاص، وكان وصل لحد اهنه في دجايج.


لم تلتفت إليه بل ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي تواصل الطهي.

_وأني مبحبش أكل برة بحب أعمل أكلي بإيدي.


أنهت تقليب الخضروات، ووضعتها في صينية ثم استدارت لتضعها في الفرن وعندما وقفت مرة أخرى، واجهته مباشرة، وقالت بجرأة لم تكن تعرف كيف امتلكتها، وعيناها تلمعان بتحدي لطيف

_ولا إيه... يعني مش عايز تاكل من إيدي؟


رفع جاسر حاجبيه، وتلاشت ملامح الغيظ لتحل محلها نظرة ماكرة وخطيرة. 

ترك الخضرة التي كان يعذبها واقترب منها ببطء كذئب يقترب من فريسته التي يحبها. 

لم يتوقف حتى أصبح يفصلهما شبر واحد فقط.


انحنى قليلاً وهمس بصوتٍ أجش وعميق، صوت جعل قلبها يخفق بقوة.

_هو أني أطول؟ المشكلة إن أي حاچة إيدك بتلمسها... بتسرج حلاوتها كلها لنفسها. 

وأني بخاف أدوج الأكل، ألاجي طعمه كله إنتي.


شعرت بالخجل يغزوها من قوة كلماته، وحاولت أن تبتعد، لكنه وضع يديه على الطاولة خلفها، حاصراً إياها برفق.

_رايحة فين؟ لسة مساعدتي مخلصتش.


_خلاص... الأكل في الفرن.


_لأ مخلصتش.

مد يده ومسح بقعة كاتشب صغيرة جداً كانت على خدها بإبهامه، لكنه لم يبعد يده بل تركها تستقر على بشرتها الدافئة.

_لسة فاضل أهم حاچة.


وقبل أن تسأل انحنى وقبلها قبلة رقيقة وناعمة، قبلة بنكهة التوابل ورائحة المنزل الدافئ. 

كانت قبلة قصيرة لكنها كانت كافية لتجعل ساقيها ترتجفان.


ابتعد عنها قليلاً وعيناه لم تفارقا عينيها.

_إكدة... الطبج الرئيسي بجى چاهز.


بعد فترة وضعا الأطباق على الطاولة الصغيرة في منتصف المطبخ. 

جلسوا متقابلين وأضواء المطبخ الخافتة تخلق جواً من الألفة والحميمية. 

لم يكن هناك خدم لم يكن هناك بروتوكول فقط هما الاثنان.


كان جاسر يأكل ببطء، وعيناه عليها أكثر من طبقه.

_تسلم إيدك.


قالت بخجل

_بالهنا.


_لأ بجد أني كنت بكدب لما جولت نطلب أكل من برة مفيش حاچة في الدنيا طعمها أحلى من إكدة.


لم يكن يتحدث عن الطعام فقط، بل كان يتحدث عن اللحظة كلها. 

عن وجودها معه في مساحتهما الخاصة، عن شعوره بأنه في "بيت" حقيقي لأول مرة.


مد يده عبر الطاولة وأمسك بيدها تشابكت أصابعهما فوق الطاولة، بين الأطباق وفي صمت أكملوا عشاءهما يتحدثان بلغة العيون واللمسات، في مشهد بسيط ورومانسي، كان أغلى من كل كنوز العالم.


❈-❈-❈


كانت طاولة العشاء في قصر الرفاعي عامرة كعادتها تجمع أفراد العائلة في مشهد يبدو مثالياً للدفء والسكينة. 

الضحكات الهادئة، الأحاديث الجانبية، وصوت الملاعق وهي تلامس الأطباق، كل ذلك كان يرسم لوحة من السلام الأسري الذي طال انتظاره.


لكن تحت هذا السطح الهادئ كان هناك بركان صامت على وشك الانفجار.


جلس مالك بجوار روح كلاهما يمثلان دورهما بإتقان تام. 

هو يضع لها الطعام في طبقها، وهي تبتسم له ابتسامة باهتة من يراهم من بعيد يظن أنهما زوجان متحابان كالعادة، لكن من يدقق النظر يرى الفجوة الجليدية بينهما. 

كانت روح تأكل ببطء، كل لقمة تنزل بصعوبة وعيناها مثبتتان على طبقها، تهرب من النظر إليه، أما هو فكان يشعر بنظراتها الخاطفة المليئة بالألم والعتاب، وكانت كل نظرة منها كسهم يخترق قلبه لكنه حافظ على هدوئه وصلابته أمام الجميع.


كسر الحاج وهدان الصمت العام بسؤاله الموجه إلى ليل

_ اتصلتي على نغم يا ليل؟ طمنيني عليها.


ابتسمت ليل ابتسامة رضا صادقة، وهي ترى السلام يعود لعائلتها أخيراً.

_ أيوه يا عمي لسة جافلة معاها جبل العشا، الحمد لله ربنا هداها وهدى جوزها، مبسوطة ومرتاحة.


تهلل وجه وهدان بسعادة حقيقية

_ الحمد لله... الحمد لله، كدة اطمنت عليها.


على الجانب الآخر من الطاولة كان سند يراقب وعد التي كانت تحاول أن تأكل بيد واحدة بينما تحتضن ابنها الصغير "عدي" باليد الأخرى. 

كان الصغير يتململ قليلاً مما يجعل مهمتها صعبة.


مال سند نحوها وهمس بحنان.

_ هاتيه عنك يا وعد عشان تعرفي تاكلي براحتك.


ابتسمت له وعد ابتسامة متعبة ولكنها مليئة بالحب.

_ خليه يا سند مش مانعني ولا حاچة اتعودت خلاص.


لكن نادية والدة سند التي كانت قد انتهت من طعامها، لم تقبل بذلك

نهضت من مكانها واتجهت نحوهما بحنان الجدة الفخورة

_ لاه هاته يا وعد أنا خلصت شعبت سيبيهولي بجا أشبع منه شوية.


أخذت نادية حفيدها بسعادة غامرة وبدأت تداعبه وتناغيه، بينما تفرغت وعد أخيراً لطعامها نظر إليها سند بابتسامة دافئة، ومد يده تحت الطاولة ليمسك بيدها، في لفتة صامتة تقول لها "أنا هنا".


وسط كل هذا الدفء العائلي شعر مالك بوخزة حادة من الغيرة والألم. 

رأى حب سند لوعد وسعادة جده باستقرار نغم وشعر وكأنه هو الوحيد الذي يقف في قلب العاصفة. 

نظر إلى روح فرآها تنظر إلى سند ووعد بابتسامة حزينة 

ابتسامة امرأة اهتزت مكانتها


في تلك اللحظة التقت أعينهما لثانية واحدة، لم تكن هناك كلمات لكن عينيه قالت "سامحيني" وعيناها ردت بوضوح "كيف؟".


أشاحت بوجهها سريعاً وعادت إلى طبقها تاركة مالك وحيداً مع إحساسه بالذنب، في وليمة من السعادة لم يكن له نصيب فيها.


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة